0
0
المدخل
1
0
[المدخل]
1
بسم الله الرحمن الرحيم
2
وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
3
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وصلاته على محمد وآله أجمعين.
4
هذا كتاب الشفاء للشيخ الرئيس أبى على الحسين بن عبد الله بن سينا ـــ
5
لقاه الله ما يليق بإحسانه ـــ وفى صدره كلام لأبى عبيد عبد الواحد بن محمد
6
الجوزجانى.
7
قال أبو عبيد: أحمد الله على نعمة، وأسأله التوفيق لمرضاته، وأصلى على
8
نبيه محمد وآله. وبعد: فقد كانت محبتى للعلوم الحِكْمية،ورغبتى فى اقتباس المعارف
9
الحقيقية، دعتانى إلى الإخلال ببلادى، والمهاجرة إلى مستقَر الشيخ الرئيس
10
أبى على ـــ أدام الله أيامه ـــ من البلاد؛ إذ كان ما وقع إلّى من خبره،
11
وعُرِض علّى من كلامه، يقتضى الميلَ إليه عن سائر من يُذْكر بهذه الصناعة،
12
ويعتزى الى هذه الجملة. وقد كان بلغنى من خبره أنه مهر فى هذه العلوم،
13
وهو حَدَثٌ لم يَسْتَوِ به الشباب، ولا أربى على العِقْدين من العمر، وأنه كثير
14
التصانيف، إلا أنه قليل الضنِّ بها، والرغبةِ فى ضبط نسخها. فحقَّت
15
رغبتى فى قصده، وملازمته، والإلحاح عليه، والالتماس منه أن يهتم بالتصنيف
16
وأهتم بالضبط. فيمّمته وهو بجرجان، وسِنُّه قريب من اثنين وثلاثين سنة، وقد بُلَىِ
2
1
بخدمة السلطان والتصرف فى عمله، وقد شَغَل ذلك أوقاته، فلا أنتهز إلا الفرص
2
الخفاف، واستمليته فيها شيئا من المنطق والطبيعيات. وإذا دعوتُه إلى
3
التصانيف الكبار وإلى الشروح أحال على ما عمله من الشروح، وصنفه من
4
الكتب فى بلاده، وقد كان بلغنى تفرُّقها وتشتتها، وضنُّ من يملك نسخةً منها
5
بها. وأَمَّا هو فلم يكن من عادته أن يخزن لنفسه نسخة، كما لم يكن من عادته
6
أن يُحَرِّر من الدستور، أو يُخْرج من السواد، وإنما يملى أو يكتب النسخة
7
ويعطيها ملتمسها منه. ومع ذلك فقد تواترت عليه المحن، وغالت كتبَه الغوائلُ،
8
فبقيتُ معه عدة سنين أنتقِلُ فيها من جرجان إلى الرَّىِّ، ومن الرىّ إلى همذان.
9
وشُغِل بوزارة الملك شمس الدولة، وكان اشتغاله بذلك حسرةً علينا، وضياعا
10
لروزجارنا. وكان قد وهن الرجاء أيضا فى تحصيل تصانيفه الفائتة، فالتمسنا
11
منه إعادتَها، فقال: أما الاشتغالُ بالألفاظ وشرحها فأمرٌ لا يسعه وقتى، ولا تنشط
12
له نفسى، فإن قنعتم بما يتيسّر لى من عندى، عملت لكم تصنيفا جامعا على الترتيب
13
الذى يتفق لى. فبذلنا له منا الرضا به، وحرصنا على أن يقع منه الابتداء
14
بالطبيعيات؛ فشرع فى ذلك، وكتب قريبا من عشرين ورقة، ثم انقطع عنه
15
بالقواطع السلطانية.
16
وضرب الدهر ضرباته، واخْتُرِم ذلك الملك، وآثر هو أن لا يقيم فى تلك
17
الدولة، ولا يعاود تلك الخدمة، وركن إلى أنَّ الاحتياط له، فيما استحبه
18
من ذلك، أن يستتر مرتقبا فرصة الانفصال عن تلك الديار. فصادفتُ
19
منه خلوة وفراغا اغتنمته، وأخذته بتتميم كتاب الشفاء؛ وأقبل هو بنفسه على
20
تصنيفه إقبالا بجدٍّ، وفرغ من الطبيعيات والإلهيات ـــ خلا كتابَىْ الحيوان
3
1
والنبات ـــ فى مدة عشرين يوما، من غير رجوع إلى كتاب يحضره، وإنما
2
اعتمد طبعه فقط. وشرع فى المنطق، وكتَبَ الخُطْبَةَ وما يتصل بها.
3
ثم إنَّ أعيان تلك الدولة نَقموا عليه استتاره، واستنكروا عزمَه فى المفارقة،
4
وظنوا أنه لمكيدة أو لممالأة جَنْبَةٍ معادية، وحَرَص بعضُ خُلَّص خَدَمه على
5
توريطه فى مهلكة ليفوز بما له عنده من متاع الدنيا، فدلَّ عليه طلابه ـــ وكانوا
6
ممن سلف له عندهم صنائع تحرم عليهم قصده بالإيحاش، لو كانوا للمعروف
7
ذاكرين ـــ ووقفهم على مكانه، فاستُوثق منه بإيداعه قلعة فَرْدَجَان،
8
وبقى فيها قدر أربعة أشهر ريثما تقرر أسباب تلك الناحية على فصل من الأمر،
9
وتاركها المنازعون، فأُفْرِج عنه، وَسِيم معاودَة الوزارة فاعتذر، واستَمْهَل فعُذِرَ.
10
وهناك اشتغل بالمنطق،، وتمكن من الكتب، فعرض من ذلك أن حاذاها،
11
وجرى على ترتيب القوم فيها، وتكلم على ما استنكره من أقوالهم، فطال المنطق،
12
وتم بأَصْبَهان.
13
وأما الرياضيات فقد كان عَمِلَها على سبيل الاختصار فى سالف الزمان، فرأى
14
أن يضيفها إلى كتاب الشفاء.
15
وصنَّف أيضا الحيوان والنبات، وفرغ من هذه الكتب، وحاذى فى اكثر
16
كتاب الحيوان كتاب أرسطوطاليس الفيلسوف، وزاد فيها من ذلك زيادات،
17
وبلغ سنُّه حينئذ أربعين.
4
1
وغرضى فى اقتصاص هذه القصص، أن يوقف على السبب فى إعر اضه عن
2
شرح الألفاط، وفى اختلاف ما بين ترتيبه لكتب المنطق، وما بين ترتيبه
3
لكتب الطبيعيات والإلهيات، وأن يُتَعجب من اقتداره على تصنيفه ما صنفه
4
من كتب الطبيعيات والإالهيات، والمدة عشرون يوما، والكتب غائبة عنه،
5
وإنما يلى عليه قلبه المشغول بما منى به فقط.
6
وسيجد المتأمل لهذا الكتاب بعين الاعتبار من النكت والنوادر والتفريعات
7
والبيانات ما لا يجده فى جملة كتب السالفين؛ والله الموفقى لما فيه الخير.
8
[ومن ها هنا ابتداء الكتاب وكلام أبى على الحسين بن عبدالله، أحسن
9
الله إليه].
5
1
بسم الله الرحمن الرحيم