3
1
|١ ا|[MS Leiden] بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلاّ باللّه
2
كتاب الإيضاح لأرسطوطاليس
3
فى الخير المحض
4
١ ــ باب آخر
5
قال: كُلُّ عِلّةٍ أوّلية فهى أكثر فيضًا على معلولها من العلّة الكلية الثانية. فإذا
6
رفعت 〈العلّة〉 الكلية الثانية قوّتها عن الشىء، فإن العلّة الكلية الأولى لا ترفع
7
قوتها عنه، وذلك أن 〈العلّة〉 الكلية الأولى تفعل فى معلول العلة الثانية قبل أن تفعل
8
فيه العلّة الكلية الثانية التى تليه. فإذا فعلت العلّة الثانية التى تلى المعلول لم يستغنِ فعلُها عن
9
العلّة الأولى التى فوقها. وإذا فارقت 〈العلّة〉 الثانية المعلولَ الذى يليها لم تفارقه العلّة
10
الأولى التى فوقها، |١ ب|[MS Leiden] لأنها علّة لعلّته. فالعلّة الأولى إذن أشدُّ علّة للشىء من علّته
11
القريبة التى تليه.
12
ونحن مُمَثِّلون ذلك بالأنيّة والحى والإنسان، وذلك أنه ينبغي أن يكون للشىء أنّيةٌ
13
أولًا ثم 〈يكون〉 حيًا ثم إنسانًا. «فالحىّ» هو علّة الإنسان القريبة، و«الأنية»
14
هي علته البعيدة: «فالأنية» أشدّ علّة للإنسان من «الحى» لأنها علّة لل«حى»
15
الذي هو علَّة للإنسان. وكذلك إذا جعلت النطق علَّة للإنسان، كانت الأنية أشدّ
16
علًّة للإنسان من النطق لأنها علّة لعلّته. والدليل على ذلك 〈أنه〉 إذا رفعتَ «القوة
17
الناطقة» عن الإنسان لم يبق إنسانًا وبقي حيًّا متنفًّا حسّاسًا؛ وإذا رفعتَ عنه «الحى»
4
1
لم يبق حيًّا ويبقى أنيًّا، لأن الأنية لا ترتفع عنه، ويرتفع «الحى» لأن العلّة
2
لا ترتفع بارتفاع معلولها؛ فيبقى الإنسان أنّيًا: فإذا لم يكن الشخص إنسانًا كان حيوانًا،
3
وإن لم يكن حيوانًا كان أنّيًا فقط.
4
فقد بان ووضح أن العلَّة الأولى البعيدة أكثر إحاطة وأشدُّ علّة للشىء من علّته القريبة.
5
من أجل ذلك صار فعلُها أشدَّ لزومًا للشىء من فعل علّته القريبة. وإنما صار هذا على هذا
6
لأن الشىء إنما ينفعل أوّلًا من القوة البعيدة، ثم ينفعل ثانيًا من القوة التى هى دون
7
الأولى، والعلَّة 〈الأولى〉 قد تُعين العلَّة الثانية على فعلها، لأن كُلَّ معلولِ علَّة تفعله
8
العلّة الثانية والعلّة الأولى أيضًا لكنها تفعله بنوع آخر أعلى وأرفع |٢ ب|[MS Leiden]. وإذا
9
رفعت العلّة الثانية 〈عن〉 معلولها لم تفارقه العلّة الأولى، لأن فعل العلّة الأولى أعظم
10
وأشدّ لزومًا للشىء من فعل عِلَّته القريبة. وإنما ثبت معلول العلَّة الثانية بقوة العلة الأولى،
11
وذلك أن العلّة الثانية إذا فعلت شيئًا أفاضت العلَّة الأولى التى فوقها 〈على ذلك الشىء
12
من قوّتها، فتلزمه〉 لزومًا شديدًا وتحفظه.
13
فقد بان ووضح أن العلَّة الأولى هى أشدُّ علَّةً للشىء من علّته القريبة التى تليه، وأنّها
14
تفيض قوتها عليه وتحفظه، ولا تفارقه مفارقة علَّته القريبة، وقد تبقى فيه وتلزمه لزومًا شديدًا
15
على ما بيّنا وأوضحنا.
16
٢ ــ باب آخر
17
كل أَنِّية بحق إمَّا تكون أعلى من الدهر وقبله، وإمّا |٣ ا|[MS Leiden] مع الدهر، وإما بعد
5
1
الدهر وفوق الزمان. أمّا الأنّية التى قبل الدهر فهي العلة الأولى لأنّها علة له؛ وأما
2
〈الأنية〉 التى مع الدهر فهي العقل، لأنه الأنية الثانية؛ وأما الأنّية التى
3
بعد الدهر وفوق الزمان فهي النفس، لأنها فى افق الدهر سفلًاوفوق الزمان. ـــ والدليل
4
على أن العلة الأولى قبل الدهر بَيِّنٌ، وذلك أن الأنيّة فيه مستفادة؛ ونقول: كل
5
دهر أنية، وليس كل أنية دهرًا ـــ فالأنية أكثر 〈سعة〉 من الدهر. والعلة الأولى
6
فوق الدهر، لأن الدهر معلول منها، والعقل يحاذى الدهر، لأنه ممتدُّ معه ولا يتغيّر
7
ولا يستحيل. والنفس لاصقة مع الدهر سُفْلًا، لأنها أسفل تأثيرًا من العقل، ومن فوق
8
الزمان |٣ ب|[MS Leiden] لأنها علة الزمان.
9
٣ ــ باب آخر
10
كل نفسٍ شريفة فهي ذات ثلاثة أفاعيل: فعل نفساني، وفعل عقلي وفعل إلهى.
11
فأما الفعل الإلهي فإنها تدبّر الطبيعة بالقوة التى فيها من العلة الأولى. وأما فعلها العقلي فإنها
12
تعلم الأشياء بقوة العقل التى فيها. وأما الفعل النفسانى فإنها تحرّك الجرم الأوّل وجميع الأجرام
13
الطبيعية لأنها هى علة حركة الأجرام وفِعْلِ الطبيعة. وإنما فعلت النفسُ هذه الأفاعيل لأنها
14
مثال من القوة العالية، وذلك أن العلة الأولى أبدعت أنيّة النفس بتوسط العقل، ولذلك صارت
15
النفس تفعل فعلًا إلهيًا. فلما أبدعت العلة الأولى |٤ ا|[MS Leiden] أنّيةَ النفس صيّرتها كسِياق
16
العقل يفعل العقل فيها أفاعيله، فلذلك صارت النفس العقلية تفعل فعلًا عقليًا.
6
1
فلما قبلت النفسُ تأثيرَ العقل صارت أدنى فعلًا منه فى تأثيرها فيما تحتها، وذلك لأنّها
2
لا تؤثر فى الأشياء إلّا بحركةٍ، أعنى أنه لا يقبل ما تحتها فعلَها إلّا أن تحرّكه؛ فلهذه
3
العلّة صارت النفس تحرك الأجرام، فإن من خاصّة النفس أن تحي الأجسام إذا فاضت
4
عليها قوّتها وتسدّدها أيضًا إلى الفعل الصواب.
5
فقد وضح الآن أن النفس ذات أفاعيل ثلاثة، لأنها ذات قوًى ثلاثة: قوة إلهية،
6
وقوة عقلية، وقوة ذاتية ـــ على ما وصفنا وبيّنا.
7
٤ ــ باب آخر
8
إن أوّل الأشياء |٤ ب|[MS Leiden] المبتدعة الأنّية، وليس من ورائها مبتدع آخر، وذلك أن
9
الأنّية فوق الحسّ وفوق النفس وفوق العقل. وليس بعد العلَّة الأولى أوسع ولا أكثر
10
معلولات منها، ولذلك صارت أعلى الأشياء المبتدعة كلّها وأشدّها اتحادًا. وإنما صارت
11
كذلك لقربها من الأنية المحضة الواحد الحق الذى ليس فيه كثرة من الجهات.
12
والأنية المبتدِعة ـــ وإن كانت واحدة ـــ فإنها تتكثر أعنى أنها تقبل الكثير؛ وإنما
13
صارت كثيرة لأنها، وإن كانت بسيطة ليس فى المبتدعات أبسط منها، فإنها مركَّبة من
14
نهاية ولا نهاية؛ وذلك أن كل ما كان منها يلى العلَّة الأولى فهو عقل تام كامل غاية
15
فى القوة، وسائرُ |٥ ا|[MS Leiden] الفضائل والصور العقلية فيه أوسع وأشدُّ كلية، والأسفل
16
منه فهو عقلٌ أيضًا، إلّا أنه دون ذلك العقل فى التمام والقوة والفضائل. وليست الصور
7
1
فيه أوسع كسعتها فى ذلك العقل. والأنية المبتدعة الأولى عقلٌ كلها، إلّا أن العقل
2
يختلف بالنوع الذى ذكرنا، فلما اختلف العقل، صار هناك صور عقلية مختلفة.
3
أن الصورة الواحدة إذا اختلفت فى العالم السفليّ حدث منها أشخاص لا نهاية لها فى
4
كثرة ـــ كذلك الأنيّة الأولى المبتدعة: لما اختلفت ظهرَتْ الصُّوَرُ التى لا نهاية لها،
5
أنها وإن اختلفت فإنها لا يتباين |٥ ب|[MS Leiden] بعضها من بعض كمباينة الأشخاص، وذلك
6
تتحد من غير تفاسد، وتتفرق من غير تباين، لأنها واحدٌ ذات كثرة وكثرةٌ
7
بدانية.
8
والعقول الأوَل تفيض على العقول الثواني الفضائلَ التى تنال من العلَّة الأولى، 〈و〉
9
تلك الفضائل فيها إلى أن تبلغ آخرها. والعقول العالية الأول التى تلى العلَّة الأولى
10
أثر الصور الثابتة القائمة التى لا تدثر فلا تحتاج إلى إعادتها مرةً أخرى. وأما العقول
11
الثواني 〈فتؤثر الصور المائلة الزائلة كالنفس فإنها من تأثير العقول الثواني〉 التى تلى
12
الأنّية المبتدعة سفلًا. وإنما كثرت الأنفس بالنوع بالذي به تكثرت العقول، وذلك أن
13
أنّية النفس أيضًا ذات نهاية؛ وما كان منها سفلًا فغيرُ متناهٍ. فالأنفس التى تلى العقل تامّة
8
1
كاملة [قليلة الميل والزوال]. والأنفس التى تلى 〈الأنية〉 سفلًا هى فى التمام
2
والميلان دون 〈الأنفس〉 العالية. والأنفس العالية تفيض بالفضائل، التى تقبل
3
من العقل، على الأنفس 〈السفلية〉. وكل نفسٍ تقبل من العقل قوةً أكثر فهي
4
على التأثير أقوى، ويكون المؤثر فيها ثابتًا باقيًا، وتكون حركته حركة مستديرة متصلة.
5
وما كان منها قوةُ العقل فيه أقل، يكون فى التأثير دون الأنفس الأُوَل، ويكون
6
المؤثر منها ضعيفًا مستحيلا داثرًا. إلّا أنه، وإن كان كذلك، فإنه يدوم بالكون.
7
فقد استبان لِمَ صارت الصور العقلية كثيرة، وإنما هى أنية واحدة مبسوطة،
8
ولِمَ صارت الأنفس كثيرة، بعضها أقوى من بعض، وأنيتها واحدة مبسوطة
9
لا خلاف فيها.
10
٥ ــ باب آخر
11
إن العلة الأولى أعلى من الصفة. وإنما عجزت الألسُن عن صفتها من أجل وصف
12
أنّيتها لأنّها فوق كل علة واحدة. وإنما وُصِفَت العللُ الثواني التى استنارت من نور
13
العلة الأولى، وذلك أن العلة التى تنير أولًا تنير معلولها، وهي لا تستنير مِنْ نورٍ آخر
9
1
لأنّها هى النور المحض الذى ليس فوقه نور. فمن ذلك صار الأوّل وحده يفوت الصفةَ.
2
وإنما كان كذلك لأنه ليس فوقه علة يُعرّف بها. وكل شىء إنما يعرَّف ويوصف من
3
تلقاء علته. فإذا كان الشىء علةً فقط وليس بمعلول، لم يُعْلَم بعلة أولى ولا يوصف لأنه أعلى
4
من الصفات؛ |٧ ا|[MS Leiden] وليس يبلغه المنطق، وذلك أن الصفة إنما تكون بالمنطق،
5
والمنطق بالعقل، والعقل بالفكر، والفكر بالوهم، والوهم بالحواسّ ـــ والعلة الأولى فوق
6
الأشياء كلها لأنّها علة لها، فلذلك صارت لا تقع تحت الحس والوهم والفكر والعقل
7
والمنطق؛ فليست إذًا بموصوفة.
8
وأقول أيضًا: إن الشىء إمّا أن يكون محسوسًا فيقع تحت الحواس؛ وإمّا أن يكون
9
متوهّمًا فيقع تحت الوهم؛ وإما أن يكون ثابتًا قائمًا على حالٍ واحدة لا يتغير فيكون معقولًا؛
10
وإما أن يكون متغيرًا داثرًا واقعًا تحت الكون والفساد فيكون واقعًا تحت الفكرة. والعلة
11
الأولى فوق الأشياء العقلية الدائمة، |٧ ب|[MS Leiden] وفوق الأشياء الداثرة ولذلك لا تقع عليها
12
الحواسُّ ولا الوهم ولا الفكرة ولا العقل؛ وإنما يُستدلُّ عليها من العلة الثانية وهى العقل.
13
وإنما تسمى باسم معلولها 〈الأول〉 بنوع أرفع وأفضل، لأنّ الذى للمعلول هو
14
للعلة أيضًا إلا أنه بنوع أرفع وأفضل وأكرم، كما بيّنا.
15
٦ ــ باب آخر
16
العقل جوهر لا يتجزّأ. وذلك أنه إن كان ليس بعظَمٍ[*]بعظَمٍ corrupt for بعظمٍ ولا بجسمٍ ولا يتحرك ـــ
17
فلا محالة أنه لا يتجزأ. وأيضًا فإن كل متجزّئ إما أن يتجزأ بالكثرة، وإما فى العِظَم[*]العِظَم corrupt for العظم،
10
1
وإما فى حركته؛ فإذا كان الشىء على هذه الحال، كان تحت الزمان، لأنه إنما يقبل
2
التجزئة |٨ ا|[MS Leiden] فى زمانٍ. وليس العقل داخلا تحت الزمان، بل هو مع الدهر، فلذلك
3
صار أرفع وأعلى من كل جسم وكل كثرة. فإن ألفيت فيه كثرة فإنما تُلقى فيه موحدة
4
كأنها شىء واحد. فإذا كان العقل على هذه الصفة لم يقبل التجزئة البتة. والدليل على ذلك
5
رجوعُه إلى ذاته، أعنى أنه لا يميز مع الشىء المميز، فيكون أحد طرفيه نابيًا من
6
الآخر. وذلك أنه إذا أراد علم الشىء الجسماني الممتدّ امتدّ معه وهو ثابت قائم على حاله
7
لأنها صورةٌ لا يضيق عنها شيء، وليست الأجرام كذلك.
8
والدليل أيضًا على أن العقل ليس بجرم ولا يتجزأ ـــ جوهره وفعله: فإنهما شىء واحد.
9
والعقل كثير من تلقاء الفضائل |٨ ب|[MS Leiden] الآتية إليه من العلة الأولى. وهو، وإن تكثر
10
بهذا النوع، فإنه ما قرب من الواحد صار واحدًا لا ينقسم. والعقل لا يقبل التقسيم لأنه
11
أولُ مُبْدَعٍ أُبْدِعَ من العلة الأولى: فالوحدانية أوْلى به من الانقسام.
12
فقد صَحَّ أنَّ العقل جوهر، ليس بعظم ولا جسم، ولا يتحرك بنوع من أنواع الحركة
13
الجسمانية. ولذلك صار فوق الزمان، كما بينّا.
14
٧ ــ باب آخر
15
كل عقل يعلم ما فوقه وما تحته. إلا أنه يعلم ماتحته بأنه علة له، ويعلم ما فوقه لأنه
16
يستفيد منه الفضائل. والعقل جوهر عقلي. فعلى نحو جوهره يعلم الأشياء التى يستفيدها من
11
1
فوق، والأشياء التى هو لها علة: فهو مميز |٩ ا|[MS Leiden] ما فوقه وما تحته، ويعلم أن ما فوقه علة له،
2
وما تحته معلول منه. ويعرف علته ومعلوله بالنوع الذى هو عليه، أعنى بنوع جوهره.
3
وكذلك كل عالمٍ: إنما يعلم الشىء الأفضل والشىء الأدنى الأرذل على نحو جوهره وذاته،
4
لا على نحو ما عليه الأشياء. فإن كان هذا هكذا، فلا محالة إذن أن الفضائل التى تتنزّل
5
على العقل من العلة الأولى تكون فيه عقلية، 〈وكذلك الأشياء الجسمانية المحسوسة
6
تكون فى العقل عقلية〉. وذلك أن الأشياء التى فى العقل ليست الآثار بعينها، بل هى
7
علل الآثار. والدليل على ذلك أن العقل بعينه علة الأشياء التى تحته بأنه عقل فقط.
8
فإذا كان العقل علة الأشياء بأنه عقل، فلا محالة أن علل الأشياء فى العقل عقلية أيضًا.
9
فقد استبان |٩ ب|[MS Leiden] أن الأشياء فوق العقل وتحته قوة عقلية لأنه علة لها. وكذلك
10
الأشياء الجسمانية مع العقل عقلية، والأشياء العقلية فى العقل عقلية، لأنه علة لعلتها، ولأنه
11
إنما يدرك الأشياء بنوع جوهره: وهو أنه عقل ـــ فيدرك الأشياء إدراكًا عقليًا ـــ عقليةً
12
كانت الأشياء أم جسمانية.
13
٨ ــ باب آخر
14
كل عقل إنما ثباته وقوامه فى الخير المحض، وهى العلة الأولى. وقوة العقل أشدُّ
15
وحدانية من الأشياء الثوانى التى بعده لأنها لا تنال معرفته. وإنما صار كذلك لأنه علة
16
لما تحته. والدليل على ذلك ما نحن ذاكرون: أن العقل مدبّرٌ لجميع الأشياء التى تحته بالقوة
17
الإلهية |١٠ ا|[MS Leiden] التى فيه، وبها يمسك الأشياء لأنه بها كان علة الأشياء. وهو يمسك
12
1
جميع الأشياء التى تحته ويحيط بها، وذلك أن كل ما كان أولًا للأشياء وعلة لها فهو
2
ماسك لتلك الأشياء ومدبّر لها ولا يفوته منها شىء من أجل قوّته العالية.
3
فالعقل إذن رئيس جميع الأشياء التى تحته وممسكها ومدبّرها، كما أن الطبيعة تدبّر
4
الأشياء التى تحتها بقوة العقل؛ وكذلك العقل يدبر الطبيعة بالقوة الإلهية. وإنما صار العقل
5
يمسك الأشياء التى بعده ويدبّر لها وتعلو قوّته عليها لأنها ليست بقوةٍ جوهرية له، بل
6
هي قوة القوى الجوهرية لأنه علة لها. والعقل يحيط بالأكوان الطبيعية وما فوق الطبيعة
7
|٠١ ب|[MS Leiden] أعنى النفس فإنها فوق الطبيعة، وذلك أن الطبيعة تحيط بالكون والنفس
8
تحيط بالطبيعة، والعقل يحيط بالنفس، فالعقل إذن يحيط بالأشياء كلها. وإنما صار العقل
9
كذلك من أجل العلة الأولى التى تعلو الأشياء كلها لأنها علة العقل والنفس والطبيعة
10
وسائر الأشياء. والعلة الأولى ليست بعقل ولا نفس ولا طبيعة، بلى هى فوق العقل والنفس
11
والطبيعة لأنها مبدِعة لجميع الأشياء، إلّا أنها مبدعةُ العقل بلا توسُّط، ومبدعةُ النفس
12
والطبيعة وسائر الأشياء بتوسُّط العقل. ـــ والعلم الإلهي ليس كالعلم العقلي ولا كعلم النفس،
13
بل هو فوق علم العقل وعلم النفس، لأنه مُبْدعُ العلوم. |١١ ا|[MS Leiden] والقوة الإلهية فوق كل قوةٍ
14
عقلية ونفسانية وطبيعية لأنها علة لكل قوة؛ والعقل ذو كلية لأنه أنية وصورة، وكذلك
15
النفس ذات كلية، والطبيعة ذات كلية. وليس للعلة الأولى كلية، لأنها أنية فقط. فإن
16
قال قائل: لا بدّ من أن تكون لها كلية ـــ قلنا: كليتها لا نهايتها، وشخصها الخير
17
المحض المفيض على العقل جميع الخيرات، وعلى سائر الأشياء بتوسُّط العقل.
18
٩ ــ باب آخر
19
كل عقل فإنه مملوءٌ صورًا، إلا أن من العقول ما يحيط بصورٍ أكثر كلية، ومنها
20
ما يحيط بصورٍ أقلّ كلية. وذلك أن الصور التى فى العقول الثواني السفلية بنوع جزئي هى
13
1
فى العقول الاوَل بنوع كلي. |١١ ب|[MS Leiden] والصور التى هى للعقول الأوَل بنوع كلي هى
2
فى العقول الثواني بنوع جزئي. وللعقول الأول قوى عظيمة لأنها أشدُّ وحدانية من العقول
3
الثواني السفلية. وللعقول الثواني السفلية قوى ضعيفة لأنها أقل وحدانيةً وأكثر تكثيرًا
4
وذلك أن العقول القريبة من الواحد الحق المحض أقلُّ كميةً وأعظم قوة. والعقول التى هى
5
أبعد من الواحد الحق المحض أكثر كمية وأضعف. فلما كانت العقول القريبة من الواحد
6
الحق المحض أقل كمية عَرَضَ من ذلك أن تكون الصور التى تنبجس من العقول الأُوَل
7
انبجاسًا كليًا متوحّدًا تنبجس من العقول الثواني انبجاسًا جزئيًا متفرقًا.
8
|١٢ ا|[MS Leiden] ونختصر فنقول: إن الصور التى تأتي من العقول الثواني هى أصعب
9
انبجاسًا وأشدُّ تفرقًا؛ فلذلك صارت العقول الثواني تلقي أنوارها على الصور الكلية التى
10
فى العقول الكلية فتجزئها وتفرّقها لأنها لا تقوى أن تنال تلك الصور على حقيقتها وصورتها
11
إلا بالنوع الذى يقوى على نيلها، أعنى بالتفريق والتجزئة. وكذلك كلُّ شيءٍ من الأشياء
12
إنما ينال ما فوقه بالنوع الذى يقوى على نيله، 〈لا〉 بالنوع الذى عليه
13
الشىء المنال.
14
١٠ ــ باب آخر
15
كل عقل يعقل أشياء دائمة لا تدثر ولا تقع تحت الزمان، وذلك أنه إن كان العقل
16
دائمًا لا يتحرك، فإنه علة لأشياء دائمة لا تستحيل ولا تقع تحت الكون والفساد. |١٢ ب|[MS Leiden]
17
وإنما صار العقل كذلك لأنه يعقل بأنّيته، وأنّيته دائمة لا تستحيل ولا تتغيّر. فإن كان
14
1
هذا هكذا، قلنا إن علة الأشياء المستحيلة الواقعة تحت الكون والفساد من علة جرمية
2
زمانية، لا من علة عقلية دهرية.
١١ ــ باب آخر
4
الأوائل كلها بعضها فى بعض بالنوع الذى يليق أن يكون احدها فى الآخر، وذلك
5
أن فى الأنية الحياة والعقل، وفى الحياة الأنية والعقل، وفى العقل الأنية والحياة. إلا أن
6
الأنية والحياة فى العقل عقلان، والأنية والعقل فى الحياة حياتان، والعقل والحياة فى الأنية
7
أنّيتان. وإنما كان ذلك كذلك لأن كل أول من الأوائل إما أن يكون علّة، وإما أن
8
يكون |١٣ ا|[MS Leiden] معلولًا. فالمعلول فى العلّة بنوع العلّة، والعلَّة فى المعلول بنوع المعلول.
9
ونحن موجزون وقائلون: إن الشىء الكائن فى الشىء بنوع علَّة إنما يكون فيه
10
بالنوع الذى هو عليه: مثل الحسّ فإنه فى النفس بنوعٍ نفساني، والنفس فى العقل بنوع
11
عقلي، والعقل فى الأنّية بنوعٍ أَنِّى، والأنية الأولى فى العقل بنوع عقلي، والعقل فى النفس
12
بنوع نفساني، والنفس فى الحسّ بنوع حسّى. ونرجع فنقول: إن الحسّ والنفس فى العقل
13
والعلّة الأولى بنوعٍ 〈وبنوعٍ〉 على ما بيّنا.
14
١٢ ــ باب آخر
15
كل عقل 〈بالفعل〉 فإنه يعقل ذاته، وذلك أنه عاقلٌ ومعقولٌ معًا. فإذا كان
16
العقل عاقلًا ومعقولًا، فلا محالة أنه يرى ذاته. 〈فإذا رأى ذاته〉 علم أنه عقلٌ يعقل
15
1
ذاته. فإذا علم ذاته علم سائر |١٣ ب|[MS Leiden] الأشياء التى تحته لأنها منه، إلّا أنها فيه بنوع عقلي.
2
فالعقل والأشياء المعقولة واحدٌ. وذلك أنه إن كان جميع الأشياء المعقولة فى العقل،
3
والعقل يعلم ذاته، فلا محالة أنه إذا علم 〈ذاته علم سائر الأشياء. وإذا علم〉 سائر
4
الأشياء علم ذاته. وإذا علم الأشياء فإنما يعلمها لأنها معقولة. فالعقل إذن يعلم ذاته
5
ويعلم الأشياء المعقولة معًا، كما بيّنا.
6
١٣ ــ باب آخر
7
كلُّ نفسٍ فإن الأشياء الحسّية فيها لأنها مثالٌ لها، والأشياءُ العقلية فيها لأنها عَلَم
8
لها. وإنما صارت كذلك لأنّها متوسطة بين الأشياء العقلية التى لا تتحرك، وبين الأشياء
9
الحسّية المتحركة. فلما كانت النفس كذلك، صارت تؤثر الأشياء الجرمية، فلذلك صارت
10
علّة الأجرام وصارت معلولة من العقل الذى قبلها. |١٤ ا|[MS Leiden] فالأشياء التى أثرت من النفس
11
〈هي〉 فى النفس بمعنى مثال، أعنى أن الأشياء الحسية مثلتْ على مثال النفس،
12
والأشياء التى تقع فوق النفس هى فى النفس بنوع مستفاد.
13
فإذا كان هذا هكذا، عُدْنا فقلنا إن الأشياء الحسية كلها فى النفس بنوع علّة، غير
14
أن النفس علّة مثالية. واعنى بالنفس القوةَ الفاعلة للأشياء الحسّية. إلّا أن القوة الفاعلة فى
15
النفس ليست هيولية، والقوة الجرمية فى النفس روحانية، والقوة المؤثرة فى الأشياء ذوات
16
الأبعاد بلا بُعْدٍ. وأما الأشياء العقلية فى النفس فإنها بنوعٍ عرضى، أعنى أن الأشياء العقلية
17
التي لا تتجزأ هى فى النفس بنوعٍ يتجزأ، والأشياء العقلية والوحدانية هى فى النفس
16
1
|١٤ ب|[MS Leiden] بنوع تكثير، والأشياء العقلية التى لا تتحرك هى فى النفس بنوع حركة.
2
فقد استبان أن الأشياء كلها ـــ العقلية والحسية ـــ فى النفس، إلّا أن الأشياء الحسّية
3
الجرمية المتحركة هى فى النفس بنوعٍ نفساني روحاني وحداني، وأن الأشياء العقلية المتوحّدة
4
الساكنة هى فى النفس بنوع تكثير متحركة، كما بيّنا.
١٤ ــ باب آخر
6
كل عالم يعلم ذاته هو راجع إلى ذاته رجوعًا تامًّا. وذلك أن العلم إنما هو فعل
7
〈عقليّ〉 فإذا علم العالم ذاته، فقد رجع بعلمه إلى ذاته، وإنما يكون هذا هكذا، إذا
8
كان العالم والمعلوم شيئًا واحدًا، لأن علم العالم لذاته يكون منه وإليه: يكون منه بأنه عالم،
9
وإليه بأنه معلوم. وذلك أنه لما كان العلم علمَ العالم، وكان العالم يعلم ذاته ـــ كان
10
|١٥ ا|[MS Leiden] فعله راجعًا إلى ذاته، فجوهره راجعٌ إلى ذاته أيضًا. وإنما نعني برجوع الجوهر
11
إلى ذاته أنه قائم ثابت بنفسه لا يحتاج فى ثباته وقيامه إلى شىء آخر يقيمه، لأنه جوهرٌ
12
بسيطٌ مكتفٍ بنفسه.
13
١٥ ــ باب آخر
14
كل القوى التى لا نهاية لها متعلقة باللانهاية الأولى التى هى قوة القوى، لأنها
15
لا مستفادة أو ثابتة قائمة فى الأشياء الهويّة، بل هى قوة الأشياء الهويّة ذوات
16
الثبات. فإن قال قائل بأن الهويّة الأولى المبتدَعة، أعنى العقل، قوة لا نهاية لها ـــ
17
1
قلنا: ليست الهويّة المبتدَعة قوة، بل لها قوةٌ ما. وإنما صارت قوتها غير متناهية سفلا
2
لا علوًا لأنها ليست بالقوة المحضة التى إنما هى قوة بأنها قوة، وهي الأشياء التى
3
لا تتناهى نهاية |١٥ ب|[MS Leiden] سفلًا ولا عُلْوًا. فأما الهوية الأولى المبتدعة، أعنى ألعقل،
4
فلها نهاية ولقوتها نهاية أيضًا ببقاء علتها. وأما الهوية الأولى المبتدعة فهى اللانهاية
5
الأولى المحضة. وذلك أنه أن كانت الهويات القريبة لا نهاية لها من أجل استفادتها
6
〈من〉 اللانهاية الأولى المحضة التى من أجلها كانت الهويات، وإن كانت
7
الهوية الأولى هى التى جعلت الأشياء 〈التي〉 لا نهاية لها، فلا محالة انها فوق
8
اللانهاية. وأما الهوية المبتدَعة الأولى، أعنى العقل، فليست لا نهائية، بل يقال إنها
9
غير متناهية، ولا يقال إنها هى التى لا نهاية بعينها. فالهوية الأولى إذن هى مقدار الهويات
10
الأولى العقليات والهويات الثواني الحسّيات، أعنى أنها هى التى ابتدعت |١٦ ا|[MS Leiden]
11
الهويات وقَدَّرَتْها مقدارا ملائمًا لكل هوية.
12
ونعود فنقول: إن الهوية الأولى المبتدِعة فوق اللانهاية. فأما الهوية الثانية المبتدَعة فإنها
13
غير متناهية. والذي بين الهوية الأولى المبتدِعة وبين الهوية الثانية المبتدَعة لا نهاية.
14
وسائر الفضائل المفردة ـــ 〈مثل〉 الحياة والضياء وما أشبههما ـــ فإنها علل
18
1
الأشياء كلها ذوات الفضائل، أعنى أن اللانهاية التى هى من العلّة الأولى والمعلول الأول
2
هي علّة كل حياة، وكذلك سائر الفضائل المتنزلة من العلّة الأولى على المعلول الأوّل
3
أوّلًا وهو العقل، ثم تتنزّل على سائر المعلولات العقلية والجسمانية بتوسّط العقل.
4
١٦ ــ باب آخر
5
كل قوة وحدانية فهي أكثر 〈في〉 اللانهاية من القوة المتكثّرة، |١٦ ب|[MS Leiden]
6
وذلك أن اللانهاية الأولى 〈التي〉 هى العقل قريبةٌ من الواحد الحق المحض. فمن أجل
7
ذلك صارت كل قوة قريبة من الواحد الحق المحض فاللانهاية فيها أكثر من القوة البعيدة
8
منه. وذلك أن القوة إذا بدأت تتكثر، فإنها تهلك وحدانيتها. فإذا هلكت وحدانيتها،
9
هلكت لا نهايتها التى كانت فيها. وإنما تفقد القوةُ اللانهايةَ من أجل تجزئتها. والدليل
10
على ذلك القوة المتجزئة وأنها كلما اجتمعت وتوحدت، عظمت واشتدت وفعلت أفاعيل
11
عجيبة؛ وكلما تجزأت وانقسمت، صغرت وضعفت وفعلت أفاعيل خسيسة.
12
فقد بان إذن ووضح أن القوة كلما قربت من الواحد الحق المحض اشتدت وحدانيتها؛
13
وكلما اشتدت وحدانيتها كانت |١٧ ا|[MS Leiden] اللانهاية فيها اظهر وأبين، وكانت أفاعيلها
14
أفاعيل عظيمة عجيبة شريفة.
19
1
١٧ ــ باب آخر
2
الأشياء كلها ذات هويات من أجل الهوية الأولى. والأشياء الحّية كلها متحركة
3
بذاتها من أجل الحياة الأولى. والأشياء العقلية كلها ذوات علمٍ، من أجل العقل الأول.
4
وذلك أنه إن كانت كل علّة تعطي معلولها شيئًا، فلا محالة أن الهوية الأولى تعطى
5
معلولاتها كلها الهوية. وكذلك الحياة تعطي معلولاتها الحركة، لأن الحياة هى انبجاسٌ
6
ينبجس من الهوية الأولى الساكنة الدائمة واول حركة. وكذلك العقل يعطي معلولاته
7
العلم، وذلك ان كل علمٍ حق إنما هو من العقل، والعقل هو اول عالم |١٧ ب|[MS Leiden] كان،
8
وهو المفيضُ العلمَ على سائر العلّامة.
9
ونعود فنقول: إن الهوية الأولى ساكنة وهي علّة العلل، وإن كانت تعطى الأشياء
10
كلها الهوّية فإنها تعطيها بنوعِ إبداعٍ. وأما الحياة الأولى فإنها تعطي ما تحتها الحياةَ لا بنوع
11
إبداع، بل بنوع صورةٍ. وكذلك العقل: إنما يعطى ما تحته ـــ من العلم وسائر الأشياء
12
بنوع صورةٍ، لا بنوع إبداعٍ، لأنّ نوع الإبداع إنما هو للعلّة الأولى وحدها.
13
١٨ ــ باب آخر
14
إن من العقول ما هو عقل إلاهي لأنه يقبل من الفضائل الأُوَل التى تنبجس من العلّة
15
الأولى قبولًا كثيرًا، ومنها ما هو عقلٌ فقط لأنه لا يقبل من الفضائل الأُوَل إلا بتوسط
16
العقل الأول.
17
ومن النفس ما هى نفس |١٨ ا|[MS Leiden] عقلية لأنها متعلقة بالعقل، ومنها ما هى نفسٌ فقط.
18
ومن الأجرام الطبيعية ما لها نفسٌ تدبّرها وتقوم عليها، ومنها ما هى أجرامٌ طبيعية
20
1
〈فقط〉 لا نفس لها. وإنما صار هذا هكذا، لأنه ليس الشرح العقلى كلّه
2
ولا النفساني كله ولا الجِرْمى كله متعلقًا بالعلة التى فوقه، إلا ما كان منه تامًا كاملا
3
فإنه هو الذى يتعلق بالعلة التى فوقه، أعنى أنه ليس كل عقلٍ متعلقًا بالفضائل الآتية من
4
العلة الأولى إلا ما كان منها عقلًا تامًّا أوّلًا كاملا، فإنه يقوى على قبول الفضائل
5
المتنزلة من العلة 〈الأولى〉 والتعلق بها لشدّة وحدانيته. وكذلك أيضًا ليست كل
6
نفس متعلقةً بالعقل إلّا ما كان منها تامًّا كاملا 〈وأشدّ مع العقل فإنها تتعلق بالعقل
7
وهو العقل التام〉. وكذلك أيضًا ليس كل جرم طبيعي ذا نفسٍ إلّا ما |١٨ ب|[MS Leiden] كان
8
منها تامًّا كاملا كأنه منطقى. وعلى هذه الصفة تكون سائرُ المراتب العقلية وبهذا القياس.
9
١٩ ــ باب آخر
10
إن العلة الأولى تدبِّر الأشياء المبتدعة كلها من غير أن تحيط بها وذلك أن التدبير
11
لا يُضْعِف وحدانيتها العالية على كل شيء، ولا يوهنها، ولا تمنعها وحدانيتها المباينة
12
للأشياء من أن تدبر الأشياء. وذلك أن العلة الأولى ثابتة قائمة بواحدانيتها المحضة
13
دائمًا، وهي تدبر الأشياء المبتدعة كلها وتفيض عليها القوة والحياة والخيرات على نحو
14
قوّتها واستطاعتها.
15
وأما الخير الأول فإنه يفيض الخيرات على الأشياء كلها فيضا واحدًا؛ إلا أن كل واحد
21
1
من الأشياء يقبل من ذلك الفيضان |١٩ ا|[MS Leiden] على نحو كونه وأنيته. والخير الأول إنما صار
2
يفيض الخيرات على الأشياء كلها بنوعٍ واحد، لأنه إنما هو خير بأنيته وهويته وقوّته بأنه
3
خير، والخير والهوية شىء واحد. فكما صارت الهوية الأولى هوية وخيرًا نوعًا واحدًا،
4
صارت تفيض الخير على الأشياء فيضانًا واحدًا، ولا تُفيض على بعض الأشياء أقل وعلى
5
بعضها أكثر، وإنما اختلفت الخيرات والفضائل من تلقاء القابل. وذلك أن القوابل
6
للخيرات لا تقبل الخيرات بالسوء، بل بعضها يقبل أكثر من بعض،〈وذلك من
7
أجل عظم جودها〉.
8
ونعود فنقول: إن كل فاعلٍ يفعل بأنيته فقط فليس بينه وبين مفعوله وصلة
9
ولا شىء آخر متوسّط. وإنما كانت الوصلة بين الفاعل والمفعول زيادة على الأنية؛ أعنى
10
أنه إذا كان الفاعل والمفعول بآلة ولا |١٩ ب|[MS Leiden] يفعل بأنيته وببعض صفاته، وكانت
11
أنيته مركبة ـــ فذلك الفاعل يفعل بوصلة بينه وبين مفعوله ويكون حدّ الفاعل
12
مباينًا لفعله ولا يدبّره تدبيرًا صحيحًا ولا مستقصيًا. فأما الفاعل الذى ليس بينه وبين فعله
13
وصلةٌ البتة ـــ فذلك الفاعل فاعلٌ حقًا ومدبّر حقًا يفعل الأشياء بغاية الإحكام الذى
14
لا يمكن أن يكون من ورائه إحكامٌ آخر، ويدبّر فعله بغاية التدبير، وذلك أنه يدبَّر الشىء
15
بالنوع الذى يفعل، وإنما يفعل بهويّته 〈فبهويته〉 أيضًا يدبر. من أجل ذلك
16
صار يدبَّر ويفعل بغاية الفعل والتدبير الذى لا اختلاف فيه ولا اعوجاج.
17
وإنما اختلفت الأفاعيل والتدبير مِنْ قِبَل العلل الأولى 〈بحسب استحقاق القابل〉.
22
1
٢٠ ــ باب آخر
2
العلة الأولى |٢٠ ا|[MS Leiden] مستغنية بنفسها وهي الغناء الأكبر؛ والدليل على ذلك وحدانيتها
3
لأنها لا وحدانية مبثوثة فيها، بل هى وَحْدانية محضة لأنها بسيطة فى غاية البَسْط.
4
فإن أراد مريدٌ أَن يعلم أن العلة الأولى هى الغناء الأكبر ــ فليُلْقِ وهمه على الأشياء
5
المركبة وليفحص عنها فحصًا مستقصيًا، فإنه سيجد كل مركبٍ ناقصًا محتاجًا: إما إلى غيره،
6
وإما إلى الأشياء التى تركب منها. فأمّا الشىء المبسوط ــ أعنى الواحد الذى هو خير ــ
7
فإنه واحد ووحدانيته خير، والخير والواحد شىء واحد، فذلك الشىء هو الغناء الأكبر،
8
يُفيض ولا يُفاض عليه بنوعٍ من الأنواع؛ فأما سائر الأشياء ــ عقليةً كانت أو حِسّية ــ
9
فإنها غير مستغنية بأنفسها، بل تحتاج إلى الواحد |٢٠ ب|[MS Leiden] الحق المفيض عليها بالفضائل
10
وجميع الخيرات.
11
٢١ ــ باب آخر
12
العلة الأولى فوق كل اسم يُسمَّى به. وذلك أنه لا يليق بها النقصان، ولا التمام وحده
13
لأن الناقص غير تام ولا يقدر أن يفعل فعلًا تامًا إذ كان ناقصًا؛ والتامُّ 〈عندنا〉
14
ــ وإن كان مكتفيًا بنفسه ــ فإنه لا يقدر على إبداع شىء آخر، ولا أن يفيض عن نفسه
15
شيئًا البتة. ــ فإن كان هذا هكذا، عُدْنا فقلنا إن العلة الأولى ليست بناقصة ولا تامّة فقط،
23
1
بل هى فوق التمام 〈لأنها مبدعة الأشياء ومفيضة الخيرات عليها إفاضة تامّة〉 لأنها
2
خير لا نهاية له ولا نفاد.
3
فالخير الأول إذن يملأ العوالم كلها خيرات، إلا أن كل عالمإنما يقبل من ذلك
4
〈الخير〉 على نحو قوتّه.
5
فقد بان ووضَح أن العلة الأولى |٢١ ا|[MS Leiden] فوق كل اسم يُسمَّى به وأعلى منه وأرفع.
6
٢٢ ــ باب آخر
7
كل عقل إلهي فإنه يعلم الأشياء بأنه عقل، ويدبّرها بأنه إلهي. وذلك أن خاصّة
8
العقلِ العلمُ؛ وإنما تمامه وكماله بأن يكون عالمًا. والمدبّر هو الإله تبارك وتعالى، لأنه يملأ
9
الأشياء من الخيرات. والعقل هو أول مبتدَعٍ، وهو أكثر تشبُّها بالإله تعالى؛ فمن أجل
10
ذلك صار يدبّر الأشياء التى تحته. وكما أن الإله ــ تبارك وتعالى ــ يُفيض الخير على
11
الأشياء، كذلك العقل يُفيض العلم على الأشياء التى تحته. غير أنه وإن كان العقل يدبّر
12
الأشياء التى تحته، فإن اللّه تبارك وتعالى يتقدّم العقل بالتدبير، ويدبّر الأشياء تدبيرًا
13
أعلى وأرفع من تدبير العقل |٢١ ب|[MS Leiden] لأنه هو الذى أعطى العقل التدبير. والدليل على
14
ذلك أن الأشياء التى لا ينالها تدبيُر العقل فقد ينالها تدبيُر مُبْدع العقل، وذلك أنه لا يفوت
15
تدبيرَه شىءٌ من الأشياء البتة، لأنه يريد أَنْ ينيل خيرَه جميعَ الأشياء كلها. وذلك
16
أنه ليس كل شىء يشتاق إلى العقل ولا يحرص على نيله، والأشياء كلها تشتاق إلى الخير
24
1
〈من الأول〉 وتحرص على نيله حرصًا وافرًا، لا يشكُّ فى.ذلك شاكٌّ
2
٢٣ ــ باب آخر
3
العلة الأولى موجودة فى الأشياء كلها 〈على ترتيب واحد، لكن الأشياء كلها
4
لا توجد فى العلة الأولى على ترتيب واحد. وذلك أنه وإن كانت العلة الأولى موجودة فى
5
الأشياء كلها〉، فإن كل واحد من الأشياء يقبلها على نحو قوّته، وذلك أن من الأشياء
6
ما يقبلها قبولًا وحدانيًا، ومنها ما يقبلها قبولا متكثِّرًا، ومنها ما يقبلها قبولا دهريًا، ومنها
7
ما يقبلها قبولا زمانيًا، ومنها ما يقبلها |٢٢ ا|[MS Leiden] قبولا روحانيًا، ومنها ما يقبلها قبولًا جرميًا.
8
وإنما صار اختلاف القبول لا من أجل العلة الأولى، لكن من قِبَلِ القابل. وذلك أن
9
القابل يختلف، فلذلك صار القبول مختلفًا أيضًا. فأما المفيض فإنه واحد غير مختلف، يفيض
10
على جميع الأشياء الخيرات بالسوء، فإن الخير يَفيض على جميع الأشياء من العلة الأولى
11
بالسواء. فالأشياء إذن هى علة اختلاف فيضان 〈الخير على〉 الأشياء. فلا محالة
12
إذن أنه لا توجد الأشياء كلها فى العلة الأولى بنوعٍ احد.
13
فقد بان أن العلة الأولى توجد فى جميع الأشياء بنوع واحد، ولا يُوجد فيها جميعُ
14
الأشياء بنوعٍ واحد. فعلى نحو قربه 〈من〉 العلة الأولى وعلى نحو ما يقتدر الشىء على
15
قبول العلة الأولى ــ فعلى قدر ذلك يقدر أن ينال منها ويتلذّذ بها. وذلك |٢٢ ب|[MS Leiden] أنه
16
إنما ينال الشىء من العلة الأولى ويتلذّذ بها 〈على〉نحو وجوده. وإنما أعنى بالوجود
25
1
المعرفة، فإنه على نحو معرفة الشىء بالعلة الأولى المبتدعة ــ فعلى قدر ذلك ينال
2
منها ويتلذّذ بها، كما بينا.
3
٢٤ ــ باب آخر
4
كل جوهر قائم بذاته فهو غير مكوّن 〈من شىء آخر〉. فإن قال قائل: قد
5
يمكن أن يكون مكوّنًا 〈من شىء آخر〉 ــ قلنا: إذا كان يمكن أن يكون الجوهر
6
القائم بذاته مكوّنًا 〈من شىء آخر〉، لا محالة كان ذلك الجوهر ناقصًا محتاجا إلى
7
أن يتممّه الذى كوّنه. والدليل على ذلك الكونُ نفسه وذلك أن الكون إنما هو طريق
8
من النقصان على التمام. فإن أُلْفِى شىء غير محتاج رجع إلى قوته فى كونه ــ أي فى صورته
9
وتصويره ــ إلى شىء آخر وغيره، وكان هو علّة تصويره 〈وتمامه〉 ــ كان تامًّا
10
〈كاملا〉 دائمًا. وإنما صار |٢٣ ا|[MS Leiden] علّة تصويره وتمامه من قِبَل نظيره إلى غايته
11
دائمًا. فذلك النظير هو تصويره وتمامه معًا.
12
فقد وضح إذن أن كل جوهر قائم بذاته ليس بمكوّن من شىء آخر.
26
1
٢٥ ــ باب آخر
2
كل جوهر قائم بذاته فهو غير واقع تحت الفساد. فإن قال قائل: قد يمكن أن يكون
3
الجوهر القائم بذاته واقعًا تحت الفساد ــ قلنا: إن كان يمكن أن يكون الجوهر القائم
4
بذاته واقعًا تحت الفساد، أمكن أن يفارق ذاته فيكون ثابتًا قائمًا بذاته دون ذاته؛
5
وهذا محالٌ غير ممكن؛ لأنه لما كان واحدًا مبسوطًا غير مركب كان هو العلة والمعلول معًا.
6
وكل واقع تحت الفساد فإنما فساده من اجل مفارقته علته. وأمّا ما دام الشىء متعلقًا بعلته
7
الماسكة الحافظة 〈له، فإنه〉 |٢٣ ب|[MS Leiden] لا يتبدّدُ ولا يفسد. فإن كان هذا هكذا،
8
كان الجوهر القائم بذاته لا يفارق عِلّته أبدا لأنه غير مفارق لذاته من أجل أن علته نفسُه
9
فى تصويره. وإنما صار علّة نفسه من أجل نظره إلى علَّته. وذلك النظر هو تصويره.
10
فلما كان دائم النظر إلى علته، وكان هو علة ذلك النظر، 〈و〉 كان علة نفسه أيضًا
11
بالجهة التى ذكرنا فإنه لا يبيد ولا يفسد، لأنه العلة والمعلول معًا كما ذكرنا أيضًا.
12
فقد بان ووضح أن كل جوهر قائم بذاته لا يبيد ولا يفسد.
27
1
٢٦ ــ باب آخر
2
كل جوهر دائر غير دائم إما أن يكون مركبًا، وإما أن يكون محمولا على شىء آخر،
3
من أجل أن الجوهر إمّا أن يكون محتاجًا إلى الأشياء التى منها يكون، فيكون مركبًا
4
منها؛ وإمّا أن |٢٤ ا|[MS Leiden] يكون محتاجًا فى قوامه وثباته إلى حامل، فإذا فارق حامله
5
فسد ودثر. فإن لم يكن الجوهر مركبًا ولا محمولًا، وكان مبسوطًا، وبذاته ــ كان دائمًا
6
لا يدثر ولا ينقص البتة.
7
٢٧ ــ باب آخر
8
كل جوهر قائم بذاته فهو مبسوط لا يتجزأ. فإن قال قائل: قد يمكن أن يتجزأ ــ
9
قلنا: إن أمكن أن يكون الجوهر القائم بذاته يتجزأ وهو مبسوط ــ أمكن 〈أن
10
ذات الجزء منه تكون بذاته أيضًا كذات الكل. فإن أمكن ذلك، رَجَع〉 الجزء منه
11
على نفسه، فيكون كلُّ جزءٍ منه راجعًا على جزءٍ منه كرجوع الكل على ذاته. وهذا
12
غير ممكن. فإن كان غير ممكن، كان الجوهر القائم بنفسه إذن غير متجزِّئ وكان مبسوطًا.
13
فإن لم يكن مبسوطًا وكان مركبًا، كان بعضُه أفضل من بعض، وبعضُه أخسَّ من
14
بعض. فيكون الشىء الأفضل |٢٤ ب|[MS Leiden] من الشىء الأخسّ، والشىء الأخسّ من الشىء
15
الأفضل. إذًا كان كل جزء منه 〈مباينًا لكل جزء منه〉، فتكون كليته غير مكتفيه
28
1
بنفسها إذ صارت تحتاج إلى جزائها التى منها ركبت. وليس هذا من سمة الجوهر
2
المبسوط، بل من سمة الجواهر المركبة.
3
فقد وصح[*]وصح corrupt for وضح أن كل جوهرٍ قائم بذاته فهو مبسوط لا يتجزأ. وإذا لم يكن قابلا
4
للتجزئة وكان مبسوطًا، لم يكن قابلا للفساد ولا للدثور.
5
٢٨ ــ باب آخر
6
كل جوهر قائم بنفسه، أعنى بذاته، فإنه مبتدَعٌ بلا زمان، وهو فى جوهريته
7
أعلى من الجواهر الزمانيّة. والدليل على ذلك أنه غير مكوَّن من مكوِّن لأنه قائم بذاته،
8
والجواهر المكوَّنة من مكوِّن هى جواهر مركبة واقعة تحت الكون.
9
|٢٥ ا|[MS Leiden] فقد وضح أن كل جوهر قائم بذاته إنما ابتُدِعَ بلا زمانٍ، وأنه أعلى وأرفع
10
من الزمان ومن الأشياء الزمانية.
11
٢٩ ــ باب آخر
12
كل جوهر ابتُدِع فى زمانٍ: إمّا أن يكون دائمًا فى الزمان والزمان غير فاصل عنه
13
لأنه ابتُدع والزمان سواء؛ وإما أن يكون منفصلًا عن الزمان والزمان يفصل عنه لأنه
14
ابتدع فى بعض أوقات الزمان. وذلك أنه إن كانت المبتدعات يتلو بعضُها بعضًا، وكان
15
الجوهر الأعلى إنما يتلو الجوهر الشبيه به، لا الجوهر غير الشبيه به ــ كانت الجواهر الشبيهة
29
1
بالجوهر 〈الأعلى〉، وهي الجواهر المبتدعة التى لا يفصل عنها الزمان، قبل الجواهر التى
2
لا تشبه الجواهر الدائمة، وهى الجواهر المنقطعة عن الزمان المبتدعة فى بعض أوقات
3
|٢٥ ب|[MS Leiden] الزمان. فلا يمكن أن تتصل الجواهر المبتدعة فى بعض أوقات الزمان
4
بالجواهر 〈الدائمة〉، لأنها لا تشبهها البتة. فالجواهر الدائمة إذن فى الزمان هى التى
5
تتصل بالجواهر الدائمة وهي المتوسطة بين الجواهر الثابتة وبين الجواهر المنقطعة عن الزمان.
6
ولم يكن ممكنًا أن تكون الجواهر الدائمة التى فوق الزمان تتلو الجواهر الزمانية المنقطعة عن
7
الزمان إلا بتوسط الجواهر الزمانية الدائمة فى الزمان. وإنما صارت هذه الجواهر متوسطة
8
لأنها 〈تشارك〉 الجواهر العالية الدائمة فى الدوام، وتشارك الجواهر الزمانية المنقطعة
9
فى الزمان بالتكوُّن. فإنها، وإن كانت دائمة، كان دوامها بالتكون والحركة.
10
والجواهر الدائمة |٢٦ ا|[MS Leiden] بالزمان تشبه الجواهر الدائمة التى فوق الزمان بالدوام، ولا تشبهها
11
فى الحركة والتكوُّن. وأما الجواهر المنقطعة عن الزمان فإنها لا تشبه الجواهر الدائمة التى
12
فوق الزمان بجهة من الجهات. فإن كانت لا تشبهها، فإنها لا تقدر أن تتناولها ولا تماسّها.
13
فلا بد إذن من جواهر تماسُّ الجواهر الدائمة التى فوق الزمان، فتكون مماسّة الجواهر
14
المنقطعة عن الزمان فتجمع بحركتها بين الجواهر الزمانية المنقطعة عن الزمان وبين
15
الجواهر الدائمة التى فوق الزمان؛ وتجمع بدوامها بين الجواهر التى فوق الزمان وبين
16
الجواهر التى تحت الزمان؛ أعنى الواقعة تحت الكون والفساد؛ وتجمع بين |٢٦ ب|[MS Leiden]
17
الجواهر الفاضلة وبين الجواهر الخسيسة، لئلا تعدم الجواهر الفاضلة فتعدم كل حَسَن
18
وكل خير، ولا يكون لها بقاءٌ ولا ثبات.
30
1
فقد استبان من هذه الأدلة أن الدوام نوعان: أحدهما دهرى، والآخر زمانى؛ غير
2
أن دوام أحدهما قائمٌ ساكن، ودوام الآخر متحرّك؛ وأحدهما مجتمع وأفاعيله كلها معًا
3
لا بعضها قبل بعض، والآخر سائل ممتدّ وبعض أفاعيله قبل بعض؛ وكلية أحدهما بذاته،
4
وكلية الآخر بأجزائه التى كل واحدٍ منهما جزء مباين لصاحبه بنوع الأول والآخر.
5
فقد بان ووضح أن الجواهر منها ما هى دائمة فوق الزمان، ومنها دائمة مساوية
6
|٢٧ ا|[MS Leiden] للزمان والزمان غير فاصل عنها، ومنها ما هى منقطعة عن الزمان والزمان يفصل
7
عنها من فوقها وأسفلها وهي الجواهر الواقعة تحت الكون والفساد.
8
٣٠ ــ باب آخر
9
إنه بَيْن الشىء الذى جوهره وفعله من حيّز الدهر، وبين الشىء الذى جوهره
10
وفعله من حيِّز الزمان ــ موجودٌ متوسُّط: وهو الذى جوهره من حيّز الدهر وفعله من
11
حيّز الزمان. وذلك أن الشىء الذى جوهره 〈واقع〉 تحت الزمان، أي أن
12
الزمان يحيط به فهو فى جميع حالاته 〈واقع〉 تحت الزمان، 〈فيكون فعله
31
1
واقعًا تحت الزمان أيضًا〉، لأن الشىء إذا كان جوهره واقعًا تحت الزمان، فبالحرى
2
أن يكون فعله واقعًا تحت الزمان أيضًا. فالشىء الواقع تحت الزمان فى جميع حالاته
3
〈هو مباينٌ للشىء الواقع تحت الدهر فى جميع حالاته〉. |٢٧ ب|[MS Leiden] والاتصال
4
إنما يكون فى الأشياء المتشابهة. فلا بد إذن من أن يكون شىء آخر ثالث متوسطًا
5
بينهما، جوهره واقع تحت الدهر وفعله واقع تحت الزمان؛ 〈فإنه غير ممكن أن
6
يكون شىء جوهره واقع تحت الزمان وفعله تحت الدهر〉، فيكون فعله أفضل من
7
جوهره. وهذا غير ممكن. فكان إذن لا محالة أنه بين الأشياء الواقعة تحت الزمان
8
بجواهرها وأفاعيلها، 〈وبين الأشياء التى جواهرها وأفاعيلها واقعة تحت الدهر〉
9
أشياء واقعة تحت الدهر بجواهرها وواقعة تحت الزمان بأفاعيلها، كما بينّا.
10
٣١ ــ باب آخر
11
كل جوهر واقع فى بعض حالاته تحت الدهر، وواقع فى بعض حالاته تحت الزمان ــ
12
فذلك الجوهر هو هويةٌ وكونٌ معًا. إذ الشىء الواقع تحت الدهر هو هويةٌ حقًا.
13
وكل شىء 〈واقع〉 |٢٨ ا|[MS Leiden] تحت الزمان هو كونٌ حقًا. فإن كان 〈هذا〉.
32
1
هكذا، وكان الشىء الواحد واقعًا تحت الدهر والزمان ــ كان هوية وكونًا لا بجهة
2
واحدة، بل بجهةٍ وجهةٍ. ــ فقد بان إذن مما ذكرنا أَن كل مكوَّن واقعٌ بجوهره
3
تحت الزمان متعلقُ الجوهر بالهوية المحضة التى هى علّة الدوام وعلة الأشياء الدائمة كلها
4
والأشياء الداثرة.
5
فلا بد إذن من واحدٍ حقٍّ مفيد الوحدانيات وهو غير مستفيد؛ وأما سائر الوحدانيات
6
فإنها مستفادة كلها. والدّليل على ذلك 〈ما أقول〉: إن أُلفِىَ واحدٌ مفيدٌ والآخر
7
غير مستفيد غير مستفاد، فما الفرق بينه وبين الواحد الأول المفيد؟ فإنه لا يخلو من أن
8
يكون شبيهه فى جميع حالاته، وإمّا أن يكون بينه وبينه فَصْلٌ. فإن كان |٢٨ ب|[MS Leiden] شبيهه
9
فى جميع حالاته وكان واحدًا مثله ــ فلم صار أحدُهما أولا والآخر ثانيًا؟ وإن كان لا يشبهه
10
فى جميع حالاته فلا محالة أن أحدهما واحدٌ أولُ حقٌ، والآخر واحدٌ فقط. فإن كانت
11
الوحدانية فيه ثابتة غير موجودة من غيره، فيكون هذا الواحد الأوّل الحق، كما بينّا.
12
فإن أُلْفيت الوحدانية فيه موجودة 〈مكن غيره〉، كان غير الواحد الأول الحق. فإن
13
كان 〈من〉 غيره، كان 〈من〉 الواحد الأول إذن مُستفادُ غير
14
الأواحد. فيعرض من ذلك أن يكون الواحد الحق المحض وسائر الأواحد وحدانيةً
15
أيضًا. وإنما صارت وحدانية من أجل الواحد الحق الذى هو علة وحدانيتها.
33
1
فقد بان ووضح أن كل وحدانية بعد الواحد |٢٩ ا|[MS Leiden] الحق فهي مستفادةٌ مبدَعة، غير
2
الواحد الحق الأول، مبدع الوحدانيات 〈فهو〉 مفيد غير مستفيد ــ كما بينا. والسلام!
3
[تم ما وجد من هذا العرض. والحمد للّه أولا وآخرًا كما هو أهله ومستحقه،
4
وصلى اللّه على محمد وآله وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين
5
وفرغ من نسخه ليلة السبت الرابع والعشرين من
6
ذي الحجة من سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة]