3
1
بسم الله الرحمن الرحيم
2
قال محمد بن محمد رضى الله عنهما
3
[1] اسم العقل يقال على انحاء كثيرة
4
ا الشىء الذى به يقول الجمهور فى الانسان انه عاقل
5
ب العقل الذى يردده المتكلمون على السنتهم فيقولون هذا مما
6
يوجبه العقل او ينفيه العقل
7
ج العقل الذى يذكره الاستاد ارسطاليس فى كتاب البرهان
4
1
د العقل الذى يذكره فى المقالة السادسة من كتاب الاخلاق
2
ه العقل الذى يذكره فى كتاب النفس
3
و العقل الذى يذكره فى كتاب ما بعد الطبيعة
4
[2] اما العقل الذى به يقول الجمهور فى الانسان انه عاقل فان
5
مرجع ما يعنون به هو الى التعقل وذلك انه ربما قالوا فى مثل
6
معوية انه كان عاقلا وربما امتنعوا ان يسموه عاقلا ويقولون
7
العاقل يحتاج الى دين والدين عندهم هو الذى يظنون هم انه هو
8
[3] الفضيلة فهولاء انما يعنون بالعاقل من كان فاضلا وجيد الروية فى
5
1
استنباط ما ينبغى ان يؤثر من خير او يتجنب من شر ويمتنعون
2
ان يوقعوا هذا الاسم على من كان جيد الروية فى استنباط ما هو
3
شر بل يسمونه نكرا وداهية واشباه هذه الاسماء وجودة
4
الروية فى استنباط ما هو فى الحقيقة خير ليفعل وفى استنباط ما
5
هو شر ليتجنب هو تعقل فهولاء انما يعنون بالعقل على المعنى
6
[5] الكلى ما يعنيه ارسطو بالتعقل واما من سمى معوية عاقلا فانه
7
اراد به جودة الروية فى استنباط ما ينبغى ان يؤثر او يتجنب
8
على الاطلاق وهولاء متى تواقفوا فى امر معوية او امثاله بان
9
يراجعوا فى من هو عاقل عندهم هل يسمون بهذا الاسم من
6
1
كان شريرا وكان يستعمل جودة رويته فيما هو عندهم شر
2
توقفوا او امتنعوا ان يسموه عاقلا واذا سئلوا عن من
3
يستعمل جودة رويته فى فعل الشر هل يسمى داهيا او نكرا
4
او ما اشبه هذه الاسماء لم يمنعوه هذا الاسم فمن قول هولاء ايضا
5
يلزم ان يكون العاقل انما يكون عاقلا مع جودة رويته اذا كان
6
فاضلا يستعمل جودة رويته فى افعال الفضيلة ليفعل وفى
7
[2] افعال الرذيلة ليجتنب وهذا هو المتعقل فالجمهور لما كانوا فيمن
8
يعنونه بهذا الاسم طائفتين طائفة تعطى من قبل انفسها ان العاقل
9
ليس يكون عاقلا ما لم يكن له دين وان الشرير وان بلغ فى جودة
7
1
الروية فى استنباط الشرور ما بلغ لم يسموه عاقلا والطائفة الاخرى
2
التى تسمى الانسان لجودة رويته فيما ينبغى ان يفعل بالجملة عاقلا
3
فانها متى روجعت فيمن هو شرير وله جودة روية فيما ينبغى ان
4
يفعل من شر هل يسمى عاقلا توقفوا او امتنعوا صار مرجع
5
[6] الجمهور باسرهم فيما يعنونه بالعاقل الى معنى المتعقل ومعنى المتعقل
6
عند ارسطو هو الجيد الروية فى استنباط ما ينبغى ان يفعل من
7
افعال الفضيلة فى حين ما يفعل فى عارض عارض اذا كان مع ذلك
8
فاضلا بالخلقة
9
[7] واما العقل الذى يردّده المتكلمون على السنتهم فيقولون فى
10
الشىء هذا مما يوجبه العقل او ينفيه العقل او يقبله العقل او لا
8
1
يقبله العقل فانما يعنون به المشهور فى بادئ راى الجميع فان
2
بادئ الراى[*]الراى Middle Arabic for الرأى المشترك عند الجميع او الاكثر يسمونه العقل وانت
3
تتبين ذلك متى استقريت كلامهم شيئا شيئا مما يتخاطبون فيه
4
وبه او مما يكتبونه فى كتبهم ويستعملون فيه هذه اللفظة
5
[8] واما العقل الذى يذكره ارسطو فى كتاب البرهان فانه انما
6
يعنى به قوة النفس التى بها يحصل للانسان اليقين بالمقدمات الكلية
7
الصادقة الضرورية لا عن قياس اصلا ولا عن فكر بل بالفطرة
8
والطبع او من صباه او من حيث لا يشعر من اين حصلت
9
وكيف حصلت فان هذه القوة جزء ما من النفس يحصل لها
9
1
المعرفة الاولى لا بفكر ولا بتأمل اصلا واليقين بالمقدمات التى
2
صفتها الصفة التى ذكرناها وتلك المقدمات هى مبادى العلوم
3
النظرية
4
واما العقل الذى يذكره فى المقالة السادسة من كتاب الاخلاق
5
فانه يريد به جزء النفس الذى يحصل فيه بالمواظبة على اعتياد
6
شىء شىء مما هو فى جنس جنس من الامور وطول تجربة شىء
7
شىء مما هو فى جنس جنس من الامور على طول الزمان اليقين
8
بقضايا ومقدمات فى الامور الارادية التى شانها ان تؤثر او تجتنب
9
فان ذلك الجزء من النفس سماه العقل فى المقالة السادسة من كتاب
10
[10] الاخلاق. والقضايا التى تحصل للانسان بهذا الوجه وفى ذلك الجزء
10
1
من اجزاء النفس هى مبادى المتعقل والداهى فيما سبيله ان يستنبط
2
من الامور الارادية التى شانها ان تؤثر او تتجنب ونسبة هذه
3
القضايا الى ما يستنبط بالتعقل كنسبة تلك القضايا الاول التى
4
هى مذكورة فى كتاب البرهان الى ما يستنبط بها فكما ان تلك
5
مبادئ لاصحاب العلوم النظرية يستنبطون بها ما شانه[*]شانه Middle Arabic for شأنه من
6
الامور النظرية ان يعلم ولا يفعل كذلك هذه هى مبادئ
7
للمتعقل والداهى فيما شانه ان يستنبط من الامور الارادية
8
العملية
9
[11] وهذا العقل المذكور فى المقالة السادسة من كتاب الاخلاق
10
يتزيد مع الانسان طول عمره وتتمكن فيه تلك القضايا وينضاف
11
1
اليها فى كل زمان قضايا لم تكن عنده فيما تقدم ويتفاضل الناس فى
2
هذا الجزء من النفس الذى سماه عقلا تفاضلا متفاوتا ومن تكاملت
3
فيه هذه القضايا فى جنس ما من الامور صار ذا راى فى ذلك الجنس
4
ومعنى ذى الراى هو الذى اذا اشار بشىء ما قبل رايه ذلك من
5
غير ان يطالب بالبرهان عليه ولا يراجع وتكون مشوراته مقبولة
6
وان لم يقم على شىء منها برهانا ولذلك قلما يصير انسان بهذه
7
الصفة الا اذا شاب لاجل حاجة هذا الجزء من النفس الى طول
8
التجارب الذى ليس يكون الا فى طول الزمان ولان تتمكن
9
فيه تلك القضايا
10
[12] والمتكلمون يظنون بالعقل الذى يرددونه فيما بينهم انه هو العقل
11
الذى ذكره ارسطو فى كتاب البرهان ونحو هذا يومون ولكنك اذا
12
1
استقريت ما يستعملونه من المقدمات الاول تجدها كلها بلا استثناء
2
مقدمات مأخوذة عن بادئ الرأى المشترك فلذلك صاروا يومون
3
شيئا ويستعملون غيره
4
[13] واما العقل الذى يذكره فى كتاب النفس فانه جعله على اربعة
5
انحاء عقل بالقوة وعقل بالفعل وعقل مستفاد والعقل الفعال
6
[14] فالعقل الذى هو بالقوة هو نفس ما او جزء نفس او قوة من
7
قوى النفس او شىء ما ذاته معدة او مستعدة لان تنتزع ماهيات
8
الموجودات كلها وصورها دون موادها فتجعلها كلها صورة لها او
9
صورا لها وتلك الصور المنتزعة عن المواد ليست تصير منتزعة
13
1
عن موادها التى فيها وجودها الا بان تصير صورًا لهذه الذات
2
وتلك الصور المنتزعة عن موادها الصائرة صورا فى هذه الذات
3
هى المعقولات واشتق لها هذا الاسم من اسم تلك الذات التى
4
[15] انتزعت صور الموجودات فصارت صورا لها. وتلك الذات شبيهة
5
بمادة تحصل فيها صور الا انك اذا توهمت مادة ما جسمانية مثل
6
شمعة ما نقش فيها نقش فصار ذلك النقش وتلك الصورة فى
7
سطحها وعمقها واحتوت تلك الصورة على المادة باسرها حتى صارت
8
المادة بجملتها كما هى باسرها هى تلك الصورة بان شاعت فيها
9
الصورة قرب وهمك من تفهم معنى حصول صور الاشياء فى
14
1
تلك الذات التى تشبه مادة وموضوعا لتلك الصورة وتفارق
2
سائر المواد الجسمانية بان المواد الجسمانية انما تقبل الصور فى
3
[16] سطوحها فقط دون اعماقها وهذه الذات ليست تبقى ذاتها متميزة
4
عن صور المعقولات حتى يكون لها ماهية منحازة وللصور التى
5
فيها ماهية منحازة بل هذه الذات نفسها تصير تلك الصور كما لو
6
توهمت النقش والخلقة التى تخلق بها شمعة ما مكعبة او مدورة
7
فتغوص تلك الخلقة فيها وتشيع وتحتوى على طولها وعرضها
8
وعمقها باسرها فحينئذ تكون تلك الشمعة قد صارت هى تلك
9
الخلقة بعينها من غير ان يكون لها انحياز بماهيتها دون ماهية تلك
10
الخلقة
15
1
[17] فعلى هذا المثال ينبغى ان تتفهم حصول صور الموجودات فى
2
تلك الذات التى سماها ارسطو فى كتاب النفس عقلا بالقوة فهى ما
3
دامت ليس فيها شىء من صور الموجودات فهى عقل بالقوة فاذا
4
حصلت فيها صور الموجودات على المثال الذى ذكرناه صارت تلك
5
[18] الذات عقلا بالفعل فهذا معنى العقل بالفعل فاذا حصلت فيه
6
المعقولات التى انتزعها عن المواد صارت تلك المعقولات معقولات
7
بالفعل وقد كانت من قبل ان تنتزع عن موادها معقولات بالقوة
8
وهى اذا انتزعت حصلت معقولات بالفعل بان حصلت صورًا لتلك
9
الذات وتلك الذات انما صارت عقلا بالفعل بالتى هى بالفعل معقولات
10
فأَنَّها معقولات بالفعل وانها عقل بالفعل شىء واحد بعينه ومعنى
16
1
قولنا فيها انها عاقلة ليس هو شىء غير ان المعقولات صارت صورا
2
لها على انها صارت هى بعينها تلك الصور فاذًا معنى انها عاقلة
3
بالفعل وعقل بالفعل ومعقول بالفعل معنى واحد بعينه ولمعنى واحد
4
[19] بعينه والمعقولات هى التى كانت بالقوة معقولات فهى من قبل
5
ان تصير معقولات بالفعل هى صور فى مواد هى خارج النفس
6
واذا حصلت معقولات بالفعل فليس وجودها من حيث هى معقولات
7
بالفعل هو وجودها من حيث هى صور فى موادٍّ ووجودها فى نفسها
8
[20] ليس هو وجودها من حيث هى معقولات بالفعل ووجودها فى
9
نفسها هو تابع لسائر ما يقترن بها فهى مرة اين ومرة متى ومرة
17
1
وضع واحيانا هى كم واحيانا هى مكيفة بكيفيات جسمانية
2
واحيانا يفعل واحيانا ينفعل واذا حصلت معقولات بالفعل ارتفع
3
عنها كثير من تلك المقولات الاخر فصار وجودها وجودا اخر
4
ليس ذلك الوجود وصارت هذه المقولات او كثير منها يفهم
5
معانيها فيها على انحاء اخر غير تلك الانحاء مثال ذلك الاين المفهوم
6
فيها فانك اذا تاملت معنى الاين فيها اما ان لا تجد فيها شيئا من
7
معانى الاين اصلا واما ان تجعل اسم الاين يفهمك فيها معنى اخر
8
وذلك المعنى على نحو اخر
9
[21] فاذا حصلت المعقولات بالفعل صارت حينئذ احد موجودات
18
1
العالم وعدت من حيث هى معقولات فى جملة الموجودات وشأن
2
الموجودات كلها ان تعقل وتحصل صورا لتلك الذات فاذا كان
3
كذلك لم يمتنع ان تكون المعقولات من حيث هى معقولات
4
[22] بالفعل وهى عقل بالفعل ان تعقل ايضا فيكون الذى يُعقَل حينئذ
5
ليس هو شيئا غير الذى هو بالفعل عقل لكن الذى هو بالفعل عقل
6
لاجل ان معقولا ما قد صار صورة له قد يكون عقلا بالفعل
7
بالاضافة الى تلك الصورة فقط وبالقوة بالاضافة الى معقول اخر
8
لم يحصل له بعد بالفعل فاذا حصل له المعقول الثانى صار عقلا بالفعل
9
بالمعقول الاول وبالمعقول الثانى واما اذا حصل عقلا بالفعل بالاضافة
10
الى المعقولات كلها وصار احد الموجودات بان صار هو المعقولات
11
بالفعل فانه متى عقل الموجود الذى هو عقل بالفعل لم يعقل موجودا
19
1
[23] خارجا عن ذاته بل انما عقل ذاته وبين انه اذا عقل ذاته من حيث
2
ذاته عقل بالفعل لم يحصل له مما عقل من ذاته شىء موجود
3
وجوده فى ذاته غير وجوده وهو معقول بالفعل بل يكون قد
4
عقل من ذاته موجودا ما وجوده وهو معقول هو وجوده فى ذاته
5
فاذًا تصير هذه الذات معقولة بالفعل وان لم تكن فيما قبل ان
6
تعقل معقولة بالقوة بل كانت معقولة بالفعل الا انها عقلت بالفعل
7
على ان وجودها فى نفسها عقل بالفعل ومعقول بالفعل على خلاف
8
ما عقلت هذه الاشياء باعيانها اولا فانها عقلت اولا على انها انتزعت
9
عن موادها التى كان فيها وجودها وعلى انها كانت معقولات
10
بالقوة وعقلت ثانيا ووجودها ليس ذلك الوجود المتقدم بل
11
وجودها مفارق لموادها على انها صور لا فى موادها وعلى انها
20
1
[24] معقولات بالفعل فالعقل بالفعل متى عقل المعقولات التى هى صور
2
له من حيث هى معقولة بالفعل صار العقل الذى كنا نقول اولا انه
3
العقل بالفعل هو الان العقل المستفاد
4
[25] فاذا كانت هاهنا موجودات هى صور لا فى مواد ولم
5
تكن قط صورا فى مواد فان تلك اذا عقلت صارت موجودة
6
وهى معقولة الوجود الذى كان لها من قبل ان تعقل فان قولنا ان
7
يعقل الشىء اولا هو ان تنتزع الصور التى فى المواد عن موادها
8
ويصير لها وجود آخر غير وجودها الاول فاذا كانت هاهنا
9
اشياء هى صور لا مواد لها لم تحتج تلك الذات الى ان تنتزعها
10
عن مواد اصلا بل تصادفها منتزعة فتعقلها على مثال ما يصادف
11
ذاته من حيث هى عقل بالفعل معقولات لا فى موادها فتعقلها
21
1
فيصير وجودها من حيث هى معقولة عقلا ثانيا هو وجودها الذى
2
كان لها من قبل ان تعقل هذا العقل وهذا بعينه ينبغى ان يفهم
3
فى التى هى صور لا فى مواد انها اذا عقلت كان وجودها فى
4
[26] انفسها هو وجودها وهى معقولة لنا فالقول فى الذى هو منا
5
بالفعل عقل والذى هو فينا بالفعل عقل هو القول بعينه فى تلك
6
الصور التى ليست فى مواد ولا كانت فيها اصلا فان الوجه الذى
7
به نقول فيما هو منا بالفعل عقل انه فينا فعلى ذلك المثال
8
[27] ينبغى ان يقال فى تلك انها فى العالم وتلك الصور انما يمكن ان
9
تعقل على التمام بعد ان تحصل المعقولات كلها معقولة بالفعل او
22
1
[28] جلها ويحصل العقل المستفاد فحينئذ تحصل تلك الصور معقولة
2
فتصير تلك كانها صور للعقل من حيث هو عقل مستفاد والعقل
3
[29] المستفاد شبيه بموضوع لتلك ويكون العقل المستفاد شبيها بالصورة
4
للعقل الذى بالفعل والعقل الذى بالفعل شبه موضوع ومادة للعقل
5
المستفاد والعقل الذى بالفعل صورة لتلك الذات وتلك الذات
6
شبه مادة فعند ذلك تبتدى الصور فى الانحطاط الى الصور
7
الجسمانية الهيولانية ومن قبل ذلك ما كانت تترقى قليلا قليلا الى
8
ان تفارق المواد شيئا شيئا وقليلا قليلا بانحاء من المفارقة متفاضلة
23
1
[30] فان كانت الصور التى هى لا فى مادة اصلا ولم تكن ولا
2
تكون فى مادة اصلا متفاضلة فى الكمال والمفارقة وكان لها ترتيب
3
ما فى الوجود وتومل امرها كان اكملها على هذا الطريق صورة لما
4
هو الانقص الى ان تنتهى الى ما هو انقص وهو العقل المستفاد
5
ثم لا تزال تنحط حتى تبلغ الى تلك الذات والى ما دونها من
6
القوى النفسانية ثم من بعد ذلك الى الطبيعة ثم لا تزال تنحط
7
الى ان تبلغ الى صور الاسطقسات التى هى اخس الصور فى
8
[31] الوجود وموضوعها اخس الموضوعات وهى المادة الاولى. فاذا
9
ارتقى من المادة الاولى رتبة رتبة فانما يرتقى الى الطبيعة التى هى
24
1
صور جسمانية فى مواد هيولانية الى ان يرتقى الى تلك الذات ثم
2
الى ما فوق ذلك حتى اذا انتهى الى العقل المستفاد انتهى الى ما
3
هو شبيه بالتخوم والحد الذى اليه تنتهى الاشياء التى تنسب
4
الى الهيولى والمادة واذا ارتقى منه فانما يرتقى الى اول رتبة
5
الموجودات المفارقة واول رتبة رتبة العقل الفعال
6
[32] والعقل الفعال الذى ذكره ارسطالس فى المقالة الثالثة من
7
كتاب النفس هو صورة مفارقة لم تكن فى مادة ولا تكون
8
اصلا وهو بنوع ما هو عقل بالفعل قريب الشبه من العقل
25
1
المستفاد وهو الذى جعل تلك الذات التى كانت عقلا بالقوة عقلا
2
بالفعل وجعل المعقولات التى كانت معقولات بالقوة معقولات
3
بالفعل
4
[33] ونسبته الى العقل الذى بالقوة كنسبة الشمس الى العين التى
5
هى بصر بالقوة ما دامت فى ظلمة فان البصر انما يكون بصرا
6
بالقوة ما دام فى ظلمة ومعنى الظلمة هو الاشفاف بالقوة وعدم
7
الاشفاف بالفعل ومعنى الاشفاف هو الاستنارة عن محاذاة منير
8
فاذا حصل الضوء فى البصر وفى الهواء وما جانسه صار البصر بما
9
حصل فيه من الضوء بصرا بالفعل وصارت الالوان مرئية بالفعل
26
1
بل نقول ان البصر ليس انما صار بصرًا بالفعل بان حصل فيه
2
الضوء والاشفاف بالفعل بل لانه اذا حصل له الاشفاف بالفعل
3
حصلت فيه صور المرئيات فبحصول صور المرئيات فى البصر
4
صار بصرا بالفعل ولانه توطا قبل ذلك بشعاع الشمس او غيره
5
ان صار مشفا بالفعل وصار الهواء المماس له ايضا مشفا بالفعل
6
صار حينئذ ما هو مرئى بالقوة مرئيا بالفعل فالمبدا الذى به صار
7
البصر بصرا بالفعل بعد ان كان بصرا بالقوة وصارت المبصرات
8
التى كانت مبصرات بالقوة مبصرات بالفعل الاشفاف الذى حصل
9
[34] فى البصر عن الشمس. فعلى هذا المثال يحصل فى تلك الذات التى هى
27
1
عقل بالقوة شىء ما منزلته منه منزلة الاشفاف بالفعل من البصر
2
وذلك الشىء يعطيه اياه العقل الفعال فيصير مبدا به تصير له
3
المعقولات التى كانت بالقوة معقولات له بالفعل وكما ان الشمس هى
4
التى تجعل العين بصرا بالفعل والمبصرات مبصرات بالفعل بما تعطيه
5
من الضياء كذلك العقل الفعال هو الذى جعل العقل الذى بالقوة
6
عقلا بالفعل بما اعطاه من ذلك المبدا وبذلك بعينه صارت المعقولات
7
معقولات بالفعل
8
[35] والعقل الفعال هو من نوع العقل المستفاد وصور الموجودات
9
[36] المفارقة التى فوقه هى فيه لم تزل ولا تزال الا ان وجودها فيه على
10
ترتيب غير الترتيب الذى هى موجودة عليه فى العقل الذى بالفعل
28
1
وذلك ان الاخس فى العقل الذى بالفعل كثيرا ما يترتب ويكون
2
اقدم من الاشرف من قبل ان ترقينا نحن الى الاشياء التى هى اكمل
3
وجودا كثيرا ما يكون عن الاشياء التى هى انقص وجودا
4
على ما بين فى كتاب البرهان اذ كنا انما نترقى عن الاعرف
5
عندنا الى ما هو مجهول وما هو اكمل وجودا فى نفسه هو اجهل
6
عندنا اعنى ان جهلنا به اشد فلذلك يضطر الى ان يكون ترتيب
7
الموجودات فى العقل الذى بالفعل على عكس ما عليه الامر فى
8
[37] العقل الفعال والعقل الفعال يعقل اولا من الموجودات الاكمل
9
فالاكمل فان الصور التى هى اليوم صور فى مواد هى فى العقل
10
الفعال صور منتزعة لا بانها كانت موجودة فى مواد فانتزعت بل
29
1
[38] > لم تزل تلك الصور فيه بالفعل وانما احتذى فى امر المادة الاولى
2
وسائر المواد بان اعطيت بالفعل الصور التى فى العقل الفعال.
3
[39] والموجودات التى قصد ايجادها قصدا اولا فيما لدينا هى تلك الصور
4
غير انها لما لم يمكن ايجادها هاهنا الا فى مواد كونت هذه
5
المواد
6
[40] وهذه الصور هى فى العقل الفعال غير منقسمة وهى فى
7
المادة منقسمة وليس يستنكر ان يكون العقل الفعال وهو
8
غير منقسم او تكون ذاته اشياء غير منقسمة يعطى المادة اشباه
30
1
ما فى جوهره فلا تقبله الا منقسما وهذا شىء قد بينه ارسطو
2
فى كتابه فى النفس ايضا
3
[41] وفى ما مضى موضع فحص وهو انه ان كانت هذه الصور
4
ممكنة ان توجد من غير مواد فما كانت الحاجة الى ان تجعل فى
5
مواد وكيف حطت من الوجود الاكمل الى الوجود الانقص فلعلّ
6
قائلا ان يقول انما فعل ذلك لتصير المواد اكمل وجودا ويلزم من
7
ذلك ان تكون تلك الصور انما كونت لاجل المادة وذلك خلاف
8
[42] ما يراه ارسطو او نقول ان هذه كلها هى فى العقل الفعال بالقوة
9
وليس ينبغى ان يفهم من قولنا بالقوة هاهنا على ان العقل الفعال فى
31
1
قوته ان يقبل هذه الصور فتصير فيه فى المستقبل بل نعنى ان له
2
قوة ان يجعلها فى المادة صورًا وهذه هى القوة على ان يفعل فى غيره
3
[43] فانه هو الذى يجعلها صورا فى المواد ثم يتحرى ان يقربها من المفارقة
4
قليلًا قليلًا الى ان يحصل العقل المستفاد فيصير عند ذلك جوهر
5
الانسان او الانسان بما يتجوهر به اقرب شىء الى العقل الفعال
6
[44] وهذه هى السعادة القصوى والحياة الآخرة وهى ان يحصل للانسان
7
اخر شىء يتجوهر به وان يتحصّل له كماله الاخير وهو ان يفعل
8
اخر ما يتجوهر به فعل اخر ما يتجوهر به وهذا معنى الحياة
9
[45] الاخرة واذا كان فعله ليس فى شىء اخر خارج عن ذاته وان يفعل
10
هو ان يوجد ذاته فيكون ذاته وفعله وان يفعل شيئا واحدًا بعينه
11
فحينئذ ليس يحتاج فى قوامه الى ان يكون البدن مادة له ولا ايضا
12
يحتاج فى شىء من افعاله ان يسترفد بفعل قوة نفسانية فى جسم
32
1
[46] ولا ان يستعمل فيه آلة جسمانية اصلا فانقص وجود ذاته ان يحتاج
2
فى قوامه فى ان يكون موجودا الى ان يكون البدن مادة له
3
ويكون هو صورة فى بدن او جسم فى الجملة وفوق ذلك ان
4
يستغنى فى قوامه عن ان يكون البدن مادّة له ولكن يحتاج فى
5
افعاله او فى كثير منها الى ان يستعمل قوة جسمانية ويسترفد فعلها
6
وذلك مثل الحسّ والتخيل واكمل الوجود له ان يصير بالحال التى
7
ذكرناها
8
[47] واما ان العقل الفعال موجود فانه بيّن فى كتاب النفس
9
وظاهر ان العقل الفعال ليس يفعل دائما بل يفعل حينا ولا
10
يفعل حينا فاذًا يلزم ضرورة ان يكون من الشىء الذى يفعله او
11
من الذى فيه يفعل على نسب مختلفة فهو يتغير من نسبة الى نسبة
12
فان كان ليس دائما على كماله الاخير فهو ليس انما يتغير من نسبة الى
13
نسبة فقط بل يتغير فى ذاته اذ كماله الاخير هو فى جوهره فهو اذن
14
فى جوهره حينا بالقوة وحينا بالفعل فالذى هو لها بالقوة مادة ما
33
1
هو لها بالفعل غير انا قد وصفنا انه مفارق لكل مادة فاذا كان
2
كذلك فهو دائما على كماله الاخير وهو باضطرار تغيّر من نسبة
3
الى نسبة فاذن ليس النقص فى ذاته بل اما الا يصادف دائما الشىء
4
الذى فيه يفعل بان لا يجد المادة والموضوع الذى فيه يفعل موطا
5
[48] واما ان يكون له عائق من خارجه فيزول او الامران جميعا. فمن
6
ذلك يتبين انه ليس فيه كفاية فى ان يكون هو المبدأ الاول لجميع
7
الموجودات اذ كان يفتقر الى ان يعطى مادة فيها يفعل والى ان يزال
8
عائقه فاذا ليس فى ذاته وجوهره كفاية فى اعطاء جميع الاشياء ففى
9
جوهره اذن نقص عن اعطاء كثير من الموجودات وما فى جوهره
10
نقص فليس فيه كفاية فى ان يكون وجوده بنفسه من غير ان
11
يكون وجوده بغيره فيلزم ضرورة ان يكون لوجوده مبدأ اخر
12
وان يكون هناك سبب اخر يرفده فى اعطاء المادة التى فيها يفعل
13
[49] وظاهر ان الموضوعات التى فيها يفعل العقل الفعال هى اما
14
اجسام واما قوى فى اجسام متكونة فاسدة وقد تبين فى كتاب
34
1
الكون والفساد ان الاجسام السمائية هى الاقسام الفاعلة الاول
2
لهذه الاجسام فهى اذًا تعطى العقل الفعال المواد والموضوعات التى
3
فيها يفعل
4
[50] وكل جسم سمائى فانه انما يتحرك عن محرك ليس بجسم ولا
5
فى جسم اصلا فانه هو السبب فى وجوده فيما يتجوهر به فمرتبته فى
6
الوجود الذى هو جوهره مرتبة ذلك الجسم فمحرك اكملها هو اكملها
7
وجودًا واكملها وجودًا هو السماء الاولى فاكملها وجودا هو محرك
8
السماء الاولى غير ان محرك السماء الاولى لما كان مبدا به وجود
9
شيئين متباينين احدهما ما يتجوهر به السماء الاولى وهو جوهر
10
جسمانى او متجسم والشىء الاخر هو محرك فلك الكواكب الثابتة
11
وذلك ذات لا جسم ولا فى جسم فليس يمكن ان يعطى الامرين
12
جميعا بجهة واحدة وامر واحد فى ذاته مما به تجوهره بل بطبيعتين
35
1
احداهما اكمل من الاخرى اذ كان التى بها اعطى الشىء الاكمل
2
الذى ليس بجسم ولا فى جسم اكمل من التى اعطى بها ما هو جسمانى
3
وهو الانقص فهو اذن انما يتجوهر بطبيعتين بهما وجوده فلوجوده
4
اذن مبدا اذ كان ما ينقسم اليه هو السبب فيما يتجوهر به فاذن
5
ليس يمكن ان يكون محرك السماء الاولى هو المبدأ الاول للموجودات
6
كلها بل له مبدا ضرورة وذلك المبدا لا محالة اكمل وجودًا منه
7
[51] واذ محرّك السماء الاولى لا مادّة ولا فى مادّة لزم ضرورة ان يكون
8
عقلا فى جوهره فهو يعقل ذاته وذات الشىء الذى هو مبدا وجوده
9
فظاهر ان ما عقل من مبدا وجوده اكمل طبيعتيه التى تخصّه
10
انقصهما وليس يحتاج فى ان تنقسم ذاته الى طبيعتين الى شىء اخر
11
غير هذين
12
[52] فاما مبداه الذى هو مبدا ما يتجوهر به محرك السماء الاولى فهو
13
واحد من كل الجهات اضطرارًا وليس يمكن ان يكون موجود
14
اكمل منه ولا ان يكون له مبدا فهو اذًا مبدا المبادى كلها ومبدا
15
اول للموجودات كلها وهذا هو العقل الذى يذكره ارسطو فى
36
1
[53] حرف اللام من كتاب ما بعد الطبيعة وكل واحد من تلك الاخر
2
ايضا عقل الا ان ذلك هو العقل الاول والموجود الاول والواحد
3
الاول والحق الاول وهذه الاخر انما صارت عقلا عن ذاك على
4
ترتيب
5
[54] والنظر فيما هو اكثر من هذا المقدار فى هذه الاشياء خارج
6
عن غرضنا والسلام
7
[55] كملت رسالة ابى نصر الفارابى فى العقل