1-31
1
|a1|بسم الله الرحمن الرحيم <عونك اللهم>
2
<قال الشيخ الرئيس ابو على الحسين بن عبد الله بن سينا رحمه الله> الحمد لله حمدًا
3
يستحقه بعلو شانه وسبوغ احسانه وصلواته على انبيائه اجمعين.
4
وبعد، فقد التمس منى بعض خلص اخوانى، ومن يلزمنى اسعافه، بما يسمح به
5
"وسعى" ان اصنف فى الطب كتابًا، مشتملًا على قوانينه الكلية والجزئية، اشتمالًا يجمع
6
الى الشرح الاختصار، والى ايفاء الاكثر حقه من البيان الايجاز. فاسعفته بذلك ورأيت ان
7
اتكلم اولًا فى الامور العامية الكلية فى كلا قسمى الطب، اعنى القسم النظري والقسم
8
العملى، ثم من بعد ذلك اتكلم فى كليات احكام قوى الادوية المفردة، ثم فى جزئياتها.
9
ثم بعد ذلك فى الامراض الواقعة بعضو عضو؛ فابتدئى اولًا بتشريح ذلك العضو ومنفعته.
10
واما تشريح الاعضاء المفردة البسيطة، فيكون قد سبق منى ذكره فى الكتاب الاول
11
الكلى، وكذلك منافعها. ثم اذا فرغت من تشريح ذلك العضو، ابتدأت فى اكثر المواضع
12
بالدلالة على كيفية حفظ صحته. ثم دللت بالقول المطلق على كليات امراضه، واسبابها،
13
وطرق الاستدلالات عليها، وطرق معالجاتها بالقول الكلى ايضًا. فاذا فرغت من هذه
14
الامور الكلية اقبلت على الامراض الجزئية؛ ودللت اولًا فى اكثرها ايضًا على الحكم الكلى
15
فى حده، واسبابه، ودلائله. ثم تخلصت الى الاحكام الجزئية؛ ثم اعطيت القانون الكلى
16
للمعالجة، ثم نزلت الى المعالجات الجزئية بدواء دواء، بسيط او مركب. وما كان [قد]
17
سلف ذكره من الادوية المفردة ومنفعتها للامراض، فى كتاب الادوية المفردة، فى
18
الجداول والأصباغ، التى ارى استعمالها فيه، كما تقف ايها المتعلم عليه، اذا وصلت
19
اليه، لم اكرر الا قليلًا منه. وما كان من الادوية المركبة، انما الاحرى به، أن يكون فى
20
القراباذين الذى ارى ان اعمله، اخرت ذكر منافعه، وكيفية خلطه اليه.
21
ورأيت ان افرغ من هذا الكتاب الى كتاب ايضًا فى الامور الجزئية، مختص بذكر
22
الامراض، التى "اذا وقعت" لم تختص بعضو بعينه، ونورد هنالك ايضًا الكلام فى الزينة.
23
وان اسلك فى هذا الكتاب ايضًا مسلكى فى الكتاب الجزئى الذى قبله. فاذا تهيأ بتوفيق
1-32
1
الله تعالى الفراغ من هذا الكتاب، جمعت بعده كتاب الاقراباذيين. وهذا الكتاب
2
لا يسع من يدعى هذه الصناعة، ويكتسب بها، ان لا يكون جله معلومًا محفوظًا عنده. فانه
3
يشتمل على اقل ما لا بد منه للطبيب. واما الزيادة عليه، فامر غير مضبوط. وان اخر الله
4
تعالى فى الاجل، وساعد القدر، انتصب لذلك انتصابًا ثانيًا <شافياُ>. واما الآن فانى
5
اجمع هذا الكتاب واقسمه الى كتب خمسة "على هذا المثال".
6
الكتاب الاول فى الامور الكلية من علم الطب.
7
الكتاب الثانى فى الادوية المفردة.
8
الكتاب الثالث فى الامراض الجزئية الواقعة باعضاء الانسان عضو عضو من الراس
9
الى القدم، ظاهرها وباطنها.
10
الكتاب الرابع فى الامراض الجزئية التى اذا وقعت لم تختص بعضو، وفى الزنية.
11
الكتاب الخامس فى تركيب الادوية وهو الاقراباذين.
1-33
1
|ca5|الكتاب الاوّل
2
فى الامور الكلية من علم الطب وهو اربعة فنون
3
|1ra1|الفن الاوّل
4
فى حد الطب وموضوعاته من الامور الطبيعية وهو ستة تعاليم
5
التعليم الاول
6
فى موضوعات الطب وحدّه؛ وفيه فصلان
7
|1ra1|الفصل الاول فى حد الطب
8
اقول: إن الطب علم، تعرف منه احوال بدن الانسان، من جهة ما يصح
9
ويزول عنها؛ لتحفظ صحة حاصلة، وتسترد زائلة. ولقائل ان يقول: إن الطب
10
ينقسم الى نظر وعمل، وانتم قد جعلتموه كله نظرًا، اذ قلتم: إنه علم. وحينئذ
11
نجيبه ونقول: إنه يقال: إن من الصناعات ما هو نظرى وعملى، ومن الفلسفة ماهو
12
نظرى وعملى [ويقال: إن من الطب ما هو نظرى، ومنه ما هو عملى]. ويكون المراد
13
فى كل قسمة بلفظ النظرى والعملى شيئًا آخر. لا نحتاج الآن الى بيان اختلاف المراد فى
14
ذلك، الا فى الطب.
15
فاذا قيل: إن من الطب ما هو نظر ومنه ما هو عمل. فلا يجب أن يظن أن
16
مرادهم فيه، هو أن أحد قسمى الطب هو تعلم العلم، والقسم الآخر هو المباشرة
17
للعمل، كما يذهب اليه وَهم كثيرٍ من الباحثين عن هذا الموضع؛ بل يحق عليك أن
18
تعلم أن المراد فى ذلك شىء آخر؛ وهو أنه ليس "ولا" واحد من قسمى الطب
19
الا علمًا، لكن أحدهما علم أصول، والآخر علم كيفية المباشرة. ثم يخص الاول
20
منهما باسم العلم أو باسم النظر، ويخص الآخر باسم العمل.
1-34
1
فنعنى بالنظرى منه ما يكون التعليم فيه مفيدًا لاعتقاد فقط، من غير ان يتعرض
2
لبيان كيفية عمل؛ مثل ما يقال فى الطب: إن أصناف الحميات ثلثة، وان الامزجة
3
تسعة. ونعنى بالعملى منه لا العمل بالفعل، ولا مزاولة الحركات البدنية، بل
4
القسم ومن علم الطب الذى يفيد التعليم فيه رأيًا، ذلك الرأى متعلق [ببيان] كيفية
5
عمل؛ مثل ما يقال فى الطب: إن الاورام الحارة يجب أن يقرب إليها فى الابتداء
6
ما يردع، ويبرد، ويكثف، ثم من بعد ذلك تمزج الرادعات بالمرخيات، ثم بعد
7
الانتهاء إلى الانحطاط يقتصر على المرخيات المحللة؛ <اللهم> إلا فى أورام [تكون] عن
8
مواد، تدفعها الاعضاء الرئيسة. فهذا التعليم يفيدك رأيًا هو بيان كيفية عمل.
9
فاذا علمت هذين القسمين، فقد حصل لك علم علمى وعلم عملى؛ وان لم
10
تعمل قط.
11
وليس لقائل ايضًا أن يقول: إن أحوال بدن الانسان ثلاثة: الصحة،
12
والمرض، وحالة لا صحة ولا مرض؛ وأنت اقتصرت على قسمين. فان هذا القائل لعله
13
اذا فكر، لم يجد أحد الأمرين واجبًا، لا هذا التثليث، ولا اخلالنا به. ثم إنه
14
ان كان هذا التثليث واجبًا، فان قولنا الزوال عن الصحة يتضمن المرض والحالة
15
الثالثة التى جعلوها ليس لها حد الصحة، وهى ملكة أو حالة، تصدر عنها الافعال
16
من الموضوع لها سليمة، ولا لها مقابل هذا الحد. إلا أن يحدوا الصحة كما
17
يشتهون، ويشترطون فيه شروطًا مابهم اليها حاجة. ثم لا مناقشة مع الاطباء فى
18
هذا، وماهم ممن يناقشون فى مثله، ولا تؤدى هذه المناقشة بهم، أوبمن
19
يناقشهم الى فائدة فى الطب. وأما معرفة الحق فى ذلك، فمما يليق باصول
20
صناعة أخرى.
21
|1rb13|الفصل الثانى فى موضوعات الطب
22
لما كان الطب ينظر فى بدن الانسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة،
23
والعلم بكل شىء إنما يحصل ويتم إذا كان له اسباب أن يعلم من أسبابه؛
24
فيجب أن يعرف فى الطب أسباب الصحة والمرض. ولان الصحة والمرض واسبابهما
25
قد يكونان ظاهرين، وقد يكونان خفيّين، لا ينالان بالحس؛ بل بالاستدلال من
26
العوارض؛ فيجب ايضًا أن يعرف فى الطب العوارض التى تعرض فى الصحة والمرض.
27
وقد تبين فى العلوم الحقيقية: أن العلم بالشىء إنما يحصل من جهة العلم بأسبابه
1-35
1
ومباديه ان كانت له، وان لم تكن له، فانما يتم من جهة العلم بعوارضه ولوازمه
2
الذاتية.
3
لكن الاسباب أربعة أصناف: مادية، وفاعلية، وصورية، وتمامية. والاسباب
4
المادية هى الاشياء الموضوعية التى فيها تتقرر الصحة والمرض. أما الموضوع
5
الاقرب فعضو أو روح، وأما الموضوع الأبعد فهى الاخلاط، وأبعد منه هى
6
الاركان. فهذان موضوعان بحسب التركيب، وان كان ايضًا مع الاستحالة. وكل
7
ما وضع كذلك، فانه يساق فى تركيبه واستحالته الى وحدة ما، وتلك الوحدة فى هذا
8
الموضع، التى تلحق تلك الكثرة، إما مزاج، وإما هيئة؛ أما المزاج فبحسب الاستحالة،
9
وأما الهيئة فبحسب التركيب.
10
وأما الاسباب الفاعلية فهى الاسباب المغيرة، أو الحافظة لحالات بدن
11
الانسان من الاهوية وما يتصل بها، والمطاعم، والمياه، والمشارب، وما يتصل بها،
12
والاستفراغ، والاحتقان، والبلدان، والمساكن وما يتصل بها، والحركات، والسكونات
13
البدنية، والنفسانية، ومنها النوم واليقظة، والاستحالة فى الاسنان والاختلاف فيها، وفى
14
الاجناس، والصناعات، والعادات، والاشياء الواردة على البدن الانسانى مماسة له.
15
إما غير مخالفة للطبيعة، وإما مخالفة للطبيعة.
16
وأما الاسباب الصورية: فالمزاجات، والقوى الحادثة عنها، والتراكيب.
17
وأما الاسباب التمامية: فالافعال ــ وفى معرفة الافعال معرفة القوى لا محالة ــ ومعرفة
18
الارواح الحاملة للقوى، كما سنبين.
19
فهذه موضوعات صناعة الطب من جهة أنها باحثة عن بدن الانسان انه كيف
20
يصح ويمرض. وأما من جهة تمام هذا البحث، وهو أن تحفظ الصحة وتزيل المرض، فيجب
21
أن تكون لها إيضًا أجزاء اخر بحسب أسباب هذين الحالين وآلاتهما. وأسباب ذلك:
22
التدبير بالماكول والمشروب، واختيار الهواء، وتقدير الحركة والسكون، [والعلاج بالدواء]
23
والعلاج باليد. كل ذلك عند الأطباء بحسب ثلاثة أصناف: من الأصحاء، والمرض،
24
والمتوسطين الذين نذكرهم، ونذكر انهم كيف يعدّون متوسطين بين قسمين، لاواسطة
25
بينهما فى الحقيقة.
26
وإذ قد فصلنا هذه البيانات، فقد اجتمع لنا: أن الطب ينظر فى الأركان،
27
والمزاجات، والأخلاط، والأعضاء البسيطة، والمركبة، والأرواح، وقواها الطبيعية،
28
والحيوانية، والنفسانية، والأفعال، وحالات البدن من الصحة والمرض والتوسط [بينهما]؛
29
وأسبابها من المآكل، والمشارب، والاهوية، والمياه، والبلدان، والمساكن، والاستفراغ،
30
والاحتقان، والصناعات، والعادات، والحركات البدنية والنفسانية، والسكونات، والاسنان،
1-36
1
والأجناس، والواردات على البدن من الأمور الغريبة، والتدبير بالمطاعم والمشارب، واختبار
2
الهواء، وتقدير "الحركة والسكون"، و [استعمال] الأدوية، وأعمال اليد لحفظ الصحة، وعلاج
3
مرض مرض. فبعض هذه الامور انما يجب عليه من جهة ما هو طبيب أن يتصوره بالماهية فقط
4
تصورًا علميًا، ويصدق بهليته تصديقًا على أنه وضع له، مقبول من صاحب العلم الطبيعى.
5
وبعضها يلزمه أن يبرهن عليه من صناعته. فما كان من هذه كالمبادى، فيلزمه أن يتقلد هليتها.
6
فان مبادى العلوم الجزئية متسلمة. وتتبرهن فى علوم أخرى أقدم منها، وكذلك
7
حتى يرتقى مبادى العلوم كلها إلى الفلسفة الاولى، التى يقال لها علم ما بعد الطبيعة.
8
وإذا شرع بعض المتطببين واخذ يتكلم فى إثبات العناصر، والمزاج، وما يتلو
9
ذلك، مما هو موضوع للعلم الطبيعى، فانه يغلط من حيث يورد فى صناعة الطب ما ليس
10
من صناعة الطب، ويغلط من حيث يظن انه يبين شيئًا، ولا يكون قد بينه البتة. فالذى
11
يجب أن يتصوره الطبيب بالماهية ويتقلد ما كان منه غير بين الوجود بالهلية هو هذه الجملة:
12
الاركان انها هل هى وكم هى؟ والمزاجات انها هل هى وكم هى؟ والاخلاط ايضًا هل
13
هى، وكم هى، وكيف هى؟ والقوى هل هى وكم هى؟ والأرواح هل هى؟ وكم هى؟ وأين
14
هى؟ وإن لكل تغير حال وثباته سببًا، وإن الأسباب كم هى؟
15
وأما الاعضاء ومنافعها، فيجب أن يصادفها بالحس والتشريح. والذى يجب أن
16
يتصوره، ويبرهن عليه الامراض، وأسبابها الجزئية، وعلاماتها، وأنه كيف يزال المرض، وتحفظ
17
الصحة. فانه يلزمه أن يعطى البرهان على ما كان من هذا خفى الوجود، بتفصيله وتقديره وتوقيته.
18
وجالينوس إذا حاول اقامة البرهان على القسم الاول، فلا يجب أن يحاول ذلك
19
من جهة أنه طبيب، ولكن من جهة أنه يحب أن يكون فيلسوفًا، يتكلم فى العلم الطبيعى.
20
كما ان الفقيه إذا حاول أن يثبت صحة وجوب متابعة الاجماع، فليس ذلك له من جهة
21
ما هو فقيه، ولكن من جهة ما هو متكلم. ولكن الطبيب من جهة ما هو طبيب، والفقيه
22
من جهة ما هو فقيه ليس يمكنه أن يبرهن على ذلك؛ وإلا وقع الدور.
23
|1vb16|التعليم الثانى فى الاركان
24
وهو فصل واحد
25
الاركان: هى أجسام بسيطة [و] هى أجزاء أولية لبدن الانسان وغيره، التى لا يمكن
26
أن ينقسم إلى أجسام مختلفة الصور، ويحدث بامتزاجها <واختلاطها> الأنواع المختلفة
1-37
1
من الكائنات. فليتسلم الطبيب من الطبيعى أنها أربعة لاغير: إثنان منها خفيفان،
2
وإثنان ثقيلان. فالخفيفان: النار والهواء، والثقيلان: الأرض والماء. والارض: جرم بسيط،
3
موضعه الطبيعى هو وسط الكل، يكون فيه بالطبع ساكنًا، ويتحرك اليه بالطبع، إن
4
كان مباينًا. وذلك ثقله المطلق < الطبيعى >. وهو بارد يابس فى طبعه، أى طبعه
5
طبع اذا خلى وما يوجبه، ولم يعارضه سبب من خارج، ظهر عنه برد محسوس ويبس.
6
وجوده فى الكائنات وجود"مفيد للاستمساك"، والثبات، وحفظ الأشكال والهيئات.
7
أما الماء: فهو جرم بسيط، موضعه الطبيعى أن يكون شاملًا للارض، مشمولًا للهواء،
8
إذا كانا على وضعيهما الطبيعين. وهو ثقله الإضافى. وهو بارد رطب: اى طبعه طبع
9
إذا خلى وما يوجبه، ولم يعارضه سبب من خارج، ظهرعنه برد محسوس وحالة هى
10
رطوبة: وهى كونه فى جبلته بحيث يجيب بأدنى سبب إلى أن يتفرق، ويتحد، ويقبل
11
أى شكل كان ثم لايحفظه. ووجوده فى الكائنات لتسليس الهيئات التى تراد فى
12
أجزاءها من التشكيل، والتخطيط، والتعديل؛ فان الرطب وإن كان سهل الترك للهئيات
13
الشكلية، فهو سهل القبول لها، كما أن اليابس وإن كان عسر القبول للهئيات الشكلية،
14
فهو عسر الترك لها. ومهما تخمر اليابس بالرطب، استفاد اليابس من الرطب قبولأ للتمديد
15
والتشكيل سهلأ، واستفاد الرطب من اليابس حفظًا لما حدث فيه من التقويم والتعديل
16
قويًا. واجتمع اليابس بالرطب عن تشتته، واستمسك الرطب باليابس عن سيلانه.
17
وأما الهواء: فهوجرم بسيط، موضعه الطبيعى فوق الماء وتحت النار. وهذا خفته
18
الاضافية. وطبعه حار رطب، على قياس ماقلنا. ووجوده فى الكائنات لتتخلخل، و
19
تلطف، وتخف، وتستقل.
20
وأما النار: فهو جرم بسيط، موضعه الطبيعى فوق الأجرام العنصرية كلها؛ و
21
مكانه الطبيعى هو السطح المقعر من الفلك الذى ينتهى عنده الكون والفساد. وذلك
22
خفته المطلقة. وطبعه حار يابس. ووجوده فى الكائنات لتنضج، وتلطف، وتمتزج،
23
وتجرى فيها بتنفيذ الجوهر الهوائ، ولتكثر من محوضة برد العنصرين الثقيلين الباردين،
24
فترجع عن العنصرية إلى المزاجية. والثقيلان أعون فى كون الأعضاء وفى سكونها، والخفيفان
25
أعون فى كون الأرواح وفى تحركها، وتحريك الأعضاء، وإن كان المحرك الأول هو
26
النفس. فهذه هى الأركان.
1-38
1
|2ra27|التعليم الثالث ثلاثة فصول
2
|2ra27|الفصل الاول فى المزاج
3
المزاج كيفية تحدث من تفاعل كيفيات متضادة موجودة فى عناصر متصغرة
4
الأجزاء لتماس اكثركل واحد منها اكثر الآخر؛ إذا تفاعلت بقواها بعضها فى بعض، حدث
5
عن جملتها كيفية متشابهة فى جميعها، هى المزاج.
6
ولان القوى الأولية فى الأركان المذكورة أربع: وهى الحرارة، والبرودة، والرطوبة،
7
واليبوسة، فبين أن المزاجات فى الأجسام الكائنة الفاسدة انما يكون عنها. وذلك إما
8
بحسب ما توجبه القسمة العقلية بالنظر المطلق غير مضاف إلى شئى [فهو] على وجهين:
9
وأحد الوجهين أن يكون المزاج معتدلًا على أن تكون المقادير من الكيفيات المتضادة فى
10
الممتزج متساوية متقاومة، ويكون المزاج كيفية متوسطة بينها بالتحقيق. والوجه الثانى
11
أن لايكون المزاج < من> بين الكيفيات المتضادة وسطا مطلقًا، ولكن يكون أميل إلى أحد
12
الطرفين: إما فى احدى المتضادتين اللتين فيما بين البرودة والحرارة، والرطوبة واليبوسة،
13
وإما فى كلتيهما.
14
لكن المعتبر فى صناعة الطب بالاعتدال والخروج عن الاعتدال ليس هذا، ولاذاك.
15
بل يجب أن يتسلم الطبيب من الطبيعى أن المعتدل على هذا المعنى مما لايجوز أن يوجد
16
اصلًا؛ فضلا عن أن يكون مزاج إنسان اوعضو إنسان. وأن يعلم أن المعتدل الذى
17
يستعمله الاطباء فى مباحثهم هو مشتق لا من التعادل الذى هو التوازن بالسوية، بل من
18
العدل فى القسمة؛ وهوأن يكون قد توفر فيه على الممتزج بدنًا كان بتمامه، أوعضوًا
19
من العناصر بكمياتها، وكيفياتها القسط الذى ينبغى له فى المزاج الإنسانى على أعدل
20
قسمة ونسبة . لكنه قد يعرض أن تكون هذه القسمة التى تتوفر على الانسان قريبة
21
جدًا من الاعتدال الحقيقى الأول.
22
وهذا الاعتدال المعتبر بحسب أبدان الناس إيضا، الذى هو بالقياس إلى غيره
23
مما ليس له ذلك الاعتدال، وليس له قرب الانسان من الاعتدال المذكور فى الوجه
24
الأول، <قد> يعرض له ثمانية أوجه من الاعتبارات:
25
(1) "فانه إما أن يكون بحسب النوع" مقيسًا إلى مايختلف مما هو خارج عنه.
26
(2) وإما أن يكون بحسب النوع مقيسا إلى ما يختلف مما هو فيه.
27
(3) وإما أن يكون بحسب صنف من النوع مقيسا إلى ما يختلف مما هو خارج
28
عنه وفى نوعه.
1-39
1
(4) وإما أن يكون بحسب صنف من النوع مقيسا إلى ما يختلف "مما هو داخل
2
فى الصنف".
3
(5) وإما أن يكون بحسب الشخص من الصنف من النوع مقيسًا إلى ما يختلف
4
مما هوخارج عنه وفى صنفه وفى نوعه.
5
(6) وإما أن يكون بحسب الشخص مقيسًا إلى [ما يختلف من] احواله فى نفسه.
6
(7) وإما أن يكون بحسب العضو مقيسًا إلى ما يختلف مما هوخارج عنه وفى بدنه.
7
(8) وإما أن يكون بحسب العضو مقيسًا إلى احواله فى نفسه.
8
والقسم الاول: هو الإعتدال الذى للانسان بالقياس إلى سائر الكائنات. وهو شىء
9
له عرض،وليس منحصرا فى حد، وليس ذلك كيف اتفق، بل له فى الإفراط والتفريط
10
حدّان، اذاخرج عنهما، بطل المزاج عن أن يكون مزاج انسان.
11
واماالثانى: فهو الواسطة بين طرفى هذا المزاج العريض، ويوجد فى شخص فى
12
غاية الاعتدال من صنف فى غاية الاعتدال فى السن الذى يبلغ فيه النشؤ غاية النمو.
13
وهذا إيضًا وإن لم يكن الإعتدال الحقيقى المذكور فى إبتداء الفصل، حتى يمتنع وجوده،
14
فانه ما يعزّ وجوده. وهذا الانسان إيضًا انما يقرب من الإعتدال الحقيقى المذكور، لاكيف
15
اتفق، ولكن تتكافى أعضائه الحارة كالقلب، والباردة كالدماغ، والرطبة كالكبد،
16
واليابسة كالعظام؛ واذا توازنت وتعادلت، قربت من الإعتدال الحقيقى. وأما باعتبار كل
17
عضو فى نفسه فكلا، إلا عضوًا واحدأ، وهو الجلد على مانصفه بعد. وأما بالقياس الى
18
الأرواح وإلى الاعضاء الرئيسة، فليس يمكن أن يكون مقاربا لذلك الإعتدال الحقيقى،
19
بل خارجا ًعنه إلى الحرارة والرطوبة؛ فان مبدأ الحياة هو القلب والروح، وهما حاران جدًا،
20
مائلان إلى الإفراط. والحياة بالحرارة، والنشء بالرطوبة، بل الحرارة تقوم بالرطوبة
21
وتغتذ ى منها.
22
والأعضاء الرئيسة ثلاثة كما سنبين: والبارد منها واحد وهوالدماغ، وبرده [لايبلغ
23
أن يعدل حرالقلب والكبد؛ واليابس منها أوالقريب من اليبوسة منها واحد وهوالقلب،
24
ويبوسة] لاتبلغ أن تعدل رطوبة الدماغ والكبد. وليس الدماغ ايضًا بذلك البارد، ولا القلب
25
ايضًا بذلك اليابس. ولكن القلب بالقياس إلى الآخرين يابس؛ والدماغ بالقياس إلى
26
الآخرين بارد.
27
واما القسم الثالث فهو أضيق عرضًا من القسم الاول، أعنى من الإعتدال
28
النوعى؛ الا أن له عرضًا صالحًا . وهو المزاج الصالح لأمة من الأمم ، بحسب القياس
1-40
1
إلى إقليم من الأقاليم، وهواء من الاهوية؛ فان للهند مزاجًا يشملهم يصحون به؛ و
2
للصقالبة مزاجًا آخر يصحون به؛ كل واحد منهما معتدل بالقياس إلى صنفه، وغير معتدل
3
بالقياس إلى الآخر؛ فان البدن الهندى إذا تكيف بمزاج الصقلابى، مرض أوهلك؛
4
وكذلك حال البدن الصقلابى إذا تكيف بمزاج الهندى. فيكون إذًا لكل واحد من
5
اصناف سكان <البلدان> المعمورة مزاج خاص، يوافق هواء اقليمه، وله عرض، ولعرضه
6
طرفا إفراط وتفريط.
7
واما القسم الرابع: فهو الواسطة بين طرفى عرض مزاج الاقليم، وهوأعدل أمزجة ذلك
8
الصنف.
9
واما القسم الخامس: فهو أضيق [عرضا] من القسم الأول والثالث. وهو المزاج
10
الذى يجب أن يكون لشخص معين، حتى يكون موجودًا حيًا صحيحًا. وله إيضا
11
عرض يحده طرفا إفراط وتفريط. ويجب أن يعلم أن كل شخص يستحق مزاجًا يخصه
12
<لنفسه> يندر، او لايمكن أن يشاركه فيه الآخر.
13
واما القسم السادس فهو "الواسطة بين هذين الحدين إيضًا. وهو المزاج
14
الذى إذا حصل للشخص"، كان على أفضل ما ينبغى له أن يكون عليه.
15
واما القسم السابع: فهو المزاج الذى يجب أن يكون لنوع كل عضو من الأعضاء،
16
و يخالف به غيره. فان الإعتدال الذى للعظم هوأن يكون اليابس فيه اكثر، وللدماغ
17
أن يكون الرطب فيه اكثر، وللقلب أن يكون الحار فيه أكثر؛ وللعصب ان يكون البارد فيه
18
أكثر، ولهذا المزاج إيضًا عرض يحده طرفا إفراط وتفريط. وهو دون 'العرض
19
المذكور" فى الأمزجة المتقدمة.
20
واما القسم الثامن [فهو الواسطة بين هذين الحدين] وهو مزاج العضو الشخصى
21
الذى إذا حصل له [كان] على أفضل ما ينبغى له أن يكون عليه.
22
فاذا اعتبرت الأنواع كان أقربها من الإعتدال الحقيقى هو الإنسان. وإذا اعتبرت
23
الأصناف، فقد صح عندنا انه اذا كان فى الموضع الموازى لمعدّل النهار عمارة، ولم
24
يعرض من الأسباب الأرضية أمر مضاد، أعنى من الجبال والبحار، فيجب أن يكون سكانها
25
أقرب الأصناف من الاعتدال الحقيقى. وصح أن الظن الذى يقع أن هناك خروج عن
26
الإعتدال بسبب قرب الشمس، ظن فاسد؛ فان مسامتة الشمس هناك أقل نكاية،
27
وتغيرًا للهواء، من مقاربتها هاهنا، أولاكثر عرضًا مما ههنا. وإن لم تكن تسامت. ثم سائر
1-41
1
احوالهم فاضلة متشابهة؛ ولا يتضاد عليهم الهواء تضادًا محسوسًا؛ بل يشابه مزاجهم
2
دائمًا. وكنا قد عملنا فى تصحيح هذا الرائ مقالة.
3
ثم بعد هؤلاء فأعدل الأصناف سكان الإقليم الرابع، فانهم لا يحترقون بدوام مسامتة
4
الشمس رؤسهم حينًا، بعد تباعدها عنهم، كسكان اكثر الثانى والثالث، ولا[هم] فجون
5
نيون بدوام بعد الشمس عن رؤسهم، كسكان آخرالخامس وما هو أبعد منه عرضا. واما فى
6
الأشخاص فهو أعدل شخص من اعدل صنف من أعدل نوع.
7
وأما فى الأعضاء فقد ظهر أن الأعضاء الرئيسة ليست شديدة القرب من الإعتدال
8
الحقيقى؛ بل يجب ان يعلم أن اللحم أقرب الاعضاء من ذلك الإعتدال؛ وأقرب منه الجلد.
9
فانه لايكاد ينفعل عن ماء ممزوج بالتساوى، نصفه جمد، ونصفه مغلى. "ويكاد يتعادل
10
فيه تسخين العروق [والروح] والدم لتبريد العصب. وكذلك لاينفعل عن جسم حسن
11
الخلط من أيبس الأجسام وأسيلها، إذا كانا فيه بالسوية. وانما يعرف أنه لا ينفعل؛
12
لأنه لايحس <بما كان مثله. وانما كان مثله لما كان لاينفعل منه. لأنه لوكان مخالفًا له
13
لانفعل عنه؛ فان الأشياء المتفقة العنصر، المتضادة الطبائع، ينفعل بعضها عن بعض.
14
وانما لاينفعل الشيء عن مشاركه فى الكيفية إذا كان مشاركه فى الكيفية شبيهة فيها.
15
وأعدل الجلد جلد اليد؛ وأعدل جلد اليد جلد الكف، وأعدله جلد الراحة،
16
وأعدله ما كان على الأصابع، وأعدله ماكان على السبابة، وأعدله ماكان على الأ نملة
17
منها. فلذلك هى <أشد حسًا> [وهى] وأنامل الأصابع الأخرى تكاد تكون الحاكمة
18
بالطبع على مقادير الملموسات. فان الحاكم يجب أن يكون متساوى الميل إلى الطرفين
19
جميعًا، حتى يحس بخروج الطرف عن التوسط والعدل.
20
ويجب أن تعلم، مع ماقد علمت، انا اذا قلنا للدواء أنه معتدل، فلسنا نعنى بذلك
21
أنه معتدل على الحقيقة، فذلك غير ممكن، ولا ايضًا أنه معتدل بالاعتدال الانسانى
22
فى مزاجه؛ وإلا لكان من جوهر الانسان بعينه. ولكنا نعنى أنه إذا انفعل عن الحار الغريزى
23
فى بدن الانسان، فتكيف بكيفية، لم تكن تلك الكيفية خارجة عن كيفية الانسان إلى
24
طرف من طرفى الخروج عن المساواة والاعتدال؛ فلا يؤثر فيه أثرًا مائلًا عن الاعتدال.
25
فكأنه معتدل بالقياس إلى فعله فى بدن الانسان.
26
وكذلك إذا قلنا: انه حار، أوبارد، فلسنا نعنى أنه فى جوهره بغاية الحرارة أوالبرودة،
27
ولا أنه فى جوهره أحرمن بدن الإنسان، أوأبرد. والالكان المعتدل ما مزاجه مثل مزاج الاتسان.
28
ولكنا نعنى أنه يحدث منه فى بدن الإنسان حرارة أوبرودة فوق اللتين له. ولهذا قد يكون
29
الدواء باردًا بالقياس إلى بدن الإنسان، حارًا بالقياس إلى بدن العقرب؛ وحارًا بالقياس
1-42
1
إلى بدن الانسان، باردًا بالقياس إلى بدن الحية. بل قد يكون دواء واحد ايضًا حارا
2
بالقياس إلى بدن زيد، فوق كونه حارًا بالقياس إلى بدن عمرو. ولهذا يؤمر المعالجون
3
بأن لايقيموا على دواء واحد فى تبديل المزاج، إذا لم ينجع.
4
واذ قد استوفينا القول فى المزاج المعتدل، فلنتقل الآن> الى غير المعتدل؛
5
فنقول: إن الأمزجة الغير المعتدلة، سواء أخذتها بالقياس الى النوع، أوالصنف،
6
أو الشخص، أوالعضو، ثمانية بعد الاشتراك فى أنها مقابلة للمعتدل وتلك الثمانية
7
تحدث على هذا الوجه: وهو أن الخارج عن الإعتدال إما أن يكون بسيطًا، وانما يكون
8
خروجه فى مضادة واحدة؛ وإما أن يكون مركبًا، وإنما يكون خروجه فى المضادتين جميعًا.
9
والبسيط الخارج فى المضادة الواحدة، إما فى المضادة الفاعلة، وذلك على
10
قسمين: لأنه إما أن يكون أحر مما ينبغى، لكن ليس أرطب أوأيبس مما ينبغى. أويكون
11
أبرد مما ينبغى، وليس أرطب أوى أيبس مما ينبغى. وإما أن يكون فى المضادة
12
المنفعلة، وذلك على قسمين: لأنه إما ان يكون أيبس مما ينبغى، وليس
13
أحر ولاأبرد مما ينبغى. و إما أن يكون أرطب مما ينبغى، وليس احر ولاأبرد مما
14
ينبغى . لكن هذه الأربعة لاتستقر ولا تثبت زمانًا له قدر؛ فان الأحر مما ينبغى
15
يجعل البدن أيبس مما ينبغى؛ والأبرد مما ينبغى يجعل البدن أرطب مما ينبغى بالرطوبة الغريبة؛
16
الأيبس مما ينبغى سريعًا ما يجعله أبرد مما ينبغى؛ والأرطب مما ينبغى إن كان بافراط فانه
17
أسرع من الأيبس في تبريده؛ وإن كان ليس بافراط، فانه يحفظه مدة أكثر؛ إلا انه
18
يجعله آخر الامر أبرد ما ينبغى. وأنت تفهم من هذا أن الاعتدال أوالصحة أشد مناسبة
19
للحرارة منها للبرودة. فهذه هى الأربع المفردة.
20
وأما المركبة التى يكون الخروج فيها فى المضادتين جميعًا، فمثل أن يكون
21
المزاج أحر وأرطب معًا مما ينبغى، أو أحر وأيبس معًا مما ينبغى؛ أو أبرد وأرطب معًا، أو
22
أبرد وأيبس معًا كلاهما مما ينبغى. ولايمكن أن يكون أحر وأبرد معًا، ولا أرطب وأيبس معًا.
23
وكل واحد من هذه الأمزجة الثمانية لايخلو إما أن يكون بلامادة؛ وهو أن يحدث
24
ذلك المزاج فى البدن كيفية وحدها، من غير أن يكون قد تكيف البدن بها لنفوذ
25
خلط فيه متكيف بهْ يتغير البدن اليه، مثل حرارة المدقوق، وبرودة الخصر المصرود
26
المثلوج. واما أان يكون مع مادة:وهو أن يكون البدن إنما تكيف بكيفية ذلك المزاج
27
لمجاورة خلط نافذ فيه، غالب عليه تلك الكيفية، مثل تبرد الجسم الانسانى بسبب بلغم
28
زجاجى؛ أو تسخنه بسبب صفراء كراثية. وستجد فى الكتاب الثالث والرابع مثالًا لواحد
29
واحد من الامزجة الستة عشر.
1-43
1
واعلم: أن المزاج مع المادة قد يكون على وجهين: وذلك لان العضو قد يكون تارة
2
منتقعًا فى المادة مبتلًا بها؛ وقد يكون تارة المادة محتبسة فى مجاريه وبطونه؛ فربما
3
كان احتباسها، ومداخلتها [يحدث] توريمًا، وربما لم يكن. فهذا هو القول فى المزاج.
4
فليتسلم الطبيب من الطبيعى على سبيل الوضع ما ليس بينا له بنفسه.
5
|3rb18|الفصل الثانى منه وهو فى أمزجة الاعضاء
6
اعلم: أن الخالق تعالى أعطى كل حيوان وكل عضو من المزاج ماهو أليق به،
7
وأصلح لأفعاله واحواله بحسب احتمال الإمكان له. وتحقيق ذلك الى الفيلسوف دون الطبيب.
8
واعطى الانسان أعدل مزاج، يمكن أن يكون فى هذا العالم، مع مناسبته لقواه التى بها
9
يفعل، وينفعل؛ وأعطى كل عضو ما يليق به من مزاجه. فجعل بعض الأعضاء أحر، وبعضها
10
أبرد، وبعضها أيبس، وبعضها أرطب.
11
فأما أحرما فى البدن فهو الروح والقلب الذى هو منشأه. <لانه معدن الحرارة>ثم الدم.
12
فانه وان كان متولدًا فى الكبد، فانه لاتصاله بالقلب، يستفيد من الحرارة ماليس للكبد.
13
ثم الكبد، لانها كدم جامد، ثم اللحم، وهوأقل حرارة منها. وانما يقصر عن الكبد
14
بما يخالطه من ليف العصب البارد. ثم العضل، وهو أقل حرارة من اللحم المفرد، لما
15
يخالطه من العصب والرباط. ثم الطحال لمافيه من عكرالدم. ثم الكلى لان الدم ليس فيها
16
بالكثير ثم طبقات العروق الضوارب. لابجواهرها العصبية، بل لما تقبله من تسخين الدم والروح
17
اللذين فيها. ثم طبقات العروق السواكن لأجل الدم وحده. [ثم الجلد] ثم جلدة الكف المعتدلة
18
وابرد ما فى البدن البلغم، ثم الشعر، ثم العظم، ثم الغضروف، ثم الرباط، ثم الوتر،
19
ثم الغشاء، ثم العصب، ثم النخاع، ثم الدماغ، ثم الشحم، ثم السمين، ثم الجلد.
20
وأما أرطب ما فى البدن فالبلغم، ثم الدم، ثم السمين، ثم الشحم، ثم الدماغ،
21
ثم النخاع، ثم لحم الثدى والانثين، ثم الرية، ثم الكبد، ثم الطحال، ثم الكليتان،
22
ثم العضل، ثم الجلد. هذا هوالترتيب الذى رتبه جالينوس. ولكن يجب أن تعلم أن الرية
23
فى جوهرها وغريزتها ليست برطبة شديدة [الرطوبة]. لان كل عضوشبيه فى مزاجه الغريزى
24
بما يتغذى به، وشبيه فى مزاجه العارض بما يفضل عنه؛ والرية تغتذى من أسخن الدم،
25
وأكثره مخالطة للصفراء. فعلمنا هذا جالينوس بعينه. ولكنها قد يجتمع فيها فضل كثير من
26
الرطوبة، عما يتصعد من بخارات البدن، وما ينحدر اليها من النزلات. واذا كان الأمر
27
على هذا، فالكبد أرطب من الرية كثيرًا فى الرطوبة الغريزية؛ والرية أشد ابتلالًا، وان كان
28
دوام الابتلال قد يجعلها أرطب فى جوهرها ايضًا.
1-44
1
وهكذا يجب أن تفهم من حال البلغم والدم من جهة، وهو أن ترطيب البلغم فى
2
اكثر الأمر على سبيل البلل، وترطيب الدم على سبيل التقرير فى الجوهر؛ على أن البلغم
3
الطبيعى المائى قد يكون فى نفسه أشد رطوبة [من الدم] فان الدم بما يستوفى حظه من
4
النضج يتحلل منه شئى كثير من الرطوبة التى كانت فى البلغم المائى الطبيعى الذى استحال
5
اليه. فستعلم بعد ان البلغم الطبيعى دم، استحال بعض الاستحالة.
6
فأما أيبس ما فى البدن فالشعر لانه من بخار دخانى تحلل ما كان فيه من خلط
7
البخار، وانعقدت الدخانية الصرفة. ثم العظم لأنه أصلب الأعضاء، لكنه أرطب من الشعر
8
لأن كون العظم من الدم ووضعه وضع نشافة للرطوبات الغريزيه متمكن منها. ولذلك
9
ما كان العظم يغذو كثيرًا من الحيوانات، والشعر لا يغذو شيئًا منها؛ أوعسى أن يغذو نادرًا
10
من جملتها، كما قد ظن ان الخفافيش تهضمه وتسيغه. لكنا اذا أخذنا قدرين متساوين
11
من العظم والشعر فى الوزن، فقطرناهما فى القرع والأنبيق، سال من العظم ماء، ودهن
12
اكثر، وبقى له ثفل أقل. فالعظم اذًا أرطب من الشعر، وبعد العظم فى اليبوسة الغضروف،
13
ثم الرباط، ثم الوتر، ثم الغشاء، ثم الشرايين، ثم الأوردة، ثم عصب الحركة، ثم القلب، ثم عصب
14
الحس. فان عصب الحركة أبرد وأيبس [معًا] كثيرًا من المعتدل، وعصب الحس أبرد وليس
15
ايبس كثيرًا من المعتدل؛ بل عسى أن يكون قريبًا منه، وليس ايضًا كثير البعد منه فى
16
البرد، ثم الجلد.
17
|3va47|الفصل الثالث منه <وهو> فى امزجة الاسنان والاجناس
18
الاسنان اربعة فى الجملة: سن النمو، ويسمى سن الحداثة؛ وهو الى
19
قريب من ثلثين سنة؛ ثم سن الوقوف وهو سن الشباب. وهو الى نحو من خمسة
20
وثلثين سنة أو اربعين سنة. ثم سن الانحطاط مع بقاء من القوة؛ وهو سن المكتهلين.
21
وهو الى نحو من ستين سنة. وسن الانحطاط مع ظهور الضعف فى القوة. وهو
22
سن الشيوخ، "الى آخر" العمر.
23
لكن سن الحداثة ينقسم الى سن الطفولية: وهو ان يكون المولود بعد غير مستعد
24
الاعضاء للحركات والنهوض. والى سن الصبى: وهو بعد النهوض وقبل الشدة، وهو ان
25
لا يكون الأسنان قد استوفت السقوط والنبات. ثم سن الترعرع: وهو بعد الشدة ونبات
26
الأسنان قبل المراهقة. ثم سن الغلامية والرهاق، إلى ان يبقل وجهه. ثم سن الفتى،
27
الى ان يقف النمو.
28
والصبيان اعنى من الطفولة الى الحداثة، مزاجهم فى الحرارة كالمعتدل، و
29
فى الرطوبة كالزائد. ثم بين الأطباء الاقدمين إختلاف فى حرارتى الصبى والشابْ.
1-45
1
فبعضهم يرى ان حرارة الصبى اشد؛ ولذلك ينمو اكثر، وتكون افعاله الطبيعية من
2
الشهوة، والهضم اكثر وادوم [و] لأن الحرارة الغريزية المستفادة فيهم من المنى
3
اجمع واحدث.
4
وبعضهم يرى ان الحرارة الغريزية فى الشبان اقوى بكثير؛ لان دمهم اكثر وامتن. ولذلك
5
يصيبهم الرعاف اكثر واشد. ولان مزاجهم الى الصفراء اميل، ومزاج الصبيان الى البلغم
6
اميل. ولانهم اقوى حركات، والحركة بالحرارة. وهم اقوى استمراء وهضمًا وذلك
7
بالحرارة. واما الشهوة، فليست تكون بالحرارة، بل بالبرودة. ولهذا ما تحدث الشهوة
8
الكلبية فى اكثر الامر من البرودة. والدليل على ان هؤلاء اشد استمراءً "انه" لايصيبهم
9
من التهوع، والقئ، والتخمة، ما يعرض للصبيان لسوء الهضم. والدليل على ان مزاجهم
10
اميل الى الصفراء، [هو] ان امراضهم حارة جلها، كحمى الغب وقيئهم صفراوى.
11
واما اكثر امراض الصبيان فانها رطبة باردة، وحمياتهم بلغمية، واكثرما يقذفونه بالقئ
12
بلغم. واما النمو فى الصبيان، فليس من قوة حرارتهم، ولكن لكثرة رطوبتهم. وايضًا
13
فان كثرة شهوتهم تدل على نقصان حرارتهم. هذا مذهب الفريقين واحتجاجهما.
14
واما جالينوس فيرد على الطائفتين جميعًا. ويرى ان الحرارة فيهما متساوية فى الاصل
15
لكن حرارة الصبيان اكثر كمية، واقل كيفية، اى حدة. وحرارة الشبان اقل كمية، واكثر
16
كيفيةً اى حدة.
17
وبيان هذا على ما يقوله هو ان نتوهم ان حرارة واحدة بعينها فى المقدار، أوجسمًا
18
لطيفًا حارًا واحدًا فى الكيف والكم؛ فشا تارة فى جوهر رطب كثير كالماء؛ وفشا اخرى
19
فى جوهر يابس قليل كالحجر. واذا كان كذلك فانا نجد حينئذ الحار المائى اكثر كمية
20
والين كيفية، والحار الحجرى اقل كمية وأحد كيفية. وعلى هذا فقس وجود الحار
21
فى الصبيان والشبان. فان الصبيان انما تولدوا من المنى الكثير الحرارة. وتلك الحرارة
22
لم يعرض لها من الاسباب ما يطفئها. فان الصبى ممعن فى التزيد، ومتدرج فى النمو،
23
ولم يقف بعد، فكيف يتراجع.
24
فاما الشاب فلم يقع له سبب، يزيد فى حرارته الغريزية؛ ولا ايضًا وقع له سبب
25
يطفئها. بل تلك الحرارة مستحفظة فيه برطوبة، اقل كمية وكيفية معًا الى ان تاخذ
26
الحرارة فى الانحطاط. وليست قلة هذه الرطوبة تعد قلة بالقياس إلى إستحفاظ الحرارة،
27
ولكن بالقياس الى النمو. فكأن الرطوبة تكون اولًا بقدر يفى بكلا الامرين، فيكون بقدر
28
ما يحفظ الحرارة، ويفضل ايضًا للنمو. ثم تصير بآخره بقدر لا يفى [بكلا] الأمرين ولا بأحد
1-46
1
الامرين. فيجب ان يكون فى الوسط بحيث ان يفى لأحد الامرين دون الآخر. ومحال ان
2
يقال انها تفى بالتنمية، ولا تفي بحفظ الحرارة الغريزية. فانه كيف يزيد على الشىء، ما ليس
3
يمكنه ان يحفظ الاصل. فبقى ان يكون انما يفى بحفظ الحرارة [الغريزية] ولايفى بالنمو.
4
ومعلوم ان هذا السن هو سن الشباب.
5
واما قول الفريق الثانى ان النمو فى الصبيان انما هو بسبب الرطوبة دون الحرارة،
6
فقول باطل؛ وذلك لان الرطوبة مادة للنمو. والمادة لاتنفعل، ولاتتخلق بنفسها، بل
7
عند فعل القوة الفاعلة فيها. والقوة الفاعلة هاهنا هى نفس اوطبيعة باذن الله تعالى. ولا
8
تفعل الا بآلة، هى الحرارة الغريزية.
9
وقولهم ايضًا: ان قوة الشهوة فى الصبيان انما هو لبرد المزاج، قول باطل؛ فان
10
تلك الشهوة الفاسدة، التى تكون لبرد المزاج، لا يكون معها استمراء واغتذاء، والاستمراء
11
فى الصبيان فى اكثر الاوقات على احسن ما يكون. و لولا ذلك لما كانوا يوردون من البدل
12
الذى هو الغذاء اكثر مما يتحلل، حتى ينمو. ولكنهم قد يعرض لهم سوء استمراء هم
13
لشرههم، وسوء ترتيبهم لمطعومهم، وتناولهم الاشياء الرديئة، والرطبة، والكثيرة،
14
وحركاتهم الفاسدة عليها. فلهذا ما يجتمع "فيهم" فضول اكثر، ويحتاجون الى تنقية
15
اكثر، وخصوصًا رئاتهم. ولذلك نفسهم اشد تواترًا وسرعة؛ وليس له عظم. لان
16
قوتهم لم تتم [بعد]. فهذا هو القول فى مزاج الصبى والشباب على حسب ما تكفل
17
ببيانه جالينوس، وعبرنا نحن عنه.
18
ثم يجب ان تعلم ان الحرارة بعد مدة سن الوقوف تاخذ فى الانتقاص، لانتشاف
19
الهواء المحيط مادتها التى هى الرطوبة. ومعاونة الحرارة الغريزية ايضًا من داخل، و
20
معا ضدة الحركات البدنية والنفسانية الضرورية فى المعيشة له. وعجز الطبيعة عن
21
مقاومة ذلك دائمًا، فان جميع القوى الجسمانية متناهية؛ وقد تبرهن ذلك فى العلم الطبيعى.
22
فلا يكون فعلها فى المواد دائمًا. فلو كانت هذه القوة ايضًا غير متناهية، وكانت
23
دائمة الا يراد لبدل ما يتحلل على السواء بمقدار واحد، لكن كان التحلل ليس بمقدار
24
واحد، بل يزداد دائمًا كل يوم، لما كان البدل يقاوم التحلل، لكان التحلل يفنى الرطوبة.
25
فكيف والامران كلاهما متظاهران على تهيئة النقصان والتراجع. واذا كان <الامر>
26
كذلك، فواجب ضرورة ان تفنى المادة، فتنطفئى الحرارة. وخصوصًا اذا "يعين على
1-47
1
انطفائها" بسبب عوز المادة سبب آخر؛ وهو الرطوبة الغريبة، التى تحدث دائمًا لعدم
2
الغذاء الهضم، فتعين على اطفاءها من وجهين: احدهما بالخنق والغمر. والآخر بمضادة
3
الكيفية؛ لأن تلك الرطوبة تكون بلغمية باردة. وهذا هو الموت الطبيعى المؤجل
4
لكل شخص بحسب مز اجه الاول، الى حد تضمنته قوته فى حفظ الرطوبة.
5
"ولكل منهم اجل مسمى". وهو مختلف فى الأشخاص لاختلاف الامزجة.
6
فهذه هى الآجال الطبيعية. وهاهنا آجال إخترامية غيرها، وهى اخرى.
7
وكل بقدر.
8
فالحاصل إذًا من هذا ان ابدان الصبيان والشباب حارة بالاعتدال، وابدان الكهول
9
والمشايخ باردة. لكن ابدان الصبيان ارطب من المعتدل لاجل النمو. ويدل عليه التجربة:
10
وهى من لين عظامهم واعصابهم؛ والقياس: وهو من قرب عهدهم بالمنى والروح
11
البخارى. واما الكهول والمشايخ خصوصًا، فانهم مع أنهم ابرد فهم ايبس. يعلم ذلك
12
بالتجربة من صلابة عظامهم وقشف جلودهم؛ وبالقياس من بعد عهدهم بالمنى، والدم،
13
والروح البخارى.
14
ثم النارية متساوية فى الصبيان والشبان. والهوائية والمائية فى الصبيان اكثر.
15
والارضية فى الكهول والمشايخ اكثر منها فيهما. وهى فى المشايخ اكثر. والشاب معتدل
16
المزاج فوق اعتدال الصبى؛ لكنه بالقياس الى الصبى يابس المزاج؛ وبالقياس الى
17
الشيخ والكهل حار المزاج. والشيخ ايبس من الشاب والكهل فى مزاج اعضائه الاصلية،
18
و ارطب منهما بالرطوبة الغريبة البالة.
19
واما الاجناس فى اختلاف امزجتها، فان الاناث ابرد امزجة من الذكور.
20
ولذلك قصرن عن الذكورة فى الخلق. وارطب فلبرد مزاجهن تكثر فضولهن.
21
ولقلة رياضتهن، وجوهر لحومهن اسخف. وان كان لحم الرجل من جهة تركيبه
22
بما يخالط اسخف. فانه لكثافته اشد تبردًا، مما ينفذ فيه من العروق وليف
23
العصب.
24
واهل البلاد الشمالية ارطب. واهل الصناعات المائية ارطب. والذين يخالفونهم
25
فعلى الخلاف. واما علامات الا مزجة، فسنذكرها حيث نذكر العلامات الكلية
26
والجزئية.
1-48
1
|4va8|التعليم الرابع [فى الاخلاط وهو فصلان]
2
|4va9|الفصل الاول فى مائية الخلط واقسامه
3
الخلط جسم رطب سيال، يستحيل اليه الغذاء اولأ. فمنه خلط محمود وهو الذى
4
من شانه ان يصير جزءًا من جوهر المغتذى وحده، اومع غيره ومتشبهًا به وحده اومع غيره.
5
وبالجملة سادًا بدل شئى مما يتحلل منه. ومنه فضل وخلط ردى: وهو الذى ليس من شانه ذلك
6
اويستحيل فى النادر الى الخلط المحمود. ويكون حقه قبل ذلك ان يدفع عن البدن وينفض.
7
ونقول ايضًا: ان رطوبات البدن منها اُولى ومنها ثانية. فالاولى هى الاخلاط الاربعة التى
8
نذكرها. والثانية قسمان: إما فضول، وإما غير فضول. والفضول سنذكرها. والتى ليست
9
بفضول، هى التى إستحالت عن حالة الابتداء ونفذت فى الاعضاء، الا انها لم تصر بعد
10
جزء عضو من الاعضاء المفردة بالفعل التام. وهى اصناف اربعة:
11
احدها: الرطوبة المحصورة فى تجاويف اطراف العروق الصغار المجاورة للاعضاء
12
الاصلية، الساقية لها.
13
والثانى: الرطوبة التى هى منبثة فى الاعضاء الاصلية بمنزلة الطل. وهى مستعدة لان تستحيل
14
غذاء اذا فقد البدن الغذاء؛ ولأن تبلّ الاعضاء اذا جففها سبب من حركة عنيفة اوغيرها.
15
والثالث: الرطوبة القريبة العهد بالانعقاد. وهى غذاء استحال الى جوهر الاعضاء
16
من طريق المزاج والتشبيه، ولم يستحل بعد من طريق القوام التام.
17
والرابع: الرطوبة المداخلة للاعضاء الاصلية منذ ابتداء النشئ، التى بها اتصال
18
اجزاءها. ومبدأها من النطفة، و مبدأ النطفة من الاخلاط.
19
ونقول ايضًا: إن الرطوبات الخلطية المحمودة والفضلية تنحصر فى اربعة اجناس:
20
جنس الدم وهو افضلها، وجنس البلغم، وجنس الصفراء، وجنس السوداء.
21
والدم حار الطبع رطبه. وهو صنفان: طبيعى وغير طبيعى. والطبيعى احمر اللون،
22
لانتن له، حلو جدًا. وغير الطبيعى قسمان: فمنه ما قد تغير عن المزاج الصالح لالشئى
23
خالطه، ولكن بأن ساء مزاجه فى نفسه، فبرد مثلًا اوسخن. ومنه ما انما تغير بان حصل
24
خلط ردى فيه. وذلك قسمان: فانه إما ان يكون الخلط ورد عليه من خارج فنفذ فيه
25
فافسده. وإما ان يكون الخلط تولد فيه نفسه، مثلًا بأن يكون عفن بعضه، فاستحال لطيفه
26
[مرة] صفراء، وكثيفه مرة سوداء؛ وبقيا اواحدهما فيه.
1-49
1
وهذا القسم بقسميه يختلف بحسب ما يخالطه، واصنافه من اصناف البلغم،
2
واصناف السوداء، أصناف الصفراء، والمائية؛ فيصير تارة عكرًا؛ وتارة رقيقًا؛ وتارة اسود شديد
3
السواد، وتارة ابيض. وكذلك يتغير فى رائحته، وفى طعمه، فيصير مرًا ومالحًا والى
4
الحموضة.
5
واما البلغم فمنه طبيعى ايضًا، ومنه غير طبيعى. والطبيعى هو الذى يصلح
6
لان يصير فى وقتٌ ما دمًا؛ لانه دم غير تام النضج. وهو ضرب من البلغم الحلو.
7
وليس هو شديد البرد. بل هو بالقياس الى البدن قليل البرد، وبالقياس الى الدم والصفراء
8
بارد. وقد يكون من البلغم الحلو ما ليس بطبيعى. وهو البلغم الذى لاطعم له
9
الذى سنذكره، ان اتفق ان خالطه دم طبيعى، وكثيرًا ما يحس به فى النوازل
10
وفى النفث.
11
واما الحلو الطبيعى، فان جالينوس زعم ان الطبيعة انما لم تعد له عضوًا كالمفرغة
12
مخصوصًا، مثل ما للمرتين. لان هذا البلغم قريب الشبه من الدم، ويحتاج اليه الاعضاء
13
كلها؛ فلذلك آجرى مجرى الدم. ونقول نحن: ان تلك الحاجة هى لامرين: احدهما
14
ضرورة، والآخر منفعة.
15
اما الضرورة فلشيئين: احدهما ليكون قريبًا من الاعضاء، فمتى فقدت الاعضاء
16
الغذاء الوارد المهيأ دمًا صالحًا، لاحتباس مدده من المعدة والكبد، ولاسباب عارضة
17
اقبلت عليه قواها [بحرارتها] الغريزية، فانضجته وهضمته وتغذت به. وكما ان الحرارة
18
الغريزية تنضجه [تهضمه] وتصلحه دمًا، كذلك الحرارة الغريبة قد تعفنه وتفسده. وهذا
19
القسم من الضرورة ليس للمرتين. فان المرتين لا تشاركان البلغم فى ان الحار الغريزى
20
يصلحه دمًا وان شاركتاه فى ان الحار العرضى يحيله عفنًا فاسدًا.
21
والثانى ليخالط الدم، فيهيئه لتغذية الاعضاء البلغمية المزاج، التى يجب ان
22
يكون فى دمها الغاذى لها بلغم بالفعل على قسط معلوم، مثل الدماغ، وهذا موجود
23
للمرتين. فاما المنفعة فهى ان تبل المفاصل والاعضاء الكثيرة الحركة، فلا يعرض لها
24
جفاف بسبب حرارة الحركة وبسبب الاحتكاك؛ وهذا منفعة واقعة فى تخوم
25
الضرورة.
26
واما البلغم الغير الطبيعى فمنه فضلى مختلف القوام حتى عند الحس وهو المخاطى
27
ومنه مستوى القوام فى الحس، مختلفه فى الحقيقة وهو الخام. ومنه الرقيق جدًا وهو
28
المائى. ومنه الغليظ جدًا [وهو] الابيض المسمى بالجصى، وهو الذى قد تحلل لطيفه
29
لكثرة إحتباسه فى المنافذ والمفاصل، وهذا اغلظ الجميع.
1-50
1
ومن البلغم صنف مالح، وهو احر ما يكون من البلغم وايبسه واخفه. وسبب
2
كل ملوحة يحدث ان تخالط رطوبة مائية قليلة الطعم اوعديمته اجزاء ارضية محترقة
3
يابسة المزاج، مرة الطعم، مخالطة باعتدال، فانها ان كثرت مررت، ومن هذا تتولد
4
الاملاح، وتملح المياه. وقد يصنع الملح من الرماد، والقلى، والنورة، وغير ذلك
5
بان يطبخ فى الماء ويصفى، ويغلى ذلك الماء حتى ينعقد ملحًا؛ اويترك بنفسه فينعقد.
6
وكذلك البلغم الرقيق الذى لاطعم له، اوطعمه قليل غير غالب، اذا خالطته مِّره مُرَّة
7
يابسة بالطبع محترقة مخالطة باعتدال، ملحته، وسخنته. فهذا بلغم صفراوى.
8
واما جالينوس فقد قال: ان هذا البلغم يملح لعفونته، اولمائية خالطته. ونحن
9
نقول: ان العفونة تملحه بما يحدث فيه من الاحتراق والرمادية فيخالط رطوبة. واما المائية
10
التى تخالطه، فلاتحدث الملوحة وحدها، اذا لم يقع السبب الثانى. ويشبه ان يكون
11
بدل "او" القاسمة "الواو" الواصلة وحدها. فيكون الكلام تامًا.
12
ومن البلغم حامض. وكما ان الحلو كان على قسمين: حلو لأمرٍ فى ذاته،
13
وحلو لأمر غريب مخالط. كذلك الحامض ايضًا تكون حموضته على قسمين: احدهما
14
بسبب مخالطة شئى غريب وهو السوداء الحامضة، الذى سنذكره. والثانى بسبب امرفى
15
نفسه. وهو ان يعرض للبلغم الحلو المذكور، اوما هو فى طريق الحلاوة، ما يعرض لسائر
16
العصارات الحلوة، من الغليان اولًا ثم التحمض ثانيًا.
17
ومن البلغم ايضًا عفص. وحاله هذه الحال: فانه ربما كانت عفوصته لمخالطة
18
السوداء العفصة؛ وربما كانت عفوصة بسبب تبرده فى نفسه تبردًا شديدًا فيستحيل طعمه
19
الى العفوصة لجمود مائية، واستحالته باليبس الى الارضية قليلًا. فلا تكون الحرارة
20
الضعيفة اغلته فحمضته، ولاالقوية انضجته.
21
ومن البلغم نوع زجاجى ثخين غليظ، يشبه الزجاج الذائب فى لزوجته وثقله.
22
وربما كان حامضًا، وربما كان مسيخًا. ويشبه ان يكون الغليظ من المسيخ منه هو الخام،
23
اويستحيل الى الخام. وهذا النوع من البلغم هو الذى كان مائيًا فى اول الامر باردًا،
24
فلم يعفن ولم يخالطه شىء، بل بقى محقونًا حتى غلظ، وازداد بردًا. فقد تبين اذًا
25
أن اقسام البلغم الفاسد من جهة طعمه اربعة: مالح، وحامض، وعفص، ومسيخ؛
26
ومن جهة قوامه اربعة: ما ئى، وزجاجى، ومخاطى، وجصى. والخام من جملة المخاطى.
27
واما الصفراء فمنها ايضًا طبيعى ومنها فضل غير طبيعى. والطبيعى منها هو
28
رغوة الدم، وهو احمر اللون ناصعه، خفيف حاد. وكلما كان اسخن، فهو اشد حمرة.
29
فاذا تولد فى الكبد، انقسم قسمين: فذهب قسم منه مع الدم، ويصفى قسم منه الى المرارة.
1-51
1
والذاهب منه مع الدم، ينفذ معه لضرورة ولمنفعة؛ اما الضرورة فلتخالط الدم
2
فى تغذية الاعضاء التى تستحق ان يكون فى غذائها جزء صالح من الصفراء؛ وبحسب
3
ما يستحقه من القسمة مثل الرئة. واما المنفعة فلان تلطف الدم، وتنفذه فى المسالك
4
الضّيقة. والمتصفى منه الى المرارة يتوجه ايضًا نحو ضرورة ومنفعة: اما الضرورة فاما
5
بحسب البدن كله وهى تخليصه من الفضل؛ وإما بحسب عضو منه فهى لتغذية المرارة.
6
واما المنفعة فمنفعتان: احداهما غسلها المعاء من الثفل والبلغم اللزج. والثانية لذعها
7
المعاء ولذعها عضل المقعدة، لتحس بالحاجة وتحوج الى النهوض لتبرز. فلذلك
8
ربما عرض قولنج، بسب سدة تقع فى المجرى المنحدر من المرارة الى الامعاء
9
واما الصفراء الغير الطبيعية فمنها ما خروجه عن الطبيعة بسبب غريب مخالط.
10
ومنها ما خروجه عن الطبيعة لسبب فى نفسه، بانه فى جوهره غير طبيعى. والقسم الاول
11
منه ما هو معروف مشهور. وهو الذى يكون الغريب المخالط له بلغمًا. وتولده فى اكثر
12
الامر فى الكبد. ومنه ما هو اقل شهرة. وهوالذى يكون الغريب المخالط له سوداء.
13
والمعروف المشهور: هو إما المرة الصفراء، وإما المرة الُمحِّيَّة. وذلك لان البلغم الذى
14
يخالطه ربما كان رقيقًا، فحدثت منه الاولى؛ وربما كان غليظًا فحدثت منه الثانية،
15
اى الصفراء الشبيهة بمح البيض.
16
واما الذى هو اقل شهرة، فهو الذى يسمى صفراء محترقة. وحدوثه على وجهين:
17
احدهما ان يحترق الصفراء فى نفسها، فيحدث فيها رمادية، فلا يتميز لطيفها من
18
وماديتها، بل تحتبس الرمادية فيها. وهدا شر. والثانى ان تكون السوداء وردت
19
عليها من خارج فخالطتها. وهذا اسلم. ولون هذا الصنف من الصفرا احمر؛
20
لكنه غير ناصع ولا مشرق. بل اشبه شىء بالدم؛ الا انه رقيق. وقد يتغير عن لونه لاسباب.
21
واما الخارج عن الطبيعة فى جوهره: فمنه ما تولد اكثر ما يتولد منه فى الكبد. ومنه ما
22
تولد اكثر ما يتولد منه فى المعدة. والذى تولد اكثر ما يتولد منه فى الكبد، هو صنف واحد: وهو
23
اللطيف من الدم اذا احترق، الذى كثيفه سوداء. والذى تولد اكثر مايتولد منه "انما هو" فى
24
المعدة، هو على قسمين: كراثى وزنجارى. ويشبه ان يكون الكراثى يتولد من احتراق المحى. فانه
25
اذا احترق، احدث فيه الاحتراق سوادًا، وخالط الصفرة وتولد فيما بين ذلك الخضرة.
26
واما الزنجارى فيشبه ان يكون متولدًا من الكراثى، اذا اشتد احتراقه حتى فنيت
27
رطوبته، واخذ يضرب الى البياض لتجففه. فان الحرارة تحدث اولًا فى الجسم الرطب
1-52
1
سوادًا، ثم تسلخ عنه السواد اذا جعلت تفنى رطوبته، واذا افرطت فى ذلك بيضته تامل.
2
هذا فى الحطب [الرطب] يتفحم اولًا ثم يترمد. وذلك لان الحرارة تفعل فى الرطب
3
سوادًا، وفى ضده بياضًا. والبرودة تفعل فى الرطب بياضًا، وفى ضده سوادًا. وهذان
4
الحكمان متى فى الكراثى والزنجارى تخمين. وهذا النوع الزنجارى اسخن انواع الصفراء
5
وأردأها واقتلها؛ ويقال: انه من جوهر السموم.
6
واما السوداء فمنها طبيعى، ومنها فضل غير طبيعى. والطبيعى دردى الدم المحمود،
7
وثقله وعكره؛ وطعمه بين الحلاوة والعفوصة. واذا تولد فى الكبد توزع الى قسمين:
8
فقسم ينفذ منه مع الدم، وقسم يتوجه نحو الطحال. والقسم النافذ منه مع الدم، ينفذ
9
<ايضًا> لضرورة ومنفعة: اما الضرورة فليختلط بالدم بالمقدار الواجب فى تغذية عضو
10
عضو من الاعضاء، التى يجب ان يقع فى غذائها جزء صالح من السوداء، مثل العظام.
11
واما المنفعة فهى انه يشد الدم، ويقويه، ويكثفه. والقسم النافذ منه الى الطحال،
12
وهو ما استغنى عنه الدم، ينفذ ايضًا لضرورة ولمنفعة: اما الضرورة فاما
13
بحسب البدن كله وهى التنقية عن الفضل؛ وإما بحسب عضو وهى تغذية
14
الطحال.
15
واما المنفعة، فانما تقع عند تجلبِها الى فم المعدة. وتلك المنفعة على وجهين:
16
احدهما انها تشد فم المعدة، وتقويه، وتكثفه. والثانى انها تدغدغ فم المعدة بالحموضة،
17
فتنبه على الجوع وتحرك الشهوة.
18
واعلم ان الصفراء المتحلبة الى المرارة هى ما يستغنى عنه الدم [ و] المتحلبة
19
عن المرارة، هى ما تستغنى عنه المرارة؛ و لذلك السوداء المتحلبة الى الطحال، هى
20
ما يستغنى عنه الدم، والمتحلبة عن الطحال، هى ما يستغنى عنه الطحال. وكما ان
21
تلك الصفراء الاخيرة تنبه القوة الدافعة من اسفل، كذلك هذه السوداء الاخيرة تنبه القوة
22
الجاذبة من فوق. "فتبارك الله احسن الخالقين".
23
واما السوداء الغير الطبيعية فهى ما ليس على سبيل الرسوب والثفلية، بل على سبيل
24
الرمادية والاحتراق. فان الاشياء الرطبة المخالطة للارضية، تتميز الارضية فيها على
25
وجهين: إما على جهة الرسوب، ومثل هذا الدم هو السوداء الطبيعية. وإما على جهة
26
الاحتراق؛ بان يتحلل اللطيف، ويبقى الكثيف. ومثل هذا الدم والاخلاط هو
27
السوداء الفضلية، وتسمى المرة السوداء. وانما لم يكن الرسوبى الاللدم، لان البلغم
28
للزوجته لا يرسب عنه شى كالدهن. والصفراء للطافتها، وقلة الارضية فيها، ولدوام
1-53
1
حركتها، ولقلة مقدارما يتميزمنها عن الدم فى البدن، لايرسب منها شئى يعتدبه. واذا تميز لم
2
يلبث ان يعفن، اويند فع. واذا عفن تحلل لطيفه، وبقى كثيفه سوداء "احتراقية لارسوبية".
3
والسوداء الفضلية منها ما هو رماد الصفراء وحراقتها. وهو مر. والقرق بينه وبين
4
الصفراء "التى سميناها محترقة"، هو ان "تلك الصفراء" يخالطها هذا الرماد. واما
5
هذا فهو رماد متميز بنفسه، تحلل لطيفه.
6
ومنها ماهو رماد البلغم وحراقته. فان كان البلغم لطيفًا جدًا مائيًا، فان رماديته
7
تكون الى الملوحة، والا كانت الى حموضة اوعفوصة. ومنها ما هو رماد الدم و
8
حراقته. وهذا مالح الى حلاوة يسيرة.
9
ومنها ما هو رماد السوداء الطبيعية. فان كانت رقيقة، كان رمادها وحراقتها
10
شديدى الحموضة كالخل. يغلى على وجه الارض، حامض الريح، ينفر عنه الذباب
11
ونحوه. وان كانت غليظة؛ كان اقل حموضة، ومع شىء من العفوصة والمرارة فاصناف
12
السوداء الردية ثلثة: الصفراء اذا احترقت، وتحلل لطيفها، وهذان القسمان المذكوران بعدها.
13
واما السوداء البلغمية فابطأ ضررًا و[اقل]، رداءة واشدها غائلة واسرعها فسادًا هو
14
الصفراوى، لكنه اقبلها للعلاج. واما القسمان الآخران، فان الذى هو اشد حموضة اردأ.
15
ولكنه اذا تدورك فى ابتدائه، كان اقبل للعلاج. واما الثالث فهو اقل غليانًا على الارض،
16
وتشبثًا بالاعضاء، وابطأ مدة فى انتهائه الى الاهلاك. ولكنه اعصى فى التحلل،
17
والنضج، وقبول الدواء. فهذه هى اصناف الاخلاط الطبيعية والفضلية.
18
قال جالينوس؛ ولم يصب من زعم ان الخلط الطبيعى هو الدم لاغير، وسائر الاخلاط
19
فضول، لا يحتاج اليها البتة. وذلك لان الدم لوكان وحده هو الخلط الذى يغذو
20
الاعضاء، لتشابهت فى الامزجة والقوام، ولما كان العظم اصلب من اللحم، إلا
21
ودمه دم مازجه جوهر صلب سوداوى، ولا كان الدماغ الين منه، الا وان دمه دم مازجه
22
جوهرلين بلغمى.
23
والدم نفسه بحده مخالطًا لسائر الاخلاط، وينفصل [عنها] عند إخراجه، وتقريره
24
فى الاناء، بين يدى الحس الى جزء كالرغوة، هو الصفراء، وجزء كالثفل والعكر،
25
وهو السوداء، وجزء كبياض البيض، وهو البلغم، وجزء مائى، وهو المائية التى
26
يندفع فضلها فى البول.
1-54
1
والمائية ليست من الاخلاط. لان المائية هى من المشروب الذى لايغذو. وانما
2
الحاجة اليه، ليرقق الغذاء وينفذه. واما الخلط فهو من الماكول والمشروب الغاذى
3
ومعنى قولنا غاذ، اى هو بالقوة شبيه بالبدن. والذى هو بالقوة شبيه بدن الانسان، هو
4
جسم ممتزج لا بسيط. والماء هو بسيط.
5
ومن الناس من يظن ان قوة البدن تابعة لكثرة الدم، وضعفه تابع لقلته. وليس
6
كذلك بل المعتبر حال رزء البدن منه.
7
ومن الناس من يظن أن الأخلاط اذا زادت، او نقصت، بعد ان تكون على النسبة،
8
التى يقتضيها بدن الانسان فى مقادير بعضها عند بعض، فان الصحة محفوظة. وليس
9
كذلك، بل يجب ان يكون لكل واحد من الاخلاط مع ذلك تقدير فى الكم محفوظ،
10
ليس بالقياس الى خلط آخر، بل فى نفسه مع حفظ التقدير، الذى بالقياس الى
11
غيره. وقد بقى فى امور الاخلاط مباحث، ليست تليق بالاطباء، بل بالفلاسفة فاعرضنا عنها.
12
|6rb6|الفصل الثانى منه فى كيفية تولد الاخلاط
13
إعلم: ان الغذاء له انهضام ما بالمضغ؛ وذلك بسبب ان سطح الفم متصل
14
بسطح المعدة؛ بل كانهما سطح واحد؛ وفيه منه قوة هاضمة. فاذا لاقى الممضوغ
15
أحاله إحالة مّا؛ ويعينه على ذلك الريق المستفيد بالنضج الواقع فيه حرارة غريزية.
16
لذلك ما كانت الحنطة الممضوغة تفعل فى انضاج الدماميل والخراجات، مالا
17
"تفعله المدقوقة المبلولة بالماء، المطبوخة" فيه. قالوا: والدليل على ان الممضوغ قد
18
بدأ فيه شىء من النضج، انه لايوجد فيه الطعم الاول، ولا رائحته الاولى.
19
ثم اذا ورد على المعدة، انهضم الانهضام التام. لابحرارة المعدة وحدها، بل
20
بحرارة ما يطيف بها ايضًا؛ اما من ذات اليمين فالكبد، وأما من ذات اليسار فالطحال.
21
فان الطحال قد يسخن لابجوهره، بل بالشرايين والأوردة الكثيرة التى فيه. واما من قدام
22
فالثرب الشحمى، القابل للحرارة سريعًا بسبب الشحم، الموديها الى المعدة. واما
23
من فوق فالقلب، بتوسط تسخينه للحجاب.
24
فاذا انهضم الغذاء اولأ، صاربذاته فى كثير من الحيوان، وبمعونة ما يخالطه من الماء
25
المشروب فى اكثرها كيلوسًا. وهو جوهر سيال، شبيه بماء الكشك الثخين. ثم انه بعد
26
ذلك ينجذب لطيفه من المعدة ومن الامعاء ايضًا؛ فيندفع من طريق العروق "المسماة
27
ماساريقا" وهى عروق دقاق صلاب، متصلة بالامعاء كلها. فاذا اندفع فيها صار الى
28
العرق المسمى باب الكبد؛ ونفذ فى الكبد فى اجزاء وفروع للباب، داخلة متصغرة متضائلة
29
كالشعر، ملاقية الفوهات لفوهات اجزاء اصول العرق، الطالع من حدبة الكبد. ولن
1-55
1
ينفذه فيها فى تلك المضايق، الافضل مزاج من الماء المشروب، فوق المحتاج اليه
2
للبدن.
3
فاذا تفرق فى ليف هذه العروق، صار كأن الكبد بكليتها ملاقية لكلية هذا الكيلوس؛
4
وكان لذلك فعلها فيه اشد واسرع. وحينئذ ينطبخ. وفى كل انطباخ لمثله شىء،
5
كالرغوة، وشىء كالرسوب. وربما كان معهما شىء هو الى الاحتراق، ان افرط الطبخ،
6
او شىء كالفج، ان قصر الطبخ. فالرغوة هى الصفراء، والرسوب هو السوداء؛ وهما طبيعيان.
7
والمحترق لطيفه صفراء ردية، وكثيفه سوداء ردية،[وهما] غير طبيعيتين والفج
8
هو البلغم.
9
واما الشى المتصفى من هذه الجملة نضيجًا فهو الدم. إلا انه بعد ما دام فى
10
الكبد، فهو يكون ارق مما ينبغى، لفضل المائية، المحتاج اليها للعلة المذكورة. ولكن
11
هذا الشىء الذى هو الدم اذا انفصل عن الكبد، فكما ينفصل عنه يتصفى ايضًا عن المائية
12
الفضلية، التى انما احتيج اليها لسبب، وقد ارتفع، فتنجذب هى عنه فى عرق نازل
13
الى الكليتين، وتحمل مع نفسها من الدم، ما يكون بكميته وكيفيته صالحًا لغذاء الكليتين.
14
فيغذو الكليتين الدسومة والدموية من تلك المائية، ويندفع باقيها الى المثانة والى
15
الاحليل.
16
فاما الدم الحسن القوام فيندفع فى العرق الاعظم، الطالع من حدبة الكبد
17
فيسلك فى الاوردة المتشعبة منه، ثم فى جداول الاوردة، ثم فى سواقى الجداول، ثم
18
فى رواضع السواقى، ثم فى العروق الليفية الشعرية. ثم يرشح من فوهاتها الاعضاء بتقدير
19
العزيز الحكيم.
20
فسبب الدم الفاعلى هو حرارة معتدلة؛ وسببه المادى هو المعتدل من الاغذية
21
والاشربة الفاضلة؛ سببه الصورى هو النضج الفاضل؛ وسببه التمامى تغذية البدن.
22
والصفراء سببها الفاعلى: اما الطبيعى منها الذى هو رغوة الدم، فحرارة معتدلة؛
23
وأما المحترق منها فالحرارة النارية المفرطة، خصوصًا فى الكبد. وسببها المادى:
24
اللطيف، الحار، الحلو، الدسم، والحريف من الاغذية. وسببها الصورى: مجاورة
25
النضج الى الافراط؛ وسببها التمامى: الضرورة والمنفعة المذكورتان. والبلغم سببه
26
الفاعلى: حرارة مقصرة، وسببه المادى: الغليظ، الرطب، اللزج البارد من الاغذية
27
وسببه الصورى: قصور النضج؛ وسببه التمامى: ضرورته ومنفعته المذكورتان.
1-56
1
والسوداء "سببها الفاعلى" أما الرسوبى منها، فحرارة معتدلة، وأما المحترق منها،
2
فحرارة مجاوزة للاعتدال؛ وسببها المادى: الشديد الغلظ القليل الرطوبة من الاغذية؛
3
والحار منها قوى فى ذلك؛ وسببها الصورى: الثفل الراسب على احد الوجهين: فلا يسيل
4
او لا يتحلل؛ وسببها التمامى: ضرورتها ومنفعتها المذكورتان.
5
والسوداء تكثر لحرارة الكبد، او لضعف الطحال، اولشدة برد مجمد، او
6
لدوام احتقان، او لا مراض كثرت وطالت، فرمدت الاخلاط <لذلك> واذا كثرت السوداء،
7
ووقفت بين "المعدة" والكبد، قل معها تولد الدم والاخلاط الجيدة، فقل الدم.
8
ويجب ان يعلم ان الحرارة والبرودة سببان لتوليد الاخلاط مع سائر الاسباب،
9
لكن الحرارة المعتدلة تولد الدم، والمفرطة تولد الصفراء، والمفرطة جدًا تولد السوداء
10
بفرط الاحراق. والبرودة تولد البلغم، والمفرطة جدًا تولد السوداء بفرط الاجماد.
11
ولكن يجب ان تراعى القوة المنفعلة بازاء القوى الفاعلة.
12
وليس يجب ان يقف الاعتقاد على ان كل مزاج يولد الشبه به، ولا يولد الضد
13
بالعرض وان لم يكن بالذات؛ فان المزاج قد يتفق له كثيرًا ان يولد الضد. فان المزاج
14
البارد اليابس يولد الرطوبة الغريبة، لا للمشاكلة، ولكن لضعف الهضم. ومثل هذا
15
الانسان يكون نحيفًا، رخو المفاصل، ازعر، جبانًا، بارد الملمس ناعمه، ضيق العروق.
16
ولشبيه بهذا ما تولد الشيخوخة البلغم، على ان مزاج الشيخوخة يالحقيقة برد ويبس.
17
ويجب ان يعلم ان للدم وما يجرى معه فى العروق، هضمًا ثالثًا. واذا توزع على
18
الاعضاء، فلنصيب كل عضو عنده هضم رابع.
19
ففضل الهضم الاول ــ وهو فى المعدة ــ يندفع من طريق الامعاء. وفضل الهضم
20
الثانى ــ وهو فى الكبد ــ يندفع أكثره فى البول، وباقيه من جهة الطحال والمرارة. وفضل
21
الهضمين الباقيين يندفع بالتحلل الذى لا يحس، وبالعرق وبالوسخ، الخارج بعضه
22
من منافذ محسوسة، كالانف والصماخ، او غير محسوسة، كالمسام، او خارجة عن الطبع،
23
كالاورام المنفجرة، او بما ينبت من زوائد البدن، كالشعر والظفر.
24
واعلم ان من رقت اخلاطه، اضعفه استفراغها، وتاذى بسعة مسامه، ان كانت
25
واسعة، تأذيًا فى قوته لما يتبع التحلل من الضعف، [و] لان الاخلاط الرقيقة سهلة
26
الاستفراغ والتحلل؛ وما سهل إستفراغه وتحلله، سهل استصحابه للروح فى تحلله
27
فيتحلل معه.
28
واعلم انه كما ان لهذه الاخلاط اسبابًا فى تولدها، فكذلك لها اسباب فى حركتها؛
29
فان الحركة والاشياء الحارة تحرك الدم والصفراء؛ وربما حركت السوداء وقوتها. لكن
1-57
1
الدعة <تحرك و> تقوى البلغم وصنوفًا من السوداء. والاوهام انفسها تحرك الاخلاط، مثل ان
2
الدم يحركه النظر الى الاشياء الحمر؛ ولذلك ينهى المرعوف من ان يبصرماله بريق احمر. فهذا
3
ما نقوله فى الاخلاط وتولدها. واما مخاصمات المخالفين فى صوابها، فالى الحكماء دون الاطباء.
4
|6vb57|التعليم الخامس فى الاعضاء
5
|6vb58|فصل فى مائية العضو واقسامه
6
الاعضاء اجسام متولدة من اول مزاج الاخلاط، كما ان الاخلاط اجسام متولدة
7
من اول مزاج الاركان.
8
والاعضاء منها ما هى مفردة. ومنها ما هى مركبة. والمفردة هى التى اى
9
جزء محسوس اخذت منها، كان مشاركًا للكل فى الاسم والحد، مثل اللحم فى اجزائه،
10
والعظم فى أجزائه، والعصب فى اجزائه وما اشبه ذلك. ولذلك تسمى متشابهة الاجزاء.
11
والمركبة هى التى اذا اخذت منها جزءًا اى جزء كان، لم يكن مشاركًا للكل لا فى الاسم
12
ولا فى الحد، مثل اليد والوجه؛ فان جزء الوجه ليس بوجه، وجزء اليد ليس بيد. و
13
تسمى اعضاء آلية، لانها هى آلات النفس فى تمام الحركات والافعال.
14
واول الاعضاء المتشابهة الاجزاء العظم، وقد خلق صلبًا لانه اساس البدن
15
ودعامة الحركات. ثم الغضروف، وهو الين من العظم، فينعطف، واصلب من
16
سائر الاعضاء. والمنفعة فى خلقته: ان يحسن به اتصال العظم بالاعضاء اللينة،
17
فلا يكون الصلب واللين قد تركبا بلا متوسط، فيتاذى اللين بالصلب، وخصوصًا عند
18
الضربة والسقطة. بل يكون التركيب مدرجًا، مثل ما فى عظم الكتف، والشراسيف فى
19
اضلاع الخلف؛ ومثل الغضروف الخنجرى تحت القص. وايضًا ليحسن به تجاوز
20
المفاصل المتحاكة، فلا تترضض لصلابتها. وايضًا اذا كان بعض العضل يمتد الى
21
عضو، غير ذى عظم يستند اليه، ويقوى به، مِثل عضلات الاجفان. كان هناك
22
دعامًا وعمادًا لاوتارها. وايضًا فانه قد تمس الحاجة فى مواضع كثيرة الى اعتماد، يتأنّى
23
على شئى صلب قوى ليس بغاية الصلابة، كما فى الحنجرة.
24
ثم العصب وهى اجسام دماغية المنبت، او نخاعية المنبت، بيض لدنة،
25
لينة فى الانعطاف، صلبة فى الانفصال. خلقت ليتم بها للاعضاء الاحساس والحركة.
26
ثم الاوتار وهى اجسام تنبت من اطراف العضل، شبيهة بالعصب، فتلاقى الاعضاء
27
المتحركة. فتارة تجذبها بانجذابها، لتشنج العضلة، واجتماعها، ورجوعها الى ورائها
1-58
1
وتارة ترخيها باسترخائها، لابنساط العضلة عائدة الى وضعها، او زائدة فيه على مقدارها
2
فى طولها حال كونها على وضعها المطبوع لها على مانراه نحن فى بعض العضل. وهى
3
مؤلفة فى الاكثر من العصب النافذ فى العضلة؛ البارزة منها فى الجهة الاخرى؛ ومن
4
الاجسام التى يتلو ذكرها الاوتار، وهى التى نسميها رباطات. وهى ايضًا عصبانية المرأى
5
والملمس، تاتى من الاعضاء الى جهة العضل فتتشظى هى ايضًا والاعصاب ليفًا.
6
فما ولى العضلة منها، احتشى لحمًا، وما فارقها الى المفصل، او العضو المتحرك،
7
اجتمع الى ذاته وانفتل وترًا.
8
ثم الرباطات، التى ذكرناها. وهى ايضًا اجسام شبيهة بالعصب. بعضها
9
يسمى رباطًا مطلقًا، وبعضها ايضًا يخص باسم العقب. فما امتد الى العضلة، لم يسم
10
الا رباط، ومالم يمتد اليها، ولكن وصل بين طرفى عظمى المفصل، او بين اعضاء
11
اخرى، واحكم شد شىء الى شىء، فانه مع ما يسمى رباطًا، قد يخص باسم العقب.
12
وليس لشىء من الروابط حس؛ وذلك لئلا يتأذى بكثرة ما يلزمه من الحركة والحك. و
13
منفعة الرباط معلومة مما سلف.
14
ثم الشريانات، وهى اجسام نابتة من القلب، ممتدة مجوفة طولًا، عصبانية،
15
رباطية الجوهر، لها حركات منبسطة ومنقبضة، تنفصل بسكونات. خلقت لترويح
16
القلب، ونفض البخار الدخانى عنه، ولتوزيع الروح على اعضاء البدن.
17
ثم الاوردة، وهى شبيهة بالشريانات. "نابتة ولكنها" من الكبد، وساكنة،
18
و[خلقت] لتو زيع الدم على اعضاء البدن.
19
ثم الاغشية، وهى اجسام منتسجة من ليف عصبانى غير محسوس. دقيقة الثخن،
20
مستعرضة، تغشى سطوح اجسام اخرى، وتحتوى عليها لمنافع: منها لتحفظ جملتها على
21
شكلها وهيئتها. ومنها لتعلقها من اعضاء اخر، وتربطها بها بوساطة العصب والرباط
22
الذى يتشظى الى ليفها، فانتسجت منه كالكلية من الصلب. ومنها ليكون للاعضاء
23
العديمة الحس فى جواهرها سطح حساس بالذات لما يلاقيه، وحساس لما يحدث
24
فى الجسم الملفوف فيه بالعرض. وهذه الاعضاء مثل الرئة والكبد والطحال والكليتين،
25
فانها لا تحس بجواهرها البتة؛ لكن انما يحس الامور المصادمة لها ما عليها من الاغشيه؛
26
واذا حدث فيها ريح او ورم احس. اما لريح فيحسه الغشاء بالعرض للتمدد الذى يحدث
27
فيه؛ واما الورم فيحسه مبدأ الغشاء ومعلقه بالعرض لإرجحنان العضو، لثقل الورم ثم اللحم.
28
وهو حشو خلل وضع هذه الاعضاء فى البدن، وقوتها التى تندعم به.
1-59
1
فكل عضو، فله فى نفسه قوة غريزية بها يتم له امر التغذى. وذلك هو جذب الغذاء،
2
وامساكه، وتشبيهه، والصاقه، ودفع الفضل. ثم بعد ذلك فتختلف الاعضاء [فبعضها له
3
الى هذه القوة قوة تصير منه الى غيره وبعضها ليس له تلك ومن وجه آخر] فبعضها له
4
<مضافًا> الى هذه القوة قوة، تصير اليه من غيره، وبعضها ليس له تلك. فاذا تركبت
5
حدث عضو قابل معط. وعضو معط غير قابل. وعضو قابل غير معط. وعضو لا قابل ولا معط.
6
اما العضو القابل المعطى فلم يشك فى وجوده. لان الدماغ والكبد اجمعوا على
7
ان كل واحد منهما يقبل قوة الحياة، والحرارة الغريزية، والروح من القلب، وكل واحد
8
منهما ايضًا مبدأ قوة يعطيها غيره. اما الدماغ فمبدأ الحس عند قوم مطلقًا، وعند قوم
9
لا مطلقًا. والكبد مبدأ التغذية [عند قوم] مطلقًا، وعند قوم لا مطلقًا.
10
واما العضو القابل غير المعطى فالشك فى وجوده ابعد، مثل اللحم القابل قوة الحس
11
والحياة، وليس هو مبدأ القوة، يعطيها غيره بوجه. واما القسمان الآخران فاختلف فى
12
احدهما الاطباء مع الكبير من الفلاسفة. فقال كبير الفلاسفة: ان هذا العضو هو القلب،
13
وهو الاصل الاول لكل قوة؛ وهو يعطى سائر الاعضاء كلها القوى التى تغذو، والتى
14
تحيى، والتى تدرك وتحرك. واما الاطباء وقوم من أوائل الفلاسفة فقد فرقوا هذه القوى
15
فى الاعضاء، ولم يقولوا بعضو معط غير قابل. وقوله عند التحقيق والتدقيق اصح؛
16
وقول الاطباء فى بادى النظر اظهر.
17
ثم اختلف فى القسم الآخر الاطباء فيما بينهم والفلاسفة فيما بينهم: فذهبت
18
طائفة الى ان العظام واللحم الغير الحاس وما اشبههما، انما تبقى بقوى فيها <غريزية>
19
تخصها. لم تاتها من مباد آخر؛ لكنها بتلك القوى اذا وصل اليها غذاؤها، كفت انفسها.
20
فلا هى تفيد شيئا آخر قوة فيها، ولا ايضًا يفيدها عضو قوة اخرى
21
وذهبت طائفة الى ان تلك القوى ليست تخصها، لكنها فائضة اليها من الكبد
22
اوالقلب فى اول الكون ثم استقرت فيها. والطبيب ليس عليه ان يتتبع المخرج الى الحق
23
من هذين الاختلافين بالبرهان. وليس له اليه سبيل من جهة ما هو طبيب، ولا يضره
24
فى شىء من مباحثه واعماله. ولكن يجب ان يعلم ويعتقد فى الاختلاف الاول انه لا عليه
25
كان القلب مبدأ فى الحس والحركة الارادية للدماغ وللقوة المغذية للكبد او لم يكن،
26
فان الدماغ إما بنفسه وإما بعد القلب مبدأ للافاعيل النفسانية بالقياس الى سائر الاعضاء،
27
والكبد كذلك مبدأ للافعال الطبيعية المغذية بالقياس الى سائر الاعضاء.
28
ويجب ان يعلم ويعتقد فى الاختلاف الثانى انه لا عليه كان حصول القوة الغريزية
29
فى مثل العظم عند أول الحصول من الكبد، او استحقه بمزاجه نفسه، او لم يكن ولا
1-60
1
واحد منهما، ولكن [الآن] يجب ان يعتقد ان تلك القوة ليست فائضة اليه من الكبد
2
بحيث لو انسد السبيل بينهما، وكان عند العظم غذاء معد، بطل فعله؛ كما للحس والحركة،
3
اذا انسد العصب الجائ من الدماغ. بل تلك القوة صارت غريزية للعظم ما بقى على
4
مزاجه. فحينئذ ينشرح له حال القسمة ويعرض له اعضاء رئيسة، واعضاء خادمة للرئيسة،
5
واعضاء مرؤسة بلا خدمة، واعضاء لارئيسة ولامرؤسة.
6
فالاعضاء الرئيسة<فى الاعمال> هى الاعضاء التى هى مباد للقوى الاولى فى البدن
7
المضطر اليها فى بقاء الشخص اوالنوع. اما بحسب بقاء الشخص فالرئيسة ثلثة: القلب
8
وهو مبدأ قوة الحياة؛ والدماغ وهو مبدأ قوة الحس والحركة؛ والكبد وهو مبدأ قوة التغذية.
9
واما بحسب بقاء النوع فالرئيسة هذه الثلاثة ايضًا، والرابع يخص النوع، وهو الانثيان
10
اللذان يضطر اليهما لأمر وينتفع بهما لامر ايضًا. أما الاضطرار فلأجل توليد المنى الحافظ
11
للنسل. واما الانتفاع فلاجل افادة تمام الهيئة والمزاج الذكورى والانوثى، الذين هما من
12
العوارض اللازمة لانواع الحيوان؛ لامن الاشياء الداخلة فى نفس الحيوانية.
13
واما الاعضاء الخادمة فبعضها تخدم خدمة مهيئة، وبعضها تخدم خدمة مؤدية.
14
والخدمة المهيئة تسمى منفعة، والخدمة المؤدية تسمى خدمة على الاطلاق. والخدمة
15
المهيئة تتقدم فعل الرئيس، والخدمة المودية تتاخر عن فعل الرئيس.
16
اما القلب فخادمه المهيئ [هو مثل الرئة. والمؤدى مثل الشرائين. واما الدماغ
17
فخادمه المهيئ هو] مثل الكبد وسائر اعضاء الغذاء وحفظ الروح؛ والمؤدى هو مثل العصب.
18
واما الكبد فخادمه المهيئ هو مثل المعدة، والمودى هو مثل الاوردة. واما
19
الانثيان فخادمهما المهيء هو مثل الاعضاء المولدة للمنى قبلهما ، واما المؤدى في الرجال
20
<منهما> فالاحليل وعروق بينهما وبينه؛ كذلك فى النساء عروق يندفع فيها المنى الى
21
المحبل. وللنساء زيادة الرحم التى تتم فيها منفعة المنى.
22
وقال جالينوس: ان من الاعضاء ماله فعل [فقط؛ ومنها ماله منفعة فقط؛ ومنها
23
ماله فعل] ومنفعة معًا. الاول كالقلب، والثانى كالرئة، والثالث كالكبد . وأقول: انه
24
يجب أن نعنى بالفعل مايتم بالشىء وحده من الافعال الداخلة فى حياة الشخص أو بقاء النوع
25
مثل ما للقلب فى توليده الروح. وأن نعنى بالمنفعة ما يهيء لقبول فعل عضو آخر، حينئذ
26
يصير الفعًل تامًا فى افادة حياة الشخص او بقاء النوع، كاعداد الرية للهواء. واما الكبد
1-61
1
فانها تهضم اولًا هضمها الثانى، وتعد للهضم الثالث والرابع. فبما يهضم الهضم الاول
2
تامًا حتى يصلح ذلك الدم "لتغذيته نفسها" تكون قد فعلت فعلًا؛ وبما قد يفعل فعلًا
3
معينًا لفعل منتظر، تكون قد نفعت.
4
ونقول ايضًا من الراس: ان من الاعضاء ما يتكون من المنى؛ وهى المتشابهة
5
الاجزاء سوى اللحم والشحم. ومنها ما يتكون عن الدم كالشحم واللحم، فان ما خلاهما
6
يتكون عن المنيين منى الذكر ومنى الانثى. الا انها على قول من يحقق من الحكماء
7
يتكون عن منى الذكر، كما يتكون الجبن عن الانفحة، ويتكون عن منى الانثى كما
8
يتكون الجبن عن اللبن. وكما ان مبداء العقد فى الانفحة، كذلك مبدأ عقد الصورة
9
فى منى الذكر. وكما ان مبدأ الانعقاد فى اللبن، فكذلك مبدأ انعقاد الصورة اعنى
10
القوة المنفعلة هو فى منى المرأة. وكما ان كل واحد من الانفحة واللبن جزء من جوهر
11
الجبن الحادث عنهما، كذلك كل واحد من المنيين جزء من جوهر الجنين الحادث عنهما.
12
وهذا القول مخالف قليلًا بل كثيرًا قول جالينوس. فانه يرى: ان فى كل واحد من
13
المنين قوة عاقدة وقابلة للعقد. ومع ذلك فلايمتنع ان يقول: ان العاقدة فى الذكورى اقوى،
14
والمنعقدة فى الانوثى اقوى. وأما تحقيق القول فى هذا، ففى كتبنا فى العلوم الاصلية.
15
ثم الدم الذى كان ينفصل عن المرأة فى الاقراء، يصير غذاء. فمنه ما يستحيل
16
الى مشابهة جوهر المنى والاعضاء الكائنة منه، فيكون غذاء منميًا له. ومنه ما لا يصير
17
غذاء لذلك، ولكن يصلح لان ينعقد فى حشوه، ويملاء الامكنة <التى> بين الاعضاء
18
الاولى، فيكون لحمًا وشحمًا. ومنه فضل، لا يصلح لاحد الامرين. فيبقى الى وقت
19
النفاس، فتدفعه الطبيعة فضلًا. واذا ولد الجنين، فان الدم الذى يولده كبده يسد مسد
20
ذلك الدم، ويتولد عنه ما كان يتولد عن ذلك الدم.
21
واللحم يتولد عن متين الدم، ويعقده الحر واليبس، واما الشحم فمن مائيته
22
ودسمه ويعقده البرد. ولذلك يحله الحر وما كان من الاعضاء متخلقًا
23
من المنيين فانه اذا انفصل لم ينجبر بالاتصال الحقيقى؛ الا بعضه فى قليل من الاحوال،
24
وفى سن الصبى، مثل العظام، وشعب صغيرة من الاوردة، دون الكبيرة ودون الشرائين.
25
واذا انتقص منه جزء، لم ينبت عوضه شىء وذلك كالعظم والعصب. وما كان متخلقًا
26
من الدم، فانه ينبت بعد انثلامه، ويتصل بمثله كاللحم. وما كان متولدًا عن دم فيه
27
قوة من المنى بعد، فما دام العهد بالمنى قريبًا، فذلك العضو اذا فات امكن ان ينبت
28
مرة اخرى، مثل السن فى سن الصبى. واما اذا استولى على الدم مزاج آخر، فانه لاينبت
29
مرة اخرى.
1-62
1
ونقول ايضًا: ان الاعضاء الحساسة المتحركة، فقد تكون تارة مبدأ الحس
2
والحركة لها جميعًا عصبة واحدة، وقد يفترق تارة ذلك، فيكون مبدأ كل قوة
3
عصبة.
4
ونقول ايضًا: ان جميع الاحشاء الملفوفة فى الغشاء، تنبت غشائها من احدى
5
غشائى الصدر والبطن المستبطنين. أما مافى الصدر كالحجاب، والاوردة، والشريانات
6
والرية، فمنبت اغشيتها من الغشاء المستبطن للاضلاع. وأما ما فى الجوف من الاعضاء
7
والعروق، فمنبت اغشيتها من الصفاق المستبطن لعضل البطن.
8
وايضًا فان جميع الاعضاء اللحمية: إما ليفية كاللحم فى العضل، وإما ليس
9
فيها ليف كالكبد. ولا شىء من الحركات الا بالليف. أما الارادية فبسبب ليف العضل؛
10
وأما الطبيعية، كحركة الرحم والعروق، والمركبة، كحركة الازدراد، فبليف مخصوص
11
بهيئة: من وضع الطول، والعرض، والتوريب؛ فللجذب [الليف] المطاول، ولدفع
12
الليف الذاهب عرضًا العاصر، وللامساك الليف المورب.
13
وما كان من الاعضاء ذا طبقة واحدة، مثل الاوردة، فان اصناف ليفه الثلاثة
14
منتسج بعضها فى بعض، وما كان منها ذا طبقتين، فالليف الذاهب عرضًا يكون فى
15
طبقته الخارجة، والآخران فى طبقته الداخلة؛ الا ان الذاهب طولًا اميل الى سطحه
16
الباطن. وانما خلق كذلك لئلا يكون ليف الجذب والدفع معًا؛ بل ليف الجذب
17
والامساك هما اولى بان يكونا معًا. الا فى الامعاء، فان حاجتها لم تكن الى الامساك
18
شديدة، بل الى الجذب والدفع.
19
ونقول ايضًا: إن الاعضاء العصبانية المحيطة باجسام غريبة عن جوهرها، منها
20
ما هى ذات طبقة واحدة، ومنها ما هى ذات طبقتين. وإنما خلق ما خلق منها ذا طبقتين
21
لمنافع: احداها مس الحاجة الى شدة الاحتياط فى وثاقة جسميتها، لئلا تنشق بسبب
22
قوة حركتها [بما] فيها كالشرائين.
23
والثانية مس الحاجة الى شدة الاحتياط فى امر الجسم المخزون فيها، لئلا
24
يتحلل او يخرج. اما استشعار التحلل فبسبب سخافتها ان كانت ذات طبقة واحدة؛
25
واما استشعار الخروج فبسبب اجابتها الى الانشقاق لذلك ايضًا. وهذا الجسم المخزون
26
هو مثل الروح والدم، المخزونين فى الشرائين، الذين يجب ان يحتاط فى صونهما،
27
ويخاف ضياعهما. أما الروح فبالتحلل، وأما الدم فبالتشقق. وفى ذلك خطر عظيم.
28
والثالثة أنه اذا كان عضو يحتاج أن يكون كل واحد من الدفع والجذب فيه بحركة
29
قوية، أفرد له آلة بلا اختلاط، وذلك كالمعدة والامعاء.
1-63
1
والرابعة انه اذا اريد ان يكون كل طبقة من طبقات العضو لفعل يخصه؛ وكان
2
الفعلان يحدث احدهما عن مزاج مخالف للآخر، كان التفريق بينهما اصوب؛ مثل المعدة،
3
فانه اريد فيها ان يكون لها الحس. وذلك انما يكون لعضوعصبانى. وان يكون لها الهضم.
4
وذلك انما يكون لعضو لحمانى فافرد لكل واحد من الامرين طبقة: فطبقة عصبية للحس،
5
وطبقة لحمية للهضم. وجعلت الطبقة الباطنة عصبية، والخارجة لحمانية. لان الهاضم
6
يجوز ان يصل الى المهضوم بالقوة دون الملاقاة؛ واما الحاس فلا يجوز ان يلاقى المحسوس
7
اعنى فى حس اللمس.
8
واقول ايضًا: ان الاعضاء منها ما هى قريبة المزاج من الدم، فلا يحتاج الدم فى
9
تغذيتها الى ان يتصرف فى استحالات كثيرة، مثل اللحم. فلذلك لم يجعل فيه تجاويف
10
وبطون، يقيم فيها الغذاء الواصل مدة، ثم يغتذى به اللحم. ولكن الغذاء كما يلاقيه
11
يستحيل اليه.
12
ومنها ما هى بعيدة المزاج عنه، فيحتاج الدم فى ان يستحيل اليه الى ان يستحيل
13
اولًا استحالات كثيرة [متدرجة] الى مشاكلة جوهره، كالعظم، فلذلك جعل له فى الخلقة
14
إما تجويف واحد، يحوى غذائه مدة يستحيل فى مثلها الى مجانسته، مثل عظم الساق
15
والساعد؛ اوتجاويف متفرقة فيه، مثل عظم الفك الاسفل. وما كان من الاعضاء هكذا،
16
فانه يحتاج ان يمتار من الغذاء فوق الحاجة فى الوقت، ليحيله الى مجانسته شيئًا بعد
17
شىء.
18
والاعضاء القوية تدفع فضولها الى جاراتها الضعيفة، كدفع القلب الى الابطين؛
19
والدماغ الى ما خلف الاذنين، والكبد الى الاربيتين.
20
|8vb4|الجملة الاولى
21
فى العظام وهى ثلاثون فصلًا
22
|8vb5|الفصل الاول وهو قول كلى فى العظام والمفاصل
23
نقول: ان من العظام ما قياسه من البدن قياس الاساس، وعليه مبناه، مثل فقار
24
الصلب؛ فانها اساس البدن وعليها يبنى، كما تبنى السفينة على الخشبة التى تنصب
25
فيها اولًا. ومنها ما قياسه من البدن قياس المجن والوقاية، كعظم اليافوخ. ومنها
26
ما قياسه قياس السلاح الذى يدفع به المصادم الموذى، مثل العظام التى تدعى السناسن،
27
وهى على فقار الظهر كالشوك. ومنها ما هو حشو بين فرج المفاصل، مثل العظام
1-64
1
السمسمانية التى بين السلاميات. ومنها ما هو معلق للاجسام المحتاجة الى علاقة،
2
كالعظم الشبيه باللام لعضل الحنجرة واللسان وغيرها. وجملة العظام دعامة وقوام
3
للبدن. وما كان من هذه العظام انما يحتاج اليه للدعامة فقط والوقاية ولايحتاج اليه
4
لتحريك الاعضاء، فانه خلق مصمتًا، وان كانت فيه المسام والخلل والفرج التى لا
5
بد منها. وما كان يحتاج اليه منها لاجل الحركة ايضًا، فقد زيد فى مقدار تجويفه [وجعل
6
تجويفه] فى الوسط واحدًا، ليكون جرمه غير محتاج الى مواقف الغذاء المتفرقة، فيصير
7
رخوًا؛ بل صلب جرمه، وجمع غذاؤه وهو المخ فى حشوه. ففائدة زيادة التجويف ان
8
يكون اخف. وفائدة توحيد التجويف ان يبقى جرمه اصلب. وفائدة صلابة جرمه ان لا ينكسر
9
عند الحركات العنيفة. وفائدة المخ فيه ليغذوه على ماشرحناه قبل، وليرطبه دائمًا،
10
فلا يتفتت بتجفيف الحركة؛ وليكون وهو مجوف كالمصمت. والتجويف يقل اذا
11
كانت الحاجة الى الوثاقة اكثر، ويكثر اذا كانت الحاجة الى الخفة اكثر.
12
والعظام المشاشية خلقت كذلك لامر الغداء المذكور، مع زيادة حاجة بسبب
13
شىء يجب ان ينفذ فيها، كالرائحة المستنشقة مع الهواء فى عظم المصفاة؛ ولفضول
14
الدماغ المدفوعة فيها.
15
والعظام كلها متجاورة متلاقية، وليس بين شىء من العظام وبين العظم الذى يليه
16
مسافة كثيرة، بل فى بعضها مسافة يسيرة، تملأها لواحق غضروفية او شبيهة بالغضروفية،
17
خلقت للمنفعة التى للغضاريف؛ وما لم يجب فيه مراعاة تلك المنفعة، خلق المفصل
18
بينها بلا لاحقة كالفك الاسفل.
19
والمجاورات التى بين العظام على اصناف: فمنها ما يتجاور تجاور مفصل سلس.
20
ومنها ما يتجاور تجاور مفصل عسر غير موثق. ومنها ما يتجاور [تجاور] مفصل موثق مركوز،
21
او مدروز، اوملصق.
22
فالمفصل السلس هو الذى لاحد عظميه ان يتحرك حركاته سهلًا، من غير ان
23
يتحرك معه العظم الآخر، كمفصل الرسغ مع الساعد. والمفصل العسر غير الموثق هو
24
ان يكون تحريك احد العظمين وحده صعبًا، وقليل المقدار، مثل المفصل الذى بين
25
الرسغ والمشط، او مفصل ما بين عظمين من عظام المشط. واما المفصل الموثق فهو
26
الذى ليس لأحد عظميه ان يتحرك وحده البتة، مثل مفصل عظام القص. فاما المركوز
27
فهوما يوجد لاحد العظمين زيادة، وللثانى نقرة، ترتكز فيها تلك الزيادة ارتكازًا لا يتحرك
28
فيها، مثل الاسنان فى منابتها. واما المدروز فهو الذى يكون لكل واحد من العظمين
29
تحازيز واسنان، كما للمنسثار، وتكون اسنان هذا العظم مهندمة فى تحازيز ذلك العظم،
1-65
1
كما يركب الصفارون صفائح النحاس؛ وهذا الوصل يسمى شانًا ودرزا، كما لمفاصل
2
عظام القحف.
3
والملزق: منه ما هو ملزق طولأ، [مثل] مفصل ما بين عظمى الساعد. ومنه
4
[ما هو] ملزق عرضًا، مثل مفصل الفقرات السفلى من فقار الصلب؛ فان العليا بينها
5
مفاصل غير موثقة.
6
|9ra28|الفصل الثانى فى تشريح القحف
7
أما منفعة جملة عظم القحف فهى: انها جنة للدماغ ساترة له، وواقية عن الآفات.
8
وأما المنفعة فى خلقها قبائل كثيرة وعظامًا فوق واحد، فتنقسم إلى جملتين: جملة
9
معتبرة بالامور التى بالقياس [إلى العظم نفسه، وجملة معتبرة بالقياس] إلى ما يحويه
10
العظم.
11
أما الجملة الأولى فتنقسم إلى منفعتين: احداهما انه ان اتفق أن يعرض للقحف
12
آفة فى جزء منه من كسر أو عفونة، لم يجب أن يكون ذلك عامًا للقحف كله، كما يكون
13
لوكان عظمًا واحدًا. والثانية أن لا يكون فى عظم واحد اختلاف اجزاء فى الصلابه، واللين،
14
والتخلخل، والتكاثف، والرقة، والغلظ، الاختلاف الذى يقتضيه المعنى المذكور عن
15
قريب.
16
وأما الجملة الثانية فهى المنفعة التى تتم بالشؤن: فبعضها بالقياس إلى الدماغ
17
نفسه، بأن يكون لما غلظ من الأبخرة الممتنعة من النفوذ فى العظم نفسه لغلظه طريق
18
ومسلك ليفارقه، فينقى الدماغ بالتحلل. ومنفعة بالقياس إلى ما خرج من الدماغ من
19
ليف العصب الذى ينبث فى أعضاء الرأس ليكون لها طريق. ومنفعتان مشتركتان بين
20
الدماغ و بين شيئين آخرين: احداهما بالقياس إلى العروق والشرائين الداخلة إلى داخل
21
الرأس لكى يكون لها طريق. ومنفعة ثانية بالقياس إلى الحجاب الغليظ الثقيل،
22
فيتشبث أجزاء منه بالشؤن، فيستقل عن الدماغ ولا يثقل عليه.
23
والشكل الطبيعى لهذا العظم هو الاستدارة لأمرين ومنفعتين: أحدهما بالقياس
24
إلى داخل، فهو أن الشكل المستدير أعظم مساحة مما يحيط به غيره من الاشكال المستقيمة
25
الخطوط اذا تساوت إحاطتها. والآخر بالقياس إلى خارج وهو أن الشكل المستدير لا ينفعل
26
عن المصادمات على حسب ما ينفعل عنها ذو الزوايا. وخلق الى طول مع استدارته؛
27
لأن منابت الأعصاب الدماغية موضوعة فى الطول؛ وكذلك يجب لئلا ينضغط. وله
1-66
1
نتوان إلى قدام وإلى خلف، ليقيا الأعصاب المنحدرة من الجنبين. ولمثل هذا الشكل
2
دروز ثلاثة حقيقية، ودرزان كاذبان. فمن الأولى درز مشترك مع الجبهة قوسى هكذا ** ويسمى
3
الاكليلى. ودرز منصف لطول الراس مستقيم، يقال له وحده سهمى. وإذا اعتبر من
4
جهة إتصاله بالاكليلى قيل له سفودى. وشكله شبيه قوس، يقوم فى وسطه خط مستقيم
5
كالعمود وهو هكذا ** والدرز الثالث هو مشترك بين الرأس من خلف وبين قاعدته، وهو
6
على شكل زاوية يتصل بنقطتيها طرف السهمى، ويسمى الدرز الامى؛ لانه يشبه اللام فى
7
كتابة اليونانيين ** وإذا انضم الى الدرزين المقدمين، صار شكله هكذا ** واما
8
الدرزان الكاذبان فهما آخذان فى طول الرأس على موازاة السهمى من الجانبين، وليسا بغائصين
9
فى العظم تمام الغوص. "ولهذا" يسميان القشريين. وإذا اتصلا بالدروز الحقيقية، صار
10
شكله هكذا ** فهذا شكل الرأس الطبيعى التام الدروز.
11
وأما أشكال الرأس الغير الطبيعية فهى ثلثة: أحدها أن ينقص النتو المقدم،
12
فيفقد له من الدروز الدرز الاكليلى. والثانى أن ينقص النتو المؤخر، فيفقد له من الدروز
13
الدرز اللامى. والثالث أن يفقد له النتوان جميعًا، ويصير الرأس كالكرة متساوى العرض
14
والطول.
15
قال فاضل الأطباء جالينوس: إن هذا الشكل لما تساوى فيه الأبعاد، وجب
16
فى الطول أن يتساوى فيه الدروز، وقد كانت قسمة الدروز فى الأول للطول درز، وللعرض
17
درزان؛ فيكون ههنا للطول درز، وللعرض كذلك درز واحد؛ وان يكون الدرز العرضى
18
فى وسط العرض من الاذن إلى الاذن، كما أن الدرز الطولى فى وسط الطول. قال
19
جالينوس: فلا يمكن أن يكون للرأس شكل رابع غير طبيعى، حتى يكون الطول أنقص
20
من العرض؛ الا وينقص من بطون الدماغ أوجرمه شىء؛ وذلك مضاد للحياة، مانع عن
21
صحة التركيب. وصوب قول مقدم الأطباء بقراط حيث جعل أشكال الرأس أربعة فقط.
22
|9rb55|الفصل الثالث فى تشريح مادون القحف [من الراس]
23
والرأس بعد هذا خمسة عظام: أربع كالجدران، وواحد كالقاعدة. وجعلت
24
هذه الجدران أصلب من اليافوخ؛ لأن السقطات والصدمات عليها اكثر؛ ولأن الحاجة
25
إلى تخلخل القحف واليافوخ أمس لأمرين: أحدهما لينفذ فيه البخار المتخلل. والثانى
26
لئلا يثقل على الدماغ. وجعل أصلب الجدران مؤخرها؛ "لانه غائب" عن حراسة الحواس.
27
فالجدار الأول هو عظم الجبهة، ويحده من فوق الدرز الإكليلى، ومن اسفل
28
درز يمتد من طرف الاكليلى، مارًا على العين عند الحاجب، متصلًا آخره بالطرف الثانى
1-67
1
من الإكليلى. والجداران اللذان <هما> يمنة، ويسرة، هما العظان الذان فيهما الأذنان، ويسميان
2
الحجريين لصلابتهما. ويحد كل واحد منهما من فوق الدرز القشرى، ومن أسفل درز يأتى
3
من طرف الدرز اللامى، ويمر منتهيًا إلى الاكليلى، ومن قدام جزء من الاكليلى، ومن
4
خلف جزء من اللامى. فاما الجدار الرابع فيحده من فوق الدرز اللامى، ومن أسفل الدرز
5
المشترك بين الرأس والوتدى، ويصل بين طرفى اللامى.
6
وأما قاعدة الدماغ: فهو العظم الذى يحمل سائر العظام، ويقال له الوتدى.
7
وخلق صلبًا لمنفعتين: احداهما ان الصلابة تعين على الحمل. والثانى ان الصلب أقل
8
قبولًا للعفونة من الفضول. وهذا العظم موضوع تحت فضول تنصب دائمًا اليه، فاحتيط
9
فى تصلبه. وفى كل واحد من جانبى الصدغين عظمان صلبان يستران العصبة المارة فى
10
الصدغ، ووضعهما فى طول الصدغ على الوراب يسميان الزوج.
11
|9va31|الفصل الرابع فى تشريح الفكين والانف
12
أما عظام الفك "الاعلى" فنبين عددها مع تبييننا لدروز الفك فنقول: ان الفك
13
الأعلى يحده من فوق درز مشترك بينه وبين الجبهة، مار تحت الحاجب من الصدغ الى الصدغ،
14
ويحده من تحت منابت الأسنان. ومن الجانبين درز يأتى من ناحية الأذن، مشتركًا بينه
15
وبين العظم الوتدى الذى هو وراء الأضراس، ثم الطرف الآخر هو مثنى، أعنى أنه يميل
16
ثانيًا إلى الامى يسيرًا. فيكون درز يفرق بين هذا وبين الدرز الذى نذكره، وهو الذى
17
يقطع أعلى الحنك طولًا، فهذه حدوده.
18
وأما دروزه الداخلة فى حدوده: فمن ذلك درز يقطع أعلى الحنك طولًا، ودرز
19
آخريتبدئ منما بين الحاجبين إلى محاذاة ما بين الثنيتين. ودرز يتبدئ من عند مبدأ
20
هذا الدرز، ويميل عنه منحدرًا إلى محاذاة مابين الرباعية والناب من اليمين. ودرذ آحر
21
مثله فى الشمال. فيتحدد إذًا بين هذه الدروز الثلاثة الوسطى والطرفين، وبين محاذاة منابت
22
الاسنان المذكورة عظمان مثلثان؛ لكن قاعدتا المثلثين ليستا عند منابت الأسنان؛
23
بل يعترض قبل ذلك درز قاطع، قريب من قاعدة المنخرين. لأن الدروز الثلاثة تجاوز هذا
24
القاطع إلى المواضع المذكورة. ويحصل دون المثلثين عظمان، تحيط بهما جميعًا قاعدتا
25
المثلثين ومنابت الأسنان، وقسمان من الدرزين للطرفين. ويفصل أحد العظمين عن
1-68
1
الآخر ماينزل من الدرز الأوسط. فيكون لكل عظم زاويتان قائمتان عند هذا الدرز الفاصل،
2
وحادة عند النابين، ومنفرجة عند المنخرين.
3
ومن دروز الفك الأعلى درز، ينزل من الدرز المشترك الاعلى، آخذًا إلى ناحية
4
العين؛ وكما يقطع النقرة ينقسم الى شعب ثلاث: شعبة تمر تحت الدرز المشترك مع
5
الجبهة، وفوق نقرة العين حتى تتصل بالحاجب. ودرز دونه يتصل كذلك من غير أن
6
يدخل النقرة. ودرز ثالث يتصل كذلك بعد دخول النقرة. وكل ما هو منها أسفل بالقياس
7
إلى الدرز الذى تحت الحاجب، فهو أبعد من الموضع الذى يماسه الأعلى، ولكن
8
العظم الذى يفرزه الدرز الأول من الثلاثة أعظم، ثم الذى يفرزه الثانى، [ثم الذى يفرزه
9
الثالث].
10
وأما الأنف فمنافعه ظاهرة وهى ثلاثة: إحداها أنه يعين بالتجويف الذى
11
يشتمل عليه فى الاستنشاق؛ حتى ينحصر فيه هواء اكثر، ويتعدل ايضًا قبل النفوذ إلى
12
الدماغ. فان الهواء المستنشق، وإن كان ينفذ جله إلى الرئة، فان شطرًا منه صالح المقدار
13
ينفذ ايضًا إلى الدماغ؛ ويجمع ايضًا للاستنشاق الذى يطلب فيه التشمم هواء صالحًا،
14
فى موضع واحد، أمام آلة الشم، ليكون الادراك اكثر وأوفق. فهذه ثلاث منافع فى
15
منفعة.
16
وأما الثانية فانه يعين فى تقطيع الحروف، وتسهيل إخراجها فى التقطيع؛ و
17
لئلا يزدحم الهواء كله عند الموضع الذى يحاول فيه تقطيع الحروف بمقدار؛ فهاتان
18
منفعتان فى منفعة واحدة. ونظير ما يفعله الانف فى تقدير هواء الحروف، هو ما يفعله
19
الثقب المثقوب مطلقًا إلى خلف المزمار، فلا يتعرض له السد.
20
وأما الثالثة فليكون للفضول المندفعة من الرأس ستر ووقاية عن الأبصار، وايضًا
21
آلة معينة على نفضها بالنفخ.
22
وتركيب عظام الأنف من عظمين كالمثلثين، تلتقى منهما زاويتاهما من فوق،
23
والقاعدتان تتماسان عند زاوية، وتتفارقان بزاويتين. والعظمان كل واحد منهما يركب
24
احد الدرزين الطرفين المذكورين [تحت درز عظام الوجه] وعلى طرفيهما السافلين
25
غضروفان لينان. وفيما بينهما على طول الدرز الوسطانى غضروف، جزءه الأعلى أصلب من
26
الاسفل، وهو بالجملة أصلب من الغضروفين الآخرين. فمنفعة الغضروف الوسطانى أن.
27
يفصل الأنف إلى منخرين؛ حتى اذا نزل من الدماغ فضلة نازلة، مالت فى الاكثر
28
إلى أحدهما، ولم يسد جميع طريق الاستنشاق المؤدى إلى الدماغ هواء مروحًا لما
29
فيه من الروح [النفسانى].
1-69
1
ومنفعة الغضروفين الطرفيين أمور ثلاثة: إحداها المنفعة المشتركة للغضاريف
2
الواقعة على أطراف العظام كلها و فرغنا منها. والثانية لكى ينفرج ويتوسع إن احتيج
3
إلى فضل استنشاق أو نفخ. والثالثة ليعين على نفض البخار باهتزازهما عند النفخ،
4
وانتفاضهما وارتعادهما. وخلق عظما الأنف دقيقين خفيفين؛ لأن الحاجة ههنا إلى الخفة
5
اكثر منها إلى الوثاقة، وخصوصًا لكونهما "برئيين" عن مواصلة أعضاء قابلة للآفات؛
6
وموضوعين بمرصد من الحس.
7
وأما الفك الأسفل فصورة عظامه، ومنفعته معلومة، [وهو] انه من عظمين يجمع
8
ببنهما تحت الذقن مفصل موثق؛ وطرفاهما الآخران ينشز عند آخر كل واحد منهما ناشزة
9
معقفة، تتركب مع زائدة مهندمة لها، ناتئة من العظم الذى ينتهى عنده، مربوطة
10
بوقوع أحدهما على الآخر برباطات.
11
|10ra15|الفصل الخامس فى تشريح الاسنان
12
وأما الأسنان فهى إثنان وثلاثون سنًا؛ وربما عدمت النواجذ منها فى بعض
13
الناس، وهى الأربعة الطرفانية. فكانت ثمانية وعشرين سنًا. فمن الاسنان ثنيتان
14
ورباعيتان من فوق، ومثلها من أسفل للقطع، ونابان من فوق، ونابان من تحت
15
للكسر. وأضراس للطحن من كل جانب فوقانى وسفلانى أربعة أو خمسة. فجملة ذلك
16
إثنان وثلاثون أو ثمانية وعشرون: <أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب،
17
وثمانية أرحاء، وثمانية أضراس، وأربعة نواجذ>.
18
والنواجذ تنبت فى الاكثر فى وسط زمان النمو، وهو بعد البلوغ إلى الوقوف؛
19
وذلك إن الوقوف قريب من ثلاثين سنة، ولذلك تسمى أسنان الحلم. وللأسنان أصول
20
ورؤس محددة، ترتكز فى ثقب العظام الحاملة لها من الفكين. وتنبت على حافة كل
21
ثقبة زائدة مستديرة، عليها عظمية تشتمل على السن وتشده هناك روابط قوية. وما سوى
22
الأضراس فان لكل واحد منها رأس واحد. وأما الأضراس المركوزة فى الفك الأسفل
23
فأقل مايكون لكل واحد منها. من الرؤس رأسان؛ وربما كان وخصوصًا للناجذين
24
ثلاثة أرؤس. وأما المركوزة فى الفك الأعلى فأقل ما يكون لكل واحد منها من الرؤس
25
ثلاثة أرؤس. وربما كان وخصوصًا للناجذين أربعة أرؤس. وقد كثرت رؤس الأضراس
26
لكبرها ولزيادة عملها. وزيدت للعليا لأنها معلقة. والثقل يجعل ميلها إلى "خلاف ركزها"
27
وأما السفلى فثقلها لا يضاد ركزها.
1-70
1
وليس لشىء من العظام حس البتة إلاللاسنان؛ فان جالينوس قال: بل التجربة
2
تشهد أن لها حسًا، أعينت به بقوة تاتيها من الدماغ، لتميز ايضًا بين الحار والبارد.
3
|10ra52|الفصل السادس فى منفعة الصلب
4
الصلب مخلوق لمنافع أربع: إحداها ليكون مسلكًا للنخاع المحتاج إليه فى بقاء
5
الحيوان، نذكره من منفعة النخاع فى موضعه بالشرح. وأما ههنا فنذكرمن ذلك أمرًا مجملًا
6
وهو أن الاعصاب لونبتت كلها من الدماغ، لاحتيج أن يكون الراس أعظم مما هو عليه بكثير
7
<فكبر> ولثقل على البدن حمله؛ وايضًا لاحتاجت العصبة إلى قطع مسافة بعيدة، حتى تبلغ
8
أقاصى الاطراف، فكانت متعرضة للاآفات والانقطاع؛ وكان طولها يوهن قوتها فى جذب الأعضاء
9
الثقيلة إلى مباديها، فأنعم الخالق باصدار جزء من الدماغ، و هو النخاع، إلى أسفل
10
البدن كالجدول من العين، ليتوزع عنه قسمة العصب فى جنباته؛ وآخره بحسب موازاته
11
ومصاقبته <فى القرب> للاعضاء، ثم جعل الصلب مسلكًا حريزًا له.
12
والثانية أن الصلب وقاية وجنة للاعضاء الشريفة الموضوعة قدامه؛ ولذلك خلق
13
له شوك وسناسن.
14
والثالثة أن الصلب خلق ليكون مبنى لجملة عظام البدن، مثل الخشبة التى
15
تهيأ فى نجر السفينة اولًا، ثم يركز فيها ويربط بها سائر الخشب ثانيًا، ولذلك خلق الصلب
16
صلبًا.
17
والرابعة ليكون لقوام الانسان إستقلال وقوام، وتمكن من الحركات إلى الجهات
18
بالانحناء والانبساط . ولذلك خلق الصلب من فقرات منتظمة لاعظمًا واحدًا، ولاعظمامًا
19
كثيرة المقدار. وجعلت المفاصل بين الفقرات لاسلسة فتوهن القوام، ولاموثقة فتمنع
20
الانعطاف..
21
|10rb27|الفصل السابع فى [ تشريح] الفقرات
22
الفقرة عظم فى وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع. فالفقرة قد يكون لها أربع زوأئد:
23
يمنة ويسرة ومن جانبى الثقب، ويسمى ما كان منها إلى فوق شاخصة إلى فوق،
24
وما كان منها إلى أسفل شاخصة إلى أسفل ومنتكسة. وربما كانت الزوائد ستة: أربعة
25
من جانب، واثنان من جانب؛ وربما كانت ثمانية. والمنفعة فى هذه الزوائد هى
26
أن ينتظم منها الاتصال بينها اتصالًا مفصليًا بنقر فى بعضها، ورؤس لقمية فى بعض.
27
وللفقرات زوائد لا لاجل هذه المنفعة، ولكن لوقاية والجنة والمقاومة لما يصاك؛
28
ولأن تنتسج عليها رباطات. وهى عظام عريضة صلبة موضوعة على طول الفقرات. فما
1-71
1
كان من هذه موضوعًا إلى خلف، يسمى شوكًا وسناسن، وما كان منها موضوعًا
2
يمنة ويسرة يسمى أجنحة. وإنما وقايتها لما وضع ادخل منها فى طول البدن من العصب
3
والعروق والعضل.
4
ولبعض الاجنحة، وهى التى تلى الأضلاع ــ خاصة ــ منفعة: وهى انها تتخلق
5
فيها نقر ترتبط بها رؤس الأضلاع، محدبة تتهندم فيها. ولكل جناح منها نقرتان، ولكل ضلع
6
زائدتان محدبتان. ومن الاجنحة ما هو ذو رأسين، ويشبه الجناح المضاعف، وهذا فى
7
خرزات العنق، وسنذكر منفعته. وللفقرات غير الثقبة المتوسطة ثقب آخر بسبب ما يخرج
8
منها من العصب وما يدخل فيها من العروق. فبعض تلك الثقب يحصل بتمامها فى خرم
9
الفقرة الواحدة، وبعضها يحصل بتمامها فى فقرتين بالشركة. ويكون موضعها الحد
10
المشترك بينهما. وربما كان ذلك من جانبى فوق وأسفل معًا، وربما كان من جانب واحد،
11
وربما كان فى كل واحدة من الفقرتين نصف دائرة تامة؛ وربما كان فى إحداهما اكبر منه
12
وفى الاخرى أصغر. وإنما جعلت هذه الثقبة عن جنبتى الفقرة، ولم تجعل إلى خلف
13
لعدم الوقاية هناك لما يخرج ويدخل، ولتعرضه للمصادمات. ولم تجعل إلى قدام؛
14
والا لوقعت فى المواضع التى <يقع> عليها ميل البدن بثقله الطبيعى، وبحركاته الارادية
15
ايضًا؛ فكانت تضعفها. ولم يمكن أن يكون متقنة الربط والتعقيب. وكان الميل
16
ايضًا على مخرج تلك الأعصاب بضغطها وتوهنها.
17
وهذه الزوائد التى للوقاية يحيط بها رباطات وعقب، ويجرى عليها رطوبات لتملس
18
وتسلس، لئلا توذى اللحم بالمماسة. والزوائد المفصلية إيضًا شانها هذا، فانها تؤثق بعضها
19
ببعض ايثاقًا شديدًا بالتعقيب والربط من كل الجهات؛ الا أن تعقيبها من قدام أوثق،
20
ومن خلف أسلس. لان الحاجة إلى الإنحناء والانثناء نحو القدام أمس من الانعطاف
21
والانتكاس إلى خلف. ولما سلست الرباطات إلى خلف، شغل الفضاء الواقع لا محالة
22
هناك، وإن قل برطوبات لزجة. ففقرات الصلب بما استوثق تعقيبها من جهة، استيثاقًا
23
بالافراط، كعظم واحد، مخلوق للثبات والسكون؛ وبما سلست من جهة، كعظام كثيرة،
24
مخلوقة للحركة.
25
|10va35|الفصل الثامن فى منفعة العنق وتشريح عظامه
26
العنق مخلوق لاجل قصبة الرئة. وقصبة الرئة مخلوقة، لما نذكر من منافع خلقها فى
27
موضعه. ولما كانت الفقرات العنقية، وبالجملة العالية، محمولة على ما تحتها من الصلب، وجب
28
ان يكون أصغر؛ فان المحمول يجب ان يكون أخف من الحامل، إذا أريد أن تكون الحركات على
1-72
1
النظام الحكمى. ولما كان أول النخاع يجب أن يكون أغلظ وأعظم، مثل أول النهر؛
2
لان ما يخص الجزء الأعلى من مقاسم العصب اكثر مما يخص الجزء الأسفل، وجب
3
أن يكون الثقب فى فقار العنق أوسع. ولما كان الصغر وسعة التجويف مما يرقق جرمها،
4
وجب أن يكون هناك معنى من الوثاقة، يتدارك به ما يوهنه الأمران المذكوران؛ فوجب
5
أن يخلق أصلب الفقرات.
6
ولما كان جرم كل فقرة منها رقيقًا، خلقت سناسنها صغيرة؛ فانها لوخلقت كبيرة،
7
تهيّأت الفقرة للانكسار وللآفات عند مصادمة الاشياء القوية لسنسنتها. ولما صغرت سنسنتها،
8
جعلت أجنحتها كبارًا ذوات رأسين مضاعفة. ولما كانت حاجتها الى الحركة اكثر من
9
حاجتها إلى الثبات، إذ ليس إقلالها للعظام الكثيرة إقلال ما تحتها، فلذلك ايضًا سلست
10
مفاصل خرزها بالقياس إلى مفاصل ما تحتها. ولان مايفوتها من الوثاقة بالسلاسة قد يرجع
11
إليها مثله او اكثر منه، من جهة ما يحيط بها، ويجرى عليها من العصب والعضل والعروق،
12
فيغنى ذلك عن تاكيد الوثاقة فى المفاصل. ولما قلت الحاجة إلى توثيق المفاصل،
13
وكفى المقدار المحتاج اليه بما فعل، لم يخلق زوائدها المفصلية الشاخصة إلى فوق
14
وإلى أسفل عظيمة كثيرة العرض، كما للواتى تحت العنق؛ بل جعلت قواعدها اطول،
15
ورباطاتها أسلس. وجعل مخارج العصب منها مشتركة على ما ذكرنا؛ إذ لم تحتمل كل
16
فقرة منها لرقتها وصغرها، وسعة مجرى النخاع فيها ثقبًا خاصة؛ إلا التى نستثنيها منها
17
ونبين حالها.
18
فنقول الآن: إن خرز العنق سبع بالعدد. فقد كان هذا المقدار معتدلًا فى العدد
19
والطول: فلكل واحدة منها، إلا الأولى، جميع الزوائد الاحدى عشر المذكورة، سنسنة
20
وجناحان، وأربع زوائد مفصلية شاخصة إلى فوق، واربع شاخصة إلى أسفل. وكل جناح
21
ذو شعبتين. ودائرة مخرج العصب ينقسم بين كل فقرتين بالنصف؛ لكن للخرزة الأولى والثانية
22
خواص ليست لغيرهما.
23
ويجب أن تعلم أولًا أن حركة الرأس يمنة ويسرة تلتئم بالمفصل الذى بين الرأس
24
وبين الفقرة الأولى، وحركته من قدام ومن خلف تلتئم بالمفصل الذى بينه وبين الفقرة
25
الثانية.
26
فيجب أن نتكلم أولًا فى المفصل الأول ونقول: انه قد خلق على شاخصتى الفقرة
27
الاولى من جانبها الى فوق، نقرتان تدخل فيهما زائدتان من عظم الرأس. فاذا ارتفعت
28
إحداهما وغارت الأخرى، مال الرأس إلى الغائرة، ولم يمكن أن يكون المفصل الثانى
29
على هذه الفقرة، فجعل له فقرة أخرى على حدة وهى الثانية. وأنبت من جانبها المقدم
1-73
1
الذى يلى الباطن، زائدة طويلة صلبة، تجوز وتنفذ فى ثقبة الأولى قدام النخاع. والثقبة
2
مشتركة بينهما، وهى أعنى الثقبة من خلف إلى قدام، أطول منها ما بين اليمين والشمال؛
3
وذلك لان فيما بين القدام والخلف نافذان، يأخذان من المكان فوق مكان النافذ الواحد.
4
وأما تقدير العرض فهو بحسب اكبر نافذ واحد منهما وهو النخاع، وهذه الزائدة تسمى السن.
5
وقد حجب النخاع عنها برباطات قوية، انبتت لتفرز ناحية السن من ناحية النخاع؛
6
ليلأ يشدخ السن النخاع بحركتها، ولا تضغطه. ثم إن هذه الزائدة تطلع من الفقرة
7
الاولى، وتغوص فى نقرة فى عظم الرأس، وتستدير عليها النقرة التى فى عظم الرأس، [وبها
8
حركة الراس] إلى قدام من خلف. وهذا السن إنما أنبت إلى قدام لمنفعتين:
9
احداهما ليكون أحرز لها. والثانية ليكون الجانب الأرق من الخرزة داخلًا لا خارجًا.
10
وخاصية الفقرة الأولى انها لا سنسنة لها؛ لئلا تثقلها؛ ولئلا تتعرض بسببها للآفات
11
فان الزائدة الدافعة عما هى أقوى، بعينها الجالبة للكسر والآفات إلى ما هو اضعف؛ وإيضًا
12
لئلا يشدخ العضل والعصب الكثير، الموضوع حولها، مع أن الحاجة هاهنا إلى شوك
13
واق قليلة. وذلك لأن هذه الفقرة كالغائصة المدفونة فى وقايات النائية عن منال الآفات.
14
ولهذه المعانى عريت عن <تضعيف> الاجنحة؛ وخصوصًا إذا كان العصب والعضل
15
اكثرها موضوعًا بحنبتيها وضعًا ضيقًا، لقربها من المبدأ، فلم يبق لتضعيف
16
الأجنحة مكان.
17
ومن خواص هذه الفقرة ان العصبة تخرج عنها لا عن جانبيها، ولا عن ثقبة مشتركة؛
18
ولكن عن ثقبتين فيها تليان جانبى أعلاها إلى خلف؛ لانه لو كان مخرج العصب حيث
19
تلتقم زائدتى الرأس "وحيث تكون" حركاتهما القوية، لتضرر بذلك ضررًا شديدًا.
20
وكذلك لو كان إلى حيث يلتقم الثانية لزائدتيها، اللتين تدخلان منها فى نقرتى الثانية بمفصل
21
سلس متحرك إلى قدام وخلف، ولم يصلح ايضًا أن يكون من خلف وقدام، للعلل
22
المذكورة فى بيان أمر سائر الخرز، ولا من الجانبين، لرقة العظم فيهما بسبب السن،
23
فلم يكن بد من أن يكون دون مفصل الرأس بيسير، وإلى خلف من الجانبين أعنى حيث
24
يكون وسطًا بين الخلف والجانب، ووجب ضرورة أن تكون الثقبتان صغيرتين، فوجب
25
ضرورة أن يكون العصب دقيقًا.
26
وأما الخرزة الثانية: فلما لم يمكن أن يكون مخرج العصب فيها من فوق حيث امكن
27
لهذه؛ إذ كان يخاف عليها، لو كان مخرج عصبها كما للاولى، أن يتشدخ ويترضض
28
بحركة الفقرة الأولى عليها؛ لتنكيس الرأس إلى قدام أو قلبه إلى خلف؛ ولا أمكن من
1-74
1
قدام وخلف لذلك، ولا امكن من الجانبين؛ وإلا لكان ذلك بشركة مع الأولى، ولكان
2
الثابت دقيقًا ضرورة لا يتلافى تقصير الأولى؛ ويكون الحاصل أزواجًا ضعيفة مجتمعة
3
معًا؛ و"لكان ايضًا ان'' يكون بشركة مع الأولى. واتضح عذر الأولى فى فساد الحال
4
تثقبت من الجانبين، وجب أن يكون الثقب فى الثانية فى جانبى السنسنة حيث يحاذى
5
ثقبتى الأولى، ويحتمل جرم الأولى المشاركة فيهما. والسن النابتة من الثانية مشدودة
6
مع الأولى برباط قوى. ومفصل الرأس مع الأولى، ومفصل الرأس والأولى معًا مع
7
الثانية أسلس من سائر مفاصل الفقار، لشدة الحاجة إلى الحركات التى تكون بهما،
8
وإلى كونهما بالغة ظاهرة. وإذا تحرك الرأس مع مفصل إحدى الفقرتين، صارت الثانية
9
ملازمة لمفصلها الآخر كالمتوحد، حتى إن تحرك الرأس إلى قدام وإلى خلف، صار
10
مع الفقرة الأولى كعظم واحد؛ وإن تحرك إلى الجانبين من غير تاريب، صارت الأولى
11
والثانية كعظم واحد. فهذا ما حضرنا من أمر فقار العنق وخواصها.
12
|11rb7|الفصل التاسع فى تشريح فقار الصدر ومنافعها
13
فقار الصدر هى التى تتصل بها الاضلاع، فتحوى اعضاء التنفس. وهى
14
احدى عشرة فقرة، ذات سناسن واجنحة، وفقرة لا جناحان لها؛ فذلك اثنتا عشرة
15
فقرة. وسناسنها غير متساوية؛ لان ما يلى منها الاعضاء التى هى اشرف هى اعظم واقوى.
16
واجنحة خرز الصدر اصلب من غيرها، لاتصال الاضلاع بها. والفقرات السبع
17
العالية منها سناسنها كبار، واجنحتها غلاظ؛ لتقى القلب وقاية بالغة. فلما ذهبت
18
جسومها فى ذلك، جعلت زوائدها المفصلية قصارًا عراضًا، وما دون العاشرة فان زوائدها المفصلية
19
الشاخصة الى فوق، هى التى فيها نقر الالتقام. والشاخصة الى اسفل، تشخص منها
20
الحدبات التى تتهندم فى النقر. وسناسنها تتحدب الى اسفل. واما العاشرة فان
21
سناسنها منتصبة مقببة. ولزوائدها المفصلية من كلا الجانبين نقر بلا لقم؛ فانها تلتقم
22
من فوق ومن تحت معًا. ثم ما تحت العاشرة، فان لقمها الى فوق، ونقرها الى اسفل.
23
وسناسنها تتحدب الى فوق. وسنذكر منافع جميع هذا بعد. وليس للفقرة الثانية عشر
24
اجنحة؛ اذ شدة الحاجة بسبب الاضلاع ناقصة. واما الوقاية فقد دبر لها وجه آخر، يجمع
25
الوقاية مع منفعة اخرى. وبيان ذلك: ان خرزات القطن احتيج فيها الى فضل عظم،
26
والى فضل وثاقة مفاصل لاقلالها ما فوقها. واحتيج الى ان يجعل النقر واللقم فى المفاصل
27
اكثر عددًا، فضوعف زوائد مفاصلها. واحتيج الى ان يجعل الجهة التى تليها من
28
الثانية عشر متشبهة بها، فضوعف زوائدها المفصلية؛ فذهب الشىء الذى كان يصلح
1-75
1
لان يصرف الى الجناح فى تلك الزوائد. ثم عرضت فضل تعريض، فكاد يشبه
2
ما استعرض منها الجناح، واجتمعت المنفعتان معًا فى هذه الخلقة. وهذه
3
الثانية عشر هى التى يتصل بها طرف الحجاب. فاما ما فوق هذه الخرزة،
4
فكان صغرها يغنى عن هذا الاستيثاق فى تكثير الزوائد المفصلية؛ بل عظم ما ينبت
5
منها من السناسن والاجنحة، فشغل جرمها عن ذلك. ولما كان خرز الصدر اعظم من خرز
6
العنق، لم يجعل الثقب المشتركة منقسمة بين الخرزتين على الاستواء؛ بل درج يسيرًا
7
يسيرًا، بأن زيد فى العالية، ونقص من السافلة، حتى بقيت الثقبة بتمامها فى واحدة،
8
ونهاية ذلك فى الخرزة العاشرة. واما باقى خرز الصدر وخرز القطن، فاحتمل جرمها
9
لان يتضمن الثقبة بتمامها، فكانت فى خرز القطن ثقبة يمنة وثقبة يسرة لخروج العصبة.
10
|11va10|الفصل العاشر فى تشريح فقرات القطن
11
وعلى فقرات القطن سناسن واجنحة عراض، وزوائدها المفصلية السافلة
12
تستعرض، فتشبه بالاجنحة الواقية. وهى خمس فقرات. والقطن مع العجز كالقاعدة
13
للصلب كله، وهو دعامة وحامل لعظم العانة،. ومنبت لاعصاب الرجل.
14
|11va18|القصل الحادى عشر فى تشريح العجز
15
عظام العجز ثلاثة، وهى اشد الفقرات تهندمًا، ووثاقة مفصل، واعرضها
16
اجنحة. والعصب انما يخرج عن ثقب فيها ليست على حقيقة الجانبين؛ لئلا يزحمها
17
مفصل الورك، بل ازول منه كثيرًا، وادخل الى قدام وخلف. وعظم العجز شبيهة
18
بعظام القطن.
19
|11va27|الفصل الثانى عشر فى تشريح العصعص
20
العصعص مؤلف من فقرات ثلث غضروفية، لا زوائد لها. ينبت العصب منها
21
عن ثقب مشتركة كما للرقبة لصغرها. واما الثالثة فيخرج عن طرفها عصب فرد.
22
|11va33|الفضل الثالث عشر كلام كالخاتمة فى منفعة الصلب
23
قد قلنا فى عظام الصلب كلامًا معتدلًا، فلنقل فى جملة الصلب قولًا جامعًا فنقول:ان
24
جملة الصلبْ كشىء واحد مخصوص بافضل الاشكال وهو المستدير؛ اذ هذا الشكل ابعد
25
الاشكال عن قبول آفات المصادمات، فلذلك تعقفت رؤس العالية الى اسفل، والسافلة
26
الى اعلى واجتمعت عند الواسطة وهى العاشرة؛ فلم تتعقف هذه الى احدى الجهتين؛
1-76
1
ليتهندم عليها التعقفان معًا. والعاشرة واسطة السناسن، لا فى العدد، بل فى الطول.
2
ولما كان الصلب قد يحتاج الى حركة الانثناء والانحناء نحوالجانبين، وذلك
3
بان تزول الواسطة الى ضد الجهة، ويميل ما فوقها وما تحتها نحو تلك الجهة؛ كان طرفى
4
الصلب يميلان الى الالتقاء، لم تخلق لها لقم بل نقر. ثم جعلت اللقم السفلانية والفوقانية
5
متجهة اليها. اما الفوقانية فنازلة؛ واما السفلانية فصاعدة، ليسهل زوالها الى ضد
6
جهة الميل. ويكون للفوقانية ان تنجذب الى اسفل، والسفلانية الى فوق.
7
|11vb2|الفصل الرابع عشر فى تشريح الاضلاع ومنافعها
8
الاضلاع وقاية لما تحيط به من آلات التنفس واعالى آلات الغذاء؛ ولم تجعل عظمًا
9
واحدًا؛ لئلا تثقل؛ ولئلا تعم آفة ان عرضت؛ وليسهل الابنساط اذا زادت الحاجة على ما فى
10
الطبع، اوامتلأت الاحشاء من الغذاء والنفخ، فاحتيج الى مكان اوسع للهواء المجتذب؛
11
وليتخللها عضل الصدر المعينة فى افعال التنفس وما يتصل به.
12
ولما كان الصدر يحيط بالرئة والقلب وما معهما من الاعضاء، وجب ان يحتاط
13
فى وقايتها اشد الاحتياط، فان تاثير الآفات العارضة لها اعظم. ومع ذلك فان تحصينها
14
من جميع الجهات لايضيق عليها ولا يضرها. فخلقت الاضلاع السبعة العلى مشتملة على
15
ما فيها، ملتقية عند القس محيطة بالعضو الرئيس من جميع الجوانب. واما ما يلى آلات
16
الغذاء فخلقت كالمحرزة من خلف، حيث لا تدركه حراسة حاسة البصر، ولم يتصل
17
من قدام، بل درجت يسيرًا يسيرًا فى الانقطاع. فكان اعلاها اقرب مسافة مابين اطرافها
18
البارزة، واسفلها ابعد مسافة. وذلك لتجمع الى وقاية اعضاء الغذاء من الكبد والطحال
19
وغير ذلك توسيعًا لمكان المعدة، فلا تنضغط عند امتلائها من الاغذية والنفخ.
20
فالاضلاع السبعة العلى تسمى اضلاع الصدر، وهى من كل جانب سبعة. والوسطيان
21
منها اكبر واطول والاطراف اقصر؛ فان هذا الشكل احوط فى الاشتمال من الجهات
22
على المشتمل عليه. وهذه الاضلاع تميل اولًا على احديدابها الى اسفل، ثم تكر
23
كالمتراجعة الى فوق، فتصل بالقس على ما نصفه بعد، حتى يكون استمالها اوسع مكانًا.
24
ويدخل من كل واحد منها زائدتان فى نقرتين غايرتين فى كل جناح على الفقرات،
25
فيحدث مفصل مضاعف. وكذلك السبعة العلى مع عظام القس.
26
واما الخمسة المتقاصرة الباقية فانها "ضلوع" الخلف، واضلاع الزور.
27
وخلقت رؤسها متصلة بغضاريف؛ لتأمن الانكسار عند المصادمات؛ ولئلا تلاقى الاعضاء
1-77
1
اللينة والحجاب بصلابتها، بل تلاقيها بجرم متوسط بينها وبين الاعضاء اللينة فى الصلابة
2
واللين.
3
|11vb58|الفصل الخامس عشر فى تشريح القس
4
القس مؤلف من عظام سبعة. ولم يخلق عظمًا واحدًا لمثل ما عرف فى سائر المواضع
5
من المنفعة، وليكون اسلس فى مساعدة ما يطيف به من اعضاء التنفس فى الانبساط. فلذلك
6
خلقت هشة موصولة بغضاريف. تعين فى الحركة الخفية التى لها، وان كانت مفاصلها
7
موثقة. وقد خلقت سبعة بعدد الاضلاع الملتصقة بها. ويتصل باسفل القس عظم غضروفى
8
عريض طرفه الاسفل الى الاستدارة، يسمى الخنجرى، لمشابهة الخنجر، وهو وقاية لفم
9
المعدة، وواسطة بين القس والاعضاء اللينة، ليحسن اتصال الصلب باللين على ما قلنا مرارًا.
10
|12ra16|الفصل السادس عشر فى تشريح الترقوة
11
الترقوة عظم موضوع على كل واحد من جابنى اعلا القس، يخلى عند النحر
12
بتقعيره فرجة. تنفذ فيها العروق الصاعدة الى الدماغ والعصب النازل منه، ويميل الى
13
الجانب الوحشى، ويتصل برأس الكتف، فيرتبط به الكتف وبهما جميعا العضد.
14
|12ra25|الفصل السابع عشر فى تشريح الكتف
15
الكتف خلق لمنفعتين: احداهما لان يعلق منه العضد واليد، فلا يكون العضد
16
ملتصقًا بالصدر، فتفقد سلاسة حركة كل واحدة من اليدين الى الاخرى ويضيق؛
17
خلق بريئًا من الاضلاع، ووسع له جهات الحركات.
18
والثانية لتكون وقاية حريزة للاعضاء المحصورة فى الصدر؛ وتقوم بدل سناسن
19
الفقرات واجنحتها، حيث لا فقرات تقاوم المصادمات ولا حواس تشعر بها. والكتف
20
تستدق من الجانب الوحشى وتغلظ [من الجانب الانسى]، فتحدث على طرفه الوحشى
21
نقرة غير غايرة، فيدخل فيها طرف العضد المدور. ولها زائدتان: احداهما الى فوق
22
ومن خلف، ويسمى الاخرم ومنقار الغراب؛ وبها رباط الكتف مع الترقوة، وهى
23
التى تمنع عن انخلاع العضد الى فوق. والاخرى من داخل والى اسفل، يمنع ايضًا
24
راس العضد عن الانخلاع. ثم لا تزال تستعرض كلما امعنت فى الجهة الانسية، ليكون
25
اشتمالها الوافى اكثر. وعلى ظهرها زائدة كالمثلث، قاعدته الى الجانب الوحشى
26
وزاويته الى الانسى، حتى لا يختل تسطح الظهر؛ اذ لو كانت القاعدة الى الانسى، لشالت
27
الجلد وآلمت عند المصادمات. وهذه الزيادة بمنزلة السنسنة للفقرات مخلوقة للوقاية،
1-78
1
ويسمى عير الكتف. ونهاية استعراض الكتف عند الغضروف، الذى يتصل بها مستدية
2
الطرف. واتصاله بها للعلة المذكورة فى سائر الغضاريف.
3
|12rb2|الفصل الثامن عشر فى تشريح العضد
4
عظم العضد خلق مستديرًا، ليكون ابعد عن قبول الآفات. وطرفه الاعلى محدب،
5
يد خل فى نقرة الكتف بمفصل رخو غير وثيق جدًا. وبسبب رخاوة هذا المفصل يعرض
6
له الخلع كثيرًا. والمنفعة فى هذا الرخاوة امران: حاجة وامان. اما الحاجة فسلاسة الحركة
7
فى الجهات كلها. واما الامان فلان العضد وان كان محتاجًا الى التمكن من حركات
8
شتى الى جهات شتى، فليست هذه الحركات تكثر عليه وتدوم، حتى يخاف انهتاك
9
اربطته وتخلعها؛ بل العضد فى اكثر الاحوال ساكن وسائر اليد متحرك؛ ولذلك
10
اوثقت سائر المفاصل اشد من ايثاق العضد.
11
ومفصل العضد تضمه اربطة اربعة: احدها مستعرض غشائى محيط بالمفصل،
12
كما فى سائر المفاصل. ورباطان نازلان من الاخرم: احدهما مستعرض الطرف يشتمل
13
على طرف العضد. والثانى اعظم واصلب ينزل مع رابع، ينزل ايضًا من الزائدة المنقارية
14
فى حز معد لهما. وشكلهما الى العرض ما هو خصوصًا عند مماسة العضد. ومن شانهما
15
ان يستبطنا العضد، فيتصلا بالعضل المنضودة على باطنه. والعضد مقعر الى الانسى،
16
محدب الى الوحشى؛ ليكنّ بذلك ما ينضد عليه من العضل، والعصب، والعروق؛
17
وليجود تأبط ما يتابطه الانسان؛ وليجود اقبال احدى اليدين على الاخرى.
18
واما طرف العضد السافل فانه قد ركب عليه زائدتان متلاصقتان، و"التى تلى"
19
الباطن منهما اطول وادق، ولا مفصل له مع شىء؛ بل هى وقاية لعصب وعروق.
20
واما "التى تلى" الظاهر فيتم بها مفصل المرفق [بنقرة فى الزند الأعلى و] بلقمة فيها
21
على الصفة التى نذكرها. وبينهما لا محالة حز؛ فى طرفى ذلك الحز نقرتان من فوق الى
22
قدام ومن تحت الى خلف. والنقرة الانسية الفوقانية منهما مسواة مملسة لا حاجز عليها.
23
والنقرة الوحشية هى الكبرى منهما، وما يلى منهما النقرة الانسية غير مملس ولا مستدير الحفر؛
24
بل كالجدار المستقيم، حتى اذا تحرك فيه زائدة الساعد الى الجانب الوحشى ووصل
25
اليه وقف. وسنورد بيان الحاجة اليهما عن قريب. وابقراط يسمى هاتين النقرتين
26
عتبتين.
1-79
1
|12rb54|الفصل التاسع عشر فى تشريح الساعد
2
الساعد مؤلف من عظمين متلاصقين طولًا، ويسميان الزندين. والفوقانى
3
الذى يلى الابهام منهما ادق، ويسمى الزند الاعلى. والسفلانى الذى يلى الخنصر منهما
4
اغلظ؛ لانه حامل، ويسمى الزنذ الاسفل. ومنفعة الزند الاعلى ان تكون به حركة
5
الساعد الى الالتواء والانبطاح. ومنفعة الزند الاسفل ان تكون به حركة الساعد
6
للانقباض والانبساط. ودقق الوسط لكل واحد منهما، لاستغنائه بما يحفه من العضل
7
الغليظة عن الغلظ المثقل. وغلظ طرفاهما لحاجتهما الى كثرة نبات الروابط عنهما.
8
لكثرة ما يلحقهما من المصاكات [والمصادمات] العنيفة عند حركات المفاصل.
9
وتعريهما عن اللحم والعضل.
10
والزند الاعلى معوج كانه ياخذ من الجهة الانسية، وينحرف يسيرًا الى الوحشية
11
ملتويًا. والمنفعة فى ذلك حسن استعداده لحركة الالتواء. والزند الاسفل مستقيم؛
12
اذ كان ذلك اصلح للانبساط والانقباض.
13
|12va20|الفصل العشرون فى تشريح مفصل المرفق
14
واما مفصل المرفق فانه يلتئم من مفصل الزند الاعلى، ومفصل الزند
15
الاسفل مع العضد. والزند الاعلى فى طرفه نقرة مهندمة، فيها لقمة من الطرف
16
الوحشى من العضد، ويرتبط فيها؛ وبدورانها فى تلك النقرة تحدث الحركة المنبطحة والملتوية.
17
واما الزند الاسفل فله زائدتان، بينهما حز شبيه بكتابة السين فى كتابة اليونانيين وهى
18
هكذا. وهذا الحز محدب السطح الذى فى تقعيره، ليتهندم فى الحز الذى
19
على طرف العضد الذى هو مقعر؛ الا ان شكل قعره شبيه بحدبة دائرة. فمن تهندم الحز
20
الذى بين زائدتى [الزند الاسفل فى ذلك الحز يلتئم مفصل المرفق. فاذا تحرك] الحز
21
على الحز الى خلف وتحت، انبسطت اليد. فاذا اعترض الحز الجدارى من النقرة الحابسة
22
للقمة، حبسها ومنعها عن زيادة انبساط، فوقف العضد والساعد على الاستقامة. واذا
23
تحرك احد الحزين على الآخر الى قدام وفوق، انقبضت اليد <اليه>، حتى يماس
24
الساعد العضد من الجانب الانسى والقدام.
25
وطرفا الزندين من اسفل يجتمعان معًا [كشىء واحد، وتحدث فيهما نقرة واسعة
26
مشتركة]، اكثرها فى الزند الاسفل. وما يفضل عن الانتقار، يبقى محدبًا مملسًا،
27
ليبعد عن منال الآفات. وينبت خلف النقرة من الزند الاسفل زائدة الى الطول ماهى،
28
وسنتكلم فى منفعتها كلها.
1-80
1
|12va54|الفصل الحادى والعشرون فى تشريح الرسغ
2
الرسغ مؤلف من عظام [كثيرة لئلا تعمه آفة ان وقعت . وعظام الرسغ]سبعة ، و واحد زائد . اما السبعة الاصلية : فهي في صفين ، صف
3
صفين، صف
4
يلى الساعد، وعظامه ثلثة؛ لانه يلى الساعد، فكان يجب ان يكون ادق.
5
وعظام الصف الثانى اربعة: لانه يلى المشط والاصابع، فكان يجب ان يكون
6
اعرض. وقد درجت العظام الثلثة، فرؤسها التى تلى الساعد ادق واشد تهندمًا واتصالًا؛
7
و رؤسها التى تلى الصف الآخر اعرض واقل تهندمًا واتصالًا. واما العظم الثامن
8
فليس مما يقوم صفى الرسغ؛ بل خلق لوقاية عصبة تاتى الكف. والصف الثلاثى يحصل
9
له طرف من اجتماع رؤس عظامه، فيدخل فى النقرة التى ذكرناها فى طرفى الزندين،
10
فيحصل من ذلك مفصل الانبساط والانقباض. والزائدة المذكورة في الزند الاسفل
11
تدخل فى نقرة من العظم الذى يليها من عظام الرسغ، فيكون به مفصل الالتواء
12
والانبطاح.
13
|12vb29|الفصل الثاني والعشرون في تشريح الكف
14
[مشط] الكف مؤلف من عظام كثيرة؛ لئلا تعمه آفة ان وقعت؛ وليمكن فيها
15
تقعير الكف "اذا احتيج الى القبض على الاحجام المستديرات ، والى" ضبط
16
السيالات بالكف. وهذه العظام موثقة المفاصل، مشدود بعضها ببعض؛ لئلا يتشتت
17
فتضعف عند ضبط الكف لما يحويه ويحبسه، حتى لوكشطت جلدة الكف، لوجدت
18
هذه العظام كانها متصلة تبعد فصولها عن الحس. ومع ذلك فان الربط يشد بعضها
19
الى بعض شدًا وثيقًا؛ الا ان فيها مطاوعة، ليسير انقباض يودى إلى تقعير باطن الكف.
20
وعظام المشط اربعة: لانها تتصل باصابع اربعة. وهى متقاربة من الجانب الذى
21
يلى الرسغ؛ ليحسن اتصالها بعظام كالملتصقة المتصلة، ويتفرج يسيرًا فى جهة الاصابع،
22
ليحسن اتصالها بعظام منفرجة متباينة، وقد قعرت من باطن لما عرفته. ومفصل الرسغ
23
مع المشط يلتئم بنقر فى اطراف عظام الرسغ، يدخلها لقم من عظام المشط قد البست
24
غضاريف..
25
|12vb41|الفصل الثالث والعشرون فى تشريح الاصابع
26
الاصابع آلات تعين فى القبض على الاشياء. ولم تخلق لحمية خالية من
27
العظام، وان كان قد يمكن مع ذلك اختلاف الحركات، كما لكثير من الدود والسمك
1-81
1
امكانًا واهنًا. وذلك لئلا تكون افعالها واهنة، وتضعف مثل ما يكون للمرتعشين. ولم
2
تخلق من عظم واحد؛ لئلا تكون افعالها متعسرة، كما يعرض للمكزوزين. واقتصر على
3
عظام ثلثة؛ لانه ان زيد فى عددها، وافاد ذلك زيادة عدد حركات لها، اورث ذلك
4
لا محالة وهنًا وضعفًا فى ضبط ما يحتاج اليه فى ضبطه الى زيادة وثاقة. وكذلك لو
5
خلقت من اقل من ثلثة، مثل ان تخلق من عظمين، كانت الوثاقة تزداد، والحركات
6
تنقص عن الكفاية، وكانت الحاجة فيها الى التصرف المتفنن بالحركات المختلفة امس
7
منها الى الوثاقة المجاوزة للحد.
8
وخلقت من عظام قواعدها اعرض، ورؤسها ادق، والسفلانية منها اعظم على
9
التدريج حتى ان ادق ما فيها اطراف الانامل؛ وذلك ليحسن نسبة ما بين الحامل الى
10
المحمول. وخلق عظامها مستديرة لتوقى الآفات. وصلبت واعدمت التجويف والمخ،
11
ليكون اقوى على الثبات فى الحركات، وفى القبض، والجر. وخلقت مقعرة الباطن،
12
محدبة الظاهر؛ ليجود ضبطها لما تقبض عليه، ودلكها وغمزها لما تدلكه وتغمزه.
13
ولم يجعل لبعضها عند بعض تقعير، او تحديب، ليحسن اتصالها كالشئى الواحد اذا احتيج
14
الى ان يحصل منها منفعة عظم واحد؛ ولكن للاطراف الخارجة منها، كالابهام والخنصر،
15
تحديبًا فى الجنبة التى لا يلقاها منها اصبع؛ ليكون لجملتها عند الانضمام شبيه هيئة
16
الاستدارة التى تقى من الآفات. وجعل باطنها لحميًا، ليدعمها فتطامن تحت الملاقيات
17
بالقبض. ولم تجعل كذلك من خارج؛ لئلا يثقل؛ وليكون الجمع سلاحًا موجعًا.
18
ووفرت لحوم الانامل لتتهندم جيدًا عند الالتقاء كالمتلاصق. وجعلت الوسطى
19
اطول مفاصل، ثم البنصر، ثم السبابة، ثم الخنصر، حتى تستوى اطرافها عند القبض،
20
ولا يبقى فرجة؛ ومع ذلك لتنقعر الاصابع والراحة على المقبوض عليه المستدير.
21
والابهام عدل لجميع الاصابع الاربع. ولو وضع فى غير موضعه لبطلت منفعته.
22
وذلك لانه لو وضع فى باطن الراحة، عدمنا اكثر الافعال التى لنا بالراحة. ولو
23
وضع الى جانب الخنصر، لما كانت اليدان كل واحدة منهما مقبلة على الاخرى فيما يجتمعان
24
عليه عند القبض؛ وابعد من هذا ان لو وضعت من خلف، ولم يرتبط الابهام بالمشط؛
25
لئلا يضيق البعد بينها وبين سائر الاصابع. فاذا اشتملت الاربع من جهة على شىء،
26
وقاومها الابهام من جانب آخر، امكن ان يشتمل الكف على شئى عظيم.
27
والابهام من وجه آخر كالضمام على ما يقبض عليه الكف ويخفيه. والخنصر
28
والبنصر كالغطاء من تحت. ووصلت سلاميات الاصابع كلها بحروف ونقر متداخلة،
29
بينها رطوبة لزجة [ليدوم بها الابتلال فلا يجف بالحركة] ويشتمل على مفاصلها اربطة قوية،
1-82
1
ويتلاقى باغشية غضروفية، ويحشو الفرج فى مفاصلها، لزيادة الاستيثاق، عظام صغار،
2
تسمى سمسمانية.
3
|13ra53|الفصل الرابع والعشرون فى منفعة الظفر
4
الظفر خلق لمنافع اربع: [احداها] ليكون سندًا للانملة، فلا تهن عند الشد على الشىء.
5
والثانية ليتمكن بها الاصبع من لقط الاشياء الصغيرة. والثالثة ليمتكن بها من الحك والتنقية. والرابعة
6
ليكون سلاحًا فى بعض الاوقات. والثلثة الاول اولى بنوع الانسان، والرابعة بالحيوانات
7
الاخرى. وخلق الظفر مستدير الطرف لما يعرف؛ وخلقت من عظام لينة <الانعطاف>،
8
ليتطأ من تحت ما يصاكها، فلا ينصدع؛ وخلقت دائمة النشء؛ اذ كانت تعرض
9
الانحكاك والانجراد.
10
|13rb9|الفصل الخامس والعشرون فى تشريح العانة
11
ان عند العجز عظمين يمنة ويسرة، يتصلان فى الوسط بمفصل موثق، وهما
12
كالاساس لجميع العظام الفوقانية، والحامل الناقل للسفلانية. وكل واحد منهما ينقسم
13
الى اربعة اجزاء: فالذى يلى الجانب الوحشى يسمى الحرقفة، وعظم الخاصرة. والذى
14
يلى القدام يسمى عظم العانة. والذى يلى الخلف يسمى عظم الورك. والذى يلى الاسفل
15
الانسى يسمى حق الفخذ؛ لان فيه التقعير الذى يدخل فيه راس الفخذ المحدب؛
16
وقد وضع على هذا العظم اعضاء شريفة، مثل المثانة، والرحم، واوعية المنى من
17
الذكران، والمقعدة، والسرم.
18
|13rb24|الفصل السادس والعشرون كلام مجمل فى منفعة الرجل
19
ان منفعتها فى شيئين: احدهما الثبات والقوام، وذلك بالقدم. والثانى الانتقال
20
مستويًا، وصاعدًا، ونازلأ، وذلك بالفخذ والساق. واذا اصاب القدم آفة،
21
عسر القوام والثبات دون الانتقال؛ الا بمقدار ما يحتاج اليه الانتقال من فضل ثبات
22
يكون لاحدى الرجلين. واذا اصاب عضل الفخذ والساق آفة، سهل الثبات
23
وعسر الانتقال.
24
|13rb34|الفصل السابع والعشرون فى تشريح عظم الفخذ
25
واول عظام الرجل عظم الفخذ، وهو اعظم عظم فى البدن؛ لانه حامل لما فوقه،
26
ناقل لما تحته، وقبب طرفه العالى، ليتهندم فى حق الورك. وهو محدب الى الوحشى
1-83
1
[وقدام] مقصع مقعر الى الانسى وخلف؛ فانه لو وضع على استقامة وموازاة الحق،
2
لحدث نوع من الفحج، كما يعرض لمن خلقته كذلك؛ ولم يحسن وقايته العضل
3
الكبار والعصب والعروق؛ ولم يحدث من الجملة شىء مستقيم؛ ولم تحسن هئية الجلوس.
4
ثم لو لم يرد ثانيًا الى الجهة الانسية، لعرض فحج من نوع آخر، ولم يكن للقوام واسطة
5
اليها، وعنها الميل، فلم يعتدل. وفى طرفه الاسفل زائدتان لاجل مفصل الركبة.
6
ولنتكلم اولًا على الساق ثم على المفصل.
7
|13rb58|الفصل الثامن والعشرون فى تشريح عظم الساق
8
الساق كالساعد مؤلف من عظمين: احدهما اكبر واطول وهو الانسى،
9
ويسمى القصبة الكبرى. والثانى اصغر واقصر، لا يلاقى الفخذ، بل يقصر دونه؛
10
إلا انه من اسفل ينتهى الى حيث ينتهى اليه الاكبر، ويسمى القصبة الصغرى.
11
وللساق ايضًا تحدب الى <الجانب> الوحشى؛ ثم عند الطرف الاسفل تحدب آخر الى
12
الانسى، ليحسن به القوام ويعتدل. والقصبة الكبرى، وهى الساق بالحقيقة، قد خلقت
13
اصغر من الفخذ؛ وذلك انه لما اجتمع لها موجبًا الزيادة فى الكبر، وهو الثبات
14
وحمل ما فوقها، والزيادة فى الصغر، وهو الخفة للحركة.
15
وكان الموجب الثانى اولى بالغرض المقصود فى الساق، فخلق اصغر؛ والموجب الاول
16
اولى بالغرض المقصود فى الفخذ، فخلق اعظم. واعطى الساق قدرًا معتدلًا حتى لو
17
زيد عظمًا، عرض من عسر الحركة، كما يعرض لصاحب داء الفيل والدوالى؛ ولو انتقص،
18
عرض من الضعف، وعسر الحركة، والعجز عن حمل ما فوقة، ما يعرض لدقاق السوق
19
فى الخلقة. ومع هذا كله فقد دعم وقوى بالقصبة الصغرى. وللقصبة الصغرى منافع
20
اخرى؛ مثل ستر العصب، والعروق بينهما، ومشاركة القصبة الكبرى فى مفصل القدم،
21
ليتاكد ويقوى مفصل الانبساط والانثناء.
22
|13va30|الفصل التاسع والعشرون فى تشريح [مفصل] الركبة
23
ويحدث مفصل الركبة بدخول الزائدتين، اللتين على طرف الفخذ فى نقرتين
24
فى [طرف] عظم الساق؛ وقد وثقتا برباط ملتف، ورباط شاد فى الغور،
25
ورباطين من الجانبين قويين. وهندم مقدمهما بالرصفة، وهى عين الركبة،
26
وهو عظم الى الاستدارة ما هو. ومنفعته مقاومة ما يتوقى عند الجثو، وجلسة
1-84
1
التعلق من الانتهاك والانخلاع. ودعم المفصل الممنو بثقل البدن بحركته.
2
وجعل موضعه الى قدام؛ لان اكثر ما يلحقه من عنف الانعطاف يكون الى
3
قدام؛ اذ ليس له الى خلف انعطاف عنيف. واما إلى الجانبين فانعطافه
4
شىء يسير؛ بل جل انعطافه الى قدام. وهناك يلحقه العنف عند النهوض والجثو وما
5
اشبه ذلك.
6
|13va52|الفصل الثلثون فى تشريح القدم
7
واما القدم فقد خلق آلة للثبات. وجعل شكله <شكلًا> مطاولًا الى قدام،
8
ليعين على الانتصاب بالاعتماد عليه. وخلق له اخمص يلى الجانب الانسى؛ ليكون ميل
9
القدم عند الانتصاب، وخصوصًا لدى المشى، هو الى الجهة المضادة لجهة
10
الرجل المشيلة، ليقاوم بما يجب ان يشتد من الاعتماد على جهة استقلال الرجل
11
المشيلة للثقل فيعتدل القوام. وايضًا ليكون الوطى على الاشياء الناتية متاتيًا من
12
غير ايلام شديد؛ وليحسن امتساك القدم على ما يشبه الدرج وحروف المصاعد.
13
وقد خلقت القدم مولفة من عظام كثيرة لمنافع: منها حسن الامتساك والاشتمال
14
على الموطؤ عليه من الارض اذا احتيج اليه؛ فان القدم قد يمسك الموطؤ كالكف يمسك
15
المقبوض. واذا كان المستمسك يتهيأ ان يتحرك باجزائه الى هيئة <واحدة> يجودبها
16
الامساك، كان احسن من ان يكون قطعة واحدة، لا يتشكل بشكل بعد شكل. ومنها
17
المنفعة المشتركة لكل ما كثر عظامه.
18
وعظام القدم ستة وعشرون: كعب به يكمل المفصل مع الساق. وعقب
19
به عمدة الثيات. وزورقى به الاخمص. واربعة عظام الرسغ، بها تتصل بالمشط.
20
وواحد منها عظم نردى كالمسدس، موضوع الى الجانب الوحشى، وبه يحسن ثبات
21
ذلك الجانب على الارض. وخمسة عظام المشط.
22
واما الكعب فان الانسانى منه اشد تكعبًا من كعوب سائر الحيوان؛ وكانه اشرف
23
عظام القدم النافعة فى الحركة، كما ان العقب اشرف عظام الرجل النافعة فى الثبات. والكعب
24
موضوع بين الطرفين، الناتيين من القصبتين، يحتويان عليه من جوانبه: اعنى من اعلاه،
25
وقفاه، وجانبيه الوحشى والانسى، ويدخل طرفاه فى العقب فى نقرتين دخول ركز. والكعب
26
واسطة بين الساق والعقب، به يحسن اتصالهما، ويتوثق المفصل بينهما، ويومن عليه
27
الاضطراب. وهو موضوع فى الوسط بالحقيقة، وان كان قد يظن بسبب الاخمص انه
28
منحرف الى الوحشى. والكعب يرتبط به العظم الزورقى من قدام ارتباطًا مفصليًا. وهذا
1-85
1
الزورقى متصل بالعقب من خلف ومن قدام بثلثة من عظام الرسغ، ومن الجانب الوحشى
2
بالعظم النردى، الذى ان شئت اعتددت به عظمًا مفردًا،ر وان شئت جعلته رابع عظام الرسغ.
3
واما العقب فهو موضوع تحت الكعب، صلب مستديرالى خلف، ليقاوم المصاكات
4
والآفات، مملس الاسفل، ليحسن استواء الوطى وانطباق القدم على المستقر
5
عند القيام. وخلق مقداره الى العظم ليستقل بحمل البدن. وخلق مثلثًا الى الاستطالة،
6
يدق يسيرًا يسيرًا حتى ينتهى ويضمحل عند الاخمص الى الوحشى؛ ليكون تقعير الاخمص
7
مندرجًا من خلف الى متوسطه.
8
واما الرسغ فيخالف رسغ الكف بانه صف واحد، وذاك صفان؛ ولان عظامه
9
اقل عددًا بكثير. والسبب فى ذلك ان الحاجة فى الكف الى الحركة والاشتمال اكثر
10
منها فى القدم؛ اذ أكثر المنفعة فى القدم هى الثبات؛ ولان كثرة الاجزاء والمفاصل
11
تضر فى الاستمساك والاشتمال على المقوم عليه، بما يحصل له من الاسترخاء والانفراج
12
المفرط؛ كما ان عدم الخلخلة اصلًا يضر فى ذلك، مما يفوت به من الانبساط المعتدل
13
الملائم. فقد علم ان الاحتواء مع الاشتمال بما هو اكثر عددًا واصغر مقدارًا اوفق،
14
والاستقلال بما هو اقل عددًا واعظم مقدارًا اوفق.
15
واما مشط القدم فقد خلق من عظام خمسة، ليتصل بكل واحد منها واحدة من
16
الاصابع؛ اذ كانت <الاصابع> خمسة منضدة فى صف واحد، اذ كانت [الحاجة]
17
فيها الى الوثاقة اشد منها الى القبض والاشتمال، المقصودين فى اصابع الكف. وكل
18
اصبع سوى الابهام فهو من ثلثة سلاميات. واما الابهام فانها من سلاميتين. فقد قلنا
19
اذًا فى العظام مافيه كفاية.
20
فجميع هذه العظام اذا عدت تكون مأتين وثمانية واربعين [عظمًا]، سوى
21
السمسمانيات، وسوى العظم الشبيه باللام الذى لليونانيين. تم الكلام فى العظام.
22
|14ra24|الجملة الثانية
23
من التعليم الخامس [فى العضل]
24
[وهى ثلاثون فصلًا]
25
|14ra25|الفصل الاول وهو كلام كلى فى العصب والعضل والوتر والرباط
26
لما كانت الحركة الارادية انما تتم للاعضاء بقوة تفيض اليها من الدماغ بوساطة العصب،
27
وكان العصب لا يحسن اتصاله بالعظام، التى هى بالحقيقة اصول للاعضاء المتحركة فى الحركة
1-86
1
بالقصد الاول؛ اذ كانت العظام صلبة، والعصب لطيفًا، تلطف الخالق، فانبت من
2
العظام "شيئًا شبيهًا" بالعصب، يسمى عقبًا ورباطًا؛ فجمعه مع العصب، وشكبه به كشىء
3
واحد. ولما كان الجرم الملتئم من العصب والرباط على كل حال دقيقًا؛ اذ كان العصب
4
لا يبلغ زيادة حجمه واصلًا الى الاعضاء [على حجمه فى منبته وغلظه] مبلغًا يعتد به،
5
وكان حجمه عند منبته بحيث يحتمله جرم الدماغ والنخاع، وحجم الراس، ومخارج
6
العصب، فلو أسند الى العصب تحريك الاعضاء، وهو على حجمه الممكن، وخصوصًا
7
عندما يتوزع، وينقسم، وينشعب فى الاعضاء، ويصير حصة العظم الواحد ادق كثيرًا
8
من الاصل عند ما يتباعد عن مبدأه ومنبته، لكان فى ذلك فساد ظاهر. فدبر الخالق
9
بحكمته أن افاده غلظًا بتنفيش الجرم الملتئم منه، ومن الرباط ليفًا، وملأ خلله لحمًا،
10
وتغشيته غشاء، وتوسيطه عمودًا، كالمحور من جوهر العصب، يكون جملة ذلك عضو
11
مؤلفًا من العصب والعقب، وليفهما، واللحم الحاشى، والغشاء المجلل. وهذا العضو
12
هو العضلة، وهى التى اذا تقلصت، جذبت الوتر الملتئم من الرباط والعصب النافذ
13
منها الى جانب العضو، فتشنج فجذب العضو؛ واذا انبسطت، استرخى الوتر فتباعد العضو.
14
|14rb8|الفصل الثانى فى تشريح عضل الوجه
15
من المعلوم أن عضل الوجه هى على عدد الاعضاء المتحركة فى الوجه.
16
[والاعضاء المتحركة فى الوجه]: هى الجبهة، والمقلتان، والجفنان العاليان،
17
والخدان بشركة من الشفتين، والشفتان وحدهما، وطرفا الارنبتين، والفك الاسفل.
18
|14rb17|"الفصل الثالث فى تشريح عضل الجبهة"
19
اما الجبهة فيتحرك بعضلة دقيقة مستعرضة غشائية، تنبسط تحت جلدة الجبهة،
20
وتختلط به جدًا، حتى تكاد أن تكون جزأ من قوام الجلد؛ فيمتنع كشطه عنها،
21
وتلاقى العضو المتحرك عنها بلا وتر؛ اذ كان المتحرك عنها جلدًا عريضًا خفيفًا،
22
ولايحسن تحريك مثله بالوتر. وبحركة هذه العضلة يرتفع الحاجبان؛ وقد تعين العين
23
فى التغميض باسترخائها وانسبالها.
24
|14rb29|الفصل الرابع فى تشريح عضل المقلة
25
واما العضل المحركة للمقلة فهى عضل ست: اربع منها فى جوانبها الاربع
26
فوق واسفل، والماقين. كل [واحدة] منها تحرك الى جهتها. وعضلتان الى التوريب
1-87
1
ما هما تحركان الى الاستدارة؛ ووراء المقلة عضل تدعم العصبة المجوفة التى نذكر شانها
2
بعد، لتشبُّثها بها، وبما معها، فيقلها ويمنعها الاسترخاء المجحظ، ويضبطها عند
3
التحديق. وهذه العضلة قد عرض لاغشيتها الرباطية من التشعب ما شكك فى امرها.
4
فهى عند بعض المشرحين عضلة واحدة، وعند بعضهم عضلتان، وعند بعضهم ثلث،
5
وعلى كل حال فرأسها راس واحد.
6
|14rb46|الفصل الخامس فى تشريح عضل الجفن
7
واما الجفن فلما كان الاسفل منه غير محتاج الى الحركة؛ اذ الغرض يتاتى ويتم
8
بحركة الاعلى وحده، فيكمل به التغميض والتحديق. وعناية الله مصروفة الى تقليل
9
الآلات ما امكن اذا لم تخل؛ اذ فى التكثير من الآفات ما تعرف، فانه وان كان
10
قد يمكن ان يكون الجفن الاعلى ساكنًا، والاسفل متحركًا؛ لكن عناية الصانع مصروفة
11
الى تقريب الافعال من مباديها، والى توجيه الاسباب الى غاياتها على اعدل طريق،
12
واقوم منهاج.
13
والجفن الاعلى اقرب الى منبت الاعصاب. والعصب اذا سلك اليه لم يحتج
14
الى انعطاف وانقلاب. ولما كان الجفن الاعلى يحتاج الى حركتى الارتفاع عند فتح
15
الطرف، والانحدار عند التغميض، وكان التغميض يحتاج الى عضلة جاذبة الى اسفل؛
16
لم يكن بد من [أن] يأتيها العصب منحرفًا الى اسفل، فمرتفعًا "الى فوق". و
17
كان حينئذ لا يخلو ان كانت واحدة من ان يتصل اما بطرف الجفن، واما بوسط الجفن.
18
ولو اتصلت بوسط الجفن، لغطت الحدقة صاعدة اليه. ولو اتصلت بطرف الجفن،
19
لم يتصل الا بطرف واحد؛ فلم يحسن اطباق الجفن على الاعتدال، بل كان بتوريب؛
20
فيشتد التغميض فى الجهة التى تلاقى الوتر اولأ، ويضعف فى الجهة الاخرى؛ ولم يكن
21
يستوى الانطباق، بل كان يشاكل انطباق جفن الملقو. فلم يخلق عضلة واحدة؛
22
بل عضلتان تاتيان من جهة الموقين، يجتذبان الجفن الى اسفل جذبًا متشابهًا.
23
واما فتح الجفن فقد كان يكفيه عضلة تاتى وسط الجفن، فينبسط طرف وترها
24
على حرف الجفن. فاذا تشنجت فتحت. فخلقت لذلك واحدة، تنزل على الاستقامة
25
بين الغشائين، فيتصل مستعرضة بجرم شبيه بالغضروف، منفرش تحت منبت الهدب.
26
|14va28|الفصل السادس فى تشريح عضل الخد
27
الخد له حركتان: احداهما تابعة لحركلة الفك الاسفل، والثانية بشركة الشفة.
28
والحركة التى له تابعة لحركة عضو آخر، فسببها عضل ذلك العضو. والحركة التى
1-88
1
له بشركة عضو آخر، فسببها عضلة هى له، ولذلك العضو بالشركة. وهذه العضلة
2
واحدة فى كل وجنة عريضة، وبهذا الاسم تعرف.
3
وكل واحدة منهما مركبة من اربعة اجزاء؛ اذ كان الليف ياتيها من اربعة مواضع:
4
احدها منشأه من الترقوة، وتتصل نهاياتها بطرفى الشفتين الى اسفل، ويجذب الفم الى
5
اسفل جذبًا موربًا. والثانى منشأه من القس والترقوة من الجانبين، ويستمر ليفها على الوراب.
6
والناشى من اليمين يقاطع الناشى من الشمال، وينفذ فيتصل الناشى من اليمين باسفل
7
طرف الشفة الايسر؛ والناشى من الشمال بالضد. واذا تشنج هذا الليف ضيق الفم،
8
فابرزه الى قدام فعل شكل الخريطة بالخريطة. والثالث منشأه من عند الاخرم فى الكتف،
9
ويتصل فوق متصل تلك العضل، وتميل الشفة الى الجانبين امالة متشابهة. والرابع من
10
سناسن الرقبة، ويجتاز بحذاء الاذنين، ويتصل بآخرالخد، وتحرك الخد حركة ظاهرة
11
تتبعها الشفة؛ وربما قربت جدًا من مغرز الاذن فى بعض الناس، واتصلت به فحركت
12
اذنه.
13
|14vb1|الفصل السابع فى تشريح عضل الثفة
14
اما الشفة، فمن عضلها ما ذكرناه، انه مشترك لها وللخد. ومن عضلها
15
ما يخصها، وهى عضل اربع: زوج منها ياتيها من فوق سمت الوجتتين، ويتصل
16
بقرب طرفيها، واثنان من اسفل. وفى هذه الاربع كفاية فى تحريك الشفة وحدها؛
17
لان كل واحدة منها اذا تحرك وحدها، حركتها الى ذلك الشق. واذا تحرك اثنان من
18
جهتين، انبسطت الى جابيهما، فتتم لها حركاتها الى الجهات الاربع، ولا حركة لها
19
غير تلك. فبهذه الاربع كفاية. وهذه الاربع واطراف العضل المشتركة قد خالطت جرم
20
الشفة مخالطة لا يقدر الحس على تمييزها من الجوهر الخاص بالشفة؛ اذ كانت الشفة
21
عضوًا لينًا لحميًا لا عظم فيه.
22
|14vb19|الفصل الثامن فى تشريح عضل المنخرين
23
واما طرفا الارنبة فقد يتصل بها عضلتان صغيرتان قويتان. اما الصغر فلكى
24
لا تضيق على سائر العضل التى الحاجة اليها اكثر؛ لان حركات اعضاء الخد والشفة
25
اكثر عددًا، واكثر تكررًا ودوامًا، والحاجة اليها امسّ من الحاجة الى حركة طرف الارنبة.
26
وخلقتا قويتين "ليتداركا بقوتهما ما يفوتهما" بفوات العظم. وموردهما من ناحيتى الوجنتين؛
27
[ويخالطان ليف الوجنة اولًا وانما وردتا من ناحيتى الوجنتين] لان تحريكهما اليهما.
1-89
1
|14vb31|الفصل التاسع فى تشريح عضل الفك الاسفل
2
قد خص الفك الاسفل بالحركة دون الفك الاعلى لمنافع: منها ان تحريك
3
الاخف احسن. ومنها ان تحريك الاخلى من الاشتمال على اعضاء شريفة تنكى فيها
4
الحركة اولى واسلم. ومنها ان الفك الاعلى لو كان بحيث يسهل تحريكه لم يكن
5
مفصله ومفصل الراس محتاطًا فيه بالايثاق.
6
ثم حركات الفك الاسفل لم يحتج فيها الى ان تكون فوق ثلثة حركات: حركة
7
فتح الفم والفغر، وحركة الاطباق، وحركة المضغ والسحق. والفاتحة تسفل الفك
8
وتنزله، والمطبقة تشيله، والساحقة تديره، وتميله الى الجانبين.
9
فبين ان حركة الاطباق يجب ان يكون بعضل نازلة من علو تشنج الى فوق،
10
والفاغرة بالضد، والساحقة بالتوريب. فخلق للاطباق عضلتان تعرفان بعضلتى الصدغ؛
11
وقد صغر مقدارهما فى الانسان اذ العضو المتحرك بهما فى الانسان صغير القدر، مشاشى،
12
خفيف الوزن؛ واذا الحركات العارضة لهذا العضو الصادرة عن هاتين العضلتين اخف.
13
واما فى سائر الحيوان فالفكك الاسفل اعظم واثقل مما للانسان، والتحريك بهما
14
فى اصناف النهش، والكدم، والقطع؛ والقلع اعنف. وهاتان العضلتان لينتان،
15
لقربهما من المبدأ الذى هو الدماغ الذى هو جرم فى غاية اللين؛ وليس بينهما وبين الدماغ
16
الا عظم واحد. فلذلك، ولما يخاف من مشاركة الدماغ اياهما فى الآفات، ان عسى
17
عرضت، والاوجاع ان اتفقت، مما يفضى بالمعروض له الى السرسام، وما يشبهه
18
من الاسقام، دفنهما الخالق عند منشأهما ومنبعهما من الدماغ فى عظمى الزوج، ونفذهما
19
فى كنّ شبيه بالازج، ملتئم من عظمى الزوج، ومن تعاريج ثقب المنفذ المارمعهما
20
الملتبس حافاته عليهما مسافة صالحة الى مجاورة الزوج؛ ليتصلب جوهرهما يسيرًا يسيرًا،
21
يبعد عن منبتهما الاول قليلًا قليلًا.
22
وكل واحدة من هاتين العضلتين يحدث لها وترعظيم، يشتمل على حافة الفك
23
الاسفل؛ فاذا تشنج اشاله. وهاتان العضلتان قد اعينتا بعضلتين سالكتين داخل الفم،
24
منحدرتين الى الفك الاسفل فى مغارتين؛ اذ كان اصعاد الثقيل مما يوجب التدبير
25
للاستظهار فيه بفضل قوة. والوتر النابت من هاتين العضلتين ينشأ من وسطهما، لا من طرفيهما للوثاقة.
26
واما عضل الفغر وانزال الفك <الى اسفل> فقد ينشأ ليفهما من الزوائد الإبرية
27
التى خلف الاذن، ينحدر فتتحد عضلة واحدة، ثم تتخلص وترًا لتزداد وثاقة، ثم تنتفش
28
كرة أخرى، فتحتشى لحمًا، وتصير عضلة مكررة؛ لئلا تتعرض بالامتداد لمنال الآفات؛
1-90
1
ثم تلاقى معطف الفك الى الذقن؛ فاذا تقلصت، جذبت اللحى الى خلف، فيتسفل
2
لامحالة. ولما كان الثقل الطبيعى معينًا على التسفل، كفى اثنتان ولم يحتج الى معين.
3
فاما عضل المضغ فهما عضلتان: من كل جانب عضلة مثلثة. اذا جعل رأسها
4
الزاوية التى من زواياها فى الوجنة، امتد لها ساقان: احدهما ينحدر الى الفك الاسفل،
5
والآخر يرتقى الى ناحية الزوج. واتصلت قاعدة مستقيمة فيما بينهما. وتشبثت كل زاوية
6
بما يليها لتكون لهذه العضلة جهات مختلفة فى التشنج، فلا تستوى فى حركتها؛ بل
7
تكون لها ان تميل ميولًا مفننة، يلتئم مما بينهما السحق والمضغ.
8
|15ra54|الفصل العاشر فى تشريح عضل الراس
9
ان للراس حركات خاصية، وحركات مشتركة مع خمس من خرزات العنق،
10
تكون بها حركة منتظمة من ميل الراس، وميل الرقبة معًا. وكل واحدة من <ها تين>
11
الحركتين، اعنى الخاصية والمشتركة، اما ان تكون منتكسة، واما ان تكون منعطفة الى خلف،
12
واما ان تكون مائلة الى اليمين، واما ان تكون مائلة الى اليسار. وقد يتولد فيما بينها
13
حركة الانقلاب على هيئة الاستدارة.
14
فاما العضل المنكسة للراس خاصة فهى عضلتان تردان من ناحيتين؛ لانهما
15
يتشبثان بليفهما من خلف الاذنين فوق، ومن عظام القس تحت، ويرتقيان كالمتصلتين.
16
وربما ظن بهما انهما عضلة واحدة؛ وربما ظن بهما انهما عضلتان؛ وربما ظن <بهما> انهما
17
ثلاث عضل؛ لان طرف احدهما يتشعب، فيصير رأسين. فاذا تحرك "احدهما تنكس
18
الراس مائلًا الى شقة"، وان تحركا جميعًا "تنكس الراس تنكسًا" الى قدام معتدلًا.
19
واما العضل المنكسة للراس والرقبة معًًا الى قدام، فهو زوج موضوع تحت المرى،
20
يخلص الى ناحية الفقرة الاولى والثانية، فيلتحم بهما؛ فان تشنج بجزءه الذى يلى المرى،
21
نكس الراس وحده، وان تشنج الجزء الملتحم على الفقرتين، نكس الرقبة.
22
واما العضل المقلبة للراس وحده الى خلف فاربعة ازواج مدسوسة تحت الازواج
23
التى ذكرناها؛ ومنبت هذه الازواج هو فوق المفصل. فمتها ما ياتى السناسن، و
24
منبته ابعد من وسط الخلف. ومنها ما ياتى الاجنحة، ومنبتها الى الوسط. فمن
25
ذلك زوج يأتي جناحي الفقرة الاولى زوج ياتي سنسنة الثانية، و زوج ينبعث ليفه من
26
جناح الاولى الى سنسنة الثانية؛ وخاصيته انه يقيم ميل الراس عند الانقلاب الى الحال
1-91
1
الطبيعية لتوريبه. ومن ذلك زوج رابع يبتذئى من فوق، وينفذ تحت الثالث بالورّاب الى
2
الوحشى، فيلزم جناح الفقرة الاولى. والزوجان الاولان يقلبان الراس الى خلف
3
بلا ميل، او مع ميل يسير جدًا. والثالث يقيم اود الميل. والرابع يقلب الى خلف مع
4
تاريب ظاهر. والثالث والرابع ايهما مال وحده، ميَّل الراس الى جهته، واذا تشنجا
5
جميعًا، تحرك الراس الى خلف منقلبًا من غير ميل.
6
واما العضل المقلبة للراس مع العنق فثلاثة ازواج غائرة، وزوج مجلل. كل فرد منه
7
مثلث، قاعدته عظم موخر الدماغ، وينزل باقيه الى الرقبة. واما الثلثة الازواج المنبسطة
8
تحته: فزوج ينحدر على جانبى الفقار، وزوج يميل جدًا الى الاجنحة، وزوج يتوسط
9
ما بين جناحى الفقار واطراف الاجنحة.
10
واما العضل المميلة للراس الى الجانبين، فهى زوجان يلزمان مفصل الراس:
11
الزوج الواحد [منهما] موضعه القدام، وهو الذى يصل بين الراس والفقارة الثانية، فردًا
12
منه يمينًا وفردًا منه يسارًا. والزوج الثانى <منه> موضعه الخلف، ويجمع بين الفقرة الاولى
13
والراس، فرد منه يمنة وفرد منه يسرة، فاى هذه الاربعة اذا تشنج، مال الراس الى جهة
14
مع تاريب. واى اثنتين من جهة واحدة تشنختا، مال الراس اليهما ميلًا غير مورب. وان
15
تحركت القداميتان أعانتا فى التنكيس، اوالخلفيتان قلبتا الراس الى خلف. واذا
16
تحركت الاربع معًا انتصب الراس مستويًا. وهذه العضل الاربع هى اصغر العضل؛ لكنها
17
تتدارك بجودة موضعها، وبانحرازها تحت العضل الاخرى ما تناله الاخرى بالكبر. وقد
18
كان مفصل الراس محتاجًا الى امرين، يحتاجان الى معنيين متضادين: احدهما الوثاقة؛
19
وذلك متعلق بايثاق المفصل، وقلة مطاوعته للحركات. والثانى كثرة عدد الحركات؛
20
وذلك متعلق باسلاس المفاصل والارخاء، فجوز ارخاء المفاصل استنامة الى الوثاقة التى
21
نحصل بكثرة التفاف العضل المحيط به، فحصل الغرضان. "تبارك الله احسن الخالقين".
22
|15va19|الفصل الحادى عشر فى تشريح عضل الحنجرة
23
الحنجرة عضو غضروفى، خلق آلة للصوت، وهو مؤلف من غضاريف ثلثة: احدها
24
الغضروف الذى يناله الجس والحس قدام الحلق وتحت الذقن، ويسمى الدرقى والترسى؛ اذ كان
25
مقعر الباطن، محدب الظاهر، يشبه الدرقة وبعض الترسة. والثانى غضروف موضوع خلفه، يلى
26
العنق، مربوط به، يعرف بانه الذى لا اسم له. وثالث مكبوب عليهما، يتصل بالذى لا اسم
27
له، ويلاقى الدرقى من غير اتصال. وبينه وبين الذى لا اسم له مفصل مضاعف بنقرتين
28
فيه، يتهندم فيهما زائدتان من الذى لا اسم له، مربوطتان بهما بروابط، ويسمى المكبى
29
والطرجهالى. وبانضمام الدرقى الى الذى لا اسم له، ويتباعد احدهما عن الآخر يكون
1-92
1
توسع الحنجرة وضيقها؛ وبانكباب الطرجهالى على الدرقى، ولزومه اياه، وبتجافيه عنه،
2
يكون انفتاح الحنجرة وانغلاقها.
3
وعند الحنجرة وقدامها عظم مثلث، يسمى العظم اللامى، تشبيهًا بكتابة اللام
4
فى حروف اليونانيين؛ اذ شكله هاكذا ** والمنفعة فى خلقة هذا العظم ان يكون متشبثًا
5
وسندًا، ينشأ منه ليف عضل الحنجرة. فالحنجرة محتاجة الى عضل تضم الدرقى الى
6
الذى لا اسم له، وعضل تضم الطرجهالى لهما وتطبقه، وعضل يبعد الطرجهالى عن
7
الاخريين، فتفتح الحنجرة.
8
والعضل المفتحة للحنجرة منها زوج ينشأ من العظم اللامى، فياتى مقدم الدرقى،
9
ويلتحم <الدرقى> منبسطًا عليه، فاذا تشنج ابرز الطرجهالى الى قدام وفوق، فاتسعت
10
الحنجرة. وزوج يعدّ فى عضل الحلق الجاذبة الى اسفل، ونحن نرى ان نعده فى
11
المشتركات بينهما؛ ومنشأهما من باطن القس الى الدرقى.
12
وفى كثير من الحيوانات يصحبهما زوج آخر او زوجان: احدهما عضلتاه تاتيان
13
الطرجهالى من خلف، وتلتحمان به، اذا تشنجا رفعتا الطرجهالى، وجذبتاه الى خلف،
14
فتبرأ من مضامة الدرقى، وتوسعت الحنجرة. وزوج تاتى [عضلتاه] حافتى الطرجهالى،
15
واذا تشنجتا، فصلتاه عن الدرقى ومدتاه عرضًا، واعان فى انبساط الحنجرة.
16
واما العضل المضيقة للحنجرة فمنها زوج ياتى من ناحية اللامى، ويتصل بالدرقى،
17
ثم يستعرض ويلتف على الذى لا اسم له، حتى يتحد طرفا فرديه وراء الذى لا اسم له، فاذا
18
تنشج ضيق. ومنها اربع عضل ربما ظن انها عضلتان مضاعفتان، تصل ما بين طرفى
19
الدرقى، والذى لا اسم له، فاذا تشنج ضيق اسفل الحنجرة. وقد يظن ان زوجًا منها
20
مستبطن، وزوجًا ظاهر.
21
واما العضل المطبقة فقد كان احسن اوضاعها ان يخلق داخل الحنجرة، حتى
22
اذا تقلصت، جذبت الطرجهالى الى اسفل فاطبقته. فخلقت لذلك زوجًا ينشأ
23
من اصل الدرقى، فيصعد من داخل الى حافتى الطرجهالى واصل الذى لا اسم له يمنة ويسرة.
24
فاذا تقلصت شدت المفصل، واطبقت الحنجرة اطباقًا يقاوم عضل الصدر والحجاب
25
فى حصر النفس. وخلقتا صغيرتين؛ لئلا يضيقا داخل الحنجرة، قويتين لتداركا بقوتهما
26
فى تكلفهما اطباق الحنجرة، وحصر النفس بشدة ما اورثه الصغر من التقصير. و
27
مسلكهما هو على الاستقامة صاعدتين مع قليل انحراف، يتاتى منه الوصل بين الدرقى والذى
28
لا اسم له. وقد توجد عضلتان موضوعتان تحت الطرجهالى، يعينان الزوج المذكور.
1-93
1
|15vb36|الفصل الثانى عشر فى تشريح عضل الحلقوم [والحلق]
2
واما الحلقوم جملة فله زوجان يجتذبانه الى اسفل: احدهما زوج ذكرناه فى باب
3
الحنجرة. والآخر زوج نابت ايضًا من القس، يرتقى فيتصل باللامى، ثم بالحلقوم فيجذبه
4
الى اسفل. واما الحلق فعضلته هى النغنغتان، وهما عضلتان موضوعتان عند الحلق،
5
معينان على الازدراد.
6
|15vb45|الفصل الثالث عشر فى تشريح عضل العظم الامى
7
واما العظم اللامى فله عضل تخصه، وعضل يشركه فيه عضو آخر. فاما الذى
8
يخص اللامى فهى ازواج ثلثة: زوج منها ياتى من جانبى اللحى، ويتصل بالخط
9
المستقيم الذى على هذا العظم، وهو الذى يجذبه الى اللحى. وزوج ينشأ من تحت
10
الذقن، ثم يمر تحت اللسان الى الطرف الاعلى من هذا العظم. وهذا ايضًا يجذب
11
هذا العظم الى جانب اللحى. وزوج منشأه من الزوائد السهمية التى عند الآذان، ويتصل
12
بالطرف الاسفل من الخط المستقيم على هذا العظم. واما الذى له بشركة غيره فقد
13
ذكر ويذكر.
14
|16ra2|الفصل الرابع عشر فى تشريح عضل اللسان
15
واما العضل المحركة للسان فهى عضل تسع: اثنتان معرضتان تاتيان من الزوائد
16
السهمية، وتتصلان بجانبيه. واثنتان مطولتان، منشأهما من اعالى العظم اللامى،
17
ويتصلان بوسط اللسان. واثنتان تحركان عل الوراب، منشأهما من الضلع المنخفض
18
من اضلاع العظم اللامى، وتنفذ ان فى اللسان ما بين المطولة والمعرضة. واثنتان باطحتان
19
للسان قالبتان له، وموضعهما تحت موضع هذه المذكورة، قد انبسط ليفهما تحته عرضًا؛
20
ويتصلان بجميع عظم الفك. وقد تذكر فى جملة عضل اللسان عضلة مفردة، تصل
21
ما بين اللسان والعظم اللامى [و]، تجذب احدهما الى الآخر. ولا يبعد ان تكون العضلة
22
المحركة للسان طولًا الى بارز تحركه كذلك؛ لان لها ان تتحرك فى نفسها ''بالامتداد، كما
23
ان لها ان تتحرك فى نفسها" بالتقاصر والتشنج.
24
|16ra24|الفصل الخامس عشر فى تشريح عضل العنق
25
العضل المحرك للرقبة وحدها زوجان: زوج يمنة وزوج يسرة، فايهما تشنج وحده،
26
انجذبت الرقبة الى جهته بالوراب. واى اثنين من جهة واحدة تشنجا معًا، مالت الرقبة
1-94
1
الى تلك الجهة بغير توريب، بل باستقامة. واذا كان الفعل لاربعتها معًا، انتصبت الرقبة
2
من غير ميل.
3
|16ra33|الفصل السادس عشر فى تشريح عضل الصدر
4
العضل المحركة للصدر منها ما يبسطه فقط ولا يقبض. "ومنها ما يقبض ولا يبسط.
5
ومنها ما يقبض ويبسط معًا. والتى تبسط فقط تسع": فمن ذلك الحجاب الحاجز بين اعضاء
6
التنفس واعضاء الغذاء، الذى سنصفه بعد. وزوج موضوع تحت الترقوة؛ منشأه من جزء ممتد
7
الى راس الكتف <من الترقوة>، نصفه بعد، وهو متصل بالضلع الاول يمنة ويسرة.
8
وزوج كل فرد منه مضاعف، له جزآن: اعلاهما يتصل بالرقبة ويحركها، واسفلهما يحرك الصدر،
9
ويخالط عضلة سنذكرها، وهى المتصلة بالضلع الخامس والسادس. وزوج هو مدسوس فى
10
الموضع المقعر من الكتف، يتصل به زوج ينزل من الفقارة الاولى الى الكتف، و
11
يصيران كعضلة واحدة، تتصل باضلاع الخلف. وزوج رابع منشأه من "الفقار السابع"
12
من فقرات العنق، ومن الفقرة الاولى والثانية من فقرات الصدر، ويتصل باضلاع القس.
13
فهذه هى العضلات الباسطة.
14
واما العضل القابضة للصدر فمن ذلك ما يقبض بالعرض، وهو الحجاب اذا سكن.
15
ومنها ما يقبض بالذات. فمن ذلك زوج ممدود تحت اصول الاضلاع العلى، وفعله
16
الشد والجمع. ومن ذلك زوج عند اطرافها، يلاصق القس ما بين الخنجرى والترقوة،
17
ويلاصق العضل المستقيم من عضل البطن. وزوجان آخران يعينانه.
18
واما العضل الذى تقبض وتبسط معًا فهى العضل التى بين الاضلاع؛ لكن
19
بالاستقصاء فى التامل يوجب ان تكون القابضة فيها غير الباسطة. وذلك ان بين كل
20
ضلعين بالحقيقة اربع عضلات، وان ظنت عضلة واحدة. وان هذه المظنونة عضلة واحدة
21
منتسجة من ليف مورب، منه ما يستبطن ومنه مايجلل. والمجلل منه ما يلى الطرف الغضروفى
22
من الضلع، ومنه ما يلى الطرف الآخر القوى. والمستيطن كله مخالف فى الوضع
23
للمجلل. والذى على طرف الضلع الغضروفى مخالف كله فى الوضع للذى على الطرف
24
الآخر. واذا كانت هيئات الليف اربعًا بالعدد، فبالحرى ان يكون العضل اربعًا بالعدد،
25
فما كان منها موضوعًا فوق فهو باسط، وما كان منها موضوعًا تحت فهو قابض. فبلغ
26
لذلك جملة عضل الصدر ثمانيًا وثمانين عضلة. وقد يعين عضل الصدر عضلتان تاتيان
27
من الترقوة الى راس الكتف، فتتصل كل واحدة بالضلع الاول منه، ويشيله الى فوق،
28
فيعين على انبساط الصدر.
1-95
1
|16rb25|الفصل السابع عشر فى تشريح عضل [حركة] العضد
2
عضل العضد وهى المحركة لمفصل الكتف. منها ثلاث عضلات تاتيها
3
من الصدر، وتجذبها الى اسفل. فمن ذلك عضلة منشأها من تحت الثدى
4
وتتصل بمقدم العضد عند مقدم زيق النقرة؛ وهى التى تقرب العضد الى الصدر
5
مع استنزال يستتبع الكتف. وعضلة منشأها من اعلى القس، وتطبق انسى راس
6
العضد؛ فهى مقربة <العضد> الى الصدر مع استرفاع يسير.
7
وعضلة مضاعفة عظيمة منشأها من جميع القس، تتصل باسفل مقدم العضد؛
8
اذا فعلت بالليف الذى لجزءه الفوقانى، اقبلت بالعضد الى الصدر شائلة به؛ او بالجزء
9
الآخر، اقبلت به اليه خافضة؛ او بهما جميعًا، فتقبل على الاستقامة.
10
وعضلتان تاتيان من ناحية الخاصرة، تتصلان ادخل من اتصال العضلة العظيمة
11
الصاعدة من القس. فاحداهما عضلة عظيمة تانى من عند الخاصرة، ومن ضلوع الخلف
12
[وتجذب العضد الى ضلوع الخلف] بالاستقامة. والثانية دقيقة تاتى من جلدة الخاصرة،
13
لا من عظمها، اميل الى الوسط من تلك، وتتصل بوتر الصاعدة من ناحية الثدى غائرة.
14
وهذه تفعل فعل الاولى على سبيل المعاونة؛ الا انها تميل الى خلف قليلًا.
15
وخمس عضل منشأها من عظم الكتف: عضلة منها منشأها من عظم الكتف،
16
وتشغل ما بين الحاجز والضلع الاعلى من الكتف، وينفذ الى الجزء الاعلى من راس
17
العضد الوحشى، مائلة يسيرًا الى الانسى، وهى تبعد مع ميل الى الانسى.
18
وعضلتان من هذه الخمسة منشأهما من الضلع الاعلى من الكتف. احداهما
19
عظيمة، ترسل ليفها الى الاجزاء السفلية من الحاجز، وتشغل ما بين الحاجز والضلع
20
الاسفل، وتصل براس العضد من الجانب الوحشى جدًا؛ فتبعد مع ميل الى الوحشى.
21
والاخرى متصلة بهذه الاولى، حتى كانها جزء منها، وتنفذ معها وتفعل فعلها؛ لكن
22
هذه لا تتعلق الا باعلى الكتف تعلقًا كثيرًا؛ واتصالها على التوريب بظاهر العضد، وتميلها
23
الى الوحشى.
24
والرابعة عضلة تشغل الموضع المقعر من عظم الكتف، ويتصل وترها بالاجزاء
25
الداخلة من الجانب الانسى من رأس عظم العضد، وفعلها ادارة العضد الى خلف. وعضلة
26
اخرى منشأها من الطرف الاسفل من الضلع الاسفل للكتف، ووترها يتصل فوق اتصال
27
<العضلة> العظيمة الصاعدة من الخاصرة، وفعلها جذب اعلى راس العضد الى فوق.
28
وللعضد عضلة آخرى ذات راسين، تفعل فعلين وفعلًا مشتركًا؛ وهى تاتى من اسفل الترقوة
29
ومن العنق، وتلتقم راس العضد، وتقارب موضع اتصال وتر العضلة العظيمة الصاعدة
1-96
1
من الصدر. وقد قيل ان احد رأسيها من داخل، ويميل الى داخل مع توريب يسير؛
2
والراس الآخر من خارج على ظهر الكتف عند اسفله، ويميل الى خارج بتوريب يسير؛
3
واذا فعل بالجزئين اشال على الاستقامة. ومن الناس من زاد عضلتين: عضلة صغيرة
4
تاتى من الثدى، واخرى مدفونة فى مفصل الكتف؛ وربما جعل لعضل المرفق معهما شركة.
5
|16va33|الفصل الثامن عشر فى تشريح عضل حركة الساعد
6
العضل المحركة للساعد منها ما تقبضه، ومنها ما تبسطه، وهذه موضوعة على
7
العضد، ومنها ما تكبه، ومنها ما تبطحه، وليست على العضد. فالباسطة زوج احد
8
فرديه تبسط مع ميل الى داخل؛ لان منشأه من تحت مقدم العضد ومن الضلع
9
الاسفل من الكتف، ويتصل بالمرفق حيث اجزاءه الداخلة. والفرد الثانى يبسط مع
10
ميل الى الخارج؛ لانها تاتى من قفاء العضد، وتتصل بالاجزاء الخارجة من المرفق.
11
واذا اجتمعا جميعًا على فعليهما بسطا على الاستقامة لا محالة.
12
والقابضة زوج، احد فرديه وهو الاعظم، يقبض مع ميل الى الداخل؛ وذلك
13
لان منشأها من "الزيق الاعلى'' من الكتف، ومن المنقار، يخص كل منشأ راس،
14
ويميل الى باطن العضد، ويتصل "وترًا له عصبانيًا <يميل> بمقدم" الزند الاعلى. والفرد
15
الثانى يقبض مع ميل الى الخارج؛ لان منشأها من ظاهر العضد من خلف، وهو
16
عضلة <واحدة و> لها رأسان لحميان: احدهما من وراء العضد، والآخر قدامه. وتستبطن
17
فى ممرها قليلًا الى ان تخلص الى مقدم الزند الاسفل. وقد وصل ما يميل قابضًا الى
18
الخارج بالاسفل، وما يميل الى الداخل بالاعلى، ليكون الجذب احكم. واذا اجتمعت
19
هاتان العضلتان على فعليهما، قبضتا على الاستقامة لا محالة. وقد تستبطن العضلتين الباسطتين
20
عضلة تحيط بعظم العضد، والاشبه ان تكون جزءًا من العضلة القابضة الاخيرة.
21
واما الباطحة للساعد فزوج، احد فرديه موضوع من خارج بين الزندين، ويلاقى
22
الزند الاعلى بلا وتر. والآخر رقيق متطاول، منشأه من الجزء الاعلى من راس العضد،
23
مما يلى ظاهره، وجله يمر فى الساعد، وينفذ حتى تقارب مفصل الرسغ، فياتى
24
الجزء الباطن من طرف الزند الاعلى، ويتصل به بوتر غشائ.
25
واما المكبة فزوج موضوع من خارج، احد فرديه يبتدى من اعلى الانسى من راس العضد،
26
ويتصل بالزند الاعلى دون مفصل الرسغ. والآخر اقصر منه، وليفه الى الاستعراض، وطرفه اشد
27
عصبانية، ويبتدئ من نفس الزند الاسفل، ويتصل بطرف الاعلى عند مفصل الرسغ.
1-97
1
|16vb25|الفصل التاسع عشر فى تشريح عضل حركة الرسغ
2
واما عضل تحريك مفصل الرسغ: فمنها قابضة، ومنها باسطة، ومنها مكبة،
3
ومنها باطحة على القفا. والعضل الباسطة فمنها عضلة متصلة باخرى، كانهما عضلة
4
واحدة؛ الا ان هذه منشأها من وسط الزند الاسفل، ويتصل وترها بالابهام، وبها
5
يتباعد عن السبابة. والاخرى منشأها من الزند الاعلى، ويتصل وترها بالعظم الاول
6
من عظام الرسغ، اعنى الموضوع بحذاء الابهام؛ فاذا تحركتا هاتان معًا بسطتا الرسغ
7
بسطًا مع قليل كب. وان تحركت الثانية وحدها بطحته، وان تحركت الاولى وحدها،
8
باعدت بين الابهام والسبابة.
9
وعضلة ملقاة على الزند الاعلى من الجانب الوحشى، منشأها اسافل رأس العضد،
10
يرسل وترًا ذا رأسين: [رأس] يتصل بوسط المشط قدام الوسطى والسبابة؛ ورأس
11
وترها متكئى على الزند الاعلى عند الرسغ، ويبسط الرسغ بسطًا مع كب.
12
واما العضل القابضة: فزوج على الجانب الوحشى من الساعد، والاسفل منهما
13
يبتدى من الرأس الداخل من رأس العضد، وينتهى الى المشط قدام الخنصر. والاعلى
14
منهما يبتدئ اعلى من ذلك وينتهى هناك. وعضلة معها يبتدى من الاجزاء السفلية من
15
العضد بتوسط موضع المذكورتين؛ ولها طرفان يتقاطعان تقاطعًا صليبيًا، ثم يتصلان
16
بالموضع الذى بين السبابة والوسطى. واذا تحركتا معًا قبضتا. فهذه القوابض، و
17
البواسط هى بعينها تفعل الكب والبطح اذا تحرك منهما متقابلتان على الوراب، بل العضلة
18
المتصلة بالمشط قدام الخنصر اذا تحركت وحدها، قلبت الكف؛ فان اعانها عضلة الابهام،
19
التى نذكرها بعد، تممت قلب الكف باطحة؛ والمتصلة بالرسغ قدام الابهام اذا تحركت
20
وحدها كبته قليلًا؛ او مع الخنصرية، التى نذكرها، كبته كبًا تامًا.
21
|17ra7|الفصل العشرون فى تشريح عضل حركة اصابع اليد
22
فاما العضل المحركة للاصابع: منها ما هى فى الكف، ومنها ما هى فى الساعد؛
23
ولو جمعت كلها على الكف، لثقل بكثرة اللحم؛ ولما بعدت الرسغيات منها
24
عن الاصابع، طالت اوتارها ضرورة، فحصنت باغشية تاتيها من جميع النواحى.
25
وخلقت اوتارها مستديرة قوية لا تستعرض، الا ان توافى العضو، فهناك تستعرض ليجود
26
اشتمالها على العضو المحرك.
27
وجميع عضل الباسطة للاصابع موضوعة على الساعد، وكذلك المحركة اياها
28
الى اسفل. فمن الباسطة عضلة موضوعة فى وسط ظاهر الساعد، تنبت من الجزء المشرف
29
من رأس العضد الاسفل، وترسل الى الاصابع الاربع اوتارًا تبسطها. فاما المميلة الى
1-98
1
اسفل فثلاث: منها متصل بعضها ببعض فى جانب هذه. فواحدة تنبت من الجزء الاوسط
2
من رأس العضد الوحشى ما بين زائدتيه، وترسل وترين الى الخنصر والبنصر. وواحدة من
3
جملة عضلتين مضاعفتين هما اثنتان من هذه الثلاثة، منشأهما من اسفل زائدتى العضد
4
الى داخل، ومن حافة الزند الاسفل؛ وترسلان وترين الى الوسطى والسبابة <ومابينهما>.
5
وثانيتهما وهى الثالثة، منشأها من اعالى الزند الاعلى، وترسل وترًا الى الابهام. وعند
6
هذه العضلة عضلة هى احدى العضلتين المذكورتين فى عضل تحريك الرسغ، منشأها
7
من الموضع الوسط من الزند الاسفل، ووترها يبعد الابهام عن السبابة.
8
واما القابضة فمنها ماهى على الساعد، ومنها ماهى فى باطن الكف؛ والتى
9
على الساعد فثلاث عضلات: بعضها منضودة فوق بعض، موضوعة فى الوسط. واشرفها
10
وهو الاسفل، مدفون من تحت، متصلًا بعظم الزند الاسفل؛ لان فعلها اشرف، فيجب
11
ان يكون موضعها احرز؛ وابتداءها من وسط الراس الوحشى من العضد الى داخل،
12
ثم ينفذ ويستعرض وترها، وينقسم الى اوتار خمسة، ياتى كل وتر باطن اصبع.
13
فاما اللواتى تاتى الاربع: فان كل واحدة منها تقبض المفصل الاول والثالث منه.
14
اما الاول فلانه مربوط هناك برابطة ملتفة عليهما واما الثالث فلان رأسه ينتهى اليه و
15
يتصل به. واما النافذة الى الابهام، فانها تقبض مفصليه الثانى والثالث، لانه انما
16
يتصل بهما.
17
والعضلة الثانية التى فوق هذه هى اصغر منها، وتبتدى من الراس الداخل من
18
رأسى العضد، وتتصل بالزند الاسفل قليلًا، وتستمر على الحد المشترك بين الجانب
19
الوحشى والانسى، وهو السطح الفوقانى من الزند الاعلى. فاذا وافت ناحية الابهام
20
مالت الى داخل، وارسلت اوتارًا الى المفاصل الوسطى من الاربع لتقبضها، ولا يانى
21
الابهام الا شعبة ليست من عند وترها، ولكن من موضع آخر. ومنشأ الاولى بعد الابتداء
22
المذكور هو من راس الزند الاسفل والاعلى، ومنشأ الثانية من رأس الزند الاسفل. وقد
23
جعل الابهام مقتصرًا فى الانقباض على عضلة واحدة، والاربع ينقبض بعضلتين؛ لان
24
اشرف فعل الاربع هو الانقباض، واشرف فعل الابهام هو الانبساط، والتباعد من السبابة.
25
واما العضلة الثالثة فليست للقبض، ولكنها تنفذ بوترها الى باطن الكف، و
26
تنفرش عليه مستعرضة؛ لتفيده الحس، ولتمنع نبات الشعر عليه، ولتدعم الباطن
27
من الكف، وتقويه لمعالجة ما يعالج به. فهذه هى التى على الرسغ.
28
واما العضل التى فى الكف نفسها فهى ثمان عشره عضلة منضودة بعضها فوق
29
بعض فى صفين: صف اسفل داخل، وصف اعلى خارج الى الجلد. فالتى فى الصف
30
الاسفل عددها سبع: خمس منها يميل الاصابع الى فوق، والابهامية منها تنبت من
1-99
1
اول عظام الرسغ، والسادسة قصيرة عريضة، ليفها ليف مؤرب، ورأسها متعلق بمشط
2
الكف، حيث يحاذى الوسطى، ووترها متصل بالابهام، تميله الى اسفل. والسابعة
3
عند الخنصر، تبتدئ من العظم الذى يليها من المشط، فتميلها الى اسفل؛ وليس
4
شىء من هذه السبعة للقبض، بل خمس للاشالة، واثنان للخفض.
5
واما التى فى الصف الاعلى تحت العضلة المنفرشة على الراحة، وهى التى عرفها
6
جالينوس وحده، وهى احدى عشرة عضلة: ثمان منها كل اثتين منها تتصل بالمفصل
7
الاول من مفاصل الاصابع الاربع، واحد فوق آخر، ليقبض هذا المفصل. اما السفلى
8
منها، فقبضها مع حط وخفض. واما العليا فقبضها مع يسير رفع وشيل، واذا اجتمعتا
9
فبالاستقامة. وثلاث منها خاص بالابهام، واحدة لقبض المفصل الاول، واثنتان
10
للثانى كما عرفت. فبواسط الخمس خمس، والخافضات لما سوى الابهام والخنصر،
11
لكل واحدة واحدة، وللخنصر والابهام اثنان. والقوابض لكل اصبع اربع، والمميلات
12
الى فوق لكل اصبع واحدة.
13
|17rb51|الفصل الحادى والعشرون فى تشريح عضل حركة الصلب
14
عضل الصلب منها ما يثنيه الى خلف، ومنها ما يحنّيه الى قدام، وعن هذه يتفرع
15
سائر الحركات. فالثانية الى خلف هى المخصوصة بان تسمى عضل الصلب، وهما عضلتان
16
يحدس ان كل واحدة منهما مؤلفة من ثلاث وعشرين عضلة؛ لان كل واحدة منها تاتيها من
17
كل فقرة عضلة؛ اذ ياتيها من كل فقرة ليف مؤرب، الا الفقرة الاولى. وهذه العضل اذا
18
تمددت بالاعتدال نصبت الصلب، فاذا افرطت فى التمدد ثنته الى خلف؛ فاذا تحركت
19
التى فى جانب واحد مالت بالصلب اليه.
20
واما العضل الحانية فهى زوجان: زوج موضوع فوق، وهى من العضل المحركة
21
للرأس والعنق، النافذة عن جنبتى المرى؛ وطرفها الاسفل يتصل بخمس من الفقار
22
الصدرية العليا فى بعض الناس، وباربع فى اكثر الناس؛ وطرفها الاعلى ياتى الرأس
23
والرقبة. وزوج موضوع تحت هذا، ويسميان المتنين، وهما يبتدئان من العاشرة، او
24
الحادية عشر من الصدر، وينحدران الى اسفل، فيحنّيان حنيًّا خافضًا، والوسط يكفيه
25
فى حركاته وجود هذه العضل؛ لانه يتبع فى الانحناء والانثناء والانعطاف حركة الطرفين.
26
|17va21|الفصل الثانى والعشرون فى تشريح عضل البطن
27
اما البطن فعضلة ثمان، وتشترك فى منافع: منها المعونة على عصر ما فى الاحشاء من
28
البراز والبول، والاجنة فى الارحام. ومنها انها تدعم الحجاب، وتعينه عند النفخة لدى
1-100
1
الانقباض. ومنها انها تسخن. المعدة والامعاء بادفائها. فمن هذه الثمانية زوج مستقيم،
2
ينزل على الاستقامة من عند الغضروف الخنجرى، ويمتد ليفها طولأ الى العانة، وينبسط
3
طرفه فيما يليها. وجوهر هذا الزوح من اوله الى آخره لحمى. وعضلتان تقاطعان هاتين
4
عرضًا، موضعهما هو فوق الغشاء الممدود على البطن كله، وتحت الطولانيتين. والتقاطع الواقع
5
بين ليف هاتين وليف الاوليين، هو تقاطع على زوايا قائمة. وزوجان موربان كل واحد منهما
6
فى جانب يمنة ويسرة. وكل زوج منهما هو من عضلتين متقاطعتين تقاطعًا صليبيًا، من
7
الشرسوف الى العانة، ومن الخاصرة الى الخنجرى، فيلتقى طرفا فردين آتيين من اليمين
8
واليسار عند العانة، وطرفا اثنين آخرين عند الخنجرى؛ وهما موضوعان فى كل جانب
9
على الاجزاء اللحمية من العضلتين المعارضتين. وهذان الزوجان لا يزالان لحميين،
10
حتى يماسا العضل المستقيمة باوتار عراض كانها اغشية؛ وهذان الزوجان موضوعان فوق
11
الطولانيتين الموضوعتين فوق العرضيين.
12
|17va54|الفصل الثالث والعشرون فى تشريح عضل الانثيين
13
اما للرجال فعضل الخصى اربع، جعلت لتحفظ الخصيتين وتشيلهما، لئلا تسترخيا،
14
ويكون كل خصية يلزمها زوج. وأماللنساء فيكفيهن زوج واحد. لكل خصية فرد؛ اذلم
15
تكن خصاهن مدلاة بارزة كتدلى خصى الرجال.
16
|17vb4|الفصل الفصل الرابع العشرون في تشريح عضل المثانة
17
وعلى فم المثانة عضلة واحدة، حيط بها مستعرضة الليف على فمها؛ ومنفعتها
18
حبس البول الى وقت الارادة، فاذا اريدت الاراقة استرخت عن تقبضها، فضغط
19
عضل البطن المثانة، فانزرق البول بمعونة من الدافعة.
20
|17vb12|الفصل الخامس والعشرون فى تشريح عضل الذكر
21
العضل المحركة للذكر زوجان: زوج تمتد عضلتاه عن جانبى الذكر، فاذا
22
تمددنا وسعتا المجرى وبسطتاه، فاستقام المنفذ وجرى فيه المنى بسهولة. وزوج ينبت
23
من عظم العانة، ويتصل بأصل الذكر على الوراب، فاذا اعتدل تمدده إنتصبت
24
الآلة مستقيمة، وإن اشتد أمالها إلى خلف، وإن عرض الامتداد لأحدهما مال
25
إلى جهته.
1-101
1
|17vb24|الفصل السادس والعشرون فى تشريح عضل المقعدة
2
عضل المقعدة أربع: منها عضلة تلزم فمها، وتخالط لحمها مخالطة
3
شبه مخالطة عضل الشفة <للحمها>؛ وهى تقبض الشرج وتشده، وتنفض
4
بالعصر بقايا البراز فيه. وعضلة موضوعة أدخل من هذه وفوقها بالقياس إلى رأس
5
الإنسان؛ ويظن أنهاذات طرفين، ويتصل طرفها بأصل القضيب بالحقيقة. وزوج
6
مورب فوق الجميع، ومنفعتها إشالة المقعدة إلى فوق، وإنما يعرض خروج المقعدة
7
لإسترخاءها.
8
|17vb38|الفصل السابع والعشرون فى تشريح عضل الفخذ
9
أعظم عضل الفخذ هى التى تبسطه، ثم التى تقبضه، لأن أشرف أفعالها
10
هاتان الحركتان. والبسط أفضل من القبض، إذ القيام إنما يتأتى بالبسط، ثم
11
العضل المبعدة، ثم المقربة، ثم المديرة.
12
والعضل الباسطة لمفصل الفخذ: منها عضلة هى أعظم جميع عضل البدن،
13
وهى عضلة تجّلل عظم العانة والورك، وتلتف على الفخذ كله من داخل ومن خلف،
14
حتى تنتهى إلى الركبة. ولليفها مبادئ مختلفة، ولذلك تتنوع أفعالها صنوفًا مختلفة؛
15
فلان بعض ليفها منشأه من أسفل عظم العانة، فينبسط مائلًا إلى الإنسى؛ ولأن بعض
16
ليفها منشأه أرفع من هذا يسيرًا، فهو يشيل الفخذ إلى فوق؛ ولأن منشأ بعض ليفها أرفع
17
من ذلك كثيرًا، فهو يشيل الفخذ إلى فوق مميلًا إلى الإنسى؛ ولأن بعض ليفها منشاؤه
18
من عظم الورك فهو يبسط الفخذ بسطًا على الإستقامة صالحًا.
19
ومنها عضلة تجلل مفصل الورك كله من خلف؛ ولها ثلاثة أرؤس، وطرفان.
20
وهذه الأرؤس منشأها من الخاصرة والورك والعصعص؛ إثنان منها لحميان، وواحد غشاىء.
21
وأما الطرفان فيتصلان بالجزء المؤخر من رأس الفخذ، فان جذبت بطرف واحد بسطت
22
مع ميل إليه، وإن جذبت بالطرفين بسطت على الإستقامة. ومنها عضلة منشأها من جميع
23
ظاهر عظم الخاصرة، فتصل بأعلى الزائدة الكبرى، التى تسمى طروخانطير الأعظم،
24
وتمتد قليلًا إلى قدام، وتبسط مع ميل إلى الإنسى. وأخرى مثلها، وتتصل أولًا بأسفل
25
الزائدة الصغرى، ثم تنحدر وتفعل فعلها؛ إلا أن بسطها يسير، وإمالتها كثيرة، ومنشأها
26
من أسفل ظاهر عظم الخاصرة. ومنها عضلة تنبت من أسفل عظم الورك، مائلة إلى
27
خلف، وتبسط مميلة يسيرًا إلى خلف، ومميلة إمالة صالحة إلى الانسى.
28
وأما العضل القابضة لمفصل الفخذ فمنها عضلة تقبض مع ميل يسير إلى الإنسى،
29
وهى عضلة مستقيمة تنحدر من منشأين: أحدهما يتصل بآخر المتن، والآخر من عظم
1-102
1
الخاصرة، وهى التى تتصل بالزائدة الصغرى الانسية. وعضلة من عظم العانة، وتتصل
2
بأسفل الزائدة الصغرى. وعضلة ممتدة إلى جانبها على الوراب، وكانها جزء من الكبرى.
3
ورابعة تنبت من السن القائم المنتصب من عظم الخاصرة، وهى تجذب الساق ايضًا
4
مع قبض الفخد.
5
واما العضل المميلة إلى داخل فقد ذكربعضها فى باب البسط والقبض، ولهذا النوع
6
من التحريك عضلة تنبت من عظم العانة، وتطول جدًا حتى تبلغ الركبة.
7
وأما المميلة إلى خارج فعضلتان: إحداهما تاتى من العظم العريض. وأما
8
المديرتان فعضلتان: أحداهما مخرجها من وحشى عظم العانة، والأخرى مخرجها من إنسيه.
9
وتتوربان ملتقيتين، وتلتحمان عند الموضع الغائر، بقرب من مؤخر الزائدة الكبرى،
10
وأيهما جذب وحده لوى الفخذ إلى جهته مع قليل بسط.
11
|18ra51|الفصل الثامن والعشرون فى تشريح "العضل المحركة لمفصل الركبة"
12
أما العضل المحركة لمفصل الركبة فمنها ثلاث موضوعة قدام الفخذ، وهى اكبر العضل
13
الموضوعة فى الفخذ نفسها؛ وفعلها البسط. وواحدة من هذه ألثلاثة كالمضاعفة،
14
ولها رأسان: يبتدئ أحدهما من الزائدة الكبرى، والآخر من مقدم الفخذ. ولها طرفان:
15
أحدهما لحمى، يتصل بالرضفة قبل أن يصير وترًا، والآخر عصبانى يتصل بالطرف الإنسى
16
من طرفى الفخذ. وأما الائنتان الاخريان: "فاحداهما هى التى ذكرناها" فى قوابض
17
الفخذ، أعنى النابتة من الحاجز الذى فى عظم الخاصرة، والأخرى مبدؤها من الزائدة
18
الوحشية التى فى الفخذ. وهاتان تتصلان وتتحدان، ويحدث منهما وترواحد، مستعرض
19
يحيطا لرضفة، ويوثقها بماتحتها إيثاقًا محكمًا؛ ثم يتصل بأول الساق وتبسط الركبة بمد الساق.
20
وللبسط عضلة، منشأها من ملتقى عظم العانة؛ وتنحدر مارة فى الجانب الإنسى
21
من الفخذ على الوراب، ثم تلتحم بالجزء المعرق من أعلى عظم الساق، ويبسط الساق
22
مميلة إلى الإنسى. وعضلة أخرى فى بعض كتب التشريح، تقابلها فى الجانب الوحشى ،
23
مبدأها فى عظم الورك، وتتورب فى الجانب الوحشى، حتى تأتى الموضع المعرق. ولاعضلة
24
أشد توريبا منها، وتبسط مع امالة إلى الوحشى، وإذا بسطتا كلتاما، كان بسطًا
25
مستقيمًا.
26
وأما القوابض للساق: فمنها عضلة ضيقة طويلة، تنشأ من عظم الخاصرة والعانة،
27
بقرب من منشأ الباسطة الداخلة [و] من الحاجز الذى فى وسط الخاصرة، ثم تنفذ بالتوريب
1-103
1
إلى داخل طرفى الركبة، ثم تيرز وتنتهى إلى النتو الذى فى الموضع المعرق
2
من الركبة، وتلتصق به، وبه إنجذاب الساق إلى فوق مائلًا بالقدم إلى ناحية
3
الأربية.
4
وثلاث عضلات: إنسية ووحشية ووسطى. فالوحشية والوسطى تقبضان مع ميل
5
إلى الوحشى ، والإنسية تقبض مع ميل إلى الانسى. فالإنسية منشأها من قاعدة عظم
6
الورك، ثم تمّر متوّربة خلف الفخذ إلى أن توافى الموضع المعرق من الساق فى الجانب
7
الإنسى، فتلتصق به، ولونها إلى الخضرة. ومنشأ الأخريين ايضًا من قاعدة عظم الورك؛
8
إلا انهما تميلان إلى الإتصال بالجزء المعرق من الجانب الوحشى. وفى مفصل الركبة عضلة
9
كالمدفونه فى معطف الركبة، تفعل فعل هذه الوسطى. وقد يظن أن الجزء الناشى من
10
العضلة الباسطة المضاعفة من الحاجز، ربما قبض الركبة بالعرض، وأنه قد ينبعث من
11
متصلهما وتريضبط حق الورك ويصله بمايليه.
12
|18rb50|الفصل التاسع والعشرون فى تشريح العضل المحركة لمفصل القدم
13
وأما العضل المحركة لمفصل القدم فمنها ما تشيل القدم، ومنها ماتخفضه.
14
أما المشيلة فمنها عضلة عظيمة، موضوعة قدام القصبة الإنسية؛ ومبدأها الجزء الوحشى
15
من رأس القصبة الإ نسيه، فاذا برزت مالت على الساق، مارة إلى جهة الإبهام، فتتصل
16
بما يقارب أصل الابهام، وتشيل القدم إلى فوق. وأخرى تنبت من رأس الوحشية،
17
وينبت منها وتر، يتصل بمايقارب أصل الخنصر، وتشيل القدم إلى فوق، وخصوصًا
18
إذا طابقتها العضلة الأولى، وكان ذلك على الإستواء والإستقامة.
19
وأما الخافضة: فزوج منها منشأهما من رأس الفخذ، ثم ينحدران فيملأن باطن
20
الساق لحمًا، وينبت منهما وتر من أعظم الأوتار، وهو وترالعقب المتصل بعظم العقب،
21
ويجذبه إلى خلف موربًا إلى الوحشى؛ ليكون ذلك سبًا لثبات القدم على الأرض. و
22
تعينها عضلة، تنشأ من رأس <القصبة> الوحشيه باذنجانية اللون، وتنحدر حتى تتصل بنفسها
23
من غير وتر يرسلها؛ بل تبقى لحمية، فتلتصق بمؤخر العقب فوق التصاق التى قبلها.
24
وإذا أصاب هاتين العضلتين أو وترهما آفة زمنت القدم.
25
وعضلة يتشعب منها وتران: واحد منهما يقبض القدم، والثانى يبسط الإبهام؛
26
وذلك ان هذه العضلة منشأها من رأس القصبة الإنسية، حيث تلاقى الوحشية، وتنحدر بينهما
27
فتشعب إلى وترين: أحدهما يتصل من أسفل الرسغ قدام الإبهام، وبهذا الوتر يكون
28
إنخفاض القدم. والوتر الآخر يحدث من جزء من هذه العضلة، يجاوز منشأ الوتر الاول،
29
وترسل وترًا إلى الكعب الاول من الإول من إلابهام، فتبسطه بتوريب إلى الإنسى.
1-104
1
وقدينشأ من الرأس الوحشى من الفخذ عضلة، وتتصل باحدى العضلتين
2
العقبيتين وتتشعب، ثم تنفصل عنها إذا جازت باطن الساق "حاذت" وترًا، يستبطن
3
أسفل القدم، ويتفرش تحته كله على قياس العضلة المنفرشة على باطن الراحة ولمثل
4
منفعتها.
5
|18va39|الفصل الثلاثون فى تشريح عضل أصابع الرجل
6
وأما العضل المحركة للاصابع فالقوابض، منها عضل كثيرة، فمنها عضلة، منشأها من
7
رأس القصبة الوحشية، وتنحدر ممتدة عليها، وترسل وترًا، ينقسم إلى وترين، لقبض
8
الوسطى والبنصر. وأخرى أصغر من هذه، ومنشأها هو من خلف الساق؛ وإذا
9
أرسلت الوتر انقسم وترها إلى وترين، يقبضان الخنصر والسبابة. ثم يتشعب من
10
كل واحد من القسمين وتر، يتصل بالمتشعب من الآخر، ويصير وترًا واحدًا،
11
يمتد إلى الإبهام فيقبضه. وعضلة ثالثة قد ذكر ناها، تنشأ من وحشى طرف
12
القصبة الإنسية، وتنحدر بين القصبتين، وترسل جزءًا منها ليقبض القدم، و
13
جزءًا إلى الكعب الأول من الإبهام. فهذه هى العضل المحركة للاصابع التى وضعها
14
على الساق، ومن خلف.
15
وأما اللواتى وضعها فى كف الرجل: فمنها عضل عشر، قد فاتت المشرحين،
16
وأول من عرفها جالينوس، وهى تتصل بالأصابع الخمس؛ لكل إصبع عضلتان:
17
يمنة، ويسرة، وتحرك إلى القبض؛ إما على الإستقامة إن حركتا معًا، أوالميل
18
إن حركت واحدة . ومنها أربع على الرسغ: لكل إصبع واحدة، وعضلتان خاصتان
19
بالإبهام والخنصر للقبض.
20
وهذه العضل متمازجة جدًا، حتى إذا أصاب بعضها آفة، حدث من ذلك
21
أن ضعف فعل البواقى فيما يخصها، وفى أن تنوب عن هذه بعض النيابة فيما يخص هذه.
22
ولهذا السبب مايعسر قبض بعض أصابع القدم خاصة دون بعض. ومن عضل الأصابع
23
خمس عضل، موضوعة فوق القدم، من شانها أن تميل إلى الوحشى؛ وخمس موضوعة
24
تحتها، تصل كل واحدة منها إصبعًا بالذى يليه من الشق الإنسى، فتميله بالحركة إلى الجانب
25
الإنسى. وهذه الخمس مع اللتين تخصان الإبهام والخنضر، هى على قياس السبع التى للراحة،
26
وكذلك العشر الاول، فيكون جميع عضل البدن خمس مائة وسبعًا وعشرين
27
عضلة.
1-105
1
|18vb20|الجملة الثالثة
2
من التعليم الخامس
3
|18vb21|الفصل الاول كلام كلى فى العصب
4
منفعة العصب: منها ما هى بالذات، ومنها بالعرض؛ والتى بالذات إفادة الدماغ
5
بتوسطها لسائر الأعضاء حسًا وحركة، واللتى بالعرض: فمن ذلك تشديد اللحم، وتقوية
6
البدن؛ ومن ذلك الإشعار بما يعرض من الآفات للاعضاء العديمة الحس، مثل الكبد
7
والطحال والرئة؛ فان هذه الأعضأ وإن فقدت الحس، فقد أجرى عليها لفافة عصبية،
8
وغشيت بغشأ عصبى. فاذا تورمت أوتمددت بريح تادى ثقل الورم أوتفريق الريح إلى اللفافة
9
وإلى أصلها، فعرض لها من الثقل إنجذاب، ومن الريح تمزق فأحس به.
10
والأعصاب مبدأها على الوجه المعلوم، هو الدماغ، ومنتهى تفرقها هو <ظاهر>
11
الجلد؛ فان الجلد يخالطه ليف دقيق منبث فيه من أعصاب من الأعضاء المجاورة له.
12
و<كون> الدماغ مبدءًا للعصب هو على وجهين: فانه مبدأ لبعض العصب بذاته، ومبدأ
13
لبعضه بواسطة النخاع السائل منه. والأعصاب المنبعثة من الدماغ نفسه، لايستفيد منها
14
الحس والحركة، إلا أعضاء، الرأس والوجه والأحشاء الباطنة، وأما سائر الأعضاء فانما
15
تستفيد هما من أعصاب النخاع.
16
وقد دل جالينوس على عناية عظ يمة تختص بما ينزل من الدماغ إلى الأحشاء من
17
العصب؛ فان الصانع إحتاط فى و قايتها إحتياطًا لم يوجيه فى سائر العصب؛ و ذلك انها
18
لما بعدت من المبدأ، وجب أن ترفد بفضل توثيق، فغشاها بجرم متوسط بين العصب
19
والغضروف فى قوامه ، متشاكل لما يحدث فى جرم العصب عند الإلتواء. وذلك من مواضع
20
ثلاثة: أحدها عند الحنجرة، والثانى إذا صار إلى أصول الأضلاع، والثالث إذا جاوز موضع
21
الصدر.
22
والأعصاب الدماغية الأخرى فما كان فيه المنفعة إفادة الحس، أنفذ من منبعه
23
على الإستقامة إلى العضوالمقصود؛ إذ كانت الإستقامة مودية إلى المقصود من أقرب الطرق،
24
وهناك يكون التاثير الفائض من المبدأ أقوى؛ وإذ كانت الأعصاب الحسية لايراد فيها
25
من التصليب المحوج إلى التبعيد عن جوهر الدماغ بالتعريج، ليبعد من مشابهته فى اللين
26
بالتدريج، مايراد فى أعصاب الحركة، بل كلما كانت ألين كانت لقوة الحس أشد تادية.
27
وأما الحركية فقد وجهت إلى المقصد بعد تعاريج تسلكها، لتبعد عن المبدأ ، وتتدرج
28
فى التصلب. وقدأعان على كل واحد من الصنفين على الواجب فيه من التصب والتليين
29
جوهر منبته، إذ كان جل مايفيد الحس منبعثًا من مقدم الدماغ. والجزء الذى هو مقدم
1-106
1
الدماغ ألين قوامًا، وجل ما يفيد الحركة منبعثًا من مؤخر الدماغ. والجزء الذى هو مؤخر
2
الدماغ أثخن قوامًا.
3
|19ra21|الفصل الثانى فى تشريح العصب الدماغى ومسالكه
4
قد تنبت من الدماغ أزواج من العصب سبعة: فالزوج الأول مبدأه من غور البطنين
5
المقدمين من <بطون > الدماع عند جواز الزائدتين المشتبهتين بحلمتى الثدى اللتين بهما الشم،
6
وهو عظيم مجوف يتيامن النابت منهما يسارًا، ويتياسر النابت منهما يمينًا؛ ثم يلتقيان
7
على تقاطع صليبى، ثم ينفذ النابت يمينًا إلى الحدقة اليمنى، والنابت يسارًا إلى الحدقة
8
اليسرى. وتتسع فوهاتهما حتى تشتمل على الرطوبة التى نسمى زجاجية. وقد ذكر غير جالينوس:
9
انهما ينفذ ان على التقاطع الصليبى من غير إنعطاف.
10
وقد ذكر لوقوع هذا التقاطع منافع ثلاث: إحداها ليكون الروح السائلة إلى إحدى
11
الحدقتين، غير محجوبة عن السيلان إلى الأخرى إذا عرضت لها آفة؛ ولذلك يصير
12
كل واحدة من الحدقتين أقوى إبصارًا اذا غمضت الأخرى، وأصفى منها لو لحظت. والأخرى
13
[لا] تلحظ، ولهذا ما تزيد الثقبة العنبية إتساعًا إذا غمضت الأخرى؛ وذلك لقوة
14
اندفاع الروح [الباصر]إليها. والثانية أن يكون للعنين "مؤديًا واحدًا"، يؤديان إليه الشبح المبصر
15
فيتحد هناك، ويكون الإبصار بالعينين إبصارًا واحدًا لتمثل الشبح فى الحد المشترك.
16
و لذلك يعرض للحول أن يروا الشئى الواحد شيئين، عندما تزول إحدى الحدقتين إلى
17
فوق أو إلى أسفل، فيبطل به إستقامة نفوذ المجرى إلى التقاطع، ويعرص قبل الحد المشترك
18
حد لانكسار العصبة. والثالثة لكى تستدعم كل عصبة بالأخرى، وتستند إليها، وتصير
19
كانها تتبت من قرب الحدقة.
20
والزوج الثانى من أزواج العصب الدماغى: منشأه من خلف منشأ الزوج الأول، ومائلًا
21
عنه إلى الوحشى، ويخرج من الثقبة التى فى النقرة المشتملة على المقلة، فينقسم فى عضل
22
المقلة. وهذا الزوج غليظ جدًا، ليقاوم غلظه لينه الواجب، لتقربه من المبدأ، فيقوى على
23
التحريك، وخصوصًا إذلا معين له؛ إذ الثالث مصروف إلى تحريك عضو كبير، هو
24
الفك الأسفل، فلا يفضل عنه فضلة، بل يحتاج إلى معين غيره كما سنذكره.
25
وأما الزوج الثالث: فمنشأه الحد المشترك بين مقدم الدماغ ومؤخره، من لدن
26
قاعدة الدماغ، وهو يخالط اولًا الزوج الرابع قليلًا، ثم يفارقه، ويتشعب أربع شعب: شعبة
27
تخرج من مدخل العرق السباتي الذى نذكره بعد، وتأخذ منحدرة عن الرقبة، حتى تجاوز
28
الحجاب، فتتوزع فى الأحشأ التى دون الحجاب. والجزء الثانى مخرجه من ثقب فى عظم
29
الصدغ، وإذا انفصل إتصل بالعصب المنفصل من الزوج الخامس الذى سنذكر حاله.
1-107
1
وشعبة تطلع فى الثقب "الذى يخرج" منه الزوج الثانى؛ إذكان مقصده الأعضاء الموضوعة
2
قدام الوجه، ولم يحسن أن ينفذ فى منفذ الزوج الأول المجوف، فيزاحم أشرف العصب،
3
ويضغطه فينطبق التجويف.
4
وهدا الجزء إذا انفصل ينقسم ثلاثة أقسام: قسم يميل إلى ناحية المأق، ويتخلص
5
إلى عضل الصدغين، والماضغين، والحاجب، والجبهة، والجفن. والقسم الثانى ينفذ
6
فى الثقب المخلوق عند اللحاظ حتى يخلص إلى باطن الأنف، فيتفرق فى الطبقة المستبطنة
7
للانف. والقسم الثالث وهو قسم غير صغير، ينحدر فى التجويف البرنجى المهيأ فى عظم
8
الوجنة، فيتفرغ إلى فرعين: فرع منه يأخذ إلى داخل تجويف الفم، فيتوزع فى الأسنان؛
9
أما حصة الأضراس منها فظاهرة، وأما حصة سائرها فكا لخفية عن البصر، ويتوزع إيضًا
10
ى اللثة العليا. والفرع الآخر ينبث فى ظاهر الأعضأ هناك، مثل جلدة الوجنة، وطرف
11
الأنف، والشفة العلياء، فهذه أقسام الجزء الثالث من الزوج الثالث.
12
وأما الشعبة الرابعة من الزوج الثالث: فتتخلص نافذة فى ثقبة فى الفك الأعلى
13
إلى اللسان، فتتفرق طبقته الظاهرة، وتفيده الحس الخاص به، وهو الذوق، وما يفضل
14
من ذلك يتفرق فى عمور الأسنان السفلى ولثاتها، وفى الشفة السفلى. والجزء الذى يأتى
15
اللسان أدق من عصب العين؛ لأن صلابة هذا ولين ذلك يعادل غلظ ذاك ودقة هذا.
16
وأما الزوج الرابع: فمنشأه خلف الثالث، وأميل إلى قاعدة الدماغ، ويخالط الثالث
17
كما قلنا، ثم يفارقه ويخلص إلى الحنك، فيؤتيه الحس، وهو [زوج] صغير؛ إلا أنه
18
أصلب من الثالث؛لأن الحنك وصفاق الحنك أصلب من صفاق اللسان.
19
وأما الزوج الخامس: فكل فرد منه ينشق بنصفين على هيئة المضاعف، بل عند
20
اكثرهم كل فرد منه زوج، ومنبته من جانبى الدماغ. والقسم الأول من كل زوج منه يعمد إلى
21
الغشاء المستبطن للصماخ، فيتفرق فيه كله؛ وهذا القسم بالحقيقة منبته من الجزء المؤخر
22
من الدماغ، وبه حس السمع. وأما القسم الثانى وهو أصغر من الأول، فانه يخرج من الثقب
23
المثقوب فى العظم الحجرى، وهو الثقب الذى يسمى بالأعور والأعمى، لشدة إلتواءه، و
24
تعريج مسلكه إرادة لتطويل المسافة، وتبعيد آخرها عن المبدأ، ليستفيد العصب قبل خروجه
25
منه، بعدًا من المبدأ، لتتبعه صلابة. فاذا برز إختلط بعصب الزوج الثالث، فصار أكثرهما
26
إلى ناحية الخد والعضلة العريضة، وصار الباقى منهما إلى عضل الصدغين.
27
وإنما خلق الذوق فى العصبة الرابعة، والسمع فى العصبة الخامسة، لأن آلة السمع
28
إحتاجت إلى أن تكون مكشوفة<و>غير مسدود إليها سبيل الهواء. وآلة الذوق وجب أن
29
تكون محرزة، فوجب من ذلك أن يكون عصب السمع أصلب، فكان منبته من مؤخر الدماغ
1-108
1
أقرب. وإنما اقتصر فى عضل العين على عصب واحد، وكثر أعصاب عضل الصدغين
2
لأن ثقبة العين إحتاجت إلى فضل سعة، لإحتياج العصب المودية لقوة البصر إلى فضل غلظ
3
لإحتياجها إلى التجويف، فلم يحتمل العظم المنتقر لضبط المقلة ثقوبًا كثيرة. وأما عصب
4
الصدغين فاحتاجت إلى فضل صلابة، ولم يحتج إلى فضل غلظ، بل كان الغلظ مما
5
يثقل عليها الحركة؛ وإيضًا المخرج الذى لها فى عظم حجرى صلب يحتمل ثقوبًا عديدة.
6
وأما الزوج السادس فاءنه ينبت من مؤخر الدماغ، متصلًا بالخامس، مشدودًا باغشية
7
وأربطة، كانهما عصبة واحدة، ثم يفارقه، ويخرج من الثقب الذى فى منتهى الدرز اللامى.
8
وقد إنقسم قبل الخروج ثلاثة أجزاء: ثلاثتها تخرج من ذلك الثقب معًا. فقسم منها يأخذ
9
طريقه إلى عضل الحلق وأصل اللسان، ليعاضد الزوج السابع على تحريكها. والقسم الثانى
10
ينحدر إلى عضل الكتف ومايقاربها، ويتفرق اكثره فى العضلة العيضة التى على الكف؛
11
وهذا القسم صالح المقدار، وينفذ معلقًا إلى أن يصل <إلى> مقصده. وأما القسم الثالث
12
وهو أعظم الأقسام الثلاثة، فاءنه ينحدر إلى الأحشاء فى مصعد العرق السباتى، ويكون
13
مشدودًا إليه مربوطًا به؛ وإذا حاذى الحنجرة تفرعت منه شعب، وأتت العضل الحنجرة
14
التى رؤسها إلى فوق، التى تشبيل الحنجرة وغضا يفها. فاذا جاوزت الحنجرة صعد منها
15
شعب تأتى العضل المتنكسة التى رؤسها إلى أسفل، وهى التى لابد منها فى أطباق الطرجهالى
16
وفتحه؛ إذ لابد من جذب إلى أسفل، ولهذا يسمى العصب الراجع. وإنما أنزل الراجع
17
هذا من الدماغ، لان النخاعية لوأصعدت [الصعدت] مؤرية غير مستقيمة من مبدأها،
18
فلم يتهيأ الجذب بها إلى أسفل على الاحكام. وإنما خلقت من السادس، لأن مافيه
19
من الأعصاب اللينة، والمأئلة إلى اللين، ماكان منها قبل السادس، وقد توزع فى عضل
20
الوجه والرأس ومافيهما. والسابع لاينزل على الإستقامة نزول السادس، بل يلزمه تورب لا محالة.
21
ولما كان قد يحتاج الصاعد الراجع إلى مستند محكم شبيه بالبكرة، ليدور عليه الصاعد
22
متايدا ًبه، وأن يكون مستقيمًا وضعه صلبًا قويًا أملس، موضوعًا بالقرب، فلم يكن كالشريان
23
العظيم. والصاعد من هذا الشعب ذات اليسار يصارف هذا الشريان، وهو مستقيم غليظ،
24
فينعطف عليه من غير حاجة إلى توثيق كثير. وأما الصاعد ذات اليمين فليس يجاوره هذا
25
الشريان على الصفة الأولى، بل يجاوزه وقد عرضت له دقة لتشعب ما تشعب منه، وفاتته
26
الإستقامة فى الوضع إذا تورب مائلًا إلى لإبط، فلم يكن بد من توثيقه بمايستند عليه بأربطة تشد
27
الشعب به، ليتدارك بذلك مافات من الغلظ والاستقامة فى الوضع. والحكمة فى تبعيد هذه
28
الشعب الراجعة هى أن تقارب مثل هذا المتعلق، وأن تستفيد بالتباعد عن المبدأ قوة وصلابة.
29
وأقوى العصب الراجع هو الذى يتفرق فى المطبقتين من عضل الحنجرة مع شعب
30
عصب معينة، ثم سائر هذا العصب ينحدر، فيتشعب منه شعب تتفرق فى أغشية الحجاب
1-109
1
والصدر، وعضلاتها، وفى القلب والرئة، والأوردة والشرائين التى هناك، وباقيه ينفذ
2
بالحجاب فيشارك المنحدر من الجزء الثالث، ويتفرقان فى أغشية الأحشاء، ويتهى إلى
3
العظم العريض.
4
وأما الزوج السابع فمنشأه من الحد المشترك بين الدماغ والنخاع، ويذهب أكثره
5
متفرقًا فى العضل المحركة للسان، والعضل المشتركة بين الدرقى والعظم اللامى، وسائره
6
قد يتفق أن يتفرق فى عضل أخرى مجاورة لهذه العضل، ولكن ليس ذلك بدائم. و
7
لما كانت الأعصاب الآخرى منصرفة إلى واجبات أخرى، ولم يكن يحسن أن تكثر الثقب فيما يتقدم [و] لا من تحت ، كان الأولى أن تاتي حركة اللسان عصب من هذا الموضع،
8
إذ قد أتى حسه فى موضع آخر.
9
|19vb43|الفصل الثالث فى تشريح "عصب نخاع العنق" ومسالكه
10
العصب النابت من النخاع السالك فى فقار الرقبة نمانية أزواج: زوج مخرجه من
11
ثقبتى الفقرة الأولى، ويتفرق فى عضل الرأس وحدها، وهو صغير دقيق؛ إذ كان الأحوط
12
فى مخرجه أن يكون ضيقًا على ما قلنا فى باب العظام.
13
والزوج الثاني مخرجه مابين الفقرة الأولى والثانية، أعنى الثقبة المذكورة فى باب
14
العظام، ويوصل اكثره إلى الرأس حس اللمس، بأن يصعد موربًا إلى اعلى القفا، وينعطف
15
إلى قدام، وينبث على الطبقة الخارجة من الأذنين، فيتدارك تقصير الزوج الأول لصغره
16
وقصوره عن الإنبثاث والإنبساط فى النواحى التى [تليه بالتمام ، وباقى هذا الزوج ياتي العضل
17
التى] خلف العنق والعضلة العريضة فيؤتيها الحركة.
18
والزوج الثالث: منشأه ومخرجه من الثقبة التى بين الثانية والثالثة، ويتفرع كل
19
واحد فرعين: فرع يتفرق فى عمق العضل التى هناك منه شعب، وخصوصًا المقلبة
20
للراس مع العنق، ثم يصعد إلى شوك الفقار؛ فاذا حاذاها تشبث بأصولها، ثم ارتفع إلى
21
رؤسها، وخالطه أربطة غشائية تنبت من تلك السناسن، ثم ينفذان منعطفين إلى جهة الأذنين،
22
وفى غير الانسان ينتهى إلى الأذنين، فيحرك عضل الأذنين. والفرع الثانى يأخذ إلى قدام،
23
حتى يأتى العضلة العريضة، واؤل ما يصعد تلتف به عروق وعضل تكتنفه ليكون أقوى
24
في نفسه؛ وقد يخالط إيضا عضل الصدغين وعضل الأذنين فى البهائم، وأكثرتفرقه إنما
25
هو فى عضل الخدين.
26
وأما الزوج الرابع: فمخرجه من الثقبة التى بين الثالثة والرابعة، وينقسم كالذى
27
قبله إلى جزء مقدم وجزء مؤخر. والجزء المقدم منه صغير، ولذلك يخالط الخامس. وقد
1-110
1
قيل انه قد ينفذ منه شعبة كنسج العنكبوت، ممتدة على العرق السباتى، إلى أن تأتى الحجاب
2
الحاجز، مارًا على شقى الحجاب المنصف للصدر. والجزء الاكبر منه ينعطف إلى خلف،
3
فيغور فى عمق العضل، حتى يخلص إلى السناسن ، فيرسل شعبًا إلى العضل المشتركة
4
بين الرأس والرقبة، ثم يأخذ طريقه مًنعطفًا إلى قدام، فيتصل بعضل الخد والأذنين
5
فى البهائم. وقيل: إنه يخدرمنه إلى الصلب.
6
وأما الزوج الخامس: فمخرجه من الثقبة التى بين الرابع والخامس، ويتفرع إيضًا
7
فرعين: واحد الفرعين هو المقدم، وهو أصغرهما، يأتى عضل الخدين، وعضل
8
تنكيس الرأس، وسائر العضل المشتركة للراس والرقية. والفرع الثاني ينقسم الى شعبتين:
9
شعبة هى المتوسطة بين الأولى وبين الشعبة الثانية ، تأتي أعالي الكتف، ويخالطها شىء
10
من السادس والسابع. والشعبة الثانية يخالط شعبًا من الخامس والسادّس والسابع، وينفذ
11
إلى وسط الحجاب.
12
وأما الزوج السادس والسابع والثامن: فانها تخرج من سائر الثقب على الولاء، و
13
الثامن مخرجه من الثقبة المشتركة بين آخر فقار الرقبة، وأول فقار الصلب، ويختلط
14
شعبها إختلاطًا شديدًا، لكن اكثر السادس يأتى السطح من الكف، وبعض منه اكثر
15
من البعض الذى من الرابع وأقل من البعض الذى للخامس يأتى الحجاب، والسابع أكثره
16
يأتى العضد وإن كان من شعبة ما ياتى عضل الرأس والعنق والصلب مصاحبة لشعبة الخامس
17
ويأتى الحجاب. وأما الثامن فبعد الاختلاط والمصاحبة، يأتي جله الساعد والذراع، فليس
18
منه ما ياتى الحجاب؛ لكن الضائر من السادس إلى ناحية اليد لا يجاوز الكتف، ومن
19
السابع لا يجاوز العضد. وأما الذى يجئى للساعد من الكتف، فهو من الثامن، مخلوطًا
20
بأول النوابت من فقار الصدر.
21
وإنما قسم للحجاب من هذه الأعصاب، دون أعصاب النخاع التى تحت هذه
22
ليكون الوارد عليها مخدرًا من مشرف، فيحسن إنقسامها فيه؛ وخصوصًا إذا كان اول
23
مقصدها هو الغشاء المنصف للصدر، ولم يمكن يأتيها عصب النخاع على إستقامة من
24
غير إنكسار بزاوية. ولو كان جميع العصب المنحدر إلى الحجاب نازلًا من الدماغ لكان
25
يطول مسلكه؛ وإنما جعل متصل هذه الأعصاب من الحجاب وسطه، لانه لم يكن
26
يحسن إنبثائها وإنتشارها فيه على عدل وسوية، لو إتصل بطرف دون الوسط، أوكان يتصل
27
بجميع المحيط، وكان ذلك ناكسًا لمجرى الواجب؛ إذ كانت العضل إنما تفعل التحريك
28
بأطرافها ثم المحيط، هو المتحرك من الحجاب، فوجب أن يكون إنتهاء العصب إليه
29
لا إبتداءه؛ ولما وجب أن ياتى الوسط وجب تعلقة ضرورة، فوجب أن تحمى وتغشى وقاية،
1-111
1
فغشيت وقاية حامية يصحبها من الغشاء المنصف للصدر، ونزل متكئًا عليه؛ ولما كان
2
فعل هذا العضو فعلًا كريمًا، جعل لعصبه مباد كثيرة؛لئلا تبطل بأفة تلحق المبدأ الواحد.
3
|20rb32|الفصل الرابع فى تشريح "عصب النخاع" فقار الصدر
4
الأول من أزواجه: مخرجه هو بين الأولى والثانية من فقار الصدر، وينقسم إلى
5
جزأين: أعظمهما يتفرق فى عضل الأضلاع، وعضل الصلب. وثانيهما يأتى ممتدا على
6
الاضلاع الأولى، فيرافق ثامن عصب العنق، ويمتدان معًا إلى اليدين حتى يوافيا الساعد، والكف.
7
والزوج الثانى يخرج من الثقبة التى تلى الثقبة المذكورة؛ فيتوجه جزء منه الى ظاهر العضد،
8
ويفيده الحس، وباقيه مع سائر الأوزواج الباقية تجتمع فتنحو نحو عضل الكتف الموضوعة
9
عليه المحركة لمفصله وعضل الصلب، فما كان من هذه العصب نابتًا من فقار الصدر،
10
فالشعب التى لاياتى الكتف منه ياتي عضل الصلب والعضل التى فيما بين الأضلاع الخلص،
11
والموضوعة خارج الصدر. وما كان منبته من فقار أضلاع الزور، فانما ياتى العضل التى فيما بين
12
الأضلاع وعضل البطن، ويجرى مع شعب هذه الأعصاب عروق ضاربة وساكنة
13
يدخل فى مخارجها إلى النخاع.
14
|20rb58|الفصل الخامس فى تشريح "عصب فقار القطن"
15
عصب القطن يشترك في أنها جزء منها يأتي عضل الصلب، وجزء منها عضل البطن،
16
والعضل المستبطنة للصلب؛ لكن الثلاثة العلى تخالط العصب النازلة من الدماغ دون باقيها.
17
والزوجان السافلان يرسلان شعبًا كبارًا إلى ناحية الساقين، يخالطها شعب من الزوج الثالث،
18
وشعبة من أول أعصاب العجز؛ إلا أن هاتين الشعبتين لاتجاوزان مفصل الورك، بل
19
تتفرقان فى عضله، وتلك تجاوزها إلى الساقين، وتفارق عصب الفخذين والرجلين
20
عصب اليدين، فى أنها لاتجتمع كلها فتميل غائرة إلى الباطن؛ إذليس هيئة إتصال العضد
21
بالكتف كهيئة إتصال الفخذ بالورك، ولا إتصاله بمنبت أعصابه كاتصال ذلك بمنبت
22
أعصابه. فهذه العصب متوجهة إلى ناحية الساق توجهًا مختلفًا، منه ما يستبطن، ومنه
23
مايستظهر، ومنه مايعوص مستترًا تحت العضل. ولما يكن للعصب التى تنبت من ناحية
24
عظم العانة طريق إلى الرجلين من خلف البدن، ومن باطن الفخذين، لكثرة ماهناك
25
من العضل والعروق، أجرى جزء من العصب الخاص بالعضل التى فى الرجلين، فأنفذ
26
فى المجرى المنحدر إلى الخصيتين، حتى يتوجه إلى عضل العانة، ثم ينحدر إلى عضل
27
الركبة.
1-112
1
|20va30|الفصل السادس فى تشريح عصب العجزوالعصعص
2
الزوج الأول العجزى يخالط القطنية على ماقيل، وباقى الأزواج، والفرد النابت
3
من طرف العصعص يتفرق فى عضل المقعدة، والقضيب نفسه، وعضلة المثانة، والرحم،
4
وفى غشأ البطن، وفى الاجزاء الانسية الداخلة من عظم العانة، والعضل المنبعثة من
5
عظم العجز. تم القول فى العصب.
6
|20va39|الجملة الرابعة من التعليم الخامس
7
فى الشرائين
8
|20va40|الفصل الاول وهو كلام فى صفة الشريان
9
العروق الضوارب: وهى الشرائين خلقت، إلا واحدًا منها، ذات صفاقين
10
وأصلبهما المستبطن؛ اذ هو الملاقى للضربان وحركة جوهر الروح القوية، المقصود صيانته
11
وإحرازه وتقوية وعاءه. ومنبت الشرائين هو من التجويف الأيسر تجويفى القلب، لان الأيمن
12
منه أقرب من الكبد، فوجب أن يجعل مشغولأبجذب الغذاء وإستعماله.
13
|20va51|الفصل الثانى فى تشريح الشريان الوريدى
14
وأول ماينبت من التجويف الأيسر شريانان: أحدهما يأتى الرئة وينقسم فيها
15
لاستنشاق النسيم، وإيصال الدم، الذى يغذو الرئة إلى الرئة من القلب؛ فان ممر غذاء
16
الرئة هو القلب، ومن القلب يصل إلى الرئة. ومنبت هذا القسم هو من أدق أجزاء القلب. وحيث
17
ينفذ فيه الاوردة إليه، وهو ذو طبقة واحدة نجلاف سائر الشرائين، ولهذا يسمى الشريان الوريدى.
18
وانما خلق من طبقة واحدة؛ ليكون ألين وأسلس، واطوع للانبساط والإنقباض، وليكون
19
أطوع لترشح مايترشح منه الرئة من الدم اللطيف البخارى، الملائم لجوهر الرئة، الذى
20
قد قارب النضج فى القلب. وليس يحتاج إلى فضل نضج كحاجة الدم الجارى فى الوريد
21
الأجوف الذى تذكره؛ وخصوصًا إذ مكانه من القلب قريب، فتتأدى إليه قوة الحرارة
22
المنضجة بسهولة؛ وإيضًا فان العضو الذى ينبض فيه، عضو سخيف، لايخشى مصادمته
23
لذلك السخيف عند النبض أن تؤثر فيه صلابته، فاستغنى لذلك عن تثخين بجرمه، ما
24
لايستغنى عنه فى مجاورة الشرائين سائر الأعضاء الصلبة.
25
وأما الوريد الشريانى الذي نذكره، فانه وإن كان مجاورًا للرئة، فانما بجاور منها
26
مؤخرها مما يلى الصلب. وهذا الشريان الوريدى إنما يتفرق فى مقدم الرئة ويغوص فيها،
27
وقد صار أجزءًا وشعبًا؛ بل إذا قيس بين حاجتى هذا الشريان إلى الوثاقة ، وإلى السلاسة
1-113
1
المسهلة عليه الإنبساط والإنقباض، ورشح ما يرشح منه، وجدت الحاجة إلى التسليس
2
أمس منها إلى التوثيق والتثخين.
3
وأما الشريان الآخر وهو الأكبر، ويسيميه أرسطوطاليس أورطى، فأول ماينبت من
4
القلب يرسل شعبتين: أكبرهما يستدير حول القلب، ويتفرق فى أجزاءه . والأصغر يستدير،
5
ويتفرق فى التجويف الايمن. وما يبقى بعد الشعبتين، فانه إذا انفصل إنقسم قسمين:
6
قسم أعظم مرشح لانحدار، وقسم أصغر مرشح للاصعاد. وإنما خلق المرشح للانحدار
7
زائدًا فى مقداره على الآخر، لأنه يؤم أعضاء هى أكثر عدادًا، وأعظم مقادير، وهى الأعضاء
8
الموضوعة دون القلب.
9
وعلى مخرج أورطى أغشية ثلاثة صلبة، هى من داخل إلى خارج، فلو كانت واحدة
10
أو اثنتين، لما كانت تبلغ المنفعة المقصودة فيها؛ إلابتعظيم مقدارها أو مقدارهما،
11
فكانت الحركة تثقل بهما؛ ولوكانت أربعة لصغرت جدًا ويطلت منفعتها، وإن عظمت فى
12
مقاديرها ضيقت المسلك.
13
وأما الشريان الوريدى فله غشاءان موليان إلى داخل؛ وانما إقتصر على إثنين،
14
إذليس هناك من الحاجة إلى احكام السكر ماهاهنا، بل الحاجة هناك إلى إيهانه
15
اكثر، ليسهل إندفاع البخار الدخانى والدم الصائر إلى الرئة.
16
|20vb51|الفصل الثالث فى تشريح الشريان الصاعد <وهو الجزء الصاعد > من جزىء أورطى
17
وأما الجزء الصاعد من جزىء أورطى، فإنه ينقسم إلى قسمين: اكبرهما يأخذ
18
مصعدًا نحو اللبة، ثم يتورب إلى الجانب الأيمن ، حتى إذا بلغ اللحم الرخو التوئي الذى هناك
19
إنفسم ثلائة أقسام: إثنان منها هما الشريانان المسميان بالسباتين، ويصعدان يمنة
20
ويسرة مع الوداجين الغائرين اللذين نذكرهما بعد، ويرافقانهما فى الإنقسام على مانذكره بعد.
21
أما القسم الثالث فيتفرق فى القس، وفى الاضلاع الأول الخلص، والفقارات الست العلى من
22
الرقبة وفى نواحى الترقوة، حتى يبلغ رأس الكتف، ثم يجاوزه إلى أعضاء اليدين . وأما القسم
23
الاصغر من قسمى أورطى الصاعد، فإنه يأخذ إلى ناحية الإبط، وينقسم إنقسام القسم
24
الثالث من القسم الاكبر.
25
|21ra8|الفصل الرابع فى تشريح الشريانين السباتيين
26
وكل واحد من الشريانين السباتيين ينقسم عند إنتهائه إلى الرقبة إلى قسمين:
27
قسم مقدم، وآخر مؤخر. والمقدم ينقسم قسمين: قسم يستبطن، فيأخذ إلى اللسان،
28
والعضل الباطنة من عضل القلب الاسفل. وقسم يستظهر ويرتقى الى مايلي قدام الأذنين
1-114
1
إلى عضل الصدغين، ويجاوزها بعد أن يخلف فيها شعبًا كثيرة إلى قلة الرأس، وتتلا قى
2
أطراف اليمنى مع أطراف اليسرى منها.
3
وأما الجزء المؤخر فيتجزى جزئين: والأصغر منها يرتقى أكثره إلى خلف ، ويتفرق
4
فى العضل المحيط بمفصل الرأس، وبعضه يتوجه إلى قاعدة مؤخر الدماغ، داخلًا فى ثقب
5
عظيم عند الدرز. اللامى. وأما الأكبر فيدخل قدام هذا الثقب فى الثقب [الذى فى العظمٍ]
6
الحجرى إلى الشبكة؛ بل وتنتسج عنه الشبكة عروقًا فى عروق، وطبقات على طبقات،
7
من غضون على غضون، من غير أن يمكن أخذ[كل] واحد منها بانفراده؛ إلاملتصقًا بآخر،
8
مربوطًا به كالشبكة؛ ويتفرق قدامًا وخلفًا ويمنة ويسرة، وينتشر فى الشكبة، ثم يجتمع
9
منها جزء كما كان أولًا ،وينثقب له الغشاء، ويرتقى إلى الدماغ، ويتفرق فيه فى الغشاء
10
الرقيق، ثم فى جرم الدماغ إلى بطونه وصفاق بطونه، ويلاقى فوهات شعبها التى قد صعدت
11
ثم فوهات شعب العروق الوريدية النازلة. وإنما أصعدت هذه، وأنزلت تلك، لأن تلك
12
ساقية صابة للدم الذى أحسن أوضاع أوعيته الساقية أن تكون منتكسة الأطراف. وأما هذه
13
فانها تفيد الروح؛ والروح لطيف متحرك صاعد، لايحتاج إلى تنكيس وعائه حتى ينصب؛
14
بل إن فعل ذلك أدى إلى افراط إستفراغ الدم الذى يصحبه، وإلى عسر حركة الروح فيه؛
15
لأن حركة إلى فوق أسهل. وبما فى الروح من الحركة واللطافة كفاية فى أن ينبث منه فى
16
الدماغ ما يحتاج إليه ويسخنه، ولهذا فرشت الشبكة تحت الدماغ، ليتردد الدم الشريانى
17
والروح فيها، ويتشبه بالمزاج الدماغى بعد النضج، ثم يتخلص إلى الدماغ على تدريج.
18
والشكبة موضوعة بين العظم وبين الغشاء الصلب.
19
|21ra55|الفصل الخامس فى تشريح الشريان النازل وهو الجزء النازل من أورطى
20
فأما القسم الثانى النازل فانه يمضى أولًا على الاستقامة إلى أن يتوكاء على الفقرة
21
الخامسة؛ إذ وضعها بحذاء وضع رأس القلب، وهناك التوثة كالمسند والدعامة له لتحول
22
بينه وبين عظام الصلب. والمرى إذا بلغ ذلك الموضع تنحى عنه يمنة ولم يجاوره، ثم استقل
23
متعلقًا بأغشية عند موافاته الحجاب لئلا يضائقه. وهذا الشريان النازل إذا بلغ الفقرة الخامسة،
24
إنحرف وانحدر إلى أسفل، ممتدًا على الصلب إلى أن يلبغ عظم العجز؛ وكما يحاذى الصدر
25
ويمربه "يخلف شعبة" صغيرة دقيقة، تتفرق فى وعاء الرية من الصدر، وياتى أطرافه قصبة
26
الرئة، ولايزال يخلف عند كل فقرة يمربها شعبة تصير إلى مابين الأضلاع والنخاع.
1-115
1
فاذا تجاوز الصدر تفرع منه شريانان، يأتيان الحجاب ويتفرقان فيه يمنة ويسرة، وبعد ذلك
2
يخلف شريانًا، يتفرق شعبة فى المعدة والكبد والطحال، ويتخلص من الكبد شعبة
3
إلى المثانة، وينبت بعد ذلك شريان يأتّى الجداول التى حول المعاء الدقاق وقولون.
4
ثم من بعد ذلك ينفصل منه ثلاث شرائين: الصغير منها يخص الكلية اليسرى و
5
يتفرق فى لفافتها، وما يحيط بها من الأجسام، ويفيدها الحياة. والآخران يصيران
6
إلى الكليتين، لتجذب الكلية منهما مائية الدم؛ فانهما كثيرًا ما يجذبان من المعدة والأمعاء
7
دمًا غير نقى. ثم ينفصل شريانان يأتيان الانثيين، والآتى إلى اليسرى منهما يستصحب
8
دائمًا قطعة من الآتى إلى الكلية اليسرى، بل ربما كان منشأ ما يأتى الخصية اليسرى هو من
9
الكلية اليسرى فقط، والتى يأتى اليمنى يكون منشأه دائما من الشريان الأعظم، وفى الندرة
10
ربما استصحب شيئًا مما يأتى الكلية اليمنى. ثم ينفصل من هذا الشريان الكبير شرائين،
11
يتفرق فى جداول العروق التى حول المعاء المستقيم، وشعب تتفرق فى النخاع وتدخل فى
12
ثقب الفقار، وعروق تصير إلى الخاصرتين؛ وأخرى تأتى الأنثيين. ومن جملة هذا زوج صغير
13
ينتهى إلى القبل غير الذى نذكره بعد، وذلك فى الرجال والنساء، ويخالط الأوردة.
14
ثم إن هذا الشريان الكبير إذا بلغ آخر الفقار، إنقسم مع الوريد الذى يصحبه ــ
15
كما نذكره ــ قسمين على هيئة اللام فى حروف اليونانيين هكذا ʎ قسم يتيامن، وقسم
16
يتياسر. وكل واحد منهما يمتطى عظم العجز اخذًا إلى الفخذين؛ وقبل موافاتهما الفخذ
17
يخلف كل واحد منهما عرقًا يأخذ إلى المثانة وإلى السرة ، ويلتقيان عند السرة ويظهران
18
فى الأجنة ظهورًا بينًا. وأما فى المستكملين فيكون قد جفت أطرافهما، وبقى أصلاهما
19
فيتفرع منها فروع يتفرق فى العضل الموضوعة على عظم العجز، والذى يأتى منه المثانة
20
ينقسم فيه ويتفرق، ويأتى أطرافه القضيب، وباقيه يأتى الرحم من النساء، وهو زوج صغير.
21
وأما النازلان إلى الرجلين: فانهما يتشعبان فى الفخذين شعبتين عظيمتين،
22
وحشيًا وانسيًا. والوحشى فيه إيضًا ميل إلى الانسى، ويخلف شعبًا فى العضل الموضوعة
23
هناك، ثم ينحدر ويميل منها إلى قدام شعبة كبيرة بين الأبهام والسبابة، ويستبطن
24
باقيه، وهى فى أكثر أجزاء الرجل، تنفذ ممتدة تحت الشعبة الوريدية التى نذكرها بعد.
25
فمن هذه الضوارب مالايرافق الأوردة: كالأتيين من الكبد إلى السرة، فى أبدان
26
الأجنة، وشعب الضارب الوريدى، والضارب النافذ إلى الفقرة الخامسة، والصاعد
27
الى اللبة، والمائل إلى الابط، والسباتيان حيث يتفرقان فى الشبكة والمشيمة، والتى تأتى
28
الحجاب، والنافذ إلى الكتف مع شعبه، والتى تاتى المعدة والكبد والطحال والأمعاء،
29
والذى ينحدر من مراق البطن، والعروق التى فى عظم العجز وحده. وإذا وافق الشريان
1-116
1
الوريد على الصلب، إمتطأ الشريان الوريد ليكون أخسهما حاملًا للاشرف. وأما فى الأعضاء
2
الظاهرة: فان الشريان يغور تحت الوريد ليكون أستر وأكن له، ويكون الوريد له كالجنة.
3
وإنما أصحبت الشرائين الأوردة لشئيين: أحدهما لترتبط الأوردة بالاغشية المجللة للشرائين،
4
فتستقر فيما بينهما من الأعضاء والآخر ليستقى كل واحد منهما من الآخر. تم القول
5
فى الشرائين.
6
|21va39|الجملة الخامسة من التعليم الخامس فى الاوردة
7
|21va40|الفصل الأول فى صفة الأوردة
8
أما العروق الساكنة: فان منبت جميعها من الكبد. وأول ماينبت من الكبد عرقان:
9
أحدهما من الجانب المقعر؛ وأكثر منفعته فى جذب الغذاء إلى الكبد، ويسمى الباب.
10
والآخر من الجانب المحدب؛ ومنفعته إيصال الغذاء من الكبد إلى الأعضاء، ويسمى
11
الأجوف.
12
|21va49|الفصل الثانى فى تشريح الوريد المسمى بالباب
13
ولنبدا بتشريح العرق المسمى بالباب فنقول: إن الباب أولًا ينقسم طرفه الغائر
14
فى تجويف الكبد إلى خمسة أقسام، ويتشعب حتى يأتى أطراف الكبد المحدبة، ويذهب
15
منها وريد إلى المرارة. وهذه الشعب هى مثل أصول الشجرة النابتة تأخذ إلى غور منبتها.
16
وأما الطرف الذى يلى تقعيرها، فانه كما ينفصل من الكبد، ينقسم أقسامًا ثمانية: قسمان
17
منها صغيران، وستة هى أعظم. فأحد القسمين الصغيرين يتصل بنفس المعاء المسمى
18
بالإنثى عشرى، ليجذب منه الغذاء. وقد تنشعب منه شعب تتفرق فى الجرم المسمى بانقراس
19
والقسم الثانى يتفرق فى أسافل المعدة، وعند البواب الذى هو فم المعدة السافل ليأخذ الغذاء
20
وأما الستة الباقية: فواحد منها يصير إلى الجانب المسطح من المعدة، ليغذو
21
ظاهرها؛ إذ باطن المعدة يلاقى الغذاء الأول الذى فيه، فيغتذى منه بالملاقاة. والقسم
22
الثانى يأتى ناحية الطحال ليغذو الطحال، ويتشعب منه قبل وصوله إلى الطحال شعب،
23
تغذو الجرم المسمى بانقراس من أصفى ماينفذ فيه إلى لطحال، ثم يتصل بالطحال،
24
ومع إتصاله به يرجع منه شعبة صالحة تنقسم فى الجانب الأيسر من المعدة ليغذوه. وإذا
25
نفذ النافذ منه فى الطحال وتوسطه، صعد منه جزء ونزل جزء. فالصاعد يتفرق منه شعبة
26
فى النصف الفوقانى من الطحال ليغذوه. والجزء الآخر يبرز حتى يوافى حدبة المعدة، ثم.
1-117
1
يتجزأ جزئين: جزء يتفرق منه فى ظاهر يسار المعدة ليغدوه، وجزء يغوص إلى فم المعدة،
2
ليدفع إليه الفضل العفص الحامض من السوداء؛ ليخرج من الفضول، ويدغدغ فم
3
المعدة [الدغدغة] المنبهة للشهوة، وقد ذكرناها قبل.
4
وأما الجزء النازل منه فانه يتجزأ إيضًا جزئين: جزء منه يتفرق شعبه فى النصف
5
الأسفل من الطحال ليغذوه، ويبرز الجزء الثانى إلى الثرب فيتفرق فيه ليغذوه. والجزء
6
الثالث من الستة الأولى يأخذ إلى الجانب الأيسر، ويتفرق فى جداول العروق التى حول
7
المعاء المستقيم؛ ليمتص ما فى الثفل من حاصل الغذاء. والجزء الرابع من الستة يتفرق
8
كالشعرة، فبعضه يتوزع فى ظاهر يمين حدبة المعدة، مقابلًا للجزء الوارد على اليسار منه
9
من جهة الطحال، وبعضها يتوجه إلى يمين الثرب، فيتفرق فيه، مقابلًا للجزء الوارد عليه
10
من شعب العرق الطحالى. وأما الخامس من الستة: فيتفرق فى الجداول التى حول معاء
11
قولون ليأخذ الغذاء. والسادس كذلك أكثره يتفرق حول الصائم، وباقيه حول اللفائف
12
الدقيقة المتصلة بالأعور فيجذب الغذاء.
13
|21vb57|الفصل الثالث فى تشريح الأجوف وما يصعد منه
14
فأما الأجوف فان أصله [اولًا] يتفرق فى الكبد نفسه إلى أجزاء كالشعر؛ ليجذب
15
الغذاء من شعب الباب المتشعبة إيضًا كالشعر. أما شعب الأجوف فواردة من حدبة الكبد
16
إلى جوفها. وأما شعب الباب فواردة من تقعير الكبد إلى جوفها. ثم يطلع ساقه عند الحدبة
17
فينقسم قسمين: قسم صاعد، وقسم هابط. فأمالصاعد منه فيخرق الحجاب وينفذ
18
فيه، ويخلف فى الحجاب عرقين يتفرقان فيه، ويوتيانه الغذاء، ثم يحاذى غلاف القلب،
19
فيرسل إليه شعبًا كبيرة، تتفرع كالشعر وتغذوه، ثم تنقسم قسمين: قسم منه عظيم
20
يأتى القلب، فينفذ فيه عند أذن القلب الأيمن، وهذا العرق أعظم عروق القلب. وإنما
21
كان هذا العرق أعظم من سائر العروق، لأن سائر العروق هى لإستنشاق النسيم؛ وهذا
22
هو للغذاء، والغذاء أغلظ من النسيم، فيحتاج أن يكون منفذه أوسع، ووعاءه أعظم. و
23
هذا كما يدخل القلب يتخلق له أغشية ثلاثة، مسفقها من خارج إلى داخل، ليجتذب
24
القلب عند تمدده منها الغذاء، ثم لايعود عند الإنبساط. وأغسيته أصلب الأغشية.
25
وهذا الوريد يخلف عند محاذاة القلب عروقًا ثلاثة: عرق يصير منه الى الرئة. نابتًا عند منبت الشرائين
26
بقرب الأيسر، منعطفًا فى التجويف الأيمن عند الرئة. وقد خلق ذا غشائين كالشريانات،
27
فلهذا يسمى الوريد الشرياني. فالمنفعة الأولى فى ذلك أن يكون مايرشح منه دمًا فى غاية
28
الرقة مشاكلًا لجوهو الرئه <قليلًا>؛ اذ هذا الدم قريب العهد بالقلب، لم ينضج فيه نضج
29
المنصب فى الشريان الوريدى. والمنفعة الثانية أن ينضج فيه الدم فضل نضج.
1-118
1
وأما القسم الثانى من هذه الأقسام الثلاثة فيستديرحول القلب، ثم ينبث فى داخله
2
ليغذوه؛ وذلك عندما يكاد الوريد الأجوف أن يغوص فى ألاذن الأيمن داخلًا فى القلب.
3
وأما القسم الثالث فانه يميل من الناس خاصة الى الجانب الأيسر، ثم ينحو نحو الفقرة الخامسة من
4
فقار الصدر، ويتوكاء عليها، ويتفرق فى الأضلاع الثمانية السفلى، ومايليها من العضل وسائر الاجسام
5
وأما النافذ من الأجوف بعد الأجزاء الثلاثة اذا جاوز ناحية القلب صعودًا، يتفرق
6
منه فى أعالى الأغشية المنصفة للصدر، وأعالى الغلاف. وفى اللحم الرخو المسمى توثة،
7
[شعب شعرية ثم عند القرب من الترقوة] يتشعب منه شعبتان تيوجهان الى ناحية الترقوة
8
موربتين، كلما أمعنتا تباعدتا. ويصيركل شعبة منهما شعبتين: واحدة منهما من كل جانب
9
منحدر على طرف القس يمنة ويسرة، حتى تنتهى الى الخنجرى، وتخلف فى ممرها
10
شعبًا، يتفرق فى العضل التى بين الأضلاع ويلاقى أفواهها أفواه العرق المنبثه فيها. ويبرز
11
منها طائفة الى العضلة الخارجة من الصدر؛ فاذا وافتا الخنجرى، برزت طائفة منها الى
12
العضل المتراكمة المحركة للكتف وتتفرق فيها. وطائفة تنزل تحت العضل المستقيم،
13
وتفرق فيها منها شعب؛ وأواخرها تتصل بالاجزاء الصاعدة من الوريد العجزى الذى سنذكره.
14
وأما الباقى من كل واحد منهما وهوزوج، فان كل واحد من فرديه يخلف خمس
15
شعب: شعبة تتفرق فى الصدر، وتغذو الأضلاع الأربعة العليا. وشعبة تغذو موضع الكتفين.
16
وشعبة تاخذ نحو العضل الغائرة فى العنق ليغذوها. وشعبة تنفذ فى ثقب الفقرات الست
17
العليا فى الرقبة وتجاوزها الى الرأس. وشعبة عظيمة هى أعظمها تصير الى الإبط
18
من كل جانب، وتفرع فروعًا أربعة: أولها يتفرق فى العضل التى على القس، وهى من
19
التى تحرك مفصل الكتف. وثانيها فى اللحم الرخو، والصفاقات التى فى الإبط. وثالثها
20
يهبط مارًا على جانب الصدر الى المراق. ورابعها أعظمها، وينقسم ثلاثة أجزاء: جزء يتفرق
21
فى العضل التى فى تقعير الكتف، وجزء فى العضلة اللكبيرة التى فى الإبط. والثالث أعظمها
22
يمر على العضد الى اليد، وهوالمسمى بالإبطى، والذى يبقى من الإنشعاب الأول الذى
23
انشعب أحد فرعيه هذه الأقسام الكثيرة؛ فانه يصعد نحو العنق. وقبل أن يمعن فى ذلك
24
ينقسم قسمين: أحدهما الوداج الظاهر، والثانى الوداج الغائر.
25
والوداج الظاهر ينقسم كما يصعد من الترقوة قسمين: أحدهما كما ينفصل
26
يأخذ الى قدام [والى جانب، والثانى يأخذ أولًا إلى قدام]. ويتسافل ثم يصعد [ويعلو
27
مستظهرًا ثانيًا م الترقوة]، ويستدير على الترقوة، ثم يصعد ويعلو مستظهر الرقبة، حتى
28
يلحق بالقسم الاول، فيختلط به فيكون منهما الوداج الظاهر المعروف. وقبل أن
29
يختلط[ به] ينفصل عنه جزأن: أحدهما يأخذ عرضًا، ثم يلتقيان عند ملتقى
1-119
1
الترقوتين فى الموضع الغائر. والثانى يتورب مستظهر العنق، ولايتلاقى فرداه بعد ذلك. ويتفرع من
2
هذين الزوجين شعب عنكبوتية تفوت الحس؛ ولكنه قد يتفرع من هذا الزوج الثانى،
3
خاصة فى جملة فروعه، أوردة ثلاثة محسوسة لها قدر، وسائرها غير محسوسة. وأحد
4
هذه الأوردة يمتد على الكتف، وهو المسمى الكتفى، ومنه القيفال. وإثنان عن جنبتى
5
هذا الكتفى يلزمانه إلى راس الكتف معًا: لكن أحدهما يحتبس هناك، ولا يجاوزه بل
6
يتفرق فيه. وأما الثانى المتقدم منهما، فيجاوزه إلى رأس العضد ويتفرق هناك؛ وأما
7
الكتفى فبجاوزهما جميعًا إلى أجزاء اليد هذا.
8
وأما الوداج الظاهر بعد إختلاط فرديه فقد ينقسم باثنين: فيستبطن جزء منه ويتفرع
9
شعبًا صغارًا يتفرق فى الفكك الأعلى. وشعبًا أعظم منها بكثير، تتفرق فى الفكك الأسفل.
10
وأجزاء من كلى صتفى الشعب يتفرق حول اللسان، وفى الظاهر من أجزاء العضل الموضوعة
11
هناك. والجزء الآخر يستظهر فيتفرق فى المواضع التى تلى الرأس والأذنين.
12
وأما الوداج الغائير فانه يلزم المرى، ويصعد منه مستقيمًا، ويخلف فى مسلكه
13
شعبًا تخالط الشعب الآتية من الوداج الظاهر؛ وينقسم جميعها فى المرى، والحنجرة،
14
وجميع أجزاء العضل الغائرة؛ وينفذ آخره إلى منتهى الدرز اللامى. وتتفرع هناك
15
منه فروع يتفرق فى الاعضاء التى بين الفقارة الاولى والثانية، ويأخذ منه عرق شعرى
16
إلى عند مفصل الرأس والرقبة. وتفرع منه فروع تأتى الغشاء المجلل للقحف، وتأتى
17
ملتقى جمجمتى القحف، وتغوص هناك فى القحف. والباقى بعد إرسال هذه الفروع
18
ينفذ إلى جوف القحف فى منتهى الدرز اللامى. وتتفرق منه شعب فى غشائى الدماغ
19
ليغذوهما، وليربط الغشاء الصلب بما حوله وفوقه، م يبرز فيغذو الحجاب المجلل للقحف
20
تم ينزل من الغشاء الرقيق إلى الدماغ. ويتفرق فيه تفرق الضوارب، ويشدها كلها طى الصفاق
21
الثخين، ويوديها إلى الموضع الواسع، وهو الفضاء الذى ينصب إليه الدم، ويجتمع
22
فيه ثم يتفرق عنه فيمابين الطاقين، ويسمى معصرة. وإذا قاربت هذه الشعب البطن الأوسط
23
من الدماغ، إحتاجت إلى أن تصير عروقًا كبارًا، تمتص من المعصرة ومجاريها، التى
24
يتشعب منها، ثم يمتد من البطن الأوسط إلى البطنين المقدمين، وتلاقى الضوارب
25
الصاعدة هناك، وينتسج منها الغشاء المعروف بالشبكة المشيمية.
26
|22va36|الفصل الرابع فى تشريح أوردة اليدين
27
أما الكتفى منها وهو القيفال، فأول ما يتفرع منه إذا حاذى العضد شعب تتفرق
28
فى الجلد وفى الأجزاء الظاهرة من العضل، ثم بالقرب من مفصل المرفق ينقسم ثلاثة
1-120
1
أقسام: أحدها حبل الذراع، وهو يمتد على ظاهر الزند الأعلى، ثم يميل إلى الوحشى
2
مائلًا إلى حدبة الزند الأسفل، ويتفرق فى أسافل أجزاء الوحشبة من الرسغ. والثانى يتوجه
3
إلى معطف المرفق فى ظاهر الساعد، ويخالط شعبة من الإبطى، فيكون منهما الاكحل.
4
والثالث يتعمق ويخالط فى العمق شعبة إيضًا من الإبطى.
5
وأما الإبطى فانه أول مايفرع يفرع شعبًا يتعمق فى العضد، ويتفرق فى العضل التى هناك
6
وتفنى فيه؛ إلا شعبة منها تبلغ إلى الساعد. وإذا بلغ الإبطى قرب مفصل المر فق إنقسم
7
باثنين: أحدهما يتعمق ويتصل بالشعبة المتعمقة من القيفال، ويحاذيها يسيرًا ثم ينفصلان،
8
فينخفض أحدهما إلى الإنسى، حتى يلبغ الخنصر والبنصر ونصف الوسطى؛ ويرتفع جزء
9
ينقسم إلى أجزاء اليد الخارجة التى تماس العظم. والقسم الثانى من قسمى الإبطى، فانه
10
يتفرع عند الساعد فروع أربعة: واحد منها ينقسم فى أسافل الساعد إلى الرسغ.
11
والثانى ينقسم فوق إنقسام الأول مثل إنقسامه. والثالث ينقسم كذلك فى وسط الساعد.
12
والرابع أعظمها، وهو الذى يظهر ويعلو، فيرسل فرعًا يضام شعبة من القيفال فيصير منهما
13
الأكحل. وباقيه هو الباسليق، وهو إيضًا يغور ويعمق مرة أخرى.
14
والأكحل يبتدىئ من الإنسى ويعلو الزند الأعلى، ثم يقبل على الوحشى، ويتفر
15
فرعين على صورة حرف اللام اليونانية، فيصير أعلى جزئيه إلى طرف الزند الأعلى،
16
ويأخذ نحو الرسغ ويتفرق خلف الابهام، وفيما بينه وبين السبابة وفى السبابة. والجزء الأسفل
17
منه يصير إلى طرف الزند الأسفل، ويتفرع[إلى] فروع ثلاثة: ففرع منه يتوجه إلى
18
الموضع الذى بين الوسطى والسبابة، ويتصل بشعبة من العرق الذى يأتى السبابة من الجزء
19
الأعلى، ويتحدبه عرقًا واحدًا. ويذهب فرع ثان منه، وهو الأسيلم، فيتفرق فيما بين
20
الوسطى والبنصر، ويمتد الثالث إلى البنصر والخنصر. وجميع هذه ينقسم فى الاصابع.
21
|22vb23|الفصل الخامس فى تشريح الأجوف النازل
22
قد ختمنا الكلام فى الجزء الصاعد من الأجوف وهو أصغر جزئيه. وأما الجزء النازل:
23
فأول ما يتفرع منه كما يطلع من الكبد، وقبل ان يتوكأ على الصلب، هو شعب شعرية
24
تصير إلى لفائف الكلية اليمنى، ويتفرق فيها وفيما يقاربها من الأجسام ليغذوها، ثم بعد
25
ذلك ينفصل منه عرق عظيم يأنى الكلية اليسرى، ويتفرع إيضًا إلى عروق كالشعر، يتفرق
26
فى لفألف الكلية اليسرى، وفى الأجسام القريبة منها ليغذوها. ثم يتفرع منها عرقان عظيمان
27
يسميان الطالعين، يتوجهان إلى الكليتين لتصفية مائية الدم؛ إذالكلية إنما تجتذب منها غذاءها،
28
وهو مائية الدم. وقد يتشعب من أيسر الطالعين عرق يأتى البيضة ايسرى من الذكران
1-121
1
وأناث، وعلى النحو الذى بيناه فى الشرائين لايغادره فى هذا، وفى أنه يتفرع بعد
2
هذين عرقان يتوجهان إلى الأثنيين؛ فالذى يأتى اليسرى يأخذ دائمًا شعبة من أيسر هذين
3
الطالعين. وربما كان فى بعضهم كلا منشأيه منه؛ فالذى يأتىّ اليمنى فقد يتفق له أن يأخذ
4
فى الندرة شعبة من أيمين هذين الطالعين؛ ولكن اكثر أحواله أن لايخالطه. وما يأتى
5
الاثنين من الكلية وفيه المجرى الذى ينضج فيه المنى، فيبيض بعد احمراره، لكثرة معاطف
6
عروقه وإستدارتها؛ وما يأتيها إيضًا من الصلب، واكثر هذا العرق يغيب فى القضيب و
7
عنق الرحم، وعلى ما بيناه من أمر الضوارب؛ وبعد نبات الطالعين وتشعبهما يتوكأ
8
الأجوف عن قريب على الصلب، ويأخذ فى الإنحدار، ويتفرع منه عند كل فقرة شعب،
9
ويدخلها ويتفرق فى العضل الموضوعة عندها، فيتفرع عروق تأتى الخاصرتين و
10
ينتهى إلى عضل البطن.
11
ثم عروق تدخل ثقب الفقار إلى النخاع، فاذا انتهى إلى آخر الفقار إنقسم
12
قسمين: يتنحى أحدهما عن ألآخريمنة ويسرة، كل واحد منهما يأخذ تلقاء فخذ. ويتشعب من
13
كل واحد منهما قبل موافاة الفخذ طبقات عشرة: واحدة منها تقصد المتنين. والثانية
14
دقيقة الشعب، شعريتها نقصد بعض أسافل أجزاء الصفاق. والثالثة تتفرق فى العضل التى
15
على عظم العجز. والرابعة تتفرق فى عضل المقعدة وظاهر العجز. والخامسة تتوجه إلى
16
عنق الرحم من النساء، فيتفرق فيه وفيما يتصل به وإلى المثانة. ثم ينقسم القاصد إلى
17
المثانة قسمين: قسم يتفرق فى المثانة، وقسم يقصد عنقها؛ وهذا القسم فى الرجال
18
كثير جدًا لمكان القضيب، وللنساء قليل. والسادسة تتوجه إلى العضل الموضوع على
19
عظم العانة. والسابعة تصعد إلى العضل الذاهب فى إستقامة البدن"على البطن، وهذه
20
العروق تتصل بأطراف العروق التى قلنا انها تنحدر فى الصدر إلى مراق البطن، وتخرج
21
من أصل هذه العروق فى الأناث عروق تأتى الرحم والعروق التى" تأتى الرحم من
22
الجوانب، تتفرع منها عروق صاعدة إلى الثدى، ليشارك بها الرحم الثدى. والثامنة
23
تأتىّ القبل من الرجال والنساء جميعًا. والتاسعة تأتىّ عضل باطن الفخذ فتتفرق فيها. والعاشرة
24
تأخذ من ناحية الحالب مستظهرة إلى الخاصرتين، وتتصل بأطراف عروق منحدرة
25
لاسيما المنحدرة من ناحية الثديين، ويصير من جملتها جزء عظيم إلى عضل الاليتين وما
26
يبقى من هذه يأتىّ الفخذ، فيتفرع فيه فروع وشعب: واحد منها ينقسم فى العضل التى
27
على مقدم الفخذ، وآخر فى عضل أسفل الفخذ وإنسيه متعمقًا، وشعب أخرى كثيرة تتفرق
1-122
1
فى عمق الفخذ. وما يبقى بعد ذلك كله ينقسم كما يتحلل مفصل الركبة قليلًا إلى أقسام
2
ثلاثة: فالوحشى منها يمتد على القصبة الصغرى إلى مفصل الكعب، والأوسط يمتد فى
3
مثنى الركبة منحدرًا، ويترك شعبًا فى عضل باطن الساق، ويتشعب شعبتين: تغيب
4
احداهما فيما دخل من اجزاء الساق. والثانية الى مابين القصبتين ممتدًا الى مقدم الرجل
5
ويختلط بشعبة من الوحشى المذكور. والثالث هو الانسى يميل الى الموضع المعرق من
6
الساق، ثم يمتد الى الكعب والى الطرف المحدب، والقصبة العظمى، وينزل الى انسى
7
المقدم، وهو الصافن. وقد صارت هذه الثلاثة اربعة: اثنان وحشيان ياخذان الى القدم
8
من ناحية القصبة الصغرى، واثنان إنسيان. فالوحشيان: احدهما يعلو المقدم ويتفرق
9
فى اعالى ناحية الخنصر. والثانى هو الذى يخالط الشعبة الوحشية من القسم الإنسى المذكور،
10
ويتفرقان فى الاجزاء السفلية، فهذه هى عدد الاوردة، قد اتينا على تشريح الاعضاء المتشابهة
11
الاجزاء. واما الآلية فسنذكر تشريح كل واحد فى المقالة المشتملة على احوالها ومعالجتها.
12
ونحن الآن نبتدئى ونتكلم فى امر القوى.
13
|23rb4|التعليم السادس
14
وهو جملة وفصل
15
|23rb5|الجملة فى القوى وهى ستة فصول
16
|23rb6|الفصل الاول فى اجناس القوى ــ بقول كلى ــ
17
إن القوى والأفعال يعرف بعضها من بعض. إذ كانت كل قوة مبدأ فعل ما؛ وكل فعل إنما
18
يصدرعن قوة. فلهذا جمعناهما فى تعليم واحد. فأجناس القوى، وأجناس الأفعال الصادرة
19
عنها، عند الأطباء ثلثة: جنس القوى النفسانية، وجنس القوى الطبيعية، وجنس القوى
20
الحيوانية.
21
وكثير من الفلاسفة، وعامة الأطباء، وخصوصًا جالينوس يرى أن لكل واحدة من
22
القوى عضوًا رئيسًا هو معدنها، وعنه يصدر أفعالها. فيرون: أن القوة النفسانية مسكنها
23
ومصدر أفعالها الدماغ. وأن القوة الطبيعية لها نوعان: نوع غايته حفظ الشخض، و
24
تدبيره. وهو المتصرف فى أمر الغذاء ليغذو البدن إلى نهاية عمره. ومسكن هذا النوع
25
ومصدر فعله هو الكبد. ونوع غايته حفظ النوع، وهو المتصرف فى أمر التناسل، ليفصل
26
من أمشاج البدن جوهر المنى، ثم يصوره باذن خالقه. ومسكن هذا النوع ومصدر فعله
27
هو الأنثيان.
1-123
1
والقوة الحيو انية وهى التى تدبر أمر الروح الذى هو مركب فى الحس والحركة،
2
وتهيئه لقبوله إياهما إذا حصل فى الدماغ، ويجعله بحيت يعطى مايفشوفيه الحياة. ومسكن
3
هذه القوة ومصدر فعلها هو القلب. وأما عظيم الفلاسفة، وهو أرسطوطاليس، فيرى: أن
4
مبدأ جميع هذه القوى هو القلب. إلا ان لظهور أفعالها الاولية هذه المبادى المذ كورة،
5
كما أن مبدأ الحس عند الأطباء هو الدماغ. ثم لكل حاسة عضو مفرد، منه يطهر فعله.
6
ثم إذا فتش عن الواجب وحقق، وجد الأمر على مايراه أرسطوطاليس دونهم؛ ويوجد
7
أقاويلهم منتزعة من مقدمات مقنعة غير ضرورية، إنما يتبعون فيها ظاهر الأمور. لكن الطبيب
8
ليس [عليه من حيث] هو طبيب أن يتعرف الحق من هذين الأمرين؛ بل ذلك على
9
الفيلسوف أوعلى الطبيعى. والطبيب إذا سلم له أن هذه الاعضاء المذ كورة مباد ما لهذه.
10
القوى، فلاعليه فيما يحاوله من أمرالطب، كانت هذء مستفادة عن مبدأ قبلها، أولم يكن.
11
لكن جهل ذلك ممالا يرخص فيه الفيلسوف.
12
|23rb54|الفصل الثانى فى القوى الطبيعية المخدومة
13
وأما القوى الطبيعية فمنها خادمة، ومنها مخدومة. والمخدومة جنسان: جنس
14
يتصرف فى الغذاء لبقاء الشخص، وينقسم الى نوعين: إلى الغاذية والنامية. وجنس يتصرف
15
فى الغذاء لبقاء النوع، وينقسم الى نوعين: الى المولدة والمصورة. فاما القوة الغاذية.
16
فهى التى تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذى، ليخلف بدل مايتحلل.
17
وأما النامية فهى الزائدة فى أقطار الجسم على التناسب الطبيعى، ليبلغ به تمام النش
18
مما يدخل فيه من الغذاء. والغاذية تخدم النامية. والغاذية تورد الغذاء تارة مساويًا لما
19
يتحلل؛ وتارة انقص، وتارة أزيد، والنمو لايكون الا بأن يكون الوارد أزيد من المتحلل.
20
إلا إنه ليس كلما كان كذلك نموًا؛ فان السن بعد الهزال فى سن الوقوف هو من هذا القبيل، وليس
21
هو بنموا. إنما النمو ماكان على تناسب طبيعى فى جميع الأقطار ليبلغ به تمام النشء. ثم
22
بعد ذلك لا نمو البتة وان كان سمن كما أنه لايكون قبل الوقوف ذبول وان كان هزال.
23
على أن ذلك أبعد وعن الواجب اخرج.
24
والغاذية يتم فعلها بأفعال جزئية ثلاثة: أحدها تحصيل جوهر البدن، وهو الدم
25
والخلط الذى هو بالقوة القريبة من الفعل شبيه بالعضو. وقد يخل به كما يقع علة تسمى أطروفيا
26
وهو عدم الغذاء. والثانى الإلزاق، وهوأن يجعل هذا الحاصل غذاء بالفعل التام،
27
أى صائرًا جزء عضو. وقد يخل به كمافى الغستسقاء اللحمى. والثالت التشبيه وهو أن يجعل هذا
28
الحاصل عند ما صار جزءًا من العضو شبيهًا به من كل جهة حتى فى قوامه ولونه. وقد يخل
29
به كمافى البرص والبهق؛ فان البدل والإلزاق موجودان فيهما، والتشبيه غير موجود. وهذا
30
الفعل للقوة المغيرة من قوى الغاذية. وهى واحدة فى الإنسان بالجنس أوبالمبدأ الأول؛
1-124
1
ويختلف بالنوع فى الأعضاء المتشابهة الأجزاء، اذ فى كل عضو منها بحسب مزاجه قوة،
2
تغير الغذاء الى تشبيه مخالف لتشبية القوة الأخرى؛ لكن المغيرة التى فى الكبد، تفعل فعلًا مشستركًا
3
لجميع البدن.
4
وأما القوة المولدة فهى نوعان: نوع يولد المنى فى الذكر والأنثى، ونوع يفصل
5
القوى التى فى المنى، فيمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو، فيخص للعصب مزاجًا
6
خاصًا، [وللشرائين مزاجًا خاصًا]، وللعظم مزاجًا خاصًا. وذلك من منى متشابه الأجزاء
7
أومتشابه الإمتزاج. وهذه القوة تسميه الأطباء القوة المغيرة الاولى.
8
وأما المصورة الطابعة فهى التى تصدر عنها، باذن خالقها، تخطيط الأعضاء،
9
وتشكيلاتها، وتجويفاتها، وثقبها، وملاستها، وخشونتها، وأوضاعها، ومشاركاتها؛
10
وبالجملة الأفعال المتعلقة بنهايات مقاديرها. والخادم لهذه القوة المتصرفة فى الغذاء
11
بسبب حفظ النوع، هى القوة الغاذية والنامية.
12
|23vb5|الفصل الثالث فى القوى الطبيعية الخادمة
13
وأما الخادمة الصرفة فى القوى الطبيعية فهى خوادم القوة الغاذية، وهى قوى أربع:
14
الجاذبة، والماسكة، والهاضمة، والدافعة. فأما الجاذبة فخلقت لتجذب النافع. وتفعل
15
ذلك بليف العضو الذى هى فيه، الذاهب على الإستطالة. والماسكة خلقت لتمسك
16
النافع، ريثما تتصرف فيه القوى المغيرة له الممتازه منه. ويفعل ذلك بليف مورب،
17
وربما أعانه المستعرض. وأما الهاضمة فهى التى تحيل ما جذبته القوة الجاذبة، وأمسكته
18
الماسكة إلى قوام مهياء لفعل القوة المغيرة فيه؛ وإلى مزاج صالح للاستحالة إلى الغذائية
19
بالفعل. هذا فعلها فى النافع؛ ويسمى هضمًا. وأما فعلها فى الفضول، فان تحيلها إن
20
امكن إلى هذه الهئية. ويسمى ايضًا هضمًا. أو يسهل سبيلها إلى الإندفاع من العضو المحتبس
21
فيه، بدفع من الدافعة؛ بترقيق قوامها إن كان المانع الغلظ، أو تغليظها إن كان المانع
22
الرقة؛ أو تقطيعها إن كان المانع اللزوجة. وهذا الفعل يسمى الإنضاج. وقد يقال:
23
الهضم والإنضاج على سبيل الترادف. وأما الدافعة فانها تدفع الفضل الباقى من الغذاء،
24
الذى لايصلح للاغتذاء، أويفضل عن المقدار الكافى فى الاغتذاء، اويستغنى عنه ويستفرغ
25
من إستعماله فى الجهة المرادة، مثل البول. وهذه القوة تدفع هذه الفضول، اما من جهات
26
ومنافذ معدة لها، وأما إن لم يكن هناك منافذ معدة، فانها تدفع من العضو الأشرف إلى العضو
27
الأخس، ومن الأصلب إلى الأرخى. وإذا كانت جهة الدفع هى جهة ميل مادة الفضل،
28
لم تصرفها القوة الدافعة عن تلك الجهة مأامكن.
29
وهذه القوى الطبيعية الأربع تخدمها الكيفيات الأربع الاولى: أعنى الحرارة،
30
والبرودة، والرطوبة، واليبوسة. أما الحرارة فخذمتها بالحقيقة مشتركة للاربع.
1-125
1
واما البرودة فقد يخدم بعضها خدمة بالعرض لا بالذات؛ فان الأمرالذى بالذات للبرودة أن
2
تكون مضادة لجميع القوى. لأن أفعال جميع القوى هى بالحركات. أما فى الجذب
3
والدفع فذلك ظاهر؛ وأما فى الهضم، فلان الهضم يستكمل بتفريق أجزاء ماغلظ وكثف، و
4
جمعها [مع] ما رق ولطف. وهذه بحركات تفريقية وتمزيجية.
5
وأما الماسكة فهى تفعل بتحريكك الليف المورب إلى هئية من الإشتمال متقنة.
6
والبرودة مميتة، مخدرة، مانعة عن جميع هذه الأفعال؛ الإ انها تنفع فى الإمساك بالعرض،
7
بأن تحبس الليف على هئية الإشتمال الصالح؛ فتكون غير داخلة فى "فعل القوة
8
الماسكة؛ بل مهيئة للآلة تهيئة تحفظ بها فعلها.
9
وأما الدافعة فتنتفع بالبرودة: بما تمنع من تحليل الريح المعينة للدفع. وبما تعين فى
10
تغليظها. وبما تجمع الليف العريض العاصر وتكثفه، وهذا إيضًا تهيئة للآلة، لامعونة فى
11
نفس الفعل. فالبرد إنما يدخل فى خدمة هذه القوى بالعرض. ولودخل فى نفس فعلها،
12
لأضر ولأخمد الحركة.
13
وأما اليبوسة فالحاجة إليها فى أفعال قوى ثلاث: الناقلتان، والماسكة. أما
14
الناقلتان: وهما الجاذبة والدافعة. فلما فى اليبس من فضل تمكين من الإعتماد الذى لابدمنه فى الحركة؛
15
أعنى حركة الروح الحاملة لهذه القوى نحو فعلها باندفاع قوى، يمنع عن مثله الإسترخاء
16
الرطوبى، إذا كان فى جوهر الروح، أو فى جوهر الآلة. وأما الماسكة فللقبض. وأما
17
الهاضمة فحاجتها إلى الرطوبة أمس.
18
ثم إذا قايست بين الكيفيات الفاعلة والمنفعلة فى حاجة هذه القوى إليها،
19
صادفت الماسكة حاجتها إلى اليبس أكثر وأمس من حاجتها إلى الحرارة؛ لان مدة تسكين
20
الماسكة، أكثر من مدة تحريكها الليف المستعرض إلى القبض. لان مدة تحريكها، وهى
21
المحتاج فيها إلى الحرارة، قصيرة، وسائر زمان فعلها مصروف إلى الامساك والتسكين.
22
ولما كان مزاج الصبيان أميل كثيرًا إلى الرطوبة، ضعفت فيهم هذه القوة.
23
وأما الجاذبة فان حاجتها إلى الحرارة أشد من حاجتها إلى اليبس؛ لأن الحرارة
24
قد تعين فى الجذب، بل لأن اكثر مدة فعلها هو التحريك. وحاجتها إلى التحريك
25
أمسَ من حاجتها إلى تسكين اجزاء آلمها، وتقبيضها باليبوسة؛ ولأن هذه القوة ليست تحتاج
26
إلى حركة كثيرة فقط، بل قد تحتاج إلى حركة قوية. والإجتذاب يتم إما بفعل القوة الجاذبة؛
27
كما فى المقناطيس التى بها يجذب الحديد؛ وإما باضطرار الخلاء، كانجذاب الماء فى
28
الزراقات؛ وأما للحرارة، كاجتذاب السراج الزيت. وإن كان هذا القسم الثالث عند
29
المحققين يرجع إلى اضطرارالخلاء. بل هو[هو] بعينه. فاذن متى كان مع القوة الجاذبة
30
معاونة حرارة، كان الجذب أقوى.
1-126
1
وأما الدافعة فان حاجتها إلى اليبس أقل من حاجتهما، أعنى الجاذبة والماسكة؛
2
لانها لانحتاج إلى قيض الماسكة، ولا لزوم الجاذبة وقبضها، وإحتواءها على المجذوب،
3
بامساك جزء من الآلة ليلحق به جذب الجزء الآخر. وبالجملة لاحاجة بالدافعة إلى التسكين البتة؛ بل إلى
4
التحريك وإلى قليل تكثيف، يعين العصر والدفع، لا بمقدار مايبقى به الآلة حافظة لهئية
5
شكل العصر أوالقبض، كما فى الماسكة زمانًا طويلًا، وفى الجاذبة زمانًا يسيرًا، ريثما تلاحق
6
جذب الأجزاء. فلهذا حاجتها إلى اليبس قليلة. وأحوجها كلها إلى الحرارة هى الهاضمة؛
7
ولاحاجة بها إلى اليبوسة؛ بل انما يحتاج إلى الرطوبة؛ لتسيل الغذاء، وتهيئه للنفوذ فى
8
المجارى، والقبول لللأشكال. وليس لقائل أن يقول: إن الرطوبة لوكانت معينة للهضيم،
9
لكان الصبيان لايعجز قواهم عن هضم الأشياء الصلبة. فان الصبيان ليسوا يعجزون عن ذلك
10
والشبان يقد رون عليه لهذا السبب، بل لسبب آخر؛ وهو المجانسة والبعد عن المجانسة.
11
فما كان من هذه الأشياء صلبًا، لم يجانس مزاج الصبيان، فلم تقبل عليها قواهم الهاضمة،
12
فلم تقبل عليها قواهم الماسكة، ودفعتها بسرعة قواهم الدافعة. وأما الشبان فذلك موافق
13
لمزاجهم، صالح لتغذيتهم. فيجتمع من هذه أن الماسكة تحتاج إلى قبض، وإلى إثبات
14
هيئة قبض زمانًا طويلًا، وإلى معونة يسيرة فى الحركة؛ والجاذبة إلى قبض، وثبات قبض
15
زمانًا يسيرًا جدًا، وبمعونة كثيرة فى الحركة؛ والدافعة إلى قبض فقط، من غير ثبات يعتدبه،
16
وإلى معونة عل الحركة؛ والهاضمة إلى إذابة وتمزيج، فلذلك تتفاوت هذه القوى فى
17
إستعمالها الكيفيات الأربع، وإحيتاجها إليها.
18
|24rb29|الفصل الرابع فى القوى الحيوانية
19
أما القوة الحيوانة فيعنون بها القوة التى إذا حصلت فى الأعضاء، هيأتها لقبول
20
قوة الحس والحركة، وأفعال الحياة. ويضيفون إليها حركات الخوف والغضب لما يجدون
21
فى ذلك من الإنبساط والانقباض العارضين للروح المنسوبة إلى هذه القوة. ولنفصل هذه
22
الجملة، فنقول: إنه كما قد يتولد من كثافة الأخلاط، بحسب مزاج مّا جوهر كثيف هو العضو،
23
أوجزء من العضو، كذلك قد يتولد من بخارية الأخلاط ولطافتها، بحسب مزاج مّا جوهر
24
لطيف هو الروح. وكما ان الكبد عند الأطباء معدن التولد الأول، كذلك القلب معدن
25
التولد الثانى. وهذا الروح إذا حدث على مزاجه الذى ينبغى أن يكون له، إستعد لقبول
26
قوة تلك القوة هى التى تعد الاعضاء كلها لقبول القوى الأخرى النفسانية وغيرها.
27
والقوى النفسانية لاتحدث فى الروح والاعضاء، إلا بعد حدوث هذه القوة. وإن
28
تعطل عضو من القوى النفسانية ولم يتعطل بعد من هذه القوة، فهوحى. ألاترى أن العضو الخدر،
29
والعضو المفلوج، فاقد فى الحال لقوة الحس والحركة لمزاج يمنعه عن قبولهما، أوسدة عارضة
30
بين الدماغ وبينه فى الأعصاب المنبثة إليه؛ وهو مع ذلك حى. والعضو الذى يعرض له
1-127
1
الموت، فاقد للحس والحركة، ويعرض له أن يعفن ويفسد. فاذن فى العضو المفلوج
2
قوة تحفظ بها حياته، حتى إذا زال العائق، فاض إليه قوة الحس والحركة، وكان مستعدا
3
لقبولهما، بسبب صحة القوة الحيوانية فيه. فانما المانع فيه هو الذى يمنعه عن قبولهما
4
بالفعل؛ ولا كذلك العضو الميت. وليس هذا المعد هو قوة التغذية وحدها، حتى إذا
5
كانت قواها التغذية باقية كان حيًا، وإذا بطلت كان ميتًا. فان هذا الكلام بعينه قد يتناول
6
قوة التغذية، فربما بطل فعلها فى بعض الأعضاء وبقى حيًا، وربما بقى فعلها والعضو إلى
7
الموت. ولو كانت القوة المغذية بماهى قوة مغذية تعد للحس والحركة، لكان النبات قد يستعد
8
لقبول الحس والحركة؛ فيبقى أن يكون المعد أمرًا آخر، يتبع مزاجًا خاصًا، ويسمى قوة حيوانية.
9
وهو أول قوة تحدث فى الروح إذا حدث الروح من لطافة الأمشاج.
10
ثم إن الروح يقبل بها عند الفيلسوف أرسطوطاليس، المبدأ الأول والنفس الأولى
11
التى تنبعث عنها سائر القوى، إلا ان أفعال تلك القوى لاتصدر عن الروح فى أول الأمر،
12
كما أنه إيضًا لايصدر الإحساس عند الأطباء عن الروح النفسانى الذى فى الدماغ، مالم
13
ينفذ إلى الجليدية، أو إلى اللسان أو غير ذلك. فاذا حصل قسم من الروح فى تجويف
14
الدماغ، قبل مزاجًا يصلح لأن يصدر به عنه أفعال القوة الموجودة فيه بدنًا؛ وكذلك فى الكبد
15
وفى الأنثيين.
16
وعند الأطباء مالم يستحل الروح عند الدماغ إلى مزاج آخر، لم يستعد لقبول
17
النفس التى هى مبدأ الحس والحركة؛ وكذلك فى الكبد. وإن كان الإمتزاج الاول قد أفاد
18
قول القوة الأولى الحيوانية؛ وكذلك فى كل عضو كأن لكل جنس من الأفعال عندهم
19
نفس أخرى، وليست النفس واحدة يفيض عنها القوى، أو كانت النفس لمجموع هذه
20
الجملة. وإنه وإن كان الإمتزاج الاول قد أفاد قبول القوة الأولى الحيوانية، حيث حدث
21
روح وقوة هى كماله، لكن هذه القوة وحدها لايكفى عندهم لقبول الروح بها سائر القوى
22
الأخر، مالم يحدث فيها مزاج خاص. قالوا: وهذه القوة مع أنها مهيئة للحياة، فهى
23
إيضًا مبدأ حركة الجوهر الروحى اللطيف إلى الأعضاء، ومبدأ قبضه، وبسطه، للتنسم،
24
وللتنقى، على ماقيل؛ كأنها بالقياس إلى الحياة يفيد إنفعالًا، وبالقياس إلى أفعال النفس
25
والنبض يفيد فعلًا.
26
وهذه القوة تشبه القوى الطبيعية لعدمها إلا رادة فيما يصدر عنها، ويشبه القوى
27
النفسانية لتفنن أفعالها، لأنها تقبض وتبسط معًا، وتحرك حركتين متضاتين. إلا أن الفلاسفة
28
إذا قالوا: نفس للنفس الارضية، عنوا [به] كمال جسم طبيعى آلى، وأرادوا مبدأ كل قوة
29
تصدر عنها بعينها حركات، وأفاعيل، فتخالفه. فتكون هذه القوة على مذهب الفلاسفة
30
وقوة نفسانية، كما ان القوى الطبيعية التى ذكرناها تسمى عندهم قوة نفسانية. و[اما]
31
إذا لم يرد بالنفس هذا المعنى، بل عنى به أنها قوة هى مبدأ إدراك وتحريك، يصدر عن
1-128
1
إدراك ما بارادة ما؛ وأريد بالطبيعية كل قوة يصدر عنها فعل فى جسمها على خلاف هذه
2
الصورة، لم تكن هذه القوة نفسانية، بل كانت طبيعية، وأعلى درجة من القوة التى تسميها
3
الأطباء طبيعية. واما إن سمى بالطبيعية ما يتصرف فى أمر الغذاء واحالته، سواء كان لبقاء
4
شخص، أولبقاء نوع، لم تكن هذه طبيعية، وكانت جنسًا ثالثًا. ولأن الغضب والخوف
5
وما أشبههما إنفعال لهذه القوة، وإن كان ميدأها الحس والوهم والقوى الداركة، كانت
6
منسوبة إلى هذه القوة. وتحقيق بيان هذه القوة، وأنها واحدة أوفوق واحدة، هو إلى العلم
7
الطبيعى الذى هو جزء من الفلسفة.
8
|24vb23|الفصل الخامس فى القوى النفسانية المدركة
9
والقوة النفسانية تشتمل على قوتين هى كالجنس لهما: إحداهما قوة مدركة، والأخرى
10
قوة محركة. والقوة المدركة كالجنس لقوتين: قوة مدركة فى الظاهر، وقوة مدركة فى الباطن.
11
والقوة المدركة فى الظاهر هى الحسية، وهى كالجنس لقوى خمس عند قوم،
12
وىمان عند قوم. واذا أخذت خمسة: كانت قوة الابصار، وقوة السمع، وقوة الشم،
13
وقوة الذوق، وقوة اللمس. وإذا ما أخذت ثمانية: فالسبب فى ذلك أن اكثر المحصلين يرون
14
أن للمس قوى كثيرة، بل قوى أربع؛ ويخصون كل جنس من الملموسات الأربع بقوة على
15
حدة، الإ أنها مشتركة فى العضو الحساس، كالذوق واللمس فى اللسان، والابصار واللمس فى
16
العين. وتحقيق هذا الى الفليسوف.
17
والقوة المدركة فى الباطن أعنى الحيوانية هى كالجنس لقوى خمس: احداها
18
القوة التى تسمى الحس المشترك والخيال، وهى عند الأطباء قوة واحدة، وعند المحصلين
19
من الفلاسفة قوتان. فالحس المشترك هو الذى يتأدى إليه المحسوسات كلها، وينفعل
20
عن صورها ويجتمع فيه. والخيال هو الذى يحفظها بعد الاجتماع، ويمسكها بعد الغيبوبة
21
عن الحس. والقوة القابلة منهما غير الحافظة. وتحقيق الحق فى هذا هو إيضًا إلى الفيلسوف.
22
وكيف كان فان مسكنهما ومبدأ فعلهما هو البطن المقدم من الدماغ.
23
والثانية القوة التى تسميها الأطباء مذكرة، والمحققون تارة يسمونها متخيلة، وتارة
24
مفكرة؛ فان إستعملتها القوة الوهمية الحيوانية التى نذكرها بعد، أونهضت هى بنفسها.
25
لفعلها سموها متخيلة. وإن أقبلت عليها القوة النطقية، وصرفتها على ماينتفع بها منها سميت
26
مفكرة. والفرق بين هذه القوة وبين الأولى كيف ما كانت: أن الأولى قابلة أوحافظة،
27
لما يتادى إليها من الصورالمحسوسات. وأما هذه فانها تتصرف على المستودعات فى
28
الخيال تصرفاتها من تركيب وتفصيل، فستستحضر صورًا على نحوما تأدى من الحس، و
29
صورًا مخالفة لها كانسان يطير، وجبل من زمرد. وأما الخيال فلا يحضره الإ الحصول من
30
الحس. ومسكن هذه القوة هو البطن الأوسط من الدماغ.
1-129
1
وهذه القوة هى آلة لقوة هى بالحقيقة المدركة الباطنة فى الحيوان، وهى الوهم
2
وهى القوة التى تحكم فى الحيوان أن الذ ئب عدو، والولد جبيب، وان المتعهد العلف صديق
3
لا ينفرعنه، [وهو] على سبيل غير نطقى. والعداوة والمحبة غير محسوستين، اذ ليس
4
يدركهما الحس من الحيوان. فاذًا إنما يحكم بهما ويدركهما قوة أخرى، وإن كان ليس
5
بالإدراك النطقى، إلا أنه لامحالة ادراك ما غير النطقى. والإنسان ايضًا قد يستعمل هذه
6
القوة فى كثير من أحكامه، ويجرى فى ذلك مجرى الحيوان غير الناطق.
7
وهذه القوة تفارق الخيال، لإن الخيال يستثبت المحسوسات، وهذه تحكم فى
8
المحسوسات بمعان غير محسوسة. وتفارق التى تسمى مفكرة ومتخيلة. بأن أفعال تلك لايتبعها
9
حكم ما؛ وأفعال هذه يتبعها حكم ما، بل هى أحكام ما. وافعال تلك تركيب فى المحسوسات،
10
وفعل هذه هو حكم فى المحسوس فى معنى خارج عن المحسوس؛ وكما ان الحس فى الحيوان
11
حاكم على صورالمحسوسات، كذلك الوهم فيها حاكم على معانى تلك الصور التى تتأدى إلى
12
الوهم، ولاتتأدى إلى الحس. ومن الناس من يتجوز، ويسمى هذه القوة تخيلًا، وله ذلك،
13
إذلا منازعة فى الأسماء؛ بل يجب أن يفهم المعانى والفروق. وهذه القوة لايتعرض الطبيب
14
لتعرفها، وذلك لأن مضار أفعالها تابعة لمضار أفعال قوى أخرى قبلها، مثل الخيال،
15
والتخيل، والذكر الذى سنقوله بعد. والطبيب إنما ينظر فى القوى التى إذا
16
لحقتها مضرة فى فعلها، كان ذلك مرضًا، فان كان نت المضرة تلحق فعل قوة بسبب مضرة
17
لحقت فعل قوة قبلها، فكانت تلك المضرة تتبع سوء مزاج أوفساد تركيب فى عضوما، فيكفيه
18
أن يعرف ان لحوق ذلك الضرر بسبب سوء مزاج ذلك العضو أوفساده، حتى يتداركه بالعلاج
19
أويتحفظ عنه؛ ولا عليه أن يعرف حال القوة، التى إنما يلحقها ما يلحقها بواسطة، إذا كان
20
قد عرف حال التى يلحقها بغير واسطة.
21
والثالثة مما يذكره الأطباء، وهى الخامسة أوالرابعة عند التحقيق؛ هى القوة الحافطة
22
والمذكرة، وهى خزانة لما يتأدى [الى] الوهم من معان فى الحسوسات، غير صورها
23
المحسوسة، كما ان الخيال خزانة لما يتأدى إلى الحس من الصور المحسوسة، وموضعها البطن
24
الموخر من بطون الدماغ. وههنا موضع نظر فلسفى فى أنه هل القوة الحافظة، والمتذكرة،
25
والمسترجعة، لما غاب عن الحفظ من مخزونات الوهم، قوة واحدة أم قوتان؟ ولكن ليس
26
ذلك مما يلزم الطبيب. إذ كانت الآفات التى تعرض لأيتهما، كانت هى متجانسة وهى
27
الآفات العارضة للبطن الموخرمن الدماغ، إما من جنس المزاج، وإما من جنس التركيب.
28
وأما القوة الباقية من قوى النفس المدركة فهى الإنسانية الناطقة. ولما سقط نظر الإطباء
29
عن القوة الوهمية، لماشرحناه من العلة، فهو أسقط عن هذه القوة، بل نظرهم مقصور
30
على أفعال القوى الثلاثة لاغير.
1-130
1
|25rb27|الفصل السادس فى القوى النفسانية المحركة
2
وأما القوة المحركة فهى التى تشنج الأوتار وترخيها، فتتحرك بها الأعضاء والمفاصل
3
تبسطها وتثنيها ومنفذها فى العصب المتصل بالعضل، وهى جنس يتنوع حسب تنوع المبادى
4
للحركات، فيكون فى كل عضلة طبيعة أخرى، وهى تابعة لحكم الوهم الموجب للاجماع.
5
|25rb37|الفصل الأخير من هذا التعليم وهو فى الأفعال
6
نقول: إن من الأفاعيل المفردة مايتم بقوة واحدة، مثل الهضم مثلًا، ومنها ما
7
يتم بقوتين مثل شهوة الطعام؛ فانها تتم بقوة جاذبة طبيعية، وبقوة حساسة فى فم المعدة.
8
وأما الجاذبة فتحريكها الليف المطاول متقاضية لما بجذبه، وإمتصاصها مايحضر من الرطوبات.
9
وأما الحساسة فباحساسها بهذا الإنفعال، وبلذع السوداء المنبهة للشهوة المذكورة قصتها؛
10
وانما كان هذا الفعل ممايتم بقوتين، لأن الحساسة إذا عرض له آفة بطل المعنى الذى
11
يسمى جوعًا وشهوة، فلم يشته الطعام وإن كان للبدن إليه حاجة.
12
وكذلك الإزدراد يتم بقوتين: إحداهما الجاذبة الطبيعية، والأخرى الجاذبة
13
الإرادية. والأولى يتم فعلها بالليف المطاول الذى فى فم المعدة والمرى. والثانية يتم
14
فعلها بليف عضل الإزدراد. [وإذا بطل إحدى القوتين عسر الازداد]، بل إذا لم تكن
15
بطلت الاانها لم تنبعث بعد لفعلها، عسر الإزدراد. ألا ترى أنه إذا كانت الشهوة لم تصدق،
16
عسر علينا إبتلاع مالانشتهيه؛ إذا كنا نعاف شيئًا ثم أردنا إبتلاعه، فنفرت علينا القوة الجاذبة
17
الشهوانية، صعب على الإارادية إبتلاعه.
18
وعبور الغذاء ايضًا يتم بقوتين: قوة دافعة من العضو المنفصل عنه، وقوة جاذبة
19
من العضو المتوجهه إليه. وكذلك إخراج الثفل من السبيلين. وربما كان الفعل مبدة قوتين:
20
نفسانية، وطبيعية؛ وربما كان سببه قوة وكيفية مثل التبريد المانع للمواد، فانه يعاون
21
الدافعة على مقاومة الخلط المنصب إلى العضو ومنعه ودفعه فى وجهه.
22
والكيفية الباردة تمنع بشيئين بالذات أى بتغليظ جوهر ماينصب، وبتضييق المسام
23
وبشئى ثالث هو مما بالعرض، وهو إطفاء الحرارة الجاذبة. والكيفية الحارة تجذب بما
24
يقابل هذه الوجوه المذكورة. واضطرار الخلاء إنما يجذب أولًا مالطف ثم ما كثف. وأما
25
القوة الجاذبة الطبيعية، فانما تجذب الأوفق، أوالذى يخصها فى طبعها جذبه. فربما كان
26
الاكثف هو الأوفق والأخص. ''تم الفن الأول من الكتاب الأول فى الطب.
1-131
1
|25va33|الفن الثانى
2
وهو ثلاثة تعاليم
3
التعليم الأول فى الامراض، التعليم الثانى فى الأسباب، التعليم الثالث فى الأعراض
4
|25va37|التعليم الاول
5
تمانية فصول
6
|25va38|الفصل الأول فى تعليم السبب والمرض والعرض
7
فنقول: إن السبب فى كتب الطب، هو مايكون أولًا، فيجب عند وجوده حالة
8
من الحالات التى فى البدن الإنسانى أوثباتها. والمرض هيئة غير طبيعية فى بدن الإنسان،
9
يجب عنها بالذات آفة فى الفعل وجوبًا أوليًا؛ وذلك إما مزاج غير طبيعى، وإما تركيب
10
غير طبيعى. والعرض هو الشئى الذى يتبع هذه الهيئة، وهو غير طبيعى، سواء كان
11
مضادًا للطبيعى، مثل الوجع فى القولنج، أو غير مضاد مثل إفراط حمرة الخد فى ذات
12
الرئة. مثال السبب العفونة، مثال المرض الحمى، مثال العرض العطش والصداع.
13
وإيضًا مثال السبب إمتلاء فى الأوعية المنحدرة إلى العين. مثال المرض السدة فى العنبية،
14
وهو مرض آلى تركيبى، مثال العرض فقدان الابصار. وإيضًا مثال السبب نزلة حارة،
15
مثال المرض قرحة فى الرئة، مثال العرض "حمرة الوجنتين" وتحدب الأظفار.
16
والعرض يسمى عرضًا باعتبار ذاته، أو بقياسه إلى المعروض له؛ ويسمى دليلًا باعتبار
17
مطالعة الطبيب إياه، وسلوكه منه إلى معرفة ماهية المرض.
18
وقد يصير المرض سببًا لمرض آخر، كالقولنج للغشى، أوللفالج، أو للصرع، بل قد
19
يصير العرض سببًا للمرض، كالوحج الشديد يصير فى القولنج سببًا لحدوث الغشى، أوكالوجع
20
الشديد يصير سببًا لحدوث الورم، لإنصبباب المواد إلى موضع الوجع. وقد يصير العرض
21
نفسه مرضًا، كالصداع العارض عن الحمى؛ فانه ربما إستقر واستحكم حتى يصير مرضًا.
22
وقد يكون الشى بالقياس إلى نفسه، وإلى شئى قبله، وإلى شئى بعده مرضًا وعرضًا وسببًا،
23
مثل الحمى السلية، فانها يكون عرض لقرحة الرئة، ومرض فى نفسها وسبب لضعف المعدة
24
مثلًا. ومثل الصد اع الحادث عن الحمى إذا استحكم، فانه عرض للحمى، ومرض فى
25
نفسه؛ وربما جلب السرسام فصار سببًا له.
1-132
1
|25vb25|الفصل الثانى فى أقسام أحوال البدن الإنسانى وأجناس الأمراض
2
أحوال بدن الإنسان عند جالينوس ثلاثة: الصحة وهى هيئة يكون بها بدن الإنسان
3
فى مزاجه وتركييه، بحيث يصدر عنه الأفعال كلها صحيحة سليمة. والمرض وهى هيئة فى
4
بدن الإنسان مضادة لهذه. وحالة عنده ليست بصحة ولامرض؛ إمالعدم الصحة فى الغاية،
5
والمرض فى الغاية، كابد ان الشيوخ والناقهين والأطفال؛ أولاجتماع من ألامرين فى وقت
6
واحد، اما فى عضوين أوفى عضو، ولكن فى جنسين متباعدين، مثل أن يكون صحيح
7
المزاج مريض التركيب أوفى عضووفى جنسين متقاربين، مثل أن يكون صحيحًا فى الشكل،
8
ليس صحييحًا فى المقدار والوضع، أوصحيحًا فى الكيفيتين المنفعلتين، ليس صحيحًا
9
فى الفاعلتين؛ أو لتعاقب من الأمرين فى وقتين، مثل من يصح شتاء، ويمرض صيفًا.
10
والأمراض منها مفردة، ومنها مركبة. والمفردة هى التى تكون نوعًا واحدًا من أنواع
11
مرض المزاج، أونوعًا واحدًا من أنواع مرض التركيب الذى نذ كره بعد. والمركبة هى
12
التى يجتمع منها نوعان فصاعدًا يتحد منها مرض واحد. فلنبدأ أولًا بالأمراض المفردة
13
فنقول: إن اجناس الأمراض المفردة ثلاثة: الاول جنس الأمراض المنسوبة إلى الأعضاء
14
المتشابهة الاجزاء، وهى أصناف سوء المزاج؛ وإنما نسبت إلى الأعضاء المتشابهة
15
الأجزاء، لانها أولًا وبالذات تعرض للمتشابهة الأجزاء، ومن أجلها تعرض للأعضاء المركبة،
16
حتى انها يمكن أن تتصور حاصلة موجودة فى أى عضو من الأعضاء المتشابهة الاجزاء
17
شئت، والمركبة لايمكن فيها ذلك.
18
والثانى جنس أمراض الأعضاء الآلية، وهى أمراض التركيب، الواقع فى أعضاء
19
مؤلفة من الأعضاء المتشابهة الأجزاء، هى آلات الأفعال.
20
والثالث جنس الأمراض المشتركة التى تعرض للمتشابهة الأجزاء، [بما هى متشابهة الاجزاء]
21
وتعرض للآلية بما هى آلية من غير أن يتبع عروضها الآلية، عروضها للمتشابهة الأجزاء،
22
وهو الذى يسمونه تفرق الإتصال، وإنحلال الفرد. فان تفرق الإتصال قد يعرض للمفصل،
23
من غير أن يعرض للمتشابهة الأجزاء التى ركب منها المفصل البتة. وقد يعرض لمثل العصب
24
والعظم والعروق وحدها.
25
وبالجملة الأمراض ثلاثة أجناس: أمراض تتبع سؤ المزاج، وامراض تتبع سؤ هيئة التركيب،
26
وأمراض تتبع تفرق الإتصال. وكل مرض يتبع واحدا من هذه. ويكون عنه تنسب اليه.
27
وأمراض المزاج معروفة وهى ستة عشر وقد ذكرناها.
28
|26ra26|الفصل الثالث فى أمراض التركيب
29
وأمراض التركيب تنحصر ايضًا فى أربعة أجناس: أمراض الخلقة، وأمراض
30
المقدار، وأمراض العدد، وأمراض الوضع. فأمراض الخلقة تنحصر فى أربعة [اجناس]:
1-133
1
امراض الشكل وهو أن يتغير الشكل عن مجراه الطبيعى، فيحدث تغيره آفة فى الفعل،
2
كاعوجاج المستقيم، وإستقامة المعوج، وتربع المستدير، وإستدارة المربع؛ ومن هذا
3
الباب تسفيط الرأس، إذا عرض منه ضرر، وشدة إستدارة المعدة، وعدم الفرطحة فى
4
الحدقة.
5
والثانى امراض المجارى وهى ثلاثة أصناف: لانها إما أن تتسع كانتشار للعين،
6
وكالسبل والدوالى، أوتضيق كضيق [ثقب] العين، ومنافذ النفس والمرئ، أوتنسد
7
كانسداد الثقب العنبية، وعروق الكبد وغيرها.
8
والثالث أمراض الأوعية والتجاويف، وهى على أصناف أربعة: فانها إما أن تكبر
9
وتتسع كاتساع كيس الأنثيين؛ أو تصغر وتضيق كصغر المعدة وضيقها، وضيق بطون الدماغ
10
عند الصرع؛ أوتنسد وتمتلئ كانسداد بطون الدماغ عند السكتة. أو أن تستفرغ وتخلو كخلو
11
تجاويف القلب عن الدم عند شدة الفرح المهلكة، أوشدة الفزع المهلكة.
12
والرابع أمراض صفائح الاعضاء وهى إما بأن يتملس ما يجب أن يخشن كالمعدة
13
والامعاء إذا تملستا"، أو يخشن ما يجب أن يتملس كقصبة الرئة إذا خشنت.
14
وأما أمراض المقدار فهى صنفان: فانها إما أن تكون من جنس الزيادة كداء الفيل
15
وتعظيم القضيب، وهى علة تسمى فريسموس، وكما عرض لرجل يسمى نيقوماخس
16
[وهو] ان عظمت أعضاءه كلها حتى عجز عن الحركة. وإما أن يكون من جنس النقصان
17
كضمور اللسان والحدقة وكالذبول.
18
وأما أمراض العدد: فاما أن يكون من جنس الزيادة، وتلك إما طبيعية كالسن،
19
الشاغية، والإصبع الزائدة؛ أو غير طبيعية كالسلعة والحصاة. وإما من جنس النقصان سواء
20
كان نفصانًا فى الطبع، كمن لم يخلق له إِصبع، أو نقصانًا لا فى الطبع، كمن قطعت
21
إصبعه.
22
وأما أمراض الوضع: فان الوضع عند جالينوس يقتضى الموضع ويقتضى المشاركة.
23
فأمراض الوضع أربعة: إنخلاع العضو عن مفصله، أو زواله عن وضعه من غير إنخلاع
24
كما فى الفتق المنسوب إلى الأمعاء؛ أو حركته فيه لا على المجرى الطبيعى، أو الإرادى
25
كالرعشة، أولزومه موضعه فلايتحرك عنه، كما يعرض عند تحجر المفاصل فى مرض
26
النقرس.
27
وأمراض المشاركة فهى تشتمل على كل حالة تكون للعضو بالقياس إلى عضو
28
يجاوره من مقاربته، لا على المجرى الطبيعى، وهو صنفان: احدهما أن يعرض له إمتناع
29
حركته إليه أوعنه. والثانى تعسرها بعد أن كان ذلك ممكنًا له. مثل الإصبع إذا امتنعَ
30
تحريكها إلى ملاصقة جارتها، أو يعرض لها إمتناع تحريكها عنها ومفارقتها إياها بعد ان
1-134
1
كان ذلك ممكنًا أو تعسر تباعدها، وذلك مثل إسترخاء الجفن، واسترخاء المفاصل فى
2
الفالج، أويعسر بسط الكف وفتح الجفن.
3
|26rb32|الفصل الرابع فى أمراض تفرق الإتصال
4
وأما أمراض تفرق الإتصال فقد تقع فى الجلد، وتسمى خدشًا وسحجًا. وقد تقع
5
فى اللحم، والقريب العهد منه الذى لم يتقيح تسمى جراحة، والذى تقيح يسمى قرحة؛
6
ويحدث فيه القيح لإندفاع الفضول اليه لضعفه، ولعجزه عن استعمال غذائه وهضمه؛
7
فيستحيل ايضًا فضلًا فيه.
8
وربما قبلت الجراحة والقرحة، لتفرق اتصال يعرض فى غير اللحم. وقد يقع فى
9
العظم: اما كاسرًا الى جزئين أو أجزاء كبار، واما مفتتًا، واما واقعًا فى طوله صادعًا؛
10
واما ان يقع فى الغضاريف على الأقسام الثلاثة، أويقع فى العصب: فان وقع عرضًا سمى
11
بترًا، وإن وقع طولًا، ولم يكن عدده كثيرًا سمى شدخًا.
12
وقد يقع فى أجزاء العضلة: فان وقع على طرف العضلة سمى هتكًا سواء كان
13
فى عصبة أو وتر، وإن وقع عرض العضلة سمى حزًا، وإن وقع فى الطول وقل عدده،
14
وكثرغوره سمى فدغًا؛ وإن كثير أجزاءه، وفشا وغارسمى رضًّا وفسخًا. وربماقيل الفسخ
15
والرضّ والفدغ لكل مايتفق فى وسط العضلة كيف كان يتفق.
16
وإن وقع فى الشرائين [سمى أم الدم وإن وقع] فى الأوردة سمى إنفجارًا،
17
ثم إما أن يعترضها فيسمى قطعًا وفصلًا، أوينفذ فى طولها فيسمى صدعًا، أويكون ذلك على
18
سبيل تفتح فوهاتها فيسمى بثقًا. وإن كان فى الشريان فلم يلتحم، وكان الدم يسيل منه
19
إلى الفضاء الذى يحويه، حتى يمتلئى ذلك الفضاء، وإذا عصرعاد إلى العرق سمى
20
أم الدم؛ وقوم يقولون أم الدم لكل انفجار شريانى.
21
واعلم أنه ليس كل عضو يحتمل ــ انحلال الفرد، فان القلب لايحتمله ويكون
22
معه الموت. واما ان يقع فى الأغشية والحجب فيسمى فتقًا. واما أن يقع بين جزئين من عضو
23
مركب، فينفصل أحدهما عن الآخر، من غير أن ينال العضو المتشابهة الأجزاء تفرق اتصال،
24
فيسمى انفصالًا وخلعًا: فاذا كان ذلك فى عصب زال عن موضعه سمى فكًا. وقد يكون
25
تفرق الإتصال فى المجارى فيتوسع، وقد يكون فى غير المجارى فيحدث مجارى لم تكن.
26
وزوال الإتصال والتقرح ونحوه إذا وقع فى عضو جيد المزاج صلح بسرعة.
27
وإن وقع فى عضو ردئ المزاج إستعصى حينًا، ولاسيما فى أبدان مثل أبدان الذين بهم
28
الإستسقاء، أو سوء القنية أو الجذام. واعلم أن القروح الصيفية إذا تطاولت وقعت إلى
29
الآكلة، وأنت ستجد فى كتب التفصيل إستقصاء لإمر تفرق الإتصال مؤخرًا اليه.
1-135
1
|26va35|الفصل الخامس فى الامراض المركبة
2
فاما الامراض المركبة فلنقل فيها ايضًا قولًا كليًا. نقول: انا لسنا نعنى بالأمراض المركبة، اى
3
امراض اتفقت مجتمعة، بل الامراض التى اذا اجتمعت حدث من جملتها شيئى هو مرض واحد،
4
وهذا هو مثل الورم. والبثور من جنس الورم، فان البثور اورام صغار، كما ان الاورام بثوركبار.
5
والورم يوجد فيه اجناس الامراض كلها، فيوجد فيه مرض المزاج، لانه الاورم
6
إلا ويحد ث من سؤمزاج مع مادة. ويوجد فيه مرض الهيئة والتركيب، فانه لامرض إلا
7
وهناك آفة فى الشكل والمقدار؛ وربما كان معه امراض الوضع. ويوجد فيه المرض
8
المشترك، وهو تفرق الاتصال، فانه لا ورم الا وهناك تفرق الاتصال؛ فانه لاشك انه
9
قد تفرق الاتصال، لما انصبت المواد الفضلية الى العضو الوارم، وسكنت بين اجزائه
10
مفرقة بعضها عن بعض، حتى تاخذ لانفسها امكنة.
11
والورم يعرض للاعضاء اللينة. وقد يعرض شيئى شبيه بالورم فى العظام، يغلظ له
12
حجمها، ويزداد رطو بتها. ولا يغرب ان يكون القابل للزيادة بالغذاء يقبلها بالفضل، اذا
13
نفذ فيه، اوحدث فيه. وكل ورم ليس له سبب باد، ثم سببه البدنى يتضمن انتقال مادة
14
من عضو الى عضوماتحته فيسمى نزلة.
15
وربما كان السبب المادى، الذى تتولد عنه الاورام والبثور، معمورًا فى اخلاط
16
اخرى، غير موذية فى كيفيتها. فاذا استفرغت الاخلاط الجيدة فى وجوه من الاستفراغ،
17
إما الطبيعى كما يعرض للنساء فى الارضاع، وإما غير طبيعى كما يعرض لجراحة تسيل دمًا
18
محمودًا، بقيت تلك الاخلاط الردية خالصة مفردة؛ فتأذى بها الطبع فيدفغها. فربما
19
كان وجه دفعها الى الجلد، فحدثت اورام وبثور.
20
والاورام قد تنفصل بفصول مختلفة، الا ان اولى فصولها بالاعتبار هى الفصول
21
الكائنة عن اسبابها، وهى المواد التى تكون عنها الاورام. والمواد التى تكون عنها الاورام
22
ستة: الاخلاط الاربعة، والمائية، والريح.
23
فالورم اما ان يكون حارًا، واما ان لا يكون حارًا. ولاينبغى ان يظن ان الورم الحار
24
هو الكائن عن دم اومرة فقط، بل عن كل مادة [كانت] حارة بجوهرها، اوعرضت
25
لها الحرارة بالعفونة. وان كانت هذه الاجناس ايضًا قد تنقسم بحسب انقسام انواع
26
كل مادة، وذلك بالقول النوعى فى الاورام اولى. وعادتهم ان يسموا الدموى المحض
27
فلغمونيًا والصفراوى المحض حمرة. والمركب منهما باسم مركب منهما؛ فيقدمون الاغلب
28
فيقولون مرة فلغمونى حمرة، ومرة حمرة فلغمونية؛ واذا جمع سمى خراجًا. واذا وقع
29
الخراج فى اللحوم الرخوة والمغابن، وخلف الاذن والاربية، وكان من جنس فاسد،
30
سنذ كره فى موضعه الجزئى، سمى طاعونًا.
1-136
1
وللاورام الحارة ابتداء فيه يندفع الخلط ويظهر الحجم؛ تم تزيد فيزيد معه الحجم
2
ويتمدد؛ ثم وقوف عند غاية الحجم؛ ثم ياخذ فى الانحطاط، فينضج بتحلل او قيح. و
3
مآل امره إما الى تحلل، وإما الى جمع مدة، وإما استحالة الى الصلابة.
4
واما الاورام غير الحارة: فاما ان تكون من مادة سوداوية، او بلغمية، اومائية،
5
اوريحية. والكائنة عن مادة سوداوية ثلاثة اجناس: الصلابة، والسرطان واكثرهما خريفية؛
6
واجناس الغدد، التى منها الخنازير والسلع. والفرق بين اجناس الغدد وبين الجنسين
7
الآخرين: ان اجناس الغدد تكون متبرئة عما يحويها، مثل الغدد المحضة، او متشبثة
8
بها بظاهرها فقط، مثل الخنازير. واما تلك الآخر فتكون مخالطة مداخلة لجوهر العضو
9
الذى هى فيه. والفرق بين السرطان والصلابة ان الصلابة ورم ساكن هاد مبطل للحس، او
10
آئف فيه لا وجع معه. والسرطان متحرك متزيد موذ، له اصول ناشئة فى الاعضاء، ليس
11
يجب ال يبطل معه الحس، الا ان يطول مدته، فيميت العضو ويبطل حسه. وليس يبعد
12
ان يكون الفصل بين السرطان والصلابة بعوارض لازمة، لابفصول جوهرية.
13
والاورام الصلبة السوداوية تبتدى فى اول كونها صلبة، وقد تنتقل الى الصلابة،
14
وخصوصًا الدموية؛ وقد يعرض ذلك ايضًا فى البلغمية احيانًا. ويفارق الغدد والسلع
15
وما اشبههما من تعقد العصب، بأن التعقد الزم لموضعه، وملمسه عصبى، فاذابدد بالغمز
16
عاد، واذا بدد بدواء قوى غير الغمز لم يعد. واكثرها يحدث عن التعب ويبطل بالمثقلات
17
من الاسرب ونحوه.
18
واما جنس الاورام البلغمية فينقسم الى نوعين: الورم الرخو، والسلع اللينة.
19
ويتفاصلان بأن السلع متميزة فى غلف، والورم الرخو مخالط غير متميز. واكثر اورام
20
الشتاء بلغمية، حتى الحارة منها يكون بيض الالوان.
21
واعلم ان الاورام البلغمية تختلف بحسب غلظ البلغم ولزوجته ورقته، حتى تشبه
22
تارة السوداوية، وتارة الريحية [وتارة المائية]. وكثيرًا ما ينزل البلغم الرقيق فى النوازل
23
فى خلل ليف الاعصاب، حتى يبلغ الى ميل عضلات الحنجرة السفلى منها فمادونها.
24
واما الاورام المائية فهى كالاستسقاء، والقيلة المائية، والورم الذى يعرض فى
25
القحف من المائية وما يشبه ذلك.
26
واما الاورام الريحيه فهى ايضا تتنوع الى نوعين: احدهما التهبج، والآخر النفخة.
27
والفرق بين التهبج وبين النفخة من وجهين: احدهما القوام، والثانى المخالطة. وبيان
28
هذا: ان الريح فى التهبج مخالطة لجوهر العضو، وفى النفخة مجتمعة ممدودة غير مخالطة
29
للعضو؛ وان التهبج يستلينه الحس، والنفخة تقاوم المدافع مقاومة كثيرة او قليلة.
30
والبثور ايضًا على عدد الاورام: فمنها دموية كالجدرى، وصفراوية محضة كالشرى
31
الصفراوى والجاورسية؛ ومختلطة كالحصبة والنملة والمسامير والجرب والثآليل وغير
1-137
1
ذلك. وقد يكون مائية كالنفاطات، وريحية كالنفاخات. وانت ىجد فى الكتاب الرابع
2
تفصيلا مستقصى، تستغنى به لاحوال الاورام والبثور يليق بذلك الموضع.
3
|27ra48|الفصل السادس فى امور تعد مع الامراض
4
وها هنا امور خارجة عن الامراض وتعد فيها، وهى الامور الداخلة فى الزينة:
5
احدها فى الشعر، والثانى فى اللون، والثالث فى الرائحة، والرابع فى السحنة بعد اللون.
6
واجناس امراض الشعر: التناثر، والتمرط، والقصر، والقلة، والشقاق، والدقة، والغلظ،
7
وافراط الجعودة، وافراط السبوطة، والشيب، واستحالة اللون كيف كانت. وآفات
8
اللون تدخل فى اربعة اجناس، جنس استحالة عن سؤ مزاج بمادة كاليرقان، اوبغير مادة
9
كالجصية العارضة للون عن سوى مزاج بارد مفرد، والصفرة التى ربما كانت عن سؤ
10
مزاج حار [مفرد]. و جنس استحالته عن اسباب بادية كما تسفع الشمس والبرد والريح اللون.
11
وجنس انبساط اجسام م غريبة اللون على الجلد الحامل اللون كالبهق الاسود، وانتقاطها
12
فيه كالخيلان والنمش [والبرش والكلف]. وجنس الآثار العارضة من التيام تفرق اتصال
13
عرض كآثار الجدرى وانداب القروح. [وآفات] الرائحة كالصنان وغيره من الروائح الكريهة
14
[التى تفوح] من الابدان. وآفات السحنة بعد اللون، إما الهزال المفرط، وإما السمن
15
المفرط.
16
|27rb16|الفصل السابع فى اوقات الامراض
17
اعلم ان لاكثر الامراض اربعة اوقات: وقت الابتداء، ووقت التزيد، ووقت المنتهى،
18
ووقت الانحطاط؛ وما خرج عن هذه فهى من اوقات الصحة. وليس نعنى بوقت الابتداء والانتهاء
19
طرفان، لايستبان فيهما حال المرض، بل لكل واحد منهما زمان مخصوص، يكون له حكم مخصوص.
20
ووقت الابتداء هو الزمان الذى يظهر فيه المرض، ويكون كالمتشابه فى احواله
21
لا يستبان فيه تزيده. والتزيد هو الوقت الذى يستبان في اشتداده [فى] كل وقت بعد
22
وقت. وقت الانتهاء هوالوقت الذى يقف فيه المرض فى جميع اجزائه على حالة واحدة.
23
الانحطاط هوالزمان الذى يظهر فيه انتقاصه، وكلما امعن كان الانتقاص اظهر. وهذه الاوقات
24
قد تكون بحسب المرض من اوله الى آخره فى نوائبه، وتسمى اوقاتًا كلية. وقد تكون
25
بحسب نوبة نوبة، وتسمى اوقاتًا جزئية.
26
|27rb39|الفصل الثامن منه فى تمام القول فى احوال الامراض
27
ان الامراض قد تلحقها التسمية من وجوه: إما من الاعضاء الحاملة لها،
28
كذات الجنب وذات الرئة؛ واما من اعراضها كالصرع؛ واما من اسبابها كقولنا مرض سوداوى؛
1-138
1
واما من التشبيه كقولنا داء الاسد وداء الفيل، واما منسوبًا الى اول من يذكر انه عرض له
2
ذلك، كقولهم [قرح طيلانسية، منسوبة الى رجل يسمى طيلانس. واما منسوبًا الى بلد يكثر
3
حدوثه فيه، كقولهم] القروح البلخية. واما ان يكون منسوبًا الى من كان مشهورًا
4
بالانجاح فى معالجاتها كالقرحة الخيرونية. وامامن جواهرها وذواتها كالحمى والورم.
5
قال جالينوس: ان الامراض اما ظاهرة، واما باطنة سهلة الوقوف عليها، كاوجاع
6
المعدة والرئة. اوعسرة الوقوف عليها، كآفات الكبد ومجارى المرة. واما غير مدركة
7
الابالتخمين، كالآفات العارضة لمجارى البول.
8
والامراض قد تكون خاصة، وقد تكون بالشركة. والعضو يشارك عضوًا فى مرضه
9
اما لانهما متواصلان بالطبع، يتصل بينهما آلات كالدماغ والمعدة، يصل العصب بينهما،
10
والرحم والثدى تصل الاوردة بينهما. واما لان احدهما طريق الى الثانى
11
كالاربيتين لورم الساق. واما لانهما متجاوران كالرقبة والدماغ؛ فكل يشرك الآخر
12
وخصوصًا اذ اكان احدهما جارًا ضعيفًا، فيقبل الفضل من صاحبه كالابط للقلب.
13
واما لان احدهما مبدأ واصل لفعل الثانى، كالحجاب للرئة فى التنفس. واما لان
14
احدهما يخدم الثانى كالعصب للدماغ. واما لانهما يشاركان عضوًا ثالثًا، مثل الدماغ
15
يشارك الكلية، بسبب ان كل واحد منهما يشارك الكبد وربما عادت الشركة وبالًا
16
مثل ان الدماغ اذا الم، فشاركته المعدة فضعف هضمها، فارسلت اليه ابخرة ردية،
17
وغذاء غير منهضم، فزادت فى الم الدماغ نفسه. والمشاركة تجرى على احكام الاصل
18
فى الدوام وفى الدور. ومراتب الابدان فيما بين الصحة والمرض ستة: بدن فى غاية
19
الصحة، وبدن دون الغاية، وبدن لاصحى ولامرضى كما قدقيل. ثم البدن المسقام
20
القابل للسقم سريعًا، ثم بدن المريض مرضًا يسيرًا، ثم البدن المريض فى الغاية.
21
وكل مرض إما مسلم، وإما غير مسلم. والمسلم هو المرض الذى لاعائق
22
عن معالجته كما ينبغى، وغير المسلم هو الذى يقترن به عائق، لايرخص فى صواب تدبيره،
23
مثل الصداع اذا قارنته النزلة. واعلم ان المرض المناسب للمزاج والسن والفصل اقل
24
خطرًا من الذى لايناسبه، ولايحدث الا عن عظم سببه. [واعلم: ان امراض كل
25
فصل يرجى ان تنحل فى ضده من الفصول]
26
واعلم: ان من الامراض امراضًا تنتقل الى امراض اخرى، وتقلع هى ويكون
27
فيها خيرة. فيكون مرض واحد شفاء من امراض اخرى مثل الربع، فانه كثيرًا ما يشفى
28
من الصرع، والنقرس، والدوالى، واوجاع المفاصل، والجرب والحكة، والبثور
29
من التشنج. وكذلك الذرب من الرمد، ومن زلق الامعاء، ومن ذات الجنب. و
1-139
1
كذلك انفتاح عروق المعدة، ينفع من كل مرض سوداوى، ومن وجع الورك، ومن
2
اوجاع الكلى والارحام. وقد ينتقل بعض الامراض الى امراض اخرى، فيصير الحال
3
لذلك اشد ردأة، مثل انتقال ذات الجنب الى ذات الرئة، وانتقال فرانيطس الى ليثرغس.
4
ومن الامراض امراض معدية: مثل الجذام والجرب، والجدرى، والحمى
5
الوبائية، والقروح العفنة، وخصوصًا اذا ضاقت المساكن. وكذلك اذا كان المجاور
6
فى اسفل الريح، ومثل الرمد، وخصوصًا الى متأمله بعينه، ومثل الضرس حتى ان
7
تخيل الحامض يفعله، ومثل السل ومثل البرص.
8
ومن الامراض امراض تتوارث فى النسل: مثل البرص، والقرع الطبيعى،
9
والنقرس، والسل، والجذام. ومن الامراض امراض جنسية تختص بقبيلة، اوبسكان
10
ناحية ويكثر فيهم. واعلم ان ضعف الاعضاء تابع لسوء المزاج لتخلخل البنية.
11
|27vb14|التعليم الثانى
12
من الفن الثانى جملتان
13
|27vb15|الجملة الاولى
14
فى الاشياء التى تحدث عن سبب سبب من الاسباب العامية
15
وهى تسعة عشر فصلًا
16
|27vb17|الفصل الاول قول كلى فى الاسباب
17
اسباب احوال البدن وهى الثلاثة المذكورة، وقد قدمنا ذكرها، اعنى الصحة
18
والمرض والحالة المتوسطة بينهما، ثلثة: السابقة، والبادية، والواصلة. وتشترك
19
السابقة والواصلة فى انهما امور بدنية، اعنى خلطية، اومزاجية، اوتركيبية.
20
والاسباب البادية هى من امور خارجة عن جوهر البدن، إما من جهة اجسام
21
خارجة، مثل مايحدث عن الضرب، وسخونة الجو، والطعام الحار، اوالبارد الوارد
22
على البدن. وإما من جهة النفس، فان النفس شئى آخر غير البدن، مثل ما يحدث
23
عن الغضب والخوف وما اشبههما.
24
والاسباب السابقة والبادية تشترك فى انه قد يكون بينها وبين هذه الاحوال
25
واسطة ما. والاسباب البادية والوصلة قد تشترك فى انه قد لايكون بينهما وبين الحالة
26
المذكورة واسطة، ولكن الاسباب السابقة تنفصل من الاسباب الواصلة بان الاسباب
27
السابقة لايليهما الحالة، بل بينها اسباب أخرى، اقرب الى الحالة من السابقة.
28
والا سباب السابقة تنفصل من البادية بأنها بدنية. وايضًا بان الاسباب السابقة
29
قد تكون بينها وبين الحالة واسطة لامحالة. والاسباب البادية ليس يجب فيها ذلك.
1-140
1
والاسباب الواصلة تنفصل من الاسباب البادية بانها بدنية. وايضًا بان الاسباب الواصلة
2
لايكون بينها وبين الحالة واسطة البتة. والاسباب البادية ليس يجب فيها ذلك، بل الامران
3
فيهما ممكنان.
4
فالاسباب السابقة هى اسباب بدنية، اعنى خلطية، او مزاجية، او تركيبية،
5
هى الموجبة للحالة ايجابًا غير اولى، اعنى انها توجبها بواسطة. والاسباب الواصلة
6
اسباب بدنية يوجب احوالأ بدنية ايجابًا اوليًا اى بغير واسطة. والاسباب البادية اسباب
7
غير بدنية توجب احوالًا بدنية [ايجابًا اوليًا]، اوغير اولى.
8
مثال الاسباب السابقة: الامتلاء للحمى، وامتلاء اوعية العين لنزول الماء فيها.
9
ومثال الاسباب الواصلة: العفونة للحمى، والرطوبة السائلة الى الثقبة [للسدة]
10
والسدة للغمى. ومثال الاسباب البادية: حرارة الشمس، اوشدة الحركة، او الغم،
11
اوالسهر، اوتناول شىء مسخن كالثوم، كل ذلك للحمى؛ اوالضربة للانتشار، و
12
نزول الماء فى العين.
13
وكل سبب إما سبب بالذات، كالفلفل يسخن، والافيون يبرد. وإما بالعرض،
14
كالماء البارد اذا سخن بالتكثيف، ويحقن الحرارة والماء الحاراذا برد بالتحليل،
15
والسقمونيا اذا برد باستفراغ الخلط المسخن. وليس كل سبب يصل الى البد ن يفعل
16
فيه، بل قد يحتاج مع ذلك الى امور ثلثة: الى قوة من قوته الفا علة. وقوة من قوة البدن
17
الاستعدادية. وتمكن من ملا قاة احدهما للاخر زمانًا فى مثله، يصد رذلك الفعل عنه.
18
وقد يختلف احوال الا سباب عند موجباتها: فربما كان السبب واحدًا، واقتضى
19
فى ابد ان شتى امراضًا شتى، اوفى اوقات شتى امراضًا شتى. وقد يختلف فعله فى
20
الضعيف والقوى، وفى شد يد الحس وضعيف الحس. ومن الاسباب ماهو مخلف،
21
ومنهاما هو غيرمخلف. والمخلف هو الذى اذا فارق بقى تاثيره، وغير المخلف هو الذى
22
يكون البرء مع مفارقته..
23
ونقول: ان الاسباب المغيرة لاحوال الابدان، اوالحافظة لها، إماضرورية
24
لايتاتى للا نسان التفصى عنها فى حياته. واما غير ضرورية. والضرورية ستة اجناس:
25
جنس الهواْ المحيط، وجنس مايوكل ويشرب، وجنس الحركة والسكون البد نيين،
26
جنس الحركات النفسانية. وجنس النوم واليقظة، وجنس الاستفراغ والاحتباس.
27
فلنقل اولًا فى جنس الهواء.
28
|28ra35|الفصل الثانى فى تاثير الهواء المحيط بالابدان
29
الهواء عنصر لابداننا وارواحنا، ومع انه عنصر لابداننا وارواحنا، فهو مدد
30
يصل الى ارواحنا، ويكون علة لصلاحها، لاكالعنصر فقط، لكن كالفاعل اعنى المعدل.
1-141
1
وقد بينا ما نعنى بالروح فيما سلف. ولسنا نعنى به مايسميه الفلاسة النفس. وهذا التعديل
2
الذى يصدر عن الهواء فى ارواحنا، يتعلق بفعلين: هما الترويح، والتنقية. والترويح
3
هو تعديل مزاج الروح الحار، اذا افرط بالاحتقان فى الاكثر وبغيره فى الاقل. واعنى
4
بالتعديل التعديل الاضافى، الذى علمته. وهذا التعديل يفيده الاستنشاق من الرئة،
5
ومن مسام منافس النبض المتصلة بالشرائين.
6
والهواء الذى يحيط بنا بارد جدًا، بالقياس الى مزاج الروح الغريزى، فضلًا
7
عن المزاج الحادث بالاحتقان. فاذا وصل اليه صدمة الهواء وخالطه، منعه عن
8
الاستحالة الى النار الاحتقانية، المودية الى سوء مزاج، الذى يزول به عن الاستعداد،
9
لقبول التاثير النفسانى فيه، الذى هو سبب الحيوة؛ والى تحلل نفس جوهره البخارى الرطب.
10
واما التنقية فهى باستصحابه عند رد النفس ما تسلمه اليه القوة المميزة من البخار
11
الدخانى، الذى نسبته الى الروح نسبة الخلط الفضلى الى البدن.
12
فالتعديل هو بورود الهواء على الروح عند الاستنشاق، والتنقية بصدوره عنه
13
عند رد النفس. وذلك لان الهواء المستنشق، انما يحتاج اليه فى تعديله اول وروده
14
أن يكون باردًا بالفعل، فاذا استحال الى كيفية الروح بالتسخين، لطول مكثه،
15
بطلت فائدته؛ فاستغنى عنه، واحتيج الى هواء جديد، يدخل ويقوم مقامه. فاحتيج
16
ضرورة الى اخراجه، لاخلاء المكان لمعاقبة، وليندفع معه فضول جوهرالروح.
17
والهواء مادام معتدلًا وصافيًا، ليس يخالطه جوهر غريب، مناف لمزاج الروح،
18
فهو فاعل للصحة، وحافظ اياها. فاذا تغير فعل ضد فعله. والهواء يعرض له تغيرات
19
طبيعية، وتغيرات غيرطبيعية، وتغيرات خارجة عن المجرى الطبيعى، مضادة لها. والتغيرات
20
الطبيعية هى التغيرات الفصلية، فانه يستحيل عند كل فصل الى مزاج آخر.
21
|28rb26|الفصل الثالث فى طبائع الفصول
22
واعلم ان هذه الفصول عند الاطباء غيرها عند المنجمين. فان الفصول الاربعة
23
عند المنجمين هى ازمنة انتقالات الشمس فى ربع ربع من فلك البروج، مبتدئة
24
من النقطة الربيعية.
25
واما عند الاطباء فان الربيع هو الزمان الذى لايحوج فى البلاد المعتدلة الى
26
ادفاء يعتدبه من البرد، اوترويح يعتد به من الحر. ويكون فيه ابتداء نشو الاشجار،
27
وان يكون زمانه زمان مابين الاستواء الربيعى، اوقبله اوبعده بقليل الى حصول الشمس
28
فى نصف من الثور. ويكون الخريف هو المقابل له فى مثل بلادنا. ويجوز فى
29
بلاد أخرى ان يتقدم الربيع، ويتاخر الخريف. والصيف [هو] جميع الزمان الحار.
30
والشتاء هو جميع الزمان البارد. فيكون زمان الربيع والخريف كل واحد منهما عند
1-142
1
الاطباء اقصر من كل واحد من الصيف والشتاء. والشتاء زمان مقابل للصيف، اواقل
2
منه، او اكثر منه، بحسب البلاد. فيشبه ان يكون الربيع زمان الازهار، وابتداء
3
الاثمار. والخريف زمان تغير لون الورق، وابتداء سقوطه، وماسواهما شتاء وصيف.
4
فنقول: ان مزاج الربيع هو المزاج المعتدل، وليس على ما يظن انه حار رطب.
5
وتحقيق ذلك وكنهه، هو الى الجزء الطبيعى من الفلسفة؛ بل ليسلم ان الربيع معتدل.
6
والصيف حار، لقرب الشمس من سمت الرؤس، وقوة الشعاع الفائض عنها،
7
الذى يتوهم انعكاسه فى الصيف: إما على زوايا حادة جدًا، وإما ناكصًا على اعقابه
8
فى الخطوط التى نفذ فيها، فيكثف عندها الشعاع.
9
وسبب ذلك فى الحقيقة هو ان مسقط شعاع الشمس: منه ما هو بمنزلة مسقط
10
السهم من الاسطوانة والمخروط، كانه ينفذ من مركز جرم الشمس الى ما هو محاذيه،
11
ومنه ما هو بمنزلة البسيط اوالمحيط، او المقارب للمحيط. فان قوته عند سهمه،
12
اذ التاثير يتوجه اليه من الاطراف كلها. واما مايلى الاطراف فهى اضعف، ونحن
13
فى الصيف واقعون فى السهم، اوبقرب منه. ويدوم ذلك علينا [اعنى] سكان العروض
14
الشمالية. وفى الشتاء بحيث نقرب من المحيط. ولذلك مايكون الضوء فى الصيف
15
انور، مع ان المسافة من مقامنا الى مقام الشمس فى قرب اوجها ابعد. اما نسبة هذا
16
القرب والبعد، فيتبين فى الجزء النجومى من الجزء الرياضى من الفلسفة. واما تحقيق
17
اشتداد الحر، اواشتداد الضوء، فهو يتبين فى الجزء الطبيعى من الفلسفة. والصيف
18
مع انه حار فهو ايضًا يابس، لتحلل الرطوبات فيه، من شدة الحرارة ولتخلخل جوهر
19
الهواء، ومشاكلته للطبيعة النارية، ولقلة ما يقع فيه من الانداء والامطار. والشتاء بارد
20
رطب، لضد هذه العلل.
21
واما الخريف فان الحر يكون قد انتقص فيه، والبرد لم يستحكم بعد؛ وكأنا
22
قد حصلنا فى الوسط من البعد بين السهم المذكور، وبين المحيط فاذن هو قريب
23
من الاعتدال فى الحر والبرد، الا انه غير معتدل فى الرطوبة واليبوسة. وكيف
24
والشمس قد جففت الهواء، ولم يحدث بعد من العلل المرطبة، ما يقابل تجفيف العلة
25
المجففة.
26
وليس الحال فى التبريد كالحال فى الترطيب، لان الاستحالة الى البرودة
27
تكون بسهولة، والاستحالة الى الرطوبة لاتكون بتلك السهولة. وايضًا ليست
28
الاستحالة الى الرطوبة بالبرد، كالاستحالة الى الجفاف بالحر؛ لان الاستحالة الى
29
الجفاف بالحرتكون بسهولة، فان ادنى الحر يجفف، وليس ادنى البرد يرطب، بل
30
ربما كان ادنى الحر اقوى فى الترطيب، اذا وجد المادة من ادنى [البرد فيه، لان ادنى]
1-143
1
الحر يبخر ولايحلل، وليس ادنى البرد يكثف ويحقن ويجمع. ولهذا ليس حال
2
بقاء الربيع على رطوبة الشتاء، كحال بقاء الخريف على يبوسة الصيف. فان رطوبة
3
الربيع يعتدل بالحر فى زمان لايعتدل فيه يبوسة الخريف بالبرد.
4
ويشبه ان يكون هذا الترطيب والتجفيف شبيهًا بفعل ملكة وعدم، لا بفعل
5
ضدين. لان التجفيف فى هذا الموضع ليس هو الا افقاد الجوهر الرطب. والترطيب
6
ليس هو افقاد الجوهر اليابس، بل تحصيل الجوهر الرطب. لأنا لسنا نقول فى هذا
7
الموضع هواء رطب وهواء يابس. ونذهب فيه الى صورته، اوكيفيته الطبيعية؛ بل
8
لانتعرض لهذا فى هذا الموضع، اونتعرض تعرضًا يسيرا. وانما نعنى بقولنا هواء
9
رطب: اى هواء خالطته ابخرة كثيرة مائية، او هواء استحال بتكثفه الى مشاكلة
10
البخار المائى. ونقول: هواء يابس اى هواء قد تفشش عنه مايخالطه من البخارات
11
المائية، واستحال الى مشاكلة جوهر النار بالتخلخل، اوخالطته ادخنة ارضية تشاكل
12
الارض فى قشفها.
13
فالربيع ينتقص عنه فضل الرطوبة الشتوية مع ادنى حر، يحدث فيه بمقاربة
14
الشمس السمت؛ والخريف ليس بادنى برد يحدث فيه ''بترطب جوه". واذاشئت ان
15
تعرف هذا فتامل هل تندى الاشياء اليابسة فى الجو البارد، كتجفيف الاشياء الرطبة
16
فى الجو الحار، على ان تجعل البارد فى برده، كالحار فى حره تقريبًا. فانك اذا
17
تاملت هذا وجدت الامر فيهما مختلفًا.
18
على ان هاهنا سببًا آخر اعظم من هذا: وهو ان الرطوبات لاتثبت فى الجو
19
البارد والحار جميعًا، الا بدوام لحوق المدد، والجفاف ليس يحتاج الى مدد البتة.
20
وانما صارت الرطوبة فى الاجساد المكشوفة للهواء، اوفى نفس الهواء، لاتثبت الا بمدد،
21
لان الهواء انما يقال له: انه شديد البرد بالقياس الى ابداننا، وليس يبلغ برده فى البلاد
22
المعمورة قبلنا الى ان لا يحلل البتة، بل هو فى الاحوال كلها محلل، لمافيه من قوة الشمس
23
والكواكب؛ فمتى انقطع المدد، واستمر التحلل، اسرع الجفاف.
24
وفى الربيع يكون مايتحلل اكثر ممايتبخر، والسبب فى ذلك ان التبخر يفعله امران:
25
حرارة لطيفة قليلة فى ظاهر الجو، وحر كامن فى الارض قوى، يتادى منه شىء
26
لطيف الى مايقرب من ظاهر الارض، وفى الشتاء يكون باطن الارض حارًا شديد الحرارة،
27
كماقد نبين في العلوم الطبيعية الاصلية. وتكون حرارة الجو قليلة، فيجتمع اذًا السببان
28
للترطيب: وهو التصعيد، ثم التغليظ. ولاسيما والبرد ايضًا يوجب فى جوهر الهواء
29
نفسه تكاثفًا واستحالة الى البخارية.
1-144
1
واما فى الربيع فان الهواء يكون تحليله اقوى من تبخيره. والحرارة الباطنة الكامنة
2
تنقض جدًا، وايضًا تظهر منها ما يميل الى بارز الارض دفعة شئى هو اقوى من المبخر،
3
اومما هو لطيف التبخير، [لشدة استيلائه على المادة فيلطفها و] يصادف
4
تبخيره الطيف زيادة حرفى الجو، فيتم به التحليل؛ هذا بحسب الاكثر. وبحسب انفراد
5
هذه الاسباب دون اسباب اخرى، توجب اشياء غير ماذكرناه، ثم لاتكون هناك مادة
6
كتيرة تلحق ما يصعد ويلطف. فلهذا يجب ان يكون طبانع الربيع الى الاعتدال فى
7
الرطوبة واليبس، كماهو معتدل فى الحرارة والبرودة.
8
على انا لانمنع ان يكون اوائل الربيع الى الرطوبة ماهى الا أن بعد ذلك عن
9
الاعتدال [ليس] كبعد مزاج الخريف فى اليبوسة عن الاعتدال. ثم الخريف ان لم
10
يحكم عليه بشدة الاعتدال فى الحر والبرد، لم يبعد عن الصواب. فان ظهائره
11
صيفية، لان الهواء الخريفى شديد اليبس، مستعد جدًا لقبول التسخن، والاستحالة
12
الى مشاكلة النارية، بتهيئة الصيف اياه بذلك. ولياليه وغدواته باردة لبعد الشمس فى
13
الخريف عن سمت الرؤس، ولشدة قبول اللطيف المتخلخل لتاثير ما يبرد.
14
واما الربيع فهو اقرب الى الاعتدال فى الكيفيتين، لان جوه لايقيل من السبب
15
المشاكل للسبب فى الخريف مايقبله جو الخريف من ''التسخن والتبرد"؛ فلا يبعد
16
ليله كثيرًا عن نهاره. فان قال قائل: مابال الخريف يكون ليله ابرد من ليل الربيع، وكان
17
يجب ان يكون هواؤه اسخن، لانه الطف فنجيبه ونقول: ان الهواء الشديد التخلخل
18
يقبل الحر والبرد اسرع، وكذ لك الماء الشديد التخلخل؛ ولهذا اذا سخنت الماء
19
وعرضته للاجماد، كان اسرع جمودًا من البارد، لنفوذ التبريد فيه لتخلخله. على ان
20
الابدان لاتحس من برد الربيع، ماتحس من برد الخريف، لان الابدان فى الربيع
21
منتقلة من البرد الى الحرمتعودة للبرد، وفى الخريف بالضد. وعلى ان الخريف متوجه
22
الى الشتاء، والربيع مسافر عنه.
23
واعلم ان اختلاف الفصول قد يثير فى كل اقليم ضربًا من الامراض، ويجب
24
على الطبيب ان يتعرف ذلك فى كل اقليم، حتى يكون الاحتراز والتقدم بالتدبير
25
مبنيًا عليه. وقد يشبه اليوم الواحد ايضًا بعض الفصول دون بعض. فمن الايام ماهو
26
شتوى، ومنها ماهو صيفى، ومنها ما هوخريفى، يسخن ويبرد فى يوم واحد.
27
|29ra39|الفصل الرابع فى احكام الفصول وتغايرها
28
كل فصل يوافق من به مزاج صحى مناسب له، ويخالف من به سوء مزاج
29
مناسب له، الا اذا عرض خروج من الاعتدال جدًا، فيخالف المناسب وغير المناسب
1-145
1
بما يضعف من القوة. وايضًا فان كل فصل يوافق المزاج المرضى المضاد له، فاذا خرج
2
فصلان عن طبعهما، وكان مع ذلك خروجهما متضادًا، ثم لم يقع افراط متماد، مثل ان
3
يكون الشتاء كان جنوبيًا، فورد عليه ربيع شمالى؛ كان لحوق الثانى بالاول موافقًا
4
للابدان معدلًا لها، فان الربيع يتدارك جناية الشتاء. وكذلك ان كان الشتاء يابسًا جدًا؛
5
والربيع رطب جدًا، فان الربيع يعدل بتيبيس الشتاء. ومالم تفرط الرطوبة، ولم يطل الزمان،
6
لم يغير فعله [عن] الاعتدال الى الترطيب الضار.
7
وتغير الزمان فى فصل واحد اقل جلبًا للوباء من تغيره فى فصول كثيرة تغيرًا جالبًا للوباء،
8
ليس تغيرًا متداركًا لما يجنيه التغير الاول على ما وصفناه. واولى امزجة الهواء بان يستحيل
9
الى العفونة، هومزاج الهواء الحار الرطب. واكثر ما يعرض تغيرات الهواء انماهو فى
10
الاماكن المختلفة الاوضاع والغائرة، ويقل فى المستوية والعالية خصوصًا. ويجب ان
11
يكون الفصول ترد على واجباتها، فيكون الصيف حارًا والشتاء باردًا، وكذ لك كل فصل.
12
فان انحرف عن ذلك، فكثيرًا مايكون سببًا لامراض ردية.
13
والسنة المستمرة الفصول على كيفية واحدة، سنة ردية، مثل ان يكون جميع
14
السنة رطبًا، اويابسًا، او حارًا، او باردًا. فان مثل هذه السنة تكون كثيرة الامراض
15
المناسبة لكيفيتها. ثم يطول مدتها. فان الفصل الواحد يثير المرض اللائق به، فكيف
16
السنة، مثل ان الفصل البارد اذا وجد بدنًا بلغميًا، حرك الصرع، والفالج، والسكتة،
17
والقوة، والتشنج، ومايشبه ذلك. والفصل الحار اذا وجد بدنًا صفراويًا، اثار الجنون،
18
والحميات الحادة، والاورام الحارة؛ فكيف اذا استمرت السنة على طبع الفصل.
19
واذا استعجل الشتاء استعجلت الامراض الشتوية. وان استعجل الصيف، استعجلت
20
الامراض الصيفية، وتغيرت الامراض التى كانت قبلها بحكم الفصل. واذا طال
21
فصل كثرت امراضه، وخصوصًا الصيف والخريف.
22
واعلم ان الانقلاب الفصول تاثيرًا، ليس هو بسبب الزمان لانه زمان، بل
23
لما يتغير معه [من] الكيفية [هو] تاثير عظيم فى تغير الاحوال، وكذلك لو تغير
24
الهواء فى يوم واحد، من حر الى برد، لتغير مقتضاهما فى الابدان. واصح الزمان
25
هوان يكون الخريف مطيرًا، والشتاء معتدلًا، ليس عادمًا للبرد، ولكن غير مفرط
26
فيه بالقياس الى البلد. وان جاء الربيع مطيرًا ولم يخل الصيف عن مطر، فهواصح
27
مايكون.
28
|29rb43|الفصل الخامس فى الهواء الجيد
29
الهواء الجيد فى الجوهر: هو الهواء الذى ليس يخالطه من الابخرة والادخنة
30
شىء غريب؛ وهو مكشوف للسماء، غير محقون بين الجدران والسقوف، اللهم
1-146
1
الا [أن يكون] فى حال مايصيب الهواء فساد عام، فيكون المكشوف اقبل له من
2
المغموم والمحجوب، وفى غير ذلك فان المكشوف افضل.
3
فهذا الهواء الفاضل نقى صافى، لايخالطه بخار بطائح، وآجام، وخنادق،
4
وارضين نزة، ومباقل، وخصوصًا ما يكون فيه مثل الكرنب، والجرجير، واشجار
5
لثقة، واشجار خبيثة الجوهر: مثل الشوحط، والجوز، والتين؛ ولا رياح عفنة؛
6
ومع ذلك يكون بحيث لايحتبس عنه الرياح الفاضلة "لان مهابها" ارض عالية.
7
اومستوية، فليس ذلك الهواء هواء محتبسًا فى وهدة، يسخن مع طلوع الشمس، ويبرد
8
مع غروبها بسرعة. ولا ايضًا محقونًا فى جدران حديثة العهد بالصهاريج ونحوها،
9
لم يجف بعد تمام جفافها، ولا عاصيًا على النفس، كانما يفيض على الحلق.
10
وقد علمت ان تغيرات الهواء منها طبيعية، ومنها مضادة للطبيعة، ومنها ما ليس
11
بطبيعى ولا خارج عنه. واعلم ان تغيرات الهواء التى ليست عن الطبيعة، كانت مضادة
12
اوغير مضادة، قد يكون بادوار، وقد يكون غير حافظ للادوار. واصح احوال
13
الفصول أن يكون على طبائعها، فان تغيرها يجلب امراضًا.
14
|29va15|الفصل السادس فى فعل كيفيات الاهوية ومقتضيات الفصول
15
الهواء الحار يحلل ويرخى. فان اعتدل حمر اللون بجذب الدم الى خارج،
16
وان افرط صفره بتحليله لما يجذب، وهو يكثر العرق، ويقلل البول، ويضعف
17
الهضم، ويعطش.
18
والهواء البارد يشد ويقوى على الهضم، ويكثر البول؛ لاحتقان الرطوبات، وقلة
19
تحللها بالعرق ونحوه، ويقلل الثفل لانعصار عضل المقعدة، ومساعدة المعاء المتقيم لهيئتها،
20
فلاينزل الثفل بسهولة لفقدان مساعدة المجرى فيبقى كثيرًا، ويتحلل مائيته الى البول.
21
والهواء الرطب يلين الجلد، ويرطب البدن؛ واليابس يقحل البدن، ويجفف
22
الجلد والهواء الكدر يوحش النفس، ويثور الاخلاط. والهواء الكدر غير الهواء
23
الغليظ، فان الهواء الغليظ هو المتشابه فى خثورة جوهره، والكدر هو المخالط
24
لاجسام غليظة. ويدل على الامرين: قلة ظهور الكواكب الصغار، وقلة لمعان
25
ما يلمع من الثوابت كالمرتعش. وسببها كثرة الابخرة والادخنة، وقلة الرياح الفاضلة.
26
"وسيعود لك" الكلام فى هذا المعنى ويتم، اذا شرعنا فى تغيرات الهواء الخارجة
27
عن المجرى الطبيعى. ولكل فصل يرد على واجبه احكام خاصية، ويشترك آخر
28
كل فصل، واول الفصل الذى يتلوه، فى احكام "الفصلين وامراضهما''.
1-147
1
فالربيع اذا كان على مزاجه فهو افضل فصل، وهو منا سب لمزاج الروح والدم؛ وهو
2
مع اعتداله الذى ذكرناه، يميل عن قرب الى حرارة لطيفة سمائية، ورطوبة طبيعيه.
3
وهو يحمر اللون لانه يجذب الدم باعتدال، ولا يبلغ ان يحلله تحليل الصيف الصائف.
4
والربيع يهيج فيه الامراض المزمنة، لانه يجرى الاخلاط الراكدة ويسيلها، ولذلك
5
السبب يهيج فيه مالنخوليا اصحاب المالنخوليا. ومن كثرت اخلاطه فى الشتاء لنهمه،
6
وقلة رياضته، استعد فى الربيع للامراض التى تهيج من تلك المواد، بتحليل الربيع
7
لها. واذا طال الربيع باعتداله، قلت الامراض الصيفية.
8
وامراض الربيع اختلاف الدم والرعاف، وتهيج الماليخوليا الذى فى طبع
9
المرة، والاورام، والدماميل، والخوانيق، وتكون قتالة، وسائر الخراجات. ويكثر
10
فيه انصداع العروق، ونفث الدم، والسعال، وخصوصًا فى الشتوى منه الذى يشبه
11
الشتاء. وتسؤ احوال من بهم هذه الامراض، وخصوصًا السل؛ ولتحريكه فى المبلغمين
12
مواد البلغم، تحدث فيه السكتة، والفالج، واوجاع المفاصل. ومما توقع فيها حركة
13
من الحركات البدنية والنفسانية مفرطة، وتناول المسخنات. ايضًا: فانهما يعينان طبيعة
14
الهواء. ولايخلص من امراض الريبع شئى كالفصِد، والاستفراغ، والتقليل من الطعام،
15
والتكثيرمن الشراب، والكسر من قوة الشراب المسكر بالمزاج، اواجتنابه وامتزاجه.
16
والربيع موافق للصبيان ومن يقرب منهم.
17
واما الشتاء فهو اجود للهضم: لحصر البرد جوهر الحار الغريزى، فيقوى ولا يتحلل؛
18
ولقلة الفواكه، واقتصار الناس على الاغذية الحقيقية، وقلة حركاتهم فيه على
19
الامتلاء، ولإيوائهم الى المدافى. وهو اكسر الفصول للمرة لبرده، وقصر نهاره مع طول
20
ليله، واكثرها حقنًا للمواد، واشدها احواجًا الى تناول المقطعات والملطفات.
21
والامراض الشتوية اكثرها بلغمية، ويكثر فيه البلغم، حتى ان اكثر القئى فيه البلغم.
22
ولون الاورام يكون فيه الى البياض على اكثر الامر. ويكثر فيه الزكام؛ ويبتدئى الزكام
23
مع اختلاف الهواء الخريفى، ثم يتبعه ذات الجنب، وذات الرئة، والبحوحة،
24
اوجاع الحلق. ثم يحدث وجع الجنب نفسه، والظهر، وآفات العصب، والصداع
25
المزمن؛ بل السكتة، والصرع. كل ذلك لاحتقان المواد البلغمية وثكثرها. والمشايخ
26
يتأذون بالشتاء، وكذلك من يشبههم، والمتوسطون ينتفعون به. ويكثر الرسوب فى البول
27
شتاء، بالقياس الى الصيف، ومقداره ايضًا يكون اكثر. [واما الصيف فانه يحلل
28
الاخلاط والارواح ايضًا، ويضعف القوة والافعال الطبيعية، بسبب افراط التحليل،]
29
ويقل الدم فيه، والبلغم، ويكثر المرار الاصفر؛ ثم فى آخره المرار الاسود
1-148
1
بسبب تحلل الرقيق، واحتباس الغليظ واحتقانه. وتجد المشايخ ومن يشبههم اقوياء
2
فى الصيف. ويصفر اللون بما يحلل من [الدم] الذى يجذبه. ويقصر فيه مدد
3
الامراض، لان القوة ان كانت قوية، وجدت من الهواء معينًا على التحليل، فانضجت
4
مادة العلة ودفعتها. وان كانت ضعيفة، زادها الحر الهوائى ضعفًا بالارخاء، فسقطت
5
ومات صاحبها.
6
والصيف الحار اليابس سريعًا ما يفصل الامراض؛ والرطب مضاغ، طويل
7
مدد الامراض. ولذلك تؤل فيه اكثر القروح الى الآكلة؛ ويعرض فيه الاستسقاء،
8
وزلق الامعاء، ولين الطبع؛ ويعين فى جميع ذلك كله كثرة انحدار الرطوبات من فوق
9
الى اسفل، وخصوصًا من الراس.
10
واما الامراض القيظية: فمثل حمى الغب، والمطبقة، وضمور البدن،
11
ومن الاوجاع اوجاع الاذن، والرمد، ويكثر فيه خاصة اذا كان عديم الريح الحمرة،
12
والبثور التى تناسبها.
13
واذا كان الصيف ربيعيًا كانت الحميات حسنة الحال، غير ذات خشونة، وحدة
14
يابسة. وكثر فيه العرق، وكان متوقعًا فى البحارين، لمناسبة الحار الرطب لذلك، فان
15
الحار يحلل، والرطب يرخى، ويوسع المسام.
16
فان كان الصيف جنوبيًا كثرت فيه الاوبية، وامراض الجدرى والحصبة. واما
17
الصيف الشمالى: فانه مصحح، لكنه يكثر فيه امراض العصر. وامراض العصر، امراض
18
تحدث من سيلان المواد بالحرارة الباطنة اوالظاهرة، اذ اضربتها برودة ظاهرة فعصرتها؛
19
وهذه الامراض كالنوازل وما يتبعها. واذا كان الصيف الشمالى يابسًا، انتفع
20
به المبلغمون والنساء، وعرض لاصحاب الصفراء رمد يابس، وحميات حادة ومزمنة.
21
وعرض من احتراق الصفراء للاحتقان غلبة السوداء.
22
واما الخريف فانه كثير الامراض، لكثرة تردد الناس فيه فى شمس حارة، ثم
23
رواحهم الى برد؛ ولكثرة الفواكه وفساد الاخلاط بها، ولانحلال القوة فى الصيف.
24
والاخلاط يفسد فى الخريف: بسبب الماكولات الرديئة، وبسبب تحلل اللطيف، وبقاء الكثيف
25
واحتراقه. وكلما ثار فيها خلط من تثوير الطبيعة للدفع والتحليل، رده البرد الى الحقن.
26
ويقل الدم فى الخريف جدًا؛ بل هو مضاد للدم فى مزاجه؛ فلا يعين على توليده، وقد
27
تقدمه تحليل الصيف للدم، وتقليله منه. ويكثر فيه من الاخلاط المرار الاصفر بقية
28
عن الصيف، والاسود، لترمد الاخلاط فى الصيف. فلذلك يكثر فيه السوداء، لان الصيف
29
يرمد والخريف يبرد. واول الخريف موافق للمشايخ موافقة ما، وآخره يضرهم مضرة
30
شد يدة.
1-149
1
وامراض الخريف هى الجرب المتقشر، والقوابى، والسرطانات، واوجاع
2
المفاصل، والحميات المختلطة، وحميات الربع؛ لكثرة السوداء لما اوضحناه من العلة؛
3
ولذلك يعظم فيه الطحال. ويعرض فيه تقطير البول، لما يعرض للمثانة من اختلاف المزاج
4
فى الحر والبرد. ويعرض ايضًا عسر البول، وهو اكثر عروضًا من تقطير البول. ويعرض فيه
5
زلق الامعاء، وذلك لدفع البرد فيه ما رق من الاخلاط الى باطن البدن. ويعرض فيه
6
عرق النساء ايضًا، ويكون فيه الذبحة لذاعة مرارية، وفى الربيع بلغمية. لان مبدأ
7
كل منهما من الخلط الذى يثيره الفصل [الذى] قبله. ويكثر فيه ايلاؤس اليابس.
8
وقد يقع فيه السكتة، وامراض الرئة، واوجاع الظهر والفخدين، بسبب حركة الفضول
9
فى الصيف، ثم انحصارها فيه. ويكثر فيه الديدان فى البطن، لضعف القوة عن الهضم
10
والدفع. ويكثر خصوصًا فى اليابس منه الجدرى، وخصوصًا اذا سبقه صيف حار.
11
ويكثر فيه الجنون ايضًا، لردأة الاخلاط المرارية، ومخالطة السوداء لها.
12
والخريف اضر الفصول باصحاب قروح الرئة الذين هم اصحاب السل.
13
وهو يكشف المشكل فى حاله، اذا كان ابتداء قبله، ولم يستبن آياته. وهو من أضر
14
الفصول باصحاب الدق المفرد ايضًا، بسبب تجفيفه. والخريف كالكافل عن الصيف
15
بقايا امراضه. واجود الخريف ارطبه، والمطيرمنه، واليابس منه اردأه.
16
|30rb43|الفصل السابع فى احكام تركيب السنة
17
اذا ورد ربيع شمالى على شتاء جنوبى، ثم تبعه صيف ومد، وكثرت المياه و
18
حفظ الربيع المواد الى الصيف، كثر الموتان فى الخريف فى الغلمان، وكثر السحج،
19
وقروح الامعاء، والغب غير الخالصة الطويلة. فان كان الشتاء شديد الرطوبة، اسقطت
20
اللواتى يتربصن وضعهن ربيعًا بادنى سبب؛ وان ولدن اضعفن وامتن، اواسقمن.
21
ويكثر بالناس الرمد، واختلاف الدم. والنوازل. تكثر حينئذ، وخصوصًا
22
بالشيوخ، وتنزل فى اعصابهم. فربما ماتوا منها فجأة، لهجومها على مسالك الروح
23
دفعة مع كثرة.
24
فان كان الربيع مطيرًا جنوبيًا، وقد ورد على شتاء شمالى، كثر فى الصيف
25
الحميات الحادة، والرمد، ولين الطبيعة، واختلاف الدم. واكثر ذلك كله من النوازل؛
26
ولاندفاع البلغم المجتمع شتاء الى التجاويف البالطنه، لما حركه الحر، وخصوصًا
27
لاصحاب الامزجة الرطبة، مثل النساء. ويكثر العفن وحمياته. فان حدث فى صيفهم
28
وقت طلوع الشعرى مطر، وهبت شمال، يرجى خيرًا وتحللت الامراض.
29
واضر مايكون هذا الفصل انما هو بالنساء والصبيان، ومن ينجو منهم يقع
30
الى الربع ، لاحتراق الاخلاط وترمدها. والى الاستسقاء بعد الربع، بسبب الربع
1-150
1
واوجاع الطحال، وضعف الكبد لذلك. ويقل ضره فى المشايخ، وبدن من يخاف
2
عليه التبريد.
3
واذا ورد على صيف يابس شمالى خريف مطير جنوبى، استعدت الابدان،
4
لان تصدع فى الشتاء وتسعل وتبح حلوقها وتسل، لانها تعرض لها كثيرًا ان تزكم.
5
وكذلك اذا ورد على صيف يابس جنوبى خريف مطير شمالى، كثر ايضًا فى الشتاء
6
الصداع، ثم النزلة والسعال والبحوحة. فان ورد على صيف جنوبى خريف شمالى، كثرت
7
فيه امراض العصر والحقن، وقد علمتها.
8
[و] اذا تطابق الصيف والخريف فى كونهما جنوبيين. رطبين، كثرت الرطوبات
9
فاذاجاء الشتاء، جاءت امراض العصر المذكورة. ولا يبعد ان يودى الاحتقان، وارتكام
10
المواد لكثرتها، وفقدان المنافس، الى امراض عفنية. ولم يخل الشتاء عن ان يكون
11
ممرضًا لمصادفته مواد رديئة محتقنة كثيرة.
12
واذا كانا معًا يابسين شماليين، انتفع من يشكو الرطوبة والنساء؛ وغيرهم
13
يعرض لهم رمد يابس، ونزلة مزمنة، وحميات حادة، ومالنخوليا. والشتاء البارد
14
المطير يحدث حرقة البول. واذا اشتدت حرارة الصيف ويبوسته، حدثت خوانيق
15
قتالة وغيرقتالة، ومنفجرة وغير منفجرة. فالمنفجرة تكون داخلًا وخارجًا حدث
16
عسر بول، وحصبة، وحميقًا، وجدرى سليمات، ورمد، وفساد دم، وكرب،
17
واحتباس طمث، ونفث. والشتاء اليابس اذا كان ربيعه يابسًا، فهو ردى، والوباء
18
يفسد الا شجار والنبات، فتفسد متعلقاتها من الماشية، وتفسد آكليها من الناس.
19
|30vb1|الفصل الثامن فى تاثير التغيرات الهوائية العرضية التى ليست بمضادة للمجرى الطبيعى
20
ويجب ان تستكمل الآن القول في سائر التغيرات الغير الطبيعية للهواء، ولا
21
المضادة للطبيعية، التى تعرض بحسب امور سماوية، وامور ارضية. فقد اومأنا الى
22
كثير منها فى ذكر الفصول. فاما [التاثيرات] التابعة للامور السماوية فمثل ما يعرض
23
بسبب الكواكب، فانها تارة يجتمع كثيرة من الدرارى منها فى حيز واحد، و يجتمع
24
مع الشمس، فيوجب ذلك افراط التسخين فيما يسامته من الرؤس، او يقرب منه.
25
وتارة يتباعد عن سمت الرأس بعدًا كثبرًا، فيقص من التسخين. وليس تاثير المسامتة
26
فى التسخين كتاثير دوام المسامتة او المقاربة.
27
واما الامور الارضية: فبعضها بسبب عروض البلاد، وبعضها بسبب ارتفاع
28
بقعة البلاد وانخفاضها؛ وبعضها بسبب الجبال؛ وبعضها بسبب البحار؛ وبعضها
29
بسبب الرياح؛ وبعضها بسبب التربة.
1-151
1
واما الكائن بسبب العروض: فان كل بلد يقارب مدار راس السرطان فى الشمال،
2
اومدار رأس الجدى فى الجنوب، فهو اسخن صيفًا من الذى يبعد عنه الى خط
3
الاستواء، والى الشمال. ويجب ان يصدق قول من يرى ان البقعة التى تحت دائرة معدل
4
النهار، قريبة الى الاعتدال؛ وذلك ان السبب السمائى المسخن هناك هوسبب واحد:
5
هومسامتة الشمس للرأس. وهذه المسامتة وحدها لا توثركثير اثر، بل انما توثر مداومة
6
المسامتة. ولهذا مايكون الحر بعد الصلوة الوسطى اشد منه فى وقت استواء النهار. ولهذا ما يكون
7
الحر، والشمس فى آخر السرطان واوائل الاسد، اشد منه اذ اكانت الشمس فى غاية
8
الميل. ولهذا يكون الشمس، اذا انصرفت عن راس السرطان الى حد ما هو دونه
9
فى الميل، اشد تسخينًا منها، اذا كانت فى مثل ذلك الحد من الميل، ولم يبلغ بعد
10
رأس السرطان.
11
والبقعة المصاقبة بخط الاستواء انما تسامت فيه الشمس الراس ايامًا قليلة، ثم
12
تباعد بسرعة، لأن تزايد اجزاء الميل عند العقدتين، اعظم كثيرًا فاحشًا من تزايدها
13
عند المنقلبتين؛ بل ربما لم يوثر عند المنقلبتين حركة ايام ثلثة، اواربعة، او اكثر منها
14
اثرًا محسوسًا. ثم ان الشمس لتبقى هناك فى حيز واحد متقارب مدة مديدة، فيمعن
15
فى الاسخان. فيجب ان يعتقد من هذا، ان البلاد التى عروضها مقاربة للميل كله،
16
هى اسخن البلاد؛ وبعدها مايكون بعده عنه فى الجانبين القطبين، مقارنًا لخمس عشرة
17
درجة. ولايكون الحر فى خط الاستواء بذلك المفرط، الذى توجبه المسامتة فى
18
قرب مد ار رأس السرطان فى المعمورة؛ لكن البرد فى البلاد المساعدة عن هذا
19
المدار الى الشمال اكثر. فهذا مايوجبه اعتبار عروض المساكن على انها فى سائر
20
الاحوال متشابهة.
21
واما الكائن بحسب وضع البلاد فى نجد من الارض اوغور، فان الموضوع فى
22
الغور اسخن ابدًا، والمرتفع العالى مكانه ابرد ابدًا. فان مايقرب من الارض من الجو،
23
الذى نحن فيه اسخن، لاشتداد شعاع الشمس بقرب الارض، وما يبعد منه الى حد
24
هو ابرد. والسبب فيه [مبين] فى الجزء الطبيعى من الفلسفة. واذا كان الغور مع
25
ذلك كالهوة، كان اشد حصرًا للشعاع واسخن.
26
واما الكائن بسبب الجبال: فما كان الجبل فيه بمعنى المستقر، فهو داخل فى
27
القسم الذى بيناه. وما كان الجبل فيه بمعنى المجاور، فهو الذى نريد ان نتكلم الأن
28
فيه فنقول: ان الجبل يوثر فى الجو على وجهين : احدهما من جهة رده على البلد شعاع
29
الشمس، اوستره اياه دونه؛ والآخر من جهة منعه الريح، اومعاونته لهبوبها. اما الاول
30
فمثل ان يكون فى البلاد حتى فى الشماليات منها، جبل مما يلى الشمال من البلد، فتشرق
31
عليه الشمس فى مدارها. وينعكس تسخينه الى البلد، فيسخنه وان كان شماليًا. وكذلك
1-152
1
ان كان الجبل من جهة المغرب، فانكشف المشرق؛ واذا كان من جهة المشرق، كان
2
دون ذلك فى هذا المعنى. لان الشمس اذا زالت وأشرقت على ذلك الجبل، فانها
3
كل ساعة تتباعد عنه، فتنقض من كيفية الشعاع المشرق منها عليه. ولا كذ لك اذا كان
4
الجبل مغربيًا، والشمس يقرب منه فى كل ساعة.
5
واما من جهة منع الريح: فان يكون الجبل يصد عن البلد مهب الشمال
6
المبردة، اويكثر اليه مهب الجنوب المسخنة، اويكون البلد موضوعًا بين صدفى
7
جبلين منكشفًا لوجه ريح. فيكون هبوب تلك الريح هناك اشد منه فى بلد مصحر، لان
8
الهواء من شانه اذا انجذب فى مسلك ضيق، ان يستمر به الانجذاب، فلا يهدأ. وكذلك
9
الماء وغيره، وعلة معروفة فى الطبيعيات. واعدل البلاد من جهة الجبال وسترها
10
والانكشاف عنها، ان تكون مكشوفة للمشرق، والشمال مستورة نحو المغرب والجنوب.
11
فاما البحار فانها توجب زيادة ترطيب البلاد المجاورة لها جملة. فان كانت البحار
12
فى الجهات التى تلى الشمال، كان ذلك معينًا على تبريدها، بترفرف ريح الشمال على
13
وجه الماء، الذى هو بطبعه بارد. وان كانت مما يلى الجنوب اوجب زيادة فى غلظ
14
الجنوب، وخصوصًا ان لم يجد منفذًا لقيام جبل فى الوجه. واذا كانت فى ناحية
15
المشرق، كان ترطيبه للجو اكثر منه اذا كانت فى ناحية المغرب. اذ الشمس تلح
16
عليه بالتحليل المتزايد مع تقارب الشمس. ولا تلح على المغربية.
17
وبالجملة ان مجاورة البحر يوجب ترطيب الهواء. ثم ان كثرت الرياح و
18
تسربت، ولم تعارض بالجبال، كان الهواء اسلم من العفونة وان كانت الرياح لاتتمكن
19
من الهبوب، كانت مستعدة للتعفن وتعفين الاخلاط. واوفق الرياح لهذا المعنى هى
20
الشمالية، ثم المشرقيه. والمغربية، واضرها الجنوبية.
21
واما الكائن بسبب الرياح فالقول فيها على وجهين: قول كلى مطلق، وقول
22
بحسب بلد بلد، وما يخصه. فاما القول الكلى: فان الجنوبية فى اكثر البلاد حارة
23
رطبة. فاما الحرارة: فلانها تاتينا من الجهة المسخنة، لمقاربة الشمس. واما الرطوبة:
24
فلان البحار اكثرها جنوبية عنا، ومع انها جنوبية، فان الشمس تفعل فيها بقوة،
25
وتبخر عنها انجرة تخالط الرياح؛ فلذلك صارت الرياح الجنوبية مرخية.
26
واما الشمالية فانها باردة، لانها تجتاز على جبال وبلاد باردة كثيرة الثلوج،
27
ويابسة؛ لانها لاتصحبها ابخرة كثيرة، لان التحلل فى جهة الشمال اقل، ولا تجتاز على
28
مياه سائلة بحرية، بل إما ان يجتاز فى الاكثر على مياه جوامد، اوعلى البرارى.
29
والمشرقية معتدلة فى الحر والبرد، لكنها ايبس من المغربية؛ اذ شمال المشرق
30
اقل بحارًا من شمال المغرب، ونحن شماليون لامحالة.
1-153
1
والمغربية ارطب يسيرًا، لانها تجتاز على بحار؛ ولان الشمس تخالفها بحركتها؛
2
فان كل واحد من الشمس، ومنها كالمتضاد للآخر فى حركته، فلا تحللها الشمس
3
تحليلها للرياح المشرقية، وخصوصًا واكثر مهب المشرقيات عند ابتداء النهار؛ [واكثر
4
مهب المغربيات عند آخر النهار]. ولذلك كانت المغربيات اقل حرًا من المشرقيات،
5
واميل الى البرد؛ والمشرقيات اكثر حرًا، وان "كانا كلاهما" بالقياس الى الرياح
6
الجنوببة والشمالية معتدلين.
7
وقد يتغير احكام الرياح فى البلاد بحسب اشياء اخرى. فقد تتفق فى بعض البلاد
8
ان تكون الرياح الجنوبية فيها ابرد، اذا كان يقربها ثالجة جنوبية؛ فتستحيل الريح
9
الجنوبية بمرورها عليها الى البرد. وربما كانت الشمالية اسخن من الجنوبية اذا كان
10
مجازها ببرارى محترقة.
11
وأما السمائم: فهى إما رياح مجتازة ببرارى حارة جدًا، وإما رياح من جنس
12
الأدخنة التى تفعل فى الجو علامات هائلة شبيهة بالنار. فانها اذا كانت ثقيلة،
13
فعرض لها هناك اشتعال والتهاب، ففارقها اللطيف، نزل الثقيل، وبه بقية التهاب
14
ونارية. فان جميع الرياح القوية، على ما يراه علماء الفلاسفة، انما يبتدئ من
15
فوق وان كان مبداء موادها من اسفل؛ لكن مبداء حركاتها وهبوبها وعصوفها من فوق.
16
وهذا إما ان يكون حكمًا عامًا، اويكون اكثريًا. وتحقيق هذا الى الجزء الطبيعى من
17
الفلسفة، ونحن سنذكر فى المساكن فصلًا فى هذا. واما اختلاف البلاد بالتربة: فان
18
بعضها طينه حر، وبعضها صخرى، وبعضها رملى، وبعضها حمأى نزى اوسبخى:
19
ومنها ما يغلب على تربته قوة معدنية، تؤثر جميع ذلك فى هوائه ومائه.
20
|31va6|الفصل التاسع فى تاثير التغيرات الهوائية الردئية المضادة للمجرى الطبيعى
21
واما التغيرات الخارجة عن الطبيعية: فاما لاستحالة فى جوهر الهواء، وإما
22
لاستحالة فى كيفياته. اما الذى فى جوهره: فهو ان يستحيل جوهره الى الرداةء،
23
لا لأن كيفية منه افرطت فى الاشتداد، اوالتنقص. وهذا هو الوباء. وهو تعفن يعرض
24
فى الهواء، شبيه تعفن الماء المستنقع الآجن. فانا لسنا نعنى بالهواء: الهواء البسيط المجرد، فان
25
ذلك ليس هو الهواء الذى يحيط بنا؛ فان كان موجودًا صرفًا، فعسى ان يكون غيره.
26
وكل واحد من البسائط المجردة، فانه لايعفن، بل اما ان يستحل فى كيفيته، واما ان
27
يستحيل فى جوهره الى البسيط الآخر، بان يستحيل مثلًا الماء هواء. بل انما نعنى بالهواء
28
الجسم المبثوث فى الجو، وهو جسم ممتزج من الهواء الحقيقى، ومن الاجزاء المائية
29
البخارية، ومن الاجزاء الارضية المتصعدة فى الدخان والغبار، ومن اجزاء نارية.
30
وانما نقول له هواء كما نقول لماء البحر والبطائح ماء، وان لم يكن ماء صرفًا بسيطًا؛
1-154
1
بل كان ممتزجًا من هواء وارض ونار؛ لكن الغالب فيه الماء. فهذا الهواء قد يعفن،
2
ويستحيل جوهره الى الردة، كما ان ماء البطائح قد يعفن، فيستحيل جوهره اليها.
3
واكثر مايعرض الوباء وعفونة الهواء، هو فى اواخر الصيف والخريف. وسنذكر العوارض
4
العارضة من الوباء فى مواضع أخر.
5
واما الذى فى كيفياته: فهوان يخرج فى الحر او البرد الى كيفية غير محتملة،
6
حتى يفسد له الزرع والنسل. وذلك اما باستحالة مجانسة كمعمعة القيظ اذا افسدت،
7
اواستحاله مضادة كزمهرة [البرد فى] الصيف لعروض عارض. والهواء اذا تغير عرضت
8
منه عوارض فى الابدان. فانه اذا تعفن عفن الاخلاط، وابتدأ بتعفين الخلط المحصور
9
فى القلب؛ لانه اقرب اليه وصولًا منه الى غيره. وان سخن شديدًا ارخى المفاصل،
10
وحلل الرطوبات فزاد فى العطش، وحلل الروح، واسقط القوى، ومنع الهضم بتحليل
11
الحار الغريزى المستبطن الذى هو آلة الطبيعة؛ وصفر اللون بتحليله الاخلاط الدموية،
12
المحمرة للون؛ وتغليبه المرة على سائر الاخلاط؛ وسخن القلب سخونة غير غريزية؛
13
وسيل الاخلاط وعفنها وميلها عفنة الى التجاويف والى الاعضاء الضعيفة. وليس بصالح
14
للابدان المحمودة، بل ربما نفع المستسقين، والمفلوجين، واصحاب النزلة الباردة،
15
والكزاز، والتشنج الرطب، واللقوة الرطبة.
16
واما الهواء البارد: فانه يحصر الحار الغريزى داخلًا، مالم يفرط افراطًا يتوغل
17
به الى الباطن؛ فان ذلك مميت. والهواء البارد غير المفرط يمنع سيلان المواد ويحبسها.
18
لكنه يحدث النزلة، ويضعف العصب، ويضر بقصبة الرئة ضررًا شديدًا. واذا لم يفرط شديدًا
19
قوى الهضم، وقوى الافعال الباطنة كلها، واثار الشهوة. وبالجملة فانه اوفق لاصحاء
20
من الهواء المفرط الحر. ومضاره هى من جهة الافعال المتعلقة بالعصب، وبسدة المسام،
21
وبعصره حشو الاعضاء. والهواء الرطب صالح موافق للامزجة اكثرها، ويحسن
22
اللون والجلد ويلينه، "ويبقى المسام منفتحة" الا انه يهيئ للعفونة، واليابس بالضد.
23
|31vb16|الفصل العاشر القول فى موجبات الرياح
24
قد ذكرنا احوال الرياح فى باب تغيرات الهواء ذكرًا ما؛ الا انا نريد ان نورد
25
فيها قولًا جامعًا على ترتيب آخر، ونبدأ بالشمال فنقول:
26
"فى الرياح الشمالية" ــ الشمال يقوى بالشد، ويمنع السيلانات الظاهرة؛ ويسد المسام؛
27
ويقوى الهضم؛ ويعقل البطن؛ ويدر البول؛ ويصحح الهواء العفن الوبائى. واذا تقدمت
1-155
1
الجنوب الشمال، فتلاه الشمال، حدث من الجنوب اسالة، ومن الشمال عصر الى الباطن.
2
وربما ادى الى انفتاق الى خارج. ولذلك يكثر حينئد سيلان المواد من الراس، وعلل
3
الصدر. والامراض الشمالية: اوجاع العصب، ومنها المثانة، والرحم، وعسر
4
البول، والسعال، واوجاع المفاصل والاضلاع، والجنب، والصدر، والاقشعرار.
5
"فى الرياح الجنوبية": الجنوب مرخية للقوة، ومفتحة للمسام، مثورة للاخلاط، محركة لها
6
الى خارج، مثقلة للحواس؛ وهى مما يفسد القروح، وينكس الامراض، ويضعف؛
7
ويحدث على القروع، اوالنقرس حكاكًا؛ ويهيج الصداع، ويجلب النوم، ويورث
8
الحميات العفنة، لكنها لا تخشن الحلق.
9
[فى] الرياح المشرقية: هذه الرياح ان جاءت فى آخر الليل، واول النهار،
10
تاتى من هواء قد تعتدل بالشمس ولطف، وقلت رطوبته؛ فهى ايبس والطف. وان
11
جاءت فى آخر النهار، واول الليل، فالامر بالخلاف. والمشرقية بالجملة خير من
12
المغربية.
13
[فى] الرياح المغريبة: هذه الرياح ان جاءت فى آخر الليل، واول النهار، تاتى
14
من هواء لم بعمل فيها الشمس؛ فهى اكثف واغلظ. وان جاءت فى آخر النهار،
15
واول الليل، فالامر بالخلاف.
16
|32ra6|الفصل الحادى عشر فى موجبات طبائع المساكن
17
قد ذكرنا فى باب تغيرات الهواء احوالًا للمساكن، ونحن نريد ان نورد ايضًا
18
فيها كلامًا مختصرًا على ترتيب آخر، ولا نبالى ان نكرر بعض ماسلف.
19
[فى] احكام المساكن: قد علمت ان المساكن تختلف احوالها فى الابدان،
20
بسبب ارتفاعها وانخفاضها فى انفسها؛ وبحال مايجاورها من البحار ومن
21
الجبال. وبحال تربتها، هل هى طينية، اونزة، اوحمأة، اوبها قوة معدن؛ وبحال كثرة
22
المياه وقلتها؛ وبحال ما يجاورها من مثل الاشجار، والمعادن، والمقابر، والجيف
23
ونحوها. وقد علمت كيف يتعرف امزجة الاهواء من عروضها اومن تربتها، ومن مجاورة
24
البحار، والجبال لها، ومن رياحها. ونقول بالجملة: ان كل هواء يسرع الى التبرد
25
اذا غابت الشمس، ويسخن اذا طلعت؛ فهو لطيف؛ وما يضاده بالخلاف. ثم شر الاهوية
26
ماكان يقبض الفواد، ويضيق النفس. ثم لنفصل الآن حال مسكن مسكن.
1-156
1
فى المساكن الحارة: المساكن الحارة مسودة، مفلفلة للشعور؛ مضعفة للهضم.
2
واذا كثر فيها التحليل جدًا، وقلت الرطوباتِ، اسرع الى اهلها الهرم كما فى الحبشه،
3
فان اهلها يهرمون فى بلادهم فى ثلثين سنة؛ وقلوبهم خائفة، لتحلل الروح جدًا. والمساكن
4
الحارة اهلها الين ابدانًا.
5
فى المساكن الباردة: المساكن الباردة اهلها اقوى واشجع، واحسن هضمًا كما
6
علمت. فان كانت رطبة كان اهلها لحيمين شحيمين، غائرى العروق، جافى المفاصل،
7
غضين بضين.
8
فى المساكن الرطبة: المساكن الرطبة اهلها حسنوا السحنات، لينوا الجلود؛
9
يسرع اليهم الاسترخاء فى رياضتهم. ولايسخن صيفهم شديدًا، ولا يبرد شتائهم شديدًا.
10
ويكثر فيهم الحميات المزمنة، والاسهال، ونزف الدم من الحيض والبواسير.
11
ويكثر البواسير، ويكثر القروح، والقلاع، ويكثر فيهم الصرع.
12
فى المساكن اليابسة: المساكن اليابسة يعرض لاصحابها ان يتيبس امزجتهم،
13
ويقحل جلودهم ويتشقق، ويسبق الى ادمغتهم اليبس. ويكون صيفهم حارًا، و
14
شتائهم باردًا.
15
فى المساكن العالية: سكان المساكن العالية اصحاء، اقوياء، اجلاد، طويلوا الاعمار.
16
فى المساكن الغائرة: سكان الاغوار يكونون دائمًا فى ومد وكمد؛ ومياه غير باردة؛
17
وخصوصًا ان كانت راكدة، اومياه بطيحية اوسبخية. وعلى ان مياهها بسبب.
18
هوائها ردية.
19
المساكن الحجرية المكشوفة: هؤلاء يكون هواءهم حارًا شديدًا فى الصيف، باردًا
20
فى الشتاء. ويكون ابدانهم صلبة مدمجة الخلق، كثيرة الشعر، قوية بنية المفاصل.
21
تغلب عليهم اليبوسة؛ ويسهرون؛ وهم سيئو الاخلاق، مستبدون؛ ولهم نجدة فى
22
الحروب، وذكاء فى الصناعات وحدة.
23
فى المساكن الجبلية الثلجية: سكان المساكن الجبلية الثلجية حكمهم حكم سكان
24
سائر البلاد الباردة. وتكون بلادهم بلادًا ريحية. ومادام الثلج باقيًا، تولد فيها
25
رياح طيبة؛ فاذا ذابت، وكانت الجبال بحيث تمنع الرياح، عادت ومدة.
26
فى المساكن البحرية: هذه البلاد يعتدل حرها وبردها، لاستحصاء رطوبتها على
27
الانفعال، وقبول ما ينفذ فيها. واما فى الرطوبة واليبوسة، فتميل الى الرطوبة
28
لامحالة. فان كانت شمالية، كان قرب البحر، وغور المسكن اعدل لها. وان كانت
29
جنوبية حارة فبالضد.
1-157
1
فى المساكن الشمالية: هذه المساكن فى احكام البلاد والفصول الباردة، التى
2
يكثرفيها امراض الحقن والعصر. وتكثر الاخلاط فيها مجتمعة فى باطن. ومن مقتضياتها
3
جودة الهضم، وطول العمر. ويكثر فيهم الرعاف، لكثرة الامتلاء، وقلة التحلل.
4
فتنفجر العروق.
5
واما الصرع فلا يعرض لهم، لصحة باطنهم، ووفورحرارتهم الغريزية. فان
6
عرض، كان قويًا، لانه لن يعرض الابسبب قوى. ويسرع برء القروح فى ابدانهم، لقوتهم
7
وجودة دمائهم؛ ولانه ليس من خارج سبب يرخيها ويلينها. ولشدة حرارة قلوبهم،
8
يكون فيهم اخلاق سبعية.
9
ويعرض لنسائهم ان لايستنقين فضل استنقاء بالطمث. فان طمثهن لايسيل سيلانًا
10
كافيًا، لتقبض المسالك، وعدم مايسيل ويرخى، فلذلك يكن فيما قالوا عواقر؛ لان الارحام
11
فيهن غير نقية. وهذا خلاف ما يشاهد عليه الحال فى بلاد الترك. بل اقول: ان اشتداد
12
حرارتهن الغريزية، تقاوم ماينقص من فقد الاسباب المسيلة والمرخية من خارج.
13
قالوا: وقلما يعرض لهن الاسقاط. وذلك دليل صحيح على ان القوى فى سكان هذا
14
الصقع قوية. وتعسر ولادتهن، لان اعضاء ولادتهن منضدة منسدة. واكثر ما يسقطن،
15
انما يسقطن للبرد. ويقل البانهن، وتغلظ للبرد الحابس من النفوذ والسيلان.
16
وقد يعرض فى هذه البلدة، خصوصًا لضعاف القوى مثل النساء كزاز وسل،
17
وخصوصًا للواتى يضعن؛ فانه يعرض لهن السل والكزاز كثيرًا لشدة تزحرهن
18
لعسر الولادة، فتنصدع العروق التى فى نواحى الصدر؛ اواجزاء من العصب والليف؛
19
فيعرض من الاول سل، ومن الثانى كزاز. ويكون مراق البطن منهن عرضة للانصداع
20
عند شدة العسر. ويعرض للصبيان أدرة الماء، ويزول مع الكبر. ويعرض للجوارى
21
ماء البطن والارحام، ويزول مع الكبر. والرمد يعرض لهم فى النادر، واذا عرض
22
كان شديدًا.
23
فى المساكن الجنوبية: المساكن الجنوبية احكامها احكام البلاد والفصول الحارة.
24
واكثر المساكن الجنوبية مياهها يكون "ملحيًا كبريتيًا". ورؤس سكانها ممتلئة [من]
25
مواد رطبة. لان الجنوب يفعل ذلك. وبطونهم دائمة الاختلاف مما لابدان يسيل الى
26
معدهم من رؤسهم. ويكون مسترخى الاعضاء ضعافها؛ وحواسهم ثقيلة؛ وشهواتهم
27
للطعام والشراب ضعيفة ايضًا. ويعظم خمارهم من الشراب؛ لضعف رؤسهم ومعدهم
28
ويعسر برء قروحهم وتترهل. ويكثربها فى النساء نزف الحيض. ولايحبلن الا بعسر،
29
اويسقطن فى الاكثر، لكثرة امراضهن، لابسبب آخر. ويصيب الرجال اختلاف الدم
30
والبواسير، والرمد السريع التحلل. واما الكهول فمن جاوز الخمسين منهم، فيصبيهم
1-158
1
الفالج من نوازلهم ويصيب عامتهم، [بسبب امتلاء رؤسهم الربو والتمدد.
2
ويصيبهم] حميات يجتمع فيها حر وبرد؛ والحميات الطويلة الشتوية والليلية. وتقل
3
فيهم الحميات الحادة، لكثرة استطلاقاتهم، وتحلل اللطيف من اخلاطهم.
4
فى المساكن المشرقية: المدنية المفتوحة الى المشرق، الموضوعة بحذائه، صحيحة جيدة الهواء،
5
تطلع عليهم الشمس فى اول النهار، وتصفى هوائهم. ثم ينصرف عنهم وقد تصفى.
6
وتهب عليهم رياح لطيفة ترسلها اليهم الشمس، وتتبعها بنفسها، وتتفق حركتاهما.
7
فى المساكن المغربيه: المدنية المكشوفة الى المغرب، المستورة عن المشرق، لا توافيها
8
الشمس الى حين؛ وكما توافيها، تاخذ فى البعد عنها، لا فى القرب اليها. فلاتلطف هواءها،
9
ولا تجففه؛ بل تتركه رطبًا غليظًا. وان ارسلت الى المدنية رياحًا، ارسلتها مغربية
10
وليلًا. فيكون احكامها احكام البلاد، الرطبة المزاج الغليظة، المعتدلة الحرارة.
11
ولولا مايعرض من كثافة الهواء، لكانت تشبه طباع الربيع. لكنها تقصر عن صحة
12
هواء البلاد المشر قية، قصورًا كثيرًا. فلايجب ان يلتفت الى قول من جزم: ان قوة
13
هذه البلاد قوة الربيع قولًا مطلقًا. بل انها بالقياس الى بلاد أخرى جيدة جدًا.
14
ومن المعنى المذموم فيها، ان الشمس لا توافيهم الا وهى مستولية على تسخين
15
الاقليم لعلوها، فيطلع عليهم لذلك دفعة بعد برد الليل. ولرطوبة امزجة هوائهم،
16
تكون اصواتهم باحّة، وخصوصًا فى الخريف لنوازلهم.
17
فى اختيار المساكن وتهيئتها: ينبغى لمن يختار المساكن، ان يعرف تربة الارض، وحالها فى
18
الارتفاع والانخفاض، والإنكشاف والاستتار، وماءها وجوهر مائها، وحاله فى البروز
19
والإنكشاف أوفى الخفاء والإنخفاض، وهل هى معرضة للرياح، اوغائرة فى الارض. ويعرف
20
رياحهم: هل هى الصحيحة الباردة؟ وما الذى يجاورها، من البحار والبطائح والجبال
21
والمعادن؟ ويتعرف حال اهل البلد فى الصحة والامراض، واى الامراض تعتادهم؟
22
ويتعرف قوتهم وشهوتهم وهضمهم وجنس اغذيتهم. ويتعرف حال بنيانها،
23
وهل هو واسع منفسح، اوضيق المداخل، مخنوق المنافس؟
24
تم يجب ان يجعل الكوى والابواب شرقية شمالية. ويكون العمدة على تمكين
25
الرياح المشرقية من مداخلة الابنية، وتمكين الشمس من الوصول الى كل موضع
26
فيها. فانهاهى المصلحة للهواء. ومجاورة المياه العذبة الكريمة، الجارية، الغمرة
27
النظيفة، التى تبرد شتاء، وتسخن صيفًا، خلاف الكامنة، لأمرجيد منتفع به. فقد
28
تكلمنا فى الهواء والمساكن كلامًا مشروحًا. وخليق بنا ان نتكلم فيما يتلوها من الاسباب
29
المعدودة.
1-159
1
|33ra6|الفصل الثانى عشر فى موجبات الحركة والسكون
2
الحركة يختلف فعلها فى بدن الانسان: بمايشد ويضعف، وبما يقل ويكثر،
3
وبما يخالطها من السكون؛ وهذا عند الحكماء قسم براسه. وبما يتعاطاها من المواد،
4
والحركة الشديدة، والكثيرة، والقليلة، المخالطة للسكون، تشترك فى تهيج الحرارة؛
5
الا ان الشديدة غير الكثيرة تفارق الكثيرة غير الشديدة. والكثيرة المخالطة للسكون،
6
بانها تسخن البدن سخونة كثيرة، وتحلل ان حللت اقل. واما الكثيرة فانها تحلل بالرفق
7
فوق مايسخن. واذا افرط كل واحد منهما، برد لفرط تحليله الحار الغريزى، وخفف ايضًا.
8
واما اذا كانت متعاطية لمادة، فربما كانت المادة تفعل مايعين فعلها؛ وربما
9
كانت تفعل ما ينقص فعلها، مثلًا ان كانت الحركة حركة صناعة القصارة، فانها تعرض لها
10
ان تفيد بردًا ورطوبة؛ وان كانت الحركة حركة صناعة الحدادين، عرض لها ان
11
تفيد فضل سخونة وجفاف. واما السكون فهو مبرد دائمًا، لفقدان انتعاش الحرارة،
12
وللاحتقان الخانق، ومرطب لفقدان التحلل من الفضول.
13
|33ra30|الفصل الثالث عشرفى موجبات النوم واليقظة
14
النوم شديد الشبه بالسكون، واليقظة شديدة الشبه بالحركة. لكن لهما بعد
15
ذلك خواص يجب ان تعتبر، فنقول: ان النوم يقوى القوى الطبيعية كلها، بحقن
16
الحرارة الغريزية، ويرخى القوى النفسانية، بترطيب مسالك الروح النفسانى، و
17
ارخائه اياها، وتكديره جوهر الروح بمنع ما يتحلل. ولكنه يزيل اصناف الاعياء،
18
ويحبس المستفرغات المفرط؛ لان الحركة تزيد المستعدات للسيلان اسالة. الا
19
ماكان من المواد فى ناحية الجلد، فربما اعان النوم على دفعه بحصره الحرارة داخلًا،
20
وتوزيعه الغذاء فى البدن؛ واندفاع ماقرب من الجلد بحقن ما بعد. ولكن اليقظة فى
21
هذا ابلغ.
22
على ان النوم اكثر تعريقًا من اليقظة. وذلك لان تعريقه على سبيل الاستيلاء
23
على المادة، لاعلى سبيل التحليل الرقيق المتصل. ومن عرق كثيرًا فى نومه، ولاسبب
24
له من اسباب اخرى، فانه يمتلئ من الغذاء بمالايحتمله. فان صادف النوم مادة مستعدة
25
للهضم اوالنضج، احالها الى طبيعة الدم، وسخنها. فانبث الحارفى البدن، فسخن البدن
26
سخونة غريزية. وان صادف اخلاطًا حارة مرارية، وطال زمانه، سخن البدن
27
سخونة غريبة. فان صادف خلًاء، برد بما يحلل، اوخلطًا عاصيًا على القوة الهاضمة،
28
برد بما ينشرمنه.
29
واليقظة تفعل اضداد جميع ذلك. لكنها اذا افرطت، افسدت مزاج الدماغ الى
30
ضرب من اليبوسة، واضعفته، فخلطت العقل؛ واحرقت الاخلاط، واحدثت امراضًا
1-160
1
حادة. والنوم المفرط يحدث ضد ذلك، فيحدث بلادة القوى النفسانية، وثقل الدماغ،
2
والامراض الباردة؛ وذلك بما يمنع من المحلل.
3
والسهر يزيد فى الشهوة، ويجوع بما يحلل من المادة؛ وينقص من الهضم بما
4
يحلل من القوة. والتململ بين سهر ونوم ارداء الاحوال كلها. والغالب من حال النوم،
5
ان الحر فيه قد يبطن، والبرد يظهر؛ ولذلك يحتاجون من الدثار لاعضائهم كلها الى
6
مالا يحتاج اليه فى اليقظان. وستجد من احكام النوم، وما يتعرف منه، ومن احواله
7
كلامًا كثيرًا فى الكتب المستقبلة.
8
|33rb22|الفصل الرابع عشر فى موجبات الحركات النفسانية
9
جميع العوارض النفسانية يتبعها اويصحبها حركات الروح؛ إما الى خارج،
10
وإما الى داخل. إما دفعة، وإما قليلًا قليلًا. ويتبع حركتها الى خارج برد الباطن.
11
وربما افرط ذلك فيتحلل دفعة، فيبرد الباطن والظاهر معًا، ويتبعه غشى عظيم او
12
موت. ويتبع حركتها الى داخل برودة الظاهر وحرارة الباطن. وربما اختنقت من شدة
13
الانحصار، فيبرد الظاهر والباطن؛ ويتبعه غشى عظيم اوموت.
14
والحركة الى خارج إما دفعة كما عند الغضب. وإما اولًا فاولًا كما عند اللذة
15
وعند الفرح المعتدل. والحركة الى داخل إما دفعة كما عند الفزع، وإما اولًا فاولًا
16
كما عند الحزن. والاختناق والتحلل المذكوران انما يتبعان. دائمًا مايكون دفعة.
17
واما النقصان وذبول الغريزة، فيتبع دائمًا مايكون قليلًا قليلًا، اعنى بالنقصان الاختناق
18
بالتدريج "فى جزء جزء" لا دفعة؛ واعنى بذبول الغريزة التحلل قليلًا قليلًا لادفعة. و
19
قد يتفق ان يتحرك الى جهتين فى وقت واحد. اذا كان العارض يلزمه العارضان، مثل
20
الهم، فانه قد يعرض معه غضب وحزن، فيختلف الحركتان، ومثل الخجل، فانه
21
لا يقبض اولًا الى الباطن، ثم يعود العقل والرأى، فينبسط المنقبض؛ فيثور الى خارج،
22
فيحمر اللون.
23
وقد ينفعل البدن عن هيئات نفسانية [غير التى ذكرناها، مثل التصورات.
24
النفسانية]؛ فانها تثير امورًا طبيعية؛ كما قد يعرض ان يكون المولود متشابهًا لمن
25
يتخيل صورته عند المجامعة؛ ويقرب لونه من لون ما يلزمه البصر عند الانزال.
26
وهذه اشياء ربما اشمأز عن قبولها قوم، لم يقفوا على احوال غامضة من احوال الوجود؛
27
واما الذين لهم غوص فى المعرفة، فلاينكرونها انكار ما لا يجوز وجوده. ومن
28
هذا القبيل اتباع حركة الدم من المستعد لها، اذا كثر تأمله ونظره فى الاشياء الحمر.
1-161
1
ومن هذا الباب تضرس الاسنان لأكل غيره [من] الحموضة؛ واصابته الالم فى
2
عضو يؤلم مثله غيره اذا راعه. ومن هذا الباب تبدل المزاج بسبب تصورما يخاف
3
اويفرح به.
4
|33va15|الفصل الخامس عشر فى موجبات ما يوكل ويشرب
5
ما يوكل ويشرب يفعل فى بدن الانسان من وجوه ثلثة: فانه يفعل فيه فعلًا
6
بكيفيته فقط، وفعلًا بعنصره، وفعلًا بجملة جوهره. وربما تقاربت مفهومات هذه الالفاظ
7
بحسب التعارف اللغوى، الا انا نصطلح فى استعمالها على معان نشير اليها.
8
فاما الفاعل بكيفيته: فهو ان يكون من شانه ان يتسخن اذا حصل فى بدن
9
الانسان اويتبرد، فيسخن بسخونته ويبرد ببرده؛ من غيران يتشبه به.
10
واما الفاعل بعنصره، فان يكون بحيث يستحيل عن طباعه، فيقبل صورة جزء
11
عضو من اعضاء الانسان. الا ان عنصره مع قبوله صورته، قد يتفق ان يبقى فيه، من
12
اول الامر الى ان يتم الانعقاد والتشبه، ''بقية فيها" من كيفياته التى كانت له، ماهو
13
اشد فى بابها من الكيفية التى لبدن الانسان؛ مثل الدم المتولد من الخس، فانه يصحبه
14
من البرودة، ماهو ابرد من مزاج الانسان. وان كان قد صار دمًا، وصلح ان يكون
15
جزء عضو انسان. والدم المتولد من الثوم بضده.
16
واما الفاعل بجوهره: فهو الفاعل بصورة النوعية التى بما هو هو، لابكيفيته من غير
17
تشبه بالبدن، اومع تشبه بالبدن. واعنى بالكيفية احدى هذه الكيفيات الاربع: فالفاعل
18
بالكيفية لا مدخل لمادته فى الفعل؛ والفاعل بالعنصر هو الذى اذا استحال عنصره عن
19
جوهره استحالة، توجيها قوة فى البدن، قام بدل ما يتحلل اولًا؛ وذكى الحرارة
20
الغريزية بالزيادة فى الدم ثانيًا؛ وربما فعل ايضًا بالكيفية الباقية فيه [ثالثًا]. والفاعل
21
بالجوهر: هو الذى يفعل بصورة نوعه الحاصلة بعد المزاج، الذى لما امتزجت بسائطه،
22
وحدث منها شىء واحد، استعد لقبول نوع وصورة زائدة على ماللبسائط. وتلك
23
الصورة ليست الكيفيات الاول التى للعنصر، ولا المزاج الكائن عنها، بل كمال يحصل
24
للعنصر بحسب استعداد حصل له من المزاج. مثل القوة الجاذبة فى مغناطيس؛ ومثل
25
طبيعة كل نوع من انواع النبات والحيوان، المستفادة بعد المزاج باعداد المزاج؛
26
وليست من بسائط المزاج، ولانفس المزاج. اذ ليست حرارة، ولابرودة، ولارطوبة
27
ولايبوسة، لابسيطة، ولاممتزجة؛ بل هى مثل لون اورائحة، اونفس، او صورة
28
اخرى ليست من المحسوسات.
1-162
1
وهذه الصورة الحادثة بعد المزاج قد يتفق ان يكون كمالها الانفعال من الغير.
2
اذا كانت هذه الصورة قوة انفعالية [كالهشاشة مثلًا]؛ وقد يتفق ان يكون كمالها
3
فعلًا فى الغير؛ اذا كانت [هذه الصورة قوة على فعل فى الغير، كالحموضة مثلًا]. وازا
4
كانت فعالة فى الغير، قد يتفق ان يكون فعلها فى بدن الانسان، وقد يتفق ان
5
لا يكون. وان كانت قوة تفعل فى بدن الانسان: فقد يتفق ان يفعل فعلًا ملائمًا، و
6
قد يتفق ان يفعل فعلًا غير ملائم. ويكون جملة ذلك الفعل فعلًا ليس مصدره عن
7
مزاجه، بل عن صورته النوعية الحادثة بعد المزاج. فلهذا يسمى هذا فعلًا بجملة
8
الجوهر، اى بصورة النوع لابالكيفية: اى لابالكيفيات الاربع، وماهو مزاج عنها.
9
واما الملائم: فمثل فعل فاوانيا [وهو عود الصليب] فى ابطاله الصرع. واما المنافى:
10
فمثل قوة البيش المفسدة لجوهر الانسان.
11
ونرجع الآن فنقول: انا اذا قلنا للشىء المتناول، اوالملطوخ، انه حار او
12
بارد؛ فانما نعنى انه كذلك بالقوة لا بالفعل. ونعنى انه بالقوة احرمن ابداننا، اوابرد
13
من ابداننا. ونعنى بهذه القوة قوة معتبرة "بوقت فعل حرارة بدننا" فيها: بان
14
تكون اذا انفعل حاملها عن الحار الغريزى الذى لنا، حدث حينئذ فيها ذلك بالفغل. وربما
15
عنينا بهذه القوة شيئًا آخر، وهو ان تكون القوة بمعنى جودة الاستعداد؛ كقولنا ان
16
الكبريت حار بالقوة. وربما التفتنا بقولنا: ان الشئى حار او بارد الى الاغلب فى
17
مزاجه من الاركان الاولى، غير ملتفتين الى جانب فعل بدننا فيه. وقد نقول للدواء:
18
انه بالقوة كذا، اذ كانت القوة بمعنى الملكة، كقوة الكاتب التارك لكتابة على الكتابة؛
19
مثل قولنا ان البيش بالقوة مفسد.
20
والفرق بين هذا وبين الاول: ان الاول مالم يحله البدن احالة ظاهرة،
21
لم يخرج الى الفعل؛ وهذا إما ان يفعل بنفس الملاقاة، كسم الافعى؛ اوبادنى استحالة
22
فى كيفية، كالبيش. وبين القوة الاولى والقوة التى ذكرناها، قوة متوسطة: هى
23
مثل قوة الادوية السمية.
24
ثم نقول ان مراتب الادوية قد جعلت اربعة: المرتبة الاولى منها ان يكون
25
فعل المتناول فى البدن بكيفيته، فعلًا غير محسوس؛ مثل ان يسخن اويبرد تسخينًا او
26
تبريدًا، ليس يفطن له ولا يحس به. الا ان يتكرر اويكثر.
27
والمرتبة الثانية ان يكون الفعل اقوى من ذلك، ولكن لايبلغ ان يضر بالافعال
28
ضررًا بينًا؛ ولايغير مجراها الطبيعى الا بالعرض؛ الا ان يتكرر ويكثر.
1-163
1
والمرتبة الثالثة ان يكون فعلها يوجب بالذات ضررًا بينًا، ولكن لايبلغ الى
2
ان يهلك ويفسد.
3
والمرتبة الرابعة ان يكون ذلك بحيث يبلغ ان يهلك ويفسد. وهذه خاصية
4
الادوية السمية. فهذا مايكون بالكيفية. واما المهلكة بجملة جوهره، فهو السم.
5
ونقول من الراس: ان جميع ما يرد على البدن مما يجرى بينهما فعل وانفعال:
6
إما ان يتغير عن البدن، ولا يغيره؛ [وإما ان يتغير عن البدن، ويغيره؛ وإما ان لا
7
يتغير عن البدن، ويغيره]. فاما الذى يتغير عن البدن، ولا يغيره تغيرًا معتدًا به: فاما
8
ان يتشبه بالبدن؛ وإما ان لايتشبه به. فالذى يتشبه به، فهو الغذاء على الاطلاق. واما
9
الذى لايتشبه به، فهو الدواء المعتدل. ولما الذى يتغير عن البدن، ويغيره، فلايخلو:
10
إما ان يكون كما يتغير عن البدن، يغيرالبدن ثم انه يتغير عن البدن آخر الامر فيبطل
11
تغيره؛ وإما ان لا يكون كذلك، بل يكون هو الذى يغير البدن آخر الامر فيفسده. والقسم
12
الاول: إما ان يكون بحيث يتشبه بالبدن، اولا يكون بحيث يتشبه به. فان تشبه به،
13
فهو الغذاء الدوائى؛ وان لم يتشبه، فهو الدواء المطلق. والقسم الثانى: فهو الدواء
14
السمى. واما الذى لايتغير عن البدن البتة، ويغيره، فهو السم المطلق.
15
ولسنا نعنى بقولنا انه لايتغير عن البدن البتة، انه لايسخن فى البدن بفعل
16
الحار الغريزى فيه؛ بل اكثر السموم مالم يسخن فى البدن بفعل الحار الغريزى فيه،
17
لم يؤثر فيه. بل نعنى انه لايتغير فى صورته الطبيعية. بل لا يزال يفعل، وهو ثابت
18
القوة والصورة، حتى يفسد البدن. وقد يكون طبيعة هذا حارة؛ فتعين "طبيعته خاصيته"
19
فى تحليل الروح، كسم الافعى والبيش. وقد تكون باردة؛ فتعين ''طبيعته خاصيته"
20
فى اخماد الروح وايهانه، كسم العقرب والشوكران.
21
وجميع ما يغذو، قد يغير البدن آخر الامر تغيرًا طبيعيًا: وهو التسخين؛
22
فانه اذا استحال الى الدم، زاد لا محالة فى التسخين. حتى ان الخس والقرع يسخنان
23
هذا التسخين. الا انا لسنا نقصد بالتغير هذا التسخين، بل ما كان صادرًا عن كيفية الشئ،
24
ونوعه بعد باق.
25
والدواء الغذائى يستحيل عن البدن بجوهره، ويستحيل عنه بكيفية. لكنه
26
يستحيل اولًا فى كيفية: فمنه ما يستحيل اولًا الى حرارة فيسخن؛ كالثوم؛ و منه ما
27
يستحيل اولًا الى برودة فيبرد، كالخس. فاذا استتمت الاستحالة الى الدم، كان اكثر
28
فعلها التسخين بتوفير الدم. وكيف لايسخن [بتوفير الدم]، وقد "استحالت حارة و
29
خلعت برودتها". لكنه قد يصحب ايضًا كل واحد منهما من الكيفية الغريزية شىء،
30
بعد الاستحالة فى الجوهر؛ فيبقى فى الدم الحادث من الخس تبريد ما، وفى الدم
31
الحادث من الثوم تسخين ما؛ ولكن الى حين.
1-164
1
والادوية الغذائية: فمنها ما هو اقرب الى الدوائية. ومنها ما هو اقرب الى
2
الغذائية. كما ان الاغذية نفسها منها ماهى قريبة الطباع الى جوهر الدم؛ كالشراب،
3
ومخ البيض، وماء اللحم. ومنها ما هو ابعد منه يسيرًا؛ مثل الخبز واللحم. ومنها
4
ماهو ابعد جدًا؛ كالاغذية الدوائية.
5
ونقول ان الغذاء يغير حال البدن بكيفيته وبكميته. اما بكيفيته فقد عرف ذلك.
6
واما بكميته فذلك إما بأن يزيد، فيورث التخمة والسدد، ثم العفونة؛ وإما بأن ينقص،
7
فيورث الذبول. والزيادة فى كمية الغذاء مبردة دائمة. اللهم الا ان يعرض منها عفونة
8
دائمة، فيسخن؛ فان العفونة كما انها تحدث عن حرارة غريبة، كذلك تحدث عنها ايضًا
9
حرارة غريبة.
10
ونقول ايضًا ان الغذاء منه لطيف، ومنه كثيف، ومنه معتدل. واللطيف
11
هو الذى يتولد منه دم رقيق؛ والكثيف هو الذى يتولد منه دم ثخين. وكل واحد
12
من الاقسام: فاما ان يكون كثير التغذية، وإما ان يكون يسير التغذية. مثال اللطيف
13
الكثير الغذاء: الشراب، وماء اللحم، ومخ البيض المسخن، اوالنيمبرشت؛ فانه
14
كثير الغذاء لان اكثر جوهره يستحيل الى الغذاء. ومثال الكثيف القليل الغذاء:
15
الجبن، والقديد، والبادنجان وما يشبهها؛ فان الشىء المستحيل منها الى الدم قليل.
16
ومثال اللطيف القليل الغذاء: الجلاب، والبقول المعتدلة القوام والكيفية؛ ومن
17
الثمار: التفاح، والرمان وما يشبههما. ومثال الكثيف الكثير الغذاء: البيض المسلوق،
18
ولحم البقر.
19
وايضًا فان كل واحد من هذه الاقسام قد يكون ردى الكيموس، وقد يكون
20
محمود الكيموس. مثال اللطيف الكثير الغذاء، الحسن الكيموس: صفرة البيض النيمبرشت،
21
والشراب، وماء اللحم. ومثال اللطيف الكثير الغذاء، الردى الكيموس: الرية،
22
ولحم النواهض. ومثال اللطيف القليل الغذاء، الحسن الكيموس: الخس، والتفاح،
23
والرمان. ومثال اللطيف القليل الغذاء، الردئ الكيموس: الفجل، والخردل واكثر
24
البقول. ومثال الكثيف الكثير الغذاء، الحسن الكيموس: البيض المسلوق، ولحم
25
الحولى من الضان. مثال الكثيف الكثير الغذاء، الردئ الكيموس: لحم الثور، ولحم
26
البط، ولحم الفرس. ومثال الكثيف القليل الغذاء، الردئ الكيموس: القديد. وانت
27
تجد فى هذه الجملة المعتدل.
28
|34va20|الفصل السادس عشر فى احوال المياه
29
اعلم ان الماء ركن من الاركان، ومخصوص من جملة الاركان: بأنه وحده
30
من بينها يدخل فى جملة مايتناول؛ لا لانه يغذو، بل لانه ينفذ الغذاء، ويصلح قوامه.
1-165
1
وانما قلنا: ان الماء لا يغذو، لان الغاذى هو الذى هو بالقوة دم، وبقوة ابعد من ذلك
2
جزء عضو للانسان. والجسم البسيط لايستحيل الى قبول الصورة الدموية، ولا الى قبول
3
صورة عضو الانسان، مالم يتركب. لكن الماء جوهر يعين فى تسييل الغذاء، وترقيقه؛
4
وبدرقته نافذًا الى العروق، ونافذًا الى المخارج. لايستغنى عن معونته هذه فى تمام
5
امر الغذاء.
6
ثم المياه مختلفة؛ لا فى جوهر المائية؛ ولكن بحسب ما يخالطها؛ وبحسب الكيفيات
7
التى تغلب عليها. فافضل المياه مياه العيون. ولاكل العيون؛ ولكن ماء العيون الحرة
8
الارض، التى لاتغلب على تربتها شيئى من الاحوال، والكيفية الغريبة؛ اوتكون حجرية،
9
فتكون اولًا بان لايعفن عفونة الارضية. لكن التى من طينة حرة، خير من الحجرية.
10
ولا كل عين حرة، بل التى هى مع ذلك جارية؛ ولا كل جارية، بل الجارية المكشوفة
11
للشمس والرياح. فان هذا مما يكتسب به الجارية فضيلة. واما الراكدة: فربما اكتسبت
12
بالكشف ردأة، لاتكتسبها بالغور والستر.
13
واعلم ان المياه التى تكون طينية المسيل، خير من التى تجرى على الاحجار.
14
فان الطين ينقى الماء، وياخذ منه الممزوجات الغريبة ويروقه؛ والحجارة لاتفعل ذلك.
15
لكنه يجب ان يكون طين مسيلها حرًا، لا حمأة، ولا سبخة، ولا غير ذلك. فان اتفق
16
ان كان هذا الماء غمرًا، شديد الجرية، يحيل بكثرته ما يخالطه الى طبيعته؛ ياخذ الى
17
الشمس فى جريانه، فيجرى الى المشرق، خصوصًا الى الصيفى منه، فهو افضل لاسميا
18
اذا بعد جدًا من مبدئه. ثم ما يتوجه الى الشمال. والمتوجه الى المغرب والجنوب
19
ردى، وخصوصًا عند هبوب الجنوب. والذى ينحدر من مواضع عالية مع سائر الفضائل
20
افضل. وما كان بهذه الصفة: كان عذبًا، يخيل انه حلو؛ ولا يحمتل الخمر اذا مزج
21
به منه الا قليلًا؛ وكان خفيف الوزن؛ سريع التبرد والتسخن لتخلخله؛ باردًا فى الشتاء،
22
حارًا فى الصيف؛ لايغلب عليه طعم البتة، ولا رائحة، ويكون سريع الانحدار من
23
الشراسيف سريع تهرء مايتهرأ فيه، وطبخ مايطبخ فيه.
24
واعلم ان الوزن من الدستورات المنجحة فى تعرف حال الماء؛ فان الاخف
25
فى اكثر الاحوال افضل. وقد يعرف الوزن بالمكيال. وقد يعرف بان يبل خرقتان بمائين
26
مختلفين، اوقطنتان متساويتا الوزن، ثم تجففان تجفيفًا بالغًا، ثم يوزنان؛ فالماء الذى
27
قطنته اخف، فهو افضل. والتصعيد والتقطير مما يصلح المياه الردية. فان لم يكن
28
ذلك فالطبخ. فان المطبوخ، على ما شهد به العلماء، اقل نفخًا، واسرع انحدارًا. و
29
الجهال من الاطباء يظنون، ان الماء المطبوخ يتصعد لطيفه، ويبقى كثيفه. فلا فائدة فى
30
الطبخ. اذ يزيد الماء تكثيفًا.
31
ولكن يجب ان يعلم، ان الماء فى حد مائيته، متشابهة الاجزاء فى اللطافة
32
والكثافة؛ لانه بسيط غير مركب؛ لكن الماء يكثف: إما باشتداد كيفية البرد عليه؛
1-166
1
وإما بمخالطة شديدة من الاجزاء الارضية، التى لفرط صغرها ليس يمكنها ان تنفصل
2
عنه، وترسب فيه؛ لانها ليست بمقدار ما يقدر ان يشق اتصال الماء، فترسب فيه صغرًا.
3
فيضطرها ذلك الى ان يحدث لها لجوهر الماء امتزاج.
4
ثم الطبخ يزيل التكثيف الحادث عن البرد اولًا: ثم يخلخل اجزاء الماء خلخلة
5
شديدة، حتى يصيرارق قوامًا. فيمكن ان ينفصل عنه الاجزاء "الارضية الثقيلة"، المحبوسة
6
فى كثافته، و تخرقه، راسبة، فتبائنه بالرسوب، ويبقى ماءً محضًا قريبًا من البسيط.
7
ويكون الذى انفصل بالتبخير، مجانسًا للباقى، غير بعيد منه. لان الماء اذا تخلص
8
من الخلط، تشابهت اجزاءه فى اللطبافة. فلم يكن لصاعدها كثير فضل على باقيها.
9
فالطبخ انما يلطف [ذلك] الماء، بازالة تكثيف البرد، وترسيب الخلط الخالط له.
10
والدليل على هذا انك اذا تركت المياه الغليظة مدة كثيرة، لم يرسب فيها شئى يعتد به.
11
واذا طبختها، يرسب فى الوقت شئى كثير، وصار الماء الباقى خفيف الوزن صافيًا. وكان
12
سبب الرسوب هو الترقق الحاصل بالطبخ. الاترى ان مياه الاودية الكبار مثل نهر جيحون،
13
وخصوصًا ما كان منها مغترفًا من آخره، يكون عند الاغتراف، فى غاية الكدر
14
ثم يصفو فى زمان قصير كرة واحدة، بحيث اذا استصفيتها مرة اخرى لم يرسب شيئًا
15
يعتد به البتة. وقوم يفرطون فى مدح ماء النيل افراطًا شد يدًا. ويجمعون محامده فى
16
اربعة: بعد منبعه، وطيب مسلكه، وغمورته، واخذه الى الشمال عن الجنوب، ملطفًا لما
17
يجرى فيه من المياه. واما غمورته فيشاركه فيها غيره.
18
والمياه الردية لو استصفيتها كل يوم من اناء الى اناء، لكان الرسوب يظهر عنها
19
كل يوم من الراس. ومع ذلك فانه لا يرسب عنها، مامن شانه ان يرسب الا بأنأة،
20
من غير اسراع. ومع ذلك فلا يتصفى تصفيًا بالغًا. والعلة فيه ان المخالطات
21
الارضية يسهل رسوبها عن الرقيق الجوهر الذى لاغلظ له، ولا لزوجة [فيه] ولا
22
دهنية. ولايسهل رسوبها عن الكثيف تلك السهولة. ثم الطبخ يفيده رقة الجوهر. وبعد
23
الطبخ المخض.
24
ومن المياه الفاضلة مياه المطر، وخصوصًا ما كان صيفيًا، ومن سحاب
25
راعد. واما الذى يكون من سحاب ذى رياح عاصفة، فيكون كدرًا، لبخار الذى
26
يتولد منه، و كدر السحاب الذى يقطر منه، فيكون مغشوش الجوهر غير خالص.
27
الا ان العفونة تتبادر الى ماء المطر؛ وان كان افضل مايكون؛ لانه شديد الرقة، فيؤثر
28
فيه المفسد الارضى، والهوائى بسرعة. وتصير عفونته سببًا لتعفن الاخلاط. ويضر
1-167
1
بالصدر والصوت. قال قوم: السبب فى ذلك انه متولد عن بخار يصعد من رطوبات
2
مختلفة. ولوكان السبب ذلك، لكان ماء المطر مذمومًا غير محمود؛ وليس كذلك. ولكنه
3
لشدة لطافة جوهره. فان كل لطيف الجوهر قوامه قابل للانفعال. واذا بودر الى
4
ماء المطر واغلى، قل قبوله للعفونة. والحموضات اذا تنوولت مع وقوع الضرورة
5
الى شرب ماء مطر قابل للعفونة، امن [من] ضرره.
6
واما مياه الآبار والقنى بالقياس الى مياه العيون فردية. وذلك لانها مياه محتقنة،
7
مخالطة للارضيات مدة طويلة، لا يخلو عن تعفين ما؛ وقد استخرجت وحركت بقوة
8
قاسرة؛ لا بقوة فيها مائلة الى الظهور والاندفاع، بل بالحيلة والصناعة؛ بان قرب لها
9
السبيل الى الرشوح. واردأها ما جعل لها مسالك فى الرصاص، فتاخذ من قوته، وتوقع
10
كثيرًا فى قروح الامعاء. وماء النزاردأ من ماء البئر. لان ماء البئر يستحد نبوعه بالنزح،
11
فتدوم حركته، ولايلبث الليث الكثير فى المحقن، ولايريث فى المنافس ريثًا طويلًا. واما ماء النز
12
فماء يطول تردده فى منافس الارض العفنة، ويتحرك الى الينبوع والبروز حركة بطيئة،
13
لايصدر عن قوة اندفاعها. بل لكثرة مادتها. ولايكون الا فى ارض فاسدة عفنة.
14
واما المياه الجليدية والثلجية فغليظة.
15
والمياه الراكدة الاجمية، خصوصًا المكشوفة ردية ثقيلة. وانما تبرد فى
16
الشتاء بسبب الثلوج، وتولد البلغم؛ ويسخن فى الصيف بسبب الشمس والفعونة،
17
فتولد المرار. ولكثافتها، واختلاط الارضية بها، وتحلل اللطيف منها، يتولد
18
لشاربيها اطحلة؛ وترق مر اقهم؛ تجسأ احشاءهم، وتقضف منهم الاطراف، والمناكب،
19
والرقاب؛ وتغلب عليهم شهوة الاكل والعطش؛ ويحتبس بطونهم ويعسر قيئهم.
20
وربما وقعوا فى الاستسقاء لاحتباس المائية فيهم؛ وربما وقعوا فى ذات الرئة، وزلق
21
الامعاء، والطحال؛ وتضمر ارجلهم، وتضعف اكبادهم، ويقل غذائهم بسبب
22
الطحال. ويتولد فيهم الجنون، والبواسير، والدوالى، وذات الرئة، والاورام
23
الرخوة، خصوصًا فى النساء. ويعسر على نساءهم الحبل والولادة جميعًا. ويلدن
24
اجنة متورمين. ويكثر فيهن الرجاء، وهو الحبل الكاذب. ويكثر بصبيانهم الادر،
25
وبكبارهم الدوالى وقروح الساق. ولاتبرأ قروحهم. ويكثر شهواتهم للغذاء؛
26
ويعسر اسهالهم، ويكون مع اذى، وتقريح للاحشاء. و يكثر فيهم الربع، وفى
27
مشايخهم المحرقة؛ ليبس طبائعهم وبطونهم. والمياه الراكدة كيفما كانت غير موافقة
28
للمعدة. وحكم المغترف من العين قريب من حكم الراكد. لكنه يفضل الراكدة بان
29
بقائه فى موضع واحد غير طويل. ومالم يجر فان فيه ثقلًا ما لامحالة. وربما كان فى
30
كثير منه قبض، وهو سريع الاستحالة الى التسخن فى الباطن؛ فلا يوافق اصحاب
1-168
1
الحميات، والذين غلب عليهم المرار. بل هو اوفق فى العلل المحتاجة الى حبس
2
اوالى انضاج.
3
والمياه التى يخالطها جوهر معدنى، اوما يجرى مجراه، والمياه العلقية،
4
فكلها ردية. لكن فى بعضها منافع. وفى الذى يغلب عليه قوة الحديد منافع: من
5
تقوية الاحشاء؛ ومنع الذرب؛ وانهاض القوى الشهوانية كلها. وسنذكر حالها،
6
وحال ما يجرى مجراها فيما بعد. والجمد والثلج اذا كان نقيًا، غير مخالط لقوة ردية،
7
فسواء حلل ماء اوبرد به الماء من خارج، اوالقى فى الماء فهو صالح، وليس يختلف
8
احوال اقسامه اختلافًا كثيرًا فاحشًا. الا انه اكثف من سائر المياه، ويتضرر به صاحب
9
وجع العصب. واذا طبخ عاد على الصلاح. واما اذا كان الجمد من مياه ردية،
10
اوالثلج مكتسبًا قوة غريبة من مساقطه، فالاولى ان يبرد به الماء محجوبًا عن مخالطته.
11
والماء البارد المعتدل المقدار، اوفق المياه للاصحاء. وان كان قد يضر العصب،
12
ويضر اصحاب اورام الاحشاء. وهو مما ينبه الشهوة ويشد المعدة.
13
والماء الحار يفسد الهضم، ويطفى الطعام. ولايسكن العطش فى الحال.
14
وربما ادى الى الاستسقاء والدق، ويذبل البدن. فاما السخن فان كان فاترًا غثى؛
15
وان كان اسخن من ذلك، فيتجرع على الريق، فكثيرًا ما غسل المعدة، واطلق الطبيعة.
16
لكن الاستكثار منه ردى، يوهن قوة المعدة. والشديد السخونة ربما حلل القولنج،
17
وكسّر الرياح من الطحال. والذين يوافقهم الماء الحار بالصنعة، اصحاب الصرع،
18
واصحاب المالنخوليا، واصحاب الصداع البارد، واصحاب الرمد. والذين بهم
19
بثور فى الحلق والعمور؛ واورام خلف الاذن، واصحاب النوازل؛ ومن بهم قروح
20
فى الحجاب، وانحلال الفرد فى نواحى الصدر. ويدرالطمث والبول؛ ويسكن
21
الاوجاع.
22
واما الماء المالح فانه يهزل ويقشف؛ ويسهل اولًا بالجلاء الذى فيه، ثم
23
يعقل آخرًا بالتجفيف الذى فى طبعه؛ ويفسد الدم فيولد الحكة والجرب. والماء
24
الكدر يولد الحصى والسدد؛ فليتناول بعده ما يدر. على ان المبطون كثيرًا ماينتفع به،
25
وبسائر المياه الغليظة الثقيلة؛ لاحتباسها فى بطنه وبطوء انحدارها. ومن ترياقاته الدسم
26
والحلاوات.
27
والنوشادرية [تطلق الطبيعة، شرب منها، اوجلس فيها، اواحتقن بها. والشبية]
28
تنفع من سيلان فضول الطمث، ومن نفث الدم، وسيلان البواسير. غير انها شديد
29
الاثارة للحمى فى الابدان المستعدة لها. والحديدى يزيل الطحال، ويعين على الباه.
30
والنحاسى صالح لفساد المزاج. واذا اختلطت مياه مختلفة جيدة وردية، غلب اقواها.
1-169
1
ونحن قد بينا تدبير المياه الفاسدة فى باب تدبير المسافرين، ونذكر باقى احكام الماء و
2
صفاته وقوى اصنافه، فى باب الماء فى الادوية المفردة.
3
|35va58|الفصل السابع عشر فى موجبات الاحتباس والاستفراغات
4
احتباس مايجب ان يستفرغ بالطبع، يكون اما لضعف الدافعة؛ اولشدة القوة
5
الماسكة، فتشبثت به؛ اولضعف الهاضمة، فيطول لبث الشئى فى الوعاء تلبيشًا، من القوى
6
الطبيعية اياه الى استيفاء الهضم؛ اولضيق المجارى والسدد فيها؛ اولغلظ المادة،
7
اوللزوجتها، اولكثرتها، فلا يقوى عليها الدافعة؛ او لفقدان الاحساس بالحاجة الى
8
دفعها، اذ كان قد يعين فى الاستفراغ قوة ارادية، كما يعرض فى القولنج اليرقانى؛
9
اولإنصراف من قوة الطبيعة الى جهة اخرى، كما يعرض فى البحارين من شدة احتباس
10
البول، اواحتباس البراز، بسبب كون الاستفراغ البحرانى من جهة اخرى.
11
واذا وقع احتباس ما، يجب ان يستفرغ، عرض من ذلك امراض: اما من باب
12
امراض التركيب، فالسدة والاسترخاء والتشنج الرطب وما يشبه ذلك. واما من باب
13
امراض المزاج: فالعفونة، وايضًا احتقان الحار الغريزى، واستحالته الى النارية؛
14
وانطفاء الحرارة الغريزية من طول الاحتقان، اوشدته، فيعقبه البرد، وايضًا غلبة
15
الرطوبة على البدن. واما من الامراض المشتركة: فانصداع الأوعية وانفجارها.
16
والتخمة من اردأ اسباب الامراض؛ وخصوصًا اذا وافت بعد اعتياد الخواء؛ مثل
17
ما يقع من الشبع المفرط فى الخصب، عقيب جوع مفرط فى الجدب. واما من الامراض
18
المركبة: فالاورام والبثور
19
واستفراغ ما يجب ان يحتبس يكون إما لقوة الدافعة؛ اولضعف الماسكة؛
20
اولإيذاء المادة بالثقل لكثرتها؛ اوبالتمديد لريحيتها؛ او باللذع لحدتها وحرافتها؛
21
اولرقة المادة، فتكون كانها تسيل من نفسها، فيسهل اندفاعها. وقد تعينها سعة المجارى،
22
كما يعرض من سيلان المنى. ومن انشقاقها طولًا؛ وانقطاعها عرضًا، و انفتاحها عن
23
فوهاتها، كما يعرض فى الرعاف. وقديحدث هذا الاتساع بسبب حادث من خارج اومن داخل.
24
واذا وقع استفراغ ما يجب ان يحتبس، عرض من ذلك برد المزاج باستفراغ
25
المادة المشعلة، التى يغتذى منها الحار الغريزى. وربما عرض منه حرارة مزاج؛
26
اذا كان ما يستفرغ بارد المزاج مثل البلغم؛ اوقريبًا من اعتدال المزاج مثل الدم.
27
فيستولى الحار المفرط كالصفراء فيسخن.
28
وقد يعرض من ذلك اليبس دائما وبالذات؛ وربما عرضت منه الرطوبة على
29
القياس، الذى ذكرنا فى عروض الحرارة. وذلك عند اعتدال من استفراغ الخلط
30
المجفف؛ او لعجز من الحرارة الغريزية عن هضم الغذاء هضمًا تامًا، فيكثر البلغم.
1-170
1
لكن هذه الرطوبة لاتنفع فى المزاج الغريزى، ولاتكون غريزية؛ كما ان تلك الحرارة
2
لم تكن غريزية. بل كل استفراغ مفرط، يتبعه برد ويبس فى جوهر الاعضاء وغريزتها.
3
وان لحق بعضها حرارة غريبة، ورطوبة غير صالحة. وقد يتبع الاستفراغ المفرط
4
من الامراض الآلية السدة ايضًا، لفرط يبس العروق وانسدادها. ويتبعه التشنج و
5
الكزاز. واما الاحتباس والاستفراغ، المعتدلان المصادفان، لوقت الحاجة اليهما،
6
فهما نافعان حافظان للحالة الصحية. فقد تكلمنا فى الاسباب الضرورية بجنسيتها، وان
7
كانت قد لايكون اكثرانواعها ضرورية. فلناخذ فى الاسباب الاخرى.
8
|36ra21|الفصل الثامن عشر كلام فى الاسباب التى تتفق للبدن غير ضرورية ولا ضارة.
9
ولنتكلم الآن فى الاسباب الغير الضرورية ولاالضارة. وهى التى ليست
10
بجنسيتها فى الطبع، ولا هى مضادة للطبع. وهذه هى الاشياء الملاقية للبدن غير الهواء
11
فانه ضرورى. بل مثل الاستحمامات وانواع الدلك وغيرها. ولنبداء بقول كلى فى
12
هذه الاسباب. فنقول: ان الاشياء الفاعلة فى بدن الانسان من خارج بالملاقات، تفعل
13
ما تفعل فيه على وجهين: فانها تفعل فيها: إما بنفوذ مالطف منها فى المسام، لقوة
14
فيها غواصة نافذة؛ او لجذب الاعضاء اياها من مسامها. او بتعاون من الامرين. واما
15
ان يفعل لالمخالطة البتة، بل بكيفية صرفة محيلة للبدن. وذلك إما لان لها هذه الكيفية
16
بالفعل، كالطلاء المبرد بالفعل فيبرد، او الضماد المسخن بالفعل فيسخن. وإما لان
17
هذه الكيفية بالقوة، لكن الحار الغريزى منا يهيج فيها قوة فعالة، ويخرجها الى الفعل.
18
وإما بالخاصية.
19
ومن الاشياء مايغير بالملاقاة، ولا يغير بالتناول، مثل البصل، فانه اذا ضمدبه
20
من خارج قرح، ولا يقرح من داخل. ومن الاشياء ماهو بالعكس: مثل الاسفيذاج
21
فانه ان شرب غير تغيرًا عظيمًا، وان طلى لم يفعل من ذلك شيئًا. ومنها ما يفعل
22
فى الوجهين جميعًا. والسبب فى القسم الاول احد اسباب ستة: احدها ان مثل البصل
23
اذا ورد على داخل البدن، بادرت القوة الهاضمة، فكسرته وغيرت مزاجه، فلم يتركه
24
بسلامته مدة فى مثلها، يمكنه ان يفعل فعله ويقرح فى الباطن. والثانى انه فى الامر
25
يتناول مخلوطًا بغيره. والثالث انه يختلط ايضًا فى اوعية الغذاء برطوبات تغمره و
26
وتكسر قوته. والرابع انه انما يلزم من خارج موضعًا واحدًا، واما من داخل فلايزال
27
ينتقل. والخامس انه اما من خارج فيلصق الصاقًا موثقًا، واما من داخل فانه يماس مماسة
28
غير ملتصقة. والسادس انه اذا حصل فى الباطن تولت تدبيره القوة الطبيعية. فلم
29
يلبث الفضل منه ان يندفع، والجيد ان يستحيل دمًا.
30
واما ما يختلف من حال الاسفيذاج، فالسبب فيه انه غليظ الاجزاء فلاينفذ فى
31
المسام. من خارج. وان نفذ لم يمعن الى منافس الروح، والى الاعضاء الرئيسة.
32
واما اذا تنوول كان الامر بالعكس. وايضًا فان الطبيعة السمية التى فيه، لا تثور الا
1-171
1
بفرط تاثير من الحار الغريزى، الذى فينا فيه. وذلك مما لا يحصل بنفس الملاقاة.
2
وربما عاد عليك فى كتاب الادوية المفردة كلام فى هذا القبيل.
3
|36rb21|الفصل التاسع عشر فى موجبات الاستحمام والتضحى بالشمس [والاندفان فى الرمل
4
والتمرغ فية، والاستنقاع فى الادهان، ورش الماء على الوجه]
5
قال بعض المتحذلقين: خير الحمام ماقدم بناءه، واتسع هواءه، وعذب ماءه.
6
وزاد آخر فقال: وقدر الاتان وقوده بقدر مزاج من اراد وروده.
7
واعلم ان الفعل الطبيعى للحمام هو التسخين بهوائه، والترطيب بمائه. والبيت
8
الاول مبرد مرطب. والثانى مسخن مرطب. والثالث مسخن مجفف. ولا تلتفت لقول
9
من يقول: ان الماء لايرطب الاعضاء الاصلية شربًا ولا لقاءه الا انه قد يعرض من الحمام،
10
بعد ما وصفناه من تاثيراته وتغييراته، تغييرات اخرى: بعضها بالعرض، وبعضها
11
بالذات فان الحمام قد يعرض له ان يبرد بهوائه من كثرة التحليل للحار الغريزى، وان
12
يجفف ايضًا جواهر الاعضاء لتحليله كثير الرطوبات الغريزية. وان افاد رطوبات غريبة.
13
واذا كان ماءه شديد السخونة، يقشعر منه الجلد، فيستحصف مسامه، لم يتأد من
14
رطوبته الى البدن شئى، ولا اجاد تحليله.
15
وماءه قد يسخن، وقد يبرد. اما تسخينه فبحمأه، ان كان حارًا الى السخونة،
16
ماهودون الفاتر؛ فانه يبرد ويرطب. وبالحقن ان كان باردًا؛ فانه يحقن الحرارة المستفادة من
17
هوائه، ويجمعها فى الاحشاء اذا ورد باردًا على البدن. واما تبريده فذلك اذا كثر
18
فيه الاستنقاع. فيبرد من وجهين: احدهما لان الماء بالطبع بارد، فيبرد آخر الامر،
19
وان سخن بحرارة عرضية، لاتثبت بل تزول، ويبقى الفعل الطبيعى لماتشربه البدن
20
من الما، وهو التبريد. وايضًا فان الماء وان كان حارًا او باردًا، فهو رطب.. واذا
21
افرط فى الترطيب خنق الحار الغريزى، لكثرة الرطوبة، فيطفيها فيبرد.
22
والحمام قد يسخن بالتحليل ايضًا؛ واذا وجد غذاء لم ينهضم، وخلطًا باردا لم
23
ينضج، فيهضم ذلك وينضج هذا. والحمام قد يستعمل يابسًا فيجفف، وينفع اصحاب
24
الاستسقاء والترهل. وقد يستعمل رطبًا فيرطب. وقد يقعد فيه كثيرًا، فيجفف بالتحليل والتعريق.
25
وقد يقعد فيه قليلًا، فيرطب بانتشاف البدن منه قبل التعريق. والحمام قد يستعمل على
26
الريق والخلاء، فيجفف شديدًا ويهزل ويضعف. وقد يستعمل على قرب عهد بالشبع،
27
فيسمن بما يجذب الى ظاهر البدن من المادة. الا انه يحدث السدد، بما ينجذب
28
بسببه الى الاعضاء من المعدة والكبد من الغذاء الغير النضيج. وقد يستعمل عند آخر
29
الهضم الاول قبل الخلاء، فينفع ويسمن باعتدال.
1-172
1
ومن استعمل الحمام للترطيب، كما يستعمله اصحاب الدق، فيجب عليهم ان
2
يستنقعوا فى الماء مالم يضعفوا. ثم يتمرخوا بالدهن؛ ليزيد فى الترطيب، وليحبس المائية
3
النافذة فى المسام، ويحقنها داخل الجلد. وان لا يطيلوا المقام. وان يختاروا
4
موضعًا معتدلًا؛ وان يكثروا صب الماء على ارض الحمام، لتكثر البخار، فيرطب الهواء.
5
وان ينقلوا من الحمام، من غير عناء ولا مشقة تلزمهم؛ بل على محفة تتخذ لهم. وان
6
يطيبوا بالطيب البارد كما يخرجون. وان يتركوا فى المسلخ ساعة الى ان يعود اليهم
7
النفس المعتدل؛ وان يسقوا من المرطبات شيئًا مثل ماء الشعيرومثل لبن الاتان. ومن
8
اطال المقام فى الحمام، خيف عليه الغشى باسخانه القلب ويثوربه اولًا الغثى. وللحمام
9
مع كثرة منافعه مضار: فانه يسهل انصباب الفضول الى الاعضاء التى بها ضعف. ويرخى
10
الجسد، ويضر بالعصب، ويحلل الحرارة الغريزية، ويسقط الشهوة للطعام، ويضعف
11
قوة الباه. وللحمام فصول من جهة المياه التى "تكون فيه'': فانها ان كانت
12
نطرونية وكبريتية وبحرية ورمادية ومالحة طبعًا، اوبصنعة بان يطبخ فيها شئى من ذلك،
13
او يطبخ فيها مثل الميويزج ومثل [حب الغار] ومثل الكبريت وغير ذلك، فانها
14
نحلل وتلطف وتزيل الفضول والترهل والتربل، ويمنع انصباب المواد الى القروح،
15
وينفع اصحاب العرق المدينى.
16
والمياه النحاسية والحديدية والمالحة ايضًا تنفع من امراض البرد والرطوبة؛
17
ومن اوجاع المفاصل، والنقرس، والاسترخاء، والربو، وامراض الكلى؛ ويقوى
18
جبر الكسر؛ وينفع من الدماميل والقروح. والنحاسية تنفع الفم واللهاة، والعين المسترخية،
19
ورطوبات الاذن. والحديدية نافعة للمعدة والطحال. والبورقية المالحة تنفع الرؤس
20
القابلة للمواد، والصدر الذى بتلك الحال. وتنفع المعدة الرطبة، واصحاب الاستسقاء
21
والنفخ.
22
واما المياه الشبية والزاجية: فينغع الاستحمام فيها من نفث الدم، ومن نزف
23
المقعدة، والطمث، ومن تقلب المقعدة، ومن الاسقاط من غير سبب، ومن التهج،
24
وفرط العرق. واما المياه الكبريتية فانها تنقى الاعصاب؛ وتسكن اوجاع التمدد
25
والتشنج؛ وينقى ظاهر البدن من البثور، والقروح الردية المزمنة، والآثار السمجة،
26
والكلف، والبهق، والبرص؛ وتحلل الفضول المنصبة الى المفاصل، والى الطحال،
1-173
1
والكبد؛ وتنفع من صلابة الرحم. لكنها ترخى المعدة، وتسقط الشهوة. واما المياه
2
القفرية فان الاستحمام فيها يملاء الراس؛ ولذلك يجب ان لايغمس المستحم بها رأسه فيها.
3
وفيها تسخين فى مدة متراخية؛ وخصوصًا للرحم والمثانة والقولون؛ ولكنها ردية
4
ثقيلة.
5
ومن اراد ان يستحم فى الحمات، فيجب ان يستحم فيها بهدو وسكون ورفق
6
وتدريج، غير بغتة. وربما عاد عليك فى باب حفظ الصحة من امر الحمام، مايجب
7
ان تضيف النظر فيه الى النظر فيما قبل. وكذلك القول فى استعمال الماء البارد [واما]
8
التضحى الى الشمس الحارة وخصوصًا متحركًا، لاسيما متحركًا حركة شديدة
9
كالسعى والعدو، مما حلل الفضول بقوة، ويعرق ويفش النفخ، ويحلل اورام التربل
10
والاستسقاء؛ وينفع من الربو ونفس الانتصاب؛ ويحل الصداع البارد المزمن، و
11
يقوى الدماغ الذى مزاجه بارد. واذا لم يتند من تحته، بل كان مجلسه يابسًا، نفع
12
[اوجاع المفاصل] واوجاع الورك، والكلى، واوجاع الجذام، واختناق الرحم،
13
ونقى الرحم. فان تعرض للشمس، كثف البدن، وقشفه وحممه، وصار كالكى على
14
فوهات المسام، ومنع التحلل. والسكون فى الشمس فى موضع واحد، اشد فى احراق
15
الجلد من التنقل فيه، وهو امنع للتحلل.
16
[واما الاندفان فى الرمل:] فاقوى الرمال فى نشف الرطوبات من نواحى
17
الجلد رمال البحار. وقد يجلس عليها وهى حارة؛ وقد يندفن فيها؛ وقد يستثر على
18
البدن قليلًا قليلًا، فيحلل الاوجاع والامراض المذكورة فى باب الشمس. وبالجملة
19
يجفف البدن تجفيفًا شديدًا.
20
واما الاستنقاع فى مثل الزيت فقد ينفع اصحاب الاعياء، واصحاب الحميات
21
الطويلة الباردة، والذين بهم مع حمياتهم اوجاع عصب، ومفاصل؛ ولاصحاب التشنج
22
والكزاز واحتباس البول. ويجب ان يكون الزيت مسخنًا من خارج الحمام. واما
23
ان طبخ فيه ثعلب، اوضبع على مانصفه فهو افضل علاج لاصحاب اوجاع المفاصل
24
والنقرس.
25
واما بل الوجه ورش الماء عليه، فانه ينعش القوة المسترخية من الكرب،
26
ولهيب الحميات، وعند الغشى؛ وخصوصًا مع ماء الورد والخل. وربما صحح الشهوة
27
واثارها، ويضرلاصحاب النوازل والصداع.
1-174
1
|37ra20|الجملة الثانية
2
فى تعديد سبب سبب لكل واحد من العوارض البدنية
3
وهى تسعة وعشرون فصلًا
4
|37ra23|الفصل الأول فى المسخنات
5
المسخنات أصناف: مثل الغذاء المعتدل فى المقدار. والحركة المعتدلة،
6
ويدخل فيها الرياضات المعتدلة، والدلك المعتدل، والغمز المعتدل، ووضع المحاجم
7
بغير شرط؛ فان التى تكون مع شرط، تبرد بالإستفراغ. وإيضًا الحركة التى هى إلى
8
الشدة والكثرة قليلًا، ليس بالمفرط. والغذاء الحار، والدواء الحار، والحمام المعتدل،
9
على ما عرف تسخبنه بهواءه وماءه. والصناعة المسخنة، وملاقات المسخنات، غير
10
المفرطة، كالاهوية والأضمدة. والسهر المعتدل، والنوم المعتدل، على الشرط المذكور،
11
والغضب على كل حال، والهم إذا لم يفرط فيبرد، والفرح المعتدل، وإيضًا العفونة،
12
وخاصيتها إحداث حرارة غريبة لاغير.
13
وفعلها غير التسخين المفرط، وغير الاحراق؛ لان التسخين دون الإحراق
14
لا محالة، ويقع كثيرًا ولايعفن. وقد يحدث قيل التعفن. فان التعفن كثيرًا مايكون بأن
15
يبقى بعد مفارقة السبب المسخن الخارجى سخونة خارجية، فيشتعل فى المادة
16
الرطبة، فيغير رطوبتها عن صلوحها، لمزاج الجوهر الدى هى فيه من غير رد اياها
17
بعد الى مزاج آخر من الامزجة النوعية الطبيعية. فانه قد يغير الحرارة الرطوبة عن
18
صلوحها لمزاج الى مزاج آخر من الأمزجة النوعية؛ ولا يكون ذلك تعفينًا بل هضمًا.
19
وأما الإحراق: فهو أن يميز الجوهر الرطب عن الجوهر اليابس تصعيدًا لذلك،
20
وترسيبًا لهذا. وأما التسخين الساذج: فهو أن تبقى الرطوبات كلها على طبائعها النوعية
21
الا انها تصير أسخن. ومن المسخنات: التكاثف فى ظاهر البدن؛ فانه يسخن بحقن
22
البخار؛ والتخلخل داخل البدن؛ فانه يسخن ببسط البخار.
23
ومن عادة جالينوس أن يحصر جميع هذه الأسباب فى خمسة أجناس: الحركة
24
غير المفرطة. وملاقاة ما يسخن لا بافراط. والمادة الحارة مما يتناول. والتكاثف.
25
والعفونة.
26
|37rb16|الفصل الثانى فى المبردات
27
أما المبردات فهى إيضًا أصناف: الحركة المفرطة لفرط تحليها للحار الغريزى؛
28
والسكون المفرط لحقنه الحار الغريزى، وكثرة الغذاء المفرطة ماكولًا، ومشروبًا.
29
وقلته المفرطة، والغذاء البارد، والدواء البارد، وملاقاة مايسخن بافراط من الأ هوية،
30
والأضمدة، ومن مياه الحمات، وشدة تخلخل البدن، فينفش عنه الحار الغريزى،
1-175
1
وطول ملاقاة مايسخن باعتدال، كطول اللبث فى الحمام. وشدة التكاف لحقن الحار
2
الغريزى، وملاقاة مايبرد بالفعل، وملاقاة مايبرد بالقوة وإن كان حارًا فى حاضر الوقت،
3
والافراط فى الإحتباس، لانه يخنق الحرارة الغريزة، والإفراط فى الإستفراغ، لأنه
4
يفقد مادة الحرارة بمافيه من إستتباع الروح، والسدد من الفضول. ومنها شدة
5
شد الأعضاء وإدامته، فانها تبرد إيضًا بسد طريق الحرارة، وكذلك الهم المفرط، والفزع
6
المفرط، والفرح المفرط، واللذة المفرطة، والصناعة المبردة، والنهؤة والفجاجة
7
المقابلة للعفونة.
8
ومن عادة جالينوس أن يحصرها فى أجناس ستة: الحركة المفرطة. والسكون
9
المفرط. وملاقاة ما يبرد، أوما يسخن جدًا؛ حتى يحلل. والمادة المبردة. وقلة الغذاء
10
بالإفراط. [وكثرة الغذاء بالافراط].
11
|37rb49|الفصل الثالث فى المرطبات
12
أسباب الترطيب كثيرة: منها السكون، والنوم، وايضًا احتباس مايستفرغ،
13
واستفراغ الخلط المجفف، وكثرة الغذاء المرطب [والدواء المرطب]، وملاقاة
14
المرطبات، لاسيما الحمام، وخصوصًا على الطعام، وملاقاة مايبرد، فيحقن الرطوبة،
15
وملاقاة مايسخن تسخينًا لطيفًا، فيسيل الرطوبة، والفرح المعتدل.
16
|37va3|الفصل الرابع فى المجففات
17
المجففات ايضًا كثيرة؛ مثل: الحركة، والسهر، وكثرة الإستفراغ، ومنها الجماع
18
وقلة الأغذية، وكونها يابسة، والأدوية المجففة، وأنواع الحركات النفسانية
19
المفرطة، وملاقاة المجففات؛ ومن ذلك الإستحمام بالمياه القابضة؛ ومن ذلك البرد
20
المجمد بما يحبس العضو من جذب الغذ اء الى نفسه؛ وبما يقبض فيحدث فيه سدد،
21
تمنع نفوذ الغذاء؛ ومن ذلك ملاقاة ما هو شديد الحرارة، فيفرط فى التحليل. حتى ان
22
من ذلك كثرة الإستحمام.
23
|37va17|الفصل الخامس فى مفسدات الشكل
24
من أسباب فساد الشكل أسباب وقعت فى الخلقة الأولى؛ فقصرت القوة المصورة،
25
أوالمغيرة التى فى المنى بسببها عن تتميم فعلها، وأسباب تقع عند الإنفصال من الرحم،
26
وأسباب تقع عند قمط الطفل وامساكه، وأسباب بادية تقع من خارج كسقطة أوضربة،
27
وأسباب تتعلق بالمبادرة الى الحركة قبل تصلب الأعضاء واستيكاعها، وايضًا أسباب
28
مرضية، كالجذام، والسل، والتشنج، والإسترخاء، والتمدد. وقد يقع بسبب من
29
السمن المفرط. وقد يكون بسبب الهزال المفرط. وقد يكون بسبب الأورام. وقد
30
يكون بسبب أمراض الوضع. وقد يكون بسبب سوء اندمال القروح وغير ذلك.
1-176
1
|37va34|الفصل السادس فى أسباب السدة وضيق المجارى
2
ان السدة تحدث أولًا اما لوقوع شئى غريب فى المجرى؛ وذلك: اما غريب
3
فى جنسه كالحصاة، أوغريب فى مقد اره كالثفل الكثير، أوغريب فى الكيفية؛ وذلك:
4
اما لغلظةه، واما للزوجته، واما لجموده كالعلقة الجامدة. فهذه أقسام الساد لوقوعه
5
فى المجرى. هذا ومن جملته ماهو لازم لمكانه فى المجرى، ومنه ما هو قلق فيه متردد.
6
وقد تعرض السدة لإلتحام المنفذ، بسبب اندمال قرحة فيه، أو لنبات شئى
7
زائد، كنبات لحم ثؤلولى ساد، أولإ نطباق المجرى لمجاورة ورم ضاغط، أولتقبض
8
برد شديد، أولشدة يبس حادث من المقبضات، أولشدة قوة من القوة الماسكة، أو
9
لعصب عصابة شديدة الشد، والشتاء يكثر فيه السدد، لكثرة احتقان الفضول، ولقبض
10
البرد.
11
|37vb1|الفصل السابع فى أسباب إتساع المجارى
12
ان المجارى تتسع: اما لضعف الماسكة، أو لحركة قوية من الدافعة. ومن هذا
13
الباب فعل حصر النفس، أو لادوية مفتحة، أولادوية مرخية حارة رطبة. والمجارى
14
تضيق لإضداد هذه وللسدة.
15
|37vb9|الفصل الثامن فى أسباب الخشونة
16
الخشونة تحدث اما لسبب شديد الجلاء بتقطيعه كالخل، والفضول الحامضة،
17
أو لتحليله؛ كزبد البحر، والفضول الحادة. أو لسبب قابض يخشن بيبوسته كالأشياء
18
العفصة. أوبارد فيخشن بتكثيفه. أولركود أجزاء أرضية على العضو كالغبار.
19
|37vb19|الفصل التاسع فى أسباب الملاسة
20
سبب الملاسة: اما مغر بلزوجته، واما محلل لطيف التحليل، يرقق المادة فيسيلها،
21
ويزيل التكاثف عن صفحة العضو.
22
|37vb25|الفصل العاشر فى اسباب الخلع ومفارقة الموضع
23
زوال العضو: اما بسبب ممدد، كمن يجذب عضو منه، ويمدد حتى ينخلع؛
24
أوحركة عنيفة على اعتماد مزيل للعضو عن موضعه، كمن ينقلب رجله؛ أوسبب مرخ
25
مرطب، كما يعرض فى القيلة، أوبسبب مفسد لجوهر الرباط بتاكيله أوتعفينه، كما
26
يعرض فى الجذام وعرق النساء.
27
|37vb36|الفصل الحادى عشر فى أسباب سوء المجاورة لمنع المقاربة
28
سببه إما غلظ، وإما اثر قرحة، وإما تشنج، وإما إسترخاء، وإما جفاف الخلط
29
فى المفصل وتحجره، وإما ولادى.
1-177
1
|37vb42|الفصل الثانى عشر فى أسباب سوء المجاورة لمنع المباعدة
2
سببه إما غلظ، وإما إلتحام أثر قرحة، وإما تشنج، وإما ولادى.
3
|37vb47|الفصل الثالث عشر فى أسباب الحركات الغير الطبيعية
4
سبها إما يبس مضعف، كالرعشة اليابسة، أويبس مشنج "كفواق اليابس،
5
والتشنج اليابس" أوفضول مشنجة، أوفضول وأسباب سادة طريق القوة، مانعة عن
6
نفوذها إلى العضو بالسدد، أوفضول موذية يبردها، كما فى النافض. أوبلذعها، كما
7
فى القشعريرة، أو لغور من الحرارة الغريزية وقلتها، فيستظهر العضل برد وتحدث
8
ريح يطلب التحلل والتخلص، كما فى الإختلاج. ونقول: إن هذه المادة الموذية:
9
إما بخارية يسيرة، فيحدث التمطى؛ أوأقوى منه، فيحدث الأعياء التعبى، إن "كانت
10
ساكنة"؛ وتحدث أنواعًا من الأعياء الآخر التى سنذكرها إن " كانت متحركة".
11
وإن كانت أقوى، أحدث القشعريرة؛ وإن كانت أقوى، أحدثت النافض.
12
والمادة الريحية إذا احتبست فى العضلة، أحدثت الإختلاج.
13
|38ra12|الفصل الرابع عشر فى أسباب زيادة العظم والعدد
14
هى كثرة المادة؛ وشدة القوى الجاذبة فى نفسها. وشدة القوى الجاذبة لمعونة
15
الدلك، والتسخين بالأضمدة مثل ضماد الزفت، ومايشبه ذلك. وهذا يخص العظم
16
دون العدد.
17
|38ra21|الفصل الخامس عشر فى أسباب النقصان
18
هذه إما واقعة فى أصل الخلقة كنقصان المادة، أوخطأ القوة الجابلة وضعفها.
19
وإما آفات واقعة تارة من خارج، كالقطع والضرب؛ وافساد البرد. وتارة من داخل
20
كالتأكل والعفونة.
21
|38ra29|الفصل السادس عشر فى أسباب تفرق الإتصال
22
هذه إما من داخل، وإما من خارج. والتى من داخل فمثل خلط أكال؛
23
أومحرق؛ أو مرطب مرخ؛ او ميبس صادع؛ أو مثل إمتلاء ريحى ممدد؛ أو ريحى
24
غارز؛ أو خلطى ممدد لحركة الخلط منتفضًا؛ أو نافذًا فى البدن، ليميره حركة قوية؛
25
أوخلطى غارز.
1-178
1
وجميع ذلك إما لشدة الحركة، أولكثرة المادة. مثل شدة حركة من الدافعة
2
لا على المجرى الطبيعى؛ ومثل حركة على الإمتلاء؛ ومما يشبهها من الصياح الشديدة
3
والوثبة؛ ومثل إنفجار الأورام.
4
وأما الأسباب التى من خارج فمثل جسم يمد، كالحبل وكالأثقال. أويقطع
5
كالسيف؛ أويحرق كالنار؛ أويرض كالحجر؛ فان مثل هذا إن وجد خلاء شدخ؛
6
أوامتلاءً صدع الأوعية؛ أومثل جسم يثقب كالسهم؛ أوينهش أويعض، كالكلب الكلب،
7
والأفعى، والإنسان.
8
|38ra50|الفصل السابع عشر فى أسباب القرحة
9
هى إما ورم ينفجر، وإما جراحة تتقيح، وإما بثور تتأكل.
10
|38ra53|الفصل الثامن عشر فى اسباب الورم
11
هذه الأسباب بعضها من المادة؛ وبعضها من هئية العضو. فأما الكائنة من
12
جهة المادة: فالامتلاء من الأشياء الستة المذكورة. وأما الكائنة من جهة هيئات الأعضاء:
13
فقوة العضو الدافع. وضعف العضو القابل وتهيئوه لقبول الفضل، إما بطبع جوهره؛
14
وإنه خلق كذلك كالجلد. أولسخافته، مثل اللحم الرخو فى المعاطف الثلاثة: خلف
15
الأذن من العنق، والإبط، والاربية، أولاتساع الطرق إليه، وضيق الطرق عنه،
16
أو لوضعه من تحت، أو لصغره، فيضيق عما يأتيه من مادة الغذاء؛ وإما لضعفه عن
17
هضم غذاءه لآفة فيه، وإمالضربة تحقن فيه المادة، وإما لفقدانه تحلل ما يتحلل عنه بالرياضية،
18
وإما لحرارة مفرطة فيه فتجذب. وتلك الحرارة إما طبيعية كما للحم، أو مستفادة
19
أحدثها وجع، أوحركة عنيفة، أوشىء من المسخنات.
20
والكسر يحدث الورم لشىء من هذه الأسباب المذكورة. مثل الرض، و
21
ضغط العضو، والتمديد الذى به يجبر. والعظم نفسه، بل السن، قد يرم؛ لأنه يقبل
22
النمو من الغذاء ويقبل الإبتلال والعفونة، فيقبل الورم.
23
|38rb26|الفصل التاسع عشر فى أسباب الوجع على الإطلاق
24
ولان الوجع هوأحد الأحوال الغير الطبيعية، العارضة لبدن الحيوان، فلنتكلم
25
فى أسبابه كلامًا كليًا فنقول: إن الوجع هو الإحساس بالمنافى. وجملة أسباب الوجع
26
منحصرة فى جنسين. جنس تغير المزاج دفعة، وهو سؤ المزاج المختلف؛ وجنس
27
تفرق الإتصال. وأعنى سوء المزاج المختلف: أن يكون للأعضاء فى جواهرها مزاج
28
متمكن، ثم يعرض عليها مزاج غريب مضاد لذلك، حتى يكون أسخن من ذلك، أو
1-179
1
أبرد؛ فتحس القوة الحساسة بورود المنافى فتتألم؛ فان الألَم أن يحس الموثر المنافى
2
منافيًا.
3
وأما سوء المزاج المتفق فهو لايؤلم البتة، ولايحس به، مثل أن يكون المزاج
4
الردى قد يمكن من جوهر الأعضاء، وأبطل المزاج الأصلى، وصار كأنه المزاج الأصلى.
5
وهذا لايوجع؛ لأنه لايحس. لأن الحاس يجب أن ينفعل من المحسوس. والشئ
6
لاينفعل عن الحالة المتمكنة التى لاتغيره فى حالة فيه. بل انما ينفعل عن الضد الوارد،
7
المغير إياه إلى غير ما هو عليه. ولهذا مالايحس صاحب حمى الدق من الإلتهاب،
8
مايحس به صاحب حمى الدق اليوم، أو صاحب حمى الغب. مع أن حرارة حمى
9
الدق أشد كثيرًا من حرارة صاحب حمى الغب. لأن حرارة حمى الدق مستحكمة
10
مستقرة فى جوهر الأعضاء الأصلية. وحرارة الغب واردة، من مجاورة خلط على أعضاء،
11
محفوظ فيها مزاجها الطبيعى بعد، بحيث إذا تنحى عنها الخلط، بقى العضو منها على
12
مزاجه، ولم تثبت فيه الحرارة. إلا أن تكون قد تشبثت، وانتقلت العلة إلى الدق.
13
وسوء المزاج المتفق إنما يتمكن من العضو بتدريج. وقد يوجد فى حال
14
الصحة مثال، يقرب هذا إلى الفهم. وهو أن المغافص بالإستحمام شتاء إذا استحكم
15
بالماء الحار بل بالفاتر، عرض له منه إشميزاز، لأن كيفية بدنه بعيدة عنه، مضادة إياه.
16
ثم يألفه فيستلذه، كما يتدرج إلى الإستحالة عن حالة البرد العامل فيه. ثم إذا قعد ساعة
17
فى الحمام الداخل، فربما يتفق أن يصير بدنه أسخن من ذلك الماء، فاذا غوفص بصب
18
الماء الاول بعينه عليه، إقشعر منه على أنه يستبرده.
19
فاذا علمت هذا فنقول: إنه وإن كان أحد جنسى أسباب الالم هوسؤ المزاج
20
المختلف؛ فليس كل سؤ مزاج مختلف. بل الحار بالذات، والبارد بالذات، واليابس
21
بالعرض، والرطب لايولم البتة. لأن الحار والبارد كيفيتان فاعلتان، واليابس والرطب
22
كيفيتان إنفعاليتان؛ قوامهما ليس بأن يؤثر بهما جسم فى جسم، بل بأن يتأثرجسم من جسم.
23
واما اليابس فانما يولم بالعرض؛ لانه قد يتبعه سبب من الجنس الآخر، وهو تفرق
24
الإتصال. لأن اليابس لشدة التقبيض ربما كان سببًا لتفرق الإتصال.
25
وأما جالينوس فانه اذا حقق مذهبه، رجع الى ان السبب الذاتى للوجع هو
26
تفرق الإتصال لاغير. وان الحار انما يوجع لانه يفرق الإتصال. وان البارد انما يوجع ايضًا
27
لأنه يلزمه تفرق الإتصال؛ وذلك لأنه لشدة تكثيفه وجمعه يلزمه لامحالة أن ينجذب
28
الأجزاء الى حيث يتكاثف عنده، فيتفرق من جانب ما ينجذب عنه. وقد تمادى هو فى
29
هذا الباب، حتى أوهم فى بعض كتبه أن جميع المحسوسات توذى بمثل ذلك، أعنى
30
توذى بتفريق، أوجمع يلزمه تفريق. فالأسود فى المبصرات يولم لشدة جمعه، و
31
الأبيض لشدة تفريقه. والمر، والمالح، والحامض يولم فى المذوقات بفرط تفريقه؛
1-180
1
والعفص بفرط تقبيضه، فيتبعه التفريق لا محالة. وكذلك فى الشم. وكذلك فى الأصوات
2
القوية، تولم بالتفريق لعنف من الحركة الهوائية عند ملاقاة الصماخ.
3
فأما القول فى هذا الباب: فهو ان يجعل تغير المزاج جنسًا موجبًا بذاته الوجع
4
وان كان يعرض معه تفرق اتصال. والبيان المحقق فى هذا ليس فى الطب، بل فى الجزء
5
الطبيعى من الحكمة؛ الا انا قد نشير الى طرف يسير منه فنقول: ان الوجع قد يكون
6
متشابهة الأجزاء فى العضو الوجع، وتفرق الإتصال لايكون متشابهة الأجزاء البتة. فاذن
7
وجود الوجع فى الاجزاء الخالية عن تفرق الإتصال، لا يكون عن تفرق الاتصال،
8
بل يكون عن سوء المزاج. وايضًا فان البرد يوجع حيث يقبض ويجمع، وحيث يبرد
9
بالجملة، وتفرق الاتصال عن البرد لايكون حيث يبرد، بل فى أطراف الموضع المتبرد.
10
وايضًا فان الوجع لامحالة هو احساس بمؤثر مناف بغتة، من حيث هو مناف. فالموجع
11
هو المحسوس المنافى بغتة، والحد ينعكس، فكل محسوس مناف من حيث هو مناف موجع.
12
أرأيت اذا أحس بالبرد المفسد للمزاج، من حيث يفسد المزاج، فكان مثلًا لايحدث
13
عنه تفرق الإتصال، هل كان يكون ذلك احساسًا بمناف؟ فهل كان يكون وجعًا؟ فمن
14
هذا يعرف أن تغير المزاج دفعة، سبب الوجع كتفرق الإتصال. والوجع يثير الحرارة،
15
فيثير الوجع. وقد يبقى بعد الوجع شئى له حس الوجع، وليس هو بوجع حقيقى، بل
16
هو من جملة مايتحلل بذاته. والجاهل مشتغل بعلاجه فيضرّ به.
17
|38vb18|الفصل العشرون فى أسباب وجع وجع
18
أصناف الاوجاع التى لها أسماء هى هذه: الحكاك. الخشن. الناخس. الضاغط.
19
الممدد. المفسخ. المكسر. الرخو. الثاقب. المسلى. الخدرى الضربانى. الثقيل.
20
الإعيائى. اللاذع. فهذه خمسة عشر جنسًا. سبب الوجع الحكاك خلط حريف أومالح.
21
سبب الوجع الخشن خلط خشن.
22
سبب الوجع الناخس سبب ممدد للغشاء عرضًا. كالمفرق لإتصاله. وقد يكون
23
متساويًا فى الحس، وقد لا يكون متساويًا. والغير المتساوى فى الحس: اما لأن مايتمدد
24
عليه الغشاء ويلامسه غير متشابهة الأجزاء فى الصلابة واللين؛ كالترقوة فى الغشاء المستبطن
25
للاضلاع اذا كان الورم فى ذات الجنب جاذبًا الى أعلاه. أويكون غير متشابهة
26
الأجزاء فى حركته. كالحجاب لذلك الغشاء. أولأن حس العضو غير متشابهة الأجزاء:
27
اما بالطبع، واما لان آفة عرضت لبعض أجزاءه دون بعض. وسبب الوجع الممدد
28
ريح، أوخلط يمدد العصب والعضل، كانه يجذبه الى طرفيه. والوجع الضاغط سببه
29
مادة تضيق على العضو المكان؛ أوريح تكتنفه، فيكون كانه مقبوض عليه فيضغط.
1-181
1
وسبب الوجع المفسخ هو مادة مايتخلل بين العضلة وغشاءها، فيمدد الغشاء،
2
فيفرق اتصال الغشاء، بل العضلة. وسبب الوجع المكسر مادة أوريح يتوسط مابين العظم
3
والغشاء المجلل له. أوبرد فيقبض ذلك الغشاء بقوة. وسبب الوجع الرخو مادة تمدد
4
لحم العضلة، دون وترها. وإنما سمى رخو، لأن اللحم أرخى من العصب، والوتر،
5
والغشاء. وسبب الوجع الثاقب هو مادة غليظة، أوريح تحتبس فيما بين طبقات عضو
6
صلب غليظ كجرم معى قولون، ولايزال يمزقه وينفذ فيه؛ فيحس كانه يثقب بمثقب.
7
وسبب الوجع المسلى تلك المادة بعينها فى مثل ذلك العضو؛ إلا أنها محتبسة فى وقت
8
تمزيقها. وسبب الوجع الخدرى: إما مزاج شديد البرد، أو إنسداد مسام منافذ الروح
9
الحساس، الجارى إلى العضو بعصب؛ أو إمتلاء أوعية.
10
وسبب الوجع الضربانى ورم حار غير بارد؛ إذ البارد كيف كان صلبًا أولينًا،
11
فانه لايوجع، إلا أن يستحيل إلى الحار. وإنما يحدث الورم الضربانى من الورم الحار
12
على هذه الصفة، إذا حدث ورم حار، وكان العضو المجاور له حساسًا، وكان بقربه
13
شريان يضرب دائمًا. لكنه لما كان ذلك العضو سليمًا، لم يحس [صاحبه] بحركة
14
الشريان فى غوره، فاذا ألم وورم، صار ضربانه موجعًا. وسبب الوجع الثقيل ورم
15
فى عضو غير حساس، كالرئة، والكلية، والطحال؛ فان ذلك الورم لثقله ينجذب
16
إلى أسفل؛ فيجذب العضو باللفافة الحساسة المحيطة، وبالعلاقة التى منها منبت اللفافة،
17
فتحسن اللفافة والعلافة بانجذابه إلى أسفل. أوورم فى عضو حساس، إلا
18
أن نفس الألم قد أبطل حس العضو. مثل السرطان فى فم المعدة، فانه يحس بثقله،
19
ولا يوجع لإبطاله الحس.
20
وسبب الوجع الأعيائى إماتعب. فيسمى ذلك الوجع إعياءً تعبيًا. وإما خلط
21
ممدد، ويسمى ما يحدث عنه الاعياء التمددى. وإما ريح ويسمى ما يحدث عنه الاعياء
22
النافخ. وإما خلط لاذع، ويسمى ما يحدث عنه الاعياء القروحى. ويتركب منها
23
تراكيب، كما نبينها فى الموضع الأخص بها. ومن جملة المركبات الاعياء المعروف
24
بالورمى؛ وهو مركب من تمدى ومن قروحى. والوجع اللاذع هو من خلط له كيفية
25
حادة.
26
|39ra40|الفصل الحادى والعشرون فى أسباب سكون الوجع
27
سبب سكون الوجع: إما بما يقطع السبب الموجب إياه، ويستفرغه كالشبت،
28
وبرز الكتان إذا ضمدبه الموضع الألم. وإما بما يرطب وينوم؛ فتغور القوة الحساسة،
29
ويترك فعلها كالمسكرات. وأما مايبرد فيحدث خدرًا مثل جميع المخدرات. والمسكن
30
الحقيقى هو الأول.
1-182
1
|39ra50|الفصل الثانى والعشرون فى موجبات الوجع
2
الوجع يحل القوة. ويمنع الأعضاء عن خواص أفعالها، حتى يمنع أعضاء
3
التنفس عن التنفس، أويشوش عليها فعلها، أويجعله متقطعًا أومتواترًا؛ وبالجملة
4
على مجرى غير الطبيعى. وقد يسخن العضو أولًا، ثم يبرد أخيرًا بما يحلل وبما يهزم من
5
الروح والحياة.
6
|39rb1|الفصل الثالث والعشرون فى أسباب اللذة
7
هذه ايضا محصورة فى جنسين: أحدهما جنس ما يغير المزاج الغير الطبيعى
8
دفعة، ليقع به الإحساس. والثانى جنس مايرد الإتصال الطبيعى دفعة. وكل ما يقع لادفعة؛
9
فانه لايحس، فلا يلذ. واللذة حس بالملائم؛ وكل حس فهو بقوة حساسة، ويكون
10
الإحساس بانفعالها. فاذا كان بملائم اوبمناف، كان لذة أو ألمًا بحسب مايتأثر. ولما كان
11
اللمس اكثف الحواس، وأشدها إستحفاظًا لما يقبله من تاثير مناف أوملائم، كان
12
إحساسه الملائم، عند ذوى الطبيعية الكثيفة، أشد الذاذًا، وإحساسه المنافى أشد إيلامًا
13
من الذى يخص قوى أخر.
14
|39rb20|الفصل الرابع والعشرون فى كيفية إيلام الحركة
15
الحركة توجع لمايحدث من تمديد أو رض أوفسخ.
16
|39rb24|الفصل الخامس والعشرون فى كيفية إيلام الاخلاط الرديئة.
17
الأخلاط الردئية توجع: إما بكيفيتها كما تلذع، أوبكثرتها كما تمدد، أو
18
باجتماع الأمرين جميعًا.
19
|39rb30|الفصل السادس والعشرون فى كيفية ايلام الرياح
20
الريح توجع بالتمديد. والريح الممددة: اما أن تكون فى تجاويف الأعضاء
21
وبطونها، كالنفخة فى المعدة. أوفى طبقات الأعضاء وليفها؛ كما فى القولنج الريحى.
22
أوفى طبقات العضل، أوتحت الأغشية، وفوق العظام، أوحول العضل، بينها وبين اللحم،
23
اوالجلد. أو مستبطنًا لعضو، كما يستبطن عضل الصدر. وسرعة انفشاشه، أوطول لبثه،
24
فهو بحسب كثرة مادته وقلتها، وغلظ مادته ورقتها، واستحصاف العضو
25
وتخلخله.
1-183
1
|39rb47|الفصل السابع والعشرون فى أسباب ما يحتبس ويستفرغ
2
أسباب الإحتباس والاستفراغ، يسهل الوقوف عليهما، من تأمل ماقلناه فى
3
الإحتباس والإستفراغ. فليقرأ من هنالك.
4
|39rb52|الفصل الثامن والعشرون فى أسباب التخمة والإمتلاء
5
هذه اما من خارج، ومن البادية؛ فمثل استعمال ما يشتد ترطيبه، فلا يفتقر البدن
6
الى ترطيب الماكول والمشروب. فاذا اجتمعا معًا، كثرت المادة فى البدن، وفسد
7
تصرف الطبع فيها؛ مثل الإستكثار من الحمام، وخصوصًا بعد الطعام؛ وموانع التحلل،
8
مثل الدعة، وترك الرياضة، والإستفراغ. والترفه فى الماكول والمشروب،
9
وسؤ التدبير. وأمامن داخل، فهو مثل ضعف القوة الهاضمة، فلا يهضم، أوضعف الدافعة،
10
أوقوة الماسكة، فتنحصر الأخلاط ولاتندفع، أوضيق المجارى.
11
|39va12|الفصل التاسع والعشرون فى أسباب ضعف الأعضاء
12
اما ان يكون سبب الضعف واردًا على جرم العضو؛ أو على الروح الحامل للقوة
13
المتصرفة فى العضو؛ أوعلى نفس القوة. والذى يكون السبب فيه خاصًا بالعضو: فاما
14
سؤ مزاج مستحكم، وخصوصًا البارد. على أن الحار قد يفعل بما يضعف فعل البارد فى
15
الأخدار لإفساده مزاج الروح. كما يعرض لمن أطال المقام فى الحمام، بل لمن
16
غشى عليه. واليابس يمنع القوى عن النفوذ بتكثيفه. والرطب بارخاءه وسده.
17
واما مرض من أمراض التركيب: والأخص منه بما يكون الإنسان معه غير ظاهر
18
الأذى، والمرض، والالم، هو تهلهل نسج ذلك العضو فى عصبه؛ اذ كانت الأفعال
19
الطبيعية كلها والإرادية، انما تتم بالليف وتاليفه. والهضم ايضًا يفتقر الى الإمساك
20
الجيد على هيئة جيدة؛ وذلك بالليف. والذى يكون فيه السبب خاصًا بالروح فهو:
21
اما سؤ مزاج، واما تحلل باستفراغ يخصه، أو يكون على سبيل اتباع لإستفراغ غيره.
22
والذى يخص بالقوة فكثرة الأفعال وتكررها فانها توهن القوة، وان كان قد يصحب
23
ذلك تحلل الروح على سبيل صحبة سبب لسبب.
24
فاذا عددنا الأسباب على جهة أخرى، وأوردنا فيها الأسباب البعيدة، التى هى أسباب
25
للاسباب الملاصقة، فيحدث منها أسباب سؤ المزاج. ومنها فساد الهوى، والماء، والمآكل.
26
ومنها ما يفزع الروح أولًا، مثل النتن، وآسن الماء، وانتشار القوى السمية فى الهواء أوفى
27
البدن. ومن جملة أسباب الضعف ما يتعلق بالإستفراغ، مثل نزف الدم،
28
والإسهال؛ خصوصًا فى رقيق الأخلاط؛ وبزل مائية الإستسقاء، اذا أرسل منها شئى كثير
29
دفعة. وبط الدبيلة الكبيرة، اذا سال منها مدة كثيرة دفعة؛ وكذلك اذا انفجرت.
1-184
1
والعرق الكثير. والرياضة المفرطة. والأوجاع ايضًا، فانها تحلل الروح وان كانت
2
قد تغير المزاج.
3
ومن جملة هذه الأوجاع ماهو اكثر تاثيرًا، مثل وجع فم المعدة، كان ممددًا
4
أو لاذعًا، وكل وجع يقرب من نواحى القلب. والحميات مما يضعف بالتحليل
5
والاستفراغ من الدم والروح؛ وتبد يل المزاج. وسعة المسام من المعاون على حدوث
6
الضعف التحللى. والجوع الكثير من هذا القبيل. وربما كان ضعف البدن كله تابعًا
7
لضعف عضو، أوجزء عضو. مثل ضعف البدن بأذى يصيب فم المعدة حتى ينحل
8
قوته، وحين يكون قلبه ودماغه شديدى الإنفعال من الموذيات اليسيرة؛ فيكون
9
هذا الانسان سريع الضجر والإنحلال من أدنى شئى. وربما كان سبب الضعف كثرة
10
مقاساة الأمراض. وقد يكون بعض الأعضاء فى الخلقة أضعف من بعض؛ أو أضعف
11
من غيره، كالرئة والدماغ؛ فيكون قبولًا لما يدفعه القوى فى الخلقة عن نفسه. ولولم
12
يخص الدماغ بارتفاع موضعه، لكان يمنى من هذا الباب بما لا يطيق، ولا يبقى معه
13
قوة. فاعلم جميع ذلك.
14
|39vb24|التعليم الثالث من الفن الثانى
15
وهو احد عشرفصلًا وجملتان
16
|39vb26|الفصل الأول كلام كلى فى الاعراض والدلائل
17
الأعراض والعلامات. تدل على احدى الحالات الثلاث المذكورة احدى ثلاث
18
دلالات: اما على أمر حاضر، قال جالينوس: وينتفع به المريض وحده، فيما ينبغى أن
19
يفعل. واما على أمر ماض، قال جالينوس: وينتفع به الطبيب وحده، اذ قد يستدل
20
بذلك على تقدمه فى صناعته، فتزداد الثقة بمشورته. واما على أمر مستقبل، قال:
21
وينتفعان به جميعًا. أما الطبيب فيستدل به على تقدمه فى معرفته؛ وأما المريض فيوقف
22
منه على واجب تدبيره.
23
العلامات الصحية: منها مايدل على اعتدال المزاج. وسنذكره فى موضعه. ومنها مايدل على
24
استواء التركيب. فمنها جوهرية؛ وهى مثل أن تكون الخلقة، والوضع، والمقدار،
25
والعدد على ماينبغى. وقد فصلت هذه الاقاويل. ومنها عرضية بمنزلة الحسن والجمال.
26
ومنها تمامية، وهى من تمام الأفعال، واستمرارها على الكمال. فكل عضوتم فعله
27
فهو صحيح. ووجه الإستدلال من الأفعال على الأعضاء الرئيسية: أما على الدماغ
28
فباحوال الافعال الإرادية، وأفعال الحس، وأفعال التوهم. وأما على القلب فبالنبض
1-185
1
والتنفس. وأما على الكبد فبالبراز والبول، فان ضعفها يتبعه براز وبول شبيهان بغسالة
2
اللحم الطرى.
3
والاعراض الدالة على الأمراض: منها دالة على نفس المرض، كاختلاف النبض فى السرعة فى الحمى،
4
فانه يدل على نفس الحمى. ومنها دالة على موضع المرض كالنبض المنشارى، اذا كان
5
الوجع فى نواحى الصدر، فانه يدل على أن الورم فى الغشاء والحجاب؛ وكالنبض
6
الموجى فى مثله، فانه يدل على أن الورم فى جرم الرئة. ومنها دالة على سبب المرض
7
كعلامات الإمتلاء واختلاف احوالها الدال كل فن منها على فن من الإمتلاء.
8
والأعراض: منها ماهى موقتة تبتدئى وتنقطع مع المرض. كالحمى الحادة، والوجع
9
الناخس، وضيق النفس، والسعال [اليابس]، والنبض المنشارى مع ذات الجنب.
10
ومنها ماليس له وقت معلوم. فتارة تتبع المرض، وتارة لاتتبع، مثل الصداع للحمى. ومنها
11
ما تأنى آخر الأمر، فمن ذلك علامات البحران، ومن ذلك علامات النضج، ومن ذلك
12
علامات عدم النضج؛ ومن ذلك علامات العطب. وهذه اكثرها فى الامراض
13
الحادة.
14
والعلامات: منها مايدل على أمراض فى ظاهر الأعضاء، وهى ماخوذة إما من المحسوسات
15
الخاصة، مثل أحوال اللون، واحوال اللمس فى الصلابة واللين، والحر والبرد وغير
16
ذلك. وإما من المحسوسات المشتركة، وهى الماخوذة من خلق الأعضاء، وأوضاعها،
17
وحركاتها، وسكوناتها. وربما دل ذلك منها على الأحوال الباطنة، مثل إختلاج
18
الشفة على القئ. ومقاديرها، وأعدادها، هل زادت أو نقصت. وربما دل ذلك منها
19
على أحوال أعضاء باطنة، مثل قصر الأصابع على صغر الكبد.
20
والاستدلال من [البراز] مثل [مافى] اليرقان هل هو أسود أوأصفر، وعلى
21
ماذا يدل، بصرى. ومن القراقر على النفخ، وسوء الهضم سمعى. ومن هذا القبيل
22
الإستدال من الروائح، ومن طعوم الفم وغير ذلك. والإستدلال من تحدب الظفر على
23
السل والدق بصرى، ولكن من باب المحسوسات المشتركة. وقد يدل المحسوس
24
الظاهر منها على أمر باطن، كما يدل حمرة الوجنة على ورم الرئة، وتحدب الظفر
25
على قرحة الرئة. والإستدلال من الحركات والسكونات مما يقتضى فضل بسط
26
نبسطه.
27
والاعراض الماخوذة من باب السكون، وهى مثل السكتة، والصرع، والغشى،
28
والفالج. والماخوذة من باب الحركة، فهى مثل القشعريرة، والنافض، والفواق،
29
والتثاؤب، والتمطى، والسعال، والإختلاج، والتشنج، عندما يبتدئ بتشنج. فمن
1-186
1
ذلك ماهو عن فعل الطبيعة الأصلية، كالفواق، ومن ذلك ما هو عن فعل طبيعة عارضة،
2
كالتشنج، والرعشة. ومنها ماهى ارادية صرفة، كالقلق والململة. ومنها ماهى مركبة
3
من طبيعية وإرادية، مثل السعال والبول. فمن ذلك ماتسبق فيه الإرادة الطبيعة، مثل
4
السعال. ومنها ماتسبق فيه الطبيعة الارادة إذا لم تبادر إليها الإرادة مثل البول والبراز.
5
والعارض عن طبيعة دون إرادة: منها مايكون المنبه عليه الحس كالقشعريرة. ومنها
6
مالاينبه عليه الحس، لأنه لايحس كالإختلاج.
7
وهذه الحركات تختلف: إما باختلاف ذواتها، فان السعال أقوى فى نفسه
8
من الإختلاج. وإما باختلاف عدد المحركات، فان العطاس أكثر عدد محركات
9
من السعال. لان السعال يتم بتحريك أعضاء الصدر، وأما العطاس فيتم باجتماع
10
تحريك أعضاء الصدر والرأس جميعًا. وإما بمقدار الخطر فيها. فان حركة الفواق
11
اليابس أعظم خطرًا من حركة السعال. وإن كان السعال أقوى. وإما بماتستعين به
12
الطبيعة. فقد تستعين بآلة ذاتية أصلية، كما تستعين فى إخراج الثفل بعضل البطن،
13
وقد تستعين بآلة غريبة، كما تستعين فى السعال بالهواء. وإما باختلاف المبادى لها من
14
الأعضاء مثل السعال [والتهوع]. وإما باختلاف القوى الفعالة. فان الإختلاج مبدأه
15
طبيعى، والسعال نفسانى. وإما باختلاف المادة. فان السعال عن نفث، والإختلاج
16
عن ريح. فهذه علامات تدل فى ظاهر الأعضاء، واكثر دلالتها على أحوال ظاهرة.
17
وقد تدل على الباطنة؛ كحمرة الوجنة على ذات الرئة.
18
ومن العلامات علامات يستدل بها على الأمراض الباطنة. وينبغى أن يكون
19
المستدل بها على الأمراض الباطنة، قد تقدم له العلم بالتشريح؛ حتى يحصل منه
20
معرفة جوهر كل عضو، أنه هلى هو لحمى، أو غير لحمى. وكيف خلقته؛ ليعرف مثلًا
21
أنه هل هذا الورم بهذا الشكل فيه، أوفى غيره من جهة أنه هل هو مناسب لشكله،
22
أوغير مناسب. وليعرف أنه هل يجوز أن يحتبس فيه شىء، أو لايجوز، إذ هو مزلق لما يحصل
23
فيه كالصائم. وان كان يجوز أن يحتبس فيه شئى، أويزلق منه شئى، فما الشىء الذى يجوز
24
أن يحتبس فيه أويزلق. وحتى يعرف موضعه، فيقضى بذلك على ما يحس من وجع
25
أو ورم، هل هو عليه، أوعلى بعد منه. وحتى يعرف مشاركته، حتى يقضى على أن الوجع
26
له من نفسه، أوبالمشاركة. وأن المادة انبعثت فيه من نفسه، أو وردت عليه من شريكه.
27
وان ما انفصل منه، هو من جوهره، أوهو مما ينفذ فيه المنفصل عن غيره. وحتى يعرف
28
أنه على ماذا يحتوى، فيعرف أنه هل يجوز ان يكون مثل المستفرغ، مستفرغًا عنه.
29
وأن يعرف فعل العضو، حتى يستدل بمرضه من حصول الآفة فى فعله. هذا
30
كله مما يوقف عليه بالتشريح. ليعلم أنه لا بد للطبيب، المحاول تدبير أمراض الأعضاء
31
الباطنة، من التشريح. فاذا حصل له علم التشريح، فيجب أن يعتمد بعد ذلك فى
1-187
1
الإستدلال على الأمراض الباطنة [على] قوانين ستة. أولها من مضار الأفعال.
2
وقد علمت الأفعال بكيفيتها وكميتها. ودلالتها دلالة أولية دائمة. والثانى مما بستفرغ.
3
ودلالتها دائمة، وليست باولية. أما دائمة فلانها توقع التصديق دائمًا. وأما غير
4
أولية، فلانها تدل بتوسط النضج وعدم النضج. والثالث من الوجع. والرابع من الورم.
5
والخامس من الوضع. والسادس من الأعراض الظاهرة المناسبة. ودلالتها ليست بأولية
6
ولا دائمة.
7
ولنفصل القول فى واحد واحد منها: أما الاستدلال من الأفعال، فهو انه اذا
8
لم يجر الفعل على المجرى الطبيعى الذى له، دل على أن القوة أصابتها آفة، وآفة القوة
9
تتبع مرضًا فى العضو الذى القوة فيه. ومضار الأفعال على وجوه ثلاثة: فان الأفعال
10
اما أن تنقص، كالبصر لضعف رويته، فيرى الشئى أقل اكتناهًا، ومن أقرب مسافة. والمعدة
11
تهضم أعسر وأبطأ واقل مقدارًا. واما ان تتغير، كالبصر يرى ما ليس، أو يرى الشئى
12
رويته على غير ما هو عليه. وكالمعدة تفسد الطعام، وتسئى هضمه. واما ان تبطل أصلًا،
13
كالعين لا يرى، والمعدة لا تهضم البتة.
14
وأما دلائل [الامراض من جهة] ما يستفرغ ويحتبس فمن وجوه: اما أن
15
تدل من طريق احتباس غير طبيعى، مثل احتباس شئى، من شانه أن يستفرغ، كمن
16
يحتبس بوله أو برازه. أو تدل من طريق استفراغ غير طبيعى، وذلك اما لأنه من جوهر
17
الأعضاء؛ واما لا كذلك.
18
والذى يكون من جوهر العضو، فيدل بوجوه ثلاثة: لانه إما ان يدل بنفس
19
جوهره، كالحلق المنفوثة، تدل على تأكل فى قصبة الرئة. وإما أن يدل بمقداره،
20
كالقشرة البارزة فى السحج، فانها إن كانت غليظة، دلت على أن القرحة فى الأمعاء الغلاظ،
21
أو رقيقة، دلت على أنها فى الرقاق. وإما أن يدل بلونه، كالرسوب القشرى الأحمر،
22
فانه يدل على أنه من الأعضاء اللحمية كالكلية؛ والأبيض يدل على أنه من الأعضاء
23
العصبية كالمثانة.
24
والذى يدل على أنه لا من جوهر الأعضاء، فيدل إما لأنه غير طبيعى الخروج،
25
كالأخلاط السليمة والدم إذا خرج. وإما لأنه غير طبيعى الكيفية، كالدم الفاسد،
26
كان معتاد الخروج أو لم يكن. وإما لأنه غير طبيعى الجوهر على الإطلاق مثل الحصاة.
27
وإما لأنه غير طبيعى المقدار، وإن كان طبيعى الخروج. وذلك إما بأن يقل أو يكثر،
28
كالثفل والبول القليلين والكثيرين. وإما لأنه غير طبيعى الكيفية، وإن كان معتاد الخروج،
29
كالبراز والبول الأسودين. وإما أن لانه غير طبيعى جهة الخروج، وإن كان معتاد
30
الخروج، مثل البراز إذا خرج فى علة إيلاوس من فوق.
1-188
1
وأما دلائل الوجع فهى تنحصر فى جنسين: وذلك إن الوجع إما أن يدل
2
بموضعه، فانه مثلًا إن كان عن اليمين فهو فى الكبد؛ وإن كان فى اليسار فهو فى
3
الطحال. وقد يدل بنوعه على سببه، على ما فصلناه فى تعليم الأسباب. مثلا إن كان
4
ثقيلًا دل على ورم فى عضو غير حساس، أو باطل حسه، والممدد يدل على مادة كثيرة؛
5
واللذاغ على مادة حادة.
6
وأما دلائل الورم فمن ثلاثة أوجه: إما من جوهره، كالحمرة على الصفراء،
7
والصلب على السوداء. وإما من موضعه، كالذى يكون فى اليمين، فيدل مثلًا على
8
على أنه عند الكبد، أو فى اليسار، فيدل على أنه فى ناحية الطحال. وإما بشكله، فانه
9
إن كان عند اليمين وكان هلاليًا، دل على أنه فى نفس الكبد، وإن كان مطاولًا،
10
دل على أنه فى العضلة التى فوقها.
11
وأما دلائل الوضع: فاما من المواضع، وإما من المشاركات. وأما من
12
الموضع فظاهر. وأما من المشاركات، فكما يستدل على ألم فى الإصبع من سبب
13
سابق، إنه لآفة عارضة فى الزوج السادس من أزواج عصب العنق.
14
|40vb28|الفصل الثانى فى علامات الفرق بين الأمراض الخاصة والمشاركة فيها.
15
ولما كانت الأمراض تعرض بديًا فى عضو، وقد تعرض بالمشاركة، كما
16
يشارك الرأس المعدة فى أمراضهما؛ فواجب أن نحدد الفرق بين الأمرين بعلامة فاصلة،
17
فنقول: إنه يجب أن يتأمل أيهما عرض أولًا، فيحدس أنه الأصلى، والآخر مشارك؛
18
ويتأمل أيهما يبقى بعد فناء الثانى، فيحدس أنه الأصلى، والآخر مشارك. وبالضد.
19
فان المشارك هو الذى يحدس من أمره أنه، هو الذى يعرض أخيرًا، وانه يسكن سكون
20
الأول. لكنه قد يعرض من هذا غلط، وهو أنه ربما كانت العلة الأصلية غير محسوسة
21
وغير مولمة فى ابتداءها، ثم يحس ضررها بعد ظهور المرض الشركى، وهو بالحقيقة عارض
22
بعدها، تال لها، فيظن بالمشارك والعارض، أنه الأصلى والمرض؛ أو ربما لم يفطن
23
ولا بالعارض وحده، "وغفل عن الاصلى اصلًا"
24
وسبيل التحرز من هذا الغلط أن يكون الطبيب عالمًا بتشارك الأعضاء، وذلك
25
من علمه بالتشريح؛ وعارفًا بالآفات الواقعة بعضو عضو، ما كان منها محسوسًا، أو غير
26
محسوس؛ فيتوقف فى المرض، ولا يحكم فيه أنه الأصلى الا بعد تأمله. لما يمكن أن
27
يكون عروضه تبعًا له، فيسائل المريض عن علامات الأمراض، التى يمكن أن تكون
28
فى الأعضاء المشاركة للعضو العليل، وتكون غير محسوسة، ولا مولمة ألمًا ظاهرًا، ولا
1-189
1
مثيرة عرضًا قريبًا منها، لكنها إنما يتبعها أمور بعيدة عنها محسوسة، ويجهل المريض انها
2
عوارض لمثل ذلك الأصلى البعبد. بل إنما يهتدى إلى ذلك معرفة الطبيب. وأكثر
3
ما يهتدى منه تأمله لمضار الأفعال، وإذا وجدها سابقة، حكم بأن المرض مشارك فيه.
4
على أن من الأعضاء أعضاء اكثر أحوالها أن تكون أمراضها متأخرة عن أمراض
5
أعضاء أخرى؛ فان الرأس فى اكثر الأحوال تكون أمراضه لمشاركة المعدة. وأما عكس
6
ذلك فأقل. ونحن نضع بين يديك علامات الأمزجة الأصلية والعارضة بوجه عام؛ وأما
7
التى يخص منها عضوًا عضوًا فسيقال فى بابه. وأما علامات أمراض التركيب، فان ما كان
8
منها ظاهرًا، فان الحس يعرفه، وما كان من باطن، فان ما سوى الإمتلاء، والسدة،
9
والأورام، وتفرق الإتصال يعسر حصره فى القول الكلى؛ وكذلك ما يخص من الإمتلاء،
10
والسدة، والأورام، والتفرق لاتصال عضوًا عضوا؛ فالأولى لجميع ذلك أن يوخر الى الأقاويل
11
الجزئية.
12
|41ra25|الفصل الثالث فى علامات الأمزجة
13
أجناس الدلائل التى منها يتعرف أحوال الأمزجة عشرة: أحدها الملمس. ووجه
14
التعرف منه أن يتامل أنه هل هو مساو لملمس الصحيح فى البلدان المعتدلة، والهواء
15
المعتدل. فان ساواه، دل على الإعتدال؛ وان انفعل عنه اللامس الصحيح المزاج
16
فبرد أو سخن، أو استلانه استلانة فوق الطبيعى، أو استصلبه، أو استخشنه فوق الطبيعى،
17
وليس هناك سبب من هواء أو استحمام بماء أو غير ذلك مما يزيده لينًا أو خشونة، فهو
18
غير معتدل المزاج. وقد يمكن أن يتعرف من حال أظفار اليدين، فى لينها ويبسها،
19
حال مزاج البدن؛ إن لم يكن ذلك لسبب غريب. على أن الحكم من اللين والصلابة
20
متوقف على تقدم صحة دلائل الإعتدال فى الحرارة والبرودة؛ فانه إن لم يكن كذلك،
21
أمكن أن يلين الحرارة الملمس الصلب والخشن، فضلًا عن المعتدلة، بتحليله، فيتوهم
22
أنه لين بالطبع والرطب؛ وان يصلب البارد الملمس اللين، فضلًا عن المعتدل، بفضل
23
إجماده وتكثيفه، فيتوهم يابسًا، مثل الثلج والسمين. أما الثلج فلانعقاده جامدًا،
24
وأما السمين فلغلظه. وأكثر من هو بارد المزاج لين البدن وإن كان نحيفًا؛ لأن الفجاجة
25
تكثر فيه.
26
والثانى جنس الدلائل المأخوذة من اللحم والشحم: فان اللحم الأحمر إذا
27
كان كثيرًا، دل على الرطوبة والحرارة. ويكون هناك تلزز؛ وإن كان يسيرًا، وليس
28
هناك شحم كثير، دل على اليبس. وأما السمين والشحم فيدلان دائمًا على البرودة.
29
ويكون هناك ترهل. وإن كان مع ذلك ضيق من العروق، وقلة من الدم، وكان
1-190
1
صاحبه يضعف على الجوع، لفقده الدم الغريزى، المهيأ لحاجة الأعضاء إلى التغذية،
2
دل على أن هذا المزاج جبلى طبيعى؛ وإن لم تكن هذه العلامات الاخرى، دل على
3
أنه مزاج مكتسب. وقلة الشحم والسمن تدل على الحرارة، فان السمين والشحم
4
مادتهما دسومة الدم، وفاعلهما البرد. ولذلك يقل على الكبد، ويكثر على الأمعاء.
5
وإنما يكثر على القلب فوق كثرته على الكبد: للمادة لا للمزاج والصورة، ولعناية من
6
الطبيعة متعلقة بمثل ذلك المادة. والسمين والشحم فان جمودها على البدن يقل ويكثر
7
بحسب قلة الحرارة وكثرتها. والبدن اللحيم بلا كثرة من السمين والشحم، هو البدن
8
الحار الرطب. وإن كان كثير اللحم الأحمر ومع سمين وشحم قليل، دل على الإفراط
9
فى الرطوبة. [وإن افرطا دل على الافراط] فى البرودة والرطوبة، وأن البدن
10
بارد رطب. وأقضف الأبدان البارد اليابس؛ ثم الحار اليابس؛ ثم اليابس المعتدل
11
فى الحر والبرد؛ ثم الحار المعتدل فى الرطوبة واليبس.
12
والثالث جنس الدلائل الماخوذة من الشعر، وإنما يوخذ من جهة هذه الوجوه،
13
وهى سرعة النبات وبطؤه، وكثرته وقلته، ودقته وغلظته، وسبوطته وجعودته،
14
ولونه أحد الأصول فى ذلك.
15
أما الإستدلال فى سرعة نباته وبطوءه، أو عدم نباته، فهو أن البطىء النبات أو فاقد
16
النبات، إذا لم يكن هناك علامات دالة على أن البدن عادم للدم أصلًا، يدل على أن
17
المزاج رطب جدًا. فان أسرع فليس البدن بذلك الرطب، بل هو إلى اليبوسة. ولكن
18
يستدل على حرارته وبرودته من دلائل أخرى، مما ذكرناه. لكنه إذا اجتمعت الحرارة
19
واليبوسة، أسرع نبات الشعر جدًا، وكثر وغلظ؛ وذلك لأن الكثرة تدل على الحرارة،
20
والغلظ يدل على كثرة الدخانية، كما فى الشبان دون ما فى الصبيان؛ فان الصبيان مادتهم
21
بخارية، لا دخانية، وضدهما يتبع ضدهما. وأما من جهة الشكل: فان الجعودة تدل
22
على الحرارة وعلى اليبس. وقد تدل على إلتواء الثقب والمسام. وهذا لا يستحيل بتغير
23
المزاج؛ والسببان الأولان يتغيران بتغير المزاج. والسبوطة تدل على أضداد ذلك.
24
وأما من جهة اللون: فالسواد يدل على الحرارة، والصهوبة تدل على البرودة،
25
والشقرة والحمرة تدلان على الإعتدال. والبياض اما أن يدل على رطوبة
26
وبرودة، كما فى الشيب، واما على يبس شديد، كما قد يعرض للنبات عند الجفاف من
27
انسلاخ سواده، وهو الخضرة الى البياض. وهذا انما يعرض فى الناس فى أعقاب
28
الأمراض المجففة. وسبب الشيب عند أرسطوطاليس هو الإستحالة الى لون البلغم؛ وعند
1-191
1
جالينوس هو التكرج الذى يلزم الغذاء الصائر الى الشعر، اذا كان باردًا، وكان بطئى
2
الحركة مدة نفوذه فى المسام. واذا تأملت القولين، وجدت فى الحقيقة متقاربين؛
3
فان العلة فى بياض لون البلغم، والعلة فى ابيضاض المتكرج واحد. وهى الى الطبيعى.
4
وبعد هذا فان للبلدان والأهوية تاثيرًا فى أمر الشعر، ينبغى أن يراعى. فلا يتوقع من الزنجى
5
شقرة شعر، ليستدل به على مزاجه الذى له، ولا فى الصقلابى سواد شعره، حتى يستدل
6
على سخونة مزاجه الذى يحسبه. وللاسنان ايضًا تاثير فى أمر الشعر، فان الشبان كالجنوبيين،
7
والصبيان كالشماليين، والكهول كالمتوسطين. وكثرة الشعر فى الصبى يدل على
8
استحالة مزاجه الى السوداوية اذا كبر، وفى الشيخ على أنه سوداوى فى الحال.
9
وأما الرابع فهو جنس الدلائل المأخوذة من لون البدن: فان البياض دليل
10
على عدم الدم، وقلته مع برودة؛ فانه لو كان مع حرارة وخلط صفراوى لأصفر. والأحمر
11
دليل على كثرة الدم وعلى الحرارة، والصفرة والشقرة تدلان على الحرارة. لكن الصفرة
12
أدل على المرارة، والشقرة على الدم، أو الدم المرارى. وقد تدل الصفرة على
13
عدم الدم وإن لم يوجد المرار، كما تكون فى أبدان الناقهين. والكمودة دليل على
14
شدة البرد، فيقل له الدم، ويجمد لذلك القليل، ويستحيل إلى السواد، وتغير لون
15
الجلد. والآدم دال على الحرارة؛ والباذنجانى دال على البرد واليبس؛ لأنه لون يتبع
16
صرف السوداء. والجصى يدل على صريح البرد والبلغمية. والرصاصى دليل البرودة
17
والرطوبة، مع سوداوية ما؛ لانه بياض مع أدنى خضرة، فيكون البياض تابعًا للون
18
البلغم، أو لمزاج الرطوبة، والخضرة تابعة لدم جامد إلى السوداء، ما هو قد خالطه
19
البلغم فخضره. والعاجى يدل على برد بلغمى، مع مرار قليل. وفى اكثر الأمر فان
20
اللون يتغير بسبب الكبد إلى صفرة وبياض، وبسبب الطحال إلى صفرة وسواد؛ وفى
21
علل البواسير إلى صفرة وخضرة؛ وليس بالدائم، بل قد يختلف.
22
والإستدلال من لون اللسان على مزاج المعدة والمعاء، والعروق الساكنة فى
23
البدن قوى. والاستدلال من لون العين على مزاج الدماغ قوى. وربما عرض فى مرض
24
واحد اختلاف لونى عضوين، مثل أن اللسان [قد] يبيض، وبشرة الوجه تسود فى
25
مرض واحد، مثل اليرقان العارض لشدة الحرقة من المرار.
26
وأما الخامس فهو جنس الدلائل الماخوذة من هيئة الأعضاء: فان المزاج الحار
27
يتبعه سعة الصدر، وعظم الأطراف، وتمامها [فى قدودها] من غير ضيق وقصر،
28
وسعة العروق وظهورها، وعظم النبض وقوته، وعظم العضل وقربها من المفاصل؛
29
لأن جميع الأفاعيل النشئية، والهيئات التركيبية تتم بالحرارة. والبرودة يتبعها أضداد
1-192
1
هذه، لقصور القوى الطبيعية بسببها عن تتميم أفعال الإنشاء والتخليق. والمزاج اليابس
2
يتبعه قشف وتعقف، وظهور المفاصل، وظهور الغضاريف فى الحنجرة والأنف، وكون
3
الأنف مستويًا.
4
وأما السادس فهو جنس الدلائل الماخوذة من سرعة انفعال الأعضاء: فانه ان
5
كان العضو يسخن سريعًا بلا معاسرة، فهو حار المزاج؛ اذ الإستحالة فى الجنس المناسب
6
تكون أسهل من الإستحالة الى المضاد. وان كان يبرد سريعًا، فالأمر بالضد لذلك
7
بعينه. فان قال قائل: ان الأمر يجب أن يكون بالضد، فانا نعرف يقينًا ان الشئى انما ينفعل
8
عن ضده لا عن شبيهه. وهذا الكلام الذى قدمته يجب أن يكون الانفعال من الشبيه
9
أولى. فالجواب عن هذا ان الشبيه الذى لا ينفعل عنه، هو الذى كيفيته، وكيفية ما هوشبيه
10
به، واحدة فى النوع والطبيعة. ولأسخن ليس شبيهًا بالأبرد؛ بل السخينان، واحدهما
11
أسخن، مختلفان. فيكون الذى ليس بأسخن، هو بالقياس الى الأسخن بارد.
12
فينفعل من حيث هو بارد بالقياس اليه، لا حار، وينفعل ايضًا عن الأبرد منه وعن البارد
13
الإ أن أحدهما ينمى كيفيته ويعين أقوى ما فيه والأخر ينقص كيفيته فتكون استحالته الى
14
ما ينمى كيفيته، ويعين أقوى ما فيه أسهل.
15
على أن ههنا شيئًا آخر، يختص ببعض ما يشارك فى الكيفية ويكون ناقصًا فيها.
16
مثل أن الحار المزاج فى طبعه، انما يسرع قبوله لتاثير الحار فيه، لما يبطل الحار من
17
تاثير الضد الذى هو البرد المعاوق، لما ينحوه المزاج الحار من زيادة تسخين. فاذا التقيا
18
ويبطل المانع، تعاونا على التسخين، ويتبع ذلك التعاون اشتداد تام من الكيفيتين.
19
وأما إذا حاول الحار الخارجى أن يبطل الإعتدال، فان الحار الغريزى الداخل
20
أشد الأشياء مقاومة له. حتى أن السموم الحار لا يقاومها، ولا يدفعها، ولا يفسد جوهرها
21
إلا الحرارة الغريزية؛ فان الحرارة الغريزية آلة للطبيعة، تدفع ضرر الحار الوارد؛
22
بتحريكها الروح إلى دفعه، وتنحية بخاره وتحليله، وإحراق مادته. وتدفع إيضًا
23
ضرر البارد الوارد بالمضادة. وليست هذه الخاصية للبرودة، فانها إنما تنازع وتعاوق
24
الحار الوارد بالمضادة فقط، ولا تنازع الوارد البارد.
25
والحرارة الغريزية إذا كانت قوية، تمكنت الطبيعة بتوسطها من التصرف
26
فى الرطوبات على سبيل النضج والهضم، وحفظها على الصحة؛ فتحركت الرطوبات
27
على نهج تصريفها، وامتنعت عن التحرك على نهج تصريف الحرارة الغريبة، فلم
28
تعفن. وأما إن كانت هذه الحرارة ضعيفة، خلت الطبيعة عن الرطوبات، لضعف
29
الآلة المتوسطة ببنها وبين الرطوبات، فوقفت، وصادفتها الحرارة الغريبة غير مشغولة
1-193
1
بتصريف، فتمكنت منها، واستولت عليها، وحركتها حركة غريبة، فحدثت العفونة.
2
فالحرارة الغريزية آلة للقوى كلها؛ والبرودة منافية لها؛ لا تنفع إلا بالعرض. فلهذا
3
يقال: حرارة غريزية، ولا يقال: برود غريزية. ولا ينسب إلى البرودة من كدخائية
4
البدن، ما ينسب إلى الحرارة.
5
وأما السابع فهو الجنس الماخوذ من أحوال النوم واليقظة: فان إعتدالهما يدل
6
على إعتدال المزاج، لا سيما فى الدماغ. وزيادة النوم الرطبة والبرودة؛ وزيادة
7
اليقظة لليبس والحرارة، خاصة فى الدماغ.
8
وأما الثامن فهو الجنس الماخوذ من دلائل الأفعال: فان الأفعال إذا كانت
9
مستمرة على المجرى الطبيعى، تامة كاملة، دلت على إعتدال المزاج. وإن تغيرت
10
عن جهتها إلى حركات مفرطة، دلت على حرارة المزاج، وكذلك إذا أسرعت، فانها
11
تدل على الحرارة، مثل سرعة النشء، وسرعة نبات الشعر، ونبات الأسنان. وان
12
تبلدت، أو ضعفت، وتكاسلت، وأبطأت، دلت على برودة المزاج؛ على أنه قد يكون
13
ضعفها، وتبلدها، وفتورها واقعًا بسبب مزاج حار؛ إلا أنه لا يخلو مع ذلك عن تغيير
14
عن المجرى الطبيعى مع الضعف.
15
وقد يفوت بسبب الحرارة إيضًا كثير من الأفعال الطبيعية وينقص. مثل النوم فربما
16
بطل بسبب المزاج الحار أو نقص. وكذلك قد يزداد بعض الأحوال الطبيعية [للبرد؛
17
مثل النوم. إلا أنها لا تكون من جملة الأحوال الطبيعية] مطلقًا؛ بل بشرط وسبب. فان
18
النوم ليس محتاجًا إليه فى الحياة والصحة حاجة مطلقة، بل بسبب تخل من الروح
19
عن الشواغل، لما عرض له من التعب؛ او لما يحتاج إليه من الاكباب على هضم
20
الغذاء، لعجزه عن الوفاء بألامرين. فاذن النوم إنما يحتاج إليه من جهة عجز ما، وهو
21
خروج عن الواجب الطبيعى؛ وإن كان ذلك الخروج طبيعيًا من حيث هو ضرورى.
22
فان الطبيعى يقال على الضرورى باشتراك الإسم. وهذا القسم أصح دلأئله إنما هو
23
على المزاج المعتدل، وذلك بأن تعتدل الأفعال وتتم. وأما دلالته على الحر والبرد
24
واليبوسة والرطوبة، فدلالة تخمينية. ومن جنس الأفعال القوية الدالة على الحرارة:
25
قوة الصوت وجهارته، وسرعة الكلام وإتصاله، و[سرعة] الغضب، وسرعة الحركات
26
والطرف. وإن كان قد تقع هذه، لا لسبب عام، بل بسبب خاص لعضو الفعل.
27
والجنس التاسع دفع البدن للفضول أو كيفية ما يدفع: فان الدفع إذا استمر،
28
وكان ما يبرز من البراز والبول والعرق وغير ذلك حادًا، له رائحة قوية، وصبغ لماله
29
منه صبغ، وانشواء وإنطباخ لما له إنشواء وانطباخ، فهو حار، وما يخالفه فهو بارد.
1-194
1
والجنس العاشر ماخوذ من أحوال قوى النفس فى أفعالها وإنفعالاتها: مثل
2
ان الحرد القوى، والضجر، والفطنة، والفهم، والإقدام، والوقاحة، وحسن الظن،
3
وجودة الرجاء، والقساوة، والنشاط، ورجولية الأخلاق، وقلة الكسل، وقلة الإنفعال
4
من كل شىء يدل على الحرارة. وأضدادها على البرودة. وثبات الحرد، والرضى
5
والمتخيل، والمحفوظ، وغير ذلك يدل على اليبوسة. وزوال الانفعالات بسرعة، يدل
6
على الرطوبة. ومن هذا القبيل الأحلام والمنامات: فان من غلب على مزاجه حرارة،
7
يرى كانه يصطلى نيرانًا، ويتشمس. ومن غلب على مزاجه برد، فيرى كأنه يثلج،
8
أو منغمس فى ماء بارد. ويرى صاحب كل خلط ما يجانس خلطه فيما يقال. وهذا
9
الذى ذكرناه، كله أو أكثره، إنما هو من باب علامات الأمزجة، الواقعة فى أصل البنية.
10
وأما الأمزجة الغريبة العرضية: فالحار منها يدل "عليه اشتعال حرارة البدن"
11
موذ، وتأذ بالحميات، وسقوط قوة عند الحركات، لثوران الحرارة، وعطش مفرط،
12
وإلتهاب فى فم المعدة، ومرارة فى الفم، ونبض إلى الضعف، والسرعة الشديدة والتواتر،
13
وتأذ بما يتناوله من المسخنات، وتشف بالمبردات، ورداءة حال فى الصيف. وأما
14
دلائل المزاج البارد الغير الطبيعى: فقلة هضم، وقلة عطش، وإسترخاء مفاصل،
15
وكثرة حميات بلغمية، وتأذ بالنزلات، وبتناول المبردات، وتشف بتناول ما يسخن،
16
ورداءة حال فى الشتاء. وأما دلائل الرطب الغير الطبيعى: فمناسبة لدلائل البرودة؛
17
ويكون مع ترهل، وسيلان لعاب ومخاط، وإنطلاق طبيعة، وسوء هضم، وتأذ بتناول
18
ما هو رطب، وكثرة نوم، وتهبج أجفان. وأما دلائل اليبس الغير الطبيعى: فتقشف،
19
وسهر، ونحول عارض، وتأذ بتناول ما فيه يبس، وسوء حال فى الخريف، وتشف بما يرطب،
20
وإنتشاف فى الحال للماء الحار، والدهن اللطيف، وشدة قبول لهما.
21
|42rb48|الفصل الرابع فى حاصل علامات المعتدل المزاج
22
علامة المجموعة الملتقطة مما قلنا: هو إعتدال الملمس فى الحروالبرد، و
23
اليبوسة والرطوبة، واللين والصلابة. وإعتدال اللون فى البياض والحمرة. وإعتدال
24
السحنة فى السمن والقضافة، وميل إلى السمن. وعروقه بين الغائرة وبين الراكبة
25
على اللحم، المتبرية عنه بارزًا. وإعتدال الشعر فى الزبب والذعر والجعودة والسبوطة،
26
إلى الشقرة ما هو فى سن الصبا، وإلى السواد ما هو فى سن الشباب. وإعتدال حال
27
النوم واليقظة. ومواتاة [من] الأعضاء فى حركاتها وسلاستها، وقوة من التخيل،
28
والتفكر، والتذكر. وتوسط من الأخلاق بين الافراط والتفريط، أعنى التوسط فى
29
التهور والجبن، والغضب والجمود، والقساوة والرقة، والطيش والوقار، والتيه وسقوط النفس،
1-195
1
وتمام فى الأفعال كلها، وصحة، وجودة النمو وسرعته، وطول الوقوف. وتكون
2
أحلامه لذيذة، مونسة من الروائح الطيبة، والأصوات اللذيذة، والمجالس البهيجة.
3
ويكون صاحبه محبًا، طلق الوجه، هشًا، معتدل شهوة الطعام والشراب، جيد الإستمراء
4
فى المعدة، والكبد، والعروق، والتشبيه فى جميع البدن. معتدل الحال فى انتفاض
5
الفضول منه من المجارى المعتادة.
6
|42va20|الفصل الخامس فى علامات من ليس بجيد الحال فى خلقته
7
هذا هو الذى لا يتشابه مزاج أعضاءه، بل ربما تعاندت أعضاءه الرئيسة فى الخروج
8
عن الإعتدال؛ فخرج عضو منها إلى مزاج، والآخر إلى ضده. فاذا كانت بنيته غير
9
متناسبة، كان رديئًا، حتى فى فهمه وعقله. مثل الرجل العظيم البطن، القصير
10
الأصابع، المستدير الوجه، العظيم الهامة، أو الصغير الهامة، اللحيم الوجه، والجبهة،
11
والعنق، والرجالين، وكأنما وجهه نصف دائرة. فان كان فكاه كبيرين، فهو مختلف
12
جدًا. وكذلك إن كان مستدير الرأس والجبهة، لكن وجهه شديد الطول، ورقبته
13
شديدة الغلظة، وفى عينيه بلادة حركة، فهو إيضًا أبعد الناس عن الخير.
14
|42va37|الفصل السادس فى العلامات الدالة على الإمتلاء
15
الإمتلاء على وجهين: امتلاء بحسب الأوعية، وامتلاء بحسب القوة. والإمتلاء بحسب
16
الأوعية: هو أن يكون الأخلاط والأرواح، وان كانت صالحة فى كيفيتها، فقد زادت
17
فى كمتيها، حتى ملأت الأوعية ومددتها. وصاحبها يكون على خطر من الحركة؛ فانه
18
ربما صدع الإمتلاء العروق، وسالت الى المخانق، فحدث خناق، وصرع، وسكتة.
19
وعلاجه هو المبادرة الى الفصد. وأما الإمتلاء بحسب القوة: وهو أن لا يكون الأذى من
20
الأخلاط لكميتها فقط، بل لردأة كيفيتها. فهى تقهر القوة برداءة كيفيتها، ولا تطاوع
21
الهضم والنضج. ويكون صاحبها على خطر من أمراض العفونة.
22
علامات الإمتلاء جملة: فهى ثقل الأعضاء، والكسل عن الحركات، واحمرار اللون، وانتفاخ
23
العروق، وتمدد الجلد، وإمتلاء النبض، وإنصباغ البول وثخنه، وقلة الشهوة، وكلال البصر،
24
والأحلام التى تدل على الثقل، من يرى أنه ليس به حراك، وليس به إستقلال بالنهوض؛
25
أو كأنه يحمل حملًا ثقيلًا؛ أو ليس يقدر على الكلام؛ كما أن رؤية الطيران، وسرعة
26
الحركات، تدل على أن الأخلاط رقيقة، وبقدر معتدل.
27
فى علامات الإمتلاء بحسب القوة: أما الثقل والكسل، وقلة الشهوة، فهو يشارك فيها الإمتلاء
28
الأول، ولكن إذا كان الإمتلا بحسب القوة ساذجًا، لم تكن العروق شديدة الانتفاخ، ولا الجلد شديد
1-196
1
التمدد، ولا النبض شديد الإمتلاء والعظم، ولا الماء كثير الثخن، ولا اللون شديد الحمرة.
2
ويكون الإنكسار والأعياء، إنما يهيج فيه بعد الحركة والتصرف. وتكون أحلامه تريه
3
حكة، ولذعًا، وإحراقًا، وروائح منتنة. ويدل إيضًا على الخلط الغالب بدلائله التى
4
سنذكرها. وفى أكثر الأمر فان الإمتلا بحسب القوة يولد المرض قبل استحكام دلائله.
5
|42vb17|الفصل السابع فى علامات خلط خلط
6
أما الدم إذا غلب فعلاماته مقاربة لعلامات الإمتلاء بحسب الأوعية. ولذلك قد
7
يحدث من غلبته ثقل فى البدن، وفى أصل العينين خاصة، والراس والصدغين؛ و
8
تمط وتثاؤب؛ وغشيان نعاس لازب؛ وتكدر الحواس، وبلادة فى الفكر؛ واعياء
9
بلا تعب سابق؛ وحلاوة فى الفم غير معهودة؛ وحمرة فى اللسان. وربما ظهر فى البدن دماميل،
10
وفى الفم بثور. ويعرض سيلان دم من المواضع السهلة الإنصداع، كالمنخر، والمقعدة،
11
واللثة. وقد يدل عليه المزاج، والتدبير السالف، والبلد، والسن. والعادة، وبعد
12
العهد بالفصد، والاحلام الدالة عليه مثل الأشياء الحمر تراها فى النوم، ومثل سيلان
13
الدم الكثير عنه، ومثل الثخانة فى الدم وما أشبهها.
14
وأما علامات غلبة الدم: فبياض زائد فى اللون، وترهل، ولين ملمس، وبرودة، وكثرة الريق ولزوجته،
15
وقلة العطش، الا أن يكون مالحًا وخصوصًا فى الشيخوخة، وضعف الهضم، والجشاء
16
الحامض، وبياض البول، وكثرة النوم، والكسل، واسترخاء الأعصاب، والبلادة، ونبض
17
لين الى البطء والتفاوت. ثم السن، والعادة، والتدبير السالف، والصناعة، والبلد؛
18
والأحلام التى "يرى فيها مياه وأنهار وثلوج وأمطار وبرد برعدة".
19
وأما علامات غلبة الصفراء: فصفرة اللون، والعينين، ومرارة الفم، وخشونة اللسان وجفافه، ويبس
20
المنخرين، واستلذاذ النسيم البارد، وشدة العطش، وسرعة النبض، وضعف شهوة الطعام،
21
والغثيان، والقتئ الصفراوى الأصفر والأخضر، والإختلاف اللاذع، وقشعريرة كغرز
22
الابر. ثم التدبير السالف، والسن، والمزاج، والعادة، والبلد، والوقت، والصناعة؛
23
والأحلام التى يرى فيها النيران والرأيات الصفر. ويرى الأشياء التى لا صفرة لها مصفرة؛
24
ويرى التهابًا وحرارة حمام أو شمس وما أشبه ذلك.
1-197
1
وأما علامات غلبة السوداء: فقحل البدن وكمودته، وسواد الدم وغلظه، وزيادة الوسواس
2
والفكر، واحتراق فم المعدة، والشهوة الكاذبة، وبول كمد، وأسود، وأحمر غليظ، وكون
3
البدن أسود أزب. وقلما يتولد السوداء فى الأبدان البيض الزعر. وكثرة حدوث البهق
4
الأسود، والقروح الرديئة، وعلل الطحال. والسن، والمزاج، والعادة، والبلد،
5
والصناعة، والوقت، والتدبير السالف. والأحلام الهائلة من الظلم، والهوات، والأشياء
6
السود، والمخاوف.
7
|43ra10|الفصل الثامن فى العلامات الدالة على السدد
8
انه اذا احتقنت مواد، ودلت الدلائل عليها، وأحس بتمدد، ولم يحس
9
بدلائل الإمتلاء فى البدن كله، فهناك سدد لا محالة. وأما الثقل فيحس فى السدد،
10
اذا كانت السدد فى مجار، لا بد من أن يجرى فيها مواد كثيرة؛ مثل ما يعرض من السدد
11
فى الكبد. فان ما يصير من الغذاء الى الكبد، اذا عاقته السدد عن النفوذ، اجتمع
12
شئى كثير واحتبس، وأثقل ثقلًا كثيرًا فوق ثقل الورم. ويتميز عن الورم بشدة
13
الثقل وعدم الحمى. وأما اذا كانت السدد فى غير هذه المجارى، لم يحس بثقل؛
14
وأحس باحتباس نفوذ الدم وبالتمدد. وأكثرمن به سدد فى العروق، فان لونه أصفر،
15
لان الدم لا ينبعث فى مجاريه الى ظاهر البدن.
16
|43ra28|الفصل التاسع فى العلامات الدالة عل الرياح
17
الرياح قد يستدل عليها بما يحدث فى الأعضاء الحساسة من الأوجاع. وذلك
18
تابع لما يفعله من تفرق الاتصال. ويستدل عليها من حركات تعرض للاعضاء. ويستدل
19
عليها من الأصوات. ويستدل عليها باللمس. وأما الأوجاع: فان الأوجاع الممددة
20
تدل على الرياح؛ لا سيما اذا كانت مع خفة. فان كان هناك انتقال من الوجع، فقد
21
تمت الدلالة. وهذا انما يكون اذا كان تفرق الإتصال فى الأعضاء الحساسة. وأما مثل العظم،
22
واللحم الغددى، فلا يبين ذلك فيها بالوجع. وقد يكون من رياح العظام ما يكسر العظام
23
كسرًا، ويرضها رضًا، ولا يكون له وجع؛ الا تابعًا لنخس المنكسر لما يليه. وأما
24
الإستدلال من حركات الأعضاء على الرياح، فمثل الإستدلال من الإختلاجات من رياح
25
تتكون وتتحرك الى الإفلات والتحلل. وأما الإستدلال عليها من الاصوات
26
فاما أن يكون الأصوات منها أنفسها، كالقراقر ونحوها، وكما يحس فى الطحال اذا كان
1-198
1
وجعه من ريح يغمز. واما أن يكون الصوت يفعل فيها بالقرع، كما يميز بين
2
الإستسقاء الزقى والطبلى بالضرب. وأما الإستدلال بغمز من طريق اللمس، فمثل
3
أن اللمس يميز بين النفخة وبين السلعة بما يكون هناك من تمدد مع انغماز فى غير
4
رطوبة سيالة مرجرجة، أو خلط لزج؛ فان الحس اللمسى يميز بين ذلك. والفرق بين النفخة
5
والريح ليس فى الجوهر، بل فى هيئة حركة الركود، والإنزعاج.
6
|43rb3|الفصل العاشر فى العلامات الدالة على الأورام
7
أما الظاهرة فيدل عليها الحس والمشاهدة؛ وأما الباطنة فالحار منها يدل
8
عليه الحمى اللازمة، والثقل، ان كان لا حس للعضو الذى هو فيه؛ أو الثقل مع الوجع
9
الناخس، ان كان للعضو الوارم حس. ومما يدل ايضًا، أو يعين فى الدلالة الآفة الداخلة
10
فى أفعال ذلك العضو. ومما يؤكد الدلالة احساس الإنتفاخ فى ناحية ذلك العضو،
11
ان كان للحس اليه سبيل. وأما البارد فليس يتبعه لا محالة وجع؛ وتعسر الاشارة الى
12
علاماته الكلية؛ فان سهل أحوج الى كلام ممل. والأولى أن يوخر الكلام فيه الى الأقاويل
13
الجزئية فى عضو عضو. والذى يقال ها هنا، انه اذا أحس بثقل، ولم يحس بوجع، وكان
14
معه دلائل غلبة البلغم، فليحدس أنه بلغمى. وان كان معه دلائل غلبة السوداء، فهو
15
سوداوى؛ وخصوصًا اذا لمس فكان صلبًا. والصلابة من أفضل الدلائل عليها. واذ اكانت
16
الأورام الحارة فى الأعصاب، كان الوجع شديدًا، والحميات قوية، وسارعت الى
17
الإيقاع فى التمدد، وفى اختلاط العقل، وأحدثت فى حركات القبض والبسط آفة.
18
وجميع أورام الأحشاء تحدث رقة ونحولًا فى المراق. واذا جمعت أورام
19
الاحشاء، وأخذت فى طريق الخراجية، اشتد الوجع جدًا والحمى، وخشن اللسان خشونة
20
شديدة، واشتد السهر، وعظمت الأعراض، وعظم الثقل؛ وربما أحس الصلابة والتركز.
21
وربما اظهر فى البدن نحافة عاجلة، وفى العينين غورًا مغافصًا. فاذا تقيح الجمع،
22
سكنت سورة الحمى، والوجع، والضربان، وحصل بدل الوجع شئى كالحكة. وان
23
كانت حمرة وصلابة، خفت الحمرة، ولان المغمز؛ وسكنت الأعراض المولمة كلها؛
24
وبلغ الثقل غايته. فاذا انفجر، عرض أولًا نافض للذع المدة، ثم ظهرت الحمى
25
بسبب لذع المدة. واستعرض النبض للاستفراغ، واختلف، وأخذ طريق الضعف،
26
والصغر، والإبطاء، والتفاوت. وظهرفى الشهوة سقوط، وكثيرًا ما تسخن له الأطراف.
27
وأما المادة فتندفع بحسب جهتها، اما فى طريق النفث، أو فى طريق البول، أو فى طريق
28
البراز.
1-199
1
والعلامة الجيدة بعد الانفجار: تمام سكون الحمى، وسهولة التنفس، وانتعاش
2
القوة، وسرعة اندفاع المادة فى جهتها. وربما انتقلت المادة فى الأورام الباطنة من
3
عضو الى عضو؛ وذلك الانتقال قد يكون جيدًا، وقد يكون ردئيًا. والجي أن ينتقل من عضو
4
شريف الى عضو خسيس. مثل ما ينتقل من أورام الدماغ الى ما خلف الأذنين؛ وفى
5
أورام الكبد الى الأربيتين. والردئ أن ينتقل من عضو خسيس الى عضو أشرف منه،
6
أو أقل صبرًا على ما يعرض به، مثل أن ينتقل من ذات الجنب الى ناحية القلب، أو الى
7
ذات الرئة. ولإنتقال الأورام الباطنة، ومدات الخراجات الباطنة الى تحت والى
8
فوق علامات: فانها اذا مالت فى انتقالها الى ما تحت، ظهر فى الشراسيف تمدد وثقل.
9
واذا مالت فى انتقالها الى فوق، دل عليه سوء حال النفس، وضيقه وعسره، وضيق
10
الصدر، وإلتهاب يبتدئ من تحته الى فوق، وثقل فى ناحية الترقوة، وصداع. وربما
11
ظهر أثره فى العضد والساعد. والمائل الى فوق ان تمكن من الدماغ، كان رديئًا، فيه
12
خطر. وان مال الى اللحم الرخو الذى خلف الأذنين، كان فيه رجاء خلاص. والرعاف
13
فى مثل هذا دليل جيد وفى جميع أورام الأحشاء. ولينتظر فى استقصاء هذا ما نقوله من
14
بعد، حيث نستقصى الكلام فى الأورام، وحيث نذكر حال ورم عضو عضو من الباطنة.
15
|43va25|الفصل الحادى عشر فى علامات تفرق الإتصال
16
تفرق الإتصال ان عرض فى الأعضاء الظاهرة، وقف عليه بالحس، وان وقع فى
17
الأعضاء الباطنةً، دل عليه الوجع الثاقب، والناخس، والأكال، ولا سيما ان لم يكن
18
معه حمى. وكثيرًا ما يتبعه سيلان خلط، كنفث الدم، او انصبا به الى فضاء، او خروج مدة وقيح،
19
ان كان بعد ظهور علامات الأورام ونضجها. والذى يكون عقيب الأورام فربما كان
20
دالًا على انفجار عن نضج، وربما لم يكن. فان كان عن نضج، سكن الحمى مع
21
الإنفجار، واستفراغ القيح، وسكن الثقل وخف. وان لم يكن كذلك اشتد الوجع وزاد.
22
وقد يستدل على تفرق الإتصال بانخلاع الأعضاء عن مواضعها، وبزوال العضوعن
23
موضعه، وان لم ينخلع كالفتق. وقد يستدل عليه باحتباس المستفرغات عن المجارى؛
24
فانها ربما انصبت الى فضاء، يؤدى اليه تفرق الإتصال، ولم ينفصل عن المسلك الطبيعى،
25
كما يعرض لمن انخرق أمعاءه ان يحتبس برازه. وربما خفى تفرق الإتصال، ولم يوقف
26
عليه بالعلامات الكلية المذكورة. واحتيج فى بيانه الى الأقوال الجرئية بحسب عضو
27
عضو وذلك بأن يكون العضو لا حس له. أو لا يحتوى على رطوبة، فيسيل ما فيه. او
28
لا مجال له، فيزول عن موضعه. أو ليس يعتمد على عضو، فيزول بانخلاعه.
29
واعلم أن أصعب الأورام أعراضًا، وأصعب تفرق الإتصال اعراضًا، ما كان
30
فى الأعضاء العصبية الشديدة الحس. فانها ربما كانت مهلكة. وأما الغشى والتشنج
1-200
1
فيلحقها دائمًا؛ أما الغشى فلشدة الوجع، وأما التشنج فلعصبية العضو، ثم اللاتى
2
تكون على المفاصل؛ فانها يبطؤ قبولها للعلاج لكثرة حركة المفصل، والفضاء الذى
3
يكون عند المفصل، المستعد لإنصباب المواد اليه. ولأن النبض والبول من العلامات
4
الكلية لأحوال البدن، فلنقل فيهما.
5
|43vb11|الجملة الاولى
6
من التعليم الثالث من الفن الثانى
7
فى النبض وهى تسعة عشر فصلًا
8
|43vb12|الفصل الاول كلام كلى فى النبض
9
النبض حركة من اوعية الروح، مؤلفة من انبساط وانقباض؛ لتدبير الروح بالنسيم.
10
والنظر فى النبض اما كلى، واما جزئى، بحسب مرض مرض. ونحن نتكلم ههنا فى القوانين
11
الكلية من علم النبض؛ ونوخر الجزئية الى الكلام فى الامراض الجزئية.
12
فنقول: ان كل نبضة فهى مركبة من حركتين وسكونين؛ لان كل نبض مركب
13
من انبساط وانقباض. ثم <كان> لا بد من تخلل السكون بين كل حركتين متضادتين
14
لا استحالة اتصال الحركة مع حركة أخرى، بعد ان يحصل لمسافتها نهاية وطرف بالفعل.
15
وهذا مما يتبين فى العلم الطبيعى. واذا كان كذلك لم يكن [بد من ان يكون] لكل
16
نبضة، ان يلحق الاخرى، اجزاء اربعة: حركتان، وسكونان: حركة انبساط؛ وسكون
17
بينه وبين الانقباض؛ وحركة انقباض؛ وسكون بينه وبين الانبساط.
18
وحركة الانقباض عند كثير من الاطباء غير محسوسة اصلًا؛ وعند بعضهم ان
19
الانقباض قد يحس. أما فى النبض القوى فلقوته؛ وأما فى العظيم فلاشرافه؛ وأما فى
20
الصلب فلشدة مقاومته. وأما فى البطئى فلطول مدة حركته. وقال جالينوس: انى لم ازل
21
اغفل عن [حركة] الانقباض مدة؛ ثم لم ازل اتعاهد الجس، حتى فطنت بشئى منه؛
22
ثم بعد حين احكمته، ثم انفتح على ابواب من النبض. ومن تعهد ذلك تعهدى، ادرك
23
ادراك. وانه ان كان الامر على ما يقولون، فالانقباض فى اكثر الاحوال غير محسوس.
24
والسبب فى وقوع الاختيار على جس عرق الساعد [امور ثلثة]: سهولة
25
تناوله، وقلة المحاشاة عن كشفه؛ واستقامة وضعه بحذاء القلب، وقربه منه. وينبغى
26
ان يكون الجس واليد المجسوسة على جنب؛ فان اليد المنكبة تزيد فى العرض
27
والاشراف، وتنقص من الطول؛ خصوصًا فى المهازيل. والمستلقية تزيد فى الاشراف
28
والطول، وتنقص من العرض. ويجب ان يكون الجس فى وقت يخلو فيه صاحب
1-201
1
النبض عن الغضب، والسرور، والرياضة، وعن جميع الانفعالات؛ وعن الشبع المثقل،
2
وعن الجوع؛ وعن حال ترك العادات، واستحداث العادات. ويجب ان يكون الامتحان
3
من نبض المعتدل الفاضل حتى يقاس به غيره.
4
ثم نقول: ان الاجناس التى منها يتعرف الاطباء حال النبض، على حسب ما
5
ما يضعه الاطباء عشرة؛ وان كان يجب عليهم ان يجعلوها تسعة: الجنس الماخوذ من
6
مقدار الانبساط. والجنس الماخوذ من كيفية قرع الحركة للاصابع. والجنس
7
الماخوذ من زمان كل حركة. والجنس الماخوذ من قوام الآلة. والجنس الماخوذ من
8
خلائه وامتلائه. والجنس الماخوذ من حر ملمسه وبرده. والجنس الماخوذ من زمان
9
السكون. والجنس الماخوذ من استواء النبض واختلافه. والجنس الماخوذ من نظامه
10
فى الاختلاف، او تركه للنظام. والجنس الماخوذ من الوزن.
11
اما جنس مقدار النبض، فيدل من مقادير اقطاره الثلثه، التى هى طوله، وعرضه،
12
وعمقه. فيكون احوال النبض فيه تسعة بسيطة ومركبات. فالتسعة البسيطة هى: الطويل،
13
والقصير، والمعتدل، والعريض، والضيق، والمعتدل، والمنخفض، والمشرف،
14
والمعتدل. فالطويل هو الذى يحس اجزاءه فى طوله، اكثرمن المحسوس الطبيعى على
15
الاطلاق؛ وهو المزاج المعتدل الحق؛ او من الطبيعى الخاص بذلك الشخص؛ وهو المعتدل
16
الذى يخصه. وقد عرفت الفرق بينهما قبل، والقصير ضده، وبينهما المعتدل. وعلى
17
هذا القياس فاحكم فى الستة الباقية.
18
واما المركبات من هذه البسيطة، فبعضها له اسم، وبعضها ليس له اسم؛ فان
19
الزائد طولًا، وعرضًا، وارتفاعًا، يسمى العظيم؛ والناقص فى ثلاثتها، يسمى الصغير، وبينهما
20
المعتدل. والزائد عرضًا وشهوقًا، يسمى الغليظ؛ والناقص فيهما، يسمى الدقيق،
21
وبينهما المعتدل.
22
واما الجنس الماخوذ من كيفية قرع العرق للاصابع فانواعه ثلثة: القوى وهو
23
الذى يقاوم الجس عند الانبساط؛ والضعيف مقابله، والمعتدل بينهما. واما الجنس
24
الماخوذ من زمان كل حركة فانواعه ثلثة: السريع وهو الذى يتمم الحركة فى
25
مدة قصيرة، والبطى ضده، ثم المعتدل بينهما. واما الجنس الماخوذ من قوام الآلة فاصنافه
26
ثلثة: اللين وهو القابل للاندفاع الى داخله عن الغامز بسهولة، والصلب ضده، ثم المعتدل.
27
واما الجنس الماخوذ من حال ما يحتوى عليه فاصنافه ثلثة: الممتلى وهو الذى يحس
28
ان فى تجويفه رطوبة مالية لافراغ صرف، والخالى ضده، ثم المعتدل. واما الجنس
29
الماخوذ من ملمسه فاصنافه ثلثة: الحار، والبارد، والمعتدل.
1-202
1
احوال النبض فى القوة والضعف، والمقدار، قد يكون متفقة، وقد يكون غير متفقة،
2
بل مختلفة. وهذا خارج عن جنس اعتبار النظام.
3
وجالينوس يرى ان القدر المحسوس من مناسبات الوزن، ما يكون على احد
4
هذه النسبة الموسيقارية المذكورة: إما على نسبة الكل والخمسة؛ وهو على ثلاثة اضعاف.
5
اذ هو نسبة الضعف: مؤلفة بنسبة الزائد نصفًا وهو [الزائد] الذى [يقال له نسبة التى]
6
بالخمسة. وعلى النسبة التى بالكل وهو الضعف. وعلى النسبة التى بالخمسة، وهو
7
الزائد نصفًا. وعلى النسبة التى بالاربعة، وهو الزائد ثلثًا. وعلى نسبة الزائد ربعًا.
8
ثم لا يحس. وانا استعظم ضبط هذه النسب بالجس. واسهله على من اعتاد درج الايقاع،
9
وتناسب النغم بالصناعة؛ ثم كان له قدرة على ان يعرف الموسيقى فيقيس المصنوع
10
بالمعلوم. فهذا الانسان اذا صرف تامله الى النبض، امكن ان يفهم هذه النسب بالجس.
11
<فاقول: ان افراد جنس المنتظم، وغير المنتظم، على انه احد العشرة،
12
وان كان تابعًا، فليس بصواب فى التقسيم؛ لان هذا الجنس داخل تحت المتخلف،
13
وكانه نوع منه>.
14
واما الجنس الماخوذ من الوزن، فهو بمقاسية مقادير نسب الازمنة الاربعة،
15
التى للحركتين، والوقوفين. وان قصر الحس عن ضبط ذلك كله، فبمقايسة مقادير
16
نسب ازمنة الانبساط الى الزمان الذى بين انبساطين. وبالجملة الزمان الذى فيه الحركة
17
الى الزمان الذى فيه السكون. والذين يدخلون فى هذا الباب مقايسة زمان الحركة
18
بزمان الحركة، وزمان السكون بزمان السكون، فهم يدخلون بابًا فى باب. على ان
19
ذلك الادخال جائز ايضًا، غير محال. إلا انه غير جيد. والوزن هو الذى يقع فيه النسب
20
الموسيقارية.
21
ونقول: ان النبض اما ان يكون جيد الوزن، وإما ان يكون ردى الوزن انواعه
22
ثلثة: احدها المتغير الوزن، ومجاوز الوزن، وهو الذى يكون وزنه وزن سن، يلى
23
سن صاحبه، كما يكون للصبيان [مثل] وزن نبض الشبان. والثانى مباين الوزن، كما يكون
24
للصبيان، مثل وزن نبض الشيوخ. والثالث الخارج عن الوزن، وهو الذى لا يشبه
25
فى وزنه نبضًا من نبض الاسنان وخروج النبض عن الوزن كثيرًا يدل على تغير حال عظيم.
26
|44va33|الفصل الثانى منه فى النبض المستوى والمختلف
27
يقولون: ان النبض المختلف إما ان يكون اختلافه فى نبضات كثيرة، او فى
28
نبضة واحدة. والمختلف فى نبضة واحدة: إما ان يختلف فى اجزاء كثيرة، اى
1-203
1
واما الجنس الماخوذ من زمان السكون فاصنافه ثلثة: المتواتر وهو القصير الزمان
2
المحسوس بين القرعتين. ويقال له ايضًا المتدارك، والمتكاثف، والمتفاوت ضده؛
3
ويقال له ايضًا المتراخى، والمتخلخل، وبينهما المعتدل. ثم هذا الزمان هو بحسب ما
4
يدرك من امر الانقباض. فان كان لا يدرك الانقباض اصلًا، كان هو الزمان الواقع
5
بين كل انبساطين؛ وان ادرك كان باعتبار زمان الطرفين. واما الجنس الماخوذ من
6
الاستواء والاختلاف: فهو اما مستو، وإما مختلف غير مستو. وذلك باعتبار تشابه نبضات؛
7
او اجزاء نبضة؛ او فى جزء واحد من النبضة فى امور خمسة: العظم والصغر، والقوة
8
والضعف، والسرعة والبطؤ، والتفاوت والتواتر، والصلابة واللين. حتى ان النبض
9
الواحد يكون آخر انبساط اسرع، لشدة الحرارة، واضعف للضعف.
10
وان شئت بسطت القول، فاعتبرت فى الاستواء والاختلاف فى الاقسام المذكورة
11
الثلاثة، سائر الاقسام الأخر. لكن ملاك الاعتبار مصروف الى هذه <الخمسة>.
12
والنبض المستوى على الاطلاق، هو المستوى فى جميع هذه. وان استوى فى شىء ما
13
وحده، فهو مستو فيه وحده؛ كأنك قلت: مستو فى القوة، او مستو فى السرعة. و
14
كذلك المختلف وهو الذى ليس بمستو؛ فهو إما على الاطلاق؛ وإما [فيما] ليس فيه بمستو.
15
واما الجنس الماخوذ من النظام، وغير النظام، فهو ذو نوعين: مختلف منتظم،
16
ومختلف غير متتظم. والمنتظم هو الذى لاختلافه نظام محفوظ، يدور عليه. وهو
17
على وجهين: إما منتظم على الاطلاق، وهو ان يكون للمتكرر منه خلاف واحد فقط.
18
وإما منتظم يدور، وهو ان يكون [له] دورا اختلافين فصاعدًا. مثل ان يكون هناك
19
دور، ودور آخر مخالف له. إلا انهما يعودان معًا على ولائهما كدور واحد. وغير المنتظم
20
ضده. واذا حققت وجدت هذا الجنس التاسع كالنوع من الجنس الثامن، وداخلًا
21
نحت غير المستوى.
22
وينبغى ان يعلم ان فى النبض طبيعة موسيقارية موجودة. فكما ان صناعة
23
الموسيقى تتم بتاليف النغم، على نسبة بينها فى الحدة والثقل؛ وبادوار ايقاع مقدار
24
الازمنة، التى تتخلل نقراتها. كذلك حال النبض؛ فان نسبة ازمنته فى السرعة والتواتر،
25
نسبة ايقاعية؛ ونسبة احواله فى القوة والضعف، وفى المقدار نسبة كالتاليفية. وكما
26
ان أزمنة الايقاع، ومقادير النغم، قد يكون متفقة، و[قد يكون] غير متفقة؛ كذلك
27
الاختلافات [فى النبض] قد تكون منتظمة، وقد تكون غير منتظمة. وايضًا نسب
1-204
1
[فى] مواقع الاصابع متباينة؛ او فى جزء واحد، اى فى موقع اصبع واحد.
2
والمختلف فى نبضات كثيرة، منه المختلف، المتدرج الجارى على الاستواء.
3
وهو ان ياخذ من نبضة، فينتقل الى ازيد منها، اوانقص؛ ويستمر على ذلك النهج،
4
حتى يوافى غاية فى النقصان، او غاية فى الزيادة بتدريج متشابه. فينقطح عائدًا الى العظم
5
الاول، او متراجعًا من صغره؛ تراجعًا متشابهًا فى الحالين جميعًا للماخذ الاول، او
6
مخالفًا بعد ان يكون متوجهًا من ابتداء بهذه الصفة، الى انتهاء بهذه الصفة. وربما وصل الى
7
الغاية، وربما انقطع دونها، وربما جاوزها. وحين ينقطع، فربما ينقطع فى وسطه بفترة؛
8
وقد يفعل خلاف الانقطاع، وهو ان يقع فى وسطه حركة. وذو الفترة من النبض،
9
هو المختلف الذى حيث يتوقع فيه حركة، فيكون سكون. والواقع فى الوسط، هو
10
المختلف الذى حيث يتوقع فيه سكون، يكون حركة.
11
واما اختلاف النبض فى اجزاء كثيرة من نبضة واحدة: فاما فى موضع اجزائها،
12
او فى حركة اجزائها. اما الاختلاف [الذى] فى وضع الاجزاء، فهو اختلاف نسبة اجزاء
13
العرق الى الجهات. ولأن الجهات ستة، فكذلك ما يقع فيها من الاختلاف. واما
14
الاختلاف فى الحركة: فاما فى السرعة والابطاء، وإما فى التاخر والتقدم، اعنى ان
15
يتحرك جزء قبل وقت حركته، او بعد وقتها؛ وإما فى القوة والضعف؛ واما فى العظم
16
والصغر. وذلك كله إما جار على ترتيب مستو؛ او ترتيب مختلف بالتزيد والتنقص. و
17
ذلك إما فى جزئين، او ثلاثة، او اربعة. اعنى مواقع الاصابع. وعليك بالتركيب والتاليف.
18
واما اختلاف النبض فى جزء واحد: فمنه المنقطع، ومنه العائد، ومنه المتصل.
19
والمنقطع هو الذى ينفصل فى جزء واحد، بفترة خفيفة. والجزء الواحد المفصول
20
منه بالفترة، قد يختلف طرفاه بالسرعة، والبطؤ، والتشابه. واما العائد فهو ان يكون
21
نبض عظيم، يرجع صغيرًا فى جزء واحد، ثم عاد عودة لطيفة. ومن هذا النوع النبض
22
المتداخل وهو ان يكون نبضة كنبضتين، بسبب الاختلاف، او نبضتان كنبضة،
23
لتداخلهما، وعلى حسب راى المختلفين فى ذلك.
24
واما المتصل فهو الذى يكون اختلافه متدرجًا على اتصال غير محسوس
25
الفصل فيما يتغير اليه من سرعة الى بطؤ، او بالعكس؛ او الى الاعتدال، او من اعتدال
26
فيهما؛ او من عظم، او من صغر، او اعتدال فيهما الى شىء مما ينتقل اليه. وهذا قد يستمر
27
على التشابه. وقد يتفق ان يكون مع اتصاله فى بعض الاجزاء اشد اختلافًا، وفى بعضها اقل.
28
|44vb30|الفصل الثالث فى اصناف النبض المركب المخصوص باسامى على حدة
29
فمنه الغزالى: وهو من المختلف فى جزء واحد اذا كان بطئيًا، ثم ينقطع فيسرع.
30
ومنه موجى: وهو المختلف فى عظم اجزاء العرق، وصغرها، وشهوقها، وفى العرض؛
1-205
1
وفى التاخر والتقدم فى مبتدأ حركة النبض. مع لين فيه، وليس بصغير جدًا، وله
2
عرض ما. وكانه امواج، يتلو بعضها بعضًا على الاستقامة، مع اختلاف بينها فى الشهوق،
3
والانخفاض، والسرعة، والبطؤ.
4
ومنه الدودى: وهو شبيه به الا انه صغير شديد التواتر، يوهم تواتره سرعة،
5
واليس بسريع. والنملى اصغر جدًا، واشد تواترًا. والدودى والنملى اختلافهما فى
6
لشهوق، وفى التقدم والتاخر، اشد ظهورًا فى الجس، من اختلافهما فى العرض؛
7
بل عسى ذلك ان لا يظهر.
8
ومنه المنشارى: وهو شبيه بالموجى فى اختلاف الاجزاء فى الشهوق، والعرض،
9
وفى التقدم والتأخر؛ الا انه صلب، ومع صلابته مختلف الاجزاء فى صلابته. فالمنشارى
10
نبض سريع، متواتر، صلب، مختلف الاجزاء فى عظم الانبساط، والصلابة، واللين.
11
ومنه ذنب الفار: وهو الذى يتدرج فى اختلاف آخذًا من نقصان الى زيادة،
12
او من زيادة الى نقصان. وذنب الفار قد يكون فى نبضات كثيرة، او فى نبضة واحدة،
13
او فى اجزاء كثيرة، او فى جزء واحد. واختلافه الاخص هو الذى يتعلق بالعظم.
14
وقد يكون باعتبار البطؤ والسرعة، والقوة والضعف.
15
ومنه المسلى: وهو الذى ياخذ من نقصان الى حد فى الزيادة؛ ثم يتناكص
16
على الولاء، الى ان يبلغ الحد الاول فى النقصان. فيكون كذنبى فارة، يتصلان عند
17
الطرف الاعظم.
18
ومنه ذو القرعتين؛ والاطباء مختلفون فيه: فمنهم من يجعله نبضة واحدة،
19
مختلفة فى التقدم والتاخر. ومنهم من يقول: انهما نبضتان متلاحقتان. وبالجملة ليس
20
الزمان بينهما، بحيث يتسع الانقباض، تم انبساط. وليس كلما يحس منه قرعتان،
21
يجب ان يكون نبضتين. والا لكان المنقطع الانبساط العائد نبضتين. وانما يجب ان
22
يعد نبضتين اذا ابتدأ وانبسط، ثم عاد الى العمق منقبضًا، ثم صار مرة اخرى منبسطًا.
23
ومنه ذو الفترة، والواقع فى الوسط المذكوران. والفرق بين الواقع فى الوسط
24
وبين الغزالى: ان الغزالى يلحق فيه الثانية قبل انقضاء الاولى. وأما الواقع فى الوسط،
25
فتكون النبضة الطارية فيه فى زمان السكون، وانقضاء القرعة الاولى.
26
ومن هذه الابواب: النبض المتشنج، والمرتعش، والملتوى، الذى كانه
27
خيط، يلتوى وينفتل. وهو من باب الاختلاف فى التقدم والتاخر، والوضع، والعرض.
28
والمتوتر جنس من جملة الملتوى، يشبه المرتعد؛ إلا ان الانبساط فى المتوتر اخفى؛
29
وكذلك الخروج عن استواء الوضع فى الشهوق، وفى المتوتر اخفى. واما التمدد فهو
30
فى المتوتر واضح. وربما كان الميل فيه الى جانب واحد فقط. واكثر ما يعرض امثال
1-206
1
المتوتر، والملتوى، والمائل الى جانب واحد، انما يعرض فى الامراض اليابسة. ومن
2
مركبات النبض اصناف، تكاد لا تتناهى، لا اسماء لها.
3
|45ra40|الفصل الرابع فى الطبيعى من اصناف النبض
4
كل واحد من الاجناس المذكورة، التى تقتضى تفاوتًا فى زيادة ونقصان،
5
فالطبيعى منها: هو المعتدل. إلا القوى. فان الطبيعى فيه هو الزائد. وان كان شىء
6
من الاصناف الاخرى انما زاد تابعًا للزيادة فى القوة، فصار اعظم مثلًا، فهو طبيعى
7
لاجل القوى. واما الاجناس التى لا تحتمل الازيد والانقص، فان الطبيعى منها هو:
8
المستوى، والمنتظم، وجيد الوزن.
9
|45ra51|الفصل الخامس فى اسباب انواع النبض المذكورة
10
اسباب النبض: منها اسباب عامة، ضرورية، ذاتية، داخلة فى تقويم النبض؛
11
وتسمى الماسكة. ومنها اسباب غير داخلة فى تقويم النبض. فمنها لازمة، مغيرة بتغيرها
12
لاحكام النبض. ويسمى الاسباب اللازمة. ومنها غير لازمة. ويسمى المغيرة على الاطلاق.
13
والاسباب الماسكة ثلاثة: القوة الحيوانية، المحركة للنبض، التى فى القلب.
14
وقد عرفة فى باب القوى الطبيعية. والثانى الآلة، وهى العرق النابض. وقد عرفته
15
فى ذكر الاعضاء. والثالث الحاجة الى التطفيه. وهو المستدعى لمقدار معلوم من التطفية،
16
ويتحدد بازاء حد الحرارة فى اشتعالها او طفوئها، واعتدالها. وهذه الاسباب الماسكة
17
تتغير افعالها، بحسب ما يقترن بها من الاسباب اللازمة والمغيرة على الاطلاق.
18
|45rb12|الفصل السادس فى موجبات الاسباب الماسكة وحدها
19
اذا كانت الآلة مطاوعة بلينها، والقوة قوية، والحاجة شديدة الى التطفية،
20
كان النبض عظيمًا. والحاجة اعون الثلاثة على ذلك. فان كانت القوة ضعيفة، يتبعها
21
صغر النبض لا محالة. فان كانت الآلة صلبة مع ذلك، والحاجة يسيرة، كان اصغر.
22
والصلابة قد تفعل الصغر ايضًا، إلا ان الصغر الذى سببه الصلابة، ينفصل عن الصغر
23
الذى سببه الضعف، بانه يكون صلبًا، ولا يكون فى القصر والانخفاض مفرطًا،
24
كما يكون عند ضعف القوة. وقلة الحاجة ايضًا تفعل الصغر؛ ولكن لا يكون هناك
25
ضعف. ولا شىء من هذه الثلاثة، يوجب الصغر بمبلغ ايجاب الضعف. وصغر الصلابة
26
مع القوة، ازيد من صغر عدم الحاجة مع القوة؛ لآن القوة مع عدم الحاجة، لا تنقص
27
من المعتدل شيئًا كثيرًا، اذ لا مانع له عن البسط. وانما تميل الى ترك زيادة على
28
الاعتدال كثيرة لاحاجة اليها.
1-207
1
فان كانت الحاجة شديدة، والقوة قوية، والآلة غير مطاوعة لصلابتها للعظم،
2
فلا بد من ان يصير سريعًا، ليتدارك بالسرعة ما يفوت بالعظم. وان كانت القوة ضعيفة،
3
فلم يتأت لا تعظيم النبض، ولا احداث السرعة فيه. فلا بد من ان يصير متواترًا؛ ليتدارك
4
بالتواتر ما فات بالعظم والسرعة. فيقوم المرار الكثيرة مقام مرة واحدة كافية عظيمة،
5
او مرتين سريعتين. وقد يشبه هذا حال المحتاج الى حمل شىء ثقيل. فانه ان كان
6
يقوى على حمله جملة فعل؛ والا قسمه بنصفين واستعجل؛ والا قسمه اقسامًا كثيرة،
7
فيحمل كل قسم كما يقدر عليه بتودة او عجلة. ثم لا يريث بين كل نقلتين، وان كان
8
بطيئًا فيهما. اللهم الا ان يكون فى غاية الضعف، فيريث ويقل بكد، ويعود ببطؤ.
9
فان كانت القوة قوية، والآلة مطاوعة، لكن الحاجة شديدة اكثر من الشدة المعتدلة،
10
فان القوة تزيد مع العظم سرعة. وان كانت الحاجة اشد، فعلت مع العظم والسرعة
11
التواتر.
12
والطول يفعله اما بالحقيقة: فاسباب العظم، اذا منع مانع عن الاستعراض
13
والشهوق، كصلابة الآلة مثلًا، المانعة عن الاستعراض، وكثافة اللحم والجلد، المانعة
14
عن الشهوق. واما بالعرض فقد يعين عليه الهزال. والعرض يفعله إما خلاء العروق،
15
فيميل الطبقة العالية على السافلة فيستعرض. او شدة لين الآلة. والتواتر سببه ضعف،
16
او كثرة حاجة لحرارة. والتفاوت سببه قوة قد بلغت الحاجة فى العظم. او برد شديد
17
قلل من الحاجة. او غاية من سقوط القوة، ومشارفة الهلاك.
18
واسباب ضعف النبض من المغيرات: الهم، والارق، والاستفراغ، والنحول
19
والخلط الردى، والرياضة المفرطة، وحركات الاخلاط وملاقاتها لاعضاء شديدة
20
الحس، او مجاورة للقلب، وجميع ما يحلل. واسباب صلابة النبض: يبس جرم العرق،
21
او شدة تمدده، او شدة برد مجمد. وقد يصلب النبض فى البحارين لشدة المجاهدة، وتمدد
22
الاعضاء لها نحو جهة دفع الطبيعة. واسباب لينه: الاسباب المرطبة الطبيعية كالغذاء،
23
اوالمرطبة المرضية، كالاستسقاء وليثارغوس. او التى ليست بطبيعية ولا مرضية،
24
كالاستحمام.
25
وسبب اختلاف النبض مع ثبات القوة، ثقل مادة من طعام اوخلط؛ ومع ضعف
26
القوة، مجاهدة العلة والمرض. ومن اسباب الاختلاف امتلا العروق من الدم، ومثل
27
هذا يزيله الفصد. واشد ما يوجب الاختلاف ان يكون الدم لزجًا، خانقًا لروح المتحرك
28
فى الشرايين؛ وخصوصًا اذا كان التراكم بالقرب من القلب. ومن اسبابه التى
29
توجبه فى مدة قصيرة امتلاء المعدة، والغم والفكر فى شىء. واما اذا كان فى المعدة
30
خلط ردىء، لا يزال دائم الاختلاف؛ وربما ادى الى الخفقان فصار النبض خفقانيًا.
1-208
1
وسبب المنشارى اختلاف المصبوب فى جرم العرق فى عفنه، وفجاجته، و
2
نضجه. واختلاف احوال العرق فى صلابته ولينه. وورم فى الاعضاء العصبانية.
3
وذو القرعتين سببه: شدة القوة، والحاجة، وصلابة الآلة، فلا تطاوع لما تكلفها القوة
4
من الانبساط دفعة واحدة، كمن يريد ان يقطع شيئًا بضربة واحدة، فلا تطاوع، فيلحقه
5
باخرى. وخصوصًا اذا تزيدت الحاجة دفعة.
6
وسبب النبض الفارى ان تكون القوة ضعيفة، فتاخذ عن اجتهاد الى استراحة
7
يتدرج، ومن استراحة الى اجتهاد. والثابت على حالة واحدة ادل على ضعف القوة.
8
وذنب الفار وما يشبهه ادل على قوة ما، وعلى ان الضعف ليس فى الغاية. واردأه
9
الذنب المنقضى، ثم الثابت، ثم الذنب الراجع. وسبب ذات الفترة: اعياء القوة،
10
واستراحتها. او عارض مغافص، يتصرف اليه النفس والطبيعة دفعة. وسبب النبض
11
المتشنج حركات غير طبيعية فى القوة، وردأة فى قوام الآلة. والنبض المرتعد ينبعث
12
من قوة [قوية]، ومن "آلة صلبة"، وحاجة شديدة. ومن دون ذلك لا يجب ارتعاده
13
والموجى قد يكون سببه ضعف القوة فى اكثرالامر فلا يتمكن ان يبسط إلا شيأ بعد
14
شىء. ولين الآلة قد يكون سببًا له. وان لم تكن القوة شديدة الضعف. لان الآلة الرطبة
15
اللينة لا تقبل الهز والتحريك النافذ فى جزء قبول اليابس الصلب؛ فان اليبوسة تهيئ
16
للهز والارعاد. والصلب اليابس يتحرك آخره من تحريك اوله. واما الرطب اللين
17
فقد يجوز ان يتحرك منه جزء، ولا ينفعل عن حركته جزء آخر؛ لسرعة قبوله للانفصال،
18
والانثناء، والخلاف فى الهيئة.
19
وسبب النبض الدودى والنملى شدة الضعف، حتى يجتمع إبطاء وتواتر،
20
"واختلاف فى اجزاء النبض''؛ لان القوة لا تستطيع بسط الآلة دفعة واحدة، بل شيئًا
21
بعد شىء. وسبب النبض الردى الوزن: أما ان كان النقص فى احوال زمان السكون،
22
فهو زيادة الحاجة. وأما ان كان فى احوال زمان الحركة، فهو زيادة الضعف، او عدم
23
الحاجة. واما نقص زمان الحركة بسبب سرعة الانبساط، فهو غير هذا. وسبب الممتلئ،
24
والخالى، والحار، والبارد، والشاهق، والمنخفض ظاهر.
25
|45vb24|الفصل السابع فى نبض الاسنان والذكور والاناث
26
نبض الذكران لشدة قوتهم وحاجتهم اعظم واقوى كثيرًا. ولان حاجتهم
27
تتم بالعظم، فنبضهم ابطأ من نبض النساء، واشد تفاوتًا فى الامرالاكثر. وكل نبض
1-209
1
يثبت فيه القوة ويتواتر، فيجب ان يسرع لا محالة؛ لان السرعة قبل التواتر فلذلك كما
2
ان نبض الرجال ابطأ، فكذلك هو اشد تفاوتًا.
3
ونبض الصبيان الين للرطوبة، واضعف، واشد تواترًا؛ لان الحرارة قوية،
4
والقوة ليست بقوية، فانهم غير مستكملين بعد. ونبض الصبيان على قياس مقادير
5
اجسامهم عظيم؛ لان آلتهم شديدة اللين، وحاجتهم شديدة، وليست قوتهم بالنسبة
6
الى مقادير ابدانهم ضعيفة؛ لان ابدانهم صغيرة المقدار. إلا ان نبضهم بالقياس الى
7
نبض المستكملين ليس بعظيم. ولكنه اسرع واشد تواترًا للحاجة. فان الصبيان يكثر
8
فيهم اجتماع البخار الدخانى، لكثرة هضمهم، وتواتره فيهم، ويكثر لذلك حاجتهم
9
الى اخراجه، والى ترويح حارهم الغريزى.
10
واما نبض الشبان فزائد فى العظم، وليس زائدًا فى السرعة؛ بل هو ناقص
11
فيها جدًا وفى التواتر، وذاهب الى التفاوت. لكن نبض الذين هم فى اول الشباب
12
اعظم، ونبض الذين [هم] فى اوسط الشباب اقوى. وقد كنا بينا ان الحرارة فى
13
الصبيان والشبان قريبة من المتساوية، فيكون الحاجة فيهما متقاربة؛ لكن القوة فى
14
الشبان زائدة، فيبلغ بالعظم ما يغنى عن السرعة والتواتر. وملاك الامر فى ايجاب العظم
15
هو القوة. وأما الحاجة فداعية، واما الآلة فمعينة. ونبض الكهول اصغر، وذلك
16
للضعف، واقل سرعة لذلك ايضًا. ولعدم الحاجة؛ وهو لذلك اشد تفاوتًا. ونبض
17
الشيوخ الممعنين فى السن صغير، متفاوت، بطىء. وربما كان لينًا بسبب الرطوبات
18
الغريبة لا الغريزية.
19
|46ra9|الفصل الثامن فى نبض الامزجة
20
المزاج الحار اشد حاجة. فان ساعدت القوة والآلة، كان النبض عظيمًا.
21
وان خالف احدهما، كان على ما فصل فيما سلف. وان كان الحار ليس سوء مزاج،
22
بل طبيعيًا، كان المزاج قويًا صحيحًا، والقوة قوية جدًا. ولا تظنن ان الحرارة الغريزية
23
توجب تزيدها نقصانًا فى القوة بالغة مّا بلغت؛ بل توجب القوة فى جوهرالروح،
24
والشهامة فى النفس. والحرارة التابعة لسوء المزاج كلما ازدادت شدة، ازدادت
25
القوة ضعفًا.
26
واما المزاج البارد فيميل النبض الى جهات النقصان، مثل الصغر خصوصًا
27
والبطؤ، والتفاوت. فان كانت الآلة لينة، كان عرضها زائدًا؛ وكذلك بطؤها وتفاوتها.
28
وان كانت صلبة، كانت دون ذلك. والضعف الذى يورثه سوء المزاج البارد، اكثر
29
من الذى يورثه سوء المزاج الحار؛ لان الحار اشد موافقة للغريزية. واما المزاج الرطب
1-210
1
فيتبعه الموجية، والاستعراض. واليابس يتبعه الضيق والصلابة. ثم ان كان القوة
2
قوية، والحاجة شديدة، حدث ذو القرعتين، والمتشنج، والمرتعش. ثم اليك ان
3
ان تركب على حفظ منك للاصول.
4
وقد يعرض "لانسان واحد" ان يختلف مزاج شقيه، فيكون احد شقيه باردًا،
5
والآخر حارًا؛ فيعرض له ان [يكون] نبضا شقيه مختلفين، الاختلاف الذى توجبه
6
الحرارة والبرودة، فيكون الجانب الحار نبضه نبض المزاج الحار، والجانب البارد
7
نبضه نبض المزاج البارد. ومن هذا يعلم ان النبض فى انبساطه وانقباضه ليس على
8
سبيل مد وجزر من القلب؛ بل على سبيل انبساط وانقباض من جرم الشريان نفسه.
9
|46ra44|الفصل التاسع فى نبض الفصول
10
اما الربيع فيكون النبض فيه معتدلًا فى كل شىء، وزائدًا فى القوة. وفى الصيف
11
يكون سريعًا متواترًا للحاجة، صغيرًا ضعيفًا لانحلال القوة، بتحلل الروح للحرارة الخارجة
12
المستولية المفرطة. واما فى الشتاء فيكون اشد تفاوتًا، وإبطاءً وضعفًا، مع انه صغير،
13
لان القوة تضعف. وفى بعض الابدان يتفق ان يحتقن الحرارة فى الغور ويجتمع،
14
ويقوى القوة. وذلك اذا كان المزاج الحار غالبًا، مقاومًا للبرد، لا ينفعل عنه. فلا
15
يعمق البرد. واما فى الخريف فيكون النبض مختلفًا، والى الضعف ما هو. أما اختلافه
16
فلسبب كثرة استحالة المزاج العرضى فى الخريف، تارة الى حر، وتارة الى برد.
17
وأما ضعفه فلذلك ايضًا؛ فان المزاج المختلف [فى] كل وقت اشد نكاية من المتشابه
18
المستوى؛ وان كان رديًا. ولان الخريف زمان مناقض لطبيعة الحياة؛ لان الحر فيه
19
يضعف، واليبس يشتد. واما نبض الفصول التى بين الفصول، فانه يناسب الفصول
20
التى تكتنفها.
21
|46rb9|الفصل العاشر فى نبض البلدان
22
من البلدان معتدلة ربيعية؛ ومنها حارة صيفية؛ ومنها باردة شتوية؛ ومنها يابسة
23
خريفية؛ فتكون احكام النبض فيها على قياس ما عرفت من نبض الفصول.
24
|46rb15|الفصل الحادى عشر فى النبض الذى يقتضيه المتناولات
25
المتناول يغير حال النبض بكيفيته وكميته. أما من كيفيته فبأن يميل الى التسخين،
26
او الى التبريد، فيغير بمقتضى ذلك. وأما فى كميته فان كان معتدلًا، صار النبض زائدًا
27
فى العظم، والسرعة، والتواتر، لزيادة القوة والحرارة، ويلبث هذا التاثير مدة. وان
28
كان كثير المقدار جدًا، صار النبض مختلفًا بلا نظام، لثقل الطعام على القوة. وكل
1-211
1
ثقل يوجب اختلاف النبض. وزعم اركيغانس: ان سرعته حينئذ يكون اشد من تواتره.
2
وهذا التغير لابث، لان السبب ثابت. وان كان فى الكثرة دون هذا، كان الاختلاف
3
منتظمًا. وان كان قليل المقدار، كان النبض اقل اختلافًا، وعظمًا، وسرعةً. ولا يثبت
4
تغيره كثيرًا، لان المادة قليلة، ينهضم سريعًا. ثم ان خارت القوة، وضعفت من الاكثار
5
والاقلال ايهما كان، تضاهى النبضان فى الصغر والتفاوت آخر الامر. وان قويت
6
الطبيعة على الهضم والاحالة، عاد النبض معتدلًا.
7
وللشراب خصوصية وهو ان الكثير منه وان كان يوجب الاختلاف، ولا يوجب
8
فيه قدرًا يعتد به، وقدرًا يقتضى ايجابه، نظيره من الاغذية. وذلك لتخلخل جوهره،
9
ولطافته، ورقته، وخفته. وأما اذا كان الشراب باردًا بالفعل، فيوجب ما يوجبه الباردات
10
من التصغير، وايجاب التفاوت، والبطؤ، ايجابًا بسرعة، لسرعة نفوذه. ثم اذا سخن
11
فى البدن، اوشك ان يزول ما يوجبه. والشراب اذا نفذ فى البدن وهو حار، لم
12
يكن بعيدًا جدًا عن الغريزة. وكان يعرض تحلل سريع. وان نفذ باردًا، بلغ فى النكاية
13
ما لا يبلغه غيره من الباردات؛ لانها تتأخر الى ان يسخن، ولا ينفذ بسرعة نفوذه.
14
وهذا يبادر الى النفوذ قبل ان يستوفى تسخنه. وضرر ذلك عظيم، خصوصًا بالابدان
15
المستعدة للتضرر بالبارد. وليس كضرر تسخينه اذا نفذ سخينًا؛ فانه لا يبلغ تسخينه
16
فى اول الملاقات ان ينكى نكاية بالغة، بل الطبيعة تتلقاه بالتوزيع، والتفريق، والتحليل.
17
واما البارد فربما اقعد الطبيعة، واخمد قوتها قبل ان ينهض للتوزيع، والتفريق، والتحليل.
18
فهذا ما يوجبه الشراب بكثرة المقدار، وبالحرارة والبرودة. واما اذا اعتبر
19
من جهة تقويته، فله احكام أخر؛ لانه بذاته مقو لاصحاء، وناعش للقوة، بما يزيد فى
20
جوهر الروح بالسرعة. اما التبريد والتسخين الكائن منه، فان كان ضارًا بالقياس الى
21
اكثر الابدان، فكل واحد منهما قد يوافق مزاجًا، وقد لا يوافقه. فان الاشياء الباردة
22
قد يقوى الذين بهم سوء مزاج حار، كما ذكر جالينوس ان ماء الرمان يقوى المحرورين
23
دائمًا، وماء العسل يقوى المبرودين دائمًا. فالشراب من حيث ما هو حار بالطبع،
24
او بارد بالطبع، قد يقوى طائفة، ويضعف أخرى. وليس كلامنا فى هذا الآن؛
25
بل فى قوته التى بها يستحيل سريعًا الى الروح. فان ذلك بذاته مقو دائمًا. فان اعانه
26
احد هذين فى بدن ازدادت تقويته، وان خالفه انتقصت تقويته بحسب ذلك. فيكون
27
تغيره للنبض بحسب ذلك. ان قوى زاد النبض قوة، وان سخن زاده فى الحاجة، وان
28
برد نقص من الحاجة. وفى اكثر الامر يزيد فى القوة، وليس فى كل حال يزيد فى
1-212
1
الحاجة، حتى يزيد فى السرعة. واما الماء فهو بما ينفذ الغذاء يقوى، ويفعل شبيهًا بفعل
2
الخمر. ولانه لا يسخن، بل يبرد، فليس يبلغ مبلغ الخمر فى زيادة الحاجة.
3
|46va38|الفصل الثانى عشر فى موجبات النوم واليقظة فى النبض
4
اما النبض فى النوم، فتختلف احكامه بحسب الوقت من النوم، وبحسب حال
5
الهضم. فالنبض فى اول النوم صغير ضعيف؛ لان الحرارة الغريزية حركتها فى ذللث
6
الوقت الى الانقباض والغور، لا الى الانبساط والظهور. لانها فى ذلك الوقت تتوجه
7
بكليتها بتحريك النفس لها الى باطن، لهضم الغذاء، وانضاج الفضول. وتكون
8
كالمقهورة المحصورة لا محالة. ويكون ايضًا اشد بطاءً وتفاوتًا. فان الحرارة وان حدث
9
فيها تزيد بحسب الاحتقان والاجمتاع، فقد عدمت التزيد الذى يكون لها فى حال
10
اليقظة بجسب الحركة المسخنة. والحركة اشد إلهابًا وامالة الى جهة سوء المزاج؛
11
والاجتماع والاحتقان المعتدلين اقل الهابًا، واقل احواجًا للحرارة الى القلق. وانت
12
تعرف هذا من ان نفس المتعب وقلقه اكثر كثيرًا من نفس المحتقن حرارة وقلقه بسبب
13
شبيه بالنوم؛ مثاله المنغمس فى ماء معتدل البرد وهو يقظان. فانه وان احتقنت حرارته،
14
وتقوت من ذلك، لم تبلع من تعظيمها النفس، ما يبلغه التعب والرياضة القريبة منه.
15
واذا تاملت لم تجد شيئًا اشب للحرارة من الحركة.
16
وليست اليقظة توجب التسخين بحركة البدن، حتى اذا سكن البدن، لم توجب
17
ذلك، بل انما توجب التسخين بانبعاث الروح الى خارج، وحركته اليه على اتصال من
18
تولده هذا. فاذا استمرأ الطعام فى النوم، عاد النبض فقوى، لتزيد القوة بالغذاء،
19
وانصراف ما كان اتجه الى الغور، لتدبير الغذاء الى خارج، والى مبدأه. ولذلك يعظم
20
النبض حينئذ ايضًا؛ ولان المزاج يزداد بالغذاء تسخينًا، كما قلنا، والآلة ايضًا تزداد
21
بما ينفذ اليها من الغذاء لينًا. ولكن لا تزداد كثير سرعة وتواتر؛ اذ ليس ذلك مما يزيد
22
فى الحاجة؛ ولا ايضًا يكون هناك عن استيفاء المحتاج اليه بالعظم وحده مانع.
23
ثم اذا تمادى بالنائم النوم، عاد النبض ضعيفًا؛ لاختناق الحرارة الغريزية،
24
وانضغاط القوة تحت الفضول التى من حقها ان تستفرع بانواع الاستفراغ الذى
25
يكون باليقظة؛ التى منها الرياضة، [والاستفراغات المحسوسة،] والاستفراغات
26
التى لا تحس هذا. واما اذا صادف النوم من اول الوقت خلاءً، ولم يجد ما يقبل عليه
27
فيهضمه، فانه يميل المزاج الى جنبة البرد، فيدوم الصغر، والبطؤ، والتفاوت فى
28
النبض، ولا يزال يزداد.
29
ولليقظة ايضًا احكام متفاوتة؛ فانه اذا استيقظ النائم بطبعه، مال النبض الى
30
العظم، والسرعة ميلًا متدرجًا، ورجع الى حاله الطبيعى. واما المستيقظ دفعة بسبب
1-213
1
مفاجئ، فانه يعرض له ان يفتر منه النبض كما يتحركك عن منامه، لانهزام القوة عن
2
وجه المفاجئ، ثم يعود له نبض عظيم، سريع، متواتر، مختلف الى الارتعاش؛ لان
3
هذه الحركة شبيهة بالقسرية، فهى تلهب ايضًا. ولان القوة تتحرك بغتة الى دفع ما عرض
4
طبعًا، ويحدث حركات مختلفة، فيرتعش النبض. لكنه لا يبقى على ذلك زمانًا طويلًا،
5
بل يسرع الى الاعتدال؛ لان سببه وان كان كالقوى، فثباته قليل، والشعور ببطلانه
6
سريع.
7
|46vb50|الفصل الثالث عشر فى احكام نبض الرياضة
8
اما فى ابتداء الرياضة، وما دامت معتدلة، فان النبض يعظم ويقوى؛ وذلك
9
لتزيد الحار الغريزى وتقويه. وايضًا يسرع ويتواتر جدًا؛ لافراط الحاجة التى
10
اوجبتها الحركة. فان دامت وطالت، او كانت وان قصرت شديدة جدًا، بطل ما توجبه
11
القوة؛ فضعف النبض وصغر، لانحلال الحار الغريزى. لكنه يسرع ويتواتر لامرين:
12
احدهما اشتداد الحاجة؛ والثانى قصور القوة عن ان تفى بالتعظيم. ثم لا يزال السرعة
13
تنتقص، والتواتر تزيد على مقدار ما يضعف من القوة. ثم آخر الامر ان دامت الرياضة
14
وانهكت، عاد النبض نمليًا للضعف ولشدة التواتر. فان الرياضة ان افرطت، وكادت
15
تقارب العطب، فعلت جميع ما تفعله الانحلالات، فصيرت النبض الى الدودية، ثم
16
تميله الى التفاوت والبطؤ مع الضعف والصغر.
17
|47ra14|الفصل الرابع عشر فى احكام نبض المستحمين
18
الاستحمام إما ان يكون بالماء الحار، وإما ان يكون بالماء البارد. والكائن
19
بالماء الحار، فانه فى اوله يوجب احكام القوة والحاجة؛ فاذا حلل بافراط، اضعف
20
النبض. قال جالينوس: فيكون حينئذ صغيرًا، بطيئًا، متفاوتًا. فنقول: أما التضعيف
21
وتصغير النبض، فمما يكون لا محالة [لكن] الماء الحار اذا فعل فى باطن البدن
22
تسخينًا بحرارته العرضية: فربما لم يلبث، بل غلب عليه مقتضى طبعه، وهو التبريد؛
23
وربما لبث وتشبث. فان غلب حكم الكيفية العرضية، صار النبض سريعًا
24
متواترًا؛ وان غلب مقتضى الطبيعة، صار بطيئًا متفاوتا. وان بلغ التسخين العرضى منه
25
فرط تحليل من القوة، حتى تقارب الغشى، صار النبض ايضًا بطيئًا متفاوتًا. واما الاستحمام
26
الكائن بالماء البارد: فان غاص برده، اضعف النبض وصغره، واحدث تفاوتًا وابطاء؛
27
وان لم يغص، بل جمع الحرارة، زادت القوة فعظم يسيرًا، ونقصت السرعة والتواتر.
28
واما المياه التى تكون فى الحمات: فالمجففات منها تزيد النبض صلابة، وتنقص من
29
عظمه. والمسخنات تزيد النبض سرعة، الا ان تحلل القوة، فيكون ما فرغنا من ذكره.
1-214
1
|47ra40|الفصل الخامس عشر فى النبض الخاص بالنساء وهو نبض الحبالى
2
اما الحاجة فيهن، فتشتد بسبب مشاركة الولد فى النسيم المستنشق. وكانها
3
تستنشق لحاجتين ولنفسين. واما القوة فلا تزداد لا محالة، ولا ايضًا تنتقص كثير انتقاص؛
4
إلا بمقدار مّا يوجبه يشير إعياء لحمل الثقل. فلذلك تغلب احكام القوة المتوسطة،
5
والحاجة الشديدة، فيعظم النبض، ويسرع، ويتواتر.
6
|47ra51|الفصل السادس عشر فى نبض الاوجاع
7
الوجع يغير النبض: إما لشدته. وإما لكونه فى عضو رئيس. وإما لطول
8
مدته. والوجع اذا كان فى اوله، هيج القوة وحركها الى المقاومة والدفاع، والهب
9
الحرارة، فيكون النبض عظميًا سريعًا، واشد تفاوتًا؛ لان الوطر يقضى بالعظم والسرعة.
10
فاذا بلغ الوجع النكاية فى القوة، لما ذكرنا من الوجوه، اخذ يتناكس ويتناقص، حتى
11
يفقد العظم والسرعة، ويخلفهما اولًا شدة التواتر ثم الصغر، والدودية والنملية. فان
12
زاد ادى الى التفاوت، والى الهلاك.
13
|47rb8|الفصل السابع عشر فى نبض الاورام
14
الاورام منها محدثة للحمى. وذلك لعظمها، او لشرف عضوها، فهى تغير النبض
15
فى البدن كله، اعنى التغير الذى يخص الحمى، وسنوضحه فى موضعه. ومنها ما لا
16
يحدث [الحمى] فيغير النبض الخاص بالعضو الذى هو فيه بالذات، وربما غيره من سائر البدن
17
بالعرض، اى لا بما هو ورم، بل بما هو يوجع. والورم المغير للنبض إما أن يغيره بنوعه،
18
وإما ان يغيره بوقته، وإما ان يغيره بمقداره، واما ان يغيره للعضو الذى هو فيه، واما
19
ان يغيره بالعرض الذى يتبعه ويلزمه.
20
اما تغيره بنوعه، فمثل الورم الحار. فانه يوجب بنوعه تغير النبض الى المنشارية،
21
والارتعاد والارتعاش، والسرعة والتواتر؛ ان لم يعارضه سبب مرطب، فيبطل المنشارية،
22
[ويخلفها اذن] الموجية. واما الارتعاد، والسرعة والتواتر، فلازم له دائمًا. وكما ان من
23
الاسباب ما يمنع منشاريته، كذلك منها ما يزيد منشارية ويظهرها. والورم اللين يجعل
24
النبض موجيًا. فان كان باردًا جدًا، جعله بطيئًا متفاوتًا. والصلب يزيد فى منشاريته.
25
واما الخراج اذا جمع، فانه يصرف النبض من المنشارية الى الموجية، للترطيب والتليين
26
الذى يتبعه، ويزيد فى الاختلاف لثقله. وأما السرعة والتواتر، فكثيرًا ما تحف بسكون
27
الحرارة العارضة، بسبب النضج.
1-215
1
واما تغيره بحسب اوقاته، فانه ما دام الورم الحار فى التزيد، كانت المنشارية
2
وسائر ما ذكرنا الى التزيد، ويزداد دائمًا الى الصلابة، للتمد الزائد فى الارتعاد للوجع.
3
واذا قارب المنتهى، ازدادت الاعراض كلها؛ إلا ما يتبع القوة؛ فانه يضعف فى النبض،
4
فيزداد التواتر والسرعة؛ ثم ان طال بطلت السرعة، وعاد نمليًا. فاذا انحط فتحلل،
5
اوانفجر، قوى النبض بما وضع عن القوة من الثقل، وخف ارتعاده بما ينقص من الوجع
6
الممدد.
7
وأما من جهة مقداره، فان العظيم يوجب ان تكون هذه الاحوال اعظم وازيد؛
8
والصغير يوجب ان يكون اقل واصغر. وأما من جهة عضوه، فان الاعضاء العصبانية
9
توجب زيادة فى صلابة النبض ومنشاريته، والعرقية توجب زيادة عظم وشدة اختلاف،
10
لا سيما ان كان الغالب فيها هو الشريانات، كما فى الطحال والرئة. ولا يثبت هذا العظم،
11
إلا ما يثبت القوة. والاعضاء الرطبة اللينة تجعله موجيًا كالدماغ والرئة. وأما تغير الورم
12
النبض بواسطة العرض، فمثل ان ورم الرئة يجعل التبض خناقيًا، وورم الكبد ذبوليًا؛
13
وورم الكلية حصريا؛ وورم العضو القوى الحس، كالمعدة والحجاب، تشنجيًا غشيًا.
14
|47va10|الفصل الثامن عشر فى احكام نبض العوارض النفسانية
15
أما الغضب فانه انما يثير من القوة، ويبسط من الروح دفعة، يجعل النبض
16
عظيمًا شاهقًا جدًا سريعًا متواترًا. ولا يجب ان يقع فيه اختلاف؛ لان الانفعال متشابه.
17
إلا ان يخالطه خوف، فتارة يغلب ذاك، وتارة هذا. وكذلك ان خالطه خجل، او
18
منازعة من العقل، وتكلف الامساك عن تهيجه، وتحريكه الى الايقاع بالمغضوب
19
عليه. واما اللذة فلانها تحرك الى خارج برفق، فليس يبلغ مبلغ الغضب فى ايجابه
20
السرعة، ولا فى ايجابه التواتر؛ بل ربما كفى عظمه الحاجة [اليه]؛ فكان بطيئًا متفاوتًا.
21
وكذلك نبض السرور، فانه قد يعظم فى الاكثر مع لين، ويكون الى ابطاء وتفاوت.
22
وأما الغم فلان الحرارة تختنق فيه وتغور، والقوة تضعف، فيجب ان يصير النبض
23
صغيرًا، ضعيفًا، متفاوتًا، بطيئًا. وأما الفزع فالمفاجئ منه يجعل النبض سريعًا، مرتعدًا،
24
مختلفًا، غير منتظم. والممتد منه، والمتدرج يغير النبض تغير الغم.
25
|47va32|الفصل التاسع عشر فى جملة تغير الامور المضاده لطبيعة هيئة النبض
26
تغييرها: إما بما يحدث منها من سوء مزاج؛ وقد عرف نبض كل مزاج. وإما
27
بان يضغط القوة، فيصير مختلفًا. وان كان الضغط شديدًا جدًا، كان بلا نظام،
28
ولا وزن. والضاغط هو كل كثرة مادية، كانت ورمًا او غير ورم. وإما بان يحلل القوة،
1-216
1
فيصير البض ضعيفًا <صغيرًا متواترًا>؛ وهذا كالوجع الشديد، والآلام النفسانية القوية
2
التحليل.
3
|47va44|الجلة الثانية
4
من التعليم الثالث من الفن الثانى
5
فى البول والبراز وهى ثلثة عشر فصلًا
6
|47va45|الفصل الاول قول كلى فى البول
7
لاينبغى ان يوثق بطرق الاستدلال من احوال البول، الا بعد مراعاة شرائط:
8
يجب ان يكون البول اول بول اصبح عليه. ولم يدافع به الى زمان طويل. ويثبت من
9
الليل. ولم يكن صاحبه شرب ماءً، ولا اكل طعامًا. ولم يكن تناول صابغًا من ماكول،
10
او مشرب، كالزعفران والخيارشنبر؛ فانهما يصبغان الى الصفرة والحمرة؛ وكالبقول
11
فانها تصبغ الى الخضرة؛ والمرى فانه يصبغ الى السواد؛ والشراب المسكر يغير البول
12
الى لونه. ولا لاقت بشرته صابغًا، كالحناء فان المختضب به ربما انصبغ بوله منه.
13
ولا يكون تناول ما يدر خلطًا، كما يدر الصفراء والبلغم.
14
ولم يكن تعاطى من الحركات، والاعمال، ومن الاحوال الخارجة عن المجرى
15
الطبيعى، ما يغير الماء لونًا، مثل الصوم، والسهر، والتعب، والجوع، والغضب؛
16
فان هذه كلها يصبغ البول الى الصفرة والحمرة؛ والجماع يدسم الماء تدسيمًا شديدًا. ومثل
17
القىء والاستفراغ، فانها ايضًا يبدلان الواجب من لون الماء وقوامه. وكذلك اتيان
18
ساعات عليه. ولذلك قيل يجب ان لا ينظر فى البول بعد ست ساعات، لان دلائله تضعف،
19
ولونه يتغير، وثفله يذوب ويتغير، او يكثف اشد. على انى اقول: ولا بعد ساعة. و
20
ينبغى ان يوخذ البول بتمامه فى قارورة واسعة لا يصب منه شىء. ويعتبر حاله لا كما يبال
21
بل بعد ان يهدأ فى القارورة، بحيث لا يصيبه شمس ولا ريح، فيثوره او يجمده،
22
حتى يتميز الرسوب، فيتم الاستدلال؛ فليس كما يبال يرسب، ولا فى تام النضج جدًا.
23
ولم يبال فى قاروة لم يغسل [بعد البول] الاول.
24
وابوال الصبيان قليلة الدلائل، وخصوصًا ابوال الاطفال للبنيتها؛ ولان المادة
25
الصابغة فيهم ساكنة مغمورة. وفى طبائعهم من الضعف، ومن استعمال النوم الكثير، ما يميت
26
دلائل النضج. وآلة آخذ البول هو الجسم الشفاف النقى الجوهر كالزجاج الصافى
27
والبلور.
1-217
1
واعلم ان البول كلما قربته منك ازداد غلظًا، وكلما بعدته ازداد صفاءً. و
2
بها يفارق سائر الغش، مما يعرض على الاطباء للامتحان. واذا اخذ البول فى القارورة،
3
فيجب ان يصان عن تغيير البرد، والشمس، والريح اياه؛ وان ينظر اليه فى الضوء من
4
غير ان يقع عليه الشعاع، بل يستر عن الشعاع؛ فحينئذ يحكم عليه من الاعراض التى
5
ترى فيه.
6
وليعلم ان الدلالة الاولية للبول هى على حال الكبد، ومسالك المائية، وعلى
7
احوال العروق، وبتوسطها يدل على امراض أخرى. واصح دلائله ما يدل به على الكبد،
8
وخصوصًا على أحوال حدبته. والدلائل الماخوذة من البول منتزعة من اجناس سبعة:
9
جنبس اللون، وجنبس القوام، وجنس الصفاء والكدورة، وجنس الرسوب، وجنس
10
المقدار فى القلة والكثرة، وجنس الرائحة، وجنس الزبد. ومن الناس من يدخل.
11
فى هذه الاجناس جنس اللمس، وجنس الطعم، ونحن اسقطناهما.
12
ونعنى بقولنا جنس اللون: ما يحسه البصر فيه من الالوان، اعنى السواد والبياض
13
وما بينهما؛ ونعنى بجنس القوام حاله فى الغلظ والرقة؛ ونعنى بجنس الصفاء والكدورة
14
حاله فى سهولة نفوذ البصر فيه وعسره. والفرق بين هذا الجنس وجنس القوام: انه
15
قد يكون غليظ القوام صافيًا؛ مثل بياض البيض، ومثل غراء السمك المذاب، ومثل
16
الزيت. وقد يكون رقيق القوام كدرًا، كالماء الكدر، فانه ارق كثيرًا من بياض البيض.
17
وسبب الكدرة مخالطة اجزاء غريبة اللون، دكن او ملونة بلون آخر غير محسوسة التميز،
18
تمنع الاشفاف، ولا تحس هى بانفرادها. وتفارق الرسوب بان الرسوب قد يميزه الحس.
19
وتفارق اللون بان اللون فاش فى جوهر الرطوبة، واشد مخالطة منه.
20
|48ra18|الفصل الثانى فى دلائل الوان البول
21
من الوان البول طبقات الصفرة: كالتينى. ثم الاترجى. ثم الاشقر. ثم الاصفر
22
النارنجى. ثم النارى الذى يشبه صبغ الزعفران، وهو الاصفر المشبع. ثم الزعفرانى
23
الذى يشبه شعرة <الزعفران>، وهذا هو الذى يقال له الاحمر الناصع.
24
وما بعد الاترجى فكله يدل على الحرارة، ويختلف بحسب درجاتها. وقد توجبها الحركات
25
الشديدة، والاوجاع، والجوع، وانقطاع مادة الماء المشروب.
26
وبعد هذه الطبقات المذكورة طبقات الحمرة: كالاصهب. والوردى. والاحمر
27
القانى. والاحمر الاقتم. وكلها يدل على غلبة الدم. وكلما ضربت الى الزعفرانية،
28
فالاغلب هو المرة، وكلما ضربت الى القتمة، فالدم اغلب. والنارى ادل على الحرارة
1-218
1
من الاحمر والاقتم، كما ان المرة فى نفسها اسخن من الدم. ويكون لون الماء فى
2
الامراض الحادة المحرقة ضاربًا الى الزعفرانية والنارية، فان كانت هناك رقة دل
3
على حال من النضج، وانه ابتداء ولم يظهر فى القوام. واذا اشتدت الصفرة الى حد
4
النارية والى النهاية فيه، فالحرارة قد امعنت فى الازدياد. وذلك هو الشقرة الناصعة.
5
فان ازدادت صفاءً، فالحرارة فى النقصان.
6
وقد يبال فى الامراض الحارة الدموية بول كالدم نفسه، من غير ان يكون
7
هناك انفتاح عرق. فيدل على امتلاء مفرط [دموى]. واذا بيل قليلًا قليلًا، وكان مع
8
نتن، فهو دليل خطر. يخشى منه انصاب الدم الى المخانق. واردأه ارقه على لونه،
9
وحاله، ونتنه. واذا بيل غزيرًا، فربما كان دليل خير فى الحميات الحادة والمختلطة.
10
لانه كثيرًا ما يكون دليل بحران وافراق. إلا ان يرق فى الاول دفعة قبل وقت البحران،
11
فيكون حينئذ دليل نكس. وكذلك اذا لم يتدرج الى الرقة بعد البحران. واما فى
12
اليرقان فكلما كان البول اشد حمرة، حتى يضرب الى السواد، ويصبغ الثوب صبغًا
13
غير منسلخ، وكلما كان كثيرًا، فهو اسلم. فانه اذا كان البول فيه ابيض، او كان احمر
14
قليل الحمرة، واليرقان بحاله، خيف الاستسقاء. والجوع مما يكثر صبغ البول، ويحده جدًا.
15
ثم طبقات الخضرة: فمثل البول الذى يضرب الى الفستقية. ثم الزنجارية.
16
والآسمانجونى. والنيلجى. ثم الكراثى. فاما الفستقى فانه يدل على برد. وكذلك ما فيه.
17
خضرة. إلا الزنجارى والكراثى؛ فانهما يدلان على احتراق شديد. والكراثى اشد من
18
الزنجارى. والزنجارى بعد التعب يدل على تشنج. والصبيان يدل البول الاخضر منهم
19
على تشنج. وأما الآسمانجونى فانه يدل على البرد الشديد فى اكثر الامر، ويتقدمه بول
20
اخضر. وقد قيل انه يدل على شرب السم. فان كان معه رسوب، رجى ان يعيش،
21
وإلا خيف على صاحبه. والزنجارى شديد الدلالة على العطب.
22
واما طبقات اللون الاسود: فمنه اسود سالك الى السواد طريق الزعفرانية،
23
كما فى اليرقان، ويدل على تكاثف الصفراء واحتراقها، بل على السوداء الحادثة من
24
الصفراء، وعلى اليرقان. ومنه اسود آخذ من القمتة، ويدل على السوداء الدموية.
25
واسود آخر آخذ من الخضرة والنيلجية؛ ويدل على السوداء الصرف. والبول الاسود
26
فى الجملة يدل: إما على شدة احتراق؛ وإما على شدة برد؛ وإما على موت من الحرارة
27
الغريزية وانهزام، وإما على بحران، ودفع من الطبيعة للفضول السوداوية.
28
ويستدل على الكائن من الاحتراق: بان بكون هناك احتراق شديد، ويكون
29
قد تقدمه بول اصفر واحمر، ويكون الثفل فيه متشتتًا، قليل الاستواء، ليس بذلك
1-219
1
المجتمع المكتنز، ولا يكون شديد السواد، بل يضرب الى زعفرانية، وصفرة او قتمة.
2
فان كان يضرب الى الصفرة، دل كثيرًا على اليرقان. ويستدل على الكائن من البرد:
3
بان يكون قد تقدمه بول الى الخضرة والكمدة، ويكون الثفل فيه قليلًا مجتمعًا، كانه
4
جاف، ويكون السوداء فيه اخلص. وقد يفرق بين المزاجين بانه اذا كان مع البول
5
الاسود شدة قوة من الرائحة، كان دالًا على الحرارة؛ ثم ان كان معه عدم الرائحة او ضعف
6
من قوتها، كان دالأ على البرودة؛ فانه اذا انهزمت الطبيعة جدًا لم تكن رائحة، ويستدل
7
على الحادث لسقوط الغريزية بما يعقبه من سقوط القوة وانحلالها.
8
ويستدل على الحادث على سبيل التنقية والبحران؛ كما يكون فى اواخر الربع،
9
وانحلال علل الطحال، واوجاع الظهر والرحم، والحميات السوداوية والليلية، والنهارية.
10
والآفات العارضة من احتباس الطمث واحتباس المعتاد وسيلانه من المقعدة،
11
وخصوصًا اذا اعانت الطبيعة او الصناعة بالادرار. وكما يصيب النساء اللواتى قد احتبس
12
طمثهن، فلم تقبل الطبيعة فضلة الدم. بان يكون قد تقدمه بول غير نضيج مائى: و
13
يصادف البدن عقيبه خفًا. ويكون كثير المقدار غزيرًا. وأما ان لم يكن هكذا، فان
14
البول الاسود علامة رديئة، وخصوصًا فى الامراض الحادة. ولا سيما ان كان مقداره
15
قليلًا؛ فيعلم من قلته ان الرطوبة قد افناها الاحتراق. وكلما كان اغلظ، كان اردأ،
16
وكلما كان ارق، فهو اقل ردأة.
17
وقد يعرض ان يبال بول اسود او احمر قانى بسب شرب شراب بهذه الصفة،
18
لم تعمل فيه الطبيعة اصلًا، فخرج بحاله. وهذا لا خطر فيه. وربما كان دليل بحران
19
صالح فى الامراض الحادة ايضًا. والبول الذى يبوله المريض رقيقًا، وفيه تعلق فى
20
نواحى مختلفة، فانه كثيرًا ما يدل على صداع، وسهر وصمم، واختلاط عقل.
21
لا سيما اذا بيل قليلًا قليلًا وفى زمان طويل، وكان حاد الرائحة، وكان فى الحميات،
22
فانه حينئذ شديد الدلالة على الصداع والاختلاط فى العقل. واذا كان هناك سهر،
23
وصمم، واختلاط عقل، وصداع، دل على رعاف يكون؛ ويمكن ان يكون سببًا
24
للحصاة فى الكلية.
25
قال روفس: البول الاسود يستحب فى علل الكلى، والعلل الهائجة من الاخلاط
26
الغليظة، وهو دليل مهلك فى الامراض الحادة. ونقول قد يكون البول الاسود
27
ايضًا رديًا فى علل الكلى والمثانة، اذا كان هناك احتراق شديد. فتامل سائر العلامات.
28
[و] البول الاسود فى المشايخ ليس بصالح لهم مما يعلم ولا هو واقع إلا لفساد عظيم؛
1-220
1
وكذلك فى النساء. [و] البول الاسود بعد التعب يدل على تشنج. وبالجمله البول الاسود
2
فى ابتداء الحميات قتال. وكذلك الذى فى انتهائها، اذا لم يصحبه خفة، ولم يكن
3
دليلًا على بحران.
4
واما البول الابيض فقد يفهم منه معنيان: احدهما ان يكون رقيقًا مشفًا. فان
5
الناس قد يسمون المشف ابيض، كما يسمون الزجاج الصافى، والبلور الصافى ابيض.
6
والثانى الابيض بالحقيقة وهو الذى له لون مفرق للبصر، مثل اللبن والكاغذ. وهذا
7
لا يكون مشفًا ينفذ فيه البصر؛ لان الاشفاف فى الحقيقة هو عدم الالوان كلها.
8
فالابيض بمعنى المشف دال على البرد جملة، وموئس عن النضج. فان كان مع غلظ،
9
دل على البلغم. واما الابيض الحقيقى فلا يكون الا مع غلظ.
10
فمن ذلك ما يكون بياضه بياضًا مخاطيًا، ويدل على كثرة بلغم وخام. ومنه ما بياضه
11
وبياض دسمى، ويدل على ذويان الشحوم. ومنه ما بياضه بياض اهالى، ويدل على بلغم
12
او ذوب واقع او سيقع. ومنه ما بياضه بياض فقاعى مع رقة ومدة. ويدل على قروح
13
متقيحة فى الآت البول، فان لم يكن مع مدة، فلغلبة المادة الكثيرة الخامة الفجة.
14
وربما كان مع حصاة المثانة. ومنه ما يشبه المنى. فربما كان بحرانًا، لاورام بلغمية،
15
ورهل فى الاحشاء، وامراض تعرض من البلغم الزجاجى. واما اذا كان البول شبيهًا
16
بالمنى ليس على سبيل البحران، ولا لاورام بلغمية، بل انما وقع ابتداءً، فانه ينذر
17
بسكتة او فالج. واذا كان البول ابيض فى جميع اوقات الحمى، اوشك ان ينتقل
18
الى الربع. [والبول] الرصاصى بلا رسوب ردى جدًا. واللبنى ايضًا فى الحادة مهلك.
19
وبياض البول فى الحميات الحادة، كيف كان البياض بعد ان يعدم الصبغ،
20
يدل على ان الصفراء مالت الى عضو يتورم؛ او الى اسهال؛ واكثره يدل على انه مالت
21
الى ناحية الرأس. وكذلك اذا كان البول رقيقًا فى الحميات، ثم ابيض دفعة، دل على
22
اختلاط عقل يكون. واذا دام البول فى حال الصحة على لون البياض، دل على عدم
23
النضج. والاهالى الشبيه بالزيت فى الحميات الحادة، ينذر بموت او بدق.
24
واعلم انه قد يكون بول ابيض، والمزاج حار صفراوى؛ وبول احمر، والمزاج
25
بارد بلغمى؛ فان الصفراء اذا مالت عن مسلك البول، ولم يختلط بالبول، بقى البول
26
ابيض. فيجب ان يتامل البول الابيض. فان ''كان لونه مشرقًا"، وثفله غزيرًا غليظًا
1-221
1
وقوامه مع هذا الى الغلظ، فاعلم ان البياض من برد وبلغم. واما ان كان اللون ليس
2
بالمشرق، ولا الثفل بالغزير، ولا بالمفصول، ولا البياض الى كمودة، فاعلم انه لكمون
3
الصفراء. واذا كان البول فى المرض الحاد ابيض، فكان هناك دلائل السلامة لا يخاف
4
معها السرسام ونحوه، فاعلم ان المادة الحادة مالت الى المجرى الآخر، والآمعاء يعرض
5
لها الانسحاج.
6
واما العلة فى كون البول فى الامراض الباردة احمر اللون، فسببه احد امور:
7
إما شدة الوجع، وتحليله الصفراء، مثل ما يعرض فى القولنج البارد؛ وإما سدة وقعت
8
من غلبة البلغم فى المجرى، الذى بين المرارة والامعاء؛ فليس ينصب المرار الى الامعاء
9
الانصاب الطبيعى المعتاد، بل يضطر الى مرافقة البول والخروج معه، كما يعرض ايضًا
10
فى القولنج البارد. وإما لضعف الكبد، وقصور قوته عن التمييز بين المائية والدم،
11
كما يكون فى الاستسقاء البارد. وفى امراض ضعف الكبد فى الاكثر يكون شبيها بغسالة اللحم
12
الطرى. واما الاحتقان الذى يوجبه السدد، فيتغير لون البلغم فى العروق. بعفونة
13
ما يلحقه. وعلامته ان تكون مائية البول وثفله على الوجه المذكور. ثم يكون صبغه
14
صبغًا ضعيفًا، غير مشرق، فان الصفراوى يكون صبغه مشرقًا. وكثيرًا ما يكون البول فى
15
اول الامر ابيض، ثم يسود وينتن، كما يعرض فى اليرقان.
16
والبول بعد الطعام يبيض، ولا يزال كذلك، حتى ياخذ فى الهضم، فياخذ فى
17
فى الصبغ. ولذلك ما يكون بول اصحاب السهر ابيض، ويعين عليه تحلل الحار الغريزى؛
18
لكنه يكون غير مشرق؛ بل الى الكدورة لعدم النضج. والصبغ الاحمر فى الامراض
19
الحادة افضل من المائى. والابيض لقوامه ايضًا خير من المائى. والاحمر الدموى اكثر
20
ايمانًا من الاحمر الصفراوى، والاحمر الصفراوى ايضًا ليس بذلك المخوف؛ ان كان
21
الصفراء ساكنًا، ومخوف ان كان متحركًا. والبول الاحمر فى امراض الكلية ردى؛ فانه
22
يدل فى الاكثر على ورم حار. وفى اوجاع الراس ينذر باختلاط. واذا ابتدأ البول
23
فى الامراض الحادة بالاحمر، وبقى كذلك، ولم يرسب، خيف منه الهلاك، ويدل
24
على ورم الكلى. وان كان كدرًا مع الحمرة، وبقى كذلك، دل على ورم فى الكبد،
25
وضعف الحار الغريزى.
26
ومن الوان البول الوان مركبة: من ذلك اللون الشبيه بغسالة اللحم الطرى،
27
ويشبه دمًا ديف فى الماء. وقد يكون من ضعف الكبد، وقد يكون من كثرة الدم؛
28
واكثره من ضعف الكبد. من اى سوء مزاج غلب؛ ويدل عليه سوء الهضم، وانحلال
1-222
1
القوة. فان كانت القوة قوية، فليس إلا من كثرة الدم. وزيادته على المبلغ الذى تفى
2
القوة المميزة بتمييزه بكماله.
3
ومن ذلك اللون الزيتى. وهو صفرة تخالطه سلقية. ويشبه لون الزيت للزوجة
4
[فيه]، واشفاف مع يريق دسمى، وقوام مع الشف الى الغلظ ما هو. وفى اكثر الاحوال
5
يدل على الشر. ولا يدل على الخير والنضج والصلاح. وربما دل فى النادر على استفراغ
6
مواد دموية دسمة على سبيل البحران. وهذه أنما يكون اذا تعقبه راحة. والمهلك منه
7
ما كان [مع] دسومته منتنًا، وخصوصًا البول منه قليلًا [قليلًا]. واذا خالطه شىء
8
كغسالة اللحم الطرى، فهو اردأ. وهذا اكثره فى الاستسقاء، والسل، والقولنج الردى.
9
وربما تعقب الزيتى بولًا اسود متقدمًا، فكان علامة صلاح. وكثيرًا ما دل البول الزيتى
10
فى الرابع على ان المريض سيموت فى السابع. اعنى فى الامراض الحادة.
11
وبالجملة فان البول الزيتى ثلاثة اصناف: فانه إما ان يكون كله دسمًا؛ او يكون
12
اسفله فقط، او يكون اعلاه دسمًا. وايضًا فانه إما ان يكون زيتيًا فى لونه فقط، كما
13
فى السل وخصوصًا فى اوله؛ او فى قوامه فقط؛ او فيهما جميعًا؛ كما فى علل الكلى،
14
وفى كمال السل وآخره. ومن ذلك الارجوانى، وهو ردى قتال، لانه يدل على احتراق
15
المرتين. وقد يكون لون احمر، يجرى فيه سواد، فيدل على الحميات المركبة،
16
والحميات التى من الاخلاط الغليظة. فان كان اصفى وكان السواد اميل الى راسه،
17
دل على ذات الجنب.
18
|49rb16|الفصل الثالث فى قوام البول وصفائه وكدورته
19
قوام البول إما ان يكون رقيقًا، وإما ان يكون غليظًا، وإما ان يكون معتدلًا.
20
والرقيق جدًا يدل على عدم النضج فى كل حال، او على السدد فى العروق، او على
21
ضعف الكلية، ومجارى البول، فلا يجذب الا الرقيق؛ او يجذب فلا تدفع إلا الرقيق
22
المطيع [للدفع] او على كثرة شرب الماء، او على المزاج الشديد البرد مع يبس. ويدل
23
فى الامراض الحادة على ضعف القوة الهاضمة وعدم النضج. وربما دل على ضعف
24
سائر القوى، حتى لا ينصرف فى الماء البتة، بل يزلق كما يدخل.
25
والبول الرقيق على هذه الصفة هو فى الصبيان اردأ منه فى الشبان، لان الصبيان
26
بولهم الطبيعى اغلظ من بول الشبان؛ لانهم ارطب، ولان ابدانهم للرطوبات اجذب،
27
لانها تحتاج الى فضل مادة بسبب الاستنماء. فاذا رق بولهم فى الحميات الحادة جدًا
28
كانوا قد بعدوا عن حالتهم الطبيعية جدًا. واستمرار ذلك بهم يدل على العطب، فانه
29
اذا دام دل على الهلاك. إلا ان يوافقه علامات صالحة وثبات قوة، فحينئذ يدل
1-223
1
على خراج يحدث، وخصوصًا تحت ناحية الكبد. وكذلك اذا دام هذا بالاصحاء لا يستحيل
2
عنهم، فانه يدل على ورم يحدث حيث يحسون فيه الوجع؛ وفى الاكثر يعرض لهم
3
ان يحسوا مع ذلك. وجعًا فى القطن وفى الكلى، فيدل على استعداده لورم. فان لم
4
يختص بذلك الوجع والثقل ناحية بل عم، دل على بثور وجدرى، واورام تعم البدن.
5
ورقة البول عند البحران بلا تدريج ينذر بالنكس.
6
واما البول الغليظ جدًا، فانه يدل فى اكثر الاحوال على عدم النضج، وفى
7
اقلها على نضج اخلاط غليظة القوام، ويكون فى منتهى حميات خلطية؛ او انفجار اورام.
8
واكثر دلائله فى الامراض الحادة هو على الشر؛ لكن دوام الرقة على الشر ادل؛ فان
9
الغليظ يدل على هضم ما هو الذى يفيد القوام. فيما يدل على هضم واستقلال من القوة
10
بالدفع يرجى؛ وبما يدل على فساد المادة وكثرتها، وامتناعها عن النضج المميز المرسب،
11
يدل على الشر. ويستدل على الغالب من الامرين بما يتعقبه من الراحة، او يتعقبه من
12
زيادة الضعف.
13
والاسلم من البول الغليظ فى الحميات، ما يستفرغ منه شىء كثير دفعة. واما
14
الذى يستفرغ قليلًا قليلًا، فهو دليل على كثرة اخلاط، او ضعف قوة. والنافع منه يعقبه
15
بول معتدل، مقارن للراحة. واذا استحال الرقيق الى الغلظ فى الامراض الحادة،
16
ولم يعقب راحة، دل على الذوبان. والصحيح اذا دام به البول الغليظ، وكان يحس
17
يوجع فى نواحى الرأس، وانكسار، فهو منذر له بالحمى. وربما كان ذلك به من فضل
18
اندفع، او انفجار [اورام] او قروح بنواحى مسالك البول. وانما كانت الرقة والغلظة تدلان
19
على عدم النضج، لان النضج يتبعه اعتدال القوام، فالغليظ نضجه ان ينهضم الى الرقة،
20
والرقيق نضجه ان ينطبخ الى الثخونة.
21
والبول الغليظ كما قلناه فيما سلف. قد يكون صافيًا مشفًا، وقد يكون كدرًا؛
22
والفرق بين الغليظ المشف وبين الرقيق: ان الغليظ المشف اذا موج بالتحريك،
23
لم يصغر اجزاءه المتموجة، بل حدثت فيه امواج كبار، وكان حركتها بطيئة؛ واذا
24
ازبد، كان زبده كبير النفاخات، بطى الانفقاء. وتولد مثل هذا هو عن بلغم جيد
25
الانهضام، او صفراء محية، ان كان له صبغ الى الصفرة. واذا لم يكن له صبغ دل
26
على انحلال بلغم زجاجى. وهذا كثيرًا ما يكون فى ابوال المصروعين. والرقيق الذى
27
يكثر فيه الصبغ، يعلم ان صبغه ليس عن نضج. وإلا لفعل النضج فيه القوام اولًا.
28
لكنه من اختلاط المرة به؛ فان اول فعل الانضاج التقويم، ثم الصبغ. والنضج فى
29
القوام اصلح منه فى اللون. فلذلك البول الرقيق الاصفر اذا دام فى مدة المرض الحار،
1-224
1
دل على شر، وعلى فتور القوة الهاضمة. فاذا رأيت بولًا رقيقًا وهناك اختلاف اجزاء
2
من الحمرة، والصفرة، فاحدس تعبًا ملهبًا. وإن كان رقيقًا فيه اشياء كالنخالة من
3
غير علة فى المثانة، فذلك لاحتراق البلغم. والبول الغليظ فى الامراض الحادة يدل
4
بالجملة على كثرة الاخلاط، وربما دل على الذوبان. وهو الذى اذا بقى ساعة، جمد
5
فغلظ.
6
وبالجملة كدورة البول: الارضية مع ريح، يخالط المائية؛ فاذا اختلطت
7
هذه كانت كدورة، وفى انفصال بعضها من بعض يتم الصفاء. ثم يجب ان ينظر الى
8
احوال ثلثة: لانه إما ان يبال رقيقًا ثم يغلظ، فيدل على ان الطبيعة مجاهدة، هو ذا
9
تنضج. لكن المادة بعد لم تطع من كل وجه؛ وهى متأثرة. وربما دل على ذوبان
10
الاعضاء. وإما ان يبال غليظًا ثم يصفو، و يتميز منه الغليظ راسبًا. فيدل على ان الطبيعة
11
قد قهرت المادة، وانضجتها. وكلما كان الصفاء اكثر، والرسوب اوفر، واسرع، فهو
12
على النضج ادل.
13
والحالة المتوسطة بين الاول والآخر: ان دامت وكانت الطبيعة قوية، والقوة
14
ثابتة، حدث انه سيبلغ منه الانضاج التام. وان لم تكن القوة ثابتة، خيف ان يسبق
15
الهلاك النضج. واذا طال ولم تكن علامة مخيفة، انذر بصداع. لانه يدل على ثوران،.
16
وعلى رياح بخارية. والذى يأخذ من الرقة الى الخثورة ويستمر، خير من الواقف على
17
الخثورة فى كثير من الاوقات. وكثيرًا ما يغلظ البول فيكدر لسقوط القوة؛ لا لدفع
18
الطبيعة.
19
واما البول الذى يبال مائيًا، ويبقى مائيًا، فهو دليل على عدم النضج البتة. والبول
20
الغليظ احمده ما كان سهل الخروج، كثير الانفصال معًا. ومثل هذا يبرئ الفالج وما
21
يجرى مجراه. واذا كانت الابوال غليظة ثم اخذت ترق على التدريج مع غزارة فذلك
22
محمود. وربما كان تعقب الغليظ الكدر [الكثير] الغليظ القليل دليل خير. وذلك
23
اذا انفجر الغليظ الكدر الذى كان يبال قليلًا قليلًا قبيل، دفعة واحدة بولًا كثيرًا بسهولة.
24
فان هذا كثيرًا ما تنحل به العلة. سواء كانت العلة شيئًا من الحميات الحادة، او غيرها من
25
الامراض الامتلائية، او كان الامتلاء لم يعرض بعد منه مرض ظاهر. وهذا ضرب
26
من البول نادر.
27
والبول الطبيعى اللون اذا افرط فى الغلظ، دل احيانًا على جودة نفض المواد
28
كثيرة. ويصححه سهولة الخروج. وقد يدل احيانًا على التلف؛ لدلالته على كثرة
29
الاخلاط وضعف القوة، ويدل عليه عسر الخروج وقلة ما يخرج. والبول الغليظ
1-225
1
الجيد الذى هو بحران لامراض الطحال، والحميات المختلطة، لا يتوقع فيه الاستواء،
2
فان الطبيعة تعمل فى الدفع. والبول المتثور فى الجملة، يدل على كثرة الاخلاط، مع
3
اشتغال من الطبيعة بها، وبانضاجها. والبول الغليظ الذى له ثفل زيتى يدل على حصاة.
4
والبول الغليظ الدال على انفجار الاورام، يستدل عليه: بما يخالطه، وبما قد سبقه.
5
اما بما يخالطه فكالمدة، ويدل عليها الرائحة المنتنة. والجرادات المنفصلة معه، كصفائح
6
بيض او حمر، او كنخالة او غير ذلك، مما يستدل عليه بعد. واما بما يسبقه، فان يكون
7
قد كان فيما سلف علامة لورم او قرحة بالمثانة، او الكلية، او الكبد، او نواحى الصدر،
8
فيدل ذلك على الانفجار من الورم. فان كان قبله بول يشبه غسالة اللحم الطرى، فهو
9
من حدبة الكبد، او براز كذلك، فالورم فى تقعيره. وان كان قد سبق ضيق نفس،
10
وسعال يابس، ووجع فى اعضاء الصدر ناخس، فهو ذات جنب، الفجر واندفع من
11
ناحية الشريان العظيم. واذا كان فى ذلك الذى هو المدة نضج كان محمودًا.
12
وربما بال الصحيح المتدع، التارك للرياضة، بولًا كالمدة والصديد، فيتنقى
13
بدنه، ويزول ترهله، الذى به لترك الرياضة. وايضًا اذا كان فى الكبد وما يليه سدد،
14
فربما كان غلظ البول [تابعًا] لانفتاحها، واندفاع مادتها. ولا يكون هذا الغلظ قيحيًا.
15
والذى عن الانفجار، يكون قيحيًا. وان، كان ذلك البول مع الغلظ الى السواد،
16
وكان معه وجع فى ناحية اليسار، فهو من ناحية الطحال. وعلى هذا القياس ان كان
17
فوق السرة، واعلى البطن، فهو من ناحية المعدة، واكثر ذلك يكون من الكبد ومجارى
18
البول.
19
والبول الكدر كثيرًا ما يدل على سقوط القوة، واذا سقطت القوة، استولى البرد،
20
وكان كالبرد الخارج. والبول الكدر الشبيه بلون الشراب الردى، او ماء الحمص،
21
يكون للحبالى، واصحاب اورام حارة مزمنة فى الاحشاء. والبول الذى يشبه ابوال الحمير،
22
وابوال الدواب، وكأنه ملخلخ لشدة تثوره يدل على فساد اخلاط البدن، واكثره على
23
خام، عملت فيه حرارة مّا، فتورث ريحًا غليظة. ولذلك قد يدل على الصداع الكائن،
24
او المطل. وقد يدل اذا دام على ليثرغس. والبول الذى يشبه لون عضو مّا، فان دوامه
25
يدل على علة بذلك العضو. قال بعضهم: انه اذا كان فى اسفل البول شبيه بغيم
26
او دخان، طال المرض. وان كان فى جميع المرض، انذر بموت. والخام يفارق
27
المدة بالنتن. والبول المختلف الاجزاء، كلما كان الاجزاء الكبار فيه اكثر، دل على
28
ان عمل الطبيعة [فيه] انفذ، والطبيعة اقدر، والمسام اشد انفتاحًا. والبول الذى يرى
29
فيه كالخيوط مختلطة بعضها ببعض، يدل على ائه بيل اثر الجماع.
1-226
1
|50ra50|الفصل الرابع فى دلائل رائحة البول
2
قالو: لم نر بول مريض قط توافق رائحة بول الاصحاء. ونقول: ان كان البول
3
لا رائحة له البتة، دل على برد مزاج، وفجاجة مفرطة، وربما دل فى الامراض الحادة
4
على موت الغريزة. فان كانت له رائحة منتنة، فان كان هناك دلائل النضج، كان
5
سببه جرب وقروح فى آلات البول، ويستدل عليه بعلامات ذلك. وان لم يكن [له]
6
نضج، جاز ان يكون من ذلك، وجاز ان يكون للعفونة. واذا كان ذلك فى الحميات
7
الحادة، ولم يكن بسبب اعضاء البول، فهو دليل ردى. وان كان الى الحموضة، دل
8
على ان العفونة هى فى اخلاط باردة الجوهر، استولت عليها حرارة غريبة. واما ان كانت
9
العلة حادة، فهو دليل الموت؛ لانه يذل على موت الحرارة الغريزية، واستيلاء برد فى
10
الطبع مع حر غريب. والرائحة الضاربة الى الحلاوة، تدل على غلبة الدم. والمنتنة
11
تر ا
12
شديدًا صفراوية، والمنتنة الى الحموضة سوداوية. والبول المنتن الرائحة اذا دام
13
بالاصحاء، دل على حميات تحدث من العفن؛ او على انتقاض عفونة محتبسة فيهم، ويدل
14
عليه وجود الخفة فى اثره. وفى الامراض الحادة اذا فارق البول نتن كان يلزمه فيها،
15
وزال عنه وكان ذلك الزوال دفعة، ولم تعقبه راحة، فهو علامة سقوط القوة.
16
|50rb19|الفصل الخامس فى الدلائل الماخوذة عن الزبد
17
الزبد يحدث عن الرطوبة، ومن الريح، المنزرقة فى ''القارورة" مع زرق
18
البول. وللريح الخارجة مع البول فى جوهر البول معونة لا محالة، وخصوصًا اذا كانت
19
الريح غالبة فى البدن، كما يعرض فى بول اصحاب التمدد من النفاخات الكثيرة.
20
والزبد قد يدل بلونه، كما يدل بسواده وشقرته على اليرقان. وقد يدل بصغره وكبره،
21
فان كبره يدل على اللزوجة. واما بقلته وكثرته؛ فان كثرته تدل على لزوجة وريح كثيرة.
22
واما بانفقائه بطيئًا او بانفقائه سريعًا؛ فان انفقائه بطيئًا يدل على اللزوجة. والقبب الباقية
23
فى علل الكلى، يدل على طول المرض، لدلالته على الرياح واللزوجة. وبالجملة
24
فان الخلط اللزج فى علل الكلى ردى، ويدل على اخلاط ردية، وبرد. <وعليه يدل
25
العبب الموصوفة>.
26
|50rb41|الفصل السادس فى دلائل انواع الرسوب
27
نقول اولًا: ان اصطلاح الاطباء فى استعمال لفظة الرسوب والثفل قد زال عن
28
المجرى المتعارف. وذلك لانهم يقولون: رسوب وثفل، لا لما يرسب فقط، بل لكل
1-227
1
جوهر اغلظ قوامًا من المائية، متميز عنها، وان تعلق وطفأ. فنقول: ان الرسوب قد
2
يستدل منه من وجوه: من جوهره، ومن كميته، ومن كيفيته، ومن وضع اجزائه،
3
ومن مكانه، ومن زمانه، ومن كيفية مخالطته.
4
اما دلالته من جوهره: فهو انه اما ان يكون رسوبًا طبيعيًا محمودًا، دالًا على
5
الهضم والنضج الطبيعيين. وهو ابيض راسب، متصل الاجزاء، متشابهها مستويها.
6
ويجب ان يكون مستديرالشكل، املس، مستويًا لطيفًا، شبيهًا برسوب ماء الورد.
7
ونسبة دلالته على نضج المادة فى البدن كله، كنسبة دلالة المدة البيضاء الملساء،
8
المتشابهة القوام على نضج الورم. ولكن المدة كثيفة، وهذه لطيفة. والرسوب والثفل
9
دليل جيد وان فات الصبغ. والاستواء ادل عند الاقدمين على النضج؛ فان المستوى
10
الذى ليس بذلك الابيض، بل هو احمر، اصلح من الابيض الخشن. واكثر الرسوب
11
على لون البول. واجود ما خالف الابيض هو الاحمر، ثم الاصفر، ثم الزرنيخى.
12
ويبتدى الشر من العدسى. ولا يلتفت الى ما يقوله الآخرون؛ فان البياض قد يكون لا
13
للنضج. والاستواء ليس الا للنضج. ومن البياض ما يكون عن مخالطة ريح مخالطة شديدة.
14
واما الرسوب الردى المذموم فتشتته خير من استوائه. والرسوب الردى هو
15
الذى تعرفه عن قريب. واما الرسوب الجيد الذى كلامنا فيه، فهو يشبه المدة والخام
16
الرقيقين؛ ولكن المدة تخالفه بالنتن، والخام يخالفه باندماج اجزائه. وهو يخالف كليهما
17
باللطافة والخفة. وهذا الرسوب انما يطلب فى الامراض، ولا يطلب فى حال الصحة؛
18
وذلك لان المريض لا يشك فى احتباس مواد ردية فى بدنه، وفى عروقه، فاذا لم
19
ينضج، دل على الفساد. واما الصحيح فليس يجب دائمًا ان يكون فى عروقه خلط
20
ينتفض؛ بل الاولى ان يدل ذلك منهم على فضول يفضل فيهم من الغذاء عديمة الهضم؛
21
ثم يفضل فضل يرسب فى البول، نضيجًا او غير نضيج.
22
والقضاف يقل فيهم الثفل الراسب فى حال الصحة، وخصوصًا المزاولون
23
للرياضات، واصحاب الصنائع المتعبة. وانما يكثر هذا الرسوب فى ابوال السمان المتدعين.
24
وكذلك ايضًا لا يجب ان يتوقع فى ابوال المرضى القضاف من الرسوب، ما يتوقع
25
فى ابوال المرضى السمان؛ فان اولئك كثيرًا ما يقلع امراضهم، ولم يرسبوا شيئًا،
26
وكثيرًا ما لا يبلغ الرسوب فى ابوالهم الى ان يتسفل. بل ربما كان منه شىء يسير طاف،
27
او متعلق. وليس كما يقال كل بول فانه يرسب، ولا البول النضيح جدًا؛ بل يجب
28
ان يصبر عليه قليلًا. <واكثر الوان الرسب فى اكثر الامر يكون على لون البول واجود
29
ما خالف الابيض هو الاحمر ثم الاصفر>
1-228
1
واما الرسوب الغير الطبيعى: فمنه خراطى نخالى. او كرسنى. او دشيشى. او
2
شبيه بالزرنيخ الاحمر. والمشبع صفرة. ومنه لحمى. ومنه دسمى. ومنه مدى.
3
ومنه مخاطى. ومنه شبيه بقطع الخمير المنقوع. ومنه دموى علقى. ومنه شعرى.
4
ومنه رملى حصوى. ومنه رمادى.
5
والخراطى القشورى الذى منه صفائح كبار الاجزاء، بيض وحمر. تدل فى اكثر
6
الامر على انفصالها من اعضاء قريبة من منفصل البول، وهى اعضاء البول. والابيض
7
يدل على انه من المثانة لقروح فيها، او جرب او تاكل. والاحمر اللحمى على انه من
8
الكلية. وقد يكون من الصفائحى ما هو كمد اللون ادكن، او شبيه بفلوس السمك.
9
وهذا ردى جدًا اردأ من جميع اصناف الرسوب، الذى نذكره، ويدل على انجراد
10
صفائح الاعضاء الاصلية. واما الجنسان الاولان فكثيرًا ما لا يضران البتة، بل ربما نقيا المثانة.
11
وقد حكى بعضهم: ان رجلًا سقى الذراريح، فبال قشورًا بيضًا كالغرقى، فكانت
12
اذا حلت فى المائية انحلت، وصبغت صبغًا احمر، فبرأ وعاش. ومن الخراطى ما يكون
13
اقل عرضًا من المذكورين، واثخن قوامًا. فان. كان احمر سمى كرسنيًا، وان لم يكن
14
احمر سمى نخاليًا. والكرسنى ان كان احمر فقد يكون [اجزاء من الكبد محترقة،
15
وقد يكون] دمًا محترقًا فيها، وقد يكون من الكلية. لكن الكائن من الكلية اشد اتصالًا
16
لحميًا. والآخران اشبه بما ليس بلحمى، واقبل للتفتيت. وان كان شديد الضرب الى
17
الصفرة فهو عن الكلية لا محالة. فان الذى عن الكبد يضرب الى القتمة. وقد يشاركه فى
18
هذا احيانًا الذى عن الكلية.
19
واما النخالى فقد يكون عن جرب المثانة، وقد يكون من ذوبان الاعضاء.
20
والفرق بينهما انه اذا كان هناك حكة فى اصل القضيب ونتن، فهو من المثانة، وخصوصًا
21
اذا سبقه بول مدة، وخصوصًا اذا دلت سائر الدلائل على نضج البول. فيكون العروق
22
العالية صحيحة المزاج لا قلبة بها، بل بالمثانة. واما ان كان مع التهاب، وضعف قوة،
23
وسلامة اعضاء البول، وكان اللون الى الكمودة، فهو من ذوبان الاخلاط.
24
واما السويقى والدشيشى فاكثره من احتراق الدم، وهو الى الحمرة. وقد يكون
25
كثيرًا من ذوبان الاعضاء وانجرادها، ان كان الى البياض. وقد يكون ايضًا من المشانة
26
الجربة فى الاقل. وانت يمكنك ان تتعرف وجه الفرق بينهما بما قد علمت. واما ان
27
كان الى السواد فهومن احتراق الدم، وخصوصًا فى الطحال. وجميع الرسوب الصفائحى
28
الذى لا يكون عن سبب فى المثانة والكلية ومجارى البول، فانه فى الامراض
29
الحادة ردى مهلك. وقد عرفت من هده الجملة حال اللحمى، وان اكثره يكون من
1-229
1
الكلية، وانه متى لا يكون عن الكلية. وانما يكون عن الكلية اذا كان [اللحم] صحيح
2
اللحمية، ولا ذوبان فى البدن. والبول النضيج يدل على صحة الاوردة، فان علل
3
الكلية لا تمنع نضج البول؛ لان ذلك فوقها.
4
واما الرسوب الدسمى فيدل على ذوبان الشحم والسمن واللحم ايضًا؛ وابلغه الشبيه
5
لماء الذهب. ويستدل على مبدأه من القلة والكثرة، ومن المخالطة والمفارقة. فانه اذا
6
كان كثيرًا متميزًا، فاحدث انه من ناحية الكلية، لذوبان شحمها. وان كان اقل و
7
شديد المخالطة، فهو من مكان ابعد. واذا رأيت فى البول قطعة بيضاءً مثل حب الرمان
8
فذلك من شحم الكلية. واما المدى فيدل على قرحة منفجرة، وخصوصًا فى اعضاء
9
البول. ولا سيما اذا كان هناك ثقل محمود راسب.
10
والمخاطى يدل على خلط غليظ خام، اما كثير فى البدن، او مدفوع عن آلات
11
البول؛ او بحران عرق النساء ووجع المفاصل، ويستدل عليه بالخفة يعقبه. وربما
12
لطف ورق، فظن رسوبًا محمودًا. فلذلك يجب ان لا يغتر فى الامراض <الحادة> بما ترى
13
فى هيئة الرسوب المحمود، اذا لم يكن وقت النضج، ولا دليله حاضرًا. وقد يدل
14
على شدة برد من مزاج الكلية.
15
والفرق بين المدى والخام: ان المدى يكون مع نتن، وتقدم دليل ورم. ويسهل
16
اجتماع اجزائه وتفرقها. ويكون منه ما يخالط المائية جدًا، ومنه ما يتميز. واما الخام
17
فانه كدر غليظ، لا يجتمع بسهولة ولا يتشتت بسهولة. والبول الذى فيه رسوب مخاطى
18
كثير، اذا كان غزيرًا، وكان فى آخر النقرس واوجاع المفاصل، دل على خير. واما
19
الرسوب الشعرى فهو لانعقاد رطوبة مستطيلة من حرارة فاعلة فيها. وربما كان ابيض،
20
وربما كان احمر، ويكون انعقاده فى الكلية. وقيل انه ربما كان اشبارًا فى طوله. واما
21
الشبيه بقطع الخمير المنقوع، فيدل على ضعف المعدة والامعاء، وسوء الهضم فبهما.
22
وربما كان سببه تناول اللبن والجبن.
23
واما الرملى فيدل دائمًا على حصاة منعقدة، وفى الانعقاد، او الى الانحلال. والاحمر
24
منه من الكلية، والذى ليس باحمر هو من المثانة. واما الرمادى فاكثر دلالته على
25
بلغم او مدة، عرض لها لطول اللبث تغير اللون، وتقطع الاجزاء. وقد يكون لاحتراق
26
عارض لها. واما الرسوب العلقى فان كان شديد الممازجة، دل على ضعف الكبد؛
27
او دون ذلك، دل على جراحة فى مجارى البول، وتفرق اتصال فيها. وان كان متميزًا
28
فاكثره من المثانة والقضيب. وسنستقصى هذا فى الامراض الجزئية فى باب بول الدم.
29
واذا كان فى البول مثل علق احمر، والمريض مطحول، ذبل طحاله. واعلم انه
1-230
1
لا يخرج فى علل المثانة دم كثير، لان عروقها مخالطة مندسة فى جرمها، ضيقة
2
قليلة.
3
واما دلالة الرسوب من كميته: فاما من كثرته وقلته، فيدل على كثرة السبب
4
الفاعل له وقلته. واما من مقداره فى صغره وكبره، كما ذكرناه فى الرسوب الخراطى.
5
واما دلالته من كيفيته: فاما من لونه فان الاسود منه دليل ردى على الاقسام التى ذكرناها.
6
واسلمه ما كان الرسوب اسود والمائية ليست سودآء. والاحمر يدل على الدموية وعلى
7
التخم. والاصفر على شدة الحرارة، وخبث العلة. والاييض منه محمود على ما قلناه. ومنه
8
مذموم مخاطى، ومدى، او غروى مضاد للنضج. والاخضر ايضًا طريق الى الاسود.
9
واما من رائحته فعلى ما سلف. واما من وضعه، فمن ملاسته وتشتته. فان الملاسة والاستواء
10
فى الوسب المحمود احمد وفى المذموم اردأ. والتشتت يدل على رياح وضعف هضم.
11
واما دلالته من مكانه: فهو اما ان يكون طافيًا، ويسمى غمامًا. واما متعلقًا،
12
وهو الواقف فى الوسط. وهو اكثر نضجًا من الاول. وخير المتعلق ما مال خمله
13
وهدبه الى اسفل. واما راسب فى الاسفل، فهوا حسن نضجًا. هذا فى الرسوب المحمود.
14
واما المذموم، فاخفه اصلحه مثل <الرسوب> الاسود. وذلك فى الحميات الحادة.
15
وكذلك اذا كان الخلط بلغميًا او سوداويًا، فالسحاب خير من الراسب؛ فانه يدل على
16
تلطيفه. الا ان يكون سبب الطفوء الريح الكثير جدًا. واذا لم يكن ذلك فان الطافى
17
منه اسلم. ثم المتعلق. وشره الراسب. وسبب الطفوء حرارة مصعدة، او ريح. والرسوب
18
المتميز، يطفو فى الغليظ، وخصوصًا اذا خف. ويرسب فى الرقيق، وخصوصًا اذا
19
ثقل. واذا ظهر التعلق والطافى فى اول المرض، ثم دام، دل على ان البحران يكون
20
بالخراج. لكن الخفاء قد ينقضى مرضهم برسوب محمود طاف او متعلق. لما ذكرناه
21
فيما سلف.
22
والطافى والمتعلق الدسومى، اذا كان شبيهًا بنسج العنكبوت، او تراكم الزلابى،
23
فهو علامة ردية. وكثيرًا ما يظهر ثفل طاف غير جيد، فيخاف منه؛ لكنه يكون ذلك
24
ابتداء للنضج ويحول الى الجودة. ثم يتعلق، ثم يرسب، فيكون دليلًا غير ردى. واما
25
اذا تعقبه رسوبات ردية، فالخوف الذى وقع منه فى اول الامر واجب.
26
واما دلالة الرسوب من زمانه: فانه اذا بيل فاسرع الرسوب، فهو علامة
27
جيدة فى النضج. واذا ابطأ ولم يرسب، فهو دليل [عدم النضج] بقدر حاله. وامّا
28
الدلالة من هيئة مخالطته، فكما ذكرنا عند ذكر بول الدم والدسم.
1-231
1
|51va22|الفصل السابع فى دلائل كثرة البول وقلته
2
البول القليل المقدار يدل على ضعف القوة؛ والذى يقل عن المشروب، يدل
3
على تحلل كثير، او استطلاق بطن، او استعداد للاستسقاء. وكثير المقدار [قد] يدل
4
على ذوبان، وعلى استفراغ فضول ذائبة فى البدن. ويستدل على اصابة الفرق بينهما
5
بحال القوة. البول الردى اللون، الدال على الشر، كلما كان اغزر، كان اسلم؛
6
واذا كان منقطعًا، دل على الشر اكثر، كالاسود والغليظ. والبول المختلف الاحوال،
7
الذى يبال تارة كثيرًا، وتارة يبال قليلًا، وتارة يحتبس، هو دليل جهاد متعب من الغريزة.
8
وهو دليل ردى. والبول الغزير فى الامراض الحادة، اذا لم يعقب راحة، فهو دليل دق
9
او تشنج من التهاب. وكذلك العرق. والبول الذى يقطر فى الامراض الحادة قطرًا
10
قطرًا من غير ارادة، يدل على آفة فى الدماغ، تأدت الى العصب والعضل. وان كانت
11
الحمى ساكنة. وهناك دلائل السلامة، انذر برعاف، والادل على اختلاط العقل والفساد.
12
واذا قل بول الصحيح ورق، ودام ذلك، واحس بثقل ووجع فى القطن، دل على ورم صلب
13
بنواحى الكلية. واذا غزر البول فى علة القولنج، فربما بشر باقبال خاصة، اذا كان
14
ابيض سهل الخروج.
15
|51va56|الفصل الثامن جملة قول فى البول النضيج الصحى الفاضل
16
هو معتدل القوام، لطيف الصبغ الى الاترجية، محمود الرسوب، ان كان
17
فيه على الصفة المذكورة من البياض، والخفة، والملاسة، والاستواء، واستدارة الشكل.
18
وتكون الرائحة معتدلة لا منتنة ولا خامدة. ومثل هذا البول اذا رئى فى مرض فى غاية
19
الحدة دفعة، دل على افراق يكون فى اليوم الثانى.
20
|51vb7|الفصل التاسع فى ابوال الاسنان
21
الاطفال ابوالهم تضرب الى اللبنية من جهة غذائهم، ورطوبة مزاجهم، ويكون
22
اميل الى البياض. والصبيان بولهم اغلظ واثخن من بول الشبان، واكثر تثورًا. وقد ذكرنا
23
هذا من قبل. وبول [الشبان الى النارية واعتدال القوام. وبول الكهول الى البياض
24
والرقة، وربما كان غليظًا] بحسب فضول فيهم يكثر استفراغها. وبول المشايخ اشد
25
رقة وبياضًا، ويعرض لهم الغلظ المذكور ندرة. واذا كان بولهم شديد الغلظ كانوا
26
معرضين لحدوث الحصاة فيهم.
27
|51vb24|الفصل العاشر فى ابوال الرجال والنساء
28
بول النساء على كل حال اغلظ، واشد بياضًا، واقل رونقًا من بول الرجال.
29
وذلك لكثرة فضولهن، وضعف هضمهن، وسعة منافذ ما يندفع عنهن، ولما يتحلل
1-232
1
الى آلات ابوالهن من ارحامهن. وبول الرجال اذا حركته فكدر، مال كدره الى
2
فوق، وهو فى الاكثر يكدر. وبول النساء لا يكدره التحريك لقلة تميزه، ويكون
3
فى الاكثر على راسه زبد مستدير، فان تكدر كان قليل الكدر. وبول الرجل على
4
اثر جماعه فيه خيوط، منتسج بعضها فى بعض. وابوال الحبالى صافية، عليها [ضباب]
5
فى رأسها. وربما كان على لون ماء الحمص وماء الاكارع، اصفر فيه زرقة، وعلى
6
رأسه ضباب. وكيف كان، فترى فى وسطه كقطن منفوش، وكثيرًا ما يكون مثل الحب؛
7
ينزل ويصعد. واذا كانت الزرقة شديدة الظهور، فهو اول الحمل؛ وان كان بدلها
8
حمرة فهو آخره، [و] خصوصًا اذا كان يتكدر بالتحريك. وبول النفساء فى الاكثر
9
يكون اسود، فيه كالمداد والسخام.
10
|51vb57|الفصل الحادى عشر فى ابوال الحيوانات ومخالفتها لابوال الناس
11
ربما انتفع الطبيب عند وقوفه على ابوال الحيوانات فيما يجرب به اذا اتفق ان
12
اصاب، وذلك عسر قالوا: ان بول الحمار يكون فى القارورة كالسمن الذائب،
13
مع كدورة وغلظ من خارج. وبول الدواب يشبهه؛ لكنه اصفى [منه، و] يخيل ان
14
نصف قارورته الاعلى صاف، ونصفه الاسفل كدر. وبول الغنم ابيض، فى صفرة قريب
15
من بول الناس؛ ولكن ليس له قوام. وثفله كالدهن اوكثفل الدهن. وكلما كان غذاءه
16
اجود، فهو اصفى. بول الظبى يشبه بول الغنم والناس؛ لكن ليس له قوام ولا
17
ثفل، وهو اصفى من بول الغنم. بول الفرس قريب من بول الانسان.
18
|52ra16|الفصل الثانى عشر فى اشياء سيالة تشبه الابوال والفرق بينها وبين الابوال
19
السكنجبين وجميع السيالات: من ماء العسل، وماء التبن، وغير ذلك من ماء
20
الزغفران ونحوه، كلما قربت منه، ازداد صفاء؛ والبول بالخلاف. وماء العسل اصفر
21
الزبد، وماء التبن يرسب من جانب؛ لا فى الوسط، ولا بالهندام ولا حركة له. فليكن هذا
22
المبلغ كافيًا فى ذكر احوال الابوال. وسيأتيك فى الكتب الجزئية تفصيل آخر للبول.
23
|52ra31|الفصل الثالث عشر فى دلائل البراز
24
البراز قد يستدل من كميته، بانه ينظر انه اقل من المطعوم اواكثر او مساو. ومن
25
المعلوم ان زيادته بسبب اخلاط كثيرة، وقلته لقلتها؛ او لاحتباس كثير منه فى الاعور،
26
والقولون، او اللفائف، وذلك من مقدمات القولنج. و[قد] يدل على ضعف الدافعة.
27
ويستدل من قوامه؛ فيدل الرطب منه اما على سدد، واما على سوء هضم. وقد
1-233
1
يدل على ضعف من الجداول؛ فلا يمتص الرطوبة. وقد يكون لنزلات من الراس؛
2
او لتناول شئى مرطب للبراز. واما اللزوجة من الرطب فقد تدل على الذوبان. وذلك
3
يكون مع نتن. وقد يدل على كثرة اخلاط ردية لزجة. وذلك لا يكون مع فضل نتن.
4
قد يدل على اغذية لزجة تنوولت غير قليلة، مع حرارة قوية فى المزاج، لم يجد بها
5
الهضم. واما الزبدى منه فانه يدل على غليان من شدة حرارة، او على مخالطة من رياح كثيرة.
6
واما اليابس من البراز فيدل على تعب وتحلل؛ او على كثرة درور بول، او على
7
حرارة نارية، او يبس اغذية، او على طول لبث فى المعاء، على ما سنصفه فى بابه.
8
فاذا خالط اليابس الصلب رطوبة، دل على ان يبسه لطول احتباسه فى رطوبات، مانعة
9
له عن البروز، وعدم مرار لاذع معجل. واذ الم يكن هناك طول احتباس، ولا علامات
10
رطوبة فى الامعاء، فالسبب فيه انصباب فضل صديدى لاذع، انصب من الكبد فيما
11
يليها، ولم يمهل بلذعه ريث ان يختلط.
12
وقد يستدل من لون البراز. ولون البراز الطبيعى نارى خفيف النارية. وان اشتد
13
دل على كثرة المرار. وان نقض دل على النهوءة وعدم النضج وان ابيض، فربما
14
كان بياضه بسبب سدة من مجرى المرار، فدل ذلك على يرقان. وان كان مع البياض
15
قيحيًا له ريح المدة، فانه يدل على انفجار دبيلة. وكثيرًا ما يحبس الصحيح المتدع
16
التارك للرياضة، صديديًا ومديًا؛ فيكون ذلك استنقاء، واستفراغًا محمودًا، يزول به
17
ترهله الحادث له، لعدم الرياضة، كما قلنا فى البول. واعلم ان اللون النارى المفرط
18
جدًا من البراز، كثيرًا ما يدل فى اوقات منتهى الامراض على النضج، وكثيرًا ما يدل
19
على ردأة الحال.
20
والأسود يدل على مثل دلائل البول الاسود؛ فانه يدل على احتراق شديد؛
21
او على نضج مرض سوداوى؛ اوعلى تناول صابغ؛ او شرب شراب مستفرغ للسوداء.
22
والاول هو الردى. والكائن عن السوداء الصرف، ليس يكفى ان يستدل عليه
23
من لونه، بل من حموضته وعفوصته؛ وغليان الارض منه، وهو ردى برازًا، او قيئًا.
24
ومن خواصه ان له بريقًا. وبالجملة فان الخلط السوداوى الصرف قاتل فى اكثر الامر
25
بخروجه، اى دليل على الهلاك. واما الكيموس الاسود فكثيرًا ما يقع خروجه؛ و
26
ذلك ان خروج السوداء الاصلية، يدل على غاية احتراق البدن، وفناء رطوباته.
27
واما البراز الاخضر فانه يدل على انطفاء الحرارة الغريزة، والكمد كذلك.
28
وقد يستدل من هيئة البراز ايضًا فى الضمور والانتفاخ. فان المنتفخ كزبل البقر،
29
يدل على ريح.
1-234
1
وقد يستدل من وقته؛ فان البراز اذا اسرع خروجه، وتقدم العادة، فهو دليل ردى،
2
يدل على كثرة مرار، وضعف قوة ماسكة. وان ابطأ خروجه، دل على ضعف الهاضمة،
3
وبرد الامعاء، وكثرة الرطوبة. والصوت يدل على رياح نافخة. والالوان المنكرة
4
والمختلفة ردية، وسنذكرها فى الكتاب الجزئى.
5
وافضل البراز: المجتمع؛ المتشابه الاجزاء؛ شديد اختلاط المائية باليبوسة؛
6
الذى ثخنه كثخن العسل؛ وهو سهل الخروج لا يلذع؛ ولونه الى الصفرة؛ غير شديد
7
النتن ولا عادمة؛ غير ذى بقابق وقراقر؛ وغير ذى زبدية؛ والذى خروجه فى الوقت
8
المعتاد؛ بمقدار تقارب الماكول فى الكمية.
9
واعلم انه ليس كل استواء براز بمحمود، ولا كل ملاسته؛ فانهما ربما كانا
10
للنضج البالغ، المتشابه فى كل جزء؛ وربما كانا لاحتراق وذوبان متشابه، وهما حينئذ
11
من شر العلامات.
12
واعلم ان البراز المعتدل القوام، الذى هو الى الرقة، انما يكون محمودًا اذا لم
13
يكن مع قراقر ورياح، ولا كان منقطع الخروج قليلًا قليلًا؛ والا فيجوز ان يكون اندفاعه
14
لصديد يخالطه مزعج، فلا يذره يجتمع ــ هذا. وقد تراعى علامات تظهر فى العرق وفى
15
اشياء اخر؛ الا ان الكلام فيها اخص بالكلام الجزئى، وكذلك تجد فى الكلام الجزئى
16
فضل شرح لامر البراز والبول وغير ذلك. [فافهم جميع ما بينا].
1-235
1
|52va24|الفن الثالث
2
[فى حفظ الصحة وهو فصل وخمسة تعاليم]
3
|52va25|الفصل المفرد فى سبب الصحة والمرض وضروة الموت
4
ان الطب ينقسم بالقسمة الأولى الى جزئين: جزء نظرى، وجزء عملى. وكلاهما
5
علم ونظر. لكن المخصوص باسم النظرى، هو الذى يفيد علم آراء فقط، من غير
6
أن يفيد علم عمل البتة. مثل الجزء الذى يعلم فيه أمر المزاج، والأخلاط، والقوى، و
7
أصناف الأمراض، والأعراض، والأسباب. والمخصوص باسم العملى، هو الذى يفيد
8
علم كيفية العمل والتدبير؛ مثل الجزء الذى يعلمك انك كيف تحفظ صحة بدن بحال
9
كذا؛ أو كيف تعالج بدنًا به مرض كذا. ولا تظنن أن الجزء العملى هو المباشرة والعمل،
10
بل الجزء الذى يتعلم فيه علم المباشرة والعمل. وكأنا قد عرفناك هذا فيما سلف. وقد
11
فرغنا فى الفن الأول والثانى من الجزء النظرى الكلى من الطب. ونحن نصرف وكدنا
12
فى الباقين الى الجزء العملى منه على نحو كلى. والجزء العملى [منه] ينقسم قسمين:
13
أحدهما علم تدبير الأبدان الصحيحة، أنه كيف تبقى عليها صحتها، وذلك يسمى علم
14
حفظ الصحة. والقسم الثانى علم تدبير البدن المريض، أنه كيف يرد الى حال الصحة،
15
ويسمى علم العلاج. ونحن نبدأ فنكتب فى هذا الفن موجزًا من الكلام فى حفظ الصحة.
16
فنقول: انه لما كان المبدأ الأول لتكون أبداننا شيئين: أحدهما المنى من الرجل.
17
والاصح من أمره أنه قائم مقام الفاعل. والثانى منى المرأة ودم الطمث. والأصح من أمره أنه قائم
18
مقام المادة. فهذان الجوهران مشتركان فى أن كل واحد منهما سيال رطب؛ وان
19
اختلفا بعد ذلك، وكانت المائية والارضية فى الدم ومنى المرأة أكثر؛ والهوائية والنارية
20
فى منى الرجل أغلب. وجب أن يكون أول انعقاد هذين انعقادًا رطبًا. وان كانت
21
الارضية والنارية موجودتين ايضًا فيما تكون منهما. وكانت الأرضية بما فيها
22
من الصلابة، والنارية بما فيها من الإنضاج، قد تعاونتا، فصلبتا المنعقد وعقدتاه
23
فضل تصليب وتعقيد. لكنه ليس يبلغ ذلك حد انعقاد ألاجسام الصلبة مثل الحجارة
24
والزجاج، حتى لا يتحلل منها شئى، أو يتحلل منها شئى غير محسوس، فيكون
1-236
1
فى امن من الآفات العارضة بسبب التحلل الدائم، أو الطويل الزمان جدًا. وليس
2
الامر هكذا؛ ولذلك فان أبداننا معرضة لنوعين من الآفات، وكل واحد منهما له سبب
3
من داخل وسبب من خارج.
4
وأحد نوعى الآفة هو تحلل الرطوبة، التى منها خلقنا، وهذا واقع بالتدريج. والثانى
5
تعفن الرطوبة وفسادها، وتغيرها عن الصلوح لامداد الحياة، وهذا غير الوجه الأول، وان
6
كان يؤدى تادية ذلك الى الجفاف؛ بان تفسد اولأ الرطوبة، وتخالف هيئة صلوحها
7
لأبداننا، ثم آخرالأمر يتحلل عن التعفن؛ فان العفونة اولًا تفسد الرطوبة، ثم تحللها، وتذر
8
الشئى اليابس الرمادى. وهاتان الآفتان خارجتان عن الآفات اللاحقة، من أسباب أخرى،
9
كالبرد المجمد والسموم، وأنواع تفرق الاتصال المهلك، وسائر الأمراض. ولكن النوعين
10
المذكورين أخص ببحثنا هذا، وأحرى أن نعتبرهما فى حفظ الصحة.
11
وكل واحد منهما يقع من أسباب خارجة، ومن أسباب باطنة. أما الأسباب الخارجة
12
فمثل الهواء المحلل والمعفن. وأما الأسباب الباطنة فمثل الحرارة الغريزية، التى فينا
13
المحللة لرطوباتنا. والحرارات الغريبة المتولدة فينا عن أغذيتنا وغيرها، المعفنة لرطوباتنا.
14
وهذه الاسباب كلها متعاونة على تجفيفنا. بل أول استكمالنا، وبلوغنا، وتمكنا من أفاعيلنا،
15
يكون بجفاف كثير يعرض لنا. ثم يستمر الجفاف أن يتم.
16
وهذا الجفاف، الذى يعرض لنا أمر ضرورى لا بد منه. فانا من أول الأمر
17
ما تكون فى غاية الرطوبة. ويجب لا محالة أن تكون حرارتنا مستولية عليها؛ وإلا احتقنت
18
فيها. فهى تفعل فيها لا محالة دائمًا، [وتجففها دائمًا.] ويكون أول ما يظهر من تجفيفها،
19
هو إلى الإعتدال. ثم إذا بلغت أبداننا إلى الحد المعتدل من الجفاف، والحرارة بحالها،
20
فلا يكون التجفيف بقدر التجفيف الأول، بل أقوى. لان المادة أقل، فهى أقبل.
21
فيودى لا محالة إلى أن يزداد التجفيف على المعتدل؛ فلا يزال يزداد لا محالة إلى ان
22
يفنى الرطوبات، فتصير الحرارة الغريزية بالعرض سببًا لاطفاء نفسها. إذ صارت سببًا
23
لافناء مادتها كالسراج، الذى ينطفى إذا فنيت مادتة. وكلما أخذ التجفيف فى الزيادة،
24
أخذت الحرارة فى النقصان، فعرض دائمًا عجز مستمر إلى الإمعان، وعجز عن إستبدال
25
الرطوبة بدل ما يتحلل متزائد دائمًا. فيزداد تجفيفًا من وجهين: أحدهما لتناقص لحوق
26
المادة. والآخر لتناقص الرطوبة فى نفسها بتحليل الحرارة.
27
فيزداد ضعف الحرارة لاستيلاء اليبوسة على جوهر الاعضاء، ونقصان الرطوبة
28
الغريزية، التى هى كالمادة وكالدهن للسراج؛ لأن السراج له رطوبتان: ماء ودهن.
29
يقوم بأحدهما، وينطفئ بالآخر. كذلك الحرارة الغريزية، تقوم بالرطوبة الغريزية،
1-237
1
وتختنق بالغريبة. وازدياد الرطوبة الغريبة التى هى عن ضعف الهضم، التى هى
2
كالرطوبة المائية للسراج. فاذا تم الجفاف طفيت الحرارة، وكان الموت الطبيعى.
3
وانما بقى البدن مدة بقاءه، لا لأن رطوبة الطبيعية الأولية قاومت تحليل حرارة
4
الفعالم، وحرارة بدنه فى غريزته، وما يحدث فى حركاته هذه المقاومة المديدة؛
5
فانها أضعف قوامًا من ذلك لكن انما أقامها إستبدال بدل ما يتحلل منها وهو الغذاء.
6
ثم قد بينا ان الغذاء إنما تصرف فيه [القوة] وتستعمله إلى حد.
7
وصناعة حفظ الصحة ليست صناعة تضمن الامان من الموت؛ ولا تخليص
8
البدن عن الآفات الخارجة؛ ولا أن تبلغ بكل بدن غاية طوال العمر الذى بحسب الانسان
9
مطلقًا. بل إنما تضمن أمرين: منع العفونة أصلًا. وحماية الرطوبة كيلا يسرع
10
إليها التحلل. وفى قوتها أن تبقى إلى مدة، تقتضيها بحسب مزاجها الأول. ويكون
11
ذلك بالتدبير الصواب فى إستبدال البدن بدل ما يتحلل [منه] مقدار الممكن.
12
وبالتدبير المانع من إستيلاء أسباب معجلة للتجفيف، دون الأسباب الموجبة للتجفيف.
13
وبالتدبير المحرز عن تولد العفونة، لحماية البدن وحراسته عن إستيلاء حرارة غريبة
14
خارجًا أو داخلًا. إذ ليست الأبدان كلها متساوية فى قوة الرطوبة الأصلية والحرارة
15
الأصلية؛ بل الأبدان مختلفة فى ذلك. ولكل بدن حد فى مقاومة الجفاف الواجب،
16
يقتضيه مزاجه وحرارته الغريزية، ومقدار رطوبته الغريزية لا يتعداه؛ ولكن قد يسبقه
17
بوقوع أسباب معينة على التجفيف، أو مهلكة بوجه آخر.
18
وكثير من الناس يقول: إن الآجال الطبيعية هى هذه، وإن الآجال العرضية
19
هى الأخرى . وكان صناعة حفظ الصحة هى المبلغة بدن الانسان إلى هذا السن،
20
الذى يسمى أجلًا طبيعيًا، على حفظ الملائمات. وقد وكل بهذا الحفظ قوتان يخدمهما
21
الطبيب: أحدهما طبيعية وهى الغاذية، فيخلف بدل ما يتحلل من البدن، الذى جوهره
22
إلى الارضية والمائية؛ والثانية حيوانية وهى القوة النابضة، فيخلف بدل ما يتحلل من
23
الروح، الذى جوهره هو أى نارى. ولما لم يكن الغذاء شبيهًا بالمغتذى بالفعل، خلقت
24
القوة المغيرة، لتغير الأغذية الى مشابهة المغتذيات بالفعل، بل إلى كونها غذاء بالفعل
25
وبالحقيقة. وخلق لذلك آلات ومجارى هى للجذب، والدفع، والإمساك، والهضم.
26
فنقول: إن ملاك الأمر فى صناعة حفظ الصحة هو تعديل الأسباب [العامة]
27
اللازمة المذكورة. وأكثر العناية بها هو فى تعديل أمور سبعة: تعديل المزاج. واختيار
28
ما يتناول. وتنقية الفضول. وحفظ التركيب. وإصلاح المستنشق. وإصلاح الملبوس.
1-238
1
وتعديل الحركات البدنية والنفسانية؛ ويدخل فيها بوجه ما النوم واليقظة. وأنت
2
تعرف مما سلف بيانه أئه لا الاعتدال حد واحد، ولا الصحة. ولا إيضًا كل واحد من
3
المزاج داخل فى أن يكون صحة ما، او إعتدالًا ما، فى وقت ما؛ بل الامر بين الأمرين.
4
فلنبدأ أولًا بتعليم تدبير المولود، المعتدل المزاج فى الغاية.
5
|53rb55|التعليم الاول من الفن الثالث
6
فى التربية وهو اربعة فصول
7
|53rb57|الفصل الاول فى تدبير المولود كما يولد الى ان ينهض
8
أما تدبير الحوامل واللواتى يقاربن الولادة، فسنكتبه فى الأقاويل الجزئية.
9
وأما المولود المعتدل المزاج إذا ولد، فقد قال جماعة من الفضلاء: أنه يجب أن يبدأ
10
أول شىء، فيقطع سرّته فوق أربعة أصابع، وتربط بصوف نقى فتل فتلًا لطيفًا، كى
11
لا يولم، وتوضع عليه خرقة مغموسة فى الزيت. ومما أمر به فى قطع السرة أن توخذ
12
العروق الصفر، ودم الأخوين، والأنزروت، والكمون، والأشنة، والمر اجزاء سواء
13
يسحق، ويذر على سرته. ويبادر إلى تمليح بدنه بماء الملح الرقيق ليصلب بشرته،
14
وتقوى جلدته. وأصلح الأملاح ما خالطه شىء من شادنج، وقسط، وسماق، وحلبة،
15
وصعتر. ولا يملح أنفه ولا فمه. والسبب فى إيثارنا تصليب بدنه، أنه فى أول الولادة
16
يتأذى من كل ملاق يستخشنه ويستبرده. وذلك لرقة بشرته وحرارته، وكل شىء عنده
17
بارد، وصلب وخشن. وإن احتجنا أن نكرر تمليحه، وذلك إذا كان كثير الوسخ والرطوبة
18
فعلنا؛ ثم نغسله بماء فاتر، وننقى منخريه دائمًا بأصابع مقلمة الأظفار. وتقطر فى عينيه شئى
19
من الزيت. ويدغدغ دبره بالخنصر لينفتح. ويتوقى أن يصيبه برد. واذا سقطت سرته،
20
وذلك بعد ثلاثة أيام، فالصواب أن يذرعليه رماد الصدف، أو رماد عرقوب العجل
21
او الرصاص المحرق مسحوقًا أيها كان، بالشراب.
22
واذا اردنا أن نقمطه، فيجب أن تبدأ القابلة وتمس أعضاءه بالرفق: فتعرض ما
23
يستعرض، وتدقق ما تستدق، وتشكل كل عضو على أحسن شكله. وكل ذلك بغمز
24
لطيف بأطراف الأصابع، ويتوقى فى ذلك معاودات متوالية. وتديم مسح عينيه بشئى
25
كالحرير؛ وغمز مثانته، ليسهل إنفضال البول عنها. ثم تفرش يده، وتلصق ذراعيه
26
بركبتيه. وتعممه، أو تقلنسه بقلنسوة، مهندمة على راسه. وتنومه فى بيت معتدل الهواء
27
ليس بارد. ويجب أن يكون البيت إلى الظل والظلمة، ما هو لا يستطيع فيه شعاع غالب.
1-239
1
ويجب أن يكون راسه فى مرقده أعلى من سائر جسده. ويحذر أن يلوى مرقده شيئًا
2
من عنقه، وأطرافه، وصلبه. ويجب أن [يكون] إحمامه بالماء المعتدل صيفًا. و
3
بالمائل إلى الحرارة غير اللذاعة شتاءً. وأصلح وقت يغسل ويستحم به فيه، هو بعد
4
نومه الأطول. وقد يجوز أن يغسل فى اليوم مرتين أو ثلاثة. وأن ينقل بالتدريج الى ما هو اضرب الى
5
الفتور ان كان الوقت صيفًا. وأما فى الشتاء فلا يفارقن به الماء المعتدل الحرارة. وانما يحمم
6
بمقدار ما يسخن بدنه ويحمر، ثم يخرج. ويصان صماخه عن سبوق الماء اليه. ويجب
7
أن يكون أخذه وقت الغسل على هذه الصفة: يوخذ باليد اليمنى على الذراع الأيسر،
8
معتمدًا على صدره دون بطنه. ويجتهد فى وقت الغسل أن تلزم راحتاه ظهره، وقدمه رأسه
9
بلطف وبرفق. ثم ينشفه بخرقة ناعمة. ويمسحه بالرفق، ويضجعه أولًا على بطنه، ثم على
10
ظهره. ولا يزال مع ذلك يمسح، ويغمز، ويشكل. ثم يرد فيعصب بخرقة. ويقطر فى
11
انفه الزيت العذب. فانه يغسل عينيه وطبقاتهما.
12
|53vb21|الفصل الثانى فى تدبير الرضاع والفطام
13
وأما كيفية إرضاعه وتغذيته: فيجب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه؛ فانه أشبه
14
الأغذية بجوهر ما سلف من غذاءه وهو فى الرحم، أعنى طمث أمه؛ فانه بعينه هو
15
المستحيل لبنًا، وهو أقبل لذلك، وآلف له. حتى أنه قد صح بالتجربة أن إلقامه حلمة
16
أمه عظيم النفع جدًا فى دفع ما يوذيه. ويجب أن يكتفى بارضاعه فى اليوم مرتين أو
17
ثلاثًا. ولا يبدأ فى أول الأمر فى إرضاعه بارضاع كثير. على أنه يستحب أن يكون من
18
يرضعه فى الاول غير أمه، حتى يعتدل مزاج أمه. والأجود أن يلعق عسلًا، ثم يرضع.
19
ويجب أن يحلب من اللبن الذى يرضع منه الصبى فى أول النهار حلبتان أو ثلاثة، ثم
20
يلقم الحلمة، وخصوصًا إذا كان باللبن عيب. فالأولى باللبن الردى والحريف أن
21
لا يرضعه المرضعة وهى على الريق. ومع ذلك فانه من الواجب أن يلزم الطفل شيئين
22
نافعين إيضًا لتقوية مزاجة: أحدهما التحريك اللطيف، والآخر الموسيقى والتلحين،
23
الذى جرت به العادة لتنويم الأطفال. وبمقدار قبوله لذلك، يوقف على تهيئة للرياضة
24
والموسيقى أحدهما بيدنه، والآخر بنفسه.
25
فان منع عن إرضاعه لبن والدته مانع من ضعفها، أو فساد لبنها، أو ميله إلى الرقة،
26
فيجب ان يختار له مرضعة على الشرائط، التى نصفها. بعضها فى سنها، وبعضها فى
27
سحنتها، وبعضا فى أخلاقها، وبعضها فى هيئة ثديها، وبعضها فى كيفية لبنها، وبعضها فى مقدار
28
مدة ما بينها وبين وضعها، وبعضها من جنس مولودها. واذا أصيبت شرائطها، فيجب
1-240
1
أن يجاد غذاءها، فيجعل من الحنطة، والخندريس، ولحوم الخرفان والجداء، والسمك
2
الذى ليس بعفن اللحم ولا صلبه؛ والخس غذاء محمود؛ واللوز ايضًا والبندق. وشر البقول لها
3
الجرجير، والخردل، والباذروج؛ فانه يفسد اللبن. وفى النعناع قوة من ذلك.
4
وأما شرائط المرضع فسنذكرها، ونبدأ بشريطة سنها فنقول: ان الأحسن أن يكون
5
ما بين خمسة وعشرين الى خمسة وثلاثين؛ فان هذا هو سن الشباب، وسن الصحة والكمال.
6
وأما شريطتها فى سختها وتركيبها، فيجب أن تكون حسنة اللون، قوية العنق، والصدر واسعته،
7
عضلانية، صلبة اللحم متوسطة فى السمن والهزال، لحمانية لا شحمانية. وأما فى أخلاقها
8
فان تكون حسنة الأخلاق، محمودتها. بطيئة عن الانفعالات النفسانية الرديئة، من الغضب،
9
والغم، والجبن، وغير ذلك؛ فان جميع ذلك يفسد المزاج، وربما أعدى بالرضاع. ولهذا نهى
10
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استظئار المجنونة. على أن سوء خلقها ايضًا مما يسلك بها
11
سبيل سوء العناية بتعهد الصبى، واقلال مداراته. وأما فى هيئة ثديها فان يكون ثديها مكتنزًا
12
عظيمًا، ليس مع عظمه بمسترخ. ولا ينبغى ايضًا أن يكون فاحش العظم. ويجب أن يكون
13
معتدلًا فى الصلابة واللين.
14
وأما فى كيفية لبنها فان يكون قوامه معتدلًا، ومقداره معتدلًا، ولونه الى البياض، لا كمد،
15
ولا أخضر، ولا أصفر، ولا أحمر؛ ورائحته طيبة، لا حموضة فيها ولا عفونة؛ وطعمه الى
16
الحلاوة، لا مرارة فيه، ولا ملوحة، ولا حموضة. وإلى الكثرة ما هو. وأجزاءه متشابهة.
17
فحينذ لا يكون رقيقًا سيالًا، ولاغليظًا جدًا جبنيًا؛ ولا مختلف الأحزاء، ولا كثيرة الرغوة.
18
وقد يجرب قوامه بالتقطير على الظفر، فان سال فهو رقيق، وإن وقف عن
19
الإمالة من الظفر، فهو ثخين. ويختبر ايضًا فى زجاجة، بأن يلقى عليه شىء من المر،
20
ويحرك بالاصبع، فيعرف مقدار جبنيته ومائيته. فان اللبن المحمود هو المتعادل
21
الجبنية والمائية. وإن اضطر إلى من لبنها ليس بهذه الصفة، دبر فيه من وجه السقى؛
22
ومن علاج المرضعة. أما من وجه السقى فما كان من الألبان غليظًا كريه الرائحة، فالصواب
23
أن يسقى بعد حلب، وتعريض للهواء. وما كان شديد الحرارة، فالاصوب أن لا يسقى
24
على الريق البتة.
25
وأما علاج المرضع: فانها إن كانت غليظة اللبن، سقيت من السكنجبين
26
البزورى المطبوخ بالملطفات، مثل الفوذنج، والزوفا، والحاشا، والصعتر الجبلى؛
27
وتطعم الطريخ ونحوه؛ ويجعل فى طعامها شىء من الفجل يسير؛ وتومر أن تتقيأ بسكنجبين
28
حار؛ وان تتعاطى رياضة معتدلة. وإن كان مزاجها حارًا، سقيت السكنجبين مع الشراب
29
الرقيق، مجموعين ومفردين. وإن كان لبنها إلى الرقة، رفهت ومنعت الرياضة،
1-241
1
وغذيت بما يولد دمًا غليظًا. وربما سقوها، إن لم هناك مانع، شرابًا حلوًا أوعقيد العنب.
2
وتومر بزيادة النوم. فان كان لبنها قليلًا، تؤمل السبب فيه؛ هل هو سوء مزاج حار
3
فى بدنها كله، أو فى ثديها. ويتعرف ذلك من العلامات المذكورة فى الأبواب الماضية،
4
ويلمس الثدى. فان دل الدليل على أن بها حرارة، غذيت بمثل كشك الشعير،
5
والاسفاناخ، وما أشبه ذلك. وإن دل الدليل على أن بها برد مزاج، أو "سددًا، أو ضعفًا'' من
6
القوة الجاذبة، زيد فى غذاءها اللطيف المائل الى الحرارة. وعلق عليها المحاجم
7
تحث الثديين بلا تعنيف. وينفع من ذلك بزر الجزر. والجزر نفسه [له] منفعة عظيمة.
8
وإن كان السبب فيه إستقلالها من الغذاء، غذيت بالأحساء المتخذة من الشعير،
9
والنخالة، والحبوب. ويجب أن يجعل فى احساءها، وأغذيتها أصل الرازيانج ويزره،
10
والشبث، والشونيز. وقد قيل إن أكل الضروع وخاصة ضروع الضأن والماعز، بما فيها
11
من اللبن، نافع جدًا لهذا الشان لما فيه من المشاكلة، أو لخاصية فيه. وقد جرب
12
أن يوخذ وزن درهم من الأرضة والخراطين المجففة فى ماء الشعير أيامًا متوالية، ووجد
13
ذلك غاية. وكذلك سلاقة رؤس السمك المالح فى ماء الشبث. ومما يغرز اللبن أن
14
توخذ أوقية من سمن البقر، فيصب على كاس من شراب صرف ويشرب. أو يوخذ
15
طحين السمسم، ويخلط بالشراب ويصفى ويسقى. ويضمد الثدى بثفل دهن الناردين
16
مع زيت ولبن أتان. أو توخذ أوقية من جوف الباذنجان المسلوق ويمرس بالشراب
17
مرسًا ويسقى. أو تغلى النخالة والفجل فى الشراب فيسقى [او يوخذ] بزر الشبث ثلاثة
18
أواقى،. بزر الحندقوقى وبزر الكراث، من كل واحد أوقية، وبزر الرطبة، والحلبة، من كل
19
واحد أوقيتان، تخلط بعصارة الرازيانج، والعسل، والسمن، وتشرب منة
20
وإذا كان اللبن بحيث يوذى، ويفسد من الكثرة لإحتقانه وتكاثفه، فينقص بتقليل
21
الغذاء، وتناول ما يقل غذاءه؛ وبتضميد الصدر والثدى بكمون وخل؛ أو بطين حر وخل؛
22
أو بعدس مطبوخ. وتشرب الماء المالح عليه. وكذلك إستعمال النعناع الكثير.
23
والإستكثار من ذلك للثدى يغرز اللبن. وأما اللبن الكريه الرائحة، فيعالج بسقى الشراب
24
الريحانى، وبتناول الأغدية الطيبة الروائح.
25
وأما التدبير الماخوذ من مدة وضع المرضع، فيجب أن تكون ولادتها قريبة،
26
لا ذلك القرب جدًا؛ بل ما بينها وبينه شهر ونصف أو شهران. وأن يكون ولادتها لذكر.
27
وان يكون وضعها لمدة طبيعية؛ وأن لا تكون قد أسقطت، ولا كانت معتادة الإسقاط.
28
ويجب أن يؤمر المرضع برياضة معتدلة؛ وتغتذى بأغذية حسنة الكيموس.
29
ولا تجامع البتة؛ فان ذلك يحرك منها دم الطمث، فتفسد رائحة اللبن، ويقل مقداره.
1-242
1
وربما حبلت، فكان من ذلك ضرر[عظيم] على الولدين جميعًا. أما المرتضع فلانصراف
2
اللطيف من الدم إلى غذاء الجنين؛ وأما الجنين فلقلة ما يأتيه من الغذاء، لاحتياج الآخر
3
إلى اللبن. ويجب فى كل إرضاعه، وخصوصًا فى الإرضاع الأول، أن يحلب شىء
4
من اللبن ويسيل، وأن يعان بالغمز، لئلا يضطره شدة المص إلى إيلام آلات الحلق والمرى،
5
فيحجف به. وأن ألعق قبل الإرضاع كل مرة ملعقة من عسل فهو نافع. وإن مزج بقليل
6
شراب، كان صوابًا. فلا ينبغى أن يرضع اللبن الكثير دفعة واحدة؛ بل الأصوب أن
7
يرضع قليلًا قليلًا متواليًا. فان إرضاعه المشبع دفعة واحدة ربما ولد تمددًا، ونفخة،
8
وكثرة رياح، وبياض بول. فان عرض ذلك فيجب أن لا يرضع، ويجوع شديدًا،
9
ويشتغل بتنويمه، إلى أن ينهضم ذلك.
10
وأكثر ما يرضع فى الأيام الاول هو فى اليوم ثلاث مرات. وإن أرضعته فى اليوم
11
الأول غير أمه على ما ذكرناه، كان أصوب. وكذلك إذا عرض للمرضع مزاج ردى،
12
أو علة مولمة، أو إسهال كثير، أو إحتباس موذ، فالأولى أن يتولى إرضاعه غيرها إلى
13
أن تستقل. وكذلك اذا احوجت الضرورة الى سقيها دواء، له قوة وكيفية غالبة. واذا نام عقيب
14
الرضاع لم يعنف عليه بتحريك شديد للمهد، لئلا يخضخض اللبن فى معدته، بل يرجح
15
برفق. والبكاء اليسير قبل الرضاع ينفعه. والمدة الطبيعية للرضاع سنتان.
16
واذا اشتهى الطفل غير اللبن، أعطى بتدريج ولم يشدد عليه. ثم اذا جعلت ثناياه
17
تظهر، نقل إلى الغذاء الذى هو أقوى بالتدريج، من غير أن يعطى شيئًا صلب المضغ.
18
وأول ذلك خبز تمضغه المرضع. ثم خبز بماء وعسل، أو شراب ممزوج، أو بلبن. ويسقى
19
عند ذلك قليل ماء، وفى الأحيان مع يسير شراب ممزوج به. ولا تدعه يتملأ. فان عرض
20
له كظة، وانتفاخ بطن، وبياض بول، منعته كل شىء. وأجود تغذيته أن يوخر إلى ان
21
يمرخ ويحمم. ثم إذا فطم، نقل إلى ما هو من جنس الأحساء، واللحوم الخفيفة.
22
ويجب أن يكون الفطام بالتدريج، لا دفعة واحدة. ويشغل ببلاليط، متخذة من خبز وسكر.
23
فان ألح على الثدى، واسترضع وبكى، فيجب أن يوخذ من المر، والفرفخ، من كل واحد
24
درهم يسحق، ويطلى منه على الثدى.
25
ونقول بالجملة: أن تدبيرالطفل هو الترطيب، لمشاكلة مزاجه لذلك، ولحاجته
26
اليه فى تغذيته ونموه. والرياضة المعتدلة الكثيرة. وهذا كالطبيعى لهم، وكان الطبيعة
27
تتقاضاهم به؛ ولا سيما اذا جاوز الطفولة الى الصبا. فاذا أخذ ينهض ويتحرك، فلا ينبغى أن يمكن
28
من الحركات العنيفة. ولا يجوز أن يحمل على المشى أو القعود قبل انبعاثه اليه بالطبع، فيصيب
29
ساقيه وصلبه آفة. والواجب فى أول ما يقعد ويزحف على الأرض، أن يجعل مقعده على نطع
30
أملس؛ لئلا تخذشه خشونة الأرض. وينحى عن وجهه الخشب، والسكاكين. وماأشبه ذلك،
31
مما ينخس ويقطع. ويحمى عن التزلق من امكان عال. واذا جعلت الأنياب تفطر، منعوا
1-243
1
كل صلب الممضغ. لئلا تتحلل المادة التى فيها تتخلق الأنياب، بالمضغ الذى يولع به.
2
وحينئذ تمرخ. عمورهم بدماغ الأرنب، وشحم الدجاج، فان ذلك يسهل فطورها.
3
واذا انغلق عنها العمور، مرخت رؤسهم وأعناقهم حينئذ بالزيت المغسول، مضروربًا بماء حار.
4
وقطر من الزيت فى آذانهم. واذا صارت بحيث يمكنه أن يعض بها، فانه يعزى باصبعه
5
وعضه، فيجب أن يعطى قطعة من أصل السوس، الذى لم تجف بعد كثيرًا. فان ذلك ينفع
6
فى ذلك الوقت، وينفع من القروح والأوجاع فى اللثة. وكذلك يجب أن يدلك فمه بملح وعسل،
7
لئلا تصيبه هذه الأوجاع. ثم اذا استحكم نباتها ايضًا، أعطوا شيئًا من رب السوس، أو
8
من أصله الذى ليس بشديد الجفاف، يمسكونه فى الفم. ويوافقهم تمريخ أعناقهم
9
فى وقت نبات الأنياب بزيت عذب. أو دهن آخرعذب. واذا أخذوا ينطقون، تعهدوا بادامة
10
دلك أصول ألسنتهم.
11
|55ra10|الفصل الثالث فى الأمراض التى تعرض للصبيان [وعلاجاتها]
12
الغرض المقدم فى معالجة الصبيان هو تدبير المرضع. حتى ان حدس [أن]
13
بها امتلاء من دم، فصدت، او حجمت. أو امتلاء من خلط، استفرغ منها الخلط؛ أو احتيج
14
الى حبس طبيعة، أو اطلاقها، أو منع بخار من الرأس، أو اصلاح لاعضاء التنفس،
15
أو تبديل سوء مزاج، عولجت بالمتناولات الموافقة لذلك. واذا عولجت باسهال، أو وقع
16
طبعًا بافراط؛ أو عولجت بقئى، أو وقع طبعًا وقوعًا قويًا، فالأحرى أن يرضع ذلك اليوم
17
غيرها. فلنذكر أمراضًا جزئية تعرض للصبيان: فمن ذلك أورام تعرض لهم فى اللثة عند نبات
18
الأسنان، وأورام تعرض لهم عند أوتار فى ناحية اللحيين، وتشنج فيها. واذا عرض ذلك
19
فيجب أن يغمز عليها الإصبع بالرفق، ويمرخ بالدهنيات المذكورة فى باب نبات الأسنان،
20
وبالعسل مضروبًا بدهن البابونج، أو العسل مع علك البطم. ويستعمل على الرأس نطول بماء
21
يطبخ فيه البابونج والشبث.
22
ومما يعرض للصبيان هو استطلاق البطن، وخصوصًا عند نبات الأسنان. زعم بعضهم
23
[انه يعرض لهم،] لانهم يمصون فضلًا مالحًا قيحيًا من لثاتهم مع اللبن. ويجوز أن لا يكون
24
لذالك، بل لإشتغال الطبيعة بتخليق عضو عن اجادة الهضم، ولعروض الوجع وهو مما يمنع
25
الهضم فى الأبدان الضعيفة. والقليل منه لا يجب أن يشتغل به فان خيف من ذلك افراط
26
تدورك بتكميد بطنه ببزر الورد، أو بزر الكرفس، أو الأنيسون؛ أو الكمون، أو
27
يضمد بطنه بكمون وورد مبلولين بخل، أو بجاورس مطبوخ مع قليل خل. وإن لم
28
ينجع، سقوا من أنفحة الجدى دانق بماء بارد. ويحذر حنيئذ من تجبن اللبن فى معدته،
1-244
1
بأن يغذى ذلك اليوم ما ينوب عن اللبن، مثل النيمبرشت من صفرة البيض، ولباب الخبز
2
مطبوخًا فى ماء، أو سويق مطبوخًا فى ماء.
3
وقد يعرض لهم اعتقال الطبيعة. فيشيفون بزبل الفأر، أو شيافة من عسل معقود
4
وحده، أو مع فوذنج. أو أصل السوسن الاسمانجونى كما هو أو محرقًا. أو يطعم قليل
5
عسل، أو مقدار حمصة من علك البطم. ويمرخ بطنه بالزيت تمريخًا لطيفًا. أو تلطخ
6
سرته بمرارة البقر وبخور مريم. وربما عرض بلثته لذع. فيكمد بدهن وشمع. "واللحم
7
المالح العفن ينفعه". وربما عرض لهم خاصة عند نبات الأسنان تشنج، وأكثره
8
بسبب ما يعرض لهم من فساد الهضم مع شدة ضعف العصب، وخصوصًا فيمن بدنه
9
عبل رطب. فيعالج يدهن إيرسا، أو دهن السوسن، أو دهن الحناء، أو دهن الخيرى.
10
وربما عرض كزاز. فيعالج بماء يطبخ فيه قثاء الحمار؛ أو بدهن البنفسج مع دهن
11
قثاء الحمار. فان حدس أن التشنج العارض به من يبس؛ لوقوعه عقيب الحميات،
12
والاسهال العنيف، ولحدوثه قليلًا قليلًا، غرقت مفاصله بدهن البنفسج وحده، أو مضروبًا
13
مع شىء من الشمع المصفى. وصب على دماغهم زيت ودهن بنفسج وغير ذلك صبًا
14
كثيرًا. وكذلك إن عرض لهم كزاز يابس. وقد يعرض لهم سعال وزكام. وقد أمر فى
15
ذلك بماء حار [كثير] يصب على رأس من أصيب بذلك منهم. ويلطخ لسانه بعسل
16
[كثير]، ثم يغمز على أصل لسانه بالإصبع، ليتقيأ بلغمًا كثيرًا فيعافى. أو يوخذ صمغ
17
عربى، وكثيرا، وحب السفرجل، ورب السوس، وفانيذ ويسقى منه كل يوم شيئًا بلبن
18
حليب. وقد يعرض للطفل سوء تنفس؛ فيجب حينئذ أن تدهن اصول أذنيه وأصل
19
لسانه بالزيت ويقيأ [و] كذلك تكبس لسانه فهو نافع جدًا. ويقطر الماء الحار فى أفواهم،
20
وأن يلعقوا شيئًا من بزر الكتان بالعسل.
21
وقد يعرض لهم القلاع كثيرًا؛ فان غشاء أفواهم وألسنتهم لين جدًا؛ لا يحتمل
22
المص لينًا فكيف جلاء مائية اللبن؛ فان ذلك يوذيهم ويورثهم القلاع. وأردأ القلاع
23
الفحمى الأسود، وهو قاتل. وأسلمه الأبيض والأحمر. فينبغى أن يعالجوا بما خف
24
من أدوية القلاع المذكورة فى الكتاب الجزئ. وربما كفاه البنفسج المسحوق وحده،
25
او مخلوطًا بورد. وقليل زعفران او الخرنوب وحده. وربما كفاه مثل عصارة الخس،
26
وعنب الثعلب، والفرفخ. فان كان أقوى من ذلك فأصل السوس المسحوق. وربما
27
نفع بثور لثته وقلاعه: المر، والعفص، وقشور الكندر مسحوقة جدًا مخلوطة بالعسل.
28
وربما كفاه رب التوت الحامض وحده؛ ورب الحصرم. وقد ينفع من ذلك غسله
29
بشراب العسل، أو ماء العسل، ثم اتباعه بشىء مما ذكرناه من المجففات. فان احتيج إلى
1-245
1
ما هو أقوى، فليوخذ عروق، وقشور الرمان، والجلنار، والسماق، من كل واحد ستة
2
دراهم، ومن العفص أربعة دراهم، ومن الشب اليمانى درهمان، يدق وينخل ويذر.
3
وقد يعرض فى أذانهم سيلان الرطوبة؛ فان أبدانهم وخصوصًا أدمغتهم رطبة
4
جدًا. فيجب أن تغمس لهم صوفة فى عسل وخمر مخلوطًا به شىء يسير من شب أو زعفران،
5
أو شمة من نطرون، ويجعل فى آذانهم. وربما كفى أن يغمس صوف فى شراب عفص، ويستعمل
6
مع شئى من الزعفران يجعل فى ذلك الشراب. وقد يعرض للصبيان كثيرًا وجع الأذن من ريح
7
أو رطوبة. فيعالح بالحضض، والصعتر، وملح الطبرزد، والعدس، والمر، وحب الحنظل،
8
والابهل، يغلى أيها كان فى دهن ويقطر فى آذانهم.
9
وربما عرض فى دماغ الصبيان ورم حار يسمى العطاش. وقد يصل وجعه كثيرًا الى
10
العين والحلق، ويصفر له الوجه. فيجب حينئذ أن يتبرد دماغه ويرطب بقشور القرع والخيار،
11
وماء عنب الثعلب، وعصارة البقلة الحمقاء خاصة، ودهن الورد مع قليل خل، وصفرة البيص
12
مع دهن الورد، ويبدل أيها كان دائمًا. وقد يعرض للصبى ماء فى راسه. قد ذكرنا علاجه
13
فى علل الرأس. وربما انتفخت عيونهم. فيطلى عليها حضص بلبن. ثم يغسل بطبيخ البابونج
14
وماء الباذروج. وربما أحدثت كثرة البكاء بياضًا فى أحداقهم. فيعالجون بعصارة عنب الثعلب.
15
وقد يعرض لجفن الصبى سلاق من البكاء. فكذلك علاجه ايضًا عصارة عنب الثعلب. وقد
16
يصيبهم حميات فالأولى بها أن تدبر المرضعة ويسقى هو ايضًا، مثل ماء الرمان مع سكنجبين
17
وعسل، ومثل عصارة الخيار مع قليل كافور وسكر. ثم يعرقون بأن يعتصر القصب الرطب
18
وتجعل عصارته على الهامة والرجل ويدثروا. فان هذا يعرقهم.
19
وربما عرض لهم مغص، فيلتوون ويبكون. فيجب أن يكمد البطن بالماء الحار، والدهن
20
الكثير الحار بالشَمع اليسير. وقد يعرض لهم عطاس متواتر. وبما كان ذلك من ورم فى نواحى
21
الدماغ. فان كان ذلك عولج الورم بالتبريد، والطلاء والتمريخ بالمبردات من العصارات
22
والأدهان. وان لم يكن من ورم عرض لهم، فيجب أن ينفخ الباذروج المسحوق فى مناخرهم.
23
وقد يعرض لهم بثور فى البدن. فما كان قرحيًا أسود، فهو قتال. "ولو كان قلاعا فقط لكان
24
قتالًا فكيف اذا انتشر" وأما الأبيض فهو أسلم منه. وكذلك الأحمر. وربما كانت فى
25
خروجها منافع كثيرة. وعلى كل حال فيعالج بالمجففات اللطيفة، مجعولة فى ماءه الذى
26
يغسل به مطبوخة فيه؛ كالورد، والآس، وورق شجرة المصطكى، والطرفاء. وادهان هذه
27
الأشياء ايضًا. والبثور السليمة تترك حتى تنضج، ثم تعالج. وان تقرحت استعمل مرهم
28
الإسفيداج. وربما احتيج الى أن يغسل بماء العسل مع قليل نطرون. وكذلك القلاع. فاذا
29
كثفت، احتيج الى ما هو أقوى، فيغسل حينئذ بماء البورق نفسه، ممزوجًا بلبن ليحتمله. فان
1-246
1
تنفطت بشرتهم، حموا بماء طبيخ الآس، والورد، والإذخر، وورق شجرة المصطكى. وأول
2
هذا كله اصلاح غذاء المرضع.
3
وربما أحدث فيهم كثرة البكاء نتوًا فى السرة، أو أحدث سببًا من أسباب الفتق.
4
وقد أمر فى ذلك بأن يسقى النانخواه، ويعجن ببياض البيض، ويلطخ عليه، ويغل بخرقة
5
كتان رقيقة. أو تبل حراقة الترمس المر بنبيذ وتشد عليه. وأقوى منه القوابض الحارة، مثل المر،
6
وقشور السرو، وجوزة، وصبر، والأقاقيا، وما يقال فى باب الفتق. وربما عرض للصبيان وخصوصًا
7
عند قطع السرة ورم. فحينئذ يجب أن يؤخذ الشنكال وهو الفنجنوش، وعلك البطم، ويذابان
8
فى دهن الشيرج؛ ويسقى منه الصبى، ويطلى به سرته.
9
وقد يعرض للصبى أن لا ينام، ولا يزال يبكى، ويدمدم دمدمة. ويضطر ضرورة الى
10
ارقاده. فان أمكن أن ينوم بقشور الخشخاس ويزره، وبدهن الخس، ودهن الخشخاش،
11
يوضع على صدغه وهامته؛ فذلك، وان احتيج الى أقوى من ذلك فهذا الدواء: يؤخذ حب
12
السمنة، وجوز جندم، وخشخاش أصفر، وخشخاش أبيض، وبزرالكتان، والجب الخورى
13
وبزر الفرفخ، وبزر لسان الحمل، وبزر الخس، وبزر الرازيانج، وأنيسون، وكمون، يقلى الجميع
14
قليلًا قليلًا ويدق، ويجعل فيها جزء من بزر قطرنا، مقلوًا غير مدقوق، ويخلط الجميع بمثله سكرًا؛
15
ويسقى الصبى منه قدر درهمين. فان أريد ان يكون أقوى من هذا، جعل فيه شئى من
16
الأفيون قدر ثلث جزء أو أقل. وقد يعرض للصبى فواق. فيجب أن يسقى جوز الهند مع سكر.
17
وقد يعرض للصبى قىء مبرح. فربما نفع أن يسقى نصف دانق من القرنفل. وربما
18
نفع منه تضميد المعدة بشىء من حوابس القىء الضعيفة. وقد يعرض للصبى ضعف المعدة.
19
فيجب أن تلطخ معدته بميسوسن بماء الورد، أو ماء الآس. ويسقى ماء السفرجل بشىء
20
من القرنفل والسك، أو قيراط من السك فى شىء يسير من الميبة. وقد يعرض للصبى
21
أحلام، تفزع فى نومه. وأكثره من إمتاره لشدة تهمته. فاذا فسد الطعام، وأحست المعدة
22
به، تأدى ذلك بالاذى من القوة الحساسة إلى القوة المتصورة والمتخيلة، فمثلت أحلامًا
23
ردئية هائلة. فيجب أن لا ينوم على كظة، وأن يلعق العسل، ليهضم ما فى معدته ويحدره.
24
وقد يعرض للصبى ورم الحلق بين الفم والمرى. وربما إمتد ذلك إلى العضل
25
وإلى خرز القفا. فيجب أن يلين بطنه بالشيافة. ثم يعالج بمثل رب التوت ونحوه. وقد
26
يعرض لهم خرخرة عظيمة فى نومه. فيجب أن يلعق من بزر الكتان المدقوق بالعسل،
27
أو من الكمون المدقوق المعجون بالعسل. وقد يعرض للصبى ريح الصبيان. وقد ذكرنا
28
علاجه فى باب أمراض الرأس. لكنا نذكر شئيًا قد ينجع فيهم كثيرًا، وهو أن يوخذ
29
من الصعتر، والجندبيدستر، والكمون، أجزاء سواء فيجمع سحقًا، ويسقى [و] الشربة
30
ثلاث حبات.
1-247
1
وقد يعرض للصبى خروج المقعدة. فيجب أن يوخذ قشور الرمان، والآس
2
الرطب، وجفت البلوط، و ورد يابس، وقرن [الايل] محرق، والشب اليمانى، وظلف
3
المعز، وجلنار، وعفص، أجزاء سواء من كل واحد درهم، يطبخ فى الماء طبخًا شديدًا،
4
حتى يستخرج قوته، ثم يقعد فى طبيخه فاترًا. وقد يعرض للصبيان زحير من برد يصيبهم.
5
فنيفعهم أن يوخذ حرف وكمون، من كل واحد ثلاثة دراهم يدق وينخل، ويعجن بسمن
6
البقر العتيق، ويسقى منه بماء بارد.
7
وقد يتولد فى بطن الصبيان دود صغار توذيهم. وأكثره فى نواحى المقعدة.
8
ويتولد فيهم منه الطوال ايضًا. وأما العراض فقلما يتولد فيهم. والطوال يعالج بماء
9
الشيح يسقون منه فى اللبن شئيًا يسيرًا بمقدار قوتهم. وربما احتيح [الى] أن تضمد
10
بطونهم بالأفسنتين، والبرنج الكابلى، ومرارة البقر، وشحم الحنظل. وأما الصغار التى
11
تكون منهم فى المقعدة، فيجب أن يوخذ الراسن، والعروق الصفر، من كل واحد جزء
12
سكر مثل الجميع فيسقى فى الماء <الحار>. وقد يعرض للصبى سحج فى الفخذ. فيجب
13
أن يذر عليه الآس المسحوق، أو أصل السوس المسحوق، أو الورد المسحوق، أو السعد،
14
أو دقيق العدس، أو دقيق الشعير.
15
|56rb13|الفصل الرابع فى تدبير الاطفال إذا انتقلوا إلى سن الصبا
16
يجب أن يكون وكد العناية مصروفًا الى مراعاة أخلاق الصبى فتعدل. وذلك بأن
17
يحفظ لئلا يعرض له غضب شديد. أو خوف شديد أو غم أو سهر. وذلك بأن يتأمل كل
18
وقت، مالذى يشتهيه، ويحن اليه، فيقرب اليه، أو ما الذى يكرهه فينحى عن وجهه. وفى
19
ذلك منفعتان: احداهما فى نفسه، بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق، ويصير ذلك له
20
ملكة لازمة. والثانية لبدنه، فانه كما أن الأخلاق. الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج،
21
فكذلك اذا حدثت عن العادة، استتبعت سوء المزاج المناسب لها. فان الغضب يسخن
22
جدًا، والغم يجفف جدًا، والتبلد يرخى القوة النفسانية، وتميل بالمزاج الى البلغمية.
23
ففى تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن معًا.
24
واذا انتبه الصبى من نومه فأحرى أن يستحم، ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة، ثم
25
يطعم شيئًا يسيرًا، ثم يطلق له اللعب الأطول، ثم يستحم، ثم يغذوا. ويجنبون مأامكن
26
شرب الماء على الطعام، لئلا ينفذه فيهم نيًا قبل الهضم. واذا أتى عليه من أحواله
27
ست سنين، فيجب أن يقدم إلى المودب والمعلم. ويدرج إيضًا فى ذلك، [و] لا تحمل
28
عليه ملازمة الكتاب كرة واحدة. وإذا بلغ سنهم هذا السن نقص من إحمامهم وزيد فى
29
تعبهم قبل الطعام. وجنبوا النبيذ؛ خصوصًا إن كان أحدهم حار المزاج مرطوبه. لأن
1-248
1
المضرة التى تبقى من النبيذ، وهو توليد المرار فى شاربيه مما تسرع إليهم بسهولة؛
2
والمنفعة المتوقعة من سقيه، وهى إدرار المرار منهم بالبول، أو ترطيب مفاصلهم غير
3
مطلوبة فيهم؛ لان مرارهم لا يكثر حتى يستدر؛ ولان مفاصلهم مستغنية عن الترطيب.
4
وليطلق لهم من الماء البارد، العذب النقى شهوتهم. ويكون هذا هو النهج فى تدبيرهم
5
إلى أن يوافوا الرابع عشر من سنهم؛ مع الإحاطة بما هو ذا ينالهم كل يوم من تنقص
6
الرطوبات، والتجفف، والتصلب، فيدرجون فى تقليل الرياضة، وهجر المعنفة منها
7
ما بين سن الصبا إلى سن الترعرع، ويلزمون المعتدل. وبعد هذا السن تدبيرهم هو
8
تدبير الانماء، وحفظ الصحة، فلننتقل إليه، ولنقدم القول فى الأشياء التى فيها ملاك
9
الأمر فى تدبير الأصحاء البالغين. ولنبدأه بالرياضة.
10
|56va12|التعليم الثانى
11
فى التدبير المشترك للبالغين ــ وهو سبعة عشر فصلًا
12
|56va14|الفصل الاول جملة القول فى الرياضة
13
لما كان معظم تدبير حفظ الصحة: وهو أن يرتاض، ثم يدبر الغذاء، ثم يدبر
14
النوم، وجب ''أن نبدأ بالكلام فى الرياضة. فنقول: إن الرياضة هى حركة إرادية،
15
تضطر الى التنفس العظيم المتواتر. والموفق لإستعمالها على جهة اعتدالها فى وقتها به،
16
غنى عن كل علاج، تقتضيه الأمراض المادية ولامراض المزاجية التى تتبعها، وتحدث عنها؛ وذلك اذا
17
كان سائر تدبيره موافقًا صوابًا. وبيان هذا هو انا كما علمت، مضطرون الى الغذا، وحفظ
18
صحتنا هو بالغذاء الملائم لنا، المعتدل فى كميته وكيفيته. وليس شئى من الأغذية
19
بالقوة يستحيل بكليته الى الغذاء بالفعل، بل يفضل عنه فى كل هضم فضل. والطبيعة
20
تجتهد فى استفراغه، ولكن لا يكون استفراغ الطبعية وحدها استفراغًا مستوفى؛ بل قد يبقى
21
[لا محالة] من فضلات كل الهضم لطخة وأثر، فاذا تواتر ذلك وتكرر اجتمع منها شئى
22
له قدر، وحصل من اجتماعه مواد فضلية ضارة بالبدن من وجوه: أحدها ان عفنت، أحدثت
23
أمراض العفونة؛ وان اشتدت كيفياتها، أحدثت أمراض سوء المزاج؛ وان كثرت كميتها،
24
ورثت أعراض الإمتلاء المذكورة؛ واذا انصبت الى عضو، أورثت الأورام. وبخاراتها
25
تفسد مزاج جوهر الروح. فيضطر لا محالة الى استفراغها.
26
واستفراغها فى اكثر الأمر انما يتم ويجود اذا كان بأدوية سمية، ولا شك انها
27
تنهل الغزيرة، ولولم يكن سمية ايضًا، لكان لايخلو استعمالها من حمل على الطبيعة.
28
كما قال بقراط: ان الدواء ينقى وينكى. ومع ذلك فانها تستفرغ من الخلط الفاضل،
1-249
1
والرطوبات الغريزة، والروح الذى هو جوهر الحياة شيئًا صالحًا. وهذا كله مما يضعف
2
قوة ألأعضاء الرئيسة والخادمة. فهذه وغيرها مضار الإمتلاء، [ان] ترك على حالة،
3
أو استفرغ. ثم الرياضة أمنع سببًا لإجتماع مبادى الإمتلاء، أذا أصيب فى سائر التدابير
4
معها مع إنعاشها الحرارة الغريزية؛ وتعويدها البدن الخفة؛ وذلك لانها تثير حرارة
5
لطيفة، فتحلل ما اجتمع من فضل كل يوم. وتكون الحركة معينة فى إستخراجها
6
وتوجيهها إلى مخارجها؛ فلا يجتمع على مرور الأيام فضل يعتد به. ومع ذلك فانها كما
7
قلنا، تنمى الحرارة الغريزية، وتصلب المفاصل والأوتار، فتقوى على الأفعال، ويأمن
8
الإنفعال. وتعد الأعضاء لقبول الغذاء؛ بما تنقص منها من الفضل، فتحرك القوة الجاذبة.
9
وتحل العقد من الأعضاء، فتلين الأعضاء، وترق الرطوبات، وتتسع المسام. و
10
كثيرًا ما يقع تارك الرياضة فى الدق؛ لأن الأعضاء تضعف قواها لتركها الحركة الجالبة
11
إليها الروح الغريزة، التى هى آلة حياة كل عضو.
12
|56vb23|الفصل الثانى فى انواع الرياضة
13
الرياضة منها ما هى رياضة يدعو إليها الإشتغال بعمل من الأعمال الانسانية. ومنها
14
ماهى رياضة خالصة وهى التى تقصد لانها رياضة فقط، ويتحرى منها منافع الرياضة.
15
ولها فصول. فان من هذه الرياضة ما هو قليل، ومنها ما هو كثير. ومنها ما هو قوى
16
شديد، ومنها ماهو ضعيف. ومنها ما هو سريع، ومنها ما هو بطىء. ومنها ما هو حثيث،
17
أى مركب من الشدة والسرعة، ومنها ما هو متراخ. وبين كل طرفين معتدل موجود.
18
وأما أنواع الرياضة: فالمنازعة، والمباطشة، والملاكزة، والإحضار، وسرعة
19
المشى، والرمى عن القوس، ورمى الزوبين، والقفز إلى شىء ليتعلق به، والحجل على
20
إحدى الرجلين، والمثاقفة بالسيف والرمح، وركوب الخيل، والخفق باليدين، وهو
21
أن يقف الانسان على أطراف قدميه، ويمد يديه قدامًا وخلفًا ويحركهما بالسرعة.
22
وهى من الرياضة السريعة.
23
ومن أصناف الرياضات اللطيفة اللينة: الترجح فى الأراجيح والمهود، قائمًا
24
او قاعدًا، أو مضطجعًا. وركوب الزواريق، والسماريات. وأقوى من ذلك ركوب الخيل،
25
والجمال، والعماريات، وركوب العجل. امن الرياضات القوية: الميدانية، وهى أن
26
يشد الانسان عدوه فى ميدان ما إلى غاية، ثم ينكص راجعًا متقهقرًا؛ ولا يزال ينقص
27
المسافة كل كرة، حتى يقف آخره على الوسط. ومنها مجاهدة الظل، والتصفيق بالكفين،
28
والطفر، والزج [بالرمح]، واللعب بالصولجان، وبالكرة الكبيرة والصغيرة، واللعب
29
بالطبطاب، والمصارعة، وإشالة الحجر، وركض الخيل، وإستقطافها.
1-250
1
والمباطشة أنواع: فمن ذلك أن يشبك كل واحد من الرجلين يده على وسط
2
صاحبه ويلزمه، ويتكلف كل واحد منهما أن يتخلص من صاحبه وهو يمسكه. وايضًا أن
3
يلتوى بيديه على صاحبه، ويدخل اليمين إلى يمين صاحبه، واليسار إلى يساره ووجهه
4
إليه. ثم يشيله، ثم يقلبه. ولا سيما وهو ينحنى تارة، وينبسط أخرى. ومن ذلك المدافعة
5
بالصدرين. ومن ذلك ملازمة كل واحد منهما عنق صاحبه يجذبه إلى أسفل. ومن ذلك
6
ملاواة الرجلين، والشغربية، وفحج رجلى صاحبه برجليه. وما يشبه هذا من الهيئات
7
التى يستعملها. المصارعون.
8
ومن الرياضات السريعه مبادلة رفيقين مكانيهما بالسرعة. ومواترة طفرات إلى
9
خلف، يتخللها طفرات إلى قدام، بنظام وغير نظام. ومن ذلك رياضة المسلتين،
10
وهو أن يقف الإنسان موقفًا، ثم يغرز عن جانبيه مسلتين فى الأرض، بينهما باع؛ فيقبل
11
عليهما ناقلًا المتيامنة منهما إلى المغرز الأيسر، والمتياسرة إلى المغرز الأيمن. ويتحرى
12
أن يكون ذلك أعجل ما يمكن. والرياضات الشديدة والسريعة تستعمل مخلوطة بفترات،
13
أو برياضات فاترة. ويجب أن يتفنن فى إستعمال الرياضات المختلفة، ولا يقام على واحدة.
14
ولكل عضو رياضة تخصه؛ أما رياضة اليدين والرجلين فلا خفاء بها. وأما الصدر
15
وأعضاء التنفس فتارة يراض بالصوت الثقيل العظيم، وتارة بالحاد، ومخلوطًا بينهما.
16
فيكون ذلك رياضة للفم، واللهاة، واللسان، والعنق. ويحسن اللون، وينقى الصدر.
17
وتراض بالنفخ مع حصر النفس. فيكون ذلك رياضة ما للبدن كله، ويوسع مجاريه.
18
وإعظام الصوت زمانًا طويلا جدًا مخاطرة. وإدامة تشديده تحوج إلى جذب هواء كثير،
19
وفيه خطر. وتطويله محوج الى إخراج هواء كثير، وفيه خطر عظيم. ويجب أن
20
يبدأ بقرأة لينة؛ ثم يرفع بها الصوت على تدريج؛ ثم إذا شدد الصوت، وأعظم وطول،
21
جعل زمان ذلك معتدلًا. فحينئذ ينفع نفعًا بتينًا عظيمًا. فان أطيل زمانه، كان فيه خطر
22
للمعتدلين الصحيحين. ولكل إنسان بحسبه <وسنه> رياضة.
23
وما كان من الرياضات اللينة مثل الترجيح، فهو موافق لمن أضعفة الحميات،
24
وأعجزتهم عن الحركة والقعود، كما للناقهين؛ ولمن أضعفهم شرب الخربق ونحوه؛
25
ولمن به مرض فى الحجاب. وإذا رفق به نوم وحلل الرياح، ونفع من بقايأ أمراض الراس
26
مثل الغفلة والنسيان، وحرك الشهوات، ونبه الغريزة. وإذا رجح على السرير، كان
27
أوفق لمن به مثل شطر الغب، والحميات المركبة والبلغمية، ولصاحب الحبن، وصاحب
28
أوجاع النقرس، وأمراض الكلى. فان هذا الترجيح يهيئ المواد إلى الإنقلاع. واللين
29
لما هو ألين، والقوى لما هو أقوى.
1-251
1
وأما ركوب العجل فقد يفعل هذه الأفعال؛ لكنه أشد إثارة من هذا. وقد
2
يركب العجل والوجه إلى خلف؛ فينفع ذلك من ضعف البصر وظلمة نفعًا شديدًا. وأما
3
ركوب الزواريق والسفن، فينفع من الجذام، والاستسقاء، والسكتة، وبرد المعدة و
4
نفختها؛ وذلك إذا كان بقرب الشطوط. وإذا هاج منه غثيان، ثم سكن، كان نافعًا
5
للمعدة. وأما ركوب السفن مع التلجيج فى البحر، فذلك أقوى فى قلع الأمراض المذكورة؛
6
لما يختلف على النفس من فرح وحزن.
7
وأما أعضاء الغذاء فرياضتها تابعة لرياضة البدن. والبصر يراض بتأمل الأشياء
8
الدقيقة. والتدرج احيانًا فى النظر الى المشرقات برفق. والسمع يراض بتسمع الأصوات
9
الخفية، [و] فى الندرة سماع الأصوات العظيمة. ولكل عضو رياضة خاصة، ونحن
10
نذكر ذلك فى حفظ صحة عضو عضو، وذلك اذا اشتغلنا بالكتاب الجزئى
11
ويجب أن يحدز المرتاض وصول حمة الرياضة الى ما هو ضعيف من أعضاءه؛
12
الا على سبيل التبع؛ مثل من يعتريه الدوالى، فالواجب له فى الرياضة التى يستعملها أن
13
لا يكثر تحريك رجليه، بل يقلل ذلك ويحمل برياضته على أعالى بدنه من عنقه ورأسه
14
ويديه بحيث <ما> يصل تاثيرالرياضة الى رجليه من فوق. والبدن الضعيف رياضته
15
ضعيفة، والبدن القوى رياضته قوية. واعلم أن لكل عضو فى نفسه رياضة تخصه، كما للعين
16
فى تبصرالدقيق، والحلق فى اجهار الصوت بعد أن يكون بتدريج. وللسن والأذن كذلك؛
17
لكل فى بابه
18
|57rb45|الفصل الثالث فى وقت ابتداء الرياضة وقطعها
19
وقت الشروع فى الرياضة: أن يكون البدن نقيًا؛ وليس فى نواحى الاحشاء والعروق
20
كيموسات خامة رديئة، تنشرها الرياضة فى البدن. ويكون الطعام الأمسى قد انهضم فى
21
المعدة، والكبد، والعروق، وحضر وقت غذاء آخر ويدل على ذلك نضج البول بالقوام
22
واللون. ويكون ذلك أول وقت هذا الإنهضام. فان العهد اذا بعد به، وخلت الغريزة
23
مدة عن التصرف فى الغذاء، واشتعلت النارية فى البول، وجاوزت حد الصفرة الطبيعية،
24
فان الرياضة ضارة، لانها تنهك القوة.
25
ولهذا قيل: ان الحال اذا اوجب رياضة شديدة، فبالحرى أن لا تكون المعدة
26
خالية جدًا، بل يكون فيها غذاء قليل؛ وأما فى الشتاء فغليظ، وأما فى الصيف فلطيف.
27
ثم أن يرتاض ممتلئًا، خير من أن يرتاض خاويًا. وان ارتاض حارا أو رطبًا. خير من أن يرتاض
28
والبدن بارد أوجاف. وأصوب أوقاته الإعتدال <فيهما>. وربما أوقعت الرياضة حار المزاج
29
يابسه فى أمراض. فاذا تركها صح. ويجب على من يرتاض أن يبدأ فينفض الفضول من
30
الأمعاء ومن المثانة، ثم يشتغل بالرياضة. ويتدلك أولًا للاستعداد دالكًا ينعش الغريزة،
1-252
1
ويوسع المسام. وأن يكون الدلك بشئى خشن، ثم يتمرخ بدهن عذب. ثم يدرج التمريخ
2
الى أن يضغط العضو به ضغطًا غير شديد الوغول. ويكون ذلك بأيد كثيرة، ومختلفة أوضاع
3
الملاقاه؛ ليبلغ ذلك جميع شظايا العضل. ثم يترك ثم يأخذ المدلوك فى الرياضة.
4
اما فى زمان الربيع فأوفق أوقاتها قرب انتصاف النهار، فى بيت معتدل. ويقدم
5
فى الصيف. وأما فى الشتاء فكان القياس أن يوخر الى وقت المساء، لكن الموانع
6
الأخرى تمنع منه، فيجب أن يدفأ فى الشتاء المكان ويسخن ليعتدل. ويستعمل الرياضة فى
7
الوقت الأصوب، بحسب ماذكرناه من انهضام الغداء ونفض الفضل. وأما مقدار الرياضة
8
فيجب أن يراعى فيه ثلاثة أشياء: أحدها اللون فما دام يزداد جودة فهو بعد وقت. والثانى
9
الحركات فانها ما دامت خفيفة، فهو بعد وقت. والثالث حال الأعضاء وانتفاخها، فمادامت
10
تزداد انتفاخًا، فهو بعد وقت. وأما اذا أخذت هذه الأحوال فى الإنتقاص، وصار العرق
11
البخارى رشحًا سائلًا، فيجب أن يقطع. واذا قطعها، أقبل عليها بالدهن المعرق. ولا سيما
12
وقد حصر نفسه. فاذا وقفت فى اليوم الأول على حد رياضته وغذوته، فعرفت المقدار الذى
13
احتمله من الغذاء، فلا تغير فى اليوم الثانى شيئًا، بل قدر غذاءه ورياضته فى اليوم الثانى على
14
حذوه فى اليوم الأول.
15
|57va47|الفصل الرابع فى الدلك
16
الدلك منه صلب فيشدد. ومنه لين فيرخى. ومنه كثير فيهزل. ومنه معتدل فيخصب.
17
وإذا ركب ذلك، حدثت مزاوجات تسع. وإيضًا من الدلك ما هو خشن، اى بخرق خشنة.
18
فيجذب الدم إلى الظاهر سريعًا. ومنه أملس اى بالكف أو بخرقة لينة. فيجمع الدم
19
ويحبسه فى العضو. والغرض فى الدلك: تكثيف الأبدان المتخلخلة، وتصليب اللينة،
20
وخلخلة الكثيفة، وتليين الصلبة. ومن الدلك دلك الإستعداد، وهو قبل الرياضة.
21
ويبتدأ لينًا، ثم إذا كاد يقوم إلى الرياضة شدد. ومنه دلك الإسترداد، وهو بعد الرياضة؛
22
ويسمى الدلك المسكن إيضًا. والغرض منه تحليل الفضول المحتبسة فى العضلة، مما لم
23
يستفرغ بالرياضة لينفش فلا يحدث الإعياء. وهذا الدلك يجب أن يكون رقيقًا معتدلًا.
24
وأحسنه ما كان بالدهن. ولا يجب أن يختمه على جسأة، وصلابة، وخشونة؛ فيجسى
25
بها الأعضاء؛ ويمنع فى الصبيان عن النشؤ. وضرره فى البالغين أقل. ولان يقع فى
26
الدلك خطأ مائل إلى الصلابة، فهو أسلم من الخطاء المائل إلى اللين؛ لأن التحليل
27
الشديد أسهل تلافيًا من إعداد البدن بالدلك اللين لقبول الفساد. على أن الدلك الصلب
28
والخشن إذا افرط فيه إيضًا فى أعضاء الصبيان، منعهم النشؤ. وسيجدد لك من بعد وقت
29
الدلك وشرائطه.
1-253
1
لكنا نريد فى هذا الوقت لدلك الإستراد بيانًا. فنقول: إنه بالحقيقة كانه جزء
2
اخير من الرياضة، ويجب فيه أن يبدأ أولًا بالدهن، وبالقوة، ثم يميل به إلى الإعتدال.
3
ولا يقطع على عنفه. والاحسن أن يجتمع عليه أيدى كثيرة. ويجب أن يوتر المدلوك
4
أعضاءه المدلوكة بعد الدلك، لينفض عنها الفضول. ويوخذ قماط ويمر على نواحى
5
الأعضاء كلها ــ وهى موترة ــ ويحصر النفس حينئذ ما أمكن، ولا سيما مع إرخاء عضل البطن،
6
وتوتير عضل الصدر ان سهل؛ ثم يوتر آخر الأمر عضل البطن ايضًا يسيرًا، ليصيب
7
الأحشاء بذلك إسترداد ما. وفيما بين ذلك يتمشى ويستلقى، ويشابك برجليه رجلى
8
صاحبه. والمبرزون من أهل الرياضة يستعملون حصر النفس فيما بين رياضتهم. وربما
9
أدخلوا دلك الإسترداد فى وسط الرياضة. فقطعوها وعاودوها، إن ارادوا تطويل
10
الرياضة. ولا حاجة إلى الدلك الكثير لمن يريد الاسترداد، وهو ممن لا ينكر شيئًا من
11
حاله، ولا يريد المعاودة. بل إن وجد اعياء يمرخ تمريخًا لينًا بالدهن على ما نصف.
12
وإن وجد يبسًا زاد فى الدلك حتى توافى به الأعضاء الإعتدال. وقد ينتفع بالدلك،
13
والغمز الشديد عند النوم، فانه يجفف البدن، ويمنع الرطوبة عن السيلان إلى المفاصل.
14
|57vb54|الفصل الخامس فى الإستحمام وذكر الحمامات
15
أما هذا الانسان الذى كلامنا فى تدبيره، فلا حاجة به الى الإستحمام المحلل،
16
لان بدنه نقى. وانما يحتاج الى الحمام من يحتاج اليه، ليستفيد منه حرارة لطيفة، و
17
ترطيبًا معتدلًا. فلذلك بجب على هؤلاء أن لا يطيلوا اللبث فيه؛ بل ان استعملوا الآبزن استعملوه،
18
ريثما يحمر فيه بشرتهم وتربو؛ ويفارقونه عند ما يبتدئى يتحلل. ويجب أن يندوا الهواء بصب
19
الماء العذب حواليهم، ويغتسلوا سريعًا ويخرجوا. ويجب أن لا يبادر المرتاض الى الحمام
20
حتى يستريح بالتمام. وأما أحوال الحمامات وشرائطها فقد شرحت وقلت فى غير هذا
21
الموضع. والذى ينبغى أن نقوله هاهنا: ان جميع المستحمين يجب أن يتدرجوا فى دخول بيوت
22
الحمام. ولا يقيموا فى البيت الحار، الا مقدار ما لا يكرب؛ فيريح بتحلل الفضول، واعداد
23
البدن للغذاء مع التحرز عن الضعف، وعن سبب قوى من أسباب حميات العفونة.
24
ومن طلب السمن، فليكن دخوله الحمام بعد الطعام؛ ان امن حدوث السدد.
25
فان أراد الإستظهار؛ وكان من حار المزاج، استعمل السكنجبين ليمنع السدة؛ أو كان
26
بارد المزاج استعمل الفوذنجى والفلافلى. وأما من أراد التحليل والتهزيل، فيستحب أن يستحم
27
على الجوع، ويكثر القعود فيه. وأما الذى يريد حفظ الصحة فقط، فيجب أن يدخل الحمام
28
بعد هضم ما فى المعدة والكبد. وان خاف ثوران المرار ان فعل هذا، واستحم على الريق؛
29
فليأخذ قبل الاستحمام شيئًا لطيفًا يتناوله؛ والحار المزاج وصاحب المرار قد لا يجد بدًا من
1-254
1
ذلك. ومثله محرم عليه دخول البيت الحار. وأفضل ما يجب أن يتلهن به هؤلاء خبز
2
منقوع فى ماء الفاكهة أو ماء الورد.
3
وليتوق شرب شئى بارد بالفعل عقيب الخروج من الحمام أو فى الحمام؛ فان المسام
4
تكون منفتحة، فلا يلبث أن يندفع. البرد الى جوهر الأعضاء الرئيسة فيفسد قواها. وليتوق ايضًا
5
كل شئى شديد الحرارة؛ وخصوصًا الماء؛ فانه ان تناوله خيف أن يسرع نفوذه الى الأعضاء
6
الرئيسة، فيحدث السل والدق. وليتوق مغاصفة الخروج من الحمام؛ وكشف الرأس بعده؛
7
وتعريض البدن للبرد؛ بل يجب أن يخرج من الحمام، ان كان الزمان شتائيًا، وهو متدفئى
8
فى ثيابه. وينبغى أن يحذر الحمام من كان محمومًا فى حماه. أو من به تفرق اتصال أو ورم.
9
وقد علمت فيما سلف أن الحمام مسخن، مبرد؛ مرطب، ميبس؛ نافع، ضار.
10
ومنافعه: التنويم، والتفتيح، والجلاء، والتحليل، والإنضاج، وجذب الغذاء الى ظاهر
11
البدن. ومعونته انما هو فى تحليل ما يراد أن يتحلل، ونفض ما يراد أن ينتفض فى جهته
12
الطبيعية. وحبس الإسهال، وإزالة الإعياء. ومضاره: تضعيف القلب، إن أفرط منه. وايراث
13
الغشى والغثيان. وتحريك المواد الساكنة، وتهيئتها للعفونة، وامالتها الى الأفضية، والى
14
الأعضاء الضعيفة، فيحدث عنها أورام فى ظاهر الأعضاء وباطنها.
15
|58rb9|الفصل السادس فى الاغتسال بالماء البارد <والشروع فيه>
16
انما يصلح ذلك لمن كان تدبيره من كل الوجوه مستقصيًا. وكان سنه، وقوته؛
17
وسحنته، وفصله، موافقًا. ولم يكن به تخمة، ولا قئى، ولا اسهال، ولا سهر، ولا نوازل؛ ولا
18
هوصبى، ولا شيخ؛ وفى وقت يكون بدنه نشيطًا، والحركات مواتية. وقد يستعمل ذلك
19
بعد استعمال الماء الحار لتقوية البشرة وحصر الحرارة؛ فان أريد ذلك فيجب أن يكون ذلك
20
الماء غير شديد البرد بل معتدلًا. وقد يستعمل بعد الرياضة؛ فيجب ان يكون الدلك قبله
21
أشد من المعتاد؛ وأما تمريخ الدهن فيكون على العادة. وتكون الرياضة بعد الدلك والتمريخ
22
معتدلة؛ وأسرع من المعتاد قليلًا. ثم يشرع بعد الرياضة فى الماء البارد دفعة، ليصيب
23
أعضاءه معًا. ثم يلبث فيه مقدار النشاط والإحتمال، وقبل أن تصيبه قشعريرة. ثم واذا خرج
24
ذلك كما نذكره؛ وزيد فى غذاءه، ونقص من شرابه. ونظر فى مدة عود لونه اليه وحرارته، ان
25
كان سريعًا، علم أن اللبث فيه قد كان معتدلأ، وان كان بطيئًا، علم أن اللبث فيه قد كان
26
أزيد من الواجب، فيقدر فى اليوم الثانى بقدر ما يعلم من ذلك. وربما ثنى دخول الماء بعد
27
الدلك واسترجاع اللون والحرارة.
28
ومن أراد أن يستعمل ذلك فليتدرج فيه؛ وليبدأ أول مرة من أسخن يوم فى الصيف
29
وقت الهاجرة، وليتحرز أن لا يكون فيه ريح. ولا يستعمله عقيب الجماع، ولا عقيب الطعام
30
ولا ــ والطعام لم ينهضم ــ ولا يستعمله عقيب القئى، والإستفراغ، والهيضة، والسهر؛
1-255
1
ولا على ضعف من البدن ولا من المعدة؛ ولا عقيب الرياضة. الا لمن هو قوى جدًا،
2
فيستعمل على النحو الذى قلنا. واستعمال الاغتسال بالماء البارد على الأنحاء المذكورة،
3
يهزم الحار الغريزى الى داخل دفعة، ثم يقويه على الإستظهار والبروز أضعافًا لما كان.
4
|58rb51|الفصل السابع فى تدبير الماكول
5
يجب أن يجتهد حافظ الصحة فى أن لا يكون جوهر غذاءه شيئًا من الأغذية
6
الدوائية، مثل البقول والفواكه وغير ذلك، فان الملطفة محرقة للدم، والغليظة مبلغمة له مثقلة
7
للبدن. بل يجب أن يكون الغذاء؛ من مثل اللحم، وخصوصًا لحم الجدى، والعجاجيل
8
الصغار، والحملان. والحنطة المنقاة من الشوائب، الماخوذة من زرع صحيح، لم تصبه
9
آفة. والشئى الحلو، الملائم للمزاج. والشراب الطيب الريحانى. ولا يلتفت الى ما سوى
10
ذلك؛ الا على سبيل التعالج، والتقدم بالحفظ. وأشبه الفواكه بالغذاء التين، والعنب النضيج
11
[الحلو] جدًا، والتمر فى البلاد والأراضى المعتاد فيها ذلك. فان استعمل هذه، وحدث
12
منها فضل، بادر الى استفراغ ذلك الفضل.
13
ويجب أن لا يوكل الا بعد شهوة. ولا تدافع الشهوة اذا هاجت، ولم يكن كاذبة
14
كشهوة السكارى وذوى التخم؛ فان الصبر على الجوع يملاء المعدة أخلاطًا صديدية [ردية.
15
ويجب ان] يوكل فى الشتاء الطعام الحار بالفعل، وفى الصيف البارد أو القليل السخونة.
16
ولا يبلغ الحر والبرد الى ما لا يطاق. واعلم أنه لا شئى أردأ من شبع فى خصب يتبعه جوع
17
فى الجدب؛ وبالعكس. والعكس أردأ. فقد رأينا خلقًا ضاق عليهم الطعام فى القحط،
18
فلما اتسع الطعام امتلأوا وماتوا. على أن الامتلاء الشديد فى كل حال قتال، كان من
19
ا
20
طعام أو من شراب. فكم من رجل امتلاء بافراط، فاختنق ومات. واذا وقع الخطأ فتنوول شىء
21
من الأغذية الدوائية، فيجب أن يدبر فى هضمه وانضاجه؛ والتحرز من سوء المزاج
22
المتوقع منه، باستعمال ما يضاده عقيبه، حتى ينهضم.
23
فان كان باردًا مثل القثاء والخيار والقرع، عدل بما يضاده مثل الثوم والكراث،
24
فان كان حارًا، عدل مما يضاده ايضًا مثل القثاء وبقلة الحمقاء، وان كان سدديًا، استعمل
25
ما يفتح ويستفرغ، ثم يجوع بعده جوعًا صالحًا. فلا يتناول شيئًا هو <مشبعًا> وكل مستصح
26
البتة، ما لم تصدق الشهوة، وتخلو المعدة والأمعاء العليا عن الغذاء الأول؛ فأضرشئى بالبدن
27
ادخال غذاء على غذاء لم ينهضم ولم ينضج. ولا شئى أشر من التخمة، وخصوصًا ما كان تخمة من
28
أغذية رديئة؛ فان التخمة اذا عرضت من الأغذية الغليظة، أورثت وجع المفاصل، والكلى،
29
والربو، وضيق النفس، والنقرس، وجساوة الطحال والكبد، والامراض البلغمية والسوداوية.
30
وأما اذا عرضت من الأغذية اللطيفة، فتعرض منها حميات حادة خبيثة، وأورام
31
حادة رديئة.
1-256
1
وربما احتيج الى ادخال طعام مّا، أو شئى يشبه الطعام على طعام، يكون كانه دواء له
2
مثل الذين يتناولون أغذية حريفة ومالحة، فاذا اتبعوها بعد زمان يكون لم يتم فيها الهضم،
3
بالمرطبات من الأغذية التفهة. صلح بذلك كيموس ما اغتذوا به. وهؤلاء يغنيهم هذا التدبير،
4
ولا حاجة بهم الى الرياضة. وبضد هذا حال من يتبع الغليظة بعد زمان بما هو سريع
5
الهضم حريف. والحركة الخفيفة على الطعام تقرره فى المعدة، وخصوصًا لمن أراد
6
النوم عليه. ولأعراض النفسانية الفادحة والحركات البدنية الفادحة تمنعان الهضم. ويجب
7
أن لا يوكل فى الشتاء الأغذية القليلة الغذاء كالبقول، بل يوكل ما هو أغذأ من الحبوب
8
<ونحوها>، وأشد اكتنازًا. وفى الصيف بالضد.
9
ثم يجب أن لا يمتلئى منه حتى لا مكان لفضله، بل يجب أن يمسك عنه وفى النفس
10
بعض من بقية الشهوة. فان تلك البقية من تقاضى الجوع، تبطل بعد ساعة. ويجب أن
11
يحفظ مجرى العادة فى ذلك؛ فان شرالاكل ما أثقل المعدة، وشر الشراب ما جاوز
12
الإعتدال، فطفافى [فوق] المعدة. فان أفرط يومًا جاع فى الثانى، وأطال النوم فى كل
13
مكان معتدل، لا حر فيه ولا برد. واذا لم يساعدهم النوم، مشوا مشيًا كثيرًا لينًا، متصلًا لا
14
فترة فيه، ولا استراحة، ويشربون شرابًا قليلًا صرفًا. قال روفس: أنا أحمد هذا المشى، وخصوصًا
15
بعد الغذاء؛ فانه يهيئى لجودة موقع العشاء. ويجب أن يكون النوم على الطعام على اليمين
16
أولا زمانًا يسيرًا، ثم ينام على اليسار، ثم ينام على اليمين. واعلم أن الدثار ورفع الوسادة معين
17
على الهضم. وبالجملة أن يكون وضع الأعضاء مائلًا الى تحت، ليس الى فوق. وتقديرالطعام
18
هو بحسب العادة والقوة. وان يكون مقداره فى الصحيح القوة، المقدار الذى اذا تناوله لم يثقل،
19
ولم يمدد الشراسيف، ولم ينفخ ولم يقرقر، ولم يطف، ولم بعرض غثى، ولا شهوة كلبية
20
ولا سقوط، ولا بلادة ذهن، ولا أرق. ولم يجد طعمه فى الجشاء بعد زمان، وكلما وجد طعمه
21
بعد مدة أطول فهو أردأ.
22
وقد يدل على أن الطعام معتدل، أن لا يعرض منه عظم نبض مع صغر نفس؛ فانه
23
انما يعرض بسبب مزاحمة المعدة للحجاب، فيصغرالنفس لذلك؛ ويتواتر ويزداد بذلك حاجة
24
القلب فيعظم "النبض؛ اذ لاضعف فى" القوة. ومن عرض له على طعام حرارة وسخونة،
25
فلا يأكل دفعة، بل قليلًا قليلًا، لئلا يعرض من الإمتلاء حالة كالنافض، ثم يتبعه حرارة كحمى
26
يومية حين يسخن الطعام. ومن كان يعجزعن هضم الكفاية، كثرعدد اغتذاءه، وقلل مقداره.
27
والسوداوى يحتاج الى غذاء مرطب كثيرًا، ومسخن قليلًا؛ والصفراوى الى ما يرطب ويبرد.
28
ومن كان الدم الذى يتولد فيه حارًا محمومًا، فيحتاج الى أغذية باردة قليلة الغذاء. ومن كان
29
مايتولد فيه من الدم بلغميًا فيحتاج إلى اغذية قليلة الغذاء فيها سحونة وتلطيف.
1-257
1
وللاغذية فى استعمالها ترتيب، يجب أن يراعيه الحافظ لصحته. فليحذر أن يتناول
2
ما هو رقيق سريع الهضم على غذاء قوى أصلب منه، فينهضم قبله، وهو طاف عليه لا سبيل له
3
الى النفوذ، فيعفن ويفسد، فيفسد ما يخالطه "الا على صفة سنذكرها" وايضًا لا يجوز أن يتناول
4
مثل هذا الطعام الزلق ويتناول فى اثره من قريب طعًاما قويًا صلبًا؛ فانه ينزلق معه عند نفوذه
5
الى الامعاء ولما يستوف الحظ من الهضم. السمك وما يجرى مجراه لا يجب أن يتناول عقيب
6
رياضة متعبة؛ فيفسد ويفسد الأخلاط. ومن الناس من يجوز له تناول ما فيه قوة قابضة، قبل
7
تناول الطعام، وهو صاحب رخاوة المعدة، الذى يستعجل نزول طعامه، فلا يريث ريث الإنهضام.
8
ويجب أن يتامل دائمًا حال المعدة ومزاجها؛ فمن الناس من يفسد فى معدتة الغذاء اللطيف
9
السريع الهضم، وينهضم فيها القوى البطئى الهضم. وهذا هو الانسان النارى المعدة. ومنهم
10
من هو بالضد. وكل يدبر على مقتضى عادته.
11
وللبلدان خواص من الطبائع. ولللأمزجة، أمور خارجة عن القياس؛ فليحفظ ذلك.
12
وليغلب التجربة على القياس؛ فرب غذاء مالوف فيه مضرة ما هو أوفق من الفاضل غير المالوف.
13
ولكل سحنة ومزاج غذاء موافق مشاكل؛ فان أريد تغييرهما، فانما يتأتى بالضد. ومن الناس
14
من يضره بعض الأطعمة الجيدة المحمودة، فليهجره. ومن استمرأ الأغذية الرديئة فلا يغتر
15
بذلك؛ فانه سيتولد فيه على الأيام أخلاط رديئة، ممرضة قتالة. وكثيرًا ما يرخص لمن فى
16
بدنه أخلاط رديئة، أن يتوسع فى الأكل المحمود، وخصوصًا اذا لم يحتمل الإسهال لضعفه.
17
ومن كان متخلخل البدن، سهل التحلل، وجب أن يغتذى الرطب السريع الإنهضام؛
18
على أن الأبدان المتخلخلة أشد احتمالًا للاطعمة الغليظة والمختلفة، وأبعد [من] أن يضرها
19
الأسباب الداخلة، وأقبل للضرر من الأسباب الخارجة. ومن كان مستكثرًا من اللحوم، مترفهًا،
20
فليتعهد الفصد. وان كان يميل الى برد من المزاج، فعليه بالجوارشنات، والاطريفلات، وما من
21
شانه ان ينقى المعدة والامعاء، والجداول القريبة منها.
22
وشر الأشياء جمع الأغذية المختلفة معًا. وبعده تطويل مدة الأكل؛ فيلحق الغذاء
23
الآخر وقد أخذ الغذاء الأول فى الانهضام، فلا تتشابه أجزاء الغذاء فى الإنهضام. ويجب أن
24
يعلم أن أوفق الغذاء ألذه؛ لشدة اشتمال المعدة، والقوة القابضة عليه، اذا كان صالح
25
الجوهر، وكانت الاعضاء الرئيسة كلها متصادقة سالمة، فهذاهوالشرط. فان لم تصح الأمزجة،
26
او تخالفت الأعضاء فى أمزجتها، فكان الكبد مخالفًا للمعدة مخالفة فوق الطبيعى، لم يلتفت
27
الى ذلك. ومن مضار الطعام اللذيذ جدًا أنه يمكن الإستكثار منه. وان أوفق المرات للآكل
28
المشبع، أن ياكل يومًا وجبة، ويومًا مرتين، بكرة وعشية؛ ويجب أن يراعى فى ذلك العادة
29
مراعاة شديدة. فان من اعتاد مرتين، فوجب ضعف، ووهنت قوته. بل يجب ان كان به
1-258
1
ضعف هضم، أن يتناول مرتين، ويقلل الأكل كل مرة. ومن اعتاد الوجبة فثنى، عرض له
2
ضعف، وكسل، واسترخاء. فان وقف على الغذاء، ضعف فى مبيته، وان تعشى لم
3
يستمرئى وعرض له جشاء حامض، وخبث نفس، وغثيان، ومرارة فم، ولين بطن لإيراده
4
على المعدة ما لم تالفه؛ وعرض له ما يعرض لمن لم يجد هضم غذاءه مما ستعرفه من العوارض.
5
ومما يعرض له جبن، وجزع، ووجع فى فم المعدة، ولذع. ويظن أن أمعاءه وأحشاءه
6
معلقة؛ لخلو المعدة، وانقباضها الى نفسها وتقلصها. ويبول بولًا محترقًا، ويبرز برازًا محترقًا.
7
وربما عرض له برد الاطراف بانصباب المرار الى المعدة. وهذا فى مرارى الأمزجة أكثر؛ وكذلك
8
فى مرارى المعدة، دون البدن. ويفسد نومه، ويكون متململًا. والأبدان التى تجتمع فى
9
معدها مرار كثير، يحتاجون الى تناول مفرق والى سرعة تغذ؛ والى تقديمه قبل الإستحمام من
10
وأما غيرهم فيجب أن يرتاضوا ويستحموا، ثم يأكلوا، ولا يقدموا الأكل على الإستحمام. من
11
احتاج الى اكل مقدم على الرياضة، فليأكل من الخبز وحده قدرًا، يأخذ منه الهضم قبل
12
شروعه فى حركته. وكما أن الحركة قبل الطعام يجب أن لا تكون ضعيفة، كذلك الحركة
13
بعده يجب أن لا يكون إلا رقيقة لينة. ولا مصلح للشهوة الفاسدة، المائلة الى الحريفة،
14
العائفة للحلو والدسم، من القئى بمثل السكنجبين، والفجل على السمك.
15
ويجب أن لا يأكل السمين من الناس كما يخرج من الحمام، بل يصبر وينام نومة خفيفة.
16
والأصلح لهم الوجبة. ولا ينبغى أن ينام على الطعام وهو طاف. وليتحرز كل التحرزعن الحركة
17
العنيفة على الطعام، فينفذ قبل الهضم، أو يتزلق بلا هضم، أويفسد مزاجه بالخضخضة. ولا يشرب
18
عليه ماء كثيرًا يفرق بينه وبين جرم المعدة، ويطفئه. بل يتربص بالشرب الى حين نزوله من
19
المعدة ويستدل عليه بجفة أعالى البطن. فان أحوج العطش، فليمتص شيئا يسيرًا
20
من الماء البارد مصًا. وكلما كان أبرد، أقنع اليسير منها اكثر. وهذا القدر ينشط المعدة ويجمعها.
21
وبالجملة ان شرب على الطعام بعد الفراغ منه لا فى خلته مقدار ما ينتفع به الطعام ''غيرضار"
22
والمصابرة على العطش والنوم عليه، نافع للمبرودين المرطوبين، ضار للمحرورين الممرورين.
23
[وكذلك الصبرعلى الجوع ويعرض للممرورين] من الصبر على الجوع أن ينصب المرار
24
الى معدهم. فاذا تناولوا شئيًا، فسد طعامهم، فعرض لهم فى النوم واليقظة ما ذكرناه، مما
25
يعرض لمن فسد طعامه؛ ويعرض ايضًا أن تفسد شهوة الطعام، فحينئذ يجب أن يشرب ما يحدر
26
ذلك ويلين الطبع مما هو خفيف غير معن، مثل اجاص أو شئى يسيرمن الشيرخشت. فاذا عادت
27
الشهوة أكل.
1-259
1
على أن مرطوبى الأبدان بالرطوبة الطبيعية، متهيئون لسرعة التحلل. فلا بصبرون
2
على الجوع صبر يابسى الأبدان. إلا أن يكونوا مملوئين من الرطوبات غير التى هى فى جواهر
3
أعضاءهم اذا كانت جيدة، موافقة، قابلة لأن تحيلها الطبيعة الى الغذاء التام بالفعل. والشراب
4
على الطعام من أضر الأشياء؛ لأنه سريع الهضم والنفوذ؛ فينفذ الطعام ولم ينهضم، فيورث
5
السدد والعفونة، والجرب فى بعض الأحايين. والحلاواة تسرع الى ايراث السدد؛ لجذب
6
الطبيعة لها قبل الهضم. والسدد توقع فى أمراض كثيرة، منها الاستسقاء. وغلظ الهواء والماء،
7
لا سيما فى الصيف، مما يفسد الطعام، فلا بأس أن يشرب عليه قدح ممزوج، أو ماء حار طبخ
8
فيه عود ومصطكى.
9
ومن كانت أحشاءه حارة قوية، فاذا تناول طعامًا غليظًا، فكثيرًا مايعرض أن يصير
10
طعامه رياحًا ممددة للمعدة ونواحيها. والعلة المراقية من ذلك. وخالى المعدة اذا تناول
11
لطيفًا، اشتملت عليه معدته. وان يتناول بعده غليظًا، نفرت عنه المعدة، ولم تهضمه
12
فيفسد؛ اللهم الإ أن يجعل بينهما مهلة. والأولى فى مثل هذه الحالة أن يقدم الغليظ قليلًا
13
قليلًا؛ فان المعدة حينئذ لا تجبن عن اللطيف. واذا أفرط الأكل فى التملى، أو خضخض
14
ما فى معدته حركة، أو شوشه شرب، فليبادر الى القئى. فان فات، أو تعذر القئى، شرب الماء
15
الحار قليلًا قليلًا؛ فانه يحذرالامتلاء، ويجلب النعاس. فيلقى نفسه، وينام كم شاء. فان لم
16
يغن ذلك، أو لم يتيسر، تأمل: فان كفت الطبيعة المؤنة بالدفع، فبها ونعمت، والإ أعانها
17
بما يطلق بالرفق. أما المحرور فبمثل الاطريفل، والجلنجبين المسهل، أومخلوطًا بشئى من
18
الصعتر المربى؛ وأما المبرود فبمثل الكمونى، والشهريارانى والتمرى. ولأن يمتلى البدن
19
من الشراب خير من أن يمتلئى من الطعام.
20
ومما هو جيد أن يتناول الصبر على مثل هذا الطعام قدر ثلاث حمصات. أو يوخذ نصف
21
درهم صبر، ونصف درهم علك الأنباط، ودانق بورق. ومما هو خفيف حمصتان أو ثلات من
22
علك البطم. وربما جعل معه مثله أو أقل منه البورق. ومما هو محمود جدًا شئى من الأفتيمون
23
مع شراب. وان لم يحتمل شئى من ذلك، نام نومًا طويلًا، وهجر الغذاء يومًا واحدًا. فان
24
خف استحم، وكمد، ولطف الغذاء. فان لم يستمرئى مع هذا كله، وأثقل، ومدد، وأكسل،
25
فاعلم أنه قد امتلات العروق من فضوله؛ فان الغذاء الكثير المفرد، وان عرض له أن ينهضم فى المعدة،
26
فانه قل ما ينهضم فى العروق، بل يبقى فيها نيًا يمددها؛ وربما صدعها، ويورث كسلًا وتعبًا،
27
وتمطيًا وتثاؤبًا. فليعالج بما يسهل من العروق. وان لم يحدث ذلك، أورث أعياء فقط،
28
فليسكن مدة. ثم ليعالج النوع العارض من الأعياء [ان بقئى]، بما سنذكره. ومن أوغل فى السن،
29
فلا يقبل بدنه من الغذاء، ما كان يقبله وهو شاب؛ فيصير غذاؤه فضولًا، فلا ياكلن قدر العادة،
30
بل دونه. ومعتاد تغليظ التدبير، اذا لطف التدبير، دخل من الهواء فى المنافذ قدر ما كان يشغله
1-260
1
غلظ التدبير، وليس يشغله الآن لطف التدبير. فكما يعود الى التغليظ يحدث فيه السدد.
2
والأغذية الحارة يتدارك مضرتها بالسكنجبين، لاسيما البزورى؛ فانه أنفع أنواع
3
السكنجبين ان كان من سكر؛ وان كان عسليًا فالساذج منه كاف. والباردة يتبعها ماء العسل
4
وشرابه، والكمونى. والغليظة يتبعها حارالمزاج سكنجبينًا قوى البزور. ويتبعه بارد المزاج
5
شيئا من الفلافلى، والفوذنجى. والأغذية اللطيفة أحفظ للصحة، وأقل معونة للقوة والجلد.
6
والغليظة بالضد. فمن احتاج الى جلد، واحتاج بسببه الى الأغذية القوية الكيموس، رصد
7
الجوع الشديد، ويتناول منها غير الكثيرة لينهضم. وأصحاب الرياضات والتعب الكثير،
8
أحمل للاغذية الغليظة. ومما يعينهم، على هضمها، قوة نومهم واستعراقهم فيه. لكنه يعرض
9
لهم لكثرة ما يعرقون، ويتحلل من أبدانهم، أن يسلب أكبادهم من الغذاء ما لم ينهضم بعد؛
10
فيهيئهم لأمراض قتالة فى آخر العمر، أو فى أوله؛ وخصوصًا وهم مغترون بهضمهم الذى لهم
11
من نومهم الذى يبطل إذا عرض لهم سهر متواتر؛ خصوصًا إذا شاخوا.
12
والفواكه الرطبة إنما توافق المتعبين المرتاضين، الممرورين فى الصيف،
13
وأن توكل قبل الطعام. وهى مثل المشمش، والتوث، والبطيخ، والخوخ، والأجاص.
14
وأن يدبروا بغيرها فهو أحب؛ فان كل ذلك مما يملا الدم مائية، ويغلى فى البدن غليان
15
عصارة الفواكه فى خارج وإن كان ربما نفع فى الوقت، فانه يهيئه للعفونة. وكذلك
16
كل ما يملاء الدم خلطًا نيًا وإن كان ربما نفع، كالقثاء والقثد؛ ولذلك ما كان من اتمسكثرين
17
من هذه الأغذية معرضون للحميات وإن بردت فى أول الأمر. واعلم أن الخلط المائى
18
ربما عرض له أن يصير صديديًا؛ وذلك إذا لم يتحلل وبقى فى العروق. وهؤلاء إن
19
استعملوا الرضايات قبل أن تجتمع هذا المائيات، بل كما يتناولون من الفواكه يرتاضون
20
أيضًا، تحللت تلك المائيات، وقل تضررهم بها. واعلم ايضًا أنه إذا كان فى الدم
21
[خلط] خام أو مائى، منع أن يلتصق بالبدن، فقل الغذاء. وخليق لمن يأكل الفاكهة
22
أن يمشى بعدها، ثم يأكل عليها لتنزلق.
23
والأغذية التى تولد المائية، والخلط [الغليظ اللزج]، والمرارى، فانها تجلب
24
الحميات؛ لتعفين المائى منها للدم، وتسديد اللزجة، والغليظة منها للمجارى والممار
25
وتسخين المرارى منها للبدن، وحدة الدم المتولد عنها. والبقول المرارية ربما كثر
26
نفعها فى الشتاء؛ كما أن التفهة ربما كثر نفعها فى الصيف. ومن صار إلى أن ينال من
27
الأغذية الرديئة، فليقلل المرات، ولا يتواتر؛ وليخلط بها ما يضادها؛ فان تأذى
28
الحلو، شرب عليه الحامض من الخل، والرمان، وسكنجبين الخل، والسفرجل،
29
ونحوه؛ وتعهد الإستفراغ. ومن تأذى بالحامض، تناول عليه العسل، والشراب العتيق؛
1-261
1
وذلك قبل النضج والإنهضام. وكذلك ليتدارك أذى الدسم بالعفص، مثل الشاه بلوط،
2
وحب الآس، والخرنوب الشامى، والنبق، والزعرور؛ وبالمر مثل الراسن المر،
3
وبالمالح والحريف، [مثل] الكواميخ، والثوم، والبصل، وبالعكس.
4
ومن كان بدنه ردئى الأخلاط مع رقة، وسع عليه فى الغذاء المحمود. ومن
5
كان بدنه سهل التحلل، غذى بالرطب السريع الإنهضام. قال جالينوس: والغذاء
6
الرطب هو المفارق لكل كيفية؛ كانه تفه؛ فليس بحلو ولا حامض، ولا مر ولا حريف،
7
ولا قابض، ولا مالح. والمتخلخل أحمل للغذاء الغليظ من المتكاثف. والإستكثار من
8
الأغذية اليابسة، يسقط القوة، ولبفسد اللون، ويجفف الطبع. ومن الدسم يكسل،
9
ويذهب بالشهوة. ومن البارد يكسل ويفتر. ومن الحامض يجلب الهرم، وكذلك
10
الحريف. ومن المالح يضر بالمعدة، و يضر بالعين.
11
والغذاء الدسم الموافق، إذا تنول بعده غذاء ردئ أفسده. والغذاء اللزج أبطأ
12
انحدارًا. وكذلك الخيار بقشره أسرع إنحدارًا من المقشر. وكذلك الخبز بتخالته أسرع
13
إنحدارًا من المنخول. والمتعب إذا لطف تدبيره، ثم تناول غليظًا، كالارزبلبن بعد
14
الجوع، أحد الدم وأثاره، فاحتاج إلى فصد وإن كان قريب العهد به. وكذلك الغبضان.
15
واعلم أن الغذاء الحلو تبتزه الطبيعة قبل النضج والإنهضام، فيفسد الدم.
16
وقد يعرض الأغذية من جهة تاليفها احكام، وقد قال أصحاب التجارب من
17
أهل الهند وغيرهم: إنه لا ينبغى أن يوكل اللبن مع الحموضات، ولا سمكك مع لبن؛
18
فانهما يورثان أمراضًا مزمنة، منها الجذام. وقالوا إيضًا: لا يوكل ماست مع الجبن
19
ولا مع لحوم الطير. ولا سويق على أرز بلبن. ولا يستعمل فى المطعومات دهن أو دسم كان
20
فى إناء نحاس. ولا يوكلن شواء، شوى على جمر الخروع. والاطعمة المختلفة تضر
21
من جهتين: إحداهما لأختلافهما فى الهضم، واختلاط المنهضم منها وغير المنهضم.
22
والثانية إنها يمكن أن يتناول منها اكثر من الباج الواحد، وقد هرب أصحاب الرياضة
23
فى الزمان القديم من ذلك. إذ كانوا يقتصرون على اللحم فى الغداء، وعلى الخبز
24
فى العشاء. وأفضل أوقات الأكل فى الصيف الوقت الذى هو أبرد. ومدافعة الجوع
25
ربما ملأت المعدة صديدات رديئة.
26
واعلم أن الكباب إذا انهضم، كان أغذى غذاء، وهو بطئى الانحدار، باق
27
فى الأعور. والشورباج غذاء جيد. وإذا كان ببصل، طرد الرياح، وإذا لم يكن
28
ببصل هاج الرياح. ومن الناس من يحسب أن العنب على الرؤس المشوية جيد، وليس
29
كما يحسب، بل هو ردئى جدًا. وكذلك النبيذ؛ بل يجب أن يوكل عليه مثل حب الرمان
1-262
1
بلا ثفله. وأعلم أن الطيهوج يابس، يعقل [البطن] والفروج رطب يطلق. وخير الدجاج
2
المشوى فى بطن جدى أو حمل، فيحفظ رطوبته. واعلم أن مرق الفروج شديد التعديل
3
للاخلاط أكثر من مرق الدجاج؛ لكن مرق الدجاج أغذى. والجدى باردًا أطيب
4
لسكون بخاره، والحمل حارًا اطيب لذوبان سهوكته. والزيرباج للمحرورين، يجب
5
أن يكون بلا زعفران، وللمبرود يجب أن يكون بزعفران. والحلاوات وان كانت بسكر
6
كالفالوذج فانها ردئية لتسديدها وتعطيشها. واعلم أن مضرة الخبز إذا لم ينهضم كثيرة،
7
ومضرة اللحم إذا لم ينهضم دون ذلك.
8
|60va34|الفصل الثامن فى تدبير الماء والشراب
9
أصلح الماء للامزجة المعتدلة ما كان معتدلًا فى شدة البرد، أو كان تبريده
10
بالجمد من خارج؛ لا سيما إن كان الجمد ردئيًا. وكذلك الحال فى الجمد الجيد إيضًا؛
11
فان المتحلل منه يضر بالأعصاب، وأعضاء التنفس، وبجملة الاحشاء؛ ولا يحتمله
12
الدموى جدًا. وإن لم يضره فى الحال ضره على طول الأيام، والامعان فى السن.
13
وقال أصحاب التجربة: لا يجمع بين ماءى البئر والنهر، ما لم ينحدر أحدهما. فأما
14
إختيار الماء، فقد دللنا عليه، وكذلك إصلاح الردى منه؛ والمزاج بالخل يصلحه.
15
واعلم أن الشراب على ريق، وعلى الرياضة والإستحمام، وخصوصًا مع خلأ
16
البطن. وكذلك طاعة العطش الكاذب فى الليل، كما يعرض للسكارى والمخمورين،
17
وعند إشتغال الطبيعة بهضم الغذاء، وقد سبق الرى الكافى ضار جدًا؛ بل يجب،
18
إن كان ولابد، أن يجتزى بالهواء البارد، والمضمضة بالماء البارد؛ ثم إن لم يقنع
19
بذلك فمن كوز ضيق الرأس. على أن المخمور ربما انتفع بذلك، وربما لم يضر ان
20
يشرب على الريق. ومن لم يصبر عن شرب على الريق، وخصوصًا بعد رياضة، فليشرب
21
قبله شرابًا ممزوجًا بماء حار. وليعلم المبتلى بالعطش الكاذب، أن النوم ومصابرته
22
للعطش يسكنه؛ لأن الطبيعة حينئذ تحلل المادة المعطشة، وخصوصًا إذا جمع بين
23
الصبر والنوم؛ وإذا اطفيت الطبيعة المنضجة بالشرب طاعة لها، عاود العطش، لإقامة
24
الخلط المعطش. ويجب وخصوصًا على [صاحب] العطش الكاذب، أن لا يعب
25
الماء عبًا، بل يمص منه مصًا. وشرب الماء البارد جدًا ردئ، فان كان ولا بد منه، فبعد
26
طعام كاف. والماء المفتر يغثى، والمسخن فوق ذلك إذا استكثر منه، أوهن المعدة.
27
وإذا شرب فى الأحيان، غسل المعدة، وأطلق الطبيعة.
28
وأما الشراب فالأبيض الرقيق <المائى> أوفق للمحرورين، ولا يصدع؛ بل ربما يرطب
29
فيجفف الصداع الكائن من إلتهاب المعدة. ويقوم المروق بالكعك او الخبز مقامه؛ وخصوصًا
30
اذا مزج قبل الشرب بساعتين. وأما الشراب الغليظ الحلو، فهو لمن يريد السمن والقوة. وليكن
1-263
1
من تسديده على حذر. والعتيق الأحمر أوفق لصاحب المزاج البارد والبلغمى. وتناول الشراب
2
على كل طعام من الأطعمة ردئ، على ما فرغنا من اعطاء علة ذلك. فلا يشربن إلا بعد انهضامه
3
وانحداره. وأما الطعام الردئ الكيموس، فشرب الشراب عليه وقت تناوله وبعد انهضمامه
4
ردئ؛ لانه ينفذ الكيموس الردئى الى أقاصى البدن؛ وكذلك على الفواكه وخصوصًا على
5
البطيخ. والإبتداء بالصغار أولى منه بالكبار ولكن ان شرب على الطعام قدحين؛ او ثلثة،
6
فهوغير ضار للمعتاد؛ وكذلك عقيب الفصد للصحيح.
7
والشراب ينفع للممرورين بادرار المرة، والمرطوبين بانضاج الرطوبة. وكلما زادت
8
عطريته، وزاد طيبه، وطاب طعمه، فهو أوفق. والشراب نعم المنفذ للغذاء فى جميع البدن.
9
وهو يقطع البلغم ويحلله، ويخرج الصفراء فى البول وغيره، ويزلق السوداء، فيخرج بسهولة،
10
ويقمع عاديتها بالمضادة. ويحل كل منعقد من غير تسخين كثير غريب، وسنذكر أصنافه
11
فى موضعه. ومن كان قوى الدماغ، لم يسكر بسرعة، ولم يقبل دماغه الأبخرة المتراقية الرديئة؛
12
ولم يصل اليه من الشراب الا حرارته الملائمة، فيصفو ذهنه، ما لا يصفو بمثله أذهان اخرى.
13
ومن كان بالخلاف، كان بالخلاف. ومن كان فى صدره وهن، يضيق فى الشتاء نفسه، فلا يقدر
14
أن يستكثر من الشراب شتاء. ومن أراد أن يستكثر من الشراب، فلا يمتلئن من الطعام ، وليجعل
15
فى طعامه ما يدر. فان عرض امتلاء من طعام او شراب، فليقذف، وليشرب ماء العسل، ثم يقذف
16
ايضًا، ثم ليغسل فمه بخل وعسل، ووجهه بماء بارد. ومن تأذى من الشراب لسخونة البدن وحمى
17
الكبد، فليجعل غذاءه مثل الحصرمية ونحوها، ونقله مثل الرمان، وحماض الأترج. ومن
18
تأذى منه فى ناحية رأسه، قلل وشرب الممزوج المروق، وينقل عليه بمثل السفرجل. وان
19
تاذى فى معدته بحرارتها، فليتناول حب الآس المحمص، وليمص شيئًا من أقراص الكافور،
20
وما فيه قبض وحموضة. وان كان تأذيه لبرودتها، تنقل بالسعد، وبالقرنفل، وقشر الأترج.
21
واعلم ان الشراب العتيق فى حكم الدواء القليل الغذاء. وأن الشراب الحديث
22
ضار بالكبد، مؤد الى القيام الكبدى. لنفخه واسهاله. واعلم أن خير الشراب هو المعتدل فى
23
العتق والحدث، الصافى الأبيض الى الحمرة، الطيب الرائحة، المعتدل الطعم، لا حامض
24
ولا حلو. والشراب الجيد المعروف بالمغسول، هو أن يتخذ ثلاثه أجزاء من العصير، وجزء من الماء،
25
ويغلى حتى يذهب ثلثه. ومن أصابه من شرب الشراب لذع، مص بعد الرمان، والماء البارد،
26
وشراب الأفسنتين من الغد، واستعمل الحمام، وقد تناول شيئًا يسيرًا. واعلم أن الممزوج
27
يرخى المعدة ويرطبها، "ويسكر أسرع" لتنفيذ المائية؛ ولكن ذلك يجلو البشرة، ويصفى
28
القوى النفسانية. وليجتنب العاقل تناول الشراب على الريق. أو قبل استيفاء الأعضاء من
29
الماء فى المحرورين، أو عقيب حركة مفرطة؛ فان هذين ضاران بالدماغ والعصب، فيوقعان
1-264
1
فى التشنج، واختلاط العقل؛ أو فى مرض، أو فصل حار. والسكر المتواتر ردى، يفسد مزاج الكبد
2
والدماغ، ويضعف العصب، ويورث أمراض السكتة والعصب، والموت فجأة. والشراب
3
الكثير يستحيل صفراء رديئًا فى بعض المعد، وخلًا حاذقًا فى بعض المعد، وضررهما جميعًا
4
عظيم.
5
وقدر أى بعضهم: ان السكر اذا وقع فى الشهر مرة أو مرتين نفع؛ بما يخفف من
6
من القوى النفسانية، ويريح، ويدر البول والعرق، ويحلل الفضول. وليعلم أن غالب ضرر
7
الشراب انما هو بالدماغ، فلا يشرب ضعيف الدماغ إلا قليلًا وممزوجًا. والصواب لمن تملأ
8
من الشراب أن يبادر الى القى، فان سهل، والا شرب عليه ماء كثيرًا وحده او مع عسل، ثم
9
يستحم بعد القئى بالآبزن، ويمرخ بدهن كثير وينام: والصبيان شربهم للشراب، كزيادة
10
نارعلى نار فى حطب ضعيف. وما احتمل الشيخ فاسقه، وعدل الشبان فيه. والبلد البارد
11
يتحمل الشرب، والحار لا يحتمله. ومن أراد التملئى من الشراب لم يتملأ من الطعام، ولم
12
يأكل الحلوى، بل يتحسى من الإسفيذباج الدسم، وتناول ثريدة دسمة، ولحما دسمًا
13
مجزعًا، واعتدل ولم يتعب، وتنقل باللوز والعدس المملحين، وكامخ الكبر. وان أكل
14
الكرنبية وزيتون الماء ونحوه نفع وأعان على الشرب.
15
وكذلك جميع ما يجفف البخار، مثل بزر الكرنب النبطى، والكمون، والسذاب
16
اليابس، والفوذنج، والملح النفطى، والنانخواه. والأغذية التى فيها لزوجة وتغرية ربما
17
غلظت البخار، وذلك مثل الدسومات الحلوة اللزجة، فانها تمنع السكر وان كانت لا تقبل شرابًا
18
كثيرًا بسبب انها بطيئة النفوذ. وسرعة السكر تكون لضعف الدماغ؛ أو لكثرة الاخلاط فيه؛
19
او تكون لقوة الشراب؛ او تكون لقلة الغذاء، وسوء التدبير فيه وفيما يتصل به. والذى يكون
20
لضعف الرأس، علاجه علاج النزلة المتقادمة من اللطوخات، المذكورة فى باب النزلة. ولا
21
يشربن منه الإ قليلًا شراب يبطئى بالسكر: يوخذ من ماء الكرنب الأبيض جزء، ومن ماء الرمان
22
الحامض جزء، ومن الخل نصف جزء، يغلى غليات، والشرب منه قبل الشراب أوقية.
23
وإيضًا يتخذ حبًا من الملح، والسذاب، والكمون الأسود، ويجففها، ويتناول حبة
24
بعد حبة. وإيضًا يوخذ بزر الكرنب النبطى، والكمون، واللوز المر المقشر، والفوتنج،
25
والأفسنتين، والملح النفطى، والنانخواه، والسذاب اليابس، ويشرب منه، من لا يخاف
26
مضرة من حرارته، وزن درهمين بماء بارد على الريق.
27
ومما يصحى السكران أن يسقى الماء والخل ثلاثة دفعات متواترة؛ أو ماء المصل،
28
والرائب الحامض. ويتشمم الكافور والصندل، ويجعل على رأسه المبردات الرادعة،
29
مثل دهن ورد بخل خمر. وأما علاج الخمار فنذكره فى الجزئيات . ومن أراد أن يسكر
30
بسرعة من غير مضرة، نقع فى الشراب الأشنه أو العود الهندى. ومن احتاج إلى سكر
31
شديد لعلاج عضو علاجًا مولمًا، جعل فى شرابه ماء الشيلم أو يأخذ من الشاهترج،
1-265
1
والأفيون، والبنج، أجزاء سواء نصف درهم، ومن جوزبوا، والسك، والعود الخام،
2
قيراطًا قيراطًا، سقى منه فى الشراب قدر الحاجة. أو يطبخ البنج الأسود، وقشور
3
اليبروج فى الماء حتى يحمر، ويمزج به الشراب.
4
|61va13|الفصل التاسع فى النوم واليقظة
5
أما الكلام الكلى فى سبب النوم الطبيعى والسبات، وضدهما من اليقظة والأرق،
6
وما يجب أن يفعل فى جلب كل واحد منهما ودفعه إذا كان موذيًا، وما يدل عليه كل منه
7
وغير ذلك، فقد قيل منه شىء فى موضعه، وسيقال فى الطب الجزئى. وأما الذى يقال فى
8
هذا الموضع: فهو أن النوم المعتدل ممكن للقوة الطبيعية من أفعالها، مريح للقوة النفسانية،
9
مكثر من جوهرها؛ حتى أنه ربما عاد بارخاءه، مانع من تحلل الروح، اى روح كانت
10
ولذلك يهضم الطعام الهضوم المذكورة، ويتدارك به الضعف، الكائن عن أصناف
11
التحلل، ما كان من أعياء، وما كان من مثل الجماع، والغضب، ونحو ذلك. والنوم
12
المعتدل إذا صادف إعتدال الأخلاط فى الكم والكيف، فهو مرطب مسخن، وهو
13
أنفع شىء للمشائخ؛ فانه يحفظ عليهم الرطوبة ويعيدها. ولذلك ذكر جالينوس انه يتناول
14
كل ليلة بقلة خس مطيب؛ فأما الخس فلينومه، وأما التطييب فليتدارك به تبريده.
15
قال: فانى الآن على النوم حريص، اى انى اليوم شيخ، ينفعنى ترطيب النوم. وهذا
16
نعم التدبير لمن يعصيه النوم.
17
فان قدم عليه حمامًا بعد إستكمال هضم الغذاء المتناول، واستكثارًا من صب
18
الماء الحار على الرأس، فانه نعم المعين؛ وأما التدبير الذى هو أقوى من ذلك، فنذكره
19
فى المعالجات. فيجب على الأصحاء أن يراعوا أمر النوم، وليكن منهم على إعتدال،
20
وفى وقته، ولا يفرطوا فيه. وليتقوا ضرر السهر بأدمغتهم، وبقواهم كلها. وكثيرًا ما
21
تكلف الإنسان السهر، ويطرد عنه النوم خوفًا من الغشى، وسقوط القوة. وأفضل النوم
22
الغرق، وما كان بعد إنحدار الطعام من البطن الأعلى، وسكون ما عسى يتبعه من النفخ
23
والقراقر؛ فان النوم على ذلك ضار من وجوه كثيرة؛ بل ولا يطيب، ولا يتصل، ولا
24
يفارق التململ والتقلب. وهو ضار، ومع ضرره موذ لصاحبه. فلذلك يجب أن يتمشى
25
يسيرًا، إن أبطأ الإنحدار ثم ينام.
26
والنوم على الخوى ردئ، مسقط للقوة. وعلى الإمتلاء قبل الانحدار من البطن
27
الأعلى ردئ، لانه لا يكون غرقًا، بل يكون مع تململ. كما يشتغل فيه الطبيعة، بما
28
يشتغل به فى حال النوم من الهضم، عارضها إستيقاظ مزعج محير، وتبلد معه الطبيعة،
29
فيفسد الهضم. ونوم النهار ردئى ، يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون،
30
ويورث الطحال، ويرخى العصب، ويكسل، ويضعف الشهوة، ويورث الأورام
1-266
1
والحميات كثيرًا. ومن أسباب آفته سرعة إيقاظه، وتبلد الطبيعة عما كانت عليه. ومن
2
فضائل نوم الليل انه تام مستمر، غرق. على أن من يعتاد النوم بالنهار، لا يجب أن
3
يهجره دفعة بغير تدريج.
4
أما أفضل هيأت النوم فان يبتدى على اليمين، ثم ينقلب على اليسار. وإذا
5
ابتدأ على البطن، أعان على الهضم معونة جيدة؛ لما يحقن به من الحار الغريزى، ويحصره
6
فيكثر. وأما الإستلقاء فهو نوم ردئى؛ ويهيئ الأمراض الرديئة، مثل السكتة، والفالج،
7
والكابوس؛ وذلك لانه يميل بالفضول إلى خلف، فيحتبس عن مجاريها التى هى إلى
8
قدام، مثل المنخرين والحنك. والنوم على الإستلقاء من عادة الضعفاء من المرضى،
9
لما يعرض لعضلاتهم من الضعف ولأعضاءهم، فلا يحتمل جنب جنبًا، بل يسرع
10
إلى الإستلقاء على الظهر. إذ الظهر أقوى من الجنب. ولمثل هذا ما ينامون فاغرين،
11
لضعف العضل التى بها يجمعون الفكين. ولهذا باب فى الكتب الجزئيه مستوفًى.
12
|61vb41|الفصل العاشر فيما يجب أن يوخرعن هذا الموضع
13
إن مما يذكر فى هذا الموضع، هو أمر الجماع وتعديله، وتدارك ضرره؛
14
ونحن نؤخر القول فيه إلى الكتب الجزئية. ومما يقال ههنا إيضًا من أمر الأدوية المسهلة،
15
وتدارك ضررها. ونحن إيضًا نؤخر الكلام فى بعضها إلى مقالتنا فى العلاج، وفى
16
بعضها إلى كلامنا فى الادوية المسهلة. إلا انا نقول بجب على مستحفظ الصحة أن يتعاهد
17
الإستفراغ السهل، والإدرار، والتعريق، والنفث. ويتعاهد النساء بالطمث، بما نوضحه
18
ونعرفه فى موضعه.
19
|62ra1|الفصل الحادى عشر فى تقوية الأعضاء الضعيفة وتسمينها وتعظيم حجمها
20
الاعضاء الضعيفة والصغيرة تقوى وتعظم حجمها. أما فيمن هو بعد فى سن النمو
21
والنشوء فبالتغذية، وأما فى المنتهين فبالدلك المعتدل، والرياضة الدائمة التى تخصها، ثم
22
تطلى بالزفت. وحصر النفس داخل فى هذا الباب، خصوصًا إذا كان العضو مجاورًا
23
للصدر والرئة. مثال ذلك من كان قضيف الساقين، فانا نأمره بالاحضار اليسير، والدلك
24
المعتدل، ونطليه بالطلاء الزفتى. ثم فى اليوم الثانى نحفظ ايضًا الدلك بحاله، ويزيد فى
25
الرياضة؛ وفى اليوم الثالث يحفظ الدلك إيضًا بحاله، ويزيد فى الرياضة، إلا أن يظهر دليل إتساع
26
العروق، وإنصباب المواد؛ فنخاف فى كل عضو حدوث الورم والافة الامتلائية
27
التى تخصه، كما يخاف ها هنا الدوالى وداء الفيل. فاذا ظهر شئى من هذا الجنس، نقصنا
28
مما كنا نفعله من الرياضة والدلك، بل أمسكنا؛ واضجعناه وأشلنا بذلك العضو، مثلًا فى ضامر
29
الساق برجله، ودلكناه عكس الدلك الاول، اى ابتدأنا من طرفه الى أصله. وان أردنا ذلك
30
بعضو مقارب لأعضاء التنفس، وليكن مثلًا الصدر، فليقمط ما تحته بقماط وسط الشد، معتدل
1-267
1
العرض؛ ثم نأمر أن يستعمل رياضات اليدين، وحصر التنفس الشديد، والصياح والصوت
2
العظيم، والدلك الرفيق. ثم سيأتيك فى الكتب الجزئية تفصيل لهذه الجملة مستقصى،
3
فانتظره فى كتاب الزينة. اما فى المسنين، فانما يعرض فى أكثر الامر البرد واليبس، وتدبيره
4
تدبير اصحاب الدق الهرمى. وقد اشير الى ذلك فى كتاب الزينة.
5
|62ra37|الفصل الثانى عشر فى الأعياء الذى يتبع الرياضات
6
أصناف الأعياء ثلاثة، ويزاد عليها رابع. ووجوه حدوثه وجهان: فأصنافه
7
الثلاثه: القروحى، والتمددى، والورمى؛ والذى يزاد عليه هو الأعياء المسمى بالقشفى،
8
واليبسى، والقضفى.
9
فالقروحى اعياء يحس منه فى ظاهرالجلد شبيه بمس القروح، أوفى غور
10
الجلد. وأقواه أغوره، وقد يحس ذلك بالمس، وقد يحس به صاحبه عند حركته. وربما
11
أحس كنخس الشوك، ويكرهون الحركات حتى التمطى، ويتمطون بضعف. وإذا
12
اشتد، وجدوا قشعريرة؛ وإن زاد أصابهم نافض وحموا. وسببه كثرة فضول رقيقة حارة؛
13
أو ذوبان اللحم والشحم لشدة الحركة؛ وبالجملة أخلاط رديئة، لو انتشرت فى العروق كسر
14
الدم الجيد آفتها؛ فلما انتفضت الى نواحى الجلد، انتفضت خالصة للاذى. وأقل ما يوذى
15
به، هو أن يحدث هذا الجنس من الأعياء. فان تحركت قليلا أحدثت القشعريرة، وان تحركت
16
اكثر أحدثت النافض. وربما انتفض منها الأخلاط الحادة، وتبقى فى العروق الخامة،
17
وربما كان الخام ايضًا فى اللحم.
18
والتمددى يحس صاحبه كأن بدنه قد رض، ويحس بحرارة وتمدد. ويكره صاحبه
19
الحركة، حتى التمطى، خصوصًا إن كان عن تعب. ويكون من فضول محتبسة فى
20
العضل، الا انها جيدة الجوهر، لا لذع فيها. أو من ريح؛ ويفرق بينهما حال الخفة
21
والثقل. وكثيرًا ما يعرض من نوم غير تام. واذا عرض بعد نوم تام، فهناك إختلاف
22
آخر، وهو شر الأصناف؛ وأشده ما وتر شظايا العضل على الإستقامة. وأما الاعياء
23
الورمى فهو أن يكون البدن أسخن من العادة، وشبيهًا بالمنتفخ حجمًا ولونًا، وتأذيًا
24
بالمس والحركة، ويحس معه التمدد إيضًا. وأما الاعياء القضفى فهو حالة يحس بها الإنسان
25
من بدنه كانه قد أفرط به الجفاف واليبس. ويحدث اما من إفراط رياضة مع جودة
26
الكيموس، وإستعمال إسترداد خشن بعده. وقد يحدث من يبس الهواء والاستقلال
27
من الغذاء، وإستعمال الصوم.
28
وأما وجهًا حدوث الأعياء: فذلك لأن الاعياء إما أن يحدث عن رياضة وهو أسلم؛
29
وطريق علاجه وجه يخصه. وإما أن يحدث عن ذاته، وهو مقدمة المرض. وطريق
30
علاجه وجه يخصه. وقد يتركب هذه بعضها مع بعض بحسب تركب موادها، إما بذاتها
1-268
1
وإما بالرياضة. وإذا عرفت تدبير المفردات، نقلته إلى تديير المركبات على القانون
2
الذى أقوله. وهو أن الواجب أن يصرف فضل العناية أول شىء إلى ما هو أشتد إهتمامًا،
3
مع تدبيرما هو دونه ايضًا. والاهم يكون أهم لأمور ثلاثة: اما لأجل القوة؛ واما لاجل
4
الشرف؛ واما لأجل الجوهر. واذ اجتمع فى الواحد من هذه الشروط اثنان أو ثلاثة فهو أهم؛
5
الا أن يكون الواحد من الآخر أقوى من الاثنين من الاول، فيقاوم الاثنين من الأول. ومثال
6
هذا ان الاعياء الورمى أقوى وأشرف، لكن جوهر القروحى وان كان بعيدًا جدًا عن الإعتدال،
7
وعن المجرى الطبيعى، قاوم موجبى الاعياء الورمى بالشرف والقوة، فقدم عليه. وان لم
8
يكن بعد جدًا، قدم عليه الورمى.
9
|62rb53|الفصل الثالث عشر فى التمطى والتثاؤب
10
التمطى يكون لفضول مجتمعة فى العضل. ولذلك يعرض كثيرًا عقيب النوم. واذا
11
صارت تلك الاخلاط الاكثر صارت قشعريرة ونافضًا، وان صارت أكثر من ذلك، أحدث الحمّى.
12
والتثاؤب ضرب من التمطى لعارض ممط يعرض فى عضل الفك والشفتين. وعروضه
13
للصحيح ابتداء بلا سبب [ظاهر]، وفى غير الوقت اذا كثرفهو ردئى. والجيد منه ما كان
14
عند الهضم الاخير؛ ويكون لدفع الفضل. وقد يفعل التثاؤب والتمطى البرد، والتكاثف،
15
وقلة التحلل، والانتباه عن النوم قبل استيفائه. وهو دفع عاصر. والشراب الممزوج مناصفة
16
جيد للتثاؤب والتمطى اذا لم يكن هناك سبب آخر مانع له.
17
|62va13|الفصل الرابع عشر فى علاج الاعياء الرياضى
18
فنقول: ان العناية بعلاج الاعياء أمان من أمراض كثيرة منها الحميات. وأما
19
الاعياء القروحى فيجب أن ينقص مع ظهوره من الرياضة ان كانت هى سببه. فان اقترن به
20
كثرة أخلاط نفضت؛ أو تخم، قريبة العهد، تدورك ضررها بالجوع والااستفراغ، وتحليل
21
ما حصل فى ناحية الجلد بالدلك الكثير اللين بدهن لا قبض فيه. وفى اليوم الثانى تستعمل
22
رياضة الإسترداد. ويغذى فى اليوم الأول بما جرت به عادته فى الكيفية، ‘ الإ أنه ينقص
23
من كميته. وفى اليوم الثانى يغذى بالمرطبات. فان كانت العروق نقية، والخام فى لحم
24
المعيى فالدلك قد ينضجه؛ وخصوصًا اذا انقذت اليه قوة أدوية مسخنة. ودهن الغرب
25
نافع من ذلك جدًا. وادهان الشبث والبابونج، ونحو ذلك، وطبيخ أصل السلق فى الدهن
26
فى اناء مضاعف، ودهن أصول الخطمى، ودهن أصل قثاء الحمار والفاشرا، ودهن الاشنة
27
جيدة. وكل ما يقع من الأدهان فيه الأشنة.
1-269
1
وأما الأعياء التمددى فالغرض فى معالجته ارخاء ما صلب بالدلك اللين بالدهن
2
المسخن فى الشمس، والاستحمام بالماء الفاتر، واللبث فيه طويلًا؛ حتى انه ان عاود
3
الآبزن فى اليوم مرة أو مرتين أو ثلاثة جاز؛ ويتدهن بعد كل استحمام. فان حتيج بسبب وجوب
4
نشف العرق، وانتشاف الدهن معه، الى ان يعاد مسح الدهن عليه فعل. ويغذى بغذاء
5
رطب قليل المقدار؛ فانه إلى تقليل الغذاء أحوج من القروحى. وهذا الأعياء تحله
6
الرياضة، وتفش الاعياء. وإن كان عارضًا بذاته لفضول غليظة لم يكن بد من إستفراغ.
7
وإن كان بسبب ريح ممدة، حلّه مثل الكمون، والكراويا، والأنيسون.
8
وأما الاعياء الورمى فالغرض فى تدبيره أمور ثلاثة: إرخاء ما تمدد، وتبريد
9
ما سخن، وإستفراغ الفضل. ويتم ذلك بالدهن الكثير الفاتر؛ والدلك اللين جدًا؛
10
وطول اللبث فى الماء المائل إلى السخونة قليلًا؛ والراحة. وأما القشفى فلا يغير فيه
11
من تدبير الأصحاء شىء الا أن الماء الذى يستحم فيه، يجب أن يزاد سخونة؛ فان
12
الماء الحار جدًا [فيه] تكثيف للجلد. مع أنه لا مضرة فيه مثل مضرة البارد من المياه؛
13
فانه وإن كثف ففيه مخاطرة نفوذ برده فى بدن قد نحف؛ وربما كان سبب نحافته تخلخل
14
جلده؛ بل هذا هو ألاكثر. وفى اليوم الثانى يستعمل رياضة الإسترداد على رفق ولين،
15
والحمام كحال اليوم الأول. ثم يؤمر أن ينزخ فى الماء البارد دفعة؛ ليكثف جلده،
16
ويقل تحلله، ويحفظ فيه الرطوبة، ويلقى بدنًا فيه ما يقاومه من الحرارة، وقد يكثف.
17
وهذان السببان يتعاونان على دفع غائلة برده؛ وخصوصًا إذا انزخ فيه، وخرج
18
فى الحال ولم يمكث. فان المكث لا أمان معه. ويغذى ضحوة النهار بغذاء مرطب
19
يسير؛ لكى يمكن أن يدلك عند العشية كرة أخرى. وحينئذ يوخر العشاء. ويجتهد أن
20
يكون قد نفض الفضول عن نفسه. ويدلك بدهن عذب. ولا يصيبن به بطنه؛ الا أن
21
يكون أحس باعياء فى عضل بطنه، فحينئذ يدهنها برفق ولين. وليتوسع فى غذاءه،
22
وليزد فيه مع توق أن يكون غذاءه شديد الحرارة.
23
وكل اعياء يكون سببه الحركة؛ فان تركها مع إبتداء أثر الإعياء يمنع حدوثه. ثم يستعمل
24
رياضة الإسترداد. لتدفع الحركة المعتدلة المواد إلى الجلد، ويحللها الدلك فيما بين تلك
25
الحركات فى وقفاتها. ويجرب حاله بالاستحمام. فان أحدث الحمام نافضًا، فالامر
26
مجاوز للحد، وخصوصًا إن أحدث الحمى. وحينئذ فلا يجب أن ليستحم، بل يستفرغ
27
ويصلح المزاج. فان لم يحدث الحمام شيئًا من ذلك، فهو منتفع به إذا كان معتدل
28
الماء. وإذا كان فى عروق [المعى] أخلاط خامة فيجب أولًا أن يدبرالإعياء بما يجب؛
29
ثم اشتغل بما ينضج الخامة، ويلطفها، ويخرجها، فان كانت كثيرة، أشير عليه حينئذ
1-270
1
بالسكون، وترك الرياضات؛ فان السكون أهضم. وترك الفصد؛ فانه فى الاكثر
2
يخرج النقى، ويبقى الخام. ولا يسهل إيضًا قبل الانضاج؛ فان ذلك لا يغنى ويوذى.
3
ولا بأس بادرار البول. ولا عطينه مسخنًا شديدًا؛ فينثر الخام فى البدن. وليكن إستعمالك
4
عليه برفق، وبقدر معتدل. ويجب أن يجعل فى أغذيته الفلفل، والكبر، والزنجبيل،
5
وخل الكبر، وخل الثوم، وخل الإشترغار، واجرامها إيضًا. والجوارشنات المعروفة
6
بقدر. وبعد النضج، وظهور الرسوب فى البول، ونضج الأغلب فاستعمل الشراب،
7
ليتم النضج، وأدر. وليكن شرابه اللطيف الرقيق. ولا يستعمل القىء.
8
|63ra6|الفصل الخامس عشر فى أحوال للبدن تتبع الرياضة وغيرها
9
[وهى التكاثف والتخلخل والترطيب المفرط واليبس المفرط] فلنتكلم أولًا فى هذه
10
الأحوال، ثم ننتقل الى تدبير الإعياء الكائن من تلقاء نفسه. فمن ذلك تخلخل يعرض للبدن،
11
وكثيرًا ما يعرض ذلك من الدلك اليسير ومن الحمام. ويعالج بالدلك اليسير، اليابس، المائل
12
الى الصلابة، مع دهن قابض. ومن ذلك تكاثف يعرض من برد، أو من شئى قابض،
13
أو كثرة فضول، أو غلظها، أو لزوجتها، يؤدى ذلك الى احتباسها فى مسام الجلد. أو يكون
14
التكاثف بسبب رياضة، جذبتها من الغور، من غير أن يكون عن أسباب سابقة. او يكون
15
السبب فى ذلك المقام فى موضع غبارى، أو دلكا قويًا صلبًا. أما ما كان من برد وقبض،
16
فعلامته بياض اللون، وابطاء التسخن، والتعرق، وعود اللون الى الحمرة عند الرياضة. فهؤلآء
17
يجب أن يستحموا بحمامات حارة، ويتمرغوا على طوابقها المعتدلة الحرارة، وعلى فرشها
18
حتى يعرقوا، ويتدهنون بأدهان لطيفة حارة محللة.
19
وأما الواقعون فى ذلك من رياضة، فعلامتهم عدم تلك العلامة، وتوسخ الجلد.
20
وعلاجه النفض ان كان هناك فضل. ثم استعمال ما يحلل من حمام وتمريخ. وأما الواقعون
21
فى ذلك من غبار، أو قوة دلك، فهم الى الاستحمام أحوج منهم الى التمرخ بالإدهان.
22
وليتدلكوا بدلك لين قبل الحمام وبعده. وقد يعرض عقيب الإفراط فى الرياضة مع قلة
23
الدلك، ضعف مع التخلخل. وقد يعرض من الجماع المفرط ايضًا، ومن الحمام المتواتر.
24
فينبغى أن يعالجوا برياضة الإسترداد، وبدلك يابس الى الصلابة مع دهن قابض.
25
ويتناولوا أغذية مرطبة قليلة الكمية، معتدلة فى الحر والبرد، او الى الحر ما هى قليلًا وكذلك
26
يصنعون ان عرض ضعف، أو سهر، أو غم، أو عرض يبس من الغضب. فان عرض لهؤلاء
27
سوء استمراء، لم يوافقهم رياضة الإسترداد، ولا شئى من الرياضات البتة. وقد يعرض من
28
فرط الإستحمام، والإستكثار من الغذاء والشراب، والترفه، ان يحس الإنسان فى أعضاءه
29
بفضل رطوبة، وخصوصًا فى لسانه؛ حتى انها تضر بأفعال الأعضاء. فان كان من سبب
30
سابق، فذلك الى الطب الجزئى؛ وان كان من أمرمما عددناه قريبًا، كشرب، أو فرط دعة،
1-271
1
أو شدة استرطاب من الحمام، فيجب أن يتجشموا رياضة قوية، ودلكًا خشنًا قويًا يابسًا بلا دهن،
2
أو مع ذلك شىء قليل من الدهن المسخن. وأما اليبس المفرط الذى يحسه صاحبه ببدنه،
3
فهو من جنس الإعياء القشفى، وعلاجه ذلك العلاج بعينه.
4
|63rb5|الفصل السادس عشر فى علاج الاعياء الحادث بنفسه
5
أما القروحى فيجب أن يتعرف حاله انه هل الخلط الموجب له داخل العروق،
6
أو خارجها. فيدل على كونه فى العروق نتن البول؛ وأحوال الأغذية السالفة؛ وعادته
7
فى كثرة تولد الفضول فى عروقه وقلتها، وسرعة إنتفاضها عنه، واحواجها اياه إلى
8
علاج؛ وحال مشروبه، انه هل كان صافيًا أو كدرًا؛ فان دلت هذه الدلائل، فهى فى
9
العروق، والا فهى بارزة. فان كان الاعياء من فضول خارجة، وكان داخل العروق
10
نقيًا، كفى فيه رياضة الإسترداد، وما أوردناه من التدبير، المقول فى باب القروحى
11
الحادث بالرياضة. وإن كان القسم الآخر، فلا تتعرض له بالرياضة؛ بل عليك بتوديعه،
12
وتنويمه، وتجويعه ومسحه كل عشية بالدهن، وإحمامه بالماء المعتدل، إن احتمل
13
الحمام على الشرط الذى أوردناه؛ وغذوه بما قل مما يجود كيموسه، من جنس الاحساء
14
مما لا يكون فيه كثرة لزوجة، ولا كثرة غذاء، وهذا مثل الشعير والخندروس، ولحوم الطير
15
مما لطف لحمه.
16
ومن الأشربة السكنجبين العسلى، وماء العسل، والشراب الأبيض الرقيق.
17
ولا يمنعه الشراب بهذه الصفة؛ فانه منضج مدر. ويجب أن يبدأ أولا بما فيه خوصية
18
يسيرة، ثم يتدرج إلى الأبيض الرقيق. فان لم يغن هذا التدبير، فهناك خلط، فاستفرغ
19
الغالب. فان كان الغالب دمًا، أو [خلطًا] معه دم فصدت؛ وإلا أسهلت، أو جمعت
20
على ما ترى من امر الدم. واياك أن تفعل شيئًا من هذا، إن استضعفت القوة. وإستدلالك
21
على جنس الخلط، هو من البول، أو من العرق، ومن حال النوم والسهر. وإذا
22
امتنع النوم مع تدبيرك الجيد،. فهو دليل ردئى. فان توهمت ان الجيد من الدم قليل
23
فى العروق، وإن الأخلاط النيئه هى الغالبة، فارحه واطعمه واسقه ما يلطف، بعد أن لا تسقيه
24
ما فيه إسخان كثير، بل اسقه ما فيه تقطيع مثل السكنجبين العسلى. فان احتجت الى
25
أن تزيد الملطفات قوة، جعلت فى الطعام، او فى ماء الشعير الذى تسقيه شيئًا من الفلفل.
26
وإن اضطرت إلى الكمونى، او الفلا فلى لفجاجة الأخلاط، سقيت كما ترى قبل الطعام
1-272
1
وبعده. وعند النوم؛ والمقدار ملعقة صغيرة. ولا يصلح لهم الفوذنجى؛ فانه يجاوز
2
الحد فى الإسخان.
3
فان تحققت أن الأخلاط النيئة ليست فى العروق، لكنها فى الأعضاء الأصلية،
4
دلكتهم خاصة بالغدوات بالأدهان المرخية، وسقيتهم من المسخنات ما يبلغ الجلد
5
إسخانه. وتلزمهم السكون الطويل. ثم الإستحمام بماء معتدل الحرارة. وتسقيهم
6
الفوذنجى بلا خوف؛ ولكن يجب أن يكون قبل الطعام وقبل الرياضة. فان احتجت
7
بعد الطعام إلى ممرئ فلا يجب أن تسقيه قويًا منفذًا، مثل الفوذنجى، بل مثل الكمونى
8
والفلافلى؛ وليكن من ايهما كان يسيرًا. والسفرجلى، ويجوز أن يكون ما تسقيه من السفرجلى
9
أكثر مما تسقيه منهما، بعد أن تتامل حتى لا يكون البدن شديد الحرارة العرضية
10
وأنت تسقيه هذه. وينفع هؤلآء المسح بدهن البابونج، والشبث، والمرزنجوش وغير
11
ذلك، وحدها أو مع الشمع. أو مقوى براتينج، مع اثنى عشر ضعفًا من الزيت.
12
وإذا تعرفت ان الأخلاط فى العروق وخارجًا معًا، قصدت الأعظم، ولم
13
تهمل الأصغر فان استويا، قصدت أولًا قصد الهضم بالفلافلى. وإن شئت زدت عليه
14
فطراساليون، بوزن الأنيسون، ليكون أشد إدرارًا. وإن شئت خلطت به يسيرًا من
15
الفوذنجى، بعد أن تنقص من شربة الكمونى أوالفلافلى؛ وتدرجت فى ذلك حتى يبقى
16
آخره الفوذنجى الصرف عندما يكون ما فى العروق قد انهضم وانتفض، وبقيت عليك
17
العناية بما هو خارج العروق؛ والفوذنجى كما علمت نافع لهذا، ضار للاول. وأما
18
هؤلآء المجتمع فيهم الأمران، فينبغى أن تجنبهم كلما يشتد جذبه إلى خارج، أو إلى داخل؛
19
فلدلك يجب أن تبادرن إلى قيئهم وإسهالهم، ما لم يتقدم أولًا بالتلطيف والتقطيع و
20
الانضاج، ولا ترضهم إيضًا.
21
فاذا سكن الإعياء، وحسن اللون، ونضج البول، فادلكهم دلكا كثيرًا، ورضهم رياضة
22
يسيرة؛ وجربهم. فان عاودهم شئى من المرض، فاترك؛ وأن لم يعاودهم، فاستمر بهم الى عادتهم،
23
متدرجًا فيهم الى ان تبلغ الى واجبهم من الإستحمام، والتمريخ، والدلك، والرياضة؛
24
وفى آخر الأمر فزد فى قوة ادهانهم. وان عاود أحدًا من هؤلآء اعياء مع حس قروح، فعاود
25
تدبيرك. فان عاوده بلا حس قروح، فدبره بالأسترداد. فان اختلطت الدلائل، ولم يظهر
26
اعياء قوى محسوس فأرحه.
27
وأما الإعياء التمددى: فسببه ههنا هو امتلاء، بلا رداءة خلط. وعلاجه فى الأبدان
28
الرديئة المزاج الفصد؛ وتلطيف التدبير؛ وفى البدن الذى نتكلم نحن فيه، هو بالتلطيف
29
والتقطيع وحده، ثم يعان من بعد بما يجب. وأما الورمى فعلاجه المبادرة الى الفصد من العرق
30
الذى يناسب العضو الذى فيه اكثر الإعياء، والذى يظهر فيه أولًا الإعياء؛ ومن الاكحل ان
31
كان لا تفاوت فيه بين الأعضاء. وربما احتجت الى أن تفصده فى اليوم الثانى بل الثالث؛
1-273
1
فافصد فى اليوم الأول كما يظهر، ولا تؤخره؛ فيتمكن فيه. وفى اليوم الثانى والثالث فافصده
2
عشيًا. ويجب أن يكون غذاءه فى اليوم الأول ماء الشعير، أو حسو الخندروس ساذجًا ان لم
3
يعرض حمى؛ فان عرض فماء الشعير وحده. وفى اليوم الثانى ذلك مع دهن بارد، أو معتدل
4
كدهن اللوز، وفى اليوم الثالث مثل الخسية، والقرعية، والملوكية، والحماضية، ومثل السمك
5
الرضراضى اسفيدباجًا.
6
ويمنعون فى هذه الأيام من شرب الماء البارد ما أمكن؛ ولكنهم اذا عيل صبرهم
7
فى اليوم الثالث، ولم يستمرؤا طعامهم، سقوا ماء العسل، أو شرابًا أبيض رقيقًا، أو ممزوجًا
8
واياك أن تغذوهم اثر هذه الإستفراغات دفعة، تتمة حاجتهم، فينجذب الغذاء الغير المنهضم
9
الى العروق لوجوه ثلاثة: أحدها ان الغذاء اذا قل، بخلت المعدة به، ونازعت قوتها
10
الماسكة بقوة الكبد الجاذبة. وأما اذا كثر لم تبخل به، بل ربما أعانت جذب
11
الكبد بقوتها الدافعة؛ وكذلك كل وعاء متقدم بالقياس الى ما بعده. والثانى ان الكثير لا يجود
12
هضمه، فى المعدة، والثالث ان الكثير يرسل الى العروق غذاء كثيرًا، فيعجز العروق ايضًا
13
عن هضمه.
14
|63vb38|الفصل السابع عشر فى تدبير الابدان التى أمزجتها غير فاضلة
15
هذه الأبدان اما مخطئة، واما ممنوة فى الخلقة. والمخطئة هى التى أمزجتها الجبلية
16
فاضلة، وقد اكتسبت أمزجة رديئة فى الوقت بخطاء التدبير المتطاول، حتى استقرت فيها.
17
والممنوة هى التى أمزجتها فى الأصل غير فاضلة. وأما المخطئة فيتعرف جهة خطأها بالكيفية
18
والكمية، ليعالج بالضد. وقد يستدل على ذلك من حال سحنة البدن. وأما الممنوة فهى
19
التى وقع فساد حالها من مزاجها الأول، أو من سنها. فنبدأ منهم بذكرالمشايخ.
20
|63vb57|التعليم الثالث
21
فى تدبير المشايخ وهو ستة فصول
22
|63vb58|الفصل الاول قول كلى فى تدبيرالمشايخ
23
جملة تدبيرهم هى استعمال ما يرطب ويسخن معًا؛ من الأغذية، والإستحمامات
24
والاشربة، ومن اطالة النوم، واللبث فى الفراش اكثر من الشبان؛ ومن ادامة ادرار بولهم،
25
واخراج البلغم من معدهم من طريق المعاء والمثانة. وأن يدام لين طبيعتهم. وينفعهم
26
جدًا الدلك المعتدل فى الكيفية والكمية مع الدهن. ثم المشى. أو الركوب لمن كان يضعف
27
عن المشى. والضعيف منهم يعاد عليه الدلك ويثنى. ويجب أن يتعهدوا الطيب من
1-274
1
العطر كثيرًا، وخصوصًا الحار باعتدال؛ وأن يتمرخوا بالدهن بعد النوم؛ فان ذلك ينبه
2
القوة الحيوانية. ثم يستعمل الركوب والمشى.
3
|64ra17|الفصل الثانى فى تغذية المشايخ
4
يجب أن يفرق غذاء الشيخ قليلًا قليلًا، ويغذى فى كرتين أو ثلاث بحسب الهضم
5
وقوته وضعفه. فيأكل فى الساعة الثاثلة الخبز الجيد الصنعة مع العسل؛ وفى السابعة
6
بعد الإستحمام ما يلين البطن مما نذكره. وبعد ذلك بقرب الليل الطعام المحمود الغذاء.
7
وإن كان قويًا زيد فى عشاءه قليلًا. وليجتنبوا كل غذاء غليظ يولد السوداء أو يولد
8
البلغم. ــ وكل حاد حريف يجفف، مثل الكواميخ والتوابل. إلا على سبيل الدواء. فان
9
فعلوا من ذلك ما لا ينبغى لهم، فتناولوا من الصنف الاول مثل المالح، والباذنجان،
10
والمقدد، ولحوم الصيد؛ أو مثل السمك الصلب اللحم، والبطيخ الزقى والقثد؛ أو
11
فعلوا. الخطأ الثانى، فاكلوا الكواميخ والصحناءة والبن، عولجوا بتناول الضد. بل إنما
12
يجب أن يستعمل فيهم الملطفات، إذا علم أن فيهم فضولًا. فاذا نقوا غذوا بالمرطبات،
13
ثم يعاودون أحيانًا شئيًا من الملطفات مع الغذاء، على ما سنقول فيه.
14
وأما اللبن فينتفع به من يستمرئه منهم، ولا يجد عقيبه تمددًا فى ناحية الكبد أو البطن،
15
ولا حكة ولا وجعًا؛ فان اللبن يغذو ويرطب. وأوفقة لبن الماعز والأتن. ولبن الأتن
16
من خواصه أنه لا يتجبن كثيرًا، وينحدر سريعًا؛ ولا سيما إن كان معه ملح وعسل.
17
ويجب أن يتعهد المرعى، حتى لا يكون نباتًا عفصًا، أو حريفًا، أو حامضًا،
18
أو شديد الملوحة.
19
وأما البقول والفواكه التى يتناولها المشائخ، فهى مثل السلق والكرفس، وقليل
20
من الكراث، يتناولوها مطيبة بالمرى والزيت؛ وخصوصًا قبل طعامهم ليعين على تليين
21
الطبيعة. وإذا استعملوا الثوم فى الأوقات، وكانوا معتادين له، إنتفعوا به، والزنجبيل
22
المربى من الأدوية الموافقة لهم، وأكثر المربيات الحارة. وليكن بقدر ما يسخن و
23
يهضم؛ لا بقدر ما يجفف البدن. فيجب أن تكون أغذيتهم مرطبة، إنما ينفعل عن هذه من
24
طريق الهضم والتسخين، ولا ينفعل إلى التجفيف. ومما يستعملونه لتليين طبائعهم،
25
ويوافق أبدانهم ''من الفواكه التين والأجاص فى الصيف، والتين اليابس، المطبوخ
26
بماء العسل، إن كان الوقت شتاء" وجميع هذا يجب أن يكون قبل الطعام،
27
لتلين طبيعتهم.
28
وايضًا اللبلاب المطبوخ بالماء والملح مطيبًا بالمرى والزيت. وأصل البسفايج
29
إدا جعل فى شورباجة من الدجاج، أو فى مرقة السلق، أوفى مرقة الكرنب. فان كانت
1-275
1
طبعتهم تستمر على لين يومًا دون يوم، فعن المسهل والمزلق غنى. وان كانت تلين
2
يومًا، وتحتبس يومين، كفاهم مثل اللبلاب، وماء الكرنب، ولباب القرطم بكشك
3
الشعير. أو مقدار جلوزة أو جلوزتين من صمغ البطم، وأكثره ثلاث جلوزات؛ فانها
4
تلين طبائعهم بخاصية فيه، وتجلو الأحشاء بغير أذى. وينفعهم ايضًا الدواء المركب من
5
لباب القرطم مع عشرة أمثاله تين يابس. والشربة منه كالجوزة. وتنفعهم ايضًا الحقنة
6
بالدهن؛ فان فيها مع الإستفراغ تليين الأحشاء، وخصوصًا من الزيت العذب. و
7
يحتنب فيهم الحقن الحادة؛ فانها تجفف أمعاءهم. وأما الحقنة الرطبة الدهنية، فانها
8
من أنفع الأشياء لهم، اذا احتبست طبيعتهم أيامًا. ولهم أدوية ملينة للطبيعة، نذكرها فى
9
القرابادين خاصة لهم ويجب أن يكون الاستفراغ فى الكهول والمشايخ بغير الفصد ما أمكن،
10
فان الاسهال المعتدل أوفق لهم.
11
|64rb45|الفصل الثالث فى شراب المشايخ
12
وخير شرابهم العتيق الأحمر، ليدر ويسخن معًا. وليجتنبوا الحديث والأبيض.
13
الا أن يكونوا استحموا بعد التناول من الغذاء، وعطشوا فيسقون حينئذ شرابًا أبيض رقيقًا قليل
14
الغذاء. على أنه لهم بدل الماء. وليجتنبوا الحلو المسدد من الأشربة.
15
|64rb54|الفصل الرابع فى تفتيح سدد المشايخ
16
فان عرضت لهم سدد، وأسهلها مايعرض من شرب الشراب، فيجب أن يفتح
17
بالفوذنجى والفلافلى، وينثر الفلفل على الشراب. وان كانت عادتهم قد جرت باستعمال الثوم
18
والبصل استعملوها. والترياق ينفعهم جدًا، وخصوصًا عند حدوث السدد؛ وكذلك
19
اثاناسيا وأمروسيا. ولكن يجب أن يترطبوا بعده بالاستحمام، وبالتمريخ، وبالأغذية، مثل
20
ماء اللحم بالخندروس والشعير. واستعمالهم شراب العسل ينفعهم، ويومنهم حدوث السدد،
21
ووجع المفاصل، بعد أن يزاد عليه، مع احساس سدة فى عضو، أواحساس واستعداده لها،
22
ما يخصه كبزر الكرفس وأصله لأعضاء البول. وان كانت السدة حصوية، طبخ بما هو أقوى؛
23
مثل فطراساليون. وان كانت السدة فى الرئة، فمثل الزوفا، والبرسياؤشان، والسليخة وما
24
يشبه ذلك.
25
|64va17|الفصل الخامس فى دلك المشايخ
26
يجب أن يكون معتدلًا فى الكم والكيف، غير متعرض منهم للاعضاء الضعيفة
27
أصلًا والمتألمة. وان كان الدلك ذا مرات، فليدلكوا فى المرات بخرق خشنة، أو أيد مجردة؛
28
فان ذلك ينفعهم، ويمنع نوائب علل أعضاءهم.
1-276
1
|64va25|الفصل السادس فى رياضة المشايخ
2
رياضة المشايخ تختلف بحسب اختلاف حالاتهم، أعنى حالات أبدانهم، وبحسب
3
ما يعتادهم من العلل، وبحسب عاداتهم فى الرياضة. فان كانت أبدانهم على غاية
4
الاعتدال، وافقتهم الرياضات المعتدلة. ثم ان كان عضو منهم ليس على أفضل حالاته،
5
جعلوا رياضته تابعة لسائر الأعضاء فى الرياضة. مثلا ان كان راسه يعتريه الدوار، أو الصرع،
6
أو انصباب مواد الى الرقبة، وكان كثيرًا ما يصعد فيه بخارات الى الرأس والدماغ، لم
7
يوافقهم من الرياضات مايطأطئى الراس ويدليه. ولكن يجب أن يمالوا الى الارتياض بالمشى،
8
والاحضار، والركوب؛ وكل رياضة يتناول النصف الاسفل.
9
وان كانت الآفة الى جهة الرجل، استعملوا الرياضات الفوقانية؛ كالمشابكة،
10
ورمى الحجارة، ورفع الحجر. وان كانت الآفة فى ناحية الوسط، كالطحال، والكبد،
11
والمعدة، والأمعاء، فيوافقهم كلتا الرياضتين الطرفيتين. ان لم يمنع مانع. وأما ان كانت
12
الآفة فى ناحية الصدر، فلا يوافقهم الا الرياضة السفلية. أو كانت فى الكلية أو المثانة،
13
فلا يوافقهم إلا الرياضة الفوقانية. ولا سبيل لهم الى أن يدرجوا تلك الأعضاء فى الرياضة
14
ليقووها بها. وهذا للمشائخ؛ بخلاف ما فى سائر الأسنان؛ وبخلاف المتكهلين؛ الذين
15
يوافقهم أكثر ما يوافق المشايخ؛ فان أولئك يجب أن يقووا الأعضاء الضعيفة بتدريجها فى النوع
16
من الرياضة التى توافقها "ويكون فيها'' وأما الأعضاء المريضة فربما راضوها، وربما
17
لم يرخص لهم فى ذلك. أعنى اذا كانت حارة أو يابسة، أو فيها مادة يخاف أن تميل الى
18
العفونة، وليس بها نضج.
19
|64vb2|التعليم الرابع
20
[فى تدبير بدن بدن ممن مزاجه غير فاضل] وهو خمسة فصول
21
|64vb4|الفصل الاول فى استصلاح المزاج الازيد حرارة
22
نقول: ان سوء المزاج الحار: اما أن يكون مع اعتدال من المنفعلين؛ أوغلبة يبوسة
23
أو رطوبة. واذا اعتدل المنفعلتان، عرفنا ان زيادة الحرارة الى حد، وليست بمفرطة، وإلا لجففت.
24
وأما الحار مع اليبوسة، فيجوز أن يبقى هذا المزاج بحاله مدة طويلة. وأما الحار مع الرطوبة،
25
فان اجتماعهما لا يطول؛ فتارة تغلب الرطوبة الحرارة فتطفئها؛ وتارة تغلب الحرارة الرطوبة
26
فتجففها. فان غلبت الرطوبة الحرارة فان صاحبها يصلح حاله عند المنتهى فى الشباب،
27
ويصير معتدلًا فيهما. فاذا انحط أخذت الرطوبة الغريبة تزداد، والحرارة تنقص.
28
فنقول: ان جملة تدبير حارى المزاج منحصرة فى غرضين: أحدهما أن يراد
29
ردهم الى الإعتدال. والثانى أن تحفظ صحتهم على ما هى عليها. أما الأول فانما يتيسر
1-277
1
للوادعين المكفيين، الموطنين أنفسهم على صبر طويل، مدة رجوعهم بالتدريج الى الإعتدال؛
2
لأن تدبيرهم من غير تدريج، يمرض أبدانهم. وأما الثانى فانما يمكن تدبيرهم بأغذية،
3
تشاكل مزاجهم، حتى تحفظ الصحة الموجودة لهم. فمن كان من حارى المزاج معتدلًا
4
فى المنفعلتين، كانوا أدنى الى الصحة فى ابتداء أمرهم، وكان مزاجهم أسرع لنبات
5
أسنانهم وشعورهم؛ وكانوا ذوى بيان ولسن وسرعة حتى فى المشى. ثم اذا شبوا، أفرط عليهم
6
الحر، وزاد اليبس، وحدث لهم مزاج لذاع، وكثير منهم يتولد منهم المرار كثيرًا.
7
وتدبيرهم فى السن الأول، هو تدبير المعتدلين. واذا انتقلوا، نقلوا الى تدبير من
8
يرام ادرار بوله، واستفراغ مراره من الجهة التى تميل اليها فضولهم من جهتى الإسهال أو القئى.
9
وان لم تف الطبيعة بامالة الخلط الى الإستفراغ، أعينت بأشياء خفيفة أما القئى فبمثل
10
شرب الماء الحار الكثير وحده، أو مع النبيذ. وأما الإسهال فبمثل البنفسج المربى، والتمر
11
الهندى، والشيرخشت، والترنجبين، ويجب أن تخفف رياضتهم، وأن يغذوا بغذاء حسن
12
الكيموس. وربما وجب ان [يثلثوا الإستحمام فى اليوم. ويجب أن يجتنبوا كل سبب
13
مسخن. وان لم يورثهم] الإستحمام عقيب الطعام تمددًا أوثقلًا فى ناحية الكبد والبطن،
14
استعملوه على أمن. وأما ان عرض شئى من ذلك، فعليهم استعمال المفتحات، مثل نقيع
15
الافسنتين، ودواء الصبر، والأنيسون، واللوز المر، والسكنجبين؛ وينقطعوا عن الإستحمام
16
بعد الطعام. ويجب أن يسقوا هذه المفتحات بعد إنهضام الطعام الأول، وقبل أخذهم
17
الطعام الثانى؛ بل فى وقت بينهم فيه، وبين أخذ الطعام الثانى فسحة مدة، وذلك ما بين
18
إنتباههم بالغدوات، وبين إستحمامهم. وينبغى أن يديموا التمريخ بالدهن، ويسقوا
19
الشراب الأييض الرقيق. وينفعهم الماء البارد. وأصحاب المزاج اليابس الحار فى
20
أول الأمر أولى بذلك كله. وأما أصحاب المزاج الحار الرطب، فهم يعرض العفونة،
21
وانصباب المواد إلى الأعضاء، فلتكن رياضتهم كثيرة التحليل لينة، لئلا يسخن؛ مع
22
توق من حركة تظهر فى الأخلاط تثورًا. وأكثر ما يجب أن يجتنب الرياضة منهم من لم
23
يعتدها. والأصوب أن يرتاضوا بعد الإستفراغ، وأن يستحموا قبل الطعام. وأن يعنوا
24
بنفض الفضول كلها. وإذا دخلوا فى الربيع احتاطوا بالفصد والإستفراغ.
25
|65ra23|الفصل الثانى فى استصلاح المزاج الازيد برودة
26
أصناف هؤلاء إيضًا ثلاثة: فمن كان منهم معتدل المنفعلتين، فلنقصد قصد
27
إنهاض حرارة بأغذية حارة، متوسطة فى الرطوبة واليبس، وبالأدهان المسخنة، والمعاجين
28
الكبار، والاستفراغات الخاصة بالرطوبات، والاستحمامات المعرقة، والرياضات الصالحة؛
29
فانهم وإن كانوا معتدلى الرطوبة فى وقت، فهم يعرض تولد الرطوبات فيهم لمكان
30
البرد. وأما الذين بهم مع ذلك يبس، فان تدبيرهم هو بعينه تدبير المشايخ.
1-278
1
|65ra37|الفصل الثالث فى تدبيرالأبدان السريعة القبول للامراض
2
هؤلاء انما يستعدون لذلك إما لامتلاءهم، فليعدل منهم كمية الاخلاط. وإما
3
لأخلاط نية فيهم، فليعدل كيفيتها، وليختر لهم من الأغذية، ما يغذو غذاءً وسطًا بين
4
القليل والكثير. وتعديل كمية الأخلاط هو بتعديل مقدار الغذاء، وزيادة الرياضة،
5
والدلك قبل الإستحمام، إن كانا معتادين؛ وبالأخف منهما إن يكونا معتادين. وأن
6
يوزع عليه التغذية، ولا يحمل عليه بتمام الشبع مرة واحدة. وإن كان البدن منهم سهل
7
التعرق، معتادًا له، عرق فى الأحيان. وإن لم يكن تاخير غذاءه يصب مرارًا فى معدته،
8
أخر إلى ما بعد الحمام، وإلا قدم عليه، والوقت المعتدل إن لم يكن مانع، هو بعد
9
الرابعة من ساعات النهار المستوية. وإن أوجب إنصباب المرار إلى معدته ما قلناه من
10
تقديم الطعام، ثم إن أحس بعلامات سدد فى الكبد، عولج بالمفتحات المذكورة الملائمة
11
لمزاجه. وإن وجد لذلك ضررًا فى رأسه تداركه بالمشى. فان فسد طعامه فى المعدة،
12
فانحدار بنفسه، فتلك غنيمة، وإلا أحدره بالكمونى والتين المعجون بالقرطم المذكور
13
صفته.
14
|65rb8|الفصل الرابع فى تسمين القضيف
15
أقوى علل الهزال كما سنصفة يبس المزاج، والماساريقا، ويبس الهواء. فاذا
16
يبس الماساريقا، لم يقبل الغذاء، وازداد اليبس والهزال. ويجب أن يدلك قبل الحمام
17
دلكًا بين اللين والخشونة، إلى أن يحمر الجلد. ثم يصلب الدلك، ثم يطلى بطلاء الزفت
18
ثم يراض بالاعتدال، ثم يستحم بلا إبطاء، وينشف بعد ذلك بمناديل يابسة، ثم يمرخ
19
بدهن يسير، ثم يتناول الغذاء الموافق. فان احتمل سنه، وفصله، وعادته الماء البارد،
20
صبه على نفسه. ومنتهى الدلك المقدم على إستعمال طلاء الزفت، هو أن لا يبتدئى الإنتفاخ
21
فى الذبول. وهذا قريب مما قلناه فى تعظيم العضو الصغير. وتمام القول فيه يوجد
22
فى كتاب الزينة من الكتاب الرابع.
23
|65rb27|الفصل الخامس فى تقضيف السمين
24
تدبيره إسراع إنحدار الطعام من معدته وامعاءه، لئلا يستوفى الجداول مصها.
25
وإستعمال الطعام، الكثير الكيمية، القليل التغذية. ومواترة الإستحمام قبل الطعام
26
والرياضة السريعة، والأدهان المحللة؛ ومن المعاجين الإطريفل الصغير، ودواء
27
اللك، والرياق، وشرب الخل مع المرى على الريق. وما سنذكره فى مقالة
28
الزينة.
1-279
1
|65rb37|التعليم الخامس
2
فى الإنتقالات وهو فصل مفرد وجملة
3
|65rb39|الفصل فى تدبير الفصول [واصلاح الهواء]
4
أما الربيع فيبادر فى أوائله بالفصد والاسهال بحسب الواجب والعادة، ويستعمل
5
فيه خصوصًا القىء. ويهجر كل ما يسخن ويرطب كثيرًا من اللحوم والأشربة. ويلطف
6
الغذاء. ويرتاض برياضة معتدلة، فوق رياضة الصيف. ولا يمتلاء من الطعام، بل يفرق.
7
ويستعمل الأشربة والربوب المطفئة، ويهجر الحار وكل مر وحريف ومالح. وأما فى الصيف
8
فينقص من الأغذية والأشربة والرياضة، ويلزم الهدوء والدعة، والمطفئات والقئى لمن أمكنه.
9
ويلزم الظل والكن. واما فى الخريف، [وخصوصا فى الخريف] المختلف الهواء، فيلزم
10
أجود التدبير. ويهجر المجففات كلها، وليحذر الجماع، وشرب الماء البارد كثيرًا، وصبه
11
على الرأس. والنوم فى الموضع البارد الذى يقشعر فيها البدن، ويوقى رأسه "ليلًا وغداة
12
من البرد" ولا ينام على الإمتلاء. وليتوق حر الظهائر وبرد الغدوات، وليحذر فيه الفواكه الوقتية،
13
والإستكثار منها. ولا يستحم إلا [بماء] فاتر.
14
واذا استوى فيه الليل والنهار استفرغ، لئلا يحتقن فى الشتاء فضول. على أن كثيرمن
15
الأبدان الأوفق لها فى الخريف، ان لا يشتغل بتثوير الأخلاط وتحريكها، بل يكون تسكينها
16
أجدى عليها. وقد منعوا عن القئى فى الخريف؛ لانه يجلب الحمى. وأما الشراب فيجب
17
ان يستعمل فيه ما هو كثير المزاج من غيراسراف. واعلم ان كثرة المطر فى الخريف أمان من
18
شره.
19
وأما فى الشتاء فليكثر التعب، ولينبسط فى الغذاء الا أن يكون جنوبيًا،
20
فحينئذ يجب أن يزاد فى الرياضة، ويقلل من الغذاء. ويجب أن يكون حنطة
21
خيز الشتاء أقوى وأشد تلززًا من حنطة خبز الصيف وكذلك القياس فى اللحمان والمشوى.
22
ونحوه. وأن يكون بقوله مثل الكرنب، والسلق، والكرفس، القطف، واليمانية، والحمقاء،
23
والهندباء. وقلما يعرض لشئى من الأبدان الصحيحة مرض فى الشتاء؛ فان عرض، فليبادر
24
بالعلاج والإستفراغ ان أوجبه، فانه لم يكن ليعرض فيها مرض إلا والسبب عظيم، وخصوصًا
25
إن كان حارًا، لان الحرارة الغريزية وهى المدبرة تقوى جدًا فى الشتاء، بما تسلم من التحلل،
26
وتجتمع بالاحتقان، وجميع القوى الطبيعية تفعل فعلها بجودة. فأبقراط يستصلح فيه
27
الإسهال، دون الفصد؛ ويكره فيه القئى؛ ويستصوبه فى الصيف؛ لان الأخلاط فى الصيف
28
طافئة، وفى الشتاء مائلة الى الرسوب، فلنقتد به.
1-280
1
وأما الهواء اذا فسد ووبئى، فيجب أن يتلقى بتجفيف البدن؛ وتعديل المساكن
2
بالأشياء التى تبرد وترطب بقوتها، وهو الأوجب فى الوباء؛ أو تسخن وتفعل ضد موجب
3
فساد الهواء. والروائح الطيبة أنفع شئى منها، وخصوصًا اذا روعى بها مضادة المزاج. وفى
4
الوباء يجب أن تقلل الحاجة إلى إستنشاق الهواء الكثير، وذلك بالتوديع والترويح.
5
وكثيرًا ما يكون فساد الهواء من الأرض، فيجب أن يجلس حينئذ على الأسرة، وتطلب
6
المساكن العالية حذاء مخترقات الرياح. وكثيرًا ما يكون مبدأ الفساد من الهواء نفسه،
7
لما انتقل إليه من فساد أهوية مجاورة، أو لأمر سماوى خفى على الناس كيفيتة. فيجب
8
فى مثله أن يلتجأ إلى الاسراب، وإلى البيوت المحفوفة من جهاتها بالجدران، وإلى
9
المخادع. وأما البخورات المصلحة "لعفونة الاهوية" فالسعد، والكندر، والآس،
10
والورد، والصندل. وإستعمال الخل فى الوباء أمان من آفاته. وسنذكر فى الكتب الجزئية
11
تتمة ما يجب أن يقال فى هذا.
12
|65vb12|الجملة فى تدبير المسافرين وهى ثمانية فصول
13
|65vb13|الفصل الأول فى تدارك اعراض تنذر بالامراض
14
من حدث به خفقان دائم، فليدبر أمره؛ كيلا يموت فجاءة. إذا كثرالكابوس
15
والدوار، فليدبر أمره بأستفراغ الخلط الغليظ؛ كيلا يقع صاحبه فى الصرع والسكتة.
16
إذا كثر الإختلاج فى جميع البدن، فليدبر أمره باستفراغ البلغم؛ كيلا يقع صاحبه فى
17
التشنج والسكتة. وكذلك إن طالت كدورة الحواس، وضعف الحركات مع إمتلاء.
18
وإذا خدرت الأعضاء كلها كثيرًا، فليدبر أمره باستفراغ البلغم؛ كيلا يقع صاحبه فى
19
الفالج والتشنج. وإذا اختلج الوجه كثيرًا، فليدبر أمره بتنقية الدماغ؛ كيلا يودى
20
إلى اللقوة. واذا احمر الوجه والعين كثيرًا، وأخذت الدموع تسيل، وتفر عن الضوء،
21
وكان صداع فليدبر أمره بالفصد والإسهال ونحوه؛ كيلا يقع صاحبه فى السرسام.
22
إذا كثر لغم بلا سبب، وكثر الخوف، فليدبر أمره بالاستفراغ للخلط المحترق، كيلا
23
يقع صاحبه فى المالنخوليا. وايضًا فان الوجه إذا احمر، وانتفخ، وضرب إلى كمودة
24
ودام ذلك، أنذر بجذام. واذا ثقل البدن وكل، ودرت العروق، فيلفصد؛ كيلا يعرض
25
انفزار عرق، وسكتة، وموت فجأة. إذا فشا التهيج فى الوجه، والأجفان، والأطراف،
26
فيلتدارك حال الكبد، لئلا يقع صاحبه فى الإستسقاء. وإذا اشتد نتن البراز، دبر ازالة
27
العفونة من العروق، لئيلا يقع فى الحميات. ودلالة البول أشد فى ذلك. وإذا رأيت
28
اعياءً وتكسرًا، فاحذر حمى تكون. إذا سقطت شهوة الطعام أو زادت. دل على مرض.
1-281
1
وبالجملة فان كل شىء إذا تغير عن عادته فى شهوة، أو براز، أو بول، أو شهوة
2
جماع، أو نوم، أو عرق، أو حكة بدن، أو حدة ذهن، أو طعم مذوق، أوعادة إحتلام؛
3
فصار أقل أو أكثر، أو تغيرت كيفيته، أنذر بمرض. وكذلك العادات الغير الطبيعية،
4
مثل دم بواسير، أو طمث، أو قىء؛ أو رعاف، أو عادة شهوة شىء [كان] فاسدًا أو غير
5
فاسد فان العادة كالطبيعة. ولذلك لا يترك إلا الردىء جدًا منها، ويترك بندريج.
6
وقد يدل أمور جزئية على أمور جزئية؛ فان دوام الصداع والشقيقة ينذر بالانتشار
7
ونزول الماء فى العين، وتخيل العين قدام الوجه كالبق وغيره إذا ثبت ورسخ، وجعل
8
البصر يضعف معه، أنذر بنزول الماء فى العين. والثقل والوخز فى الجانب الأيمن
9
إذا طال، دل على علة بالكبد. والثقل والتمدد فى أسفل الظهر والخاصرة مع تغير حال
10
البول عن العادة ينذر بعلة فى الكلى. البراز العادم للصبغ فوق العادة ينذر بيرقان.
11
واذا طال حرق البول أنذر بقروح تحدث فى المثانة والقضيب. الإسهال المحرق
12
للمقعدة ينذر بالسحج. سقوط الشهوة مع القىء، والنفخ، ووجع فى الأطراف، ينذر
13
بالقولنج. الحكاك فى المقعدة، إن لم يكن بها ديدان صغار، ينذر بالبواسير. كثرة
14
خروج الدماميل والسلع، ينذر بدبيلة كبيرة تحدث. والقوبأ ينذر بالبرص الأسود،
15
والبهق الابيض، ينذر بالبرص الأبيض.
16
|66ra35|الفصل الثانى قول كلى فى تدبير المسافر
17
ان المسافر قد ينقطع عن أشياء، كان يتعهدها وهو فى أهله، وقد يصيبه تعب و
18
وصب، فيجب أن يحرص على مراعاة أمر نفسه، كيلا يصيبه أمراض كثيرة. واكثرما يجب
19
أن يتعهد به نفسه أمر الغذاء وأمر الاعياء. فيجب أن يصلح غذاءه، ويجعله جيد الجوهر،
20
قريب القدز غير كثير، حتى يجود هضمه، ولا يجتمع الفضول فى عروقه. ويجب
21
أن لا يركب ممتلئًا، فيفسد طعامه، ويحتاج إلى شرب الماء، فيزداد تخضخضًا وتبقبقًا،
22
ويكتظ. بل يجب أن يوخر الغذاء إلى وقت النزول إلا أن يستدعيه سبب مما سنقوله
23
فبما بعد. فان لم يجد بدًا، تناول قدرًا قليلًا على سبيل التلهن، وبحيث لا يحوجه إلى
24
شرب الماء ليلًا كان سيره، أو نهارًا. ويجب أن يدبر اعياءه، بما قيل فى باب الاعياء.
25
ويجب أن لا يسافر ممتلئًا من دم أو غيره؛ بل ينقى بدنه ثم يسافر. وإن كان متخمًا،
26
جاع، ونام، وحلل التخم، ثم سافر.
27
ومن الواجب على المسافر أن يتدرج فيرتاض يسيرًا أكثر من العادة؛ وإن كان
28
يحتاج إلى سهر يعانيه فى طريقه، إعتاد السهر قليلًا قليلًا. وكذلك إن كان يخمن أنه
1-282
1
سيعرض له جوع أوعطش، أو غير ذلك، فيجب أن يعتاده. وليتعود من الغذاء الذى
2
يريد أن يغتذى به فى سفره. وليجعل غذاءه قليل الكم، كثير التغذية. وليهجر البقول،
3
والفواكه، وكل ما يولد خلطًا نيًا؛ إلا لضرورة يعالج به، كما نحدده فيما يستقبل. وربما
4
اضطر المسافر إلى أن يتهيأ له الصبر على الجوع، وإلى أن تقل منه الشهوة، ومما يعينه على
5
ذلك الأطعمة، المتخذة من الأكباد المشوية ونحوها. وربما اتخذ منها كبب مع لزوجات
6
وشحوم مذابة قوية، ولوز، ودهن لوز، والشحوم، مثل شحم البقر. فاذا تناول منها واحدة، صبر
7
على الجوع زمانًا له قدر. وقيل: لو إن انسانًا شرب رطلًا من دهن البنفسج، وقد أذاب فيه شيئًا
8
من الشمع، حتى صار قيروطيًا، لم يشته الطعام عشرة أيام. وكذلك ربما احتاجوا إلى أن يتهيأ لهم
9
الصبر على العطش، فيجب أن يكون معهم الأدوية المسكنة للعطش، التى ذكرناها
10
فى الكتاب الثالث فى باب العطش، وخصوصًا بزر البقلة الحمقاء يشرب منها ثلاثة
11
دراهم بالخل. ويهجر الأغذية المعطشة؛ مثل السمك، والكبر، والملحات، والحلاوات.
12
ويقل الكلام، ويرفق بالسير. وإذا شرب الماء بالخل، كان القليل من الماء كافيًا فى
13
تسكين العطش، حيث لا يوجد ماء كثير.
14
|66rb37|الفصل الثالث فى توقى الحر وخصوصًا فى السفر وتدبيرمن سافر فيه
15
هؤلاء إيضًا إذا لم يدبروا أنفسهم، تأدى بهم الأمر فى آخره [الى] أن يضعفوا،
16
ويتحلل قواهم، حتى لا يمكنهم أن يتحركوا، ويغلب عليهم العطش؛ وربما أضرت
17
الشمس بأدمغتهم. فلذلك يجب أن يحرصوا على ستر الرأس عن الشمس سترًا شديدًا.
18
وكذلك يجب أن يحفظ المسافر منها صدره، ويطليه بمثل لعاب بزر قطونا، أو عصارة
19
قلة الحمقاء. والمسافرون فى الحر ربما احتاجوا إلى شىء، يتناولونه قبل السير، مثل
20
سويق الشعير، وشراب الفواكه وغير ذلك. فانهم إذا ركبوا، ولا شىء فى أحشاءهم،
21
بالغ التحلل فى أضعافهم، إذ لا يكون له فيهم بدل. فيجب ان يتناولوا مما ذكرنا شئيا.
22
ثم يلبثوا حتى ينحدر عن المعدة، ولايتخضخض. ويجب أن يصحبهم فى الطريق دهن
23
الورد والبنفسج، فيستعملون منهما ساعة بعد ساعة على هاماتهم. وكثير ممن يصيبه
24
آفة "من السفر فى الحر"، يعود إلى حاله بسباحة فى ماء بارد. ولكن الأصوب أن
25
لا يستعجل؛ بل يصبر يسيرًا، ثم يتدرج إليه.
26
ومن خاف السموم، فالواجب عليه أن يعصب منخره وفمه بعمامة ولثام، و
27
يصبر على المشقة فيه. وليقدم قبله أكل البصل فى الدوغ، وخصوصًا إذا كان البصل
28
مربى فيه، أو منقوعًا ليلة. يأكل البصل، ويتحسى الدوغ. ويجب أن يكون البصل
1-283
1
قبل الالقاء فى الدوغ بصلًا قوى التقطيع. وليكن التنشق بدهن اللوز ودهن حب القرع،
2
وليتحس دهن القرع؛ فانه مما يدفع مضرة السموم المتوقع. فاذا ضربه السموم، سكب
3
على أطرافه ماء باردًا، أو غسل به وجهه. ويجعل غذاءه من البقول الباردة. ويضع على
4
راسه الأدهان الباردة، مثل دهن الورد، والخلاف، والعصارات الباردة، مثل عصارة
5
حى العالم، ثم يغتتسل، وليحذر الجماع. والسمك المالح ينفعه إذا سكن ما به. والشراب
6
الممزوج ينفعه إيضا. واللبن من أجود الغذاء له ان لم يكن به حمى. فان كان به حمى،
7
ليست من الحميات العنفة، بل اليومية، إستعمل الدوغ الحامض. وإذا عطش على
8
السموم زجى بالمضمضة، ولم يشرب ريه، فانه حينئذ يموت على المكان. بل يجب
9
أن يزجى بالمضمضة، وإن لم يجد بدًا من أن يشرب، شرب جرعة بعد جرعة.
10
فاذا سكن ما به، وسكن الهائج من عطشه، شرب. وإن بدأ أولًا قبل شربه، فشرب
11
دهن ورد وماء ممزوجين، ثم شرب الماء، كان أصوب. وبالجملة فان مضروب الحر،
12
يجب أن يجعل مجلسه موضعًا باردًا، ويغسل رجليه بالماء البارد، وإن كان عطشان،
13
يسقى البارد قليلًا قليلًا، ويغتذى بغذاء سريع الإنهضام.
14
|66va36|الفصل الرابع فى تدبير من سافر فى البرد والخصرين
15
إن السفر فى البرد الشديد عظيم الخطر مع الإستظهار بالعدد والاهب. فكيف
16
مع ترك الإستظهار. فكم من مسافر متدثر بكل ما يمكن، قد قتله البرد والدمق بتشنج،
17
كزاز، أو جمود، وسكتة، ويموت موت من شرب الأفيون واليبروج. فان لم يبلغ
18
حالهم إلى الموت، فكثيرًا ما يقعون فى الجوع لمسمى بوليموس. وقد ذكرنا ما يجب
19
ان يعمل فيه، وفى الأمراض الاخرى، فى موضعه،. وأولى الأشياء بهم أن يسدوا
20
المسام، ويحفظوا الأنف والفم من أن يدخلهما هواء بارد بغتة، و يحفظوا الأطراف
21
بما سنذكره.
22
واذا نزل المسافر فى البرد، فلا يجب أن يدفئ نفسه فى الحال؛ بل يتدرج قليلا
23
قليلًا فى دف. ولا يجب أن يستعجل إلى الصلاء. بل أن لا يقربه أحسن. فان كان لم يجد
24
بدًا، تدرج إلى ذلك. وأولى الأوقات به أن يجتنبه فيه، اذًا اذا كان من عزمه أن يسير
25
فى الوقت ويخرج إلى البرد. هذا ما لم يبلغ البرد من المسافرين مبلغ الإيهان واسقاط
26
القوة. وأما إذا عمل فيه الخصر، فلا بد من إسعجال التدفؤء والتمرخ بالادهان المسخنة،
27
خصوصًا بما فيه ترياقية، كدهن السوسن. وإذا نزل المسافر فى البرد وهو جائع،
28
فتناول شيئًا حارًا، عرض له حرارة كالحمى عجيبة.
1-284
1
وللمسافرين أغذية، تسهل عليهم أمر البرد؛ وهى الأغذية التى يكثر فيها الثوم
2
والجوز، والخردل، والحلتيت. وربما وقع فيها المصل المطيب بالثوم والجوز.
3
والسمن ايضًا جيد لهم، وخصوصًا إذا شربوا عليه الشراب الصرف. ويحتاج المسافر
4
فى البرد إلى أن لا يسافر خاويًا؛ بل يتملأ من الأغذية، ويشرب الشراب بدل الماء،
5
ثم يصبر حتى يقر ذلك فى بطنه، ويسخن، ثم يركب. والحلتيت مما يسخن الجامد
6
فى البرد؛ خصوصًا إذا شرب فى الشراب. والشربة التامة درهم من الحلتيت فى
7
رطل من الشراب. وللمسافر فى البرد مسوحات، تمنع بدنه عن التاثر من البرد؛
8
منها الزيت وغير ذلك. والثوم من أفضل الأشياء لمن نزل عن هواء بارد وإن كان يضر
9
بالدماغ والقوى النفسانية.
10
|66vb29|الفصل الخامس فى حفظ الاطراف عن ضرر البرد
11
يجب أن يدلك المسافر أولا أطرافه حتى يسخن. ثم يطليها بدهن حار من الأدهان
12
العطرة مثل دهن السوسن ودهن البان. والميسوسن لطوخ جيد لهم؛ فان لم يحضر
13
فالزيت؛ وخصوصًا إذا جعل فيه الفلفل، والعاقر قرحا، أو الفربيون، أو الحلتيت،
14
أو الجند بيدستر. ومن الأضمدة الحافظة للاطراف أن يجعل عليها قنة وثوم؛ فانه أمان،
15
ولا كالقطران. ولا يجوز أن يكون الخف والدستبانج بحيث لا يتحرك فيه العضو؛
16
فان حركة العضو أحد الأسباب الدافعة عنه البرد. والعضو المخنوق يصيبه البرد بشدة.
17
واذا غشى [العضو] بكاغذ وبشعر، ثم بوبر، كان أوقى له. وإذا صارت الرجل مثلًا
18
أو اليد لا تحس بالبرد من غير ان يخف البرد، ومن غير أن دبر فى وقايته بتدبير جديد،
19
فاعلم أن الحس فى طريق البطلان، وإن البرد قد عمل عمله. فليدبر بما تعلمه الآن
20
وأما إذا عمل البرد فى عضو، فأمات الحار الغريزى الذى كان فيه، وحقن
21
ما كان يتحلل منه فى جوهره، وعرضه للعفونة، فربما احتيج [إلى] أن يفعل فى بابه،
22
ما قيل فى باب القروح، وخصوصًا الأكالة الخبيثة. وأما إذا ضربه البرد، ولم يعفن
23
بعد، بل هو فى سبيله، فالاصوب أن يوضع الطرف فى ماء الشلجم خاصة؛ أو ماء طبخ
24
فيه التين. وماء الكرنب وماء الرياحين، وماء الشبث، وماء البابونج كله جيد. والتردوغ
25
لطوخ جيد. وماء الشيح. وماء النمام، والتضميد بالشلجم دواء جيد نافع له.
26
ويجب أن يجتنب النار وقربها. ويجب فى الحال أن يمشى، ويحرك الرجل والطرف،
27
فيروضه ويدلكه؛ ثم يمرخه ويطليه، وينطله بما قلنا.
1-285
1
وليعلم أن ترك الأطراف متعلقة ساكنة فى البرد، لا تحرك ولا تراض، هو من
2
أقوى الأسباب الممكنة للبرد من الطرف. ومن الناس من يغمسه فى ماء بارد، فيجد
3
لذلك منفعة، كان الأذى يندفع عنه، كما يعرض للفاكهة الجامدة أن يلقى فى الماء البارد،
4
فيكون كأنه يخرج الجمد منها، وينتسح عليها، فيلين ويستوى. ولو انها قربت من
5
النار فسدت. وأما كيف هذا، فهو مما لا يحتاج إليه الطبيب. فأما إذا أخذ الطرف
6
يكمد، فيجب ان يشرط، ويسيل منه الدم، والعضو موضوع فى الماء الحار، لئلا
7
يجمد شىء من الدم فى فوهات الشرط، فلا يخرج؛ بل يترك حتى يحتبس من نفسه؛
8
ثم يطلى بالطين الأرمنى، والخل الممزوجين؛ فان ذلك يمنع فساده والقطران ينفع باديًا
9
وأخيرًا. وإذا جاوز الأمر السواد والخضرة، وأدرك وهو يتعفن، فلا يشتغل بغير إسقاط
10
ما يعفن بعجلة، لئلا يعفن إيضًا الصحيج الذى فى الجُوار، ولئلا تدب العفونة. بل
11
يفعل ما قلناه فى بابه.
12
|67ra40|الفصل السادس فى حفظ اللون فى السفر
13
يجب أن يطلى الوجه بالأشياء اللزجة، والتى فيها تغرية، مثل لعاب بزر قطونا،
14
ومثل لعاب الفرفخ، ومثل الكتيراء المحلول فى الماء والصمغ المحلول فى الماء،
15
او مثل بياض البيض، ومثل الكعك، والسميذ المنقوع فى الماء، وقرص وصفه قريطن.
16
وأما إذا شققه ريح، أو برد، أو شمس، فاطلب تدبيره فى الكلام فى الزينة.
17
|67ra51|الفصل السابع فى توقى المسافر مضرة المياه المختلفة
18
إن اختلاف المياه قد توقع المسافر فى أمراض، أكثر من إختلاف الأغذية.
19
فيجب أن يراعى ذلك، ويتدارك أمر الما. ومن تداركه كثرة ترويقه، وكثرة إسترشاحه
20
من الخزف الرشاح، وطبخه. كما بينا العلة فيه <انه> قد يصفيه، ويفرق بين جوهر
21
الماء الصرف وبين ما يخالطه. وأكثر ذلك كله تقطيره بالتصعيد. وربما فتلت فتيلة من
22
صوف، وجعل منها فى أحد الإنائين، وهو المملوء منهما طرف، ويترك طرفها
23
الآخر فى الإناء الخالى، فقطر الماء إلى الخالى. وكان ضربًا جيدًا من الترويق، خصوصًا
24
إذا كرر. وكذلك إذا طبخ الماء المر والردى، وطرح فيه وهو يغلى طين حر، وكبات
25
من الصوف، ثم تؤخذ فتعصر عن ماء، خير من الأول. وكذلك فحض الماء، وقد
26
جعل فيه طين حر، لا كيفية ردئية له، وخصوصًا المحترق فى الشمس، ثم يصفيه هو
27
مما يكسر فساده. وشرب الماء مع الشراب إيضًا مما يدفع فساده، إذا كان فساده
28
من جنس قلة النفوذ. وإيضًا فان الماء إذا قل، ولم يوجد، فيجب أن يشرب ممزوجًا
29
بالخل، وخصوصًا فى الصيف؛ فان ذلك يغنى عن الإستكثار.
1-286
1
والماء المالح يجب أن يشرب بالخل أو بالسكنجبين. ويجب أن يلقى فيه الخرنوب،
2
وحب الآس، والزعرور. والماء الشبى العفص يجب أن يشرب عليه كل ما يلين الطبيعة
3
والشراب إيضًا مما ينفع شربه عليه. والماء المر يستعمل عليه الدسومات والحلاوات،
4
ويمزج بالجلاب. وشرب ماء الحمص قبله، وقبل ما يشبهه، مما يدفع ضرره؛ وكذلك
5
أكل الحمص. واما القائم الأجمى الذى يصحبه عفونة، فيجب أن لا يطعم فيه الأغذية
6
الحارة. وأن يستعمل عليه القوابض من الفواكه الباردة، والبقول مثل السفرجل، والتفاح
7
والريباس. والمياه الغليظة الكدرة يتناول عليها الثوم. ومما يصفيها الشب اليمانى. ومما
8
يدفع فساد المياه المختلفة البصل؛ فانه ترياق لذلك، وخصوصًا البصل بالخل والثوم إيضًا.
9
ومن الأشياء الباردة الخس. ومن التدبير الجيد لمن ينتقل فى المياه المختلفة، أن
10
يستصحب من ماء بلده، فيمزج به الماء الذى يليه، وياخذ من ماء كل منزل للمنزل الذى يليه،
11
فيمزجه بما به، وكذلك يفعل حتى يبلغ مقصده. وكذلك إن استصب طين بلده، و
12
خلطه بكل ما يطرأ عليه، وخضخضه فيه، ثم تركه حتى يصفو. ويجب أن يشرب الماء
13
من وراء فدام، ليلا يجرع العلق بالغلط، ولا يزدرد الهشيم من الأخلاط الرديئة. واستصحاب
14
الربوب الحامضة، ليمزج بكل ماء من المختلفة، تدبير جيد.
15
|67rb58|الفصل الثامن فى تدبير راكب البحر
16
قد يعرض لراكب البحر أن يدور ويدار به، وأن يهيج به الغثيان والقىء. وذلك فى
17
الأيام الأوائل، ثم بهدأ ويسكن. ويجب أن لا يلح على غثيانه وقيئه بالحبس: بل يترك
18
حتى يقىء. فان أفرط فيه حبس حينئد. واما الإستعداد لئلا يعرض له القىء، فليس به
19
بأس؛ وذلك بأن يتناول من الفواكه مثل السفرجل، والتفاح، والرمان. وإذا شرب
20
بزر الكرفس، يمنع الغثيان أن يهيج بهم، وسكنه إذا هاج. والأفسنتين ايضًا كذلك.
21
ومما يمنعه أن يغذو بالحموضات المقوية لفم المعدة، المانعة من إرتفاع البخار إلى
22
الرأس؛ وذلك كالعدس بالخل، والحصرم، وقليل فوذنج، أو حاشا، أو الخبز المثرود
23
فى شراب ريحانى، أو فى ماء بارد، قد نقع فيه حاشا. ويجب أن يمسح أنفه بالإسفيذاج
24
داخل المنخرين.
1-287
1
|67va20|الفن الرابع
2
[فى تصنيف وجوه المعالجات بحسب
3
الامراض الكلية وهو احد وثلاثون فصلًا]
4
|67va22|الفصل الاول قول كلى فى العلاج
5
نقول: ان امر العلاج يتم من احد اشياء ثلاثة: احدها التدبير والتغذية، والآخر
6
استعمال الادوية، والثالث استعمال اعمال اليد. ونعنى بالتدبير التصرف فى الاسباب
7
الضرورية المعدودة، والتى هى جارية فى العادة. والغذاء من جملتها. واحكام التدبير
8
من جهة كيفيتها مناسبة لاحكام الادوية؛ لكن للغذاء من جملتها احكام تخصه فى باب
9
الكمية؛ لان الغذاء قد يمنع؛ وقد يقلل، وقد يعدل، وقد يزاد فيه. وانما يمنع الغذاء
10
عند إرادة الطبيب شغل الطبيعة بنضج الأخلاط . وانما يقلل اذا كان له مع ذلك غرض حفظ
11
القوة. فبما يغذو ويراعى جنبة القوة، وبما ينقص يراعى جنبة المادة؛ لئلا يشغل عنها
12
الطبيعة بهضم الغذاء الكثير. ويراعى دائمًا اهمهما ــ وهو القوة ــ ان كانت ضعيفة جدًا،
13
والمرض ان كان قويًا جدًا.
14
والغذاء يقلل من جهتين: إحداهما من جهة الكمية؛ والاخرى من جهة الكيفية.
15
ولك ان تجعل اجتماع الجهتين قسمًا ثالثًا. والفرق بين جهتى الكمية والكيفية انه قد يكون
16
غذاءً كثير الكمية، قليل التغذية، مثل البقول والفواكه؛ فان المستكثر منها يستكثر من
17
كمية الغذاء دون كيفيته. وقد يكون غذاء قليل الكمية، كثير التغذية، مثل البيض ومثل
18
خصى الديوك. ونحن ربما احتجنا الى ان نقلل الكيفية ونكثر الكمية. وذلك اذا
19
كانت الشهوة غالبة، وكان فى العروق اخلاط نية، فاردنا ان نسكن الشهوة بملأ المعدة،
20
وان نمنع العروق مادة كثيرة لينضج اولًا ما فيها، ولاغراض أخرى غير ذلك.
21
وربما احتجنا ان نكثر الكيفية ونقلل الكمية. وذلك اذا اردنا ان نقوى القوة،
22
وكانت الطبيعة الموكلة بالمعدة تضعف عن ان تزاول هضم شىء كثير. واكثر ما نتكلف
23
تقليل الغذاء ومنعه اذا كنا نعالج الامراض الحادة. واما فى الامراض المزمنة فانا قد
24
نقلل ايضًا؛ ولكن تقليلًا اقل من تقليلنا فى الامراض الحادة؛ لان عنايتنا بالقوة فى الامراض
1-288
1
المزمنة اكثر؛ لانا نعلم ان بحرانها بعيد ومنتهاها بعيد. فاذا لم تحفظ القوة لم تف بالثبات
2
الى وقت البحران، ولم تف بنضج ما يطول مدة انضاجه. واما الامراض الحادة
3
فان بحرانها قريب، فنرجو ان لا تخور القوة قبل انتهائها. فان خفنا ذلك لم نبالغ فى
4
تقليل الغذاء.
5
وكلما كان المرض فيها اقرب من المبتدأ، والاعراض اسكن، غذونا مقويين
6
للقوة. وكلما جعل المرض يأخذ فى التزيد، وياخذ الاعراض ايضًا فى التزيد، قللنا
7
التغذية ثقة بما اسلفناه؛ وتخفيفًا عن القوة وقت جهادها. وعند المنتهى نلطف التدبير
8
جدًا. وكلما كان المرض احد، وبحرانه اقرب، لطفنا التدبير اشد؛ الا ان تعرض اسباب
9
تمنعنا من ذلك، كما سنذكره فى الكتب الجزئية.
10
وللغذاء من جهة ما يغذى به فصلان آخران هما سرعة النفوذ، كحال الخمر،
11
وبطؤ النفوذ، كحال الشواء والقلايا؛ وايضًا ثخن قوام ما يتولد منه من الدم واستمساكه
12
كما يكون من حال غذاء لحم الخنازير والعجاجيل، او رقته وسرعة تحلله، كما
13
يكون من حال الغذاء الكائن من الشراب ومن التين. ونحن نحتاج الى الغذاء السريع النفوذ
14
اذا اردنا ان نتدارك سقوط القوة الحيوانية وننعشها، ولم تكن المدة والقوة تفى ريث
15
هضم الغذاء البطى الهضم. ونحن نتوقى الغذاء السريع الهضم اذا اتفق ان سبق غذاء بطىء
16
الهضم. فيخاف ان يختلط به، فيصير على النحو الذى سبق منا بيانه. ونحن نتوقى الغليظ
17
عن اتقائنا حدوث السدد؛ لكنا نوثر الغذاء القوى التغذية البطى الهضم لمن اردنا ان
18
نقويه، ونهيئه للرياضات القوية. ونوثر الغذاء السخيف لمن يعرض له تكاثف المسام
19
سريعًا.
20
واما المعالجة بالدواء فله ثلاثة قوانين: احدها قانون اختيار كيفيته، اى اختياره
21
حارًا، او باردًا، او رطبًا، او يابسًا. والثانى قانون اختيار كميته، وهذا القانون ينقسم
22
الى قانون تقدير وزنه، والى قانون تقدير كيفيته، اى درجة حرارته وبرودته وغير ذلك.
23
والثالث قانون ترتيب وقته.
24
اما اختيار كيفيته الدواء على الاطلاق، فانما يهتدى اليه بالوقوف على نوع المرض؛
25
فانما اذا عرف كيفية المرض وجب ان يختار من الدواء ما يضاده فى كيفيته؛ فان المرض
26
يعالج بالضد، والصحة تحفظ بالشكل. واما تقدير كميته من الوجهين جميعًا، فيعرف
27
على سبيل الحدس الصناعى من طبيعة العضو، ومن مقدار المرض، ومن الاشياء
28
التى، تدل بموافقتها وملايمتها التى هى: الجنس، والسن، والعادة، والفصل، والبلد،
29
والصناعة، والقوة، والسحنة.
1-289
1
ومعرفة طبيعة العضو يتضمن معرفة امور اربعة: مزاج العضو وخلقة ووضعه
2
وقوته. اما مزاج العضو فانه اذا عرف مزاجه الطبيعى، وعرف مزاجه المرضى،
3
فيعرف تقدير ما يرده اليه. مثاله ان كان المزاج الصحى باردًا، والمرض حارًا، فقد
4
بعد عن مزاجه بعدًا كثيرًا؛ فيحتاج الى تبريد كثير. وان كان كلاهما حارين، كفى
5
الخطب فيه بتبريد يسير.
6
واما من جهة خلقة العضو: فقد قلنا ان الخلقة على كم معنى تشتمل، فتامل
7
من هناك. ثم اعلم ان من الاعضاء ما هو فى خلقته سهل المنافذ، وفى داخله او خارجه
8
موضع خال؛ فيندفع عنه الفضل بدواء لطيف معتدل. ومنها ما ليس كذلك، فيحتاج الى دواء
9
قوى. وكذلك بعضها متخلخل، وبعضها متكاثف. والمتخلخل يكفيه الدواء اللطيف،
10
والكثيف يحتاج الى دواء قوى. فاكثر الاعضاء حاجة الى الدواء القوى ما ليس له تجويف،
11
ولا من احد الجانبين، [ولا فضاء؛ ثم الذى له ذلك من جانب واحد؛ ثم الذى له فضاء من
12
الجانبين] لكنه ملزز كثيف كالكلية؛ ثم الذى له تجويف من الجانبين، وهو سخيف
13
كالئة.
14
واما من وضع العضو والوضع يقتضى كما تعلم اما موضعًا، واما مشاركة.
15
والانتفاع به من علم المشاركة اخصه باختيارك جهة جذب الدواء وامالته اليه. مثاله
16
انه اذا كانت المادة فى حدبة الكبد، استفرغتها بالبول؛ وان كانت فى تقعير الكبد،
17
استفرغتها بالاسهال؛ لان حدبة الكبد مشاركة لاعضاء البول، وتقعيرها مشارك
18
للامعاء. واما الانتفاع به من جهة علم الموضع فمن وجوه ثلثة: احدها قربه وبعده.
19
فان كان قريبًا مثل المعدة، وصلت اليه الادوية المعتدلة وفعلت فيه؛ وان كان بعيدًا
20
كالرئه فان الادوية المعتدلة تفسد قواها قبل الوصول اليه، فيحتاج ان يزاد فى قواها.
21
والعضو القريب الذى يلقاه الدواء يجب ان يكون قوة الدواء بالقدر المقابل للعلة. فان
22
كان بينهما بعد وبون فهو الذى يحتاج الدواء فى ان ينفذ اليه الى قوة غائصة، فيحتاج
23
ان يكون قوة الدواء اكثر من المحتاج اليه، مثل الحال فى اضمدة عرق النساء وغيره.
24
والوجه الثانى ان يعرف ما الذى ينبغى ان يخلط بالادوية ليسرع ايصالها الى العضو.
25
كما يخلط بادوية اعضاء البول المدرات، وبادوية القلب الزعفران. والوجه الثالث
26
ان يعرف جهة ايصال الدواء اليه. مثلا، لانا اذا عرفنا ان القرحة فى الامعاء السفلى،
27
اوصلناه بالحقنة، او حدسنا بانها فى الامعاء العليا، اوصلناه بالشرب.
28
وقد ينتفع بمراعاة الموضع والمشاركة معًا، وذلك فيما ينبغى ان يفعله. والمادة
29
منصبة بتمامها الى العضو، وما ينبغى ان يفعله؛ والمادة بعد فى الانصباب. حتى ان
30
كانت فى الانصباب بعد جذبناها من موضعها بعد مراعاة شرائط اربعة: احداها
1-290
1
مخالفة الجهة. كما يجذب من اليمين الى اليسار ومن فوق الى تحت. والثانية مراعاة
2
المشاركة. كما يحبس الطمث بوضع المحاجم على الثديين جذبًا الى الشريك. والثالثة
3
مراعاة المحاذاة. كما يفصد فى علل الكبد من الباسليق الأيمن، وفى علل الطحال
4
الباسليق الأيسر. والرابع مراعاة التبعيد فى ذلك؛ لئلا يكون المجذوب اليه قريبًا جدًا
5
من المجذوب منه.
6
واما ان كانت المادة منصبة، فينتفع بالامرين من جهة، انا [إما ان] ناخذها
7
من العضو نفسه، او ننقلها الى العضو القريب المشارك، ونخرجها منه؛ كما نفصد
8
الصافن فى علل الرحم، والعرق الذى تحت اللسان فى علاج ورم اللوزتين. ومتى
9
اردت ان تحذب الى الخلاف فسكن اولًا وجع العضو المجذوب عنه، وانظر حتى
10
لا يكون المجاز على رئيس.
11
واما الانتفاع من جهة قوة العضو فمن طرق ثلثة: احدها مراعاة الرياسة والمبدأية،
12
فانا لا نخاطر على الاعضاء الرئيسة بالادوية القوية ما امكن؛ فنكون قد عممنا البدن
13
بالضرر. ولذلك لا نستفرغ من الدماغ والكبد، ما نحتاج ان نستفرغه منهما دفعة واحدة؛
14
ولا نبردهما تبريدًا شديدًا البتة. واذا ضمدنا الكبد بادوية محللة، لم نخلها من قابضة
15
طيبة الريح لحفظ القوة. وكذلك فيما نسقيه لاجلها. واولى الاعضاء بهذه المراعاة
16
القلب، ثم الدماغ والكبد.
17
والطريق الثانى مراعاة الفعل المشترك للعضو وان لم يكن رئيسًا مثل المعدة والرئة.
18
ولذلك لا نسقى فى الحميات مع ضعف المعدة ماءً باردًا شديد البرد. واعلم ان استعمال
19
المرخيات على الرئيسة وما يتلوها صرفة خطر جدًا فى الحياة.
20
والطريق الثالث مراعاة ذكاء الحس وكلاله، فان الاعضاء الذكية الحس العصبية
21
يجب ان تتوقى فيها استعمال الادوية الرديئة الكيفية، واللاذعة، والموذية، كالتيوعات
22
وغيرها عليها.
23
والادوية التى يتحاشى عن استعمالها ثلثة اصناف: المحللات، والمبردات
24
بالقوة، والتى لها كيفيات مخالفة كالزنجار، واسفيذاج الرصاص، والنحاس المحرق،
25
وما اشبهها. فهذا هو تفصيل اختيار الدواء بسبب طبيعة العضو.
26
واما مقدار المرض فان الذى يكون مثلًا حرارته العرضية شديدة، فيحتاج الى ان
27
نطفيها بدواء اشد تبريدًا والذى برودته العرضية شديدة، فيحتاج الى ان نسخنها بدواء
28
اشد تسخينًا، واذا لم تكونا قويتين، اكتفينا بدواء اقل قوة.
1-291
1
واما من وقت المرض فبان تعرف ان المرض فى اى وقت من اوقاته، مثلًا
2
الورم ان كان فى الابتداء استعملنا عليه ما يردع وحده، وان كان فى الانحطاط استعملنا
3
ما يحلل وحده، واما فى ما بين ذينك فتخلطهما جميعًا. وان كان المرض حادًا فى
4
الابتداء لطفنا التدبير تلطيفًا معتدلًا؛ وان كان الى المنتهى بالغنا فى التلطيف. وان كان
5
مزمنًا لم نلطف فى الابتداء ذلك التلطيف؛ ولطفنا تلطيفًا معتدلًا عند الانتهاء. على
6
ان كثيرًا من الامراض المزمنة غير الحميات يحللها التدبير الملطف. وايضًا ان كان
7
المرض كثير المادة هائجها، استفرغنا فى الابتداء ولم ننتظر النضج؛ وان كان معتدلًا
8
انضجنا ثم استفرغنا.
9
واما الاستدلال من الاشياء التى تدل بملائمتها، فهو سهل عليك تعرفه. والهواء
10
من جملتها اولى ما يجب ان يراعى امره، وهل هو معين للدواء او للمريض. ونقول: ان
11
ان الامراض التى يكون فيها خطر، ولا يومن فوت القوة مع تاخر الواجب، او التخفيف
12
فيه، فالواجب ان يبدأ فيها بالعلاج القوى اولًا؛ والتى لا خطر فيها يتدرج الى الاقوى
13
ان لم يغن الاخف. واياك ان تهرب عن الصواب؛ لان تاثيرة يتاخر، وان تقيم على
14
الغلط؛ لان ضرره لا يتبين. ومع ذلك فليس يجب ان تقيم على علاج واحد بدواء واحد،
15
بل تبدل الادوية؛ فان المالوف لا ينفعل عنه. ولكل بدن، بل لكل عضو، بل للبدن
16
الواحد والعضو الواحد فى وقت دون وقت خاصية فى الانفعال عن دواء دون دواء.
17
واذا اشكلت العلة فخل بينها وبين الطبيعة ولا تستعجل؛ فان الطبيعة اما ان تقهر؛
18
العلة، واما ان تظهر العلة. واذا اجتمع مرض مع وجع، اوسببه وجع، او موجب وجع،
19
كالضربة والسقطة، فابدأ بتسكين الوجع. فان احتجت الى التخدير فلا تجاوز مثل
20
الخشخاش؛ فانه مع تخديره مالوف ماكول. واذا بليت بشدة حس العضو، فاغذه بما
21
يغلظ الدم جدًا كالهرائس، وان لم تخف التبريد، فاغذ بالمبردات كالخس
22
ونحوه.
23
واعلم ان من المعالجات الجيدة الناجعة، الاستعانة بما يقوى القوى النفسانية
24
والحيوانية، كالفرح، ولقاء ما يستانس به، وملازمة من يسر به. وربما نفعت ملازمة
25
المحتشمين، ومن يستحيى منه؛ فمنعت المريض عن اشياء تضره. ومما يقارب هذا الصنف
26
من المعالجات: الانتقال من بلد الى بلد، ومن هواء الى هواء، والانتقال من هيئة
27
الى هيئة. وتكلف هيئة وحركات يستوى بها عضو، او يتغير بها مزاج، مثل ما يكلف
28
الصبى الاحول من النظر الشزر الى شىء يلوح له، ومثل ما يكلف صاحب القوة من
29
النظر فى المراة الصينية؛ فان ذلك ادعى له ان يكلف تسوية وجهه وعينيه، فربما عاد
30
بالتكلف الى الصلاح. ومما يحب ان يحفظ من القوانين ان تترك المعالجات
1-292
1
القوية فى الفصول القوية ما استطعت، مثل الاسهال القوى، والكى، والبط، والقىء
2
فى الصيف والشتاء.
3
ومن الامور التى يحتاج فى علاجها الى نظر دقيق ان يجتمع فى مرض واحد
4
استحقاقان متضادان، فيستحق المرض مثلًا تبريدًا، وسببه تسخينًا؛ مثل ما يقتضى الحمى
5
تبريدًا، والسدة التى تكون سببًا للحمى تسخينًا؛ او بالعكس. وكذلك ان استحق المرض
6
مثلا تسخينًا، وعرضه تبريدًا؛ مثل ما يستحق مادة القولنج تسخينًا وتقطيعًا، ويستحق
7
شدة وجعه تبريدًا وتخديرًا، وبالعكس. واعلم انه ليس كل امتلاء وكل سوء مزاج يعالج
8
بالضد، من الاستفراغ والمقابلة؛ بل كثيرًا ما يكفى حسن التدبير المهم فى الامتلاء
9
وسوء المزاج.
10
|68vb44|الفصل الثانى فى معالجات امراض سوء المزاج
11
اما ما كان منه بلا مادة فانا نبدل المزاج فقط؛ وان كان مع مادة فانا نستفرغ.
12
فربما كفانا الاستفراغ وحده ان لم يتخلف عنه سوء المزاج لتمكنه السالف؛ وربما
13
لم يكفنا ذلك ان خلفت سوء المزاج بعد، بل نحتاج الى تبديل المزاج بعد الفراغ من
14
الاستفراغ. فنقول ان معالجة سوء المزاج اصناف ثلثة: لان سوء المزاج اما ان يكون
15
مستحكمًا؛ فيكون علاجه بالضد على الاطلاق. وهذا هو المداواة المطلقة. وإما
16
ان يكون فى حد الكون؛ واصلاحه بالمداواة مع التقدم بالحفظ يمنع السبب. ومنه ما يريد
17
ان يكون؛ ونحتاج فيه الى منع السبب فقط؛ ويسمى التقدم بالحفظ. مثال المداواة
18
معالجة عفونة حمى الربع بالترياق، وسقى الماء البارد فى الغب ليطفى. ومثال
19
المداواة مع التقدم بالحفظ الاستفراغ فى الربع بالخربق، وفى الغب بالسقمونيا اذا
20
اردنا بذلك ان نمنع ابتداء نوبة تقع. ومثال التقدم بالحفظ مفردًا استفراغ المستعد
21
لحمى الربع لغلبة السوداء بالخربق، ولحمى الغب لغلبة الصفراء بالسقمونيا. واذا
22
اشكل عليك شىء من الامراض <هل> سببه حر او برد، وأردت ان تجرب، فلا تجربن
23
بمفرط؛ وانظر كى لا يغرك التاثير الذى بالعرض.
24
واعلم ان التبريد والتسخين مدتهما سواء؛ لكن الخطر فى التبريد اكثر؛ لان
25
الحرارة صديقة الطبيعة. وان الخطر فى الترطيب والتيبيس سواء، لكن مدة الترطيب
26
اطول. والرطوبة واليبوسة كل واحدة منهما تحفظ بتقوية اسبابها وتبدل بتقوية اسباب
27
ضدها. والحرارة تقوى بالاسباب التى فرغنا عن ذكرها؛ ثم بالمنعشات، وهو نفض
28
الفصل والامتلاء، وتفتيح السدد، ثم بما يحفظها وهو الرطوبة المعتدلة. والبرودة
1-293
1
تقوى بتقوية اسبابها؛ وبخنق الحرارة؛ وبما يفرط تحليلها؛ وهو اليبوسة بالذات، والحرازة،
2
بالعرض.
3
والمعالج لفرط الحرارة بتفتيح السدد، ينبغى ان يتوقى التبريد المفرط، لئلا
4
يزيد فى تحجير السدد، فيزيد فى سوء المزاج الحار؛ بل ينبغى ان يرفق، فيعالج
5
اولًا بما يجلو؛ فان كفى جال مبرد كماء الشعير وماء الهندباء فبها ونعمت؛ وان لم يقنع
6
ذلك فيما يكون معتدلًا؛ فان لم يقنع فبما فيه حرارة لطيفة لا نبالى من ذلك؛ فان نفع تفتيحه
7
فى التبريد اكثر من ضرر تسخينه، السهل التطفية بعد التفتيح. وربما منع فرط التطفية
8
من نضج الاخلاط الحادة وان كان بعض الناس مصرًا على ابطال هذا الرائى؛ وليس
9
يدرى ان التطفية القوية تسقط القوة، ولا سيما التى ضعفت بالمرض وان كان يصلح
10
من المادة فضل اصلاح، فانه قد يعقب امراضًا اخرى اما من سوء مزاج بارد مفرد،
11
واما مع مواد مضادة ''للمزاج الذى اصلحه". وأما تسخين المزاج البارد فكانه
12
صعب اذا كان قد استحكم، وغاية فى السهولة فى الابتداء. وبالجملة فان تسخين
13
البارد. فى ابتداء الامر اسهل من تبريد السخين [فى الابتداء؛ ولكن تبريد السخين]
14
فى الانتهاء، وان كان صعبًا اسهل من تسخين البارد فى الانتهاء؛ لان البرودة البالغة
15
هى موت من الغريزة، او مساوقة له.
16
واعلم ان التبريد قد يقارن التيبيس، وقد يقارن الترطيب، وقد يخلو عنهما.
17
والتيبيس اشد اثباتًا للبرودة التى حدثت، والترطيب اشد جلبًا للبرودة المستحدث. وقد
18
يعين فى التيبيس جميع اسباب الحرارة اذا افرطت؛ وقد يعين فى الترطيب جميع اسباب
19
البرودة اذا افرطت. ولا يبلغ فيه شىء مبلغ الدعة، والاستحمام الدائم الخفيف،
20
وآلابزن، وقد عرفنا هذا فيما سلف. وشرب الممزوج قوى [فى] الترطيب. واعلم
21
ان الشيخ اذا احتاج الى تبريد وترطيب؛ فانه لا يكفيه من ذلك ما يرده الى الاعتدال،
22
بل ما يجاوز ذلك الى مزاجه البارد الرطب الذى وقع له؛ فانه وان كان عرضيًا فهو له
23
كالطبيعى.
24
ويجب ان تعلم انه كثيرًا ما يحوج فى تبديل مزاج ما الى ان يستعمل ما يقوى
25
ذلك المزاج مخلوطًا بما يضاده؛ مثل ما يحوج الى استعمال الخل مع الادوية المسخنة
26
لعضو ما، حتى تغوص قوتها؛ ومثل ما يحوج الى استعمال الزعفران فى الادوية المبردة
27
للقلب ليوصلها اليه . وكثيرًا ما يكون الدواء قوى التاثير فى تغيير المزاج، الا انه للطفه
28
لا يلبث ريث ما يفعل فعله؛ فيحتاج [الى] ان تخلط به شيئًا يكثفه ويحبسه وان كان
1-294
1
موجبًا لضد فعله؛ مثل ما يخلط بدهن البلسان الشمع وغيره، لحبسه على العضو مدة
2
يفعل فيها فعله.
3
|69rb36|الفصل الثالث فى انه كيف ومتى يجب ان يستفرغ
4
الاشياء التى تدل على صواب الحكم فى الاستفراغ عشرة: الامتلاء، والقوة
5
والمزاج، والاعراض الملائمة، مثل ان تكون الطبيعة التى تريد اسهالها، لم يعرض
6
لها اسهال؛ فان الاسهال على الاسهال خطر. والسحنة، والسن، والفصل، وحال
7
هواء البلد، وعادة الاستفراغ، والصناعة وهذه اذا كانت على ضد جهة دلالة
8
وتقتضى الاستفراغ، منعت من الاستفراغ. فالخلاء لا محالة يمنع عن الاستفراغ. و
9
كذلك ضعف اية قوة كانت من الثلاث. الا انا ربما آثرنا ضعف قوة ما على ضرر ترك
10
الاستفراغ وذلك فى القوى الحسية والحركية. او رجونا تدارك الامر الخطير ان
11
وقع، وذلك فى جميع القوى.
12
والمزاج الحار اليابس يمنع منه. والبارد الرطب العديم الحرارة، او ضعيفها،
13
يمنع منه ايضًا. واما الحار الرطب فيرخص فيه شديدًا. واما السحنة فان الافراط
14
فى القضافة والتخلخل يمنع منه خوفًا من تحلل القوة. ولذلك [فان] الواجب عليك
15
فى تدبير الضعيف النحيف، الكثير المرار فى الدم، ان تداويه، ولا تستفرغه، وتغذوه
16
بما يولد الدم الجيد، المائل الى البرودة والرطوبة. فربما اصلحت بذلك مزاج خلطه؛
17
وربما قوينه فيحتمل الاستفراغات. وكذلك يجب ان لا تقدم على استفراغ القليل الاكل
18
عادة ما وجدت عن استفراغه محيصًا. والسمن المفرط ايضًا يمنع منه خوفًا من استيلاء
19
البرد. وخوفًا من ان يضغط اللحم العروق ويطبقها اذا استخلاها، فتختنق الحرارة،
20
او يعصر الفضول الى الاحشاء.
21
والاعراض الردية ايضًا مثل الاستعداد للذرب والتشنج يمنع منه. والسن القاصر
22
عن تمام النشء، والمجاوز الى حد الذبول يمنع منه. والوقت القائظ والبارد جدًا يمنع منه.
23
والبلد الجنوبى الحار جدًا مما يحرم ذلك؛ فان اكثر المسهلات حارة، واجتماع حارين
24
غير محتمل؛ ولان القوى تكون فيه ضعيفة مسترخية؛ لان الحر الخارج يجذب المادة
25
الى خارج، والدواء يجذبها الى داخل، فتقع مجاذبة تودى الى تقاوم. والشمالى البارد
26
جدًا يمنع منه. وقلة عادة الاستفراغ يمنع منه. والصناعة الكثيرة الاستفراغ، كخدمة
27
الحمام، والحمالية يمنع منه؛ وبالجملة كل صناعة متعبة.
28
وينبغى ان تعلم ان الغرض فى كل استفراغ احد امور خمسة: استفراغ ما يجب
29
استفراغه. وتعقبه لا محالة راحة؛ الا ان يتعقبه اعياء الاوعية، او ثوران الحرارة، او
1-295
1
حمى يوم، او مرض آخر مما يلزم كسحج الاسهال للامعاء، اوتقريح الادرار للمثانة.
2
فهذا ــ وان نفع ــ فلا يحس بنفعه، بل ربما ادى فى الحال الى ان يزول العارض. والثانى
3
نامل جهة ميله كالغثيان ينقى بالقىء، والمغص بالاسهال. والثالث عضو مخرجة من جهة ميله
4
كالباسليق الايمن لعلل الكبد لا القيفال الايمن؛ فانه ــ وان اخطأ فى مثل هذا ــ ربما جلب
5
خطرًا. ويجب ان يكون عضو المخرج من المستفرغ منه؛ لئلا تميل المادة الى ما هو
6
اشرف. ويجب ان يكون مخرجه منه طبيعيًا كاعضاء البول لحدبة الكبد، والامعاء
7
لتقعيره.
8
وربما كان العضو الذى يندفع منه، هو العضو الذى يجب ان يستفرغ منه؛ لكن
9
به علة او مرض يخاف عليه من مرور الاخلاط به؛ فيحتاج ان يمال الى غيره مما هو
10
اصوب. وربما خيف عليه من غلبة الأخلاط مرض؛ مثل ما "يندفع" عن العين
11
الى الحلق، فربما خيف منه الخناق، فيجب ان يرفق فى مثله. والطبيعة قد تفعل مثل
12
هذا، فتستفرغ من غير جهة العادة، صيانة لذلك العضو عند ضعفه. وربما كان ما
13
تستفرغه الطبيعة من الجهة البعيدة المقابلة يبقى معها اشكال؛ مثل ما يندفع من الرأس
14
الى المقعدة، او الى الساق والقدم، فانه لا يعلم بالحقيقة كان من الدماغ كله، او من
15
بطن واحد.
16
والرابع وقت استفراغه. وجالينوس يجزم القول: بان الامراض المزمنة ينتظر
17
فيها النضج لا غير. وقد علمت النضج ما هو. وقبل الاستفراغ وبعد النضج، يجب
18
فيها ان يسقى من الملطفات، كماء الزوفاء، والحاشا، والبزور. واما فى الامراض الحادة
19
فالاصوب ايضًا انتظار النضج، وخصوصًا ان كانت ساكنة. واما ان كانت متحركة
20
فالبدار الى استفراغ المادة اولى؛ اذ ضرر حركتها اكثر من ضرر استفراغها قبل نضجها؛
21
وخصوصًا اذا كانت الاخلاط رقيقة؛ وخصوصًا اذا كانت فى تجاويف العروق، غير
22
مداخلة الاعضاء. واما اذا كان الخلط محصورًا فى عضو واحد فلا يحرك البتة، حتى
23
ينضج، ويحصل له القوام المعتدل على ما علمته فى موضعة. وكذلك ان لم نأمن ثبات
24
القوة الى وقت النضج استفرغناها؛ بعد احتياط منا فى معرفة رقتها وغلظها. [وان كانت
25
رقيقة، غير متشربة، او معتدلة، فتستفرغ. وان كانت] ثخينة غليظة، لم يجز [لك]
26
ان تحركها، الا بعد الترقيق. ويستدل على غلظها من تقدم تخم سالفة، و وجع تحت الشراشيف
27
ممددًا، وحدوث اورام فى الاحشاء ومن اوجب ما نراعيه فى مثل هذه الحال المنافذ
28
حتى لا تكون منسدة. وبعد هذا كله فلك ان تسهل قبل النضج.
29
والخامس تقدير ما يستفرغ. وهذا يحصل من النظر فى كمية المادة، ومن النظر
30
فى القوة، ومن النظر فى الاعراض التى يتخلف بعد الاستفراغ. فانها ان كان منها
1-296
1
عرض يتبعه استفراغ، نقص مما يراد استفراغه بقدر ما يقدر ان ذلك العرض الذى يتبعه
2
استفراغ يستدرك، كما يفعل فى التشنج الامتلائى]
3
واعلم ان استفراغ المادة وقلعها من موضعها يكون على وجهين: احدهما بالجذب
4
الى الخلاف البعيد؛ والآخر بالجذب الى الخلاف القريب. واولى اوقاته ان لا يكون
5
فى البدن امتلاء مفرط، ولا من المواد توجه. ولنفرض رجلًا يسيل من اعلى فمه دم كثير،
6
او امرأة يفرط سيلان بواسيرها، فنحن لا نخلو اما ان نستفرغ بامالته الى الخلاف القريب.
7
فيكون الواجب فى الاول امالة المادة الى الانف بالترعيف؛ وفى الثانى الى الرحم
8
بادرار الطمث. فان اردنا ان نحذب الى الخلاف البعيد، استفرغنا الدم الاول من العروق
9
والمواضع التى فى اسفل البدن؛ وفى الثانى من العروق والمواضع التى فى اعلى البدن.
10
والخلاف البعيد، لا يجب ان يباعد فى قطرين، بل فى قطر واحد، وهو القطر
11
الابعد؛ فانه وان كانت المادة فى الاعالى من اليمين، فلا تحذبها الى الاسافل من الشمال،
12
بل [اما] الى الاسافل من اليمين نفسه، وهو الاوجب؛ واما الى اليسار من العلو ان
13
كان بعيدًا عنه بعد المنكب عن المنكب، ولم يكن حاله كحال جانبى الراس،
14
فانه اذا كانت المادة فى يمين الراس اميلت الى الاسافل، لا الى يسار الراس. واذا
15
اردت ان تجذب مادة الى البعد فسكن وجع الموضع [المجذوب منه] اولًا، لتقل
16
مزاحمتة بالجذب؛ فان الوجع جذاب، واذا استعصى الى حيث تجذبه، فلا تعنف؛
17
فربما حركه التعنيف ورققه، ولم ينجذب، وصار اسرع ميلا الى الموضع الوجع.
18
وربما كفاك ان تجذب وان لم تستفرغ؛ فان الجذب نفسه يمنع توجهه الى العضو
19
وان لم تخرجه، فيكون الجذب نفسه يبلغ الغرض وان لم تستفرغ معه؛ بل اقتصرت
20
على مثل الشد للاعضاء المقابلة، او بالمحاجم، او بالادوية المحمرة، وبالجملة بما
21
يولم ايلامًا ما. واسهل المواد استفراغًا ما هو فى العروق، ثم ما فى الاعضاء والمفاصل؛
22
فانها قد يصعب اخراجها واستفراغها، ولا بد ان يخرج فى استفراغها معها غيرها. والمستفرغ
23
يجب ان لا يبادر الى تناول اغذية كثيرة ونية؛ فتجذبها الطبيعة غير مهضومة. فان اوجب
24
شىء من ذلك، فيجب ان يكون قليلًا قليلًا شيئًا بعب شئى؛ حتى يكون بالتدريج، ويكون
25
الداخل فى البدن مهضومًا جيدًا.
26
والفصد هو الاستفراغ الخاص بالاخلاط الزائدة بالسوية. واما الاستفراغ الخاص
27
بخلط يكثر وحده فى كميته، او يفسد فى كيفية فهو غير الفصد. وكل استفراغ افرط
28
فانه يحدث حمى فى الاكثر. ومن اورثه انقطاع اسهال كان معتاده علة، فمعاودة
1-297
1
ذلك الاستفراغ يبرئها فى الاكثر. مثل من اورثه انقطاع وسخ اذنه، او مخاط انفه
2
سدرًا، فان عودهما يذهب به.
3
واعلم ان ابقاء بقية من المادة التى تحتاج الى استفراغها، اقل غائلة من الاستقصاء
4
فى الاستفراغ والبلوغ به الى ان تخور القوة. فكثيرًا ما تحلل الطبيعة تلك البقية. وما
5
دلم الخلط من الجنس الذى ينبغى [ان يستفرغ]. والمريض يحتمله، فلا تخف من الافراط
6
وربما احتجت ان تستفرغ الى الغشى. ومن كانت قوته قوية، ومادة اخدطه الردية
7
كثيرة، فاستفرغه قليلًا قليلًا. وكذلك اذا كانت المادة شديدة التلحج، او شديدة الاختلاط
8
بالدم، فلا يمكن ان تستفرغ دفعة واحدة، كما يكون فى عرق النساء، وفى اوجاع المفاصل
9
المزمنة، وفى السرطان، والجرب المزمن، والدماميل المزمنة.
10
واعلم ان الاسهال يجذب من فوق، ويقلع من تحت. فهو موافق للجذبين المخالف
11
والموافق، وموافق ايضًا بعد استقرار المواد. فاذا كانت المواد من تحت، جذبها الى خلاف،
12
وقلعها ايضًا من حيث هى. والقئى يفعل الجذب والقلع بالعكس. والفصد يختلف
13
حاله بحسب المواضع التى يوخذ منها الدم على ما علمت. واقل الناس حاجتًا الى الاستفراغ
14
من كان جيد الغذاء، جيد الهضم. واصحاب البلدان الحارة قليلوا الحاجة الى الاستفراغ.
15
|70rb11|الفصل الرابع فى قوانين مشتركة للقىء والاسهال وكيفية جذب المسهل والمقيئى
16
يستحب لمن اراد ان يستسهل اويتقيأ ان يفرق طعامه؛ فيتناول قدر المبلغ الذى
17
يجتزى به فى كل يوم فى مرار؛ وان يجعلها اطعمة مختلفة، واشربة مختلفة ايضًا؛ فان
18
المعدة تعرض لها من هذه الحال ان تشتاق الى دفع ما فيها الى فوق والى تحت؛ فاما الطعام
19
الغير المختلف الغير المدخول به على طعام آخر؛ فان المعدة تشح به وتضن، وتقبض
20
عليه قبضًا شديدًا؛ وخصوصًا ان كان قليل المقدار. واما اللين الطبيعة، فلا ينبغى ان يفعل
21
شيئًا من ذلك. واعلم ان الحاجة الى القى والاسهال ونحوهما، غير واقعة بمن كان حسن
22
التدبير؛ فان حسن التدبير يحتاج الى ما هو اخف منهما. وربما كفاه المهم فيه الرياضة،
23
والدلك، والحمام. ثم ان امتلاء بدنه، فاكثر امتلاء مثله من اجود الاخلاط، اعنى من
24
الدم، فالفصد هوالمحتاج اليه فى تنقيته، دون الاسهال.
25
واذا اوجبت الضرورة فصدًا، واستفراغًا بمثل الخربق، وبالادوية القوية، فيجب
26
ان يبدأ بالفصد. هذا من وصايا البقراط فى كتاب ابيذيميا، وهو الحق. وكذلك اذا كانت
27
الاخلاط البلغمية مختلطة بالدم؛ ولكن اذا كانت الاخلاط لزجة باردة، فربما زادها الفصد
28
غلظًا ولزوجة؛ فالواجب ان يبدأ بالاسهال. وبالجملة ان كانت الاخلاط متساوية، قدم
1-298
1
الفصد. فان غلب بعد ذلك خلط استفرغ. وان كانت غير متساوية استفرغ اولًا الفضل،
2
حتى تتساوى، ثم يفصد. ومن قدم الدواء على الفصد، وكان ينبغى ان يقدم الفصد،
3
[فليؤخر الفصد] ايامًا قلائل. ومن كان قريب العهد [بالفصد]، واحتاج الى استفراغ، فشرب
4
الدواء اوفق له. وكثيرًا ما اوقع شرب الدواء ــ الواجب كان فيه الفصد فى ــ حمى واضطراب.
5
فان لم يسكن بالمسكنات، فليعلم انه كان يجب ان يقدم عليه الفصد.
6
وليس كل استفراغ يحتاج اليه لفرط الامتلاء؛ بل قد يدعو اليه عظم العلة، و
7
الامتلاء بحسب. الكيفية لا الكمية. وكثيرًا ما يغنى تحسين التدبيرعن الفصد الواجب فى
8
الوقت. وكثيرًا ما يدعو الداعى الى الاستفراغ، فيعارضه عائق؛ فلا يكون الحيلة فيه الا
9
الصوم والنوم، وتدارك سوء مزاج يوجبه الامتلاء ومن الاستفراغ ماهو على سبليل الاستظهار،
10
مثل ما يحتاج اليه من يعتاده النقرس او الصرع اوغير ذلك فى وقت معلوم، وخصوصًا فى الربيع؛
11
فيحتاج ان يستظهر قبل وقته، ويستفرغ الاستفراغ الذى يخص مرضه، كان فصدًا، او اسهالا.
12
وربما كان استعمال المجففات من خارج والادوية الناشفة استفراغًا، مثل ما يفعل باصحاب
13
الاستسقاء.
14
وقد يحوجك الامر الى استعمال دواء مجانس للخلط المستفرغ فى الكيفية؛
15
كالسقموينا عند حاجتك الى استفراغ الصفراء، الى ان يخلط به ما يخالفه فى الكيفية، و
16
يوافقه فى الاسهال، او لا يمنعه [عن] الاسهال كالهليلج، ويتدارك سوء مزاج ان حدث
17
عنه من بعد. واصحاب اورام الاحشاء فيصعب اسهالهم وقيئهم؛ وان اضطررت الى ذلك،
18
فاستعمل لهم مثل اللبلاب، والقرطم، والبسفائج، والخيارشنبر، ونحو ذلك. قال
19
البقراط: من كان قضيفًا سهل اجابة الطبيعة الى القىء، فالاولى فى تنقيته ان يستعمل
20
القئى. وان يكون ذلك فى صيف، او ربيع، او خريف، دون الشتاء. ومن كان معتدل
21
السحنة، فالاسهال اولى به. فان دعا الى استفراغه فالقىء داع، فلينتظر به الصيف،
22
ويتوقاه فى غير موضع الحاجة.
23
ويجب ان يتقدم قبل الاسهال والقىء بتلطيف الخلط الذى تريد استفراغه،
24
وتوسيع المجارى وفتحها؛ فان ذلك يريح البدن من التعب، واعلم ان تعويد الطبيعة
25
لينًا، واجابة الى ما يراد من الاسهال والقىء بسهولة، قبل استعمال الدواء القوى، من
26
احدى التدابير المفلحة. والاسهال والقىء مع هزال المراق صعب متعب وخطر. والدواء
27
المقيئ قد يعود مسهلًا. اذا كانت المعدة قوية. او شرب على شدة جوع، او كان
28
الشارب ذربًا، لين الطبيعة، اوغير معتاد للقىء، او كان الدواء ثقيل الجوهر سريع النزول.
1-299
1
والمسهل يصير مقيئًا. لضعف المعدة. او لشدة يبوسة الثفل، او لكون الدواء كريهًا،
2
كون صاحبه ذا تخم.
3
وكل دواء مسهل اذا لم يسهل، او اسهل غير نضيج، فانه يحرك الخلط الذى
4
يسهله وينشره فى البدن، فيستولى على البدن، ويستحيل اليه اخلاطًا اخرى، فيكثر
5
ذلك الخلط فى البدن. ومن الاخلاط ما هو اسرع اجابة الى القى فى اكثر الامر كالصفراء؛
6
ومنها ما هو مستعص على القى كالسوداء؛ ومنها ماله حال وحال كالبلغم. والمحموم
7
اسهاله اصوب من تقيئته. ومن كان خلطه نازلًا، مثل اصحاب زلق الامعاء، فتقيئهم
8
محال. وشر الادوية المسهلة ما هو مركب من ادوية شديدة الاختلاف فى زمان الاسهال،
9
فيضطرب الاسهال، ويسهل الاول قبل ان يسهل الثانى. وربما اسهل الاول نفس الثانى
10
ومن تعرض للاسهال والقى، وبدنه نقى، لم يكن له بد من دوار، ومغص، وكرب يلحقه،
11
فيكون ما يستفرغ يستفرغ بصعوبة جدًا.
12
وبالجملة الدواء ما دام يستفرغ الفضول فانه لا يكون معه اضطراب. فاذا اخذ
13
يضظرب فانما يستفرغ غير الفضل. واذا تغير الخلط المستفرغ بقىء او اسهال الى
14
خلط آخر، دل على نقاء البدن من الخلط المراد استفراغه. واذا تغير الى خراطة وشىء
15
اسود منتن، فهو ردى. والنوم اذا اشتد عقيب الاسهال والقىء، دل على ان الاستفراغ
16
نقى البدن تنقية بالغة [ونفع. واعلم ان العطش اذا اشتد فى الاسهال والقىء دل على مبالغة]،
17
وبلوغ غاية وجودة تنقية.
18
واعلم ان الدواء المسهل يسهل ما يسهله، بقوة جاذبة تجذب ذلك الخلط نفسه؛
19
فربما جذب الغليظ وخلى الرقيق، كما يفعل المسهل للسوداء. وليس قول من يقول
20
انه يولد ما يجذبه، او انه يجذب الارق اولًا بشىء وجالينوس مع رايه هذا يطلق القول
21
بان المسهل الذى لا سمية فيه اذا لم يسهل واستمر، ولد الخلط الذى يجذبه؛ وليس
22
هذا القول بسديد. ويظهر من حيث تحققه جالينوس: انه يرى ان بين الجاذب الدوائى
23
والمجذوب الخلطى، مشاكلة فى الجوهر[ و] لذلك يجذب، وهذا غير صحيح. ولو
24
كان الجذب بالمشاكلة لوجب ان يكون الحديد يجذب الحديد اذا غلبه، والذهب يجذب
25
الذهب اذا غلبه بمقداره. لكن الاستقصاء فى هذا الى غير الطبيب.
26
واعلم ان انجذاب الاخلاط فى شرب المسهل والمقيئ انما هو فى الطرق التى
27
اندفعت فيها. حتى تحصل فى الامعاء والمعدة، وهنالك تتحرك الطبيعة الى دفعها الى
28
خارج. وقلما يتفق لها [عن شرب المسهل] أن تصعد الى المعدة، فان تصعدت،
29
مالت الى القئ. وانما لا يصعد الى المعدة لشيئين: احدهما ان الدواء المسهل سريع
30
النفوذ الى الامعاء. والثانى ان الطبيعة عند شرب المسهل يستعجل فى دفعها عن اوردة
1-300
1
ماساريقا الى تحت والى اسفل، لا الى فوق؛ فان ذلك اقرب واسهل. ولان ما خلفها
2
يزاحمها ايضًا، وذلك مما يحرك الطبيعة الى الدفع من اقرب الطرق. وان كان للدواء
3
قوة جاذبة، تلزم الخلط، لكن قوة الطبيعة الدافعة اولى ان تغلب فى الصحيح القوى.
4
على ان الدواء انما يجذبها الى طريق معين. لكن حال الدواء المقىء بخلاف هذا؛ فانه
5
اذا كان فى المعدة وقف فيها، وجذب الخلط الى نفسه من الامعاء، وقيأ بقوته، و
6
مقاومة القوة الطبيعية.
7
ويجب ان تعلم ان اكثر انجذاب الاخلاط بجذب الادوية انما هو من العروق؛
8
الا ما كان شديد المجاورة، فينجذب منه فى العروق وغير العروق؛ مثل الاخلاط التى
9
فى الرئة، فانها تنجذب من طريق المجاورة الى المعدة والامعاء وان لم تسلك العروق.
10
واعلم ان كثيرًا ما يكون النشف من الادوية اليابسة سببًا لاستفراغ رطوبات من البدن
11
كما فى الاستسقاء.
12
|71ra20|الفصل الخامس الكلام فى الاسهال وقوانينه
13
قد سلف منا الكلام فى وجوب اعداد البدن قبل الدواء المسهل لقبول المسهل،
14
وتوسيع المسام، وتليين الطبيعة؛ وخصوصًا فى العلل الباردة. وبالجملة لين الطبيعة
15
قبل الاسهال قانون جيد، فيه امان. الا فيمن هو شديد الاستعداد للذرب، فان هذا
16
لا يجب ان يفعل به شىء من هذا، فانه يكون سببًا لافراط يقع به. ومثل هذا يجب
17
ان يخلط بمسهله ماله قوة مقيئة، لئلا يستعجل فى النزول عن المعدة قبل ان يفعل فعله؛
18
بل ان يتعدل فيه قوتا الدوائين، فيفعل المسهل فعله، ويفعل المقيئ فعله فى عكس
19
هذه الحالة. واللثغ من المستعدين للذرب، فلا يتحملون دواءً قويًا. واكثر ذربهم من
20
نوازل رؤسهم. ومن المخاطرة ان يشرب المسهل وفى المعاء ثفل يابس. بل يجب
21
ان يخرجه، ولوبحقنة، او بمرقة مزلقة.
22
واستعمال الحمام قبل الدواء المسهل ايامًا ملطف؛ وهو من المعدات الجيدة،
23
الا ان يمنع مانع. ويجب ان يكون بين الحمام وبين شرب الدواء زمان يسير. ولا يدخل
24
الحمام بعد الدواء؛ فانه يجذب المادة الى خارج. وانما يصلح لحبس الاسهال؛ اللهم
25
الا فى الشتاء، فلا باس بان يدخل البيت الاول من الحمام بحيث لا تكون حرارته مقتدرة
26
على الجذب البتة، بل على التليين. وبالجملة فان هواء من يشرب الدواء يجب ان يكون
27
الى حرارة يسيرة، لا يعرق ولا يكرب؛ فان ذلك من المعدات. والدلك والتمريخ بالدهن قبل
1-301
1
ذلك من المعدات ايضًا. ومن لم يعتد الدواء ولم يشربه، فالاولى بالطبيب ان
2
يتوقف عن سقيه المسهلات ذوات القوة.
3
واما صاحب التخم، والاخلاط اللزجة، والتمدد فى الشراسيف، ومن فى
4
احشائه التهاب وصدد، فلا يجب ان يسقى شيئًا، حتى يصلح ذلك بالاغذية الملينة،
5
وبالحمام والراحة، وترك ما يحرك ويلهب. واللذين يشربون المياه القائمة، والمطحولون،
6
فانهم يحتاجون الى ادوية قوية. واذا شرب انسان المسهل، فالاولى به. ان كان
7
دواءه قويًا ان ينام عليه قبل عمله؛ فانه يعمل اجود. وان كان ضعيفًا، فالاولى ان
8
لا ينام عليه، فان الطبيعة تهضم الدواء. واذا اخذ الدواء يعمل، فالاولى به ان لا ينام
9
عليه، كيف كان. ولا يجب ان يتحرك على الدواء كما يشرب، بل يسكن عليه، ليشتمل
10
عليه الطبع، فيعمل فيه؛ فان الطبع ما لم يعمل فيه، لم يعمل هو فى الطبع. ولكن يجب
11
ان يتشمم الروائح، المانعة للغثيان، مثل رائحة النعناع، والسذاب، والكرسف، والسفرجل،
12
والطين الخراسانى، مرشوشًا بماء الورد وقليل خل. فان نفر عند الشرب عن رائحة
13
الدواء، سد منخريه. ويجب ان يمضغ العائف للدواء شيئًا، مثل الطرخون، حتى تخدر
14
قوة فمه. وان خاف القذف شد الاطراف، فاذا شرب تناول عليه قابضًا.
15
والاطباء قد يلوثون لهم الحب بالعسل، وقد يجرون عليه العسل مقومًا، او سكرًا
16
مقومًا حتى يكسونه منه قميصًا. ومما هو حيلة جيدة ان يمسح بالقيروطى. ومما هو غاية
17
جدأً ان يملأ الفم ماء او شيئًا آخر، ثم شرب عليه الحب كما هو، او معمولا به بعض الحيل،
18
فبلغ الجميع من غير ان يظهر اثرالدواء. ويجب ان يشرب المطبوخ فاترًا، ويشرب الحب
19
فى ماء فاتر. ويجب ان يسخن معدة الشارب وقدمه. فاذا سكنت منه النفس، نهض
20
فتحرك يسيرًا يسيرًا؛ فان هذه الحركة معينة. ويتجرع وقتًا بعد وقت من الماء الحار بقدر
21
ما لا يسهل الدواء ويخرجه، ويكسر قوته؛ الا فى وقت الحاجة الى قطع الاسهال. وفى
22
وفى تجرع الماء الحار ايضًا كسر من عادية الدواء. ومن اراد ان يشرب دواء. وهو حار المزاج،
23
ضعيف التركيب، ضعيف المعدة، فالاولى به ان يتناوله، وقد شرب قبله مثل ماء الشعير، ومثل
24
ماء الرمان؛ وحصل فى المعدة فى الجملة غذاء لطيفًا خفيفًا. ومن لم يكن كذلك،
25
فالاولى ان يشرب على الريق. واكثر من يسهل فى القيظ يحم.
26
ويجب على شارب الدواء ان لا ياكل ولا يشرب، حتى يفرغ الدواء من عمله، وان
27
لا ينام على اسهاله ايضًا؛ الا ان يريد القطع. فان لم يحتمل معدته ان لا ياكل؛ لان
28
معدته مرارية سريعة انصباب المرة اليها، او لانه قد اطال الاحتماء والجوع، اعطى
29
خبزًا منقوعًا فى شراب قليل، يعطاه على الدواء قبل الاسهال. وهذا مما ربما اعان
30
[على] الدواء. ويجب ان لا يغسل المقعدة بماء بارد، بل بماء حاد. قالوا والحبوب
1-302
1
التى يجب ان يسقى فى المطبوخات يجب ان يسقى فى طبيخ يجانسها؛ فان الحب
2
المسهل للصفراء يجب ان يسقى فى طبيخ مثل الشاهترج، مثلا؛ والمسهل للسوداء فى
3
طبيخ مثل الافثيمون، والبسبايج ونحوه؛ والذى يخرج البلغم فى طبيخ مثل قنطوريون.
4
واذا احتجت الى استفراغ بدن يابس، صلب اللحم بدواء قوى مثل الخربق و
5
نحوه، فبالغ [قبل الاستفراغ] فى ترطيبه بالاغذية الدسمة. وبالجملة فان الادوية
6
القوية شديدة الخطر؛ اعنى مثل الخربق؛ فانه يشنج البدن النقى، ويحرك رطوبة
7
البدن الممتلى [رطوبة] تحريكا خانقًا، ويجلب الى الاحشاء ما يعسر دفعه. واليتوعات
8
السمية كالمازيون والشبرم، يقطع مضرتها. اذا افرطت الماست ويعقل. وكثيرًا ما
9
يخلف الدواء رائحته فى المعدة، فيكون كانه باق فيها. ويكون دواءه سويق الشعير
10
لغسله، فهو اوفق السفوفات. واذا طالت المدة، ولم ياخذ الدواء فى الاسهال، فان
11
امكنه ان يخفف ولا يحرك شيئا فعل. وان خاف شيئًا فمن الصواب ان يتجرع ماء
12
العسل، اوشرابه، اوماء [قد] ديف فيه نطرون، او يحتمل فتيلة، او حقنة.
13
ومن اسباب تقصير الدواء ضيق المجارى خلقة، او لمزاج، اولمجاورة علة؛
14
فان اصحاب الفالج والسكتة يضيق منهم مجارى الادوية الى موادها، فيضعف اسهالهم.
15
واما جمع مسهلين فى يوم واحد فهو خطر، وخارج عن الصواب. وكل دواء خاص
16
بخلط، فانه ان لم يجده، شوش واسهل بعسر، وكذلك اذا وجده، مغمورًا فى اضداده.
17
وكل دواء فانه يسهل اولًا الخلط الذى يختص به؛ ثم الذى يليه فى الكثرة والقلة والرقة،
18
وعلى ذلك التدريج؛ الا الدم؛ فانه يؤخره، وتضن به الطبيعة. وجذب الخلط البعيد
19
صعب. ومن خاف كربًا وغثيانًا يعرض له بعد شرب الدواء، فالصواب ان يتقيأ قبل
20
شرب الدواء بثلثة ايام او يومين بمرقة الفجل، واكل الفجل. ويجب ان لا يكثر الملح
21
فى طعام من يريد ان يستسهل.
22
وكثيرًا ما يجلب الدواء كربًا، وغثيانًا، وغشيًا، وخفقانًا، ومغصًا، وخصوصًا
23
اذا لم يسهل، او عوق. فكثيرًا ما يحتاج الى قيئه. وكثيرًا ما يكفى الخطب فيه تناول
24
القوابض. وشرب ماء الشعير بعد الاستسهال، يدفع غائلة المسهل، ويغسل ما التزق
25
بالممار. ومن كان بارد المزاج غالبًا على اخلاط البلغم، فليتناول بعد الدواء وعمله
26
حرفًا مغسولا بماء حار مع زيت. وان كان حار المزاج، استعمل بزر قطونا بماء بارد،
27
ودهن بنفسج، وسكر طبرزد، او جلاب. والمعتدل المزاج بزر الكتان. ومن خاف
28
سحجًا تناول الطين الارمنى بماء الرمان. ويجب ان يكون استعمال ما ذكرناه بعد
29
الاسهال، والا قطعه. وكل شارب دواء يستعقب حمى فاوفق الاشياء له ماء الشعير واما السكنجبين
30
فساحج، ويجب ان يوخر الى يومين [او] ثلاثة، حتى يعود الى الامعاء قوتها.
1-303
1
ويجب ان يدخل المستسهل فى اليوم الثانى الحمام. فان كان قد بقيت من
2
اخلاطه بقية، فان وجدته يستطيب الحمام ويستلذه، فذلك دليل على ان الحمام ينقيه
3
من الباقى فدعه. وانه وجدته لا يستلذه ويضجره فاخرجه. واعلم ان ضعيف المعاء ربما
4
استفاد من الأدوية المسهلة قوة مسهلة، فطال عليه الامر، واحتاج الى علاجات كثيرة
5
حتى يمسك. وكذلك المشايخ يخاف عليهم من الاسهال غوائله. واعلم ان شراب
6
النبيذ عقيب المسهلات يورث حميات واضطرابًا. وكثيرًا ما يعقب الاسهال والفصد
7
وجعًا فى الكبد، ويقلعه شرب الماء الحار.
8
واعلم ان وقت طلوع الشعرى، والبرد الشديد، ووقوع الثلج على الجبال،
9
ليس وقتًا للدواء، فليشرب الدواء ربيعًا او خريفًا. والربيع يستقبله الصيف، فلا يتناولن
10
فيه الا لطيفًا؛ واما الخريف فهو الوقت. ولا يجب ان تعود الطبيعة شرب الدواء كلما
11
احتاجت الى تليين. فيصير ذلك ديدنًا، ويوقع صاحبه فى شغل وخيم العاقبة. وكل
12
من كان يابس المزاج فانه ينهكه الدواء القوى. والدواء الضعيف يجب ان يقلل عليه
13
الحركة لئلا تتحلل قوته. ومن الادوية الضعيفة المباركة بنفسج وسكر. ومن احتاج
14
الى مسهل فى الشتاء فليرصد ريح الجنوب. وفى الصيف قال بعضهم بالعكس، وله
15
تفصيل. والمريض اذا احتاج الى مسهل ضعيف، فلم يعمل، فلا يجوز التحريك،
16
بل يترك. وكثيرًا ما يهيج الدم الاسهال فيحدث عنه الحمى، وربما كفاه الفصد.
17
|71vb57|الفصل السادس فى افراط المسهل ووقت قطعه
18
من العلامات التى يعرف بها وقت وجوب قطع الاسهال العطش. واذا ادام
19
الاسهال ولم يحدث عطش فلا يجب ان يخاف ان افراطًا وقع. لكن العطش قد
20
يعرض ايضًا لا لكثرة الاسهال وافراطه، بل بسبب حال المعدة؛ فانها اذا كانت حارة،
21
او يابسة، او كلتيهما عطشت بسرعة. وبسبب حال الدواء اذا كان حارًا لذاعًا. و
22
بسبب المادة فى نفسها اذا كانت حارة كالصفراء. وفى مثل هذه الاسباب لا يبعد ان
23
يجىء العطش مستعجلا، كما اذا اتفق اضداد هذه الاسباب، لم يبعد ان يجىء العطش
24
متأخرًا. وعلى كل حال فاذا رأيت العطش قد افرط، ورأيت الاسهال ليس بالقليل
25
فاحبس، وخصوصًا اذا لم تكن اسباب سرعة العطش وبداره. موجودة. وفى مثله
26
لا يجب ان يؤخر مع ظهور العطش. وربما كان خروج دليلًا على وقت القطع؛ ما يخرج فان
27
المستسهل للصفراء اذا راى الاسهال قد بلغ الى البلغم فاعلم انه قد افرط؛ فكيف اذا
28
انتهى الى اسهال السوداء. واما الدم فهو اعظم خطرًا واجل خطبًا. ومن اعقبه الدواء
29
مغصًا فليتامل ما قيل فى باب المغص.
1-304
1
|72ra27|الفصل السابع فى تلافى حال من افرط به الاسهال
2
الاسهال يفرط: اما لضعف العروق، او لسعة افواهها، او للذع المسهل لفوهاتها،
3
او لاكتساب البدن سوء مزاج منه ومما يجرى مجراه. فاذا افرط الاسهال، فاربط
4
الاطراف من فوق ومن اسفل، باديًا من الابط والأربية، نازلا منهما. واسقه من الترياق
5
قليلا، او من افلوينا. وعرقه ان امكنك بالحمام، او ببخار ماء حار تحت ثيابه، ويخرج
6
راسه منها. واذا كثر عرقهم جدًا، سقوا ودلكوا بالقوابض، واستعملوا اللخالخ الطيبة،
7
من مياه الرياحين، والصندل، والكافور، وعصارات الفواكه. ويجب ان تدلك اعضاءه
8
الخارجة، وتسخنها ولو بالمحاجم بالنار توضع تحت اضلاعه وبين الكتفين. فان احتجت
9
ان تضع على معدته وعلى احشائه، اضمده من السويق والمياه القابضة فعلت. وكذلك
10
من الادهان دهن السفرجل، ودهن المصطكى.
11
ويجب ان يجتنبوا الهواء البارد؛ فانه يعصرهم فيسهل، والحار ايضًا فانه يرخى
12
قوتهم. ويجب ان يقووا بالمشمومات الطيبة، ويجرعوا القوابض، والكعك فى
13
الشراب الريحانى؛ ويجب ان يكون ذلك حارًا، وقد قدم عليه خبز بماء الرمان. و
14
كذلك الاسوقة وقشور الخشخاش مسحوقة. ومما جرب ان يوخذ حب الرشاد وزن
15
ثلثة دراهم ويقلى، ثم يطبخ فى الدوغ حتى ينعقد؛ ويسقى؛ فانه غاية. ويجب ان يكون
16
غذاءه قابضًا مبردًا بالثلج، مثل ماء الحصرم ونحوه ومما يعين على حبس اسهالهم
17
تهيج القى بماء حار، وليوضع الاطراف ايضًا فيه؛ ولا تبردهم، وان غشى عليهم مثلا،
18
فامنعهم الشراب. وان لم ينجع جميع ذلك، استعملت فى آخر الامر المخدرات،
19
والمعالجات القوية المعلومة فى باب منع الاسهال. وبالحرى ان يكون الطبيب مستظهرًا
20
باعداد الاقراص، والسفوفات القابضة قبل الوقت، وان يكون مستظهرًا بالحقن وآلاتها.
21
|72rb14|الفصل الثامن فى من شرب الدواء ولم يسهله
22
اذا لم يسهل الدواء، وامغص، وشوش، واسدر، وصدع، واحدث تمطيًا و
23
تثاؤبًا، فيجب ان يفزع الى الحقنة والحمولات المعلومة، ويشرب من المصطكى ثلث
24
كزمات فى ماء فاتر. وربما اعمل الدواء شرب القوابض، وتناول مثل السفرجل و
25
التفاح عليه؛ لعصره لفم المعدة وما تحته، وتسكينه للغثيان، ورده الدواء من حركته
26
الى فوق نحو الاسفل، وتقويته للطبع. فان لم تنفع الحقنة، وحدثت اعراض ردية من
27
تمدد البدن، وجحوظ العين، وكانت الحركة الى فوق، فلا بد من فصد. واذا لم
1-305
1
يسهل الدواء، ولم يتبع ذلك اعراض ردية، فالصواب ايضًا ان يتبع بفصد، ولو بعد
2
يومين او ثلثة. فانه ان لم يفعل ذلك، خيف حركة الاخلاط الى بعض الاعضاء الرئيسة.
3
|72rb37|الفصل التاسع فى احوال الادوية المسهلة
4
من الادوية المسهلة ما غائلته عظيمة، مثل الخربق الاسود، ومثل التربد اذا
5
لم يكن [ابيض] جيدًا، بل كان من جنس الاصفر، ومثل الغاريقون اذا لم يكن
6
ابيض خالصًا، بل كان الى السواد، وكالمازريون؛ فان هذه الاشياء ردية. فان اتفق
7
شرب شىء من ذلك، وعرضت اعراض ردية، فالصواب ان يدفع الدواء عن البدن
8
ما امكن بقىء او احدار. وليعالج بالترياق. وكثير منها ما يدفع شره وافساده للنفس
9
بسقى الماء البارد جدًا، والجلوس فيه؛ كالتربد الاصفر والعفن. وبكل ما يكسر الحدة
10
ايضًا بتغرية، وتليين، ودسومة فيها غروية، فينفع من ذلك.
11
وقد يناسب بعض الادوية بعض الامزجة، ولا يناسب بعضها؛ فان السقمونيا
12
لا تعمل فى اهل البلدان الباردة، الا فعلًا ضعيفًا ما لم يستعمل منه مقدار كثير، كعادته فى
13
بلاد الترك. وربما احتيج فى بعض الابدان والبلاد الى ان لا يستعمل اجرام الادوية،
14
بل قواها. ومن الواجب ان يخلط بالادوية المسهلة الادوية العطرية، لتحفظ بها
15
قوى الاعضاء. والادوية القلبية حسنة الموقع من ذلك، لانها تقوى الروح الحيوانى
16
فى كل عضو، واكثرها معين بتلطيفه وتسييله. وقد يجتمع دواءان، احدهما سريع الاسهال
17
لخلطه، والآخر بطىء الاسهال؛ فيفرغ الاول من فعله، [قبل ابتداء الثانى فى فعله]
18
وقد يزاحم الثانى فى خلطه ايضًا مزاحمة ما بأن يفعل فيه ويكسر قوته. واذا ابتداء
19
الثانى بعده، كان ضعيف المنية، محركًا غير بالغ. فيجب ان يركب معه ما يستعمله
20
بسرعة، كالزنجبيل للتربد، فانه لا يدعه يتبلد الى حين. وذلك ان جودت الخلط بينهما.
21
ويجب ان تتأمل اصولًا بيناها فى قوى الادوية المسهلة، حيث تكلمنا فى اصول كلية
22
للادوية المفردة.
23
والدواء المسهل قد يسهل بالتحليل مع خاصيته كالتربد. وقد يسهل بالعصر مع
24
خاصيته كالهليلج. وقد يسهل بالتليين مع خاصيته كالشيرخشت. وقد يسهل بالازلاق
25
كلعاب بزرقطونا والاجاص. واكثر الادوية القوية فيها سمية ما، فتسهل على سبيل قسر
26
الطبيعة، فيجب ان تصلحها بما فيه فادزهرية. وقد يعين المرارة، والحرافة، والقبض،
27
والعفوصة، والحموضة كثيرًا على فعل الدواء، اذا وافقت خاصيته. فان المرارة والحرافة
1-306
1
تعينان على التحليل، والعفوصة على العصر، والحموضة على التقطيع، المعد للازلاق. ويجب
2
ان لا يجمع بين مزلق وعاصر على وجه يتكافأ فيه قوتاهما؛ بل يصلح فى مثله ان يتباطأ احدهما
3
عن الآخر، فيكون مثلا احد الدوائين ملينًا، يفعل فعله قبل فعل العاصر، ثم يلحق العاصر
4
فيسهل مالينه. وعلى هذا القياس.
5
|72va43|الفصل العاشر فيما يجب ان يطلب من هذا الباب فى كتب أخر
6
يجب ان يطلب من قراباديننا ادوية مسهلة وملينة، مشروبة، وملطوخة وغير ذلك
7
بحسب الاسنان. ويطلب فى الادوية المفردة اصلاح كل دواء من المفردة، وتداركه
8
وكيفية سقيه. والحبوب يجب ان يتناول، ولم يتحجر جفافًا، ولا يتناول ايضًا وهى طرية
9
لينه، لئلا تلحج وتشبث، بل كما تأخذ فى الجفاف، ويكون لها تطأمن تحت الاصابع.
10
|72va55|الفصل الحادى عشر فى القئى
11
ابعد الناس استحقاقًا لان يقيئه الطبيب: اما بسبب الطبيعة، فكل ضيق الصدر
12
ردى النفس، مهيأ لنفس الدم، وجميع دقيقى الرقاب، والمتهيئين لاورام تحدث فى
13
حلوقهم. والضعاف المعد، والسمان جدًا؛ فان هؤلآء انما يليق بهم الاسهال. والقضاف
14
اخلق بالقئى لصفراويتهم. واما بسبب العادة؛ فكل من يعسرعليه القئى، او لم يعتده.
15
وهؤلآء اذا قيئوا بالمقيئات القوية، لم تلبث عروقهم ان تنصدع فى اعضاء النفس، فيقعون
16
فى السل. ومن اشكل امره جرب بالمقيئات الخفيفة؛ فان سهل عليه جسر بعد ذلك على
17
استعمال القوية عليه كالخربق ونحوه.
18
فان كان ممن يجب ان لا يقيأ واحد، ولابد من تقييئه، فهيئه اولًا وعوده، ولين اغذيته،
19
ودسمها وحلها، وروحه عن الرياضات، ثم استعمله، واسقه الدسومات والادهان بشراب.
20
واطعمه قبل القذف اغذية جيدة، خصوصًا ان كان صعب القى؛ فانه ربما لم يتقيأ، وبخلت
21
الطبيعة؛ فان تبخل بالجيد خيرمن ان تبخل بالردى. واذا تقيأ بعد طعام اكله للقئى،
22
فليدافع بالاكل الى ان يشتد الجوع. ويسكن عطشه بمثل شراب التفاح، دون الماء، ودون
23
الجلاب والسكنجبين؛ فانهما يغثيان، وغذاؤه الملائم [له] ايضًا فروج كردناج، وثلاثة اقداح
24
بعده. ومن قذف حامضًا، ولم يكن له بمثله عهد، وكان فى نبضه يسير حمى، فيؤخر الغذاء
25
الى نصف النهار، وليشرب قبله ماء ورد حارًا.
26
ومن عرض له قئى السوداء [ودام به] فليوضع على معدته اسفنجة مشربة خلا
27
حادًا مسخنًا. والاجود ان يكون طعام القئى مختلفًا؛ فان الواحد ربما اشتملت عليه المعدة
28
ضانة برده. وبعد القئى الرطب ينتفع بالعصافير والنواهض، بعد ان لا يوكل عظام اطرافها؛
29
فانها ثقيلة بطيئة فى المعدة. وادخله الحمام. واما فى حال شرب المقيئى فيجب ان يحضروا،
1-307
1
ويرتاضوا، ويتعبوا، ثم يقيئوا. وذلك فى انتصاف النهار. ويجب عند التقيئة ان يغطى
2
عينيه برفادة ثم يشد، وبعصبة بطنه بقماط لين، شدًا معتدلًا.
3
والاشياء المهيئة للقئى: هى الجرجير، والفجل، والطريخ، والفوذنج الجبلى الطرى،
4
والبصل، والكراث، وماء الشعير بثفله مع العسل، وحسو الباقلى بحلاوة، والشراب الحلو،
5
واللوز بالعسل، وما يشبه البلكند من الخيز الفطير المعمول فى الدهن، والبطيخ، والقثاء و
6
بزورهما، او شئى من اصولهما منقوعة فى الماء مدقوقة مع حلاوة، والشورباج الفجلى.
7
ومن شرب شرابًا مسكرًا للقئى، فلا يتقيًا على قليله، بل ليشرب كثيرًا. والفقاع اذا
8
شرب بالعسل بعد الحمام قيأ واسهل. ومن اراد ان يتقيأ، فلا يجب ان يستعمل فى ذلك
9
القرب المضغ الشديد. فاذا سقى الانسان مقيئًا قويًا مثل الخريق، فيجب ان يسقى
10
على الريق ان لم يكن مانع؛ وبعد ساعتين من النهار، وبعد اخراج الثفل من الامعاء. فان
11
تقيأ بالريشة، وإلا حرك يسيرًا، والا ادخل الحمام. والريشة التى يتقيأ بها يجب ان يمسح
12
بمثل دهن الحناء فان عرض [له] تقطيع وكرب سقى ماء حارًا وزيتًا، فاما ان يقيئى، واما
13
ان يسهل. ومما يعين على ذلك تسخين المعدة والاطراف؛ فان ذلك يحدث الغثيان.
14
واذا اسرع الدواء المقيئى، فاخذ فى العمل بسرعة، فيجب ان يسكن المتقيى، "وينشق
15
الروائح" الطيبة، ويغمز اطرافه، ويسقى شئى من الخل، ويتناول التفاح والسفرجل مع
16
قليل مصطكى.
17
واعلم ان الحركة تجعل القىء اكثر، والسكون يجعله اقل. والصيف اولى زمان
18
يستعمل فيه القى، فان احتاج اليه من لا يواتى القئى سحنته، فالصيف اولى وقت يرخص
19
له فيه فى ذلك. والبعد غايات القى اما على سبيل التنقية الأولى، فالمعدة وحدها دون
20
الامعاء؛ واما على سبيل التنقية الثانية، فمن الراس وسائرالبدن. واما الجذب والقلع فمن
21
الأسافل.
22
وانت تعرف القى النافع من غيرالنافع بما يتبعه من الخفة، والشهوة الجيدة، والنفس
23
والنبض الجيدين؛ وكذلك حال سائر القوى. ويكون ابتداءه غثيًانا، واكثر ما يوذى معه لذع
24
شديد فى المعدة وحرقة ان كان الدواء قويًا مثل الخربق، وما يتخذ منه، [ثم] يبتدئى
25
بسيلان لعاب، ثم يتبعه قئى بلغم كثير دفعات؛ ثم يتبعه قئى شئى سيال بصاقى. ويكون
26
اللذع والوجع ثابتًا من غير ان يتعدى الى اعراض [اخرى] غير الغثيان وكربة؛ وربما استطلق
27
البطن. ثم ياخذ فى الساعة الرابعة يسكن ويميل الى الراحة.
28
وأما الردى فانه لا يجيب القى؛ ويعظم الكرب "ويحدث تمدد"؛ وجحوظ
29
عين، وشدة حمرة فيها شديدة؛ وعرق كثير؛ وانقطاع صوت. ومن عرض له هذا، ولم
1-308
1
يتدارك صار الى الموت. وتداركه بالحقنة، وسقى العسل، والماء الفاتر، والادهان
2
الترياقية كدهن السوسن، ويجتهد حتى يقى؛ فانه ان قاء لم يختنق. وافزع ايضًا الى حقنة
3
معدة عندك. واولى ما يستعمل فيه القئى الامراض المزمنة، كالاستسقاء، والصرع،
4
والمالنخوليا، والجذام، والنقرس، وعرق النساء. والقئى مع منافعه قد يجلب امراضًا، مثل ما
5
يجلب الطرش. ولا يجب ان يوصل به الفصد، بل يؤخر ثلاثة ايام، ولا سيما اذا كان فى
6
فم المعدة خلط وكثيرًا ما عسر القئى لرقة الخلط؛ فيجب ان يثخن بتناول سويق حب
7
الرمان.
8
واعلم ان القيام الفاسد بعد القى دليل على اندفاع تخمة الى اسفل؛ والقذف
9
بعد القيام دليل على انه من اعراض القيام. وافضل الاوقات للقئى صيفًا بسبب وجع
10
هو نصف النهار. والقئى نافع للخدر، ردى للبصر. والحبلى لا تقيأ؛ فان فضول حيضها
11
لا يندفع بذلك القئى، والتعب يوقعها فى اضطراب، فيجب ان يسكن؛ واما سائر من يعتر به
12
القئى فيجب ان يعان.
13
|73rb13|الفصل الثانى عشر فى ما يفعله من تقيأ
14
فاذا فرغ المتقيئى من قيئه غسل فمه ووجهه بعد القئى بخل ممزوج بماء، ليذهب
15
الثقل الذى ربما يعرض للرأس، وشرب شيئى من المصطكى بماء التفاح؛ ويمتنع عن
16
الاكل وعن شرب الماء، ويلزم الراحة؛ ويدهن شراسيفه؛ ويدخل الحمام ويغتسل بعجلة
17
ويخرج. فان كان لا بد من اطعامه فشئى لذيذ جيد الجوهر سريع الانهضام.
18
|73rb24|الفصل الثالث عشر فى منافع القئى
19
ان البقراط يامر ان يستعمل القى فى الشهر يومين متواليين، ليتدارك الثانى ماقصر،
20
وتعسر فى الاول، ويخرج ما يتجلب الى المعدة. وبقراط يضمن معه حفظ الصحة.
21
والاكثار من هذا ردى. ومثل القئ يستفرغ البلغم والمرة، وينقى المعدة؛ فانها ليس لها ما ينقيها،
22
مثل ما للامعاء من المرار الذى ينصب اليها وينقيها. ويذهب الثقل العارض فى الراس،
23
ويجلو البصر، ويدفع التخمة، وينفع من ينصب الى معدته مرار، يفسد طعامه. فاذا تقدمه
24
القى، ورد طعامه على نقاء ويذهب نفور المعدة عن الدسومة. وسقوط شهوتها الصحيحة،
25
واشتهائها للحريف والحامض والعفص.
26
وينفع من ترهل البدن، ومن القروح الكائنة فى الكلى والمثانة؛ وهو علاج قوى
27
للجذام، ولردأة اللون، وللصرع المعدى. ولليرقان، ولانتصاب النفس، والرعشة
28
والفالج. وهو من المعالجات الجيدة لاصحاب القوباء. ويجب ان يستعمل فى الشهر
1-309
1
مرة او مرتين على الامتلاء، من غير ان يحفظ دور معلوم وعدد ايام معلومة. واشد موافقة
2
القىء هو من مزاجه الاول مرارى قضيف.
3
|73rb54|الفصل الرابع عشر فى مضار القئى المفرط
4
القى المفرط يضر بالمعدة، ويضعفها، ويجعلها عرضة لتوجه الواد اليها. ويضر
5
بالصدر، والبصر، والاسنان، وباوجاع الرأس المزمنة؛ الا ما كان لمشاركة المعدة.
6
ويضر فى الصرع الرأسى، الذى ليس بسبب الاعضاء السفلى. والافراط منه يضر بالكبد،
7
والرئة، والعين، وربما صدع بعض العروق. ومن الناس من يحب ان يتملأ بسرعة،
8
ثم لا يحتمله فيفزع الى القئ. وهذا الصنيع مما يودى به الى امراض مزمنة ردية.
9
فيجب ان يمتنع عن الامتلاء، ويعدل طعامه وشرابه.
10
|73va11|الفصل الخامس عشرفى تدارك احوال تعرض للمتقيىء
11
اما امتناع القى فقد قلنا فيه ما وجب. واما التمدد والوجع اللذان يعرضان تحت
12
الشراسيف فينفع فيهما التكميد بالماء الحار، والادهان الملينة، والمحاجم بالنار. واما
13
اللذع الشديد الباقى فى المعدة فيدفعه شرب المرقة الدسمة السريعة الهضم، وتمريخ
14
الموضع بمثل دهن البنفسج مخلوطًا بدهن الخيرى مع قليل شمع. واما الفواق اذا
15
عرض معه ودام فيسكنه التعطيس، وتجريع الماء الحار قليلًا قليلًا. واما قئ الدم فقد
16
قلنا فيه فى باب مضار القىء. واما الكزاز، والامراض الباردة، والسبات، وانقطاع الصوت
17
العارضة بعده فينفع منها شد الاطراف وربطها، وتكميد المعدة بزيت قد طبخ فيه سذاب
18
وقثاء الحمار، ويسقى عسلًا وماءً حارًا. والمسبوت يستعمل له ذلك، ويصب فى اذنه.
19
|73va32|الفصل السادس عشر فى من افرط عليه القئى
20
[ينبغى ان] ينوم، ويجلب له النوم بكل حيلة، ولتربط اطرافه، كربطها فى
21
حبس الاسهال؛ وليعالج معدته بالاضمدة المقوية القابضة. فان افرط القىء واندفع
22
الى ان استفرغ الدم، فامنعه بسقى اللبن ممزوجًا به الخمر اربع قوطولات؛ فانه يوهن
23
عادية الدواء المقيئ، ويمنع الدم، ويلين الطبيعة. فان اردت ان تنقى نواحى الصدر
24
والمعدة من الدم مع ذلك، لئلا ينعقد فيها، فاسقه سكنجبينًا مبردا بالثلج قليلًا قليلًا.
25
وقد ينفع من ذلك شرب عصارة بقلة الحمقاء مع الطين الارمنى، اذا جرع من افرط
26
عليه دواء فقيأه. ويجب ان يطلب الأدوية المقيئة على طبقاتها، وكيف يجب ان
27
يسقى كل واحد منها، والخربق خاصة، من القراباذين ومن ادوية المفردة.
1-310
1
|73va54|الفصل السابع عشر فى الحقنة
2
الحقنة معالجة فاضلة فى نفض الفضول عن الامعاء، وتسكين اوجاع الكلى
3
والمثانة وأورامها، وفى امراض القولنج، وفى جذب الفضول عن الأعضاء الرئيسة
4
العالية؛ إلا أن الحادة منها تضعف الكبد وتورث الحمى. والحقن يستعان بها فى نفض
5
البقايا التى تخلفها الاستفراغات. واما صورة المحقنة، وكيفية الحقن فقد ذكرناها
6
فى باب القولنج. ولعل افضل اوضاع المحتقن ان يكون مستلقيًا، ثم يضطجع على
7
جانب الوجع. وافضل اوقات الحقنة برد الهواء، وهو الأبردان؛ ليقل الكرب
8
والاضطراب والغشى.
9
والحمام من شانه ان يثور الاخلاط ويفرقها، والحقنة من شرطها ان تجذب
10
الاخلاط المحتقنة، فلهذا لا يحس فى الاكثر ان يقدم الحمام على الحقنة. ومن كان
11
به عقر فى الامعاء واحتاج بسبب حمى، او مرض آخر الى الحقنة، وخاف ان لا يحتبس
12
الحقنة، فيجب ان يكم مقعدته، وسرته، وما حواليها بجاورس مسخن.
13
|73vb21|الفصل الثامن عشر فى الاطلية
14
ان الطلاء من المعالجات الواصلة الى نفس المرض. وربما كان للدواء قوتان:
15
لطيفة وكثيفة؛ والحاجة الى اللطيفة اكثر من الحاجة الى الكيثفة. فان كانت الكثافة منه
16
معدلة للطافة، فاذا استعمل ضمادًا، نفذت لطيفته واحتبست كثيفته، فانتفع بالنافذ، كما
17
يفعل الكزبرة بالسويق فى تضميد الخنازير بها. والأضمدة كالأطلية؛ إلا ان الاضمدة متماسكة،
18
والأطلية سيالة. وكثيرًا ما يكون استعمال الاطلية بالخرق. فاذا كانت على اعضاء رئيسة
19
كالكبد والقلب، ولم يكن مانع، نفعت الخرق المخبرة بالعود الخام، واعطيت قوى
20
الاطلية عطرية تستحبها الاعضاء الرئيسة.
21
|73vb40|الفصل التاسع عشر فى النطولات
22
ان النطولات علاجات جيدة لما يحتاج ان يحلل من الراس وغيره من الاعضاء؛
23
وما يحتاج الى ان يبدل مزاجه من الاعضاء المحتاجة الى التنطيل بالحار والبارد.
24
فان لم يكن هناك فضول منصبة، استعمل فيها اولًا النطول مسخنًا، ثم يستعمل الماء
25
البارد فيشتد. وان كان الامر بالخلاف، بدئى بالبارد.
26
|73vb49|الفصل العشرون فى الفصد
27
الفصد هو استفراغ كلى يستفرغ الكثرة. والكثرة هى تزايد الاخلاط على
28
تساو منها فى العروق. وانما ينبغى ان يفصد احد نفسين: احدهما المتهيئ لامراض
1-311
1
اذا كثر دمه وقع فيها؛ والآخر الواقع فيها. وكل واحد منهما اما ان يفصد لكثرة الدم،
2
واما ان يفصد لردأة الدم؛ واما ان يفصد لكليهما. والمتهيئ لهذه الامراض هو مثل المستعد
3
لعرق النساء، والنقرس الدموى، واوجاع المفاصل الدموية. والذى يعتريه نفث الدم
4
من صدع عرق فى ريقه رقيق الملتحم؛ وكلما كثر دمه انصدع. والمستعدون للصرع،
5
والسكتة، والمالنخوليا مع وفوردم، وللخوانيق؛ واورام الاحشاء، والرمد الحار، والمنقطع
6
عنهم دم بواسير، كان يسيل فى العادة، والمحتبس عنهن من النساء دم حيضهن؛ و
7
هذان لا يدل الوانهما على وجوب الفصد؛ لكمودتها وبياضها، وخضرتها. والذين
8
بهم ضعف فى الاعضاء الباطنة مع مزاج حار. فان هؤلآء الاصوب لهم ان يفتصدوا فى
9
الربيع وان لم يكونوا قد وقعوا فى هذه الامراض.
10
والذين يصيبهم ضربة اوسقطة قد يفصدون احتياطًا، لئلا يحدث بهم ورم.
11
ومن يكون به ورم، ويخاف انفجاره قبل النضج فانه يفصد وان لم يحتج اليه، ولم
12
يكن كثرة. ويجب ان تعلم ان هذه الامراض مادامت مخوفة، ولم يوقع فيها، فان
13
اباحة الفصد فيها اوسع. فان وقع فيها، فليترك فى اوائلها الفصد اصلًا، فانه يرقق
14
الفضول، ويجريها فى البدن، ويخلطها بالدم الصحيح؛ وربما لم يستفرغ من الدم
15
المحتاج اليه شيئًا، واحوج الى معاودات مجحفة. فاذا ظهر النضج، وجاوز المرض
16
الابتداء والانتهاء فحينئذ ان وجب الفصد، ولم يمنع مانع فصد. ولا تفصدن ولاتستفرغن
17
فى يوم حركة المرض؛ فانه يوم راحة، ويوم طلب النوم، وثوران العلة.
18
واذا كان المرض ذا بحرانات، فى مدته طول ما، فليس يجوز ان تستفرغ
19
دما كثيرًا اصلا؛ بل ان امكن ان يسكن فعل، وان لم يكن فلتفصد قليلًا، وليخلف فى
20
البدن عدة دم لفصد ان سنحت، وتحفظ القوة فى مقاومة البجرانات. واذا اشتكى فى
21
الشتاء بعيد العهد بالفصد تكسيرًا فليفصد، وليخلفن دمًا للعدة. والفصد لجذبه الى الخلاف
22
يحبس الطبيعة كثيرًا. واذا ضعفت القوة من الفصد الكثير، تولدت اخلاط كثيرة. والغشى
23
يعرض فى اول الفصد لمفاجأة غير المعتاد. وتقدم القى مما يمنعه. وكذلك القىء
24
وقت وقوعه.
25
واعلم ان الفصد مثير الى ان يسكن. والفصد والقولنج قلما يجتمعان. والحبلى
26
والطامث لا تفصدان؛ الا لضرورة عظيمة، مثل الحاجة الى حبس نفث الدم القوى
27
ان كانت القوة مواتية. ويجب ان تعلم انه ليس كلما ظهر علامات الامتلاء المذكورة
28
وجب الفصد. بل ربما كان الامتلاء من اخلاط نية، فكان الفصد ضارًا جدًا. فانك
29
ان فصدت لم ينضج، وخيف ان يهلك العليل. واما من تغلب عليه السوداء فلا باس
30
ان فصد، ثم استفرغ بالاسهال. بل عليك بمراعاة حال اللون على الشرط الذى سنذكره،
1-312
1
واعتبار التمدد؛ فان فشو التمدد فى البدن يفيد الحدس يقينية بوجوب الفصد واما
2
من يكون دمه المحمود قليلًا، وفى بدنه اخلاط ردية كثيرة، فان الفصد يسلبه الطيب،
3
ويخلف فيه الردى.
4
ومن كان دمه رديًا وقليلًا، او كان مائلًا الى عضو، يعظم ضرر ميله اليه، ولم
5
يكن بد من فصد، فيجب ان يوخذ دمه قليلًا، ثم يغذى بغذاء محمود، ثم يفصد كرة اخرى
6
فى ايام، ليخرج عنه الدم الردى، ويخلف الجيد. فان كانت الاخلاط الردية فيه
7
مرارية، احتيل فى استفراغها اولا بالاسهال اللطيف او القىء، او تسكينها، واجتهد فى
8
تسكين المريض وتوديعه. وان كانت غليظة فقد كانت القدماء يكلفونهم الاستحمام،
9
والمشى فى حوائجهم؛ وربما سقوهم قبل الفصد وبعده، قبل التثنية، السكنجبين الملطف،
10
والمطبوخ بالزوفا والحاشا. واذا اضطر الى فصد مع ضعف قوة للحمى، او لاخلاط
11
أخرى ردية فليفرق الفصد كما قلنا.
12
والفصد الضيق احفظ؛ للقوة، لكنه ربما اسال الرقيق الصافى، وحبس الكثيف
13
والكدر. واما الواسع فهو اسرع الى الغشى، واعمل فى التنقية، وابطأ اندمالًا. وهو
14
اولى لمن يفصد للاستظهار وفى السمان. بل التوسيع فى الشتاء اولى لئلا يجمد الدم،
15
والتضييق فى الصيف اولى ان احتيج اليه. وليفصد المفصود وهو مستلق؛ فان ذلك
16
احرى ان يحفظ قوته، ولا يجلب اليه الغشى. واما فى الحميات فيجب ان يجتنب
17
الفصد فى الحميات الشديدة الالتهاب، وجميع الحميات غير الحادة فى ابتدائها،
18
وفى ايام الدور. ويقلل الفصد فى الحميات التى يصحبها تشنج وان كانت الحاجة
19
الى الفصد واقعة؛ لان التشنج اذا عرض اسهر، واعرق عرقًا كثيرًا، واسقط القوة؛
20
فيجب ان [يبقى لذلك عدة دم. وكذلك من فصد محمومًا ليس حماه عن عفن، فيجب
21
ان] يقلل فصده، ليبقى لتحليل الحمى عدة.
22
فان لم تكن شديدة الالتهاب، وكانت عفنة، فانظر الى القوانين العشرة ثم
23
تامل القارورة. فان كان الماء غليظًا الى الحمرة، وكان ايضًا النبض عظيمًا، والسحنة
24
منتفخة، وليس يبادر الحمى فى خرطها، فافصد على وقت خلاء من المعدة عن الطعام.
25
واما ان كان الماء رقيقًا او ناريًا، او كانت السحنة تنخرط منذ ابتداء المرض، فاياك
26
والفصد. وان كان هناك فترات وسكنات للحمى، فليكن الفصد فيها. واعتبر حال
27
النافض؛ فان النافض اذا كان قويًا، فاياك والفصد. وتامل لون الدم الذى يخرج؛
28
فان كان رقيقًا الى البياض، فاحبس فى الوقت، وتوق فى الجملة ان لا تجلب على المريض
29
احد امرين: تهييج الاخلاط المرارية، وتفجيج الاخلاط الباردة.
1-313
1
واذا وجب ان يفصد فى الحمى فلا تلتفت الى ما يقال انه لا سبيل اليه بعد الرابع،
2
فسبيل اليه ان وجب ولو بعد اربعين. هذا رائى جالينوس. على ان التقديم والتعجيل
3
ولى اذا صحت الدلائل. فان قصر فى ذلك، فاى وقت ادركته ووجب، فافصد بعد
4
مراعاة الامور العشرة. وكثيرًا ما يكون الفصد فى الحميات وان لم يحتج اليه مقويًا
5
للطبيعة على المادة بتقليلها. هذا اذا كانت السحنة، والسن، والقوة، وغير ذلك يرخص
6
فيه. واما الحمى الدموية فلابد [فيها] من استفراغ بالفصد. غير مفرط فى الابتداء،
7
او مفرط عند النضج. وكثيرًا ما اقلعت فى حال الفصد.
8
ويجب ان يحذر الفصد فى المزاج الشديد البرد، والبلاد الشديدة البرد،
9
وعند الوجع الشديد، وبعد الاستحمام المحلل، وبعقب الجماع، وفى السن القاصر
10
عن الرابع عشر ما امكن، وفى سن الشيخوخة ما امكن؛ اللهم الا ان تثق بالسحنة،
11
واكتناز العضل، وسعة العروق وامتلائها، وحمرة الالوان. فهؤلآء من المشايخ والاحداث
12
يتجرأ على فصدهم. والاحداث يدرجون قليلًا بفصد يسير. ويجب ان يتحذر الفصد
13
فى الابدان الشديدة القضافة، والشديدة السن، والمتخلخلة، والبيض المترهلة، والصفر
14
العديمة الدم ما امكن. ويتوقاه فى ابدان طالت عليها الامراض. الا ان يكون فساد
15
دمها يستدعى ذلك فافصده وتامل الدم؛ فان كان اسود ثخينًا فاخرج؛ وان رأيته ابيض
16
رقيقًا، فشد فى الحال؛ فان فى ذلك خطرًاعظيمًا.
17
ويجب ان يحذر الفصد على الامتلاء من الطعام؛ كى لا ينجذب مادة غير نضيجة
18
الى العروق بدل ما يستفرغ. وان يتوقى ذلك ايضًا على امتلاء المعدة والامعاء من الثفل
19
المدرك او المقارب. بل يجتهد فى استفراغه. اما من المعدة وما يليها فبالقىء،
20
واما من الامعاء السفلى فيما يمكن ولو بالحقنة. ويتوقى فصد صاحب التخمة، بل
21
يمهله الى ان ينهضم تخمته. وفصد صاحب ذكاء حس فم المعدة، او ضعف فمها،
22
او الممنو بتولد المرار فيها؛ فان مثله يجب ان يتوقى التهور فى فصده، وخصوصًا
23
على الريق. اما صاحب ذكاء حس فم المعدة فتعرفه بتاذية من بلع اللذاعات. وصاحب
24
ضعف فم المعدة تعرفه من ضعف شهوته، واوجاع [فم] معدته. وصاحب قبول فم
25
معدته للمرار وكثير تولدها فيه تعرفه من دوام غثيانه، ومن قيئه للمرار كل وقت، ومن
26
مرارة فمه. فهؤلآء اذا فصدوا من غير تعهد يسبق الى فم معدتهم عرض من ذلك خطر
27
عظيم، وربما هلك منهم بعضهم.
28
فيجب ان يلقم صاحب ذكاء الحس، وصاحب الضعف لقما من خبز نقى،
29
مغموسة فى رب حامض طيب الرائحة. وان كان الضعف من مزاج بارد، فمغموسة
30
فى مثل ماء السكر بالافادية، او شراب النعناع الممسك [او الميبة الممسك] ثم يفصد.
1-314
1
واما صاحب تولد المرار، فيجب ان يتقيأ بسقى ماء حار كثير مع السكنجبين، ثم يطعم
2
لقمًا، ويراح يسيرًا، ثم يفصد. ويحتاج ان يتدارك بدل ما يتحلل من الدم الجيد. فان
3
كان قويًا فالكباب على ثقله؛ فانه ان انهضم غذى كثيرًا جيدًا. ولكن يجب ان يكون
4
اقل؛ فان المعدة ضعيفة بسبب الفصد.
5
وقد يفصد العرق بمنع نزف الدم من الرعاف، او الرحم، اوالمقعدة، او
6
الصدر، او بعض الخراجات. بل يجذب الدم الى خلاف تلك الجهة. وهذا علاج
7
قوى نافع. فيجب ان يكون البضع ضيقًا جدًا؛ وان تكون المرات كثيرة، لا فى يوم واحد؛
8
الا ان تضطر الضرورة، بل فى يوم بعد يوم؛ وكل مرة يقلل ما امكن. وبالجملة فان
9
تكثير اعداد الفصد اوفق من تكثير مقداره. والفصد الذى لم يكن اليه حاجة يهيج المرار
10
ويعقب جفاف اللسان ونحوه. فليتدارك بماء الشعير والسكر.
11
ومن اراد التثنية، فيجب يفصد العرق طولًا؛ ليمنع حركة المفصل عن
12
التحامه، وان يوسع. وان خيف مع ذلك الالتحام بسرعة وضع عليه خرقه مبلولة بزيت
13
وقليل ملح، وعصب فوقها. وان دهن مبضعة عند الفصد منع سرعة الالتحام، وقلل
14
الوجع. وذلك هو ان يمسح عليه الزيت ونحوه مسحًا خفيفًا، او يغمس فى الزيت
15
ثم يمسح بخرقة. والنوم بين الفصد والتثنية يسرع التحام البضع. وتذكرما قلناه من
16
الاستفراغ فى الشتاء بالدواء، انه يجب ان يرصد له يوم جنوبى؛ فكذلك الفصد.
17
واعلم ان فصد الموسوسين والمجانين، والذين يحتاجون الى فصد فى الليل
18
فى زمان النوم، يجب ان يكون ضيقًا، لئلا يحدث نزف الدم. وكذلك كل من لا يحتاج
19
الى التثنية. واعلم ان التثنية تؤخر بمقدار الضعف. فان لم يكن هناك ضعف فغايته
20
ساعة. والمراد من ارسال دمه الجذب يومًا واحدًا. والفصد المورب اوفق لمن يريد
21
التثنية فى اليوم. والمعرض لمن يريد التثنية فى الوقت. والمطول لمن لا يريد الاقتصار
22
على تثنية واحدة، ومن عزمه ان يشرح عدة ايام كل يوم. وكلما كان الفصد اكثر وجعًا
23
كان ابطأ التحامًا. والاستفراغ الكثير فى التثنية يجلب الغشى. الا ان يكون قد تناول
24
المثنى شيئًا.
25
والنوم بين الفصد والتثنية يمنع ان يندفع فى الدم من الفضول، ما ينجذب لانجذاب
26
الاخلاط بالنوم الى غور البدن. ومن منافع التثنية حفظ القوة المفصود، مع استكمال
27
استفراغه الواجب له. وخير التثنية ما اخر يومين [او] ثلثة. والنوم بقرب الفصد
28
ربما احدث انكسارًا فى الاعضاء. والاستحمام قبل الفصد ربما عسر الفصد؛ بما
29
يغلظ من الجلد ويلينه ويهيئه للزلق، الا ان يكون المفتصد شديد غلظ الدم.
1-315
1
والمفتصد ينبغى له ان لا يقدم على الامتلاء بعده، بل يتدرج فى الغذاء، ويستلطفه
2
اولا. وكذلك يجب ان لا يرتاض بعده؛ بل يميل الى الاستلقاء. وان لا يستحم بعده
3
استحمامًا محللًا. ومن افتصد وتورم عليه اليد، افتصد من اليد الاخرى مقدار الاحتمال.
4
ووضع عليه مرهم الاسفيداج، وطلى حواليه بالمبردات القوية. واذا افتصد من الغالب
5
على بدنه الاخلاط صار الفصد علة لثوران الاخلاط وجريانها واختلاطها، فيحوج
6
الى فصد متواتر. والدم السوداوى يحوج الى فصد متواتر، فيخف فى الحال، و
7
يعقب عند الشيخوخة امراضًا، منها السكتة. والفصد كثيرًا ما يهيج الحميات، وتلك
8
الحميات كثيرًا ما تحلل العفونات. وكل صحيح افتصد فيجب ان يتناول ما قلناه فى باب
9
الشراب.
10
واعلم ان العروق المفصودة بعضها اوردة، وبعضها شرايين. والشرايين تفصد
11
فى الاقل. ويتوقى ما يقع فيها من الخطر من نزف الدم. واقل احواله ان يحدث انورسما؛
12
وذلك اذا كان الشق ضيقًا جدًا. الا انها اذا من نزف الدم منها كانت عظيمة النفع
13
فى امراض خاصة يفصد هى لاجلها. واكثر نفع فصد الشريان انما يكون اذا كان فى
14
العضو المجاور له امراض ردية، سيهادم لطيف [حاد]. فاذا فصد الشريان المجاور له،
15
ولم يكن مما فيه خطر، كان عظيم المنفعة.
16
والعروق المفصودة من اليد اما الاوردة فسته: القيفال، والاكحل، والباسليق،
17
وحبل الذراع، والاسيلم، والذى يخص باسم الابطى، وهو شعبة من باسليق. واسلمها
18
القيفال. ويجب فى جميع الثلثة ان يفتح فوق المابض، لا تحته ولا بحذائه، ليخرج
19
الدم خروجًا جيدًا كما ينزرق، ويومن آفات العصب والشريان. وكذلك القيفال.
20
وفصدها الطويل ابطأ التحامها، لانها مفصلية، وفى غير المفصلية الامر بالخلاف.
21
وعرق النساء، والاسيلم، وعروق اخرى الاصوب فيها ان يفصد طولا ومع ذلك
22
فينبغى ان يتنحى فى القيفال عن راس العضلة الى الموضع اللين؛ ويوسع بضعه، ولا يتبع
23
بضعًا بضعًا، فيرم، و<لان> اكثر من وقع عليه الخطأ فى موضع فصد القيفال، لم يقع
24
بضربة واحدة وان عظمت، بل انما تحدث النكاية بتكرير الضربات. وابطأ فصده التحامًا
25
هو الذى فى الطول. ويوسع فصده ان اريد ان يثنى. واذا لم يوجد طلب بعض
26
شعبه، التى فى وحشى الساعد.
27
والاكحل فيه خطر للعصبة التى تحته. وربما وقعت [الضربة] بين عصبتين؛
28
فيجب ان يجتهد فى ان يفصد طولًا، ويعلق فصده. وربما كان فوقه عصبة دقيقة
29
ممدودة كالوتر؛ فيجب ان يتعرف ذلك، ويحتاط من ان يصيبها الضربة، فيحدث خدر
1-316
1
مزمن. ومن كان عرقه اغلظ، فهذه الشعبة فيه ابين، والخطأ فيها اشد نكاية. فان
2
وقع الغلط فاصيبت تلك العصبة فلا تلحم الفصد، وضع عليه ما يمنع التحامه وعالجه
3
بعلاج خراجات العصب، وقد قلنا فيها فى الكتاب الرابع. واياك ان تقرب منها مبردًا
4
من امثال عصارة عنب الثعلب والصندل، بل مرخ نواحيها والبدن كله بالدهن المسخن.
5
وحبل الذراع ايضًا الاصوب [فيه] ان يفصد موربًا. الا ان يكون مراوغًا من
6
الجانبين فيفصد طولًا. والباسليق عظيم الخطر لوقوع الشريان تحته؛ فاحتط فى فصده؛
7
فان الشريان اذا بضع لم يرقأ الدم، او عسر رقوه. ومن الناس من يكتنف باسليقه شريانان،
8
فاذا علم على احدهما ظن انه قد امن؛ فربما اصاب الثانى. فعليك ان تتعرف هذا.
9
واذا عصب ففى اكثر الامر يعرض هناك انتفاخ تارة من الشريان، وتارة من الباسليق.
10
وكيف كان فيجب ان يحل الرباط، ويمسح النفخ مسحًا برفق ثم يعاد العصب. فان
11
عاد عيد. فان لم يغن فما عليك لوتركت الباسليق، وفصدت الشعبة المسماة بالابطية،
12
رهو الذى على انسى الساعد الى اسفل، وكثيرًا ما يغلط النفخ. وكثيرًا ما يسكن الربط
13
والنفخ من نبض الشريان، ويعليه ويشهقه، فيظن وريدًا ويفصد.
14
واذا ربطت اى عرق كان، فحدث من الربط عليه اشباه العدس والحمص،
15
فافعل به ما قلنا فى باسليق. والباسليق كلما انحططت فى فصده الى الذراغ، فهوا سلم.
16
ليكن مسلك المبضع فى خلاف جهة الشريان من العرق. وليس الخطأ فى الباسليق
17
من جهة الشريان فقط، بل من تحته عضلة وعصبة يقع الخطأ بسببهما ايضًا قد اخبرناك
18
بهذا. وعلامة الخطأ فى الباسليق واصابة الشريان ان يخرج الدم رقيقًا اشقر يثب وثبًا، وتلين
19
معه المجسة فينخفض. فبادر حينئذ والقم البضع شيئًا من وبر الارنب مع شىء من دواء الكندر
20
ودم الاخوين؛ والصبر والمرمع شئى من القلقطار والزاج، ورش عليه الماء البارد ما امكن.
21
وشده من فوق الفصد [واربطه] رباطًا بشد حابس. فاذا احتبس فلا تحل الشد ثلاثة ايام؛
22
وبعد الثلاثة يجب عليك ان تحتاط ايضًا ما امكن، وضمد الناحية بالقوابض.
23
وكثير من الناس يبتر شريانهم، [و] ذلك ليتقلص العرق، وينطبق عليه اللحم
24
فيحبسه. وكثير من الناس مات بسبب نزف الدم. ومنهم من مات بسبب شدة وجع الربط
25
الذى اريد بشده منع دم الشريان، حتى صار العضو الى طريق الموت. واعلم ان نزف
26
الدم قد يقع من الاوردة ايضًا. واعلم ان القيفال يستفرغ الدم اكثر من الرقبة وما فوقها؛
27
وشيئًا قليلًا مما دون الرقبة، ولا يجاوز حد ناحية الكبد والشراسيف؛ ولا ينقى الاسافل تنقية
28
يعتد به. والاكحل متوسط الحكم بين القيفال والباسليق. والباسليق يستفرغ من نواحى
29
تنور البدن الى اسفل التنور. وحبل الذراع مشاكل للقيفال.
1-317
1
والا سيلم يذكر انه ينفع الايمن منه من اوجاع الكبد، والايسر من اوجاع الطحال.
2
وانه يفصد [ولا يعصب] حتى يرقأ الدم بنفسه. ويحتاج ان توضع اليد المفصودة
3
فى ماء حار، لئلا يحتبس الدم [وليخرج] بسهولة ان كان الدم ضعيف الانحفاز؛ كما
4
هو فى الاكثر من مفصودى الاسيلم. وافضل فصد الاسيلم ما كان طولًا. والابطى حكمه
5
الباسليق.
6
واما الشريان الذى يفصد من اليد، [اليمنى] فهو الذى على ظهر الكف ما بين
7
السبابة والابهام. وهوعجيب النفع من اوجاع الكبد والحجاب المزمنة. وقد رأى جالينوس
8
هذا فى الرؤيا: كان امرءً امر به لوجع كان فى كبده، ، ففعل فعوفى. وقد يفصد شريان آخر
9
اميل منه الى باطن الكف. مقارب المنفعة لمنفعته. ومن احب فصد العرق من اليد فلم
10
يتات، فلا يلحن "فى الكى والعصب" الشديد، وتكرير البضع؛ بل ليتركه يومًا او يومين. فان
11
دعت ضرورة الى تكرير البضع ارتفع عن البضعة الاولى، ولا ينخفضن عنها، والربط الشديد
12
يجلب الورم؛ وتبريد الرفادة وترطيبها بماء الورد او بماء مبرد صالح موافق. ويجب ان لا يزيل
13
الرباط الجلد عن موضعه قبل الفصد وبعده.
14
والابدان القضيفة يصير شد الرباط عليها سببًا لخلاء العروق، واحتباس الدم
15
عنها. والابدان السمينة فان الارخاء لا يكاد يظهر العرق فيها، ما لم يشد. وقد يتلطف بعض
16
الفصادين فى اخفاء الوجع، فيخدر اليد بشدة الربط وتركه ساعة. ومنهم من يمسح الشعرة
17
اللينة بالدهن. وهذا كما قلنا يخف وجعه ويبطؤ التحامه.
18
واذا لم تظهرالعروق المذكورة فى اليد، وظهرت شعبها، فلتغمز اليد على الشعبة
19
مسحًا؛ فان كان الدم عند مفارقة المسح ينصب اليها بسرعة فينفخها فصدت، والا لم يفصد.
20
واذا اريد الغسل، جذب الجلد ليستر البضع، وغسل ثم رد الى وضعه. وهندمت الرفادة،
21
وخيرها الكرية وعصبت. واذا مال على وجه البضع شحم، فيجب ان ينحى بالرفق. ولا
22
يجوز ان يقطع. وهولآء لا يجب ان يطمع فى تثنيتهم من غير بضع. <وسنستقصى هذا الباب
23
فى آخرالفصل فضل استقصاء. فقد دخل هذا القدر هاهنا بالغرض.>
24
واعلم ان لحبس الدم وشد البضع وقتًا محدودًا وان كان مختلفًا. فمن الناس من
25
يحتمل ــ ولو فى حماه ــ اخذ خمسة [او] ستة ارطال من الدم؛ ومنهم من لا يحتمل فى الصحة
26
اخذ رطل؛ لكن يجب ان يراعى فى ذلك احوال ثلاثة: احدها حفز الدم واسترخاؤه. والثانى
27
لون الدم، وربما غلط كثيرًا؛ بان يخرج اول ما يخرج منه رقيقًا ابيض. واذا كان هناك علامات
28
الامتلاء، واوجب الحال الفصد، فلا تغترن بذلك. وقد يغلط لون الدم فى صاحب
29
الاورام، لان الورم يجذب الدم الى نفسه. والثالث النبض يجب ان لا يفارقه. فاذا خار
1-318
1
الحفز، او تغير لون الدم، او تغير النبض، وخصوصًا الى ضعف، فاحبس؛
2
وكذلك ان عرض عارض تثاؤب، وتمط، وفواق، وغثيان. فان اسرع تغير اللون، بل
3
الحفز، فاعتمد فيه النبض. واسرع الناس مبادرة اليه الغشى هم الحار والمزاج النحاف،
4
المتخلخل ابدانهم. وابطأهم وقوعًا فيه الابدان [المعتدلة]، الملززة اللحم.
5
فالواجب ان يكون مع الفصاد مباضع كثيرة ذات شعيرة، وغير ذات شعيرة؛
6
وذات الشعيرة اولى بالعروق الزوالة كالوداج. وأن يكون معه كبة من خز او حرير،
7
ومقيأ من خشب او ريش. وأن يكون معه وبر الارانب، ودواء الصبر، والكندر، و
8
نافجة مسك، ودواء المسك، واقراص المسك. حتى اذا عرض غشى، وهو احد
9
ما يخاف فى الفصد، وربما لم يفق صاحبه، فبادر فالقمه الكبة، وقيئاه بالآلة، و
10
شممه النافحة، وجرعه من دواء المسك واقراصه شيئًا، فينتعش قوته. وان حدث بثق
11
دم بادر فحشاه بوبر الارنب ودواء الكندر.
12
وما اقل ما يعرض الغشى، والدم بعد فى طريق الخروج، بل انما يعرض اكثره
13
بعد الحبس؛ الا ان يفرط. على انه لا يبالى من مقارنة الغشى فى الحميات المطبقة،
14
ومبادى السكتة، والخوانيق، والاورام العظيمة المهلكة، وفى الاوجاع الشديدة. ولا يعمل
15
بذلك الا اذا كانت القوة قوية. وقد اتفق علينا ان بسطنا القول بعد القول فى عروق اليد بسطًا
16
فى معان اخرى، ونسينا عروق الرجل، وعروقًا اخرى، فيجب علينا ان نصل كلامنا بها.
17
فنقول: اما عروق الرجل فمن ذلك عرق النسا، ويفصد عند الجانب الوحشى
18
من الكعب، اما تحته واما فوقه. ويشد ما فوقه من الورك الى الكعب، ويلف بلفافة
19
او عصابة قوية. والاولى ان يستحم قبله. والاصوب ان يفصد طولًا. وان خفى فصدت
20
من شعبة ما بين الخنصر والبنصر. ومنفعة فصد عرق النساء فى عرق النساء عظيمة.
21
وكذلك فى النقرس، وفى الدوالى، وفى داء الفيل. وتثنية عرق النساء صعبة.
22
ومن ذلك الصافن، وهو على الجانب الانسى من الكعب، وهو اظهر من عرق
23
النساء، ويفصد لاستفراغ الدم من الاعضاء التى تحت الكبد، ولا مالة الدم من النواحى
24
العالية الى السافلة. وكذلك يدر الطمث بقوة، ويفتح افواه البواسير. والقياس يوجب
25
ان يكون عرق النساء والصافن متشابهى المنفعة؛ ولكن التجربة ترجح تاثير عرق النساء
26
فى وجع عرق النساء بشىء كثير؛ وكان ذلك للمحاذاة. وافضل فصد الصافن ان يكون
27
موربًا الى العرض.
28
ومن ذلك عرق مابض الركبة، ويذهب مذهب الصافن؛ الا انه اقوى من الصافن
29
فى ادرار الطمث، وفى اوجاع المقعدة، والبواسير. ومن ذلك العرق الذى خلف
30
العرقوب، وكانه شعبة من الصافن، ويذهب مذهبه. وفصد عروق الرجل بالجملة
1-319
1
نافع فى الامراض، التى تكون عن مواد مائلة الى الراس؛ ومن الامراض السوداوية.
2
وتضعيفه للقوة اشد من تضعيف فصد عروق اليد.
3
واما العروق المفصودة التى فى نواحى الرأس. فالاصوب فيها ما خلا الوداج
4
ان يفصد موربًا. وهذه العروق منها اوردة، ومنها شرايين. فالاوردة مثل عرق الجبهة،
5
وهو المنتصب بين الحاجبين. وفصده ينفع من ثقل الراس، وخصوصًا فى مؤخره،
6
وثقل العينين، والصداع الدائم المزمن. والعرق الذى على الهامة [وهو عرق اليافوخ]
7
يفصد للثقيقة وقروح الراس. وعرقا الصدغين الملتويان على الصدغين، وعرقا الماقين؛
8
وفى الاغلب لا يظهر ان الابعد الخنق. ويجب ان لا يغور المبضع فيهما، فربما صار
9
ناصورًا. وانما يسيل منهما دم قليل. ومنفعة فصدهما هى فى الصداع، والشقيقة،
10
والرمد المزمن، والدمعة، والغشاوة، وجرب الاجفان وبثورهما، والعشا.
11
وثلاثة عروق صغار موضعها وراء ما يلحقه طرف الاذن، عند الالصاق بشعرة.
12
واحد هذه الثلاثة اظهر؛ ويفصد فى ابتداء الماء، وقبول الراس لبخارات المعدة. و
13
ينفع لذلك من قروح الاذن، والقفا، ومؤخر الراس. وينكر جالينوس ما يقال ان عرقين
14
انتااتق الاا ا الا.
15
وبحة الصوت، فى ذات الرئة، والبهق الكائن من كثرة دم حار، وعلل الطحال والجنبين.
16
ويجب على ما خبرنا عنه قبل أن يكون فصده بمبضع ذات شعرة. واما [كيفية]
17
تقييده فيجب ان يميل فيه الراس الى ضد جانب المفصود ليتوتر العرق. ويتامل الجهة
18
التى هى اشد زوالأ؛ فيوخذ من ضد تلك الجهة. ويجب ان يكون اللى عرضًا لا طولًا،
19
كما يفعل بالصافن وعرق النساء. ومع ذلك فيجب ان يقع فصده طولًا. ومنها العرق
20
الذى فى الارنبة، وموضع فصده المتشقق من طرفها، الذى اذا غمز بالاصابع يفرق
21
باثنين. وهناك يبضع والدم السائل منه قليل. وينفع فصده من الكلف، وكدورة اللون،
22
والبواسير، والبثور التى تكون فى الانف، والحكة فيه. لكنه ربما احدث حمرة لون
23
مزمنة، تشبه السعفة، وتفشو فى الوجه. فتكون مضرتها اعظم من منفعتها كثيرًا.
24
والعروق التى تحت الخشاء مما يلى النقرة نافع فصدها من السدر الكائن من الدم
25
اللطيف؛ والاوجاع المتقادمة فى الراس. ومنها الجهاررك، وهى عروق اربعة،
1-320
1
على كل شفة منها زوج. وينفع من قروح الفم، والقلاع، واوجاع اللثة، وا اورامها، و
2
استرخائها، وقروحها، والبواسير، والشقاق فيها. ومنها العرق الذى تححت اللسان على باطن
3
الذقن. ويفصد فى الخوانيق واورام اللوزتين. ومنها عرق تحت اللسان وعلى اللسان نفس؛
4
ويفصد لثقل اللسان الذى يكون من الدم. ويجب ان يفصد طولا. فان فصد عرضًا صعب
5
ارقاء دمه. ومنها عرق عند العنفقة يفصد للبخر. ومنها عرق اللبة؛ ويفصد فى معالجات
6
فم المعدة.
7
واما الشرايين التى فى الراس، فمنها شريان الصدغ. فقد يفصد، وقد يبتر، وقد
8
يسل، وقد يكوى. ويفعل ذلك لحبس النوازل الحادة اللطيفة المنصبة الى العينين، و
9
لابتداء الانتشار. والشريانان اللذان خلف الاذينن يفصدان لانواع الرمد، وابتداء الماء،
10
والغشاوة، والعشاء، والصداع المزمن. ولا يخلو فصدهما عن خطر؛ ويبطئى معه الالتحام.
11
وقد ذكر جالينوس ان مجروحًا فى حلقه اصيب شريانه، وسال منه دم بمقدار صالح. فتداركه
12
جالينوس بدواء الكندر، والصبر، ودم الاخوين، والمر، فاحتبس الدم، وزال عنه وجع مزمن،
13
كان به فى ناحية وركه. ومن العروق التى تفصد فى البدن عرقان على البطن، احدهما موضوع
14
على الكبد، والآخر موضوع على الطحال. يفصد الايمن فى الاستسقاء، والا يسرفى علل
15
الطحال.
16
واعلم ان الفصد له وقتان: وقت اختيار، ووقت ضرورة. فالوقت المختار فيه ضحوة
17
النهار بعد تمام الهضم والنفض. والوقت المضطر اليه هو وقت الموجب الذى لا يسع تاخيره،
18
ولا يلتفت فيه الى سبب مانع. واعلم ان المبضع الكال كثير المفرة. فانه يخطئ فلا يلحق
19
فيورم ويوجع. فاذا عملت المبضع فلا تدفعه باليد غمزًا؛ بل ارفق بالاختلاس ليتوصل طرف
20
المبضع بحشو العروق. واذاعنفت فكثيرًا ما ينكسر راس المبضع انكسارا خفيًا، فيصير
21
زلاقا، لا يجرح العرق. فان الحجت بفصدك به زدت شرًا.
22
فلذلك يجب ان تجرب كيفية علوق المبضع بالجلد قبل الفصد به، وعند معاودة
23
ضربة ان اردتها. واجتهد ان تملا العرق وتنفخه بالدم؛ فحينئذ يكون الزلق والزوال اقل.
24
فاذا استعصى العرق ولم يظهر امتلاؤه تحت الشد فحله وشده مرارًا وامسحه، وانزل
25
فى الضغط واصعد حتى تنبهه وتظهره. وتجرب ذلك بين اصبعين على موضع من المواضع
26
التى تعلم امتداد العروق فيها، "بان تحبس بهما تارة،" وتارة تحبس باحدهما وتسيل
27
الدم بالاخرى حتى تحس بالواقف "مده عند الاسالة،" وجزره عند التخلية. ويجب ان
28
يكون لراس المبضع مسافة، ينفذ فيها غير بعيدة فيتعداها الى شريان او عصب. واشد ما يجب
29
ان يملأ حيث يكون العرق ادق.
1-321
1
واما اخذ المبضع فينبغى ان يكون بالابهام والوسطى ويترك السبابة للجس. وان يقع
2
الاخذ على نصف الحديدة، ولايا خذه فوق ذلك، فيكون لتمكين منه مضطربًا. واذا
3
كان العرق يزول الى جانب واحد، فقابله. بالربط والضبط من ضد الجانب. وان كان يزول
4
الى جانبين سواء فاختلس فصده طولًا. واعلم ان الشد والغمز يجب ان يكون بقدر احوال
5
الجلد فى صلابته وغلظه، وبحسب كثرة اللحم ووفوره. والتقييد يجب ان يكون قريبًا.
6
واذا اخفى التقئيد العروق فاعلم عليه، واحذر ان لا يزول عن محاذاة العلامة بخرقك فى
7
التقييد؛ ومع ذلك فعلق الفصد.
8
واذا استعصى عليك شيل العرق واشهاقه، فشق عنه فى الابدان القضيفة خاصة
9
واستعمل الصنارة. ووقوع التقييد والشد عند المفصل يمنع امتلاء العروق. واذا اردت ان
10
تغسل فمد الجلد باصبعيك فيغيب عن محاذاة الثقبة؛ ثم اغسل وانشف موضع الرفادة. ودع
11
الجلد يرتد الى موضعه. واعلم ان من يعرق كثيرًا بسبب الامتلاء. فهو محتاج الى الفصد.
12
وكثيرًا ما وقع للمحموم المصدوع المدبر فى بابه بالفصد ــ إسهال طبيعى، فاستغن عن
13
الفصد.
14
|77ra38|الفصل الحادى والعشرون فى الحجامة
15
الحجامة تنقيتها لنواحى الجلد اكثر من تنقية الفصد. واستخراجها الدم الرقيق اكثر
16
من استخراجها الغليظ. ومنفعتها فى الابدان العبال، الغليظة الدم؛ قليلة، لانها
17
تبرز دماءها ولا يخرجها كما ينبغى، بل الرقيق جدًا منها. يتكلف. وتحدث فى العضو
18
المحجوم ضعفًا، ويومر باستعمال الحجامة، لا فى اول الشهر. لان الاخلاط لا تكون قد
19
تركت او هاجت؛ ولا فى آخره لانها تكون قد نقصت. بل فى وسط الشهر، حين تكون الاخلاط
20
الهائجة تابعة فى تزيدها لتزيد النور فى جرم القمر، وتزيد الدماغ فى الاقحاف، والمياه
21
فى الانهار ذوات المد والجزر.
22
وافضل اوقاتها فى النهار هى الساعة الثانية والثالثة، ويجب ان يتوقى الحجامة بعد
23
الحمام، الا فى من دمه غليظ. فيجب ان يستحم، ثم يقعد ساعة، ثم يحتجم. واكثرالناس
24
يكرهون الحجامة فى مقدم البدن، ويحذرون منها لضرر بالحس والذهن. والحجامة
25
على النقرة خليفة الاكحل؛ وتنفع من ثقل الحاجبين وتخفف الجفن. وتنفع من جرب
26
العين والبخر فى الفم. وعلى الكاهل خليفة الباسليق؛ وتنفع من وجع المنكب والحلق.
27
وعلى احد الاخدعين خليفة القيفال؛ وتنفع من ارتعاش الرأس، وتنفع الاعضاء التى فى
28
الراس، مثل الوجه، والاسنان، والضرس، والاذنين، والعينين، والحلق، والانف.
1-322
1
لكن الحجامة على النقرة تورث النسيان حقًا؛ كما قال صاحب شريعتنا محمد صلى الله عليه
2
وسلم؛ فان مؤخر الدماغ موضع الحفظ، وتضعفه الحجامة.
3
و[على] الكاهل تضعف فم المعدة، والاخدعية ربما احدثت رعشة الراس،
4
فلتسفل النقرية قليلا، ولتصعد الكاهلية قليلًا. الا ان يتوخى بها معالجة نزف الدم والسعال،
5
فيجب ان تنزل ولا تصعد. وهذه الحجامة التى تكون على الكاهل وبين الكنفين
6
نافعة من امراض الصدر الدموية والربو الدموى، لكنها تضعف المعدة وتحدث الخفقان.
7
والحجامة على الساق تقارب العضد، وتنقى الدم، وتدر الطمث. ومن كانت من النساء
8
بيضاء متخلخلة رقيقة الدم فحجامة الساقين اوفق لها من فصد الصافن.
9
والحجامة على القمحدودة وعلى <وسط> الهامة، تنفع فيما ادعاه بعضهم من اختلاط
10
العقل والدوار، ويبطى فيما يقال بالشيب، وفيه نظر؛ فانه قد يفعل ذلك فى ابدان دون
11
ابدان. وفى اكثر الابدان يسرع بالشيب. وتنفع من امراض العين، وذلك اكثر منفعتها.
12
فانها تنفع من جربها، وبثورها، ومن المورسرج، لكنها تضر بالذهن، وتورث
13
بلهًا، ونسيانًا، وردأة فكر، وامراضا مزمنة. وتضر باصحاب الماء فى العين. اللهم
14
الا ان تصادف الوقت والحال الذى يجب فيه استعمالها، فربما لم تضر. والحجامة
15
تحت الذقن تنفع الاسنان، والوجه، والحلقوم، وتنقى الراس والفكين.
16
والحجامة على القطن نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره. ومن النقرس،
17
والبواسير، وداء الفيل، ورياح المثانة والرحم، ومن حكة الظهر. واذا كانت هذه
18
الحجامة بالنار، بشرط او بغير شرط، نفعت من ذلك ايضًا. والتى بشرط اقوى فى
19
غيرالريح، والتى بغير شرط اقوى فى تحليل الريح الباردة واستيصالها هاهنا وفى كل
20
موضع. والحجامة على الفخذين من قدام تنفع من ورم الخصيتين، وخراجات الفخذين
21
والساقين. والتى على الفخدين من خلف ينفع من الاورام والخراجات الحادثة فى الاليتين.
22
وعلى اسفل الركبة ينفع من ضربان الركية، الكائن من اخلاط حادة، ومن الخراجات
23
الردية والقروح العتيقة فى الساق والرجل. والتى على الكعبين تنفع من احتباس الطمث،
24
ومن عرق النساء، والنقرس.
25
واما الحجامة بلا شرط: فقد تستعمل لجذب المادة عن جهة حركتها، مثل وضعها
26
على الثدى، لحبس نزف دم الحيض. وقد يراد بها ابراز الورم الغائر ليصل اليه العلاج.
27
وقد يراد بها نقل الورم الى عضو اخس فى الجوار. وقد يراد بها تسخين العضو،
1-323
1
وجذب الدم اليه، وتحليل رياحه. وقد يراد بها رده الى موضعه الطبيعى، المنزول عنه،
2
كما فى القيلة. وقد تستعمل لتسكين الوجع؛ كما توضع على السرة بسبب القولنج المبرح،
3
ورياح البطن؛ واوجاع الرحم التى تعرض عند حركة الحيض، خصوصًا للفتيات.
4
وعلى الورك لعرق النساء وخوف الخلع. وما بين الوركين نافعة للوركين، والفخذين،
5
والبواسير، ولصاحب القيلة، وللمنقرسين. ووضع المحاجم على المقعدة يجذب. من
6
جميع البدن، ومن الرأس، وينفع الامعاء، ويشفى من فساد الحيض، والبواسير،
7
ويخف معها البدن.
8
ونقول ان للحجامة بالشرط فوائد ثلاث: اولاها الاستفراغ من نفس العضو.
9
والثانية استبقاء جوهر الروح من غير استفراغ له، تابع لاستفراغ ما يستفرغ من الخلط.
10
والثالثة تركها التعرض للاستفراغ من الاعضاء الرئيسة. ويجب ان يغمس الشرط ليجذب
11
من الغور. وربما ورم موضع التصاق المحجمة فيعسر نزعها. فليوخذ بخرق او اسفنجة
12
مبلولة بماء فاتر الى الحرارة وليكمد بها حواليها اولا. وهذا يعرض كثيرًا اذا استعملنا
13
المحاجم على نواحى الثدى ليمنع نزف دم الحيض او الرعاف. فلذلك لا يحب ان
14
يضعها على الثدى نفسه.
15
واذا دهن موضع الحجامة فليبادر الى اعلاقها، ولا يدافع، بل يستعجل فى
16
الشرط. وتكون الوضعة الاولى خفيفة، سريعة القلع؛ ثم يتدرج الى ابطاء القلع و
17
الامهال. وغذاء المحتجم يجب ان يكون بعد ساعة. والصبى يحتجم فى السنة الثانية،
18
وبعد ستين سنة لا يحتجم البتة. وفى الحجامة [على الاعلى] امن من انصباب المواد
19
الى اسفل. والمحتجم الصفراوى يتناول بعد الحجامة حب الرمان، وماء الرمان، وماء
20
الهندباء بالسكر، والخس بالخل.
21
|77vb9|الفصل الثانى والعشرون فى العلق
22
قالت الهند ان من العلق ما فى طباعه سمية، فليجتنب. منها جميع ما كان عظيم
23
الراس، لونه كحلى اسود، او لونه اخضر، وذوات الزغب، والشبيه بالمار ماهيج، والتى
24
عليها خطوط لا زوردية، والشبيهة الالوان بالمنقلبين. ففى جميع هذه سمية، تورث
25
اورامًا، وغشيا، ونزف دم، وحمى، واسترخاء، وقروحًا ردية.
26
وليجتنب المصيدة من المياه الحملية الردية. بل يختار ما يصاد من المياه
27
الطحلبية، وماوى الضفادع؛ ولا يلتفت الى ما يقال ان الكائنة فى مياه مضفدعة ردية.
28
ولتكن ماشية الالوان، تعلوها خضرة، ويمتد عليها خطان زرنبخيان. والشقر المستديرة
1-324
1
الجنوب. والكبدية الالوان. والتى تشبه الجراد الصغير. والتى تشبه ذنب الفار. والدقاق
2
الصغار الرؤس.
3
ولا يختار على حمر البطون، خضر الظهور؛ ولا سيما ان كانت فى المياه
4
الجارية. وجذب العلق للدم اغور من جذب الحجامة. ويجب ان تصاد قبل الاستعمال
5
بيوم، وتقيأ بالاكباب، حتى يخرج ما فى بطونها ان امكن ذلك. ثم يصب لها شىء
6
يسير من الدم من حمل او غيره، لتغتذى به قبل الارسال. ثم توخذ وتنظف لزوجتها
7
وقذاتها بمتل اسفنجة. ويغسل موضع ارسالها ببورف. ويحمر بالدلك. ثم ترسل
8
العلق عند ارادة استعمالها فى ماء عذب، فتنظف تم ترسل. ومما ينشطها للتعنق مسح
9
الموضع بطين الراس او بدم. فاذا امتلأت واريد اسقاطها، ذر عليها شىء من ملح،
10
او رماد، او بورق، او حراقة خرقة كتان، او اسفنجة محرقة، او صوفة محرقة فتسقط.
11
والصواب بعد سقوطها ان يمتص بالمحجمة. فياخذ من دم الموضع شيئًا يفارق معه
12
ضرر اثر لسعها. فان لم يحتبس الدم ذرعليه عفص محرق، او نورة، او رماد، او خزف
13
مسحوق جدًا، اوغير ذلك من حابسات الدم؛ ويجب ان يكون عتيدة معدة
14
عند معلق العلق. واستعمال العلق جيد فى الامراض الجلدية من السعفة، والقوباء،
15
[والكلف، والنمش] ونحوه.
16
|78ra7|الفصل الثالث والعشرون فى حبس الإستفراغات
17
الإستفراغ يحبس إما بامالة المادة من غير إستفراغ آخر. واما باستفراغ مع
18
الإمالة: واما باعانة الإستفراغ نفسه. واما بأدوية مبردة، أوقابضة، أو كاوية، أومغرية.
19
واما بالشد. أما حبس الإستفراغ بالجذب من غير إستفراغ فمثل وضع المحاجم على
20
الثدى ليمنع نزف الدم من الرحم. وأجود الجذب ما كان مع تسكين وجع المجذوب
21
عنه. وأما الذى يكون بجذب مع إستفراغ فبمثل فصد الباسليق لذلك، ومثل حبس
22
القىء بالإستسهال، والإستسهال بالقىء؛ وحبس كليهما بالتعريق. واما بمعاونة الإستفراغ
23
فبمثل تنقية المعدة والمعاء عن الأخلاط اللزجة، المذربة المزلقة بالإيارج. والإجتهاد
24
فى تنقية فم المعدة بالقىء، ليقطع مادة القىء الثابت. وأما بالأدوية المبردة ليجمد
25
السائل. وتأخذ الفوهات وتضيقها. وأما بالأدوية القابضة لتقبض المادة وتضم المجارى.
26
وأما بالأدوية المغرية لتحدث السدد فى فوهات المجارى. فان كانت حارة
27
مجففة فهو أبلغ. وأما بالكاوية لتحدث خشكريشة تقوم على وجه المجرى فتسد وترتق.
28
ولها ضرر متوقع، وذلك ان الخشكريشة ربما انقلعت، فزاد المجرى إتساعًا.
1-325
1
ومن الكاوية ماله قبض كالزاج، ومنه ما ليس له قبض كالنورة الغير المطفأة. وتزاد
2
الكاوية القابضة حيث تراد خشكريشة ثابتة، ويزاد الأخرى حيث ان تسقط خشكريشة
3
سريعًا. وأما الذى بالشد فبعضه باطباق المجرى، وقسره على الإنضمام، كشد ما فوق
4
المرفق عند خطاء الفصاد فى الباسليق إذا أصاب الشريان. وبعضه بحشو فم الجراحة
5
ما يسد سبيل المستفرغ، مثل إلقام الجراحة وبر الأرنب. ونقول: إن نزف الدم إن
6
كان من إنفتاح أفواه العروق عولج بالقابضة، ليضم أفواهها. وإن كان من حرق فبالقابضة
7
المغرية <معًا> كالطين المختوم، وإن كان [من] تاكل فبما ينبت اللحم مخلوطًا بما يجلو
8
التأكل.
9
|78rb3|الفصل الرابع والعشرون فى معالجات السدد
10
السدد اما من أخلاط غليظة، وإما من أخلاط لزجة، وإما من أخلاط كثيرة.
11
والأخلاط الكثيرة اذا لم يكن معها سبب آخر كفى مضرتها إخرأجها بالفصد والإسهال.
12
وإن كانت غليظة احتيج إلى المحللات الجالية. وإن كانت لزجة، ولا سيما رقيقة فيحتاج
13
إلى المقطعات. وقد عرفت الفرق بين الغليظ واللزج وهو كالفرق بين الطين والغراء
14
المذاب. والغليظ يحتاج إلى المحلل ليرققه فيسهل إندفاعه. واللزج يحتاج إلى المقطع
15
ليغوص بينه وبين ما التصق به فيبرئه عنه، وليقطع أجزاءه صغارًا صغارًا؛ اذ اللزج يسد
16
بالتصاقه، وتلازم أجزاءه. ويجب أن يحذر فى تحليل الغليظ شيئان متضادان: أحدهما
17
التحليل الضعيف الذى يزيد فى تخلخل المادة، وزيادة حجمها، من غير أن يبلغ التحليل،
18
فتزداد السدة. والآخر التحليل الشديد القوى الذى يتبخر معه لطيفها، ويتحجر كثيفها،
19
فاذا احتيج إلى تحليل قوى ارفد بالتليين اللطيف بمادة لاغلظ فيها مع حرارة معتدلة
20
ليعين ذلك على تحليل كلية الساد. إن أصعب السدد سدد العروق، وأصعبها سدد الشرائين،
21
وأصعبها ما كان فى الاعضاء الرئيسة. واذا اجتمع فى المفتحات قبض وتلطيف كانت
22
أوفق. فان القبض يدرأ عنف الملطف عن العضو.
23
|78rb38|الفصل الخامس والعشرون فى معالجات الاورام
24
الأورام منها حارة، ومنها باردة رخوة، ومنها باردة صلبة، وقد عددناها. وأسبابها
25
إما بادية، وإما سابقة. فالسابقة كالإمتلاء، والبادية مثل الضربة، والسقطة، والنهشة.
26
والكائن من أسباب بادية اما ان يتفق مع إمتلاء فى البدن، أو مع إعتدال من الأخلاط.
27
والكائن عن أسباب سابقة، وعن بادية موافية لإمتلاء من البدن فلا يخلو اما أن يكون
28
فى أعضاء مجاورة للرئيسة، هى كالمفرغات للرئيسة، أو لا يكون. فان لم يكن فلا يجوز
29
أن يقرب إليها من المحللات شىء البتة فى الإبتداء. بل يجب أن يصلح العضو الدافع
1-326
1
إن كان له عضو دافع، ويصلح البدن كله ان كان ليس له عضو <معد> مفرد. وان
2
يقرب إليها كل ما يردع، ويجذب إلى الخلاف ويقبض. وربما جذب إلى خلاف ذلك
3
العضو الموضوع فى الجانب المخالف برياضته، او حمل ثقيل عليه. وكثيرًا ما
4
ينجذب المادة عن اليد المتورمة إذا حمل بالأخرى شىء ثقيل وأمسك ساعة.
5
وأما القابضات فيجب فيها ان يتوخى ان تكون القابضات الرادعة فى الأورام
6
لحارة بأردة المزاج صرفة؛ وفى الأورام الياردة مخلوطة بماله قوة حارة مع القبض،
7
مثل الاذخر وأظفار الطيب. وكلما تزيد الصنفان نقص القبض، وقرن به المحلل
8
حتى يوافى الإنتهاء، فحينئذ يخلط بينهما بالسوية. وعند الإنحطاط يقتصر على المحلل
9
والمرخى. والباردة الرخوة يجب أن يكون ما يحللها نشافًا ميبسًا أكثر مما يكون فى
10
الحارة هذا. وأما الحادث عن سبب باد، وليس هناك إمتلاء من الأخلاط فيجب أن
11
يعالج فى أول الأمر بالإرخاء والتحليل؛ وإلا فبمثل ما عولج به الأول.
12
وأما إذا كان العضو المتورم مفرغة لعضو رئيس، مثل المواضع الغددية من
13
من العنق حول الأذنين للدماغ، والإبط للقلب، والاربيتين للكبد، فلا يجوز البتة
14
أن يقرب إليها ما يردع؛ ليس لأجل ان هذا ليس علاجا لأورامها؛ فان هذا هو العلاج
15
لأورامها، غير انا نؤثر أن لا نعالج أورامها، ونجتهد فى الزيادة فيها، وجذب المادة إليها؛
16
ولا نبالى من إشتداد الضرر بالعضو؛ طلبًا منا لمصحلة العضو الرئيس، وخوفًا منا أنا
17
إذا ردعنا المادة إنصرفت إلى العضو الرئيس، فكان من ذلك ما لا يطاق تداركه. فنحن
18
نستأثر وقوع الضرر بالعضو الخسيس حيث ينفع العضو الرئيس، حتى إنا لنجتهد فى
19
جذب المادة إلى العضو الخسيس وتوريمه، ولو بالمحاجم وألاضمدة الجاذبة الحادة.
20
وإذا اجتمع أمثال هذه الأورام وغيرها، وخصوصًا فى المواضع الخالية،
21
فربما انفجر بذاته، أو بمعونة الإنضاج. وربما احتجت إلى الإنضاج والبط معًا. والإنضاج
22
يتم بما فيه مع الحرارة تسديد وتغرية يحضر بهما الحار. ومن يحاول الإنضاج بمثل
23
هذه المنضجات يجب عليه أن يتأمل، فان وجد الحار الغريزى ضعيفًا، ورأى العضو
24
يميل إلى الفساد، نحى عنه المغريات والمسددات، واستعمل المفتحات، والشرط
25
العميق، ثم الأدوية التى فيها تحليل وتجفيف، كما نستقصى فيه فى الكتب الجزئية.
26
وكثيرًا ما يكون الورم غائرًا فيحتاج الى جذبه نحوالجلد ولو بالمحاجم بالنار.
27
وأما الأورام الصلبة المجاوزة حد الإبتداء فالقانون فيها أن تلين تارة بما يقل إسخانه
28
وتجفيفه، لئلا يتحجر كثيفه لشدة التحليل، بل يستعد جميعه للتحليل؛ ثم يشد عليه التحليل.
29
ثم إن خيف عن تحليل ما يحلل تحجر ما يبقى أقبل على تليينه ثانيًا، ولا يزال يفعل ذلك،
1-327
1
حتى يفنى كله فى مدتى التحليل والتليين. والأورام النفخية فيعالج بما يسخن مع لطافة
2
جوهر لتحلل الريح، وتوسع المسام؛ إذ السبب فى الأورام النفخية غلظ الريح، و
3
إنسداد المسام. ويجب ايضًا أن يعتنى بحسم مادة ما يحدث البخار الريحى. ومن
4
الأورام اورام قروحية كالنملة، فيجب ان تبرد كالفلغمونى؛ ولكن لا ينبغى أن يرطب وإن كان
5
الورم يقتضى الترطيب؛ بل ينبغى أن تجفف؛ لأن العرض ههنا قد غلب على السبب؛
6
والعرض هو التقرح المتوقع أوالواقع. والتقرح علاجه التجفيف، وأضر الأشياء به الترطيب.
7
وأما الاورام الباطتنة فيجب ان تنقص المادة عنها بالفصد والاسهال. ويجتنب
8
صاحبها الحمام والشراب، والحركات البدنية والنفسانية المفرطة كالغضب ونحوه. ثم
9
يستعمل فى بدء الأمر ما يردع من غير حمل ثقيل، وخصوصًا ان كانت فى مثل المعدة
10
والكبد. وإذا حان وقت تحليلها فلا يجب أن تخلى عن أدوية قابضة طيبة الريح، كما
11
أومانا إليه فيما سلف. والكبد والمعدة أحوج إلى ذلك من الرئة. ويجب أن تكون
12
الملينات للطبيعة التى تستعمل فيها أدوية فيها إنضاج، وموافقة للاورام، مثل عنب الثعلب،
13
والخيارشنبر. ولعنب الثعلب خاصية فى تحليل الأورام الحارة الباطنة. ويجب أن
14
لا يغذى أربابها إلا لطيفًا، وفى غير وقت نوبة إن كانت فى إبتداءها؛ إلا لضعف شديد.
15
ومن بلى باجتماع ورم الأحشاء مع سقوط القوة فهو فى طريق الموت. [وذلك]
16
لأن القوة لا تنتعش إلا بالغذاء، والغذاء أضر شىء. فان تحللت فما أحسن ما يكون. وإن
17
انفجرت فيجب أن يشرب ما يغسلها، مثل ماء العسل وماء السكر. ثم يتناول ما ينضج
18
برفق مع تجفيف. ثم آخرالأمر بقتصر على المجففات. وستعلم هذا من الكتاب المشتمل
19
على الأمراض الجزئية علمًا مشروحًا. وقد يغلط فى الأورام الباطنة والتى تحت البطن
20
انها ربما لم تكن أورامًا، بل كانت فتقًا، فيكون بطها فيه خطأ. وربما كانت ورمًا
21
باطنًا، وليس فى الصفاق، بل فى المعاء نفسه، وكان فى بطه خطر.
22
|78vb58|الفصل السادس والعشرون فى البط
23
من أراد أن يبط بطًا فيجب أن يذهب بشقه مع الاسرة والغضون التى فى ذلك
24
العضو. إلا أن يكون العضو مثل الجبهة؛ فان البط إذا وقع على مذهب اسرته وغضونه
25
انقطعت عضلة الجبهة وسقطت الحاجب. وفى الأعضاء التى تخالف مذهب اسرته
26
مذهب ليف عضله. ويجب أن يكون البطاط عارفًا بالتشريح تشريح العصب، والأوردة،
27
والشرائين، لئلا يخطئ فيقطع شيئًا منها. ويجب أن يكون عنده عدد من الأدوية الحابسة
28
للدم، ومن المراهم المسكنة للوجع، والآلات التى تجانس ذلك، فيكون معه مثل دواء
29
جالينوس، ومثل وبرالأرنب، ونسج العنكبوت، وبياض البيض، والمكاوى. كلها
1-328
1
ينفع نزف الدم إن جلبه خطأ منه أوضرورة.ٍ ويكون معه الأدوية المرخية. وإذا
2
بط خراجًا فأخرج ما فيه لم يجب أن يقرب منه دهنًا، ولا ماء، ولا مرهمًا فيه شحم وزيت
3
غالب كالباسليقون، بل مثل مرهم القلقطار، وليستعمله إذا احتاج إليه، ويضع فوقه
4
إسفنجة مغموسة فى شراب قابض.
5
|79ra25|الفصل السابع والعشرون فى علاج فساد العضو وقطعه
6
إن العضو إذا فسد لمزاج ردئ، مع مادة اوغير مادة، ولم يغن فيه الشرط والطلاء بما
7
يصلح، مما هو مذكور فى الكتب الجزئية، فلا بد من أخذ اللحم الفاسد الذى عليه.
8
والأولى أن يكون بغير الحديد إن أمكن فان الحديد ربما أصاب شظايا العضل، والعروق
9
النوابض اصابة مجحفة. فان لم يغن ذلك، وكان الفساد قد تعدى إلى اللحم، فلا بد
10
من قطعه، وكى قطعه بالدهن المغلى؛ فانه يؤمن بذلك جاره غائلته، وينقطع النزف،
11
وينبت على قطعه لحم وجلد غريب غير مناسب أشبه شئى باللحم لصلابته. وإذا أريد أن
12
يقطع فيجب أن يدخل المجس فيه ويدور حول العظم. فحيث يجد إلتصاقًا صحيحًا،
13
فهنالك يشتد الوجع بادخال المجس فهو حد السلامة. وحيث يجد رهلا، وضعف
14
إلتصاق فهو فى جملة ما يجب أن يقطع. فتارة يثقب ما يحيط بالعظم الذى يريد قطعه،
15
حتى تحيط به المثاقب، فتنكسر [به] وينقطع. وتارة ينشر. وإذا أريد أن يفعل فيه
16
ذلك حيل بين المقطع والمثقب وبين اللحم لئلا يوجع. فان كان العظم الذى يحتاج
17
إلى قطعه شظيئة ناتئته ليس يتهندم، ولا يرجى صلاحها، ويخاف أن يفسد فيفسد ما يليها،
18
تحينا اللحم عنها اما بالشق ثم بالرباط والمد إلى خلاف الجهة. واما بحيل أخرى تهدى
19
إليها المشاهدة. وخلنا بينه وبين عضو شريف إن كان هناك، يحجب من الخرق،
20
تبعده بها عنه ثم قطعنا. وإن كان العظم مثل عظم الفخذ، وكان كبيرًا، قريبًا من الأعصاب،
21
والشرأئين والأوردة، وكان فساده كثيرًا، فعلى الطبيب الهرب.
22
|79rb10|الفصل الثامن والعشرون فى معالجات تفرق الاتصال وأصناف القروح
23
تفرق الإتصال فى الأعضاء العظيمة يعالج بالتسوية والرباط الملائم، المقول
24
فى صناعة الجبر، وسيأتيك فى موضعه، ثم بالسكون، وإستعمال الغذاء المغرى؛ الذى
25
يرجى أن يتولد منه غذاء غضروفى، ليشد شفتى الكسر، ويلائمها كالكفشير؛ فانه من
26
المستحيل أن ينجبر العظم، وخصوصًا فى الأبدان البالغة، إلاعلى هده الصفة؛ فانه لا يعود
27
الى الاتصال البتة. وسنتكلم فى الجبر كلامًا مستقصى فى الكتب الجزئية.
1-329
1
وأما تفرق الإتصال الواقع فى الأعضاء اللينة فالغرض فى علاجها مراعاة أصول
2
ثلاثة إن كان السبب ثابتًا: فأول ما يجب هو قطع ما يسيل وقطع مادته إن كانت لمجاوره
3
مادة،. والثانى الحام الشق بالادوية والأغدية الموافقة. والثالث منع العفونة ما أمكن.
4
وإذا كفيت من الثلاثة واحدًا صرفت العناية، إلى الباقين. أما قطع ما يسيل فقد عرفت
5
الوجه فيه. وأما الإلحام فتجمع الشفاة إن اجتمعت، والتجفيف، وتناول المغريات.
6
وينبغى أن تعلم أن الغرض فى مداوة القر وح هو التجفيف. فما كان منها نقيًا جفف
7
فقط، وما كان منها عفنًا استعملت فيه الأدوية الحادة الأكالة مثل القلقطار، والزاج،
8
والزرنيخ؛ والنورة، فان لم ينجع فلا بد من النار. والدواء المركب من الزنجار، والشمع،
9
والدهن ينقى بزنجاره؛ ويمنع إفراط اللذع بدهنه وشمعه، فهو دواء معتدل فى هذا الشأن.
10
ونقول: إن كل قرحة لا يخلو اما أن يكون مفردة، واما أن يكون مركبة.
11
فالمفردة إن كانت صغيرة، ولم يتأكل من وسطها شىء، فيجب أن تجمع شفتاها ويعصب،
12
بعد توقى وقوع شىء فيما بينهما من دهن، أو غبار، أو غير ذلك، فانها تلتحم. وكذلك
13
الكبيرة التى لم يذهب من جوهرها شىء، ويمكن إطباق جزء منها على الآخر. فأما
14
الكبيرة التى لا يمكن ضمها، شقًا كان أو فضاءً، مملوءًا صديدًا، أو قد ذهب منها شىء
15
من جوهر العضو، فعلاجه التجفيف. فان كان الذاهب جلدًا فقط احتيج إلى ما يختم:
16
وهى إما بالذات فالقوابض، وإما بالعرض فالحادة اذا استعمل منها قليل معلوم،
17
مثل الزاج والقلقطار. فانها أعون على التجفيف، وإحداث الخشكريشة، فان أكثر
18
اكل وزاد فى القروح. واما إن كان الذاهب لحمًا، كالقروح الغائر، فلا يجب أن يبادر
19
إلى الختم، بل يجب أن يعتنى اولًا بانبات اللحم. وانما ينبت اللحم ما لا يتعدى تجفيفه
20
الدرجة الأولى كثيرًا.
21
بل ههنا شرائط ينبغى أن يراعى: من ذلك إعتبار حال مزاج العضو الأصلى،
22
ومزاج القرحة. فان كان العضو فى مزاجه شديد الرطوبة، والقرحة ليست شديدة الرطوبة،
23
كفى تجفيف يسير فى الدرجة الأولى، لان المرض لم يبعد عن طبيعة العضو كثيرًا. وأما
24
إذا كان العضو يابسًا، والقرحة شديدة الرطوبة، احتيج إلى ما يجفف فى الدرجة الثانية
25
والثالثة، ليرده إلى مزاجه. ويجب أن يعدل الحال فى المعتدلين.
26
ومن ذلك إعتبار مزاج البدن كله؛ لان البدن إذا كان شديد اليبوسة، وكان
27
العضو الزائد فى رطوبته معتدلًا فى الرطوبة بحسب البدن المعتدل، فيجب أن يجفف
28
بالمعتدل. وكذلك إن كان البدن زائد الرطوبة، والعضو إلى اليبوسة وإن خرجا جميعًا إلى
29
الزيادة فحينئذ إن كان الخروج إلى الرطوبة جفف تجفيفًا اكثر، او إلى اليبوسة جفف تجفيفًا أقل:
1-330
1
ومن ذلك إعتبار قوة المجففات؛ فان المجففات المنبتة وإن لم يطلب منها
2
تجفيف شديد مثله يمنع المادة المنصبة "الى العضو التى منها يتهيأ" إنبات اللحم،
3
كما يطلب فى مجففات لا يستعمل لإنبات اللحم، بل للختم؛ فانه يطلب منها أن يكون
4
اكثر جلاءً وغسلًا للصديد من المجففات الخاتمة التى لا يراد منها إلا الختم والإلحام،
5
والإدمال. وجميع الادوية التى تجفف بلا لذع فهى داخلة فى باب إنبات اللحم. وكل
6
قرحة فى موضع غير لحمى فهى مجيبة بسرعة إلى الإندمال؛ وكذلك المستديرة. وأما
7
القروح الباطنة فيجب أن يخلط بالأدوية المجففة، والقوابض المستعملة فيها أدوية
8
منفذة كالعسل، وأدوية خاصة بالموضع كالمدرات فى أدوية علاج قروح آلات البول.
9
وإذا أردنا فيها الإدمال جعلنا الأدوية مع قبضها لزجة كالطين المختوم.
10
واعلم أن لبرء القرحة موانع: رداءة مزاج العضو فيجب أن يعتنى باصلاحه؛
11
ورداءة مزاج الدم المتوجه إليه فيجب أن تتدارك بما يولد الكيموس المحمود؛ و
12
كثرة الدم الذى يسيل إليه فيرطبه؛ فيجب أن يتداركه بالإستفراغ، وتلطيف الغذاء،
13
وإستعمال الرياضة إن أمكن؛ وفساد العظم الذى تحته، وارساله للصديد؛ وهذا لا دواء له
14
إلا اصلاح ذلك العظم، وحكه إن الحك يأتى على فساده، أو أخذه وقطعه. وكثيرًا ما
15
يحتاج أن يكون مع معالج القرحة مراهم جذابة لهشيم العظام وسلاءه لتخرجها، وإلا منعت
16
صلاح القرحة.
17
والقروح تحتاج إلى الغذاء للتقوية، وإلى تقليل الغذاء لقطع مادة المدة. وبين
18
المقتضيين خلاف؛ فان القوة تضعف فيحتاج الى تقوية، ويكثر المادة فيحتاج إلى منع
19
الغداء، قيجب أن يكون الطيبب متدبرًا متدربًا فى ذلك. وإذا كانت القرحة فى
20
الإبتداء والتزيد فلا ينبغى أن يدخل الحمام، أو يصاب بماء حار، فيجذب إليها ما يزيد
21
فى الورم. فاذا سكنت القرحة وقاحت فلعله يرخص فيها. وكل قرحة تتنكث بسرعة
22
كلما اندملت فهى فى طريق التنضر. ويجب أن يتأمل دائمًا لون المدة ولون شفة
23
الجرح. وإذا كثرت المدة من غير إستكثار من الغذاء فذلك للنضج.
24
ولنتكلم الآن فى علاج الفسخ فنقول: انه لما كان الفسخ تفرق إتصال غائر
25
وراء الجلد فمن البين ان أدويته يجب أن تكون أقوى من أدويته المكشوفة. ولما كان
26
الدم يكثر إنصبابه إليه احتيج ضرورة إلى ما يحلل، ويجب أن يكون ما يحلله ليس
27
بكثير التجفيف، لئلا يحلل اللطيف، ويحجر الكثيف. فاذا قضى الوطر من المحلل
28
فيجب أن يستعمل الملحم المجفف، لئلا يرتبك فيما بين الإتصال وسخ يتحجر، ثم
29
يعفن بأدنى سبب؛ أو ينقلع فيعود تفرق الإتصال. وإذا كان الفسخ أغور شرط الموضع
1-331
1
ليكون الدواء أغوص. وأما الفسخ والرض الخفيف فربما كفى فى علاجه الفصد. فان
2
كان الفسخ مع الشدخ عوالج الشدخ أولًا بالأدوية الشدخية، حتى يمكن علاج الفسخ.
3
والشدخ إن كان كثيرًا عولج بالمجففات. وإن كان قليلًا كنخس الإبرة أسند أمره إلى
4
الطبيعة نفسها. إلا أن يكون سميًا متلفًا، أو يكون شديد الإيجاع، أو يكون نال عصبًا،
5
فيخاف منه تولد الأورام والضربان.
6
وأما الوثى فيكفى فيه شد رفيق غير موجع، وأن توضع عليه ألأدوية الوثيية . واما السقطة والضربة
7
فيحتاج فى مثلهما الى فصد من الخلف، وتلطيف الغذاء، وهجر الحم ونحوه، وإستعمال
8
الأطلية والمشروبات، المكتوبة لذلك فى الكتب الجزئية. وأما تفرق الإتصال فى الأعضاء
9
العصبية وفى العظام فنؤخر القول فيها إلى أن نتكلم فى الأمور الجزئية.
10
|80ra11|الفصل التاسع والعشرون فى الكى
11
الكى علاج نافع لمنع إنتشار الفساد. ولتقوية العضو الذى برد مزاجه. ولتحليل
12
المواد الفاسدة المتشبثة بالعضو. ولحبس النزف. وأفضل مايكوى به الذهب، ولا يخلو موضع
13
الكى إما أن يكون ظاهرًا فيوقع عليه الكى بالمشاهدة؛ أو يكون غائرًا فى داخل عضو،
14
كالأنف، او الفم، أو المقعدة، ومثل هذا يحتاج الى قالب يطلى عليه بمثل الطلق والمغرة مبلولة
15
بالخل، ثم يلف عليه خرق وتبرد جدًا بماء ورد أو ببعض العصارات، فيدخل القالب فى
16
ذلك المنفذ، حتى يلتقم موضع الكى. ثم يدس فيه المكوى ليصل الى موقعه، ولا يوذى
17
ما حوله؛ وخصوصًا اذا كان المكوى دقيقًا أدق من فضاء القالب، فلا يلقى حيطان القالب.
18
وليتوقى الكاوى أن يتأدى قوة كيه إلى الأعصاب، والأوتار، والرباطات.
19
وإن كان كيه لنزف الدم فيجب ان يجعله قويًا، ليكون لخشكريشة عمق وثخن،
20
فلا يسقط بسرعة، فان سقوط خشكريشة [من] كى النزف يجلب آفة أعظم مما كان. وإذا
21
كويت لاسقاط لحم فاسد، وأردت أن تعرف حدا الصحيح فهو حيث يوجع، وربما احتجت
22
أن تكوى مع اللحم العظم الذى تحته. وتمكنه عليه حتى يبطل جميع فساده. وإذا كان مثل
23
القحف تلطفت حتى لا يغلى الدماغ، ولا تتشنج الحجب، وفى غيره لا تبال بالاستقصاء.
24
|80ra49|الفصل الثلاثون فى تسكين الاوجاع
25
قد علمت أسباب الأوجاع، وانها تنحصر فى قسمين: تغييرالمزاج دفعة، وتفرق
26
الاتصال. ثم علمت أن آخر تفصيلها ينتهى إلى سوء مزاج حار، أو بارد، أو يابس بلا مادة،
27
أو مع مادة كيموسبة أو ريحية؛ أو ورمية. فتسكين الوجع يكون بمضادة الأسباب. وقدعلمت
28
مضادة كل واحد منها كيف يكون وعلمت أن سوء المزاج، والورم، والريح كيف يعالج.
1-332
1
وكل وجع يشتد فانه يقتل. ويعرض منه أولًا برد البدن وارتعاده، ثم يصغرالنبض ثم يبطل [وذلك
2
لانه يجلب من البرد على البدن ما يستغنى به عن تنعيش الحار الغريزى.] ثم يموت.
3
وجملة ما يسكن الوجع إما مبدل لمزاج، وإما محلل المادة، وإما مخدر. [والتخدير
4
يزيل الوجع لانه يذهب بحس ذلك العضو. وانما يذهب بحسه لأحد سببين: إما بفرط
5
التبريد؛ وإما بسمية فيه مضادة لقوة ذلك العضو] والمرخيات من جملة ما يحلل برفق مثل
6
الشبث، وبزر الكتان، وإكليل الملك، والبابونج، وبزر الكرفس، واللوز المر، وكل حار فى الأولى
7
وخصوصًا إذا كان هناك تغرية ما، مثل صمغ الإجاص، والنشا، والإسفيذاجات، والزعفران،
8
والاذن، والخطمى، والحماما، والكرنب، والشلجم، وطبيخهما، والشحوم، والزوفا الرطب،
9
وادهان مما ذكر. والمسهلات والمستفرغات، كيف كانت من هذا القبيل.
10
ويجب أن تستعمل المرخيات بعد الإستفراغ إن إحتيج إلى الإستفراغ؛ حتى تنقطع
11
المادة المنصبة إلى ذلك العضو. وإيضًا جميع ما ينضج الأورام، أو يفجرها. والمخدرات
12
أقواها الأفيون. ومن جملتها اللفاح، وبزره، وقشور أصله، والخشخاشان، والبنج، والشوكران،
13
وعنب الثعلب المخدر، وبزر الخس. ومن هذه الجملة الثلج والماء البارد. وكثيرًا ما
14
يقع الغلط فى الأوجاع فتكون أسبابها أمورًا من خارج مثل حر أو برد، أوسؤوساد،
15
او فساد مضط جع، أو صرعه فى السكر وغيره، فيطلب لها سبب من البدن فيغلط.
16
فلهذا يجب أن يتعرف ذلك، ويتعرف هل هناك إمتلاء أم ليس، ويتعرف هل كانت
17
هناك أسباب للامتلاء المعلومة. وربما كان السبب إيضًا قد ورد من خارج، فتمكن
18
داخلًا، مثل من يشرب ماءً باردًا، فيحدث به وجع شديد فى نواحى معدته وكبده؛
19
وكثيرًا ما لا يحتاج إلى أمرعظيم من الإستفراغ ونحوه، فانه كثيرًا ما يكفيه الإستحمام
20
والنوم البالغ فيه. ومثل من يتناول شئيًا حارًا، فيصدعه صداعًا عظيمًا، فيكفيه شرب
21
ما مبرد.
22
وربما كان الشىء الذى من قبله يرجى زوال الوجع، اما بطىء التاثير ولا يحتمل
23
الوجع إلى ذلك الوقت، مثل إستفراغ المادة الفاعلة لوجع القولنج، المحتبسة فى
24
ليف الامعاء. واما سريع التائير لكنة عظيم الغائلة مثل تخدير العضو الوجع فى القولنج
25
بالادوية التى من شانها أن يفعل ذلك، فيتحير المعالج فى ذلك. فيجب ان يكون عنده
26
حدس قوى ليعلم أى المدتين أطول: مدة ثبات القوة، أو مدة الوجع. وإيضًا أى
27
الحالين أضر فيه: الوجع، أوالغائلة المتوقعة فى التخدير؛ فيوثر تقديم ما هو أصوب.
28
فربما كان الوجع إن بقى قتل بشدته وبعظمه. والتخدير بما لم يقتل وإن أضر من وجه آخر.
29
وربما أمكنك أن تتلافى مضرته وتعاود وتعالج بالعلاج الصواب. ومع ذلك
30
فيجب ان تنظر فى تركيب المخدر وكيفيته لتسعمل أسهله، وتستعمل مركبة مع ترياقاته.
1-333
1
إلا أن يكون الامر عظيمًا جدًا، فتحتاج إلى تخدير قوى. وربما كان بعض الأعضاء
2
غير مبالى باستعمال المخدر عليه، فانه لا يؤدى إلى غائلة عظيمة، مثل الأسنان إذا
3
وضع عليها مخدر. وربما كان الشرب إيضًا سليمًا فى مثله؛ مثل شرب المخدر لأجل
4
وجع العين، فان ذلك أقل ضررًا بالعين من أن يكتحل به. وربما سهل تلافى ضرر
5
شربها بالاعضاء الأخرى. وأما فى مثل القولنج فتعظم الغائلة، لان المادة تزداد بردًا
6
وجمودًا واستغلاقًا.
7
والمخدرات قد تسكن الوجع بما تنوم؛ فان النوم أحد أسباب سكون الوجع،
8
وخصوصًا إذا استعمل الجوع معه فى وجع مادى. والمخدرات المركبة التى تكسر
9
قواها أدوية، هى كالترياق لها أسلم مثل الفلونيا، ومثل الأقراص المعروفة بالمثلثة،
10
لكنها أضعف تخديرًا. والطرى منها أقوى تخديرًا، والعتيق يكاد لايخدر، والمتوسط
11
متوسط.
12
ومن الأوجاع ماهو شديد الشدة، سهل العلاج أحيانًا مثل الأوجاع الريحية،
13
وربما سكهنا وكفاها صبت الماء الحار عليها. ولكن فى ذلك خطر واحد، وذلك
14
لانه ربما كان السبب ورمًا فيظن أنه ريح. فان استعمل عليه، وخصوصًا فى إبتداءه
15
تنطيل بماء حار، عظم الضرر. وهذا مع ذلك ربما اضر بالريحى. وذلك إذا ضعف
16
عن تحليل الريح، وزاد فى إنبساط حجمه
17
والتكميد إيضًا من معالجات الرياح. وأفضله ما جف مثل الجاورس، إلا فى عضو
18
لا يحتمله مثل العين فيكمد بالخرق. ومن الكماد ما يكون بالدهن المسخن. ومن
19
التكميدات القوية أن يطبخ دقيق الكرسنة بالخل، ثم يجفف ويتخذ منه كماد. ودونه
20
أن تطبخ النخالة كذلك. والملح لذاع البخار. والجاورس أصلح منه وأضعف. وقد
21
يكمد بالماء فى مثانة. وهو سليم لين، لكن قد يفعل الفعل المذكور إذا لم يراع.
22
والمحاجم بالنار من قبيل هذا، وهو قوى على إسكان الوجع الريحى. وإذا كرر أبطل
23
الوجع أصلًا. لكنه قد يعرض منه ما يعرض مما ذكر. ومن مسكنات الوجع المس
24
الرفيق الطويل الزمان لما فيه من الإرخاء. وكذلك الشحوم اللطيفة المعروفة، والأدهان
25
التى ذكرنا، والغناء الطيب، خصوصًا إذا نوم به، والتشاغل بما يفرح مسكن قوى للوجع.
26
|80vb13|الفصل الحادى والثلاثون فى أنا بأىّ المعالجات نبتدئ
27
إذا اجتمعت أمراض فان الواجب أن نبدأ بما يخصه احدى الخواص الثلاث:
28
احداها بالذى لا يبرئ الثانى دون برهء؛ مثل الورم والقرحة إذا اجتمعتا فانا نعالج الورم
29
أولًا، حتى يزول سؤ المزاج الذى يصحبه، ولا يمكن أن تبرأ معه القرحة، ثم نعالج
1-334
1
القرحة. والثانية منها أن يكون أحدهما هو السبب فى الثانى، مثل أنه إذا عرضت سدة
2
وحمى عالجنا السدة أولًا ثم الحمى. ولم نبال من الحمى إن احتجنا أن نفتح السدة
3
بما فيه شىء من التسخين. ونعالج السل بالمجففات، ولانبال بالحمى؛ لان الحمى يستحيل
4
أن تزول وسببها باق، وعلاج سببها التجفيف، وهو يضر الحمى. والثالثة أن يكون
5
أحدهما أشد إهتمامًا؛ كما إذا اجتمع سوناخس والفالج فانا نعالج سوناخس بالتطفية
6
والفصد، ولانلتفت إلى الفالج.
7
وأما إذا اجتمع المرض والعرض فانانبدأ بعلاج المرض. الاأن يغلبه العرض، فحينئذ
8
نقصد قصد العرض، ولانلتفت إلى المرض، كما نسقى المخدرات فى القولنج الشديد الوجع إذا صعب
9
وإن كان يضر نفس القولنج. وكذلك ربما أخرنا الواجب من الفصد لضعف المعدة،
10
أو لاسهال متقدم، أو غثيان فى الحال. وربما لم نؤخر، ولكن فصدنا ولم نستوف
11
قطع السبب كله، [كما ان فى علة التشنج لانتحرى لنفض الخلط كله] بل نترك منه
12
شيئًا تحلله الحركة التشنجية؛ لئلا تحلل من الرطوبة الغريزية. فليكن هذا القدر من
13
كلامنا المختصر فى الأصول الكلية لصناعة الطب كافيًا، ولناخذ فى تصنيف كتابنا فى
14
الأدوية المفردة إنشاء الله تعالى.
15
تم الكتاب الأول من القانون وهو الكلام فى الأحكام
16
الكلية تصنيف الشيخ الرئيس ابى على الحسين بن
17
عبد الله بن سينا. ولله لحمد والمنة كثيرًا.