28
1
بسم الله الرحمن الرحيم
2
هذه رسالة للحكيم العليم إبراهيم بن أبي خالد المعروف
3
بابن الجزّار في النسيان وعلاجه
4
قال أعاذ الله من فقدك المتنفّعين بفوائدك وأدام أنس
5
الكلام بصواب منطقك وجعل سبيل الخير سبيلك ودليل
6
الرشاد دليلك. وصل كتابك أيّدك الله تذكر فيه ما تعرّض
7
لك من كثرة النسيان وقلّة الحفظ مع دوام الدراسة. وسألت
8
أن أرسم لك باختصار من القول، وتقرّبت من المأخذ ممّا
9
قالته الأفاضل من الأوائل في أسباب الحفظ والأدوية المعينة
10
عليه وأسباب النسيان والأدوية المزيلة له.
11
وقد رسمت لك في ذلك بحسب ما سألت وباللّه التوفيق.
12
|2|[ed. Bos 1994] فأقول إنّ أفاضل الأطبّاء مجمعون على أنّ أفعال الذهن
13
ثلاثة: أحدها التخيّل والثاني الفكر والثالث الذكر، وأنّ
14
الدماغ قسمان: أحدهما مقدّمه والآخر مؤخره، وأنّ مقدّم
15
الدماغ مقسوم بقسمين وكلّ واحد من القسمين أعظم جملة
16
من الجزء المؤخر من الدماغ كثيرا، |3|[ed. Bos 1994]وأنّه لما كان مقدّمه
29
17
مناسبا لمؤخره وكان يحتاج 〈إلى〉 أن يتّصل أحدهما بالآخر
18
جَعل البطنان المقدّمان ينتهيان إلى جزء واحد وهو فضاء
19
مشترك لهما.
20
وبعض أصحاب التشريح يسمّون هذا الموضع البطن
21
الرابع |4|[ed. Bos 1994]〈ويقولون إنّ〉 هتين البطنين المقدّمين يَحدثان
22
الهواء وينفخانه ويعدّتان [sic] منه للدماغ روحا نفسانيّا فيفعل
23
الحسّ النظري والسمع والنسم والذوق و[بعض] اللمس
24
ويفعل [ذلك] التخيّل، ثمّ يقصيان إلى فضاء مشترك في
25
وسط الدماغ، |5|[ed. Bos 1994]وينفذ إليها الروح النفساني وقد رقّ ولطف
26
وصار أصفى من الروح التي في مقدّم الدماغ فيفعل الفكر
27
والفهم والرويّة والتمييز والذهن. ثمّ ينفذ ذلك الروح في
28
التجويف المؤخر من الدماغ فيفعل الذكر والحفظ والحركة
29
الإرادية.
30
|7|[ed. Bos 1994] وقد زعم ابرقلس أنّ البطن المؤخر أشرف بطون الدماغ
31
إذ كان الروح النفساني لا يصل إليه حتى يرقّ ويلطف لما
32
يحتاج إليه الذكر والحفظ من فضل الرقّة واللطف ليذكر
30
33
أشياء قد مضت وبعد عهدها.
34
وعند رأس الحجم الذي بين البطن الأوسط والبطن
35
المؤخر قطعة من جرم الدماغ شبيهة بالدودة يسمّونها
36
أصحاب التشريح الصنوبرة، ترتفع في المجرى وتهبط فيه
37
[وارتفاعها] فبارتفاعها ينفتح النقب الذي بين الغطاء
38
المشترك للتجويفين وبين المجرى وبانهباطها تشدّه. فإذا
39
فتحته نفذ الروح النفساني من مقدّم الدماغ إلى مؤخره.
40
وذلك ليس يكون إلا عند الحاجة إلى تذكّر ما قد نسي وعند
41
التفكّر فيما قد كان. فإن لم ينفتح هذا المجرى ولم ينفذ
42
الروح إلى مؤخر الدماغ لم يذكر الرجل شيئا ولم يحضره
43
جواب ما سئل عنه.
44
|8|[ed. Bos 1994] و[لا] كان هذا الشكل الصنوبري منصوبا على رأس
45
المجرى الذي يؤدي الروح النفساني من البطن المتوّسط من
46
الدماغ إلى البطن المؤخر وصار بمنزلة الحافظ والحازن
47
والمودع والمقسّط لمقدار ما ينفذ في ذلك المجرى من الروح.
48
ولذلك يكون انفتاح هذا المجرى مختلف في الناس في
49
السرعة والإبطاء. فمنهم من يكون ذلك فيه بسرعة فيكون
50
ذكيّا سريع الجواب ومنهم من يكون فيه بطيئا فيكون بطيء
51
الذكر بطيء الجواب كثير الفكر.
52
|10|[ed. Bos 1994] وجالينوس يذكر أنّ الفطنة والفهم والرويّة والتمييز
53
إنّما تكون باعتدال مزاج الروح النفساني الذي في وسط
31
54
الدماغ وأنّ الذكر والحفظ إنّما تكون باعتدال الروح
55
النفساني الذي في مؤخر الدماغ، فإن عرض لهذا الروح
56
الذي في مؤخر الدماغ عارض بطل الذكر أو نقص وإن
57
بطل الذكر لبرودة أو نقص بهذه الآفة حدث النسيان.
58
والذكر يناله الضرر دائما من البرودة إلا أنّ هذه البرودة
59
تكون مرّة على حدتها ومرّة مع رطوبة وإن كان مع العلّة
60
〈…〉.
61
|13|[ed. Bos 1994] فقد ذكر بولس أن يولّد النسيان من شيء خاصّ وهو
62
البلغم البارد الرطب.
63
|14|[ed. Bos 1994] وذكر جالينوس أنّ خضور الذهن والذكاء يدلّ على أنّ
64
جوهر الدماغ جوهر لطيف وإبطاء الذهن يدلّ على أنّ
65
جوهر الدماغ جوهر غليظ وسرعة التعلّم تدلّ على أنّ
66
جوهره جوهر سريع القبول لتصوّر الأشياء فيه وإبطاء التعلّم
67
يدلّ على أنّ جوهره جوهر عسر القبول لتصوّر الأشياء فيه،
68
والنسيان يدلّ على أن جوهره جوهر سيّال ليس له ثبات.
32
69
|16|[ed. Bos 1994] والذي أريد أن أبدأ به من استعمال الأدوية التي تزيد في
70
الحفظ وتزيل النسيان متعذر وجوده فيمن بلغ مثل سنّك،
71
لأنّ الفاضل افلاطون كان يسمّي الشيخوخة أمّ النسيان.
72
|17|[ed. Bos 1994] وزعم ارسطو أنّ الصبيان والشيوخ أكثر نسيانا وأنّما ذلك
73
بأنّ أنفسهم في حال التحرّك والتنقّل والزوال من حال إلى
74
حال. أمّا الصبيان فللتربية والنماء وأمّا الشيوخ فللهبوط
75
والنقصان، |18|[ed. Bos 1994]وذلك لأنّ الماء السريع الحركة والماء الجامد أيضا
76
لا ينفع فيهما طبع الصورة ولا نقش الخاتم. وأمّا الصنف
77
الثالث وهم الشبّان وذوو الأكهال فهم أبقى حفظا وذكرا
78
لاطمئنان رؤوسهم واعتدال الرطوبة فيهم.
33
79
|19|[ed. Bos 1994] غير أنّا أدام الله سعادتك نرى أنّ في أقلّ ما يجب من حقّك
80
أن لا نوئسك من طلبتك لكبر سنّك واستحكام البلغم على
81
مزاج بدنك ودماغك وأن نذكر لك جملا من العلاج تؤديك
82
إلى محبوبك وإدراك مطلوبك.
83
فأقول إنّ النسيان لما كان حدوثه على ما ينبأ من نقصان
84
الذكر وكان الآفة في نقصان الذكر إفراط الرطوبة وحدها
85
أو مع البرودة |20|[ed. Bos 1994]وجب أن يكون شفاء ذلك ودواءه موجود〈ا〉
86
في الأدوية التي تسخن مزاج الدماغ وتنفي البلغم مثل
87
جميع الإيارجات وأفضلها وأكثرها نفعا هو الثيادوريطوس
88
[و] المعمول بجوز بوا واللوغاذيا وإيارج جالينوس وإيارج
89
هرقل وإيارج أركاغانيس وما شاكله من الإيارجات التي
90
ذكرنا نسختها في كتابنا في المالنخوليا المسمّى بكتاب خلاء
91
الألباب.
92
فيشرب من [أحد] هذه الأدوية على قدر الزمان والقوّة
93
فإنها تنقّي الدماغ من الكيموس الذي هو ما له النسيان
34
94
|21|[ed. Bos 1994] وكذلك تفعل صنوف الحبوب والمسهلات لمثل هذا الخلط
95
البارد مثل الاصطمخيقون وحبّ القوقايا وما أشبه ذلك من
96
الأدوية المشروبة المخصوصة أيضا بالدماغ أو أدوية المحرّرة
97
للبلغم من الدماغ بالغرغرة وبالمضغ وبالسعوط وبالحقن
98
الحارّة.|22|[ed. Bos 1994] وكلّ ما ذكرنا تنفع 〈من〉 النسيان باستفراغها من
99
الدماغ السبب المولّد له الذي هو غلبة البلغم على مؤخره.
100
فأمّا سائر الأدوية الحارّة المركّبة مثل الترياق الكبير
101
والإطريفل الكبير والشيلثا ودواء المسك والمعجون
102
المعروف بالثيادوريطوس وجوارش الفلافل وجوارش
103
الخولنجان والغاريقون والأمروسيا وما شاكله من صنوف
104
الأدوية الحارّة فإنّها تنفع من النسيان على طريق التحليل
105
والتلطيف للرطوبات مع عملها في تغيّر مزاج الدماغ إلى
106
الحرارة المعتدلة الموجبة لكثرة الحفظ ولإزالة البرد المولّد
107
لإبطاء الفهم.
108
فأمّا جوارش البلاذر وكلّ ما يدخله البلاذر من
35
109
المعجونات التي ألّفها الأوائل فإنها تنفع بهذه الطريق التي
110
ذكرنا من فعل جميع الأدوية الحارّة المركّبة ونفعها من ذلك
111
بخاصّية فيها من أجل البلاذر أو مثله. فإنّ من خاصّيته النفع
112
من النسيان كما أنّه إن شَرب من البلاذر نصف 〈درهم〉
113
نفع من النسيان وذهاب الحفظ.
114
|24|[ed. Bos 1994] وذكر جالينوس أنّه قد شفى من النسيان بالجندبادستر مع
115
فلفل أبيض 〈و〉مع ماء وعسل وقال إنّه إن خَلط الجندبادستر
116
بدهن قثاء الحمار أو بزيت عتيق ويطلى به مؤخر الدماغ
117
فيتنفّعون بذلك.
118
وكذلك يفعل العاقرقرحا ويمنع من أكل الفاكهة الباردة
119
الرطبة ويشرب شراب العسل المتّخذ بالأفاويه أو شراب
120
الفوذنج البرّي ويحرّك العطاس بالأشياء الحارّة مثل الخردل
121
المسحوق والجندبادستر والكندس والفلفل ويديم استعمال
122
السكنجبين [العسبي] المتّخذ بخلّ العنصل ويستعمل القيء
123
على الامتلاء. ويديم بشرب الكندر مع السكّر ويمضعه مع
124
السعتر أو زبيب الجبل مع قشر أصل الكبر ويصير المحاجم
125
على القثاء[*]القثاء probably corrupt for القفا والنقرة من غير شرط ويحذر إخراج الدم
36
126
بالمحاجم. ويدهن الرأس بالأدهان الطيّبة الرائحة مثل دهن
127
الخيريّ أو السوسن أو البان أو القسط أو البابونج وما
128
شاكل ذلك.
129
|27|[ed. Bos 1994] وقد قال الطبري: إذا أخذ إنسان الهدهد وعلّقه على
130
صاحب النسيان ذكر ما كان نسيه. ومما ينتفع به من
131
النسيان دماغ الكركيّ، والسلام.
132
تمّت الرسالة والحمد لله.