57
1
|I 1a|[ms Fatih 3212]
كتاب المناظر
2
المقالة الأولى
3
في
4
كيفية الإِبصار بالجملة
|I 1b|[ms Fatih 3212]
58
59
1
بسم الله الرحمن الرحيم
2
المقالة الأولى
3
من كتاب الشيخ أبي عليّ الحسن بن الحسن بن الهيثم
4
في المناظر
5
فصول المقالة
6
وهي ثمانية
7
الفصل الأول: صدر الكتاب.
8
الفصل الثاني: في البحث عن خواص البصر.
9
الفصل الثالث: في البحث عن خواص الأضواء وعن كيفية
10
إشراق الأضواء.
11
الفصل الرابع: فيما يعرض بين البصر والضوء.
12
الفصل الخامس: في هيئة البصر.
13
الفصل السادس: في كيفية الإِبصار.
14
الفصل السابع: في منافع آلات البصر
15
الفصل الثامن: في علل المعاني التي لا يتم الإبصار إلا بها.
16
الفصل الأول
17
وهو صدر الكتاب
18
[1] إن المتقدمين من أهل النظر قد أمعنوا البحث عن كيفية إحساس
19
البصر، وأعملوا فيه أفكارهم، وبذلوا فيه اجتهادهم، وانتهوا منه إلى الحد
20
الذي وصل النظر إليه، ووقفوا منه على ما وقفهم البحث والتمييز عليه.
21
ومع هذه الحال فآراؤهم في حقيقة الإبصار مختلفة، ومذاهبهم في هيئة |I 2a|[ms Fatih 3212]
22
الإِحساس غير متفقة، فالحيرة متوجهة، واليقين متعذر، والمطلوب غير موثوق
23
بالوصول إليه. وما أوسعَ العذرَ مع جميع ذلك في التباس الحق وأوضحَ الحجةَ في
24
تعذر اليقين، فالحقائق غامضة، والغايات خفية، والشبهات كثيرة، والأفهام
60
1
كدرة، والمقاييس مختلفة، والمقدَّمات ملتقطة من الحواس، والحواس ــ التي
2
هي العُدد ــ غير مأمونة الغلط. فطريق النظر معفَّى الأثر، والباحث المجتهد
3
غير معصوم من الزلل، فلذلك تكثر الحيرة عند المباحث اللطيفة، وتتشتت
4
الآراء، وتفترق الظنون، وتختلف النتائج، ويتعذر اليقين.
5
[2] والبحث عن هذا المعنى مع غموضه وصعوبة الطريق إلى معرفة
6
حقيقته مركب من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية. أما تعلقه بالعلم الطبيعي
7
فلأن الإبصار أحد الحواس، والحواس من الأمور الطبيعية. وأما تعلقه
8
بالعلوم التعليمية فلأن البصر يدرك الشكل والوضع والعظم والحركة
9
والسكون، وله |I 2b|[ms Fatih 3212] مع ذلك تخصص بالسموت المستقيمة، والبحث عن هذه
10
المعاني إنما يكون بالعلوم التعليمية. فبحق صار البحث عن هذا المعنى مركبًا من
11
العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية.
12
[3] وقد بحث المتحققون بعلم الطبيعة عن حقيقة هذا المعنى بحسب
13
صناعتهم واجتهدوا فيه بقدر طاقتهم، فاستقرت آراء المحصلين منهم على أن
14
الإبصار إنما يكون من صورة ترد من المبصر إلى البصر منها يدرك البصر صورة
15
المبصر. فأما أصحاب التعاليم فإنهم عنوا بهذا العلم أكثر من عناية غيرهم،
16
واستقصوا البحث عنه، فاهتموا بتفصيله وتقسيم أنواعه، وميزوا المعاني
17
المبصرة، وعللوا جزئياتها، وذكروا الأسباب في كل واحد منها، مع اختلاف
18
يتردد بينهم على طول الزمان في أصول هذا المعنى، وتفرق آراء طوائف من أهل
19
هذه الصناعة. إلا أنهم على اختلاف طبقاتهم وتباعد أزمانهم وتفرق آرائهم
20
متفقون بالجملة على أن الإبصار إنما يكون بشعاع يخرج من البصر إلى المبصر وبه
21
يدرك البصر صورة المبصر، وأن هذا الشعاع |I 3a|[ms Fatih 3212] يمتد على سموت خطوط مستقيمة
22
أطرافها مجتمعة عند مركز البصر، وأن كل شعاع يدرَك به مبصر من المبصرات
23
فشكل جملته شكل مخروط رأسه مركز البصر وقاعدته سطح المبصر. وهذان
24
المعنيان ــ أعني رأي أصحاب الطبيعة ورأي أصحاب التعاليم ــ متضادان
25
متباعدان إذا أخذا على ظاهرهما.
61
1
[4] ثم مع ذلك فأصحاب التعاليم مختلفون في هيئة هذا الشعاع وهيئة
2
حدوثه. فبعضهم يرى أن مخروط الشعاع جسم مصمت متصل ملتئم.
3
وبعضهم يرى أن الشعاع خطوط مستقيمة هي أجسام دقاق أطرافها مجتمعة عند
4
مركز البصر، وتمتد متفرقة حتى تنتهي إلى المبصر، وأن ما وافق أطراف هذه
5
الخطوط من سطح المبصر أدركه البصر وما حصل بين أطراف خطوط الشعاع من
6
أجزاء المبصر لم يدركه البصر، ولذلك تخفى عن البصر الأجزاء التي في غاية
7
الصغر والمسام التي في غاية الدقة التي تكون في سطوح المبصرات. ثم إن طائفة
8
من يعتقد أن مخروط الشعاع مصمت ملتئم ترى |I 3b|[ms Fatih 3212] أن الشعاع يخرج من البصر
9
على خط واحد مستقيم إلى أن ينتهي إلى المبصر، ثم يتحرك على سطح المبصر
10
حركة في غاية السرعة في الطول والعرض لا يدركها الحس لسرعتها، فيحدث
11
بتلك الحركة المخروط المصمت. وطائفة ترى أن الأمر بخلاف ذلك وأن البصر
12
إذا فتح أجفانه قبالة المبصر حدثٌ المخروط في الحال دفعة واحدة بغير زمان
13
محسوس. ورأى طائفة من جميع هؤلاء أن الشعاع الذي به يكون الإبصار هو قوة
14
نورية تنبعث من البصر وتنتهي إلى المبصر، وبتلك القوة يكون الإِحساس.
15
ورأى طائفة أن الهواء إذا اتصل بالبصر قََبِل منه كيفية فقط، فيصير الهواء في
16
الحال بتلك الكيفية شعاعًا يدرك به البصر المبصرات.
17
[5] ولكل طائفة من هذه الطوائف مقاييس واستدلالات وطرق أدتهم
18
إلى اعتقادهم وشهادات، إلا أن الغاية التي عليها استقر رأي جميع من بحث عن
19
كيفية إحساس البصر |I 4a|[ms Fatih 3212] تنقسم بالجملة إلى المذهبين المتضادين اللذين قدمنا
20
ذكرهما وكل مذهبين مختلفين إما أن يكون أحدهما صادقًا والآخر كاذبًا، وإما أن
21
يكونا جميعًا كاذبين والحق غيرهما جميعًا، وإما أن يكونا جميعًا يؤديان إلى معنًى
22
واحدٍ هو الحقيقة، ويكون كل واحد من الفريقين القائلين بذينك المذهبين قد
23
قصّر في البحث فلم يقدر على الوصول إلى الغاية فوقف دون الغاية، ووصل
24
أحدهما إلى الغاية وقصّر الآخر عنها، فعرض الخلاف في ظاهر المذهبين،
25
وتكون غايتهما عند استقصاء البحث واحدة. وقد يعرض الخلاف أيضًا في المعنى
62
1
المبحوث عنه من جهة اختلاف طرق المباحث، وإذا حُقّق البحثُ وأُنعِم النظر
2
ظهر الاتفاق واستقر الخلاف.
3
[6] ولما كان ذلك كذلك، وكانت حقيقة هذا المعنى مع اطراد الخلاف
4
بين أهل النظر المتحققين بالبحث عنه على طول الدهر ملتبسة، وكيفية الإبصار
5
غير متيقنة، رأينا أن نصرف الاهتمام إلى هذا المعنى بغاية الإِِمكان، ونخلص
6
العناية به، ونتأمله، ونوقع الجد في البحث عن حقيقته، ونستأنف النظر في
7
مبادئه ومقدَّماته، ونبتديء في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال
8
المبصرات، ونميز خواص الجزئيات، ونلتقط بالاستقراء ما يخص البصر في حال
9
الإبصار، وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس، ثم نترقى
10
في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب، مع انتقاد المقدَّمات والتحفظ في
11
النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع
12
الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء، فلعلنا
13
ننتهي بهذا الطريق إلى الحق الذي به يثلج الصدر، ونصل بالتدرج والتلطف إلى
14
الغاية التي عندها يقع اليقين، ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول
15
معها الخلاف وتنحسم بها مواد الشبهات. وما نحن مع جميع ذلك، برآء مما
16
هو في طبيعة الإنسان من كدر البشرية، ولكنا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة
17
الإنسانية، ومن الله نستمد المعونة في جميع الأمور.
18
[7] ونحن نقسم هذا الكتاب سبع مقالات: ونبين في المقالة الأولى
19
كيفية الإبصار بالجملة، ونبين في المقالة الثانية تفصيل المعاني التي يدركها البصر
20
وعللها وكيفية إدراكها، |I 4b|[ms Fatih 3212] ونبين في المقالة الثالثة أغلاط البصر فيما يدركه على
21
استقامة وعللها، ونبين في المقالة الرابعة كيفية إدراك البصر بالانعكاس عن
22
الأجسام الصقيلة، ونبين في المقالة الخامسة مواضع الخيالات وهي الصور التي
23
ترى في الأجسام الصقيلة، ونبين في المقالة السادسة أغلاط البصر فيما يدركه
24
بالانعكاس وعللها، ونبين في المقالة السابعة كيفية إدراك البصر بالانعطاف من
25
وراء الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء، ونختم الكتاب عند آخر
63
1
هذه المقالة.
2
[8] وقد كنا ألّفنا مقالة في علم المناظر سلكنا في كثيرمن مقاييسها طرقًا
3
إقناعية، فلما توجهت لنا البراهين المحققة على جميع المعاني المبصرة استأنفنا
4
تأليف هذا الكتاب. فمن وقع إليه المقالة التي ذكرناها فليعلم أنها مستغنى عنها
5
بحصول المعاني التي فيها في مضمون هذا الكتاب.
6
الفصل الثاني
7
في البحث عن خواص البصر
8
[1] نجد البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان بينه وبينه بعد
9
ما. فإن المبصر إذا كان ملتصقًا بسطح البصر فليس يدركه البصر وإن كان من
10
المبصرات التي يصح |I 5a|[ms Fatih 3212]أن يدركها البصر.
11
[2] ونجد البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات التي تكون معه في هواء
12
واحد، ويكون إدراكه لها لا بالانعكاس، إلا إذا كان مقابلًا للبصر، وكان بين
13
كل نقطة من سطحه الذي يدركه البصر وبين سطح البصر خط مستقيم متوهم أو
14
خطوط مستقيمة متوهمة، ولم يتوسط بين سطح البصر وبين المبصر جسم كثيف
15
يقطع جميع الخطوط المستقيمة التي تتوهم بين سطح البصر وبين سطح المبصر
16
الذي يدركه البصر.
17
[3] ونجد كل مبصر يدركه البصر، ويكون معه في هواء واحد،
18
ويكون إدراكه له لا بالانعكاس، متى قطعت جميع الخطوط المستقيمة التي تتوهم
19
بين سطح البصر وبين سطحه الذي يدركه البصر بجسم كثيف استتر ذلك المبصر
20
عن البصر وخفي عنه ولم يدركه، وإن كان بين البصر وبينه في هذه الحال هواء
21
متصل لا يتخلله شي ء من الأجسام الكثيفة إذا كان اتصاله على غير استقامة،
22
ثم إذا رفع ذلك الساتر الكثيف أدرك البصر المبصر. |I 5b|[ms Fatih 3212]
23
[4] ومتى قطع الساتر جميع الخطوط المستقيمة التي بين جزء من سطح
24
المبصر وبين سطح البصر، حتى لا يبقى بين ذلك الجزء من المبصر وبين شيء
64
1
من الجزء من سطح البصر الذي منه يكون الإِبصار خط مستقيم إلا وقد قطعه
2
ذلك الساتر، استتر من المبصر ذلك الجزء فقط الذي قطع الساتر جميع الخطوط
3
المستقيمة التي بينه وبين موضع الإبصار من سطح البصر.
4
[5] وإذا استقرئت جميع المبصرات في جميع الأوقات واعتبرت وحررت
5
وجدت على الصفة التي ذكرناها مطردة لا تختلف ولا تتغير. فيدل ذلك على أن
6
كل مبصر يدركه البصر، ويكون معه في هواء واحد، إذا كان إدراكه له
7
لا بالانعكاس، فإن بين كل نقطة من سطح المبصر وبين نقطة ما من سطح
8
البصر، أو أكثر من نقطة، خطًا مستقيمًا أو خطوطًا مستقيمة لا يقطعها شيء من
9
الأجسام الكثيفة.
10
[6] فأما كيف يعتبر هذا المعنى اعتبارًا محررًا فإن اعتباره ممكن متسهل
11
بالمساطر |I 6a|[ms Fatih 3212] والأنابيب. فإذا شاء معتبر أن يعتبر ذلك ويحرره فليتخذ مسطرة في
12
غاية الصحة والاستقامة، وليخط في وسط سطحها خطًا مستقيمًا موازيًا لخطي
13
نهايتها، ويتخذ أنبوبًا أسطوانيًا أجوف طوله في غاية الاستقامة واستدارته في غاية
14
ما يمكن من الصحة ودائرتا طرفيه متوازيتان. ولتكن متانته متشابهة، وليكن
15
مقتدر السعة وليس بأوسع من محجر العين، وليخط في سطحه الظاهر خطًا
16
مستقيمًا يمتد من نقطة من محيط إحدى قاعدتيه إلى النقطة المقابلة لها من الناحية
17
الأخرى. وليكن هذا الأنبوب أقصر من طول المسطرة بمقدار يسير، وليقسم
18
الخط الذي في وسط المسطرة بثلاثة أقسام، وليكن الأوسط من الأقسام مساويًا
19
لطول الخط الذي في سطح الأنبوب، ويكون القسمان الباقيان اللذان عن جنبتيه
20
بأي قدر كان. ثم يلصق الأنبوب بسطح المسطرة ويطبق الخط الذي في سطحه
21
على القسم الأوسط من الخط الذي في وسط سطح |I 6b|[ms Fatih 3212] المسطرة، ويتحرى أن
22
ينطبق نهايتا طرفيه على النقطتين اللتين فصلتا الخط الأوسط، ويلصق الأنبوب
23
بسطح المسطرة على هذه الصفة إلصاقا ملتحمًا وثيقًا لا ينحل ولا يتغير.
24
[7] فإذا أحكمت هذه الآلة وأراد المعتبر أن يعتبر بها إدراك البصر
25
للمبصرات فليعين على مبصر من المبصرات، وليلصق طرف هذه المسطرة بالجفن
65
1
الأسفل من إحدى عينيه ويلصق الطرف الآخر بسطح المبصر ويستر العين
2
الأخرى، وينظر في هذه الحال في ثقب الأنبوب: فإنه يرى من المبصر الجزء
3
المقابل لثقب الأنبوب الذي عند طرف المسطرة. وإذا ستر ثقب الأنبوب بجسم
4
كثيف استتر ذلك الجزء من المبصر الذي كان يراه من ثقب الأنبوب. ثم إذا رفع
5
الساتر أدرك ذلك الجزء كما كان يدركه في الأول. وإن ستر بالجسم الكثيف
6
بعض ثقب الأنبوب استتر من الجزء من المبصر الجزء منه فقط المقابل للجزء المستتر
7
من ثقب الأنبوب الذي هو والبصر الساتر على سمت مستقيم ــ وهذه الاستقامة
8
تتحرر بالمسطرة وباستقامة |I 7a|[ms Fatih 3212] الأنبوب. فإن الجزء الذي يستتر من الجزء المبصر
9
إذا ستر بعض ثقب الأنبوب يكون أبدًا هو والبصر والجزء المستتر من ثقب
10
الأنبوب على خط مواز للخط المستقيم الذي يمتد في سطح المسطرة ومواز لطول
11
الأنبوب. ثم إذا رفع الساتر عاد إدراك البصر لذلك الجزء من المبصر ــ كذلك
12
دائمًا لا يختلف ولا ينتقض.
13
[8] وإذا نظر الناظر إلى المبصر من ثقب الأنبوب، وكانت المسطرة ممتدة
14
بين البصر والمبصر، ثم سد ثقب الأنبوب وخفي الجزء الذي كان يدركه البصر
15
من سطح المبصر، فإن بين ذلك الجزء من المبصر في تلك الحال وبين سطح البصر
16
هواءً متصلًا لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة ومسافات لا نهاية لها غير
17
مستقيمة. إذ بين طرف الأنبوب وبين البصر فضاء منكشف، وكذلك بين المبصر
18
وبين الطرف الآخر من الأنبوب، إلا أن الهواء المتصل الذي بين البصر وبين
19
المبصر في تلك الحال ليس هو متصلًا |I 7b|[ms Fatih 3212] على استقامة بل اتصالًا على غير
20
استقامة، ولم ينقطع في تلك الحال من الخطوط التي يمكن أن تتوهم بين البصر
21
وبين دلك الجزء من المبصر إلا الخطوط المستقيمة فقط. فلو كان ممكنًا أن يدرك
22
البصر المبصر الذي هو معه في هواء واحد على غير سمت الاستقامة لقد كان يدرك
23
الجزء من المبصر المقابل لثقب الأنبوب بعد سد ثقب الأنبوب. لكن يوجد ما هذه
24
صفته من المبصرات إذا اعتبر وتؤمل على الصفة التي حددناها فليس يدركه البصر
25
عند سد الأنبوب.
66
1
[9] فيجب من هذا الاعتبار وجوبًا تسقط معه الشبهات أن البصر ليس
2
يدرك شيئًا من المبصرات التي تكون معه في هواء واحد، ويكون إدراكه لا
3
بالانعكاس، إلا على سموت الخطوط المستقيمة فقط التي تتوهم ممتدة بين سطحه
4
وبين سطح البصر.
5
[10] وأيضًا فإنا نجد البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان في
6
المبصر ضوء ما إما من ذاته أو مشرق عليه من غيره. ومتى كان |I 8a|[ms Fatih 3212] المبصر مظلمًا لا
7
ضوء فيه بوجه من الوجوه لم يدركه البصر ولم يحس به. ونجد البصر إذا كان
8
في مكان مظلم فقد يدرك المبصرات إذا كانت مقابلة له وكانت مضيئة بأي ضوء
9
كان، وكان الهواء الذي بينه وبينها متصلًا لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة.
10
فإذا كان المبصر في مكان مظلم، ولم يكن فيه شي ء من الضوء، وكان البصر في
11
مكان مضيء فليس يدرك البصر ذلك المبصر ولا يحس به. ونجد هذه الحال
12
مطردة لا تختلف ولا تتغير. فدل ذلك على أن المبصر، إذا كان فيه ضوء ما،
13
وكان من المبصرات التي يصح أن يدركها البصر، وكان الضوء الذي في المبصر
14
إلى الحد الذي يصح أن يحس به البصر، فإن البصر يدرك ذلك المبصر، كان
15
الهواء المحيط بالبصر مضيئًا بغير الضوء الذي في المبصر أو لم يكن مضيئًا بغيرذلك
16
الضوء.
17
[11] ونجد البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان حجمه
18
مقتدرًا ــ وأريد بالحجم مساحة المبصر جسمًا كان أو سطحًا |I 8b|[ms Fatih 3212] أو خطًا ــ وليس
19
يدرك من المبصرات ما كان في غاية الصغر. ويوجد من الأجسام الصغار
20
بالاستدلال ما لا يدركه البصر بوجه من الوجوه. فإن إنسان عينِ البعوض وما
21
جرى مجراه في الصغر ليس يدركه البصر بوجه من الوجوه، وهو مع ذلك جسم
22
موجود. وأصغر المقادير التي يمكن أن يدركها البصر تكون بحسب قوة البصر
23
أيضًا وضعفه، فإن من الأجسام الصغار ما يدركها بعض الناس ويحس بها وتخفى
24
عن أبصار كثير من الناس ولا يدركونها بوجه من الوجوه إن كانت أبصارهم ليست
25
في غاية القوة. وإذا اعتبرت جميع المبصرات وأصغر الصغيرمن المبصرات وجدت
67
1
ليست في غاية الصغر، بل يوجد كل مبصر وإن كان في غاية الصغر فقد يمكن أن
2
يكون في الأجسام الموجودة ما هو أصغر منه ولا يحس به البصر. فدل ذلك على أن
3
البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان حجمه مقتدرًا أو كان في مبصر
4
مقتدر الحجم، كاللون والشكل وما أشبه ذلك، |I 9a|[ms Fatih 3212] فإن أصغر المقادير التي
5
يدركها البصر يكون بحسب قوة ذلك البصر.
6
[12] وأيضًا فإنا نجد البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان
7
كثيفًا أو كان فيه بعض الكثافة. فإن الجسم إذا كان في غاية الشفيف ــ كالهواء
8
اللطيف ــ فليس يدركه البصر، ويدرك ما وراءه. فليس يحس البصر بالجسم
9
المشف إلا إذا كان أغلظ من الهواء المتوسط بينه وبين البصر. وكل جسم كثيف فله
10
لون أو ما يجري مجرى اللون كأضواء الكواكب وصور الأجسام النيرة. وكذلك
11
كل جسم مشف فيه بعض الكثافة فليس يخلوا من اللون.
12
[13] وأيضًا فإنا نجد البصر إذا كان يدرك مبصرًا من المبصرات ثم بعد
13
عنه بعدًا شديدًا خفي ذلك المبصر عن البصر فلم يدركه. ونجد المبصر إذا بعد
14
عن البصر بعدًا شديدًا حتى ينتهي إلى حد يخفي عن البصر فلا يدركه البصر فقد
15
يمكن للبصر أن يدرك من ذلك البعد بعينه ــ إذا لم يكن في غاية التفاوت ــ مبصرًا
16
غير ذلك المبصر إذا كان أعظم جثة من المبصر الخفي. فدل ذلك على أن الأبعاد
17
التي يصح أن يدرَك منها المبصر والأبعاد |I 9b|[ms Fatih 3212] التي يخفى منها المبصر إنما تكون
18
بحسب عظم المبصر.
19
[14] ونجد الأبعاد التي يصح أن يدرك منها البصر المبصرات تكون
20
بحسب الأضواء التي في المبصرات، وما كان من المبصرات أشد إضاءة فقد
21
يدركه البصر من بُعدٍ قد تخفى من مثله المبصرات المساوية لذلك المبصر في العظم
22
إذا كانت الأضواء التي فيها أضعف من الضوء الذي في ذلك المبصر. وذلك أنه
23
إذا كان في موضع من المواضع نار مشتعلة، وكان حواليها أشخاص وأجسام مساو
24
كل واحد منها لجملة النار في العظم أو ليست بمتفاوتة العظم، وأشرق عليها
25
ضوء تلك النار، ثم قصد تلك النار قاصد من بعد شديد في سواد الليل، فإن
68
1
ذلك القاصد يرى النار قبل أن يرى شيئًا مما حواليها من الأشخاص والأجسام
2
التي هي مساوية لها في العظم وأعظمُ منها ومضيئة بضوء تلك النار. ثم إذا قرُب
3
ذلك الإِنسان من النار ظهرت له الأشخاص التي حول النار وما قرب منها،
4
ويظهر ما كان من تلك |I 10a|[ms Fatih 3212] الأشخاص قريبًا من النار والضوء الذي عليه قوي قبل
5
أن يظهر ما كان بعيدًا من النار والضوء الذي عليه ضعيف، ثم إذا وصل إليها
6
ظهر له جميع ما حول النار وبالقرب منها من المبصرات. وكذلك إذا اعتبرت
7
المبصرات المتباعدة في ضوء النهار يوجد الذي عليه ضوء الشمس والأضواء القوية
8
تظهر من الأبعاد التي تخفى منها المبصرات المساوية لها في العظم وفي اللون التي
9
تكون في الظل والأضواء التي عليها ضعيفة.
10
[15] فيلزم من ذلك أن تكون الأبعاد التي منها يصح أن يدرك البصر
11
المبصرات، والأبعاد التي تخفى منها المبصرات، إنما تكون بحسب الأضواء التي
12
في المبصرات.
13
[16] ونجد أيضًا الأجسام الساطعة البياض والمشرقة الألوان قد تظهر من
14
الأبعاد التي قد تخفى من مثلها الأجسام الكدرة والترابية والمنكسفة مع تساويها في
15
الحجم وفي الضوء وفي جميع الأحوال ما سوى اللون. وذلك أن السفن المقلعة في
16
في البحر، إذا كانت على بعد شديد، |I 10b|[ms Fatih 3212] فإن أقلاعها تظهر من البعد كالنجوم
17
ذا كانت قلوعها بيضاء ويدرك البصر بياضها ولا يدرك مع ذلك السفن ولا شيئًا
18
مما فيها مما ليس بساطع البياض ما دامت على مسافة بعيدة، ثم إذا قربت من
19
البصر ظهرت السفن وأدركها البصر وأدرك ما فيها بعد أن كان لا يحس بها وهو
20
يحس بقلوعها فقط.
21
[17] وكذلك إذا كانت أشخاص على وجه الأرض، وكانت متساوية
22
الأقدار أو ليِست أقدارها متفاوتة الاختلاف، وكانت مختلفة الألوان، وكان
23
بعضها بيضًا ساطعة البياض وكان بعضها ذا ألوان مشرقة وبعضها ترابية أو
24
منكسف الألوان، وكان الضوء المشرق عليها واحدًا، ثم قصدها قاصد من بعد
25
شديد، فإنه يرى البيض منها الساطعة البياض قبل أن يرى شيئًا من الأشخاص
69
1
الباقية. ثم إذا قرب ظهرت الأشخاص المشرقة الألوان قبل أن تظهر الترابية
2
والمنكسفة الألوان. ثم كلما قرب ظهرت له الباقية إلى أن يظهر له جميعها
3
ويحس بها معًا. |I 11a|[ms Fatih 3212]
4
[18] فيلزم من ذلك أن تكون الأبعاد التي يصح أن يدرك منها البصر
5
المبصرات، والأبعاد التي تخفى منها المبصرات، إنما تكون بحسب ألوان
6
المبصرات.
7
[19] ونجد أيضًا الأبعاد التي يصح أن يدرك من مثلها مبصر من
8
المبصرات، والأبعاد التي يخفى من مثلها مبصر من المبصرات، إنما تكون
9
بحسب قوة البصر. فإن الحديد البصر قد يدرك مبصرًا من المبصرات من بعد قد
10
يخفى منه ذلك المبصر بعينه في تلك الحال بعينها عن الضعيف البصر.
11
[20] فيلزم من جميع ما ذكرناه واستقريناه من أحوال أبعاد المبصرات أن
12
تكون الأبعاد التي يصح أن يدرك من مثلها مبصر من المبصرات، والأبعاد التي
13
يخفى من مثلها مبصر من المبصرات، إنما تكون بحسب ذلك المبصر بعينه
14
وبحسب أحواله وبحسب المعاني التي فيه وبحسب البصر أيضًا الذي يدركه بعينه
15
في قوته وضعفه.
16
[21] فقد تبين من جميع ما ذكرناه مما يوجد بالاستقراء والاعتبار،
17
ويوجد مطردًا لا يختلف ولا ينتقِض، أن البصر ليس يدرك شيئًا من |I 11b|[ms Fatih 3212]
18
المبصرات التي تكون معه في هواء واحد ويكون إدراكه له لا بالانعكاس إلا إذا
19
اجتمعت للمبصر المعاني التي ذكرناها، وهي أن يكون بينه وبين البصر بُعدُ ما
20
بحسب ذلك المبصر، ويكون مقابلًا للبصر، أعني أن يكون بين كل نقطة من
21
سطحه الذي يدركه البصر وبين نقطة ما من سطح البصر خط مستقيم متوهم،
22
ويكون فيه ضوء ما إما من ذاته أو من غيره، ويكون حجمه مقتدرًا بالإِضافة إلى
23
قوة إحساس البصر، ويكون الهواء الذي بينه وبين سطح البصر أو الجسم الذي
24
بينه وبين سطح البصر مشفًا متصل الشفيف لا يتخلله شي ء من الأجسام
25
الكثيفة، ويكون كثيفًا أو فيه بعض الكثافة أعني أن لا يكون فيه شفيف أو
70
1
يكون مشفًا وشفيفه أغلظ من شفيف الهواء المبسوط بينه وبين سطح البصر أو
2
الجسم المشف المتوسط بينه وبين سطح البصر، وليس يكون الكثيف إلا ذا لون أو
3
ما يجري مجرى اللون، وكذلك |I 12a|[ms Fatih 3212] المشف الذي فيه بعض الغلظ. فهذه المعاني هي
4
التي لا يتم الإبصار إلا بعد اجتماعها للمبصر. وإذا اجتمعت هذه المعاني
5
للمبصر، وكان البصر سليمًا من الآفات، فإنه يدرك ذلك المبصر، وإذا عدم
6
البصر واحدًا من هذه المعاني فليس يدرك المبصر الذي يعدم فيه ذلك المعنى.
7
وإذا كان ذلك كذلك فهذه المعاني إذن هى خواص البصر التي بها وباجتماعها
8
يتم الإِبصار.
9
[22] وقد يظهر أيضًا بالاستقراء أن كل مبصر يدركه البصر، ثم يبعد
10
عنه حتى ينتهي إلى الحد الذي يخفى عن البصر، فإن بين البعد الذي يخفى منه
11
ذلك المبصر وبين سطح البصر أبعادًا كثيرة مختلفة لا تنحصر ولا تتعين يدرك
12
البصر من كل واحد منها ذلك المبصر إدراكًا صحيحًا، ويدرك جميع أجزائه
13
ويدرك جميع ما فيه من المعاني التي يصح أن يدركها البصر. وإذا أدرك البصر
14
المبصر على بعد من هذه |I 12b|[ms Fatih 3212] الأبعاد إدراكًا صحيحًا، ثم تباعد عنه على تدريج
15
وترتيب، خفيت أجزاؤه الصغار والمعاني اللطيفة ــ إن كانت فيه ــ كالنقوش
16
والوشوم والغضون والنقط قبل أن تخفى جملته، ويخفى ما صغر من هذه المعاني
17
ودق قبل أن يخفى ما هو أعظم وأغلظ. وتوجد الأبعاد التي تخفى منها الأجزاء
18
الصغار وتلتبس المعاني اللطيفة وتشتبه كثيرة غير معينة ولا محصورة.
19
[23] ويوجد أيضًا المبصر إذا تمادى في التباعد على التدريج والترتيب
20
تصاغرت جملته عند البصر قبل أن يخفى جميعه، ثم إذا استمر على التباعد انتهى
21
إلى الحد الذي يخفى جميعه على البصر ولا يحس به ولا بشيء منه، وإن ازداد بعد
22
ذلك تباعدًا لم يدركه البصر.
23
[24] ويوجد أيضًا المبصر إذا قرب من البصر قربًا شديدًا وقبل أن
24
يلتصق بسطح البصر فإنه تعظم جثته عند البصر وتشتبه صورته وتلتبس المعاني
25
اللطيفة التي تكون فيه فلا يمكن البصر تمييزها وتحققها. وكلما قرب من
71
1
سطح البصر بعد هذه الحال قربًا أكثر كان التباسه أشد، حتى إذا التصق |I 13a|[ms Fatih 3212]
2
بسطح البصر بطل إحساس البصر به ولم يدرك منه إلا ستره فقط.
3
[25] وإذا كان جميع ذلك كذلك فالبعد إذن الذي منه يدرك البصر المبصر
4
إدراكًا صحيحًا ليس هو بعدًا واحدًا معينًا، والبعد الذي تشتبه منه صورة المبصر
5
وتخفى أجزاؤه الصغار، وتخفى المعاني اللطيفة التي تكون فيه وتشتبه وتلتبس،
6
ليس هو بعدًا واحدًا معينًا. فلنسم جميع الأبعاد التي يدرك منها البصر المبصر
7
ويدرك جميع أجزائه ويدرك جميع ما فيه من المعاني التي يصح أن يدركها البصر،
8
ويكون إدراكه له وللمعاني التي فيه إدراكًا لا يكون بينه وبين حقيقة المبصر
9
وبين حقيقة المعاني التي فيه تفاوت محسوس بالإضافة إلى حقيقته ولا تخالِف
10
صورته التي تحصل في الحس صورته الحقيقية خلافًا يمكن أن يظهر فيه تفاوت
11
محسوس عند التأمل، أبعادًا معتدلة، وإن كانت كثيرة وذات عَرْض.
12
|I 13b|[ms Fatih 3212] ولنسم الأبعاد التي يخفى منها المبصر، والأبعادَ التي تخفى منها أجزاء المبصر
13
التي لها نسبة محسوسة إلى جملة المبصر، والأبعادَ التي تخفى منها المعاني اللطيفة
14
التي تكون في المبصر التي قد تظهر من الأبعاد المعتدلة، والأبعادَ أيضًا التي تلتبس
15
منها هذه المعاني وتشتبه، الأبعادَ الخارجة عن الاعتدال ــ ما كان منها مسرفًا في
16
البعد عن البصر وما كان منها مسرفًا في القرب منه.
17
[26] وإذ قد تبين أن البصرليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان فيه
18
ضوء ما إما من ذاته وإما من غيره، وكان كثير من الأجسام المبصرة قد يظهر
19
ضوؤها على الأجسام المقابلة لها ويظهر ضوؤها على البصر عند إدراك البصر
20
لها، فقد وجب أن نبحث عن خواص الأضواء وعن كيفية إشراق الأضواء،
21
ونبحث أيضًا عما يعرض بين البصر والضوء، ثم نجمع بين ذلك وبين ما يخص
22
البصر ونتلطف في القياس ونتوصل إلى النتيجة.
72
1
الفصل الثالث
2
في البحث عن خواص الأضواء وعن كيفية
3
إشراق الأضواء
4
[1] نجد كل جسم مضي ء من ذاته فإن ضوءه يشرق على كل جسم |I 14a|[ms Fatih 3212]
5
مقابل له إذا لم يكن بينهما جسم كثيف غير مشف يستر أحدهما عن الآخر.
6
وذلك أن الشمس إذا كانت مقابلة لجسم من الأجسام الأرضية، ولم يستره عنها
7
ساتر، فإن ضوءها يشرق على ذلك الجسم ويظهر للبصر، ويشرق ضوؤها في
8
الوقت الواحد على كل موضع يقابلها في ذلك الوقت من جميع نواحي الأرض.
9
وكذلك القمر. وكذلك النار إذا كانت مقابلة لجسم من الأجسام الكثيفة ولم
10
يكن بينهما ساتر كثيف ولم يكن البعد الذي بينهما متفاوتًا، فإن ضوء النار يشرق
11
على ذلك الجسم وتظهر صورته للبصر ويوجد ضوء الجذوة من النار في الوقت
12
الواحد يشرق على جميع الأجسام التي حول تلك النار من جميع جهاتها وعلى جميع
13
ما يكون فوقها وتحتها من الأجسام الكثيفة إذا لم يسترها عنها ساتر ولم تكن
14
أبعادها متفاوتة، صغرت الجذوة |I 14b|[ms Fatih 3212] من النار أو عظمت، إذا كان ضوؤها
15
يظهر للحس على ما يقابلها من الأجسام الكثيفة.
16
[2] ونجد إشراق جميع الأضواء إنما يكون على سموت خطوط مستقيمة،
17
ولا يشرق الضوء من جسم من الأجسام المضيئة إلا على السموت المستقيمة فقط
18
إذا كان الهواء أو الجسم المشف الذي بين الجسم المضي ء وبين الجسم الذي يظهر
19
عليه الضوء متصلًا متشابه الشفيف.
20
[3] وإذا اعتبرت هذه الحال أبدًا وجدت مطردة لا تختلف ولا تتغير،
21
وذلك يظهر للحس ظهورًا بينًا إذا تفُقِّدت الأضواء التي تدخل من الثقب
22
والخروق والأبواب إلى البيوت المغدرة. أما ضوء الشمس فإنه إذا دخل من ثقب
23
إلى بيت مظلم، وكان الهواء الذي في البيت كدرًا بغبار أو دخان، فإن الضوء
24
يظهر ممتدًا على استقامة من الثقب الذي يدخل منه الضوء |I 15a|[ms Fatih 3212] إلى الموضع الذي
73
1
ينتهي إليه ذلك الضوء من أرض البيت أو جدرانه. فإن كان الهواء الذي
2
في البيت صافيًا نقياُ ولم يظهر فيه امتداد الضوء، وأراد معتبر أن يعتبر
3
المسافة التي يمتد فيها الضوء، فإنه إذا أخذ جسمًا كثيفًا وتحرى المسافة المستقيمة
4
التي بين الثقب وبين الموضع الذي فيه الضوء من أرض البيت أو جدرانه فقطعها
5
بالجسم الكثيف، وجَد الضوء يظهر على ذلك الجسم الكثيف ويبطل من الموضع
6
الذي كان يظهر فيه من أرض البيت أو جدرانه. فإذا تعمد أي موضع شاء من
7
المسافة المستقيمة التي بين الثقب وبين الموضع الذي يظهر عليه الضوء فقطعها
8
بالجسم الكثيف، فإن |I 15b|[ms Fatih 3212] الضوء يظهر على ذلك الجسم الكثيف ويبطل من
9
الموضع الذي كان يظهر فيه. واستقامة هذه المسافة يمكن أن تُعتبر بعود مستقيم.
10
فتدل هذه الحال على أن الضوء الذي دخل من الثقب ممتد على سمت المسافة
11
المستقيمة التي بين الثقب وبين الموضع الذي انتهى إليه الضوء. وإذا اعتبر المعتبر
12
أي مسافة شاء من المسافات المنعرجة والمنحنية والمقوسة التي بين الثقب وبين
13
الموضع الذي يظهر فيه الضوء فقطعها بالجسم لم يظهر فيها شي ء من ذلك
14
الضوء. وكذلك الثقوب الدقاق التي تكون في الأجسام الكثيفة إذا أشرق عليها
15
ضوء الشمس، فإن الضوء ينفذ من تلك الثقوب الدقاق ويمتد على سموت
16
مستقيمة. وإذا اعتبرت المسافة المستقيمة التي بين الثقب الدقيق وبين الموضع
17
الذي يظهر فيه الضوء النافذ من ذلك الثقب وجد الضوء ممتدًا في تلك المسافة
18
المستقيمة وإن كان الثقب في غاية الدقة. |I 16a|[ms Fatih 3212] وإن اعتمد معتمد جسمًا كثيفا فثقب
19
فيه ثقبًا دقيقًا وقابل به جرم الشمس وجد الضوء ينفذ فيه ويمتد على سمت
20
مستقيم. وإن اعتبر المسافة التي يمتد عليها الضوء الذي بهذه الصفة وقاسها
21
بمسطرة وجدها في غاية الاستقامة. فيتبين من جميع ذلك أن ضوء الشمس ليس
22
يمتد إلا على المسافات المستقيمة.
23
[4] وكذلك ضوء القمر إذا اعتبر وجد على هذه الصفة. وكذلك ضوء
24
الكواكب: فإن الكواكب الكبار كالزُّهَرة، والمشترِي إذا كان في قربه الأقرب،
25
والمريح أيضًا إذا كان في قربه الأقرب، وكالشِّعرِى، فإن الكوكب من هذه
74
1
الكواكب إذا كان مقابلًا لثقب يفضي إلى بيت مظلم في ليل غير مقمر فإن ضوءه
2
يظهر في ذلك البيت ويوجد مقابلًا للثقب. وإذا جعل الناظر بصره عند ذلك
3
الضوء ونظر إلى الثقب رأى الكوكب في تلك الحال مقابلًا له. فإذا راعى
4
الكوكب زمانًا مقتدرًا حتى يتحرك الكوكب مسافة محسوسة وجدضوءه الذي |I 16b|[ms Fatih 3212]
5
في البيت قد انتقل عن موضعه وصار في مقابلة الكوكب على السمت المستقيم.
6
وكلما تحرك الكوكب تحرك ذلك الضوء، ويوجد أبدًا الضوء والثقب والكوكب
7
على سمت الاستقامة.
8
[5] ثم إذا اعتبر المعتبر ضوء الكوكب الذي يظهر في الموضع المقابل
9
للثقب على الوجه الذي قدمناه بجسم كثيف، فقطع المسافة المستقيمة التي بين
10
الموضع الذي يظهر فيه الضوء وبين الثقب الذي يدخل منه الضوء في أي المواضع
11
شاء منها، ظهر الضوء على الجسم الكثيف وبطل من الموضع الذي كان يظهر فيه.
12
[6] وكذلك النار إذا كانت مقابلة لبيت يفضي إلى بيت مظلم ظهر ضوء
13
النار في البيت مقابلًا للثقب، وإن اعتبرت المسافة المستقيمة التي بين الضوء
14
وبين الثقب على الوجه الذي ذكرناه وجد ضوء النار يمر بكل موضع منها. |I 17a|[ms Fatih 3212]
15
وقد يمكن أن يقاس ضوء النار بعود مستقيم أيضًا إذا كانت المسافة التي بين النار
16
وبين الثقب قريبة وكانت المسافة التي بين الثقب وبين الموضع الذي يظهر فيه
17
الضوء أيضًا قريبة. فإنه إذا دوخل عود مستقيم في الثقب الذي دخل منه ضوء
18
النار، وجعل طرفه عند الضوء الظاهر، وجد الطرف الآخر عند النار أو مسامتًا
19
لها على استقامة، وتوجد النار والثقب والضوء الظاهر في البيت الداخل من
20
الثقب أبدًا على خط مستقيم.
21
[7] وقد يظهر هذا المعنى أيضًا في جميع الأضواء من الأظلال. فإن
22
الأشخاص المنتصبة الكثيفة إذا أشرق عليها الضوء وظهرت أظلالها على الأرض
23
وعلى ما يقابلها من الأجسام الكثيفة توجد الأظلال أبدًا ممتدة على استقامة وتوجد
24
المواضع التي استظلت هي المواضع التي قطعت الأشخاص المظلة المسافات
25
المستقيمة التي بينها وبين الجرم |I 17b|[ms Fatih 3212] المضيء الذي انقطع ضوؤه عن تلك
75
1
المواضع.
2
[8] فيظهر مما ذكرناه أن إشراق الأضواء من الأجسام المضيئة من ذواتها
3
إنما يكون على سموت خطوط مستقيمة فقط.
4
[9] وأيضًا فإنا نجد كل جسم مضيء من ذاته فإن الضوء يشرق من كل
5
جزء منه، ونجد الضوء الذي يشرق من جميع الجسم المضيء أقوى من الضوء
6
الذي يشرق من بعضه، ونجد الضوء الذي يشرق من جزء أعظم يكون أقوى
7
وأبين من الضوء الذي يشرق من جزء أصغر. أما الشمس فإنها في أول طلوعها
8
من الأفق إنما يطلع منها أولًا جزء يسير من محيطها، ومع ذلك فإن ضوء ذلك
9
الجزء يشرق على كل ما يقابله من الجدران والأشخاص ووجه الأرض، ومركزُ
10
الشمس في تلك الحال مستتر تحت الأفق وغير ظاهر لما على وجه الأرض. ثم كلما
11
زاد الجزء الظاهر زاد الضوء وقوي إلى أن يرتفع مركز الشمس، ولا يزال الضوء
12
يتزايد إلى أن يظهر جميع جرم الشمس. |I 18a|[ms Fatih 3212] وكذلك إذا غربت الشمس: فإنه ما
13
دام جزء منها ظاهرًا فوق الأفق فإن ضوء ذلك الجزء من الشمس يكون مشرقًا على
14
وجه الأرض مع خفاء مركز الشمس وأكثر جرم الشمس عن المواضع التي يشرق
15
عليها ضوء ذلك الجزء من الشمس.
16
[10] وهذه الحال، أعني إشراق الضوء من محيط جرم الشمس، هي في
17
جميع الآفاق. ومع ذلك فإن الجزء الذي هو أقل جزء يطلع من الشمس في أفق
18
من الآفاق هو غير الجزء الذي هو أول جزء يطلع من الشمس في أفق غير
19
ذلك الأفق ــ من أجل حركة الشمس التي تخصها. فالآفاق المختلفة تكون
20
الأجزاء من الشمس التي تطلع فيها في أول طلوع الشمس مختلفة، وخاصة في
21
الأيام المختلفة. وكذلك الأجزاء التي هي آخر ما يغرب من الشمس. وبالجملة
22
فإن كل موضع من الأرض يظهر فيه جزء من الشمس من محيطها ومن غير المحيط
23
فإن الضوء يشرق من ذلك الجزء على ذلك الموضع. فمن هذا الاعتبار يتبين أن
24
كل جزء من جرم الشمس يشرق منه 〈ضوء〉 |I 18b|[ms Fatih 3212] على كل جسم يقابل ذلك الجزء
25
مع استتار مركز الشمس وبقية جرم الشمس عن ذلك الجسم.
76
1
[11] وأيضًا فإن الشمس إذا انكسفت ولم يستغرق الكسوف جميعها
2
وبقي منها جزء ظاهر فإن الضوء يشرق من الجزء الظاهر الباقي على كل موضع
3
يقابله في وقت الكسوف من الأرض. فإن روعيت الشمس في وقت كسوف
4
يستغرق معظمها ويتجاوز مركزها فإنه يوجد الجزء المنكسف يعظم والجزء الباقي
5
يتصاغر. ومع ذلك فأي مقدار بقي منها فإن الضوء يشرق منه على وجه
6
الأرض، ويظهر الضوء على كل موضع مقابل لذلك الجزء وعلى كل موضع
7
مقابل لبعض ذلك الجزء أيضًا. وإن اعتبر ضوء الشمس في وقت الكسوف وجد
8
إشراقه أبدًا على سموت مستقيمة كمثل إشراق ضوئها قبل الكسوف، ويوجد
9
ضوء الشمس الذي يظهر على الأرض في وقت الكسوف أضعف من ضوئها قبل
10
الكسوف، |I 19a|[ms Fatih 3212] وكلما عظم الجزء المنكسف وصغر الجزء الباقي ضعف الضوء
11
الذي يظهر على الأرض. والجزء الذي يبقى من الشمس في وقت الكسوف إذا
12
استغرق الكسوف معظمها إنما هو جزء من محيطها. وجميع محيط الشمس متشابه
13
الحال. فيتبين من هذا الاعتبار أن ضوء الشمس خرج من جميع جرم الشمس
14
ومن كل موضع من الشمس لا من موضع مخصوص.
15
[12] ويتبين أيضًا من هذا الاعتبار أن السموت المستقيمة التي عليها يمتد
16
ضوء الشمس ليس جميعها ممتدًا من مركز الشمس، بل كل جزء من جرم الشمس
17
يخرج الضوء منه على كل سمت مستقيم يصح أن يتوهم ممتدًا من ذلك الجزء.
18
وذلك أن الكسوف إذا استغرق معظم الشمس بالقياس إلى موضع من الأرض
19
فإن مركز الشمس في ذلك الوقت مستتر عن ذلك الموضع فتنقطع الخطوط
20
المستقيمة التي بين مركز الشمس وبين ذلك الموضع. ومع هذه الحال فإن الضوء
21
يشرق من بقية الشمس على ذلك الموضع. فلو كان ضوء الشمس ليس يخرج |I 19b|[ms Fatih 3212]
22
إلا على السموت المستقيمة الممتدة على المركز لما كان يظهر الضوء في وقت
23
الكسوف على المواضع من الأرض التي يستتر عنها المركز. وأيضًا فإن المواضع
24
من الأرض التي تكون الشمس في وقت الكسوف مائلة عن سمت رؤوس
25
أهلها إلى جهة الجزء الباقي الظاهر فإن الضوء الذي يشرق على هذه المواضع في
77
1
هذه الحال من الجزء الباقي من الشمس إنما يكون إشراقه إلى الجهة التي فيها مركز
2
الشمس وعلى الخطوط المستقيمة التي لا يصح أن تمر بمركز الشمس، ويشرق
3
الضوء مع ذلك في هذا الوقت على كل موضع يظهر فيه جزء من جرم الشمس ولا
4
يستغرق الكسوف بالقياس إليه جميع جرم الشمس. فليس إشراق ضوء الشمس
5
على السموت المستقيمة الممتدة من مركز الشمس فقط بل على |I 20a|[ms Fatih 3212] جميع السموت
6
التي يصح أن تمتد من كل جزء منها على الاستقامة.
7
[13] وأيضًا فإن ضوء الشمس الذي ينفذ من الثقوب يوجد أبدًا
8
منخرطًا، وكلما بعد الضوء عن الثقب اتسع. ويظهرذلك ظهورًا بينًا في الثقوب
9
الدقاق. فإن الثقب الدقيق إذا نفذ فيه ضوء الشمس، وظهر الضوء على موضع
10
متباعد عن الثقب، فإن الضوء الذي بهذه الصفة يوجد منخرطًا ويكون الموضع
11
الذي يظهر فيه الضوء أوسع من الثقب أضعافًا متضاعفة. وكلما كانت المسافة
12
التي بين الثقب وبين الموضع الذي يظهر عليه الضوء أبعد كان هذا الضوء
13
أوسع. وإن قطعت المسافة المستقيمة التي بين الثقب وبين الضوء الظاهر بجسم
14
كثيف وجد الضوء على ذلك الجسم الكثيف، ويوجد الضوء
15
الذي يظهر على الجسم الكثيف أضيق من الضوء الذي ظهر في الموضع الأول.
16
وكلما قُرِّب هذا الجسم من الثقب وجد الضوء |I 20b|[ms Fatih 3212] الذي يظهر عليه أضيق. وكلما
17
بوعد هذا الجسم عن الثقب وجد الضوء الذي يظهر عليه أوسع. فيتبين من
18
انخراط الضوء الذي يخرج من الثقوب الدقاق أن ضوء الشمس يمتد من كل جزء
19
منها لا من جزء مخصوص.
20
[14] ويتبين منه أيضًا أن الضوء يمتد على خطوط مستقيمة فقط. وذلك
21
أنه لو كان الضوء يمتد من مركز الشمس أو من نقطة مخصوصة منها لكان الضوء
22
الذي يمتد من تلك النقطة وعلى الخطوط التي تخرج من تلك النقطة إلى الثقب
23
الضيق ــ إذا نفذ من الثقب ــ انخرط انخراطًا غير محسوس، لأن انخراطه كان
24
يكون بحسب ما يقتضيه قطر الثقب وبحسب بعد الشمس عن الثقب وبعدِها
25
عن الموضع الذي يظهر عليه الضوء. ولا فرق بين هذين البعدين في الحس
78
1
بالإِضافة إلى بعد الشمس بالقياس إلى الحس. فكان يكون الضوء الذي يخرج
2
من الثقب الدقيق إذا ظهر |I 21a|[ms Fatih 3212] على وجه الأرض أو على موضع من المواضع مساويًا
3
لمقدار الثقب، وخاصة إذا كان الثقب أسطوانيًا، ولكان الثقب الأسطواني
4
الضيق إذا نفذ منه ضوء الشمس ثم غير وضعه تغييرًا يسيرًا حتى يصير الخط
5
المستقيم الممتد في طوله إلى جرم الشمس لا يلقي تلك النقطة من الشمس كان
6
يبطل الضوء الذي ينفذ من الثقب، ولا ينفذ في الثقب شيء من الضوء. ولو
7
كان الضوء يمتد على غير السموت المستقيمة لكان إذا نفذ من الثقوب الدقاق امتد
8
على غير السموت المستقيمة. فانخراط الضوء النافذ من الثقوب الدقاق دليل
9
ظاهر على أن الضوء يخرج من جميع جرم الشمس إلى الثقب، وأن خروجه على
10
خطوط مستقيمة، فلذلك إذا نفذ من الثقب انخرط واتسع وكان انخراطه على
11
خطوط مستقيمة لأن الضوء إذا خرج من جميع جرم الشمس إلى الثقب |I 21b|[ms Fatih 3212] الضيق
12
كان منخرطًا، فإذا نفذ في الثقب وامتد حدث منه مخروط آخر مقابل للمخروط
13
الأول، لأن الضوء يخرج على خطوط مستقيمة. فيتبين من جميع ما شرحناه أن
14
ضوء الشمس يشرق من كل جزء من جرم الشمس في كل جهة تقابل ذلك الجزء
15
على استقامة.
16
[15] فأما القمر فإن حاله أظهر. وذلك أن الهلال في الليلة الثانية من
17
الشهر وما يليها قد يظهر ضوؤه على وجه الأرض، وخاصة إذا كان مقابلًا
18
لموضع مظلم فإن ضوءه يظهر في الموضع المظلم ويوجد مع ذلك ناقصًا ضعيفًا، ثم
19
يزيد ضوؤه في كل ليلة مع زيادة مقداره إلى أن يمتليء ويوجد ضوؤه عند
20
امتلائه أقوى من جميع أضوائه في ليالي نقصانه. وأيضًا فإن القمر يوجد حاله في
21
الطلوع والغروب في أوقات امتلائه كمثل حال الشمس، وكذلك حاله في
22
الكسوف |I 22a|[ms Fatih 3212] إذا تجاوز الكسوف مركزه ولم يستغرق جميعه. وإذا اعتبر ضوء
23
القمر النافذ من الثقوب الدقاق أيضًا في أوقات امتلائه وجد منخرطًا، وكلما بعد
24
عن الثقب اتسع. فيتبين من انخراط الضوء أن ضوء القمر يشرق من كل جزء
25
من أجزاء القمر لا من جزء منه مخصوص، وأن امتداد ضوء القمر إنما هو على
79
1
السموت المستقيمة فقط.
2
[16] وكذلك النار أيضًا يوجد فيها هذا المعنى بعينه. وذلك أن النار إذا
3
بُعِّضَتْ بأن يبعَّض موضوعها الحامل لها فإن كل جزء منها يشرق منه ضوء،
4
ويوجد ضوء كل جزء منها أضعف من ضوء جملتها، ويوجد ضوء ما صغر من
5
أجزائها أضعف من ضوء ما عظم من أجزائها. وقد يمكن أن تعتبر أجزاء النار من
6
غير أن تبعض أيضًا. فإذا أراد المعتبر أن يعتبر ذلك فليتخذ صفيحة من نحاس،
7
وليكن فيها سعة، وليثقب فيها ثقبًا مقتدًا مستديرًا، ثم يداخل في هذا الثقب
8
أنبوبًا أسطوانيًا صحيح الاستقامة |I 22b|[ms Fatih 3212] معتدل الاستدارة ذا طول مقتدر، ولتكن
9
سعة الثقب بمقدار سعة الأنبوب، وليكن ثقب الأنبوب ليس بأغلظ من غلظ
10
الميل. ويداخل الأنبوب في ثقب الصفيحة حتى يستوي طرفه مع سطح
11
الصفيحة، ولتثبت هذه الصفيحة على جسم مرتفع عن الأرض ولتكن قائمة
12
على حرفها، ثم يقدَّم إلى هذه الصفيحة في ظلمة الليل نار، وليكن سراجًا ذا
13
فتيلة غليظة نيرة، فيقابل بها الثقب وتقرب النار من الثقب إلى أن تصير في
14
غاية القرب منه ولا يبقى بينها وبين الثقب مسافة لها قدر، فتستظل الجهة التي
15
فيها الأنبوب بظل الصفيحة ولا يترك في الموضع ضوء سوى النار التي تعتبر،
16
وليكن ذلك في موضع لا تخترقه الريح، ثم يقابل طرف الأنبوب بجسم كثيف:
17
فإن ضوء النار يظهر على ذلك الجسم. وليس هناك ضوء إلا الضوء الذي ينفذ في
18
الأنبوب، وليس ينفذ من الأنبوب ضوء |I 23a|[ms Fatih 3212] إلا ضوء الجزء من النار المقابل لثقب
19
الأنبوب المساوي مساحته لمساحة ثقب الأنبوب فقط إذا كان الضوء ليس يخرج إلا
20
على خطوط مستقيمة، وليس بين الضوء الذي يظهر على الجسم المقابل لطرف
21
الأنبوب وبين شيء من أجزاء النار خطوط مستقيمة لا يقطعها جسم كثيف إلا
22
الجزء المقابل لطرف الأنبوب فقط، لأن الخطوط المستقيمة التي بينه وبين الضوء
23
الظاهر تمتد في داخل الأنبوب ولا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. فأما الأجزاء
24
الباقية من جرم النار فإن الضوء يخرج منها إلى الطرف الذي يليها فقط من ثقب
25
الأنبوب. فإن دخل منها شيء في طرف الأنبوب فإنه ينقطع بحائط الأنبوب
80
1
فيبطل ولا ينفذ في طول ثقب الأنبوب، وليس ينفذ في طول ثقب الأنبوب في تلك
2
الحال إلا ضوء الجزء المقابل لطرفه فقط.
3
[17] ثم يحرك المعتبر النار تحريكًا رفيقًا حتى يقابلَ الثقبُ جزءًا من النار
4
غيرذلك الجزء، ويتأملُ الجسم المقابل لطرف الأنبوب الذي كان يظهر عليه |I 23b|[ms Fatih 3212]
5
الضوء: فإنه يجد الضوء أيضًا يظهر على ذلك الجسم. ثم إذا حرك جرم النار في
6
جميع الجهات ورفعه وحطّه حتي يقابل الثقبُ كلَّ جزء من النار جزءًا بعد جزء
7
وجد الضوء في جميع الأحوال يظهر على الجسم المقابل للأنبوب، ويجد هذا
8
الضوء أضعف من ضوء جملة النار الذي يظهر على الأجسام المنكشفة لجميع
9
جرم النار التي بُعدها عن النار كبعد الموضع الذي يظهر فيه الضوء النافذ من
10
الأنبوب عن النار. وإن ضيّق المعتبر الثقب بأن يداخل في الأنبوب جسمًا دقيقًا
11
مستقيمًا يسُد بعضَه وألصقه بسطحِ داخل الأنبوب واعتبر الضوء الذي يخرج من
12
بقية الأنبوب فإنه يجد الضوء أيضًا يظهر على الجسم المقابل للأنبوب ما لم يكن
13
الجزء الذي يبقى من الأنبوب في غاية الضيق، ويجد الضوء الذي يظهر عند
15
من هذا الاعتبار أن كل جزء من النار يشرق منه ضوء، وأن ضوء جميع الجذوة من
16
النار أقوى من ضوء الجزء منها. وأن ضوء الجزء الأعظم أقوى من ضوء الجزء
17
الأصغر.
18
[18] وأيضًا فإن أثبت المعتبر النار عند ثقب الصفيحة حتى لا ينتقل ولا
19
يتغير الجزء منها المقابل للثقب، ثم ميّل الأنبوب حتى يصير وضعه مائلًا على
20
سطح الصفيحة وطرفه مع ذلك عند الثقب، وسد خللًا إن انكشف من طرف
21
الأنبوب ومن ثقب الصفيحة مما يلي باطن الصفيحة، وقابل الأنبوب بالجسم
22
الكثيف، فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف. وإن غيّر وضع الأنبوب
23
وميّله إلى غير تلك الجهة وقابله بالجسم الكثيف الذي يظهر عليه الضوء وجد
24
الضوء يظهر عليه أيضًا. وإن ميّل الأنبوب إلى جميع الجهات وجد الضوء يمتد من
25
ذلك الجزء من النار إلى جميع الجهات التي تقابله على الاستقامة. ثم إن حرك
14
تضييق الأنبوب أصغر ومع ذلك أخفى وأضعف من الضوء |I 24a|[ms Fatih 3212] الأول. فيظهر
81
1
النار |I 24b|[ms Fatih 3212] حتى يقابل الثقب جزءًا منها غير ذلك الجزء، واعتبر هذا الجزء أيضًا
2
بالأوضاع المائلة كما اعتبر الجزء الأول، وجد الضوء يمتد منه أيضًا في جميع الجهات
3
التي تقابله. وكذلك إن اعتبر كل جزء من النار وجده على هذه الصفة. فيظهر
4
من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق من كل جزء من النار في كل جهة تقابل ذلك
5
الجزء على سمت الاستقامة.
6
[19] ويتبين من جميع ما ذكرناه أن كل جسم مضي ء من ذاته فإن الضوء
7
يشرق من كل جزء منه على كل سمت مستقيم يمتد من ذلك الجزء.
8
[20] وإذا كانت هذه الحال تظهر في الأجزاء من الأجسام المضيئة من
9
ذواتها فإن الأجزاء الصغار أيضًا منها، وإن كانت في غاية الصغر ما دامت حافظة
10
لصورتها، فإنها أيضًا مضيئة، والضوء يشرق منها على الصفة التي تشرق من
11
الأجزاء الكبار وإن 〈خفيت〉 أحوال الأجزاء الصغار عن الحس، إذ هذه الحال
12
في الأجسام |I 25a|[ms Fatih 3212] المضيئة من ذواتها طبيعية وخاصة لازمة لذواتها، وطبيعة صغار
13
الأجزاء وكبارها طبيعة واحدة ما دامت حافظة لصورتها، فالخاصة التي تخص
14
طبيعتها تكون في كل جزء منها صغُر أم كبر ما دام على طبيعته وحافظًا لصورته.
15
وأيضًا فإن الشمس والقمر والأجرام السماوية ليست أجزاء مجتمعة، بل كل واحد
16
منها جسم واحد متصل وطبيعته واحدة وليس فيها اختلاف وليس موضع منها
17
مخالف الطبيعة لموضع آخر. وكذلك النار ليست أجزاء مجتمعة بل جسم متصل
18
وكل موضع منها شبيه الطبيعة بالمواضع الباقية وطبيعة ما صغر من أجزائها شبيه
19
بطبيعة كبار الأجزاء ما دام الجزء الصغير حافظًا لصورة النار.
20
[21] فقد تبين من جميع ما استقريناه وشرحناه وبينا طرق اعتباره أن
21
إشراق الضوء من كل جسم مضي ء من ذاته إنما هو على سموت خطوط
22
مستقيمة، |I 25b|[ms Fatih 3212] وأن الضوء يشرق من كل جسم مضي ء من ذاته في جميع الجهات
23
التي بينه وبينها خطوط مستقيمة لا يقطعها شي ء من الأجسام الكثيفة، وأن كل
24
جزء من أجزاء الجسم المضي ء من ذاته يشرق الضوء منه على هذه الصفة، وأن
25
الضوء الذي يشرق على موضع من المواضع من جميع الجرم المضيء يكون أقوى
82
1
من الضوء الذي يشرق على ذلك الموضع من ذلك البعد من بعض ذلك الجرم،
2
وأن الضوء الذي يشرق من جزء أعظم يكون أقوى من الضوء الذي يشرق من
3
جزء أصغر، وأن الأجزاء الصغار من الجرم المضيء يلزم فيها أيضًا هذه الحال.
4
وإن تعذر اعتبارها على انفرادها وخفي ضوؤها منفردًا عن الحس فإن ذلك إنما
5
هو لقصور الحس عن إدراك ما هو في غاية الضعف. وإذا كان جميع ذلك كذلك
6
فالضوء إذن الذي يشرق من الجرم المضيء من ذاته في الهواء المشف إنما يشرق من
7
كل جزء مقابل لذلك الهواء من الجرم المضيء، ويكون |I 26a|[ms Fatih 3212] الضوء في الهواء
8
المضيء متصلًا ملتئمًا، وتكون كل نقطة من الجرم المضيء يخرج الضوء منها على
9
كل خط مستقيم يصح أن يتوهم ممتدًا من تلك النقطة في ذلك الهواء. فعلى هذه
10
الصفة يكون إشراق الأضواء من الأجسام المضيئة من ذواتها في الهواء المشف
11
المتشابه الشفيف. فلنسم الأضواء التي تشرق من الأجسام المضيئة من ذواتها
12
الأضواءَ الأُوَل.
13
[22] وأيضًا فإنا نجد الأرض مضيئة في أول النهار وآخره قبل طلوع
14
الشمس وبعد غروبها، وليس شيء من المواضع المضيئة في هذين الوقتين مقابلًا
15
لجرم الشمس ولا لشي ء منها، وليس لضوء النهار علة غير الشمس إذ ليس يزيد
16
في النهار ضوء لم يكن في الليل إلا ضوء الشمس فقط. وأيضًا فإن الشمس إذا
17
طلعت وصارت فوق الأرض فإنا نجد المساكن وأفنية الدار التي هي مستترة عن
18
الشمس بالحيطان والسقوف مضيئة مع ذلك وليست مقابلة للشمس ولا لشي ء
19
منها. وكذلك أظلال الجبال |I 26b|[ms Fatih 3212] والأجسام الكثيفة وجميع الأظلال توجد مضيئة
20
بالنهار مع استتارها عن جرم الشمس بالأجسام الكثيفة التي هي أظلال لها.
21
ونجد أيضًا كثيرًا من المساكن المستترة عن السماء مضيئة قبل طلوع الشمس وبعد
22
غروبها مع استتار الشمس ومع استتار هذه المواضع عن السماء. فلنبحث الآن
23
عن كيفية هذه الأضواء بالاستقراء والاعتبار من أحوالها وخواصها.
24
[23] فنقول: إنا نجد ضوء الصباح يبتديء من أجزاء الليل وقد
25
بقي قطعة من الليل فيمتد من أفق المشرق ذاهبًا نحو وسط السماء كالعمود
83
1
المستقيم، ويوجد ضعيفًا خفيًا، ويوجد مع ذلك وجه الأرض مظلمًا بظلمة
2
الليل. ثم يقوى هذا الضوء ويزيد مقداره في العرض والطول ويقوى نوره،
3
والأرض مع ذلك مظلمة. ثم لا يزال يتزايد مقداره ويقوى نوره، فيضيء
4
حينئذ وجه الأرض المقابل لذلك الضوء المنكشف له بضوء ضعيف دون الضوء
5
الذي يظهر في الجو في ذلك الوقت. ثم لا يزال |I 27a|[ms Fatih 3212] الضوء الذي في الجو يقوى
6
وينبسط إلى أن يملأ أفق المشرق ويبلع إلى وسط السماء ويمتليء الجو ضوءًا،
7
وحينئذ يقوى الضوء الذي على وجه الأرض ويشرق ويصير نهارًا واضحًا
8
والشمس مع ذلك تحت الأفق وغير ظاهرة. ثم تطلع الشمس بعد هذه الحال
9
فيزداد النهار وضوحًا. وكذلك نجد الضوء في آخر النهار وبعد أن تغرب
10
الشمس وتخفى تحت الأفق: يكون وجه الأرض مضيئًا بضوء واضح والجو مع
11
ذلك مضيء بضوء قوي. ثم لا يزال ضوء الجو يضعف ووجه الأرض يتناقص
12
ضوؤه إلى أن يجن الليل.
13
[24] ثم إنا نجد أيضًا ضوء الشمس إذا أشرق على بعض الجدران،
14
وكان مقابلًا ذلك الجدار وبالقرب منه مكان مظلم، فإن ذلك المكان يضيء بعد
15
أن كان مظلمًا. وإذا كان لذلك المكان المظلم باب، وكان مقابل الباب في داخل
16
ذلك المكان جدار، فإن الجدار المقابل للباب ولضوء الشمس المشرق على الجدار
17
الخارج وما واجه الباب وضوءَ الشمس من أرض البيت |I 27b|[ms Fatih 3212] إنما يكون أشد إضاءة
18
من بقية البيت. ثم إذا زالت الشمس وزال ضوؤها المشرق على ذلك الجدار
19
عاد الموضع مظلمًا. وكذلك نجد النهار وضوء القمر وضوء النار إذا أشرق على
20
الجدار، وكان مقابل ذلك الجدار موضع مظلم، فإنه يضيء بذلك الضوء،
21
وإذا بطل ذلك الضوء عاد الموضع مظلما. وكذلك نجد كل موضع مضيء بضوء
22
قوي، أيّ ضوء كان، إذا كان مقابلًا له مكان مظلم وكان قريبًا منه وكان بينهما
23
منفذ فإن الموضع المظلم يضيء بالضوء المقابل له.
24
[25] وقد يمكن أن تُعتبر هذه الحال في جميع الأوقات. فإذا شاء المعتبر
25
أن يعتبر ذلك فليعتمد بيتًا مظلمًا، وليكن مقابل باب البيت وقريبًا منه حائط
84
1
يشرق عليه ضوء الشمس، ولا يكون باب البيت منكشفًا للسماء وذلك بأن
2
يكون الحائط المقابل للباب يصل إليه الضوء من ثقب أو من باب في حائط البيت
3
المظلم من أعلاه إذا كان حائط البيت أرفع من سقف البيت، ويكون الفضاء
4
الذي بين الحائطين ــ أعني الحائط الذي فيه باب البيت والحائط المقابل له ــ مسقفًا
5
من فوق الثقب |I 28a|[ms Fatih 3212] أو مظللًا بجسم كثيف، ويكون البيت مما يلي المشرق.
6
ويراعي المعتبر الموضع إلى أن يشرق ضوء الصباح على ذلك الحائط من الثقب
7
المقابل له، وليكن الثقب مقتدر السعة: فإنه يجد البيت المظلم قد أضاء بذلك
8
الضوء ويجد الضوء الذي في البيت أضعف من الضوء الذي على ذلك الحائط. ثم
9
كلما قوي الضوء الذي على الحائط قوي الضوء الذي في البيت. ثم إذا أشرق
10
ضوء الشمس على ذلك الحائط اشتد الضوء الذي في البيت وقوي. ويجد الموضع
11
من البيت المقابل للباب وللحائط المضيء أشد إضاءة من بقية البيت. ثم إذا
12
زالت الشمس عن ذلك الحائط ضعف الضوء الذي في البيت.
13
[26] وإذا كان في البيت بيت آخر مظلم، وكان بابه منكشفًا للجدار
14
المقابل للباب الأول، فإن الضوء إذا أشرق على الحائط الخارج فظهر على الجدار
15
الذي في داخل البيت المقابل للباب، وكان هذا الضوء قويًا، وكان باب البيت
16
الثاني مفتوحًا منكشفًا |I 28b|[ms Fatih 3212] لهذا الجدار، فإنه يجد البيت الثاني أيضًا مضيئًا بضوء
17
ذلك الجدار، وخاصة إذا كان الحائط الخارج الذي يشرق عليه الضوء أبيض نقي
18
البياض، ويجد ما كان من البيت الثاني مواجهًا لذلك الجدار وقريبًا منه أشد إضاءة
19
من بقية البيت. وإن كان الجدار الذي في داخل البيت الأول الذي يشرق عليه
20
الضوء أبيض فإن الضوء الذي يظهر في البيت الثاني يكون أبين. وكذلك إن
21
اعتبر ضوء القمر وضوء النهار على هذه الصفة يوجد الموضع المظلم يضيء بضوء
22
كل واحد منهما إذا كان مقابلًا له.
23
[27] فيتبين من هذا الاعتبار أن كل جسم يشرق عليه ضوء فإن الضوء
24
الذي يحصل عليه يشرق منه ضوء على كل جهة تقابله. وإذا كان ذلك كذلك
25
فالضوء الذي يظهر على وجه الأرض في أول النهار قبل طلوع الشمس وفي آخره
85
1
بعد غروبها إنما هو ضوء يرد إليها من الضوء الذي يظهر في الجو المقابل لها.
2
فيكون الجو قبل طلوع الشمس مضيئًا بضوء الشمس |I 29a|[ms Fatih 3212] لأنه مقابل لها وهي غير
3
مستترة عنه في ذلك الوقت، وإنما هي مستترة في تلك الحال عن وجه الأرض
4
فقط. فيكون الضوء ممتدًا من جرم الشمس في الجو المضيء على سموت
5
مستقيمة، ثم هذا الجو المضيء بضوء الشمس يشرق منه أيضًا ضوء على المواضع
6
المقابلة له من سطح الأرض على سموت مستقيمة أيضًا، وما دام يسيرًا ضعيفًا
7
فضوؤه الذي يشرق منه على الأرض يكون خفيًا، فإذا قوي واشتد قوي
8
الضوء الذي يشرق على وجه الأرض وظهر.
9
[28] وكذلك ضوء العشاء يكون الجزء المقابل للشمس بعد غروبها
10
مضيئًا بضوئها، وضوؤها يمتد على السموت المستقيمة، ويكون الضوء الذي
11
يشرق من الجو المضيء على المواضع المقابلة له من وجه الأرض، وما دام ضوء
12
الجو قويًا فالأرض مضيئة والضوء فيها بيّن، فإذا ضعف الضوء الذي في الجو
13
ضعف الضوء الذي على وجه الأرض إلى أن يخفى ويظلم وجه الأرض.
14
وكذلك 〈أضواء〉 المساكن وأفنية الجدران المستترة عن الشمس |I 29b|[ms Fatih 3212] وجميع الأظلال
15
التي توجد مضيئة بالنهار قبل طلوع الشمس وبعد طلوعها وبعد غروبها وفي
16
سائر النهار إنما هي أضواء ترد إليها من الجو المضيء المقابل لها ومن الجدران
17
المضيئة أيضًا ومن سطح الأرض المقابل ها المضيء بضوء النهار. فعلى هذه
18
الصفة يكون النهار وأضواء المواضع المستظلة عن الشمس، وكذلك المواضع
19
المضيئة بضوء القمر التي هي مستترة عن القمر، وكذلك ضوء النار.
20
[29] وقد يمكن أن يُعتبر هذا المعنى، أعني إشراق الأضواء عن الأضواء
21
العرضية على السموت المستقيمة، اعتبارًا محرَّرًا يقع معه اليقين. أما ضوء
22
الصباح فيُعتبر كما أصف: يعتمد المعتبر بيتًا في داخله بيت، ويكون وضعهما
23
بين المشرق والمغرب، ولا يكون للضوء إليهما سبيل إلا من الباب، ويكون
24
الحائط الشرقي من البيت الشرقي منكشفًا. ويثقب في أعلى هذا الحائط ثقب
25
كأحد الثقوب التي تكون في جدران البيوت لدخول الضوء، وليكن مستديرًا
86
1
قطره ليس بأقل |I 30a|[ms Fatih 3212] من قدم في مثله، ويكون مخروطًا داخله أوسع من خارجه،
2
فيكون هذا الثقب مواجهًا للجهة الشرقية من السماء. وليثقب في الحائط المقابل
3
للثقب المشترك للبيتين ثقبين مستديرين مقابلين للثقب الأول فيفضي هذان
4
الثقبان إلى البيت الغربي، وليكن هذان الثقبان أقرب إلى الأرض من الثقب
5
الأول وبحيث إذا نظر الناظر في كل واحد منهما رأى السماء من الثقب الأول
6
الأعلى، وليكن كل واحد من هذين الثقبين مساويًا للثقب الأول وشبيهًا به.
7
وليتحرّ في هذين الثقبين أن يكون امتداد كل واحد منهما في سمك الحائط على
8
استقامة الخطوط المستقيمة التي تتوهم ممتدة من النهاية الخارجة من الثقب الأول
9
إلى النهاية المقابلة لها من الثقب الثاني. وملاك الأمر أن يكون هذا الحائط جسيمًا
10
ليكون للثقبين امتداد مقتدر في جسم الحائط حتى لا ينخرط الضوء الخارج من
11
هذين الثقبين انخراطًا مسرفًا. وينبغي أن يكون امتداد كل واحد من هذين
12
الثقبين في جسم الحائط |I 30b|[ms Fatih 3212] امتدادًا متشابهًا لا منخرطًا.
13
[30] ثم يُمَدُّ خيط من الثقب الأول الأعلى إلى أحد الثقبين وليتحرّ أن يمر
14
الخيط بنقطة من النهاية الخارجة من الثقب الأعلى والنقطة النظيرة لها من النهاية
15
الخارجة من الثقب المقابل له. ويداخل الخيط في الثقب وليكن طرف الخيط الذي
16
يلي الثقب الأعلى مشدودًا بمسمار من خارج الثقب. ويدخل المعتبر إلى داخل
17
البيت الغربي ويمد الخيط إلى أن ينتهي طرفه إلى موضع من البيت إما أرضه أو
18
بعض جدرانه. ثم يمد الخيط مدًا شديدًا حتى يصح استقامته ووضعه. فإذا
19
صح وضعه وامتداده واستقامته يعلّم على موضع طرفه من البيت علامة، فيكون
20
هذا الموضع على استقامة المسافة المستقيمة الممتدة من الثقب الأول الأعلى إلى
21
الثقب الأخفض المقابل له. ثم يخُرج الخيط من هذا الثقب ويداخل في الثقب
22
الآخر ويفعل به مثل ما فعل في الثقب الذي قبله؛ ويمده حتى ينتهي إلى
23
موضع آخر من البيت أيضًا ويتعلم على موضع نهايته، فيكون هذا الموضع الثاني
24
على استقامة المسافة المستقيمة الممتدة من الثقب الأعلى أيضًا إلى الثقب الآخر.
25
[31] فإذا تعين هذان الموضعان من البيت تحرى المعتبر ليلة من الليالي |I 31a|[ms Fatih 3212]
87
1
السود وتكون مع ذلك مصحية. فإذا أظلم الليل دخل المعتبر إلى داخل البيت
2
وأغلق الباب ولم يترك في البيتين شيئًا من الضوء فإن الثقبين في هذه الحال يكونان
3
مظلمين. ثم يدخل إلى البيت الغربي وينتظر من أحد الثقبين إلى أن يرى السماء
4
من الثقب الأعلى، ويتحرى ألا يكون مقابلًا للثقب شيء من الكواكب الكبار
5
التي يظهر ضوؤها على وجه الأرض، وإن كان هناك شيء من الكواكب
6
الكبار توقف إلى أن يزول الكوكب عن مقابلة الثقب. وكذلك ينظر في الثقب
7
الآخر إلى أن يرى السماء من الثقب الأعلى ولا يكون مقابلا له شيء من
8
الكواكب الكبار: فإنه يرى الجو من الموضعين مظلمًا. ثم يتفقد الموضعين
9
المقابلين للثقبين من البيت اللذين عيّنهما، فيجدهما مظلمين ليس فيهما ضوء
10
ظاهر، ويجد جميع البيت مظلمًا ليس فيه شيء من الضوء إلاّ ما لا يُعتدٌ به من
11
ضوء السماء الذي هو في غاية الضعف.
12
[32] ثم ينتظر |I 31b|[ms Fatih 3212] الصباح فإذا انفجر الصبح ونظر من الثقبين المتقابلين
13
إلى أن يرى الجو مضيئًا تحرك من الموضع الذي هو فيه حتى يزول عن مقابلة
14
الثقب ونظر إلى كل واحد من الموضعين المقابلين للثقببين اللذين كان عيّنهما:
15
فإنه يجدهما مضيئين بضوء يسير بحسب قوة الضوء الذي في الجو. فإن لم يظهر
16
في البيت ضوء توقف يسيرًا من الزمان إلى أن يقوى ضوء الصباح، فإذا قوي ضوء
17
الصباح تأمل الموضعين: فإنه يجدهما مضيئين، ويجد الضوء في كل واحد من
18
الموضعين مستديرًا، ويجده أوسع من الثقب بحسب ما يقتضيه انخراط الضوء،
19
ولا يجد في هذه الحال في بقية البيت شيئًا من الضوء، وإن وجد فيه ضوءًا
20
فضعيف خفيّ بحسب ما يصح أن يصدر عن الضوء الذي يظهر في الموضعين
21
المقابلين للثقبين. ثم إن ستر أحد الثقبين بطل الضوء من الموضع المقابل له وبقي
22
الآخر، وإن رفع الساتر عاد الضوء إلى موضعه.
23
[33] ثم يعتمد المعتبر المسافة المستقيمة |I 32a|[ms Fatih 3212] التي بين أحد الثقبين وبين
24
الموضع الذي يصير إليه الضوء من ذلك الثقب فيقطعها بجسم كثيف: فإنه يجد
25
الضوء يظهر على الجسم الكثيف ويبطل من الموضع المقابل لذلك الثقب. ثم
88
1
يحرك هذا الجسم على سمت المسافة المستقيمة: فإنه يجد الضوء أبدًا عليه. وقد
2
يمكن أن تحد هذه المسافة بعود مستقيم ومسطرة طويلة وتلصق المسطرة بمحيط
3
الثقب فتتحرر بها المسافة المستقيمة. ثم إذا رفع الجسم الكثيف الساتر عاد
4
الضوء الى الموضع الذي كان فيه، وكذلك إذا قطع المسافة المستقيمة التي بين
5
الثقب الأول الأعلى وبين أحد الثقبين من البيت الأول فإنه يجد الضوء يظهر على
6
الجسم الذي يقطع تلك المسافة ويبطل من البيت الثاني، وإذا رفع الساتر عاد
7
الضوء إلى موضعه. وكذلك إذا اعتبر الضوء الذي في الثقب الآخر في البيتين
8
جميعًا وجده على هذه الصفة. وإن ثقب في الحائط الثاني عدة ثقوب، وتحرى في
9
كل واحد منها أن يكون مقابلًا |I 32b|[ms Fatih 3212] للثقب الأول على استقامة وعلى مثل ما وصفناه
10
في الثقبين المتقدمين، وجد في البيت الثاني أضواء متفرقة بعدد تلك الثقوب
11
ومقابلة لها ــ كل واحد منها مقابلًا للثقب الأول الأعلى على استقامة.
12
[34] فيتبين من هذا الاعتبار بيانًا واضحًا أن الهواء المضي ء بضوء
13
الصباح يخرج منه ضوء إلى المواضع المقابلة، وأن خروجه على سموت
14
مستقيمة، وأن ضوء النهار المشرق على الأرض قبل طلوع الشمس وبعد غروبها
15
إنما هو ضوء يشرق عليها من الجو المضي ء بضوء الشمس المقابل لوجه الأرض.
16
وإن اعتبر المعتبرالجو المضيء في سائر النهار أيضا بهذا الوجه من الاعتبار وجد
17
الضوء يشرق منه على سموت مستقيمة.
18
[35] وإذا كان الهواء المضيء يصدر منه ضوء إلى المواضع المقابلة له فإن
19
كل جزء من أجزاء الهواء المضيء بأي ضوء كان فإنه يصدر منه ضوء إلى كل جهة
20
مقابلة له، ويكون الضوء الذي يصدر عنه أضعف من الضوء الذي فيه، وتكون
21
قوة الضوء الذي يصدر عنه |I 33a|[ms Fatih 3212] بحسب قوة الضوء الذي فيه وبحسب مقدار
22
مساحة ذلك الجزء المضيء من الهواء. وأيضًا فإن الهواء الذي في داخل البيت
23
الثاني والهواء الذي في البيت الأول متصلان من الثقب الأول بالهواء المضيء
24
الخارج الذي منه ورد الضوء إلى داخل البيت الثاني. ويصح أن يوجد في هذا
25
الهواء مسافات كثيرة منحنية ومتعرجة بين الجو المضيء وبين البيت الثاني تمر
89
1
بالثقوب ولا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. وكذلك إذا سُدّ أحد الثقبين
2
وبَطًل الضوء المقابل للثقب المسدود فإن بين ذلك الموضع الذي بطل منه الضوء
3
وبين الثقب الأول والهواء الخارج هواءً متصلًا من الثقب الآخر الذي لم يُسد
4
ومسافاتٍ كثيرةً غير مستقيمة. فلو كان الضوء يخرج على غير السموت
5
المستقيمة، وكان الهواء المضي ء ينبسط الضوء منه في جميع ما يتصل به من الهواء
6
من غير السموت المستقيمة، لقد كان البيت |I 33b|[ms Fatih 3212] القاصي يضي ء جميعه ضوءًا
7
متشابهًا عند إضاءة الجو بضوء الصباح لاتصال الهواء الذي فيه بالجو المضي ء في
8
الوقت الذي يدخل الضوء من الثقوب إلى البيت وفي الوقت الذي يُسدّ أحد
9
الثقبين أيضًا. وليس يوجد في وقت الاعتبار في داخل البيت القاصي ضوء سوى
10
الأضواء المقابلة للثقوب التي كل واحد منها هو والثقبان المتقابلان المقابلان
11
له اللذان في حائطي البيتين والجو الخارج المضيء على سمت مستقيم أو في المسافة
12
الممتدة بين الثقب وبين الموضع المضيء على استقامة الثقبين المتقابلين أو ما يشرق
13
من هذا الضوء في بقية البيت.
14
[36] والذي به يظهر أن الضوء اليسير الذي يشرق في بقية البيت إنما
15
هو ضوء يصدر عن الضوء الذي في داخل البيت المقابل للثقب لا من غيره هو أنه
16
إذا سُدّ أحد الثقبين وقُطِعت المسافة المستقيمة التي بين الثقب الباقي وبين
17
الضوء الذي نفذ منه بجسم كثيف، وقُرِّب الجسم الكثيف من الثقب، وبطل
18
الضوء من الموضع الذي كان يظهر فيه، خفي ما كان يظهر في بقية البيت |I 34a|[ms Fatih 3212]
19
من الضوء اليسير الذي كان يشرق من هذا الضوء. وليس ينقطع بهذا الفعل
20
اتصال الهواء الذي في داخل جميع البيت بالهواء الخارج المضيء إذا لم يكن الجسم
21
الكثيف الذي قطعت به المسافة المستقيمة ملتصقًا بالثقب.
22
[37] فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء ليس يخرج من الهواء المضيء إلا
23
على سمت مستقيم فقط، وأن الضوء يشرق من كل جزء من الهواء المضيء في كل
24
جهة تقابله على سمت الاستقامة، إذ الأضواء المتفرقة التي تظهر في داخل البيت
25
القاصي تقابل من الهواء المضيء الخارج أجزاءً مختلفة، ولأن أجزاء الهواء أيضًا
90
1
المتشابهة الضوء متشابهة الحال.
2
[38] فعلى هذه الصفة يمكن أن يُعتبر ضوء النهار ويظهر أنه من ضوء
3
الجوء المضي ء وأنه يرد من الجو على سموت مستقيمة.
4
[39] وقد يمكن أن يُعترض على هذا المعنى فيقال:
5
إن جميع الهواء مقابل لجرم الشمس أبدًا وفي طول الليل، وإنما المحتجب عن |I 34b|[ms Fatih 3212]
6
جرم الشمس هو ظل الأرض فقط، وهذا الظل هو مخروط مستدِق وهو جزء
7
يسير من جملة الهواء، والذي يظهر من الجو وهو مقابل لوجه الأرض في سائر
8
الأوقات هونصف جميع الهواء، والذي يقابل الأرض في طول الليل من الجو هو
9
نصفه، والجزء المحتجب عن الشمس في الليل هو جزء يسير من هذا النصف،
10
ومعظم الهواء الذي يظهر في طول الليل الذي هو مقابل لوجه الأرض هومضي ء
11
بضوء الشمس، فلو كان الضوء الذي يظهر في الجو عند الصباح وعند العشاء
12
ويشرق على وجه الأرض هو الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس لكان
13
الضوء يظهر في الجو ويشرق على وجه الأرض في طول الليل، لأن الهواء المقابل
14
لوجه الأرض في طول الليل معظمه مضي ء. وليس يظهر في طول الليل شيء
15
من الضوء في الجو أو على وجه الأرض. فليس الضوء الذي يظهر في الجو
16
وعلى وجه الأرض عند الصباح وعند العشاء هو ضوء الهواء المقابل للشمس |I 35a|[ms Fatih 3212]
17
المضي ء بضوء الشمس.
18
[40] فنقول في جواب هذا الاعتراض إن جميع الهواء مضي ء بضوء
19
الشمس في سائر الأوقات، وليس شي ء من الهواء مظلمًا ومحتجبًا عن الشمس إلا
20
مخروط الظل الذي هو ظل الأرض فقط، إلا أن الضوء الذي يصدر عن الهواء
21
المضيء يكون ضعيفًا، وكلما بعد في امتداده ازداد ضعفًا لأن ذلك هو خاصة
22
الضوء، فالهواء المضي ء بضوء الشمس يشرق منه أبدًا ضوء يمتد في جميع الجهات
23
وينفذ في الهواء المستظل بظل الأرض، إلا أنه كلما بعد هذا الضوء عن الهواء
24
المضي ء بضوء الشمس الذي منه يمتد ضعف. وإذا كان ذلك كذلك فالجزء من
25
ظل الأرض المماس للهواء المضي ء والقريب من هذا الماس ــ الذي هو حواشي
91
1
الظل ــ يكون الضوء الذي يشرق عليه من الهواء المضي ء المجاور له فيه بعض
2
القوة، فإذا بعد هذا الضوء عن حواشي الظل وانتهى إلى وسط الظل وقريبًا
3
من الوسط ضعف ضعفًا شديدًا. |I 35b|[ms Fatih 3212]
4
[41] والشمس في سائر الليل بعيدة عن محيط الأفق، والموضع الذي
5
يجن عليه الليل من وجه الأرض هو في أكثر الليل في وسط ظل الأرض وقريب من
6
الوسط، فإذا قربت الشمس من الأفق مال مخروط الظل وقرب محيط قاعدة الظل
7
المحيطة بالأرض من الموضع الذي قد قربت الشمس من محيط أفقه، فيصير
8
الموضع الذي قد قربت الشمس من محيط أفقه في محيط الظل وقريبًا من حاشية
9
الظل، ويصير الضوء الخارج من الشمس الممتد في طول الظل الماس لطول
10
الظل قريبا من وجه الأرض. فإذا قربت حاشية الظل ومحيطه والضوء الممتد في
11
طول محيطه الماس لحاشيته من وجه الأرض صار الهواء المضيء قريبا من وجه
12
الأرض، ويكون الضوء الذي يصل من هذا الهواء إلى وجه الأرض فيه بعض
13
القوة، فلذلك يدرك البصر الضوء في الهواء عند قرب الصباح ويصل الضوء إلى
14
الأرض عند الصباح. ثم كلما قربت الشمس من الأفق قربت حاشية الظل |I 36a|[ms Fatih 3212] من
15
وجه الأرض وقرب الهواء المضيء من البصر وقوي الضوء الذي يصل إلى وجه
16
الأرض. فلذلك كلما قربت الشمس من الأفق ازداد الضوء الذي يظهر على وجه
17
الأرض قوة ووضوحًا إلى أن ينتهي محيط جرم الشمس إلى محيط الأفق، فيصير
18
حاشية الظل ونهايته والهواء المضيء بضوء النهار في هذا الوقت مماسًا لوجه
19
الأرض. والهواء المماس لوجه الأرض والقريبُ منه المضيء بضوء النهار عند قرب
20
الشمس من الأفق وقبل طلوعها هو من جملة مخروط ظل الأرض، وإضاءتُه إنما
21
هي لقرب هذا الهواء من الهواء المضيء المقابل للشمس لأن كل موضع تكون
22
الشمس تحت أفقه وغير مقابلة له فهو في داخل مخروط الظل، إلا أن هذا الهواء
23
المضيء هو حواشي الظل ومحيطه المجاور للهواء المضيء المقابل للشمس.
24
[42] فالعلة التي من أجلها ليس يظهر الضوء في الهواء في سائر الليل هو
25
بعد الهواء المضيء المقابل للشمس عن وجه الأرض وضعفُ الضوء الذي يصدر
92
1
عن الضوء الذي في هذا الهواء المضيء |I 36b|[ms Fatih 3212] وقصورُ قوته عن الوصول إلى وسط
2
الأرض. والعلة التي من أجلها يظهر الضوء في الهواء عند الفجر وفي أول الليل
3
ويشرق على وجه الأرض عند الصباح وعند العشاء هو قرب الهواء المضيء المقابل
4
للشمس من البصر وقربُ حاشية الظل في هذه الأوقات من وجه الأرض. ولهذه
5
العلة، أعني القرب، صار أول ما يظهر من الفجر يظهر مستدقًا مستطيلًا، لأن
6
أقرب حواشي الظل من البصر في هذا الوقت هو خط واحد مستقيم، وهو الخط
7
المستقيم الممتد في سطح مخروط الظل الذي يمر بأقرب النقط من محيط قاعدة الظل
8
إلى البصر في ذلك الوقت، إذ البصر في هذه الحال ليس هو في وسط مخروط الظل
9
بل هو مائل عن الوسط إلى الجهة من محيط قاعدة الظل التي تلي جهة الشمس،
10
فالنقطة التي هي طرف قطر قاعدة الظل الذي يمر بموضع البصر في هذه الحال
11
التي تلي جهة الشمس هي أقرب إلى البصر من جميع النقط التي على محيط قاعدة
12
الظل. |I 37a|[ms Fatih 3212] وأريد بقاعدة الظل ها هنا السطح الذي يمر بموضع البصر ويقطع
13
مخروط الظل. والخط الذي يخرج من هذه النقطة ويمتد في سطح خروط الظل هو
14
أقرب الخطوط التي في سطح المخروط في هذه الحال من البصر. فقد تبينت العلة
15
التي من أجلها يظهر الضوء في الجو وعلى وجه الأرض عند الصباح وعند العشاء
16
ولا يظهر في سائر الليل.
17
[43] وقد بقي أن يقال: إذا كان الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند
18
الصباح وعند العشاء هو ضوء في الهواء، وإنما يدركه البصر عند الصباح وعند
19
العشاء من أجل قربه من البصر، فقد كان يجب أن يدرك البصر الضوء في الهواء
20
الذي بين الجدران وفي دواخل البيوت في سائر النهار، إذ هذا الهواء مضيء في
21
سائر النهار وقريب من البصر، وليس يدرك البصر الضوء في هذه الأهوية بل
22
إنما يدرك البصر الضوء على جدران البيوت ولا يدرك في الهواء الذي فيما بين
23
الجدران شيئًا من الضوء، فليس الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند الصباح
24
وعند العشاء ضوءًا في الهواء. |I 37b|[ms Fatih 3212]
25
[44] فنقول في جواب هذا القول: إن الهواء جسم مشف شديد
93
1
الشفيف، إلا أنه ليس في غاية الشفيف بل فيه غلظ يسير. فإذا أشرق عليه ضوء
2
الشمس نفذ الضوء فيه بحسب شفيفه، وثَبت فيه من الضوء قدر يسير بحسب
3
ما فيه من الغلظ اليسير. فالمقدار اليسير من الهواء القليل المساحة يكون الضوء
4
الذي يثبت فيه يسيرًا جدًا من أجل صغر مساحته ومن أجل شدة شفيفه وقلة غلظه
5
وضعف كيفية الضوء الذي يثبت فيه. والهواء العظيم المساحة في السمك يكون
6
الضوء الذي فيه كثيرًا من أجل عظم مساحته. وإن كانت كيفية الضوء الذي في
7
كل جزء يسير منه ضعيفة، والهواء الذي بين الجدران وفي دواخل البيوت يسير
8
قليل المساحة، فالضوء الذي فيه يسير من جهتين: من أجل صغر مساحته ومن
9
أجل ضعف كيفيته.
10
[45] والمسافة التي يدركها البصر من الجو |I 38a|[ms Fatih 3212] المضيء التي يمتد فيها
11
البصر في وقت إدراكه لضوء الصباح وضوء العشاء عظيمة المقدار في السمك
12
الممتد في مقابلة البصر، وجميع الهواء الممتد في هذا السمك مضيء في ذلك
13
الوقت، وكل جزء يسيرمن الهواء الذي في هذا السمك فيه ضوء يسير ضعيف،
14
والأجزاء المقتدرة المضيئة المقابلة للبصر من هذا الهواء في حال إدراك البصر للضوء
15
الذي فيه التي كل واحد منها مساو لمقدار الهواء الذي بين الجدران الذي لا
16
يظهر فيه الضوء التي هي ممتدة في السمك على السمت المستقيم المقابل للبصر
17
كثيرة مسرفة الكثرة إذا قدرناها بالتخيل لعظم مساحة هذا الهواء وعظم سمكه.
18
[46] فإذا كانت هذه الأجزاء كثيرة مسرفة الكثرة، وكان في كل واحد
19
منها ضوء يسير، وكانت هذه الأجزاء الكثيرة ممتدة في مقابلة البصر على سمت
20
مستقيم، تضاعفت الأضواء التي كل واحد منها يسيرٌ، وتضاعفت قوتها أضعافًا
21
كثيرة مسرفة الكثرة، لأن |I 38b|[ms Fatih 3212] البصر يدرك جميعها من سمت واحد. وإذا
22
تضاعف الضوء اليسير أضعافًا كثيرة قوِيَ وظهر للحس، فلذلك يظهر الضوء
23
للبصر في الجو المضيء وليس يظهر للبصر الضوء الذي في الهواء اليسير الذي في
24
دواخل البيوت وفيما بين الجدران وفي أودية الجبال والذي بين البصر وسطح
25
الأرض وكل ما كان يسير المساحة من الهواء.
94
1
[47] فقد انجلت الشبهة وصح أن الضوء الذي يدركه البصر في الجو
2
عند الصباح وعند العشاء هو ضوء الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء
3
الشمس، وأن الضوء المشرق على وجه الأرض قبل طلوع الشمس وبعد غروبها
4
هو ضوء يرد من الضوء الذي في الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس.
5
[48] فأما الأضواء العرضية التي تظهر على الأجسام الكثيفة فقد يمكن
6
أن تُعتبر الأضواء التي تشرق منها أيضًا على الأجسام المقابلة لها اعتبارًا محررًا.
7
وذلك يكون كما نصف: يعتمد المعتبر حائطًا أبيض نقي البياض منكشفًا لضوء
8
النهار ولضوء الشمس وضوء القمر، |I 39a|[ms Fatih 3212] ويكون مقابلًا له وموازيًا له وبالقرب
9
منه حائط آخر، ويكون من وراء كل واحد من الحائطين بيت ليس للضوء إليه
10
منفذ إلا من بابه. ثم يعتمد المعتبر قطعة من الخشب طولها ليس بأقل من عظم
11
الذراع وعرضها مساو لطولها وسمكها مساو لطولها أيضًا، ويسوَّي سطوحها حتى
12
تصير مسطحة ومتوازية بغاية ما يمكن، وتكونَ نهاياتها مستقيمة ومتوازية. ثم
13
يخُط في وسط سطحين متقابلين من سطوحها خطين مستقيمين متوازيين وكل واحد
14
منهما مواز لنهايتي السطح الذي هو فيه. ثم يفصل من طرفي كل واحد من هذين
15
الخطين خطين متساويين يكون كل واحد منهما ليس بأكثر من عرض إصبعين،
16
فيحصل في كل واحد من الخطين نقطتان.
17
[49] ثم يدير على النقطتين اللتين على أحد الخطين دائرتين متساويتين
18
قطر كل واحدة منهما بمقدار عرض إصبع واحدة مقتدرة. ثم يدير على إحدى
19
النقطتين من الخط الآخر دائرة أخرى مساوية لكل واحدة من
20
الدائرتين |I 39b|[ms Fatih 3212] الأوليين. ثم يقسم هذا الخط الذي أدار عليه الدائرة الواحدة الذي
21
بين مركز الدائرة وبين النقطة الأخرى الباقية المفروضة على هذا الخط بقسمين
22
يكون نسبة الأصغر منهما إلى الأعظم كنسبة سمك الخشبة إلى المسافة التي بين
23
الحائطين. وليحرر هذه المسافة بعود مستقيم يُمد بين الحائطين ويتحرى أن يكون
24
قائمًا على كل واحد منهما قيامًا معتدلًا. فإذا قسم هذا الخط على هذه النسبة
25
فليكن القسم الأعظم النظير للمسافة التي بين الحائطين يلي مركز الدائرة المرسومة
95
1
على هذا الخط. فإذا تحررت هذه القسمة فليُدِر على نقطة القسمة دائرة أخرى
2
مساوية لكل واحدة من الدوائر التي تقدمت. فيكون نسبة الخط الذي بين
3
مركزي الدائرتين المتباعدتين اللتين على الخط الأول الغير مقسوم إلى الخط الذي
4
بين مركزي الدائرتين المتقاربتين اللتين على الخط المقسوم كنسبة سمك الخشبة مع
5
بعد المسافة التي بين الحائطين إلى هذا البعد بعينه |I 40a|[ms Fatih 3212] على التركيب.
6
[50] ثم ينبغي لهذا المعتبر أن يثقب في الخشبة ثَقْبين أحدهما من الدائرة
7
المتطرفة من الدائرتين المتقاربتين إلى الدائرة المتطرفة المقابلة لها من الدائرتين
8
المتباعدتين في السطح الآخر. وليكن الثقب مستديرًا أسطوانيًا، ويكون محيطه
9
مع محيطي الدائرتين المتقابلتين، فيكون هذا الثقب قائمًا على السطحين المتوازيين
10
على زوايا قائمة. وليكن الثقب الآخر ممتدًا من الدائرة التي في موضع قسمة الخط
11
إلى الدائرة الأخرى المتطرفة أيضًا عن الدائرتين المتباعدتين اللتين في السطح
12
الآخر، ويكون محيط هذا الثقب مع محيطي الدائرتين، فيكون هذا الثقب مائلًا
13
على السطحين المتوازيين.
14
[51] فإذا تحرر هذان الثقبان فليثقب في الحائط المقابل للحائط الأبيض
15
ثقبًا مربعًا بمقدار تربيع الخشبة، ويركّب الخشبة في هذا الثقب، ويجعل السطح
16
الذي فيه الدائرتان المتقاربتان مما يلي خارج البيت، ويتحرى عند تركيب الخشبة
17
أن يكون سطحها موازيًا لسطح الحائط الأبيض، |I 40b|[ms Fatih 3212] ويكون بعد سطحها عن
18
سطح الحائط الأبيض هو بمقدار البعد الذي بين الحائطين الذي بحسبه كانت
19
قسمة الخط على التحرير. فإذا تحرر وضع الخشبة سَدَّ ما يفضل من الخلل حول
20
الخشبة ومُكِّنت الخشبة في موضعها تمكينًا وثيقًا. وإن فضل سمك الحائط على
21
سمك الخشبة حذف ما يفضل من داخل البيت على التاريب حتى يصير بقية
22
الثقب منخرطًا، وإن حصل سمك الخشبة من أول الأمر مساويًا لسمك الحائط
23
كان أجود.
24
[52] فإذا أحكم تركيب الخشبة فليعتمد المعتبر عودًا مستقيمًا في غاية
25
الاستقامة ويكون غلظه مساويًا لغلظ الثقب القائم الذي في الخشبة. وإن اعتمد
96
1
عودًا مستقيمًا أغلظ من سعة الثقب وخرطه في الشِّهر حتى يصير غلظه بمقدار سعة
2
الثقب على التحرير كان أولى ويكون متساوي الغلظ. فإذا تحرر هذا العود
3
فليحدد طرفه |I 41a|[ms Fatih 3212] تحديدًا منخرطًا حتى تصير نقطة رأسه هي طرف سهم العود
4
بالقياس إلى الحس. ثم يداخل هذا العود في الثقب القائم ويحركه في الثقب
5
إلى أن يلقى طرفه الحاد سطح الحائط الأبيض. فإذا لقي سطح هذا الحائط يعلّم
6
على موضع طرفه نقطة، فتكون هذه النقطة على استقامة سهم الثقب القائم.
7
فإذا علّم هذه النقطة فليخرج العود من الثقب.
8
[53] ثم يدخل المعتبر البيت الذي يفضي إليه هذا الثقب، ويجعل بصره
9
عند محيط الثقب القائم، وينظر إلى الحائط الأبيض ويتفقد نهاية ما يدركه بصره
10
من ذلك الحائط وأبعدَ موضع يدركه عن النقطة المفروضة على الحائط الأبيض التي
11
على استقامة سهم الثقب القائم. فيتقدم إلى من يتعلم على ذلك الموضع ويشير
12
إليه بالصفة نقطة. ثم إن أدار المعتبر بصره حول محيط الثقب، ونظر من كل
13
ناحية منه إلى الحائط الأبيض، وتفقد أبعد موضع يدركه من سطح الحائط
14
عن النقطة المفروضة، فإنه يجد أبعد الأبعاد التي يدركها بصره عن النقطة |I 41b|[ms Fatih 3212]
15
المفروضة المقابلة لمركز الثقب أبدًا متساوية، لأن هذه خاصة الثقوب المستديرة.
16
[54] وليجعل المعتبر النقطة الأولى من الحائط الأبيض مركزًا، ويدير
17
ببعد البعد الأبعد الذي أدركه ببصره من سطح الحائط ويعلم عليه دائرة.
18
[55] ثم يجعل بصره ثانية على محيط الثقب وينظر إلى الدائرة المرسومة:
19
فإنه يدرك محيط الدائرة ولا يدرك زيادة عليه. وليُدِر بصره حول محيط الثقب
20
وينظر إلى محيط الدائرة المرسومة: فإن لم ير غير محيط الدائرة فالدائرة في حَقِّها،
21
وإن أدرك بصره زيادة على محيط الدائرة، أو لم يدرك محيط الدائرة من بعض
22
الجهات أو من جميع الجهات، فليس الدائرة في حقها. فإن عرض ذلك فليغير
23
الدائرة ويعتبرها ببصره إلى أن يتحرر وضعها ويكون إذا أدار بصره حول محيط
24
الثقب رأي محيط الدائرة ولم ير زيادة عليه.
25
[56] فإذا تحرر وضع هذه الدائرة |I 42a|[ms Fatih 3212] فلينتقل إلى الثقب المائل، فيجعل
97
1
بصره عند محيط هذا الثقب وينظر إلى الحائط الأبيض: فإنه يدرك الدائرة المرسومة
2
في هذا الحائط ويدرك محيطها ولا يدرك زيادة عليها. وإذا أدار بصره حول محيط
3
الثقب المائل، ونظر إلى الدائرة وإلى أبعد موضع يدركه من الحائط، أدرك
4
الدائرة وأدرك محيطها ولم يدرك زيادة عليها ولا نقصانًا منها.
5
[57] وذلك أن نسبة الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتباعدتين اللتين
6
في السطح الداخل من الخشبة، إلى الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتقابلتين
7
اللتين في السطح الخارج من الخشبة، كنسبة الخط الممتد على استقامة سهم
8
الثقب القائم من مركز الدائرة الداخلة إلى سطح الحائط الأبيض، إلى القسم من
9
هذا الخط الذي بين الحائطين.
10
[58] فيكون سهم الثقب المائل إذا امتد على استقامة فإنه يلقى سهمَ
11
الثقب القائم على النقطة بعينها التي عليها يلقى سهمَ الثقب القائم على السطح
12
الأبيض.
13
[59] ومركز الدائرة |I 42b|[ms Fatih 3212] المرسومة في الحائط الأبيض هي النقطة التي عليها
14
يلقى سهمُ الثقب القائم سطح الحائط الأبيض.
15
[60] فسهم الثقب المائل إذا امتد على استقامة فإنه يلقى سطح الحائط
16
الأبيض على مركز الدائرة المرسومة في الحائط بعينها.
17
[61] وإذا كان ذلك كذلك كانت نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة
18
المرسومة في سطح الحائط وبين منتصف سهم الثقب المائل، إلى النصف الآخر من
19
سهم الثقب المائل، كنسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين
20
منتصف سهم الثقب القائم، إلى النصف الآخر من سهم الثقب القائم ــ لأن
21
الخط الذي يصل بين منتصفي السهمين مواز للخط الذي يصل بين مركزي
22
الدائرتين.
23
[62] وهذه النسبة هي نسبة نصف قطر الدائرة المرسومة في الحائط إلى
24
نصف قطر دائرة الثقب القائم التي تلي داخل البيت ــ لأن محيط الدائرة المرسومة في
25
الحائط يظهر للبصر من محيط دائرة هذا الثقب، والبصر ليس يدرك شيئًا إلا على
98
1
سموت الخطوط المستقيمة، فهو يدرك محيط الدائرة التي في الحائط على سموت
2
الخطوط |I 43a|[ms Fatih 3212] المستقيمة التي تمر بالنقط المتقاطرة في محيطي دائرتي الثقب وتنتهي إلى
3
محيط الدائرة التي في الحائط. والبصر يدرك محيط الدائرة التي في الحائط من جميع
4
محيط دائرة الثقب القائم. فتكون جميع الخطوط المستقيمة التي تمر بمحيطي دائرتي
5
الثقب القائم ومحيط الدائرة التي في الحائط تتقاطع عند وسط سهم هذا الثقبــ
6
لأن دائرتي الثقب متساويتان والخطوط المتقاطرة تتقاطع على وسط سهم الثقب.
7
[63] فلذلك تكون نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في الحائط
8
وبين منتصف سهم الثقب القائم إلى نصف سهم الثقب القائم، كنسبة نصف
9
قطر الدائرة التي في الحائط إلى نصف قطر دائرة الثقب الداخلة.
10
[64] ونسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين
11
منتصف سهم الثقب القائم إلى نصف سهم الثقب القائم، كنسبة الخط الذي بين
12
مركز الدائرة التي في الحائط وبين منتصف سهم الثقب المائل إلى نصف سهم
13
الثقب المائل.
14
[65] فتكون نسبة الخط الذي بين مركز |I 43b|[ms Fatih 3212] الدائرة التي في الحائط وبين
15
منتصف سهم الثقب المائل إلى نصف سهم الثقب المائل، كنسبة نصف قطر
16
الدائرة المرسومة في الحائط إلى نصف قطر الدائرة الداخلة من الثقب المائل ــ لأن
17
دائرة الثقب المائل مساوية لدائرة الثقب القائم.
18
[66] وإذا كان ذلك كذلك فغاية ما يظهر للبصر من سطح الحائط عند
19
كون البصر على محيط الثقب المائل هو محيط الدائرة المرسومة على سطح الحائط
20
المقابلة للثقب القائم.
21
[67] فإن أدرك المعتبر عند وضع بصره على محيط الثقب المائل شيئًا من
22
الحائط خارجًا عن الدائرة، فإن ذلك لأن سطح الخشبة ليس بمواز لسطح
23
الحائط، أو البُعدُ الذي بين الخشبة وبين الحائط ليس هو البعدَ بعينه الذي بحسبه
24
كانت قسمة الخط الذي في سطح الخشبة. فإن كان ذلك فليحرر وضع الخشبة،
25
وينظر في الثقبين القائم والمائل إلى أن يصح وضع الخشبة ويصير الذي يدركه
99
1
البصر من الثقبين جميعًا هو الدائرة المرسومة في سطح الحائط من غير زيادة ولا
2
نقصان. لأنه إذا تحرر وضع الخشبة |I 44a|[ms Fatih 3212] لم يمكن أن يدرك البصر من الثقبين إلا
3
الدائرة بعينها التي في الحائط فقط من غير زيادة ولا نقصان.
4
[68] فإذا تحرر وضع الخشبة وأحكم تركيبها في الثقب الذي هي فيه
5
واستوثق منها، فليثقب المعتبر في الحائط الأبيض في نفس الدائرة المرسومة فيه ثقبًا
6
مستديرًا نافذًا إلى البيت الذي من وراء هذا الحائط يكون محيطه محيط الدائرة
7
المرسومة في سطح الحائط ويكون امتداده في جسم الحائط منخرطًا كلما دخل
8
اتسع. فإذا فرغ المعتبر من هذا الثقب فليسُدَّه بجسم أبيضَ نقيِّ البياض كثيفًا،
9
كثوب أبيض أو حجر أو قرطاس، ولا يكون هذا الجسم ثقيلًا، ويسد به جميع
10
الثقب، ويسوي سطح هذا الجسم مع سطح الحائط.
11
[69] ثم يراعي المعتبر ضوء الصباح، فإذا أضاء النهار، وقوي الضوء
12
على الحائط الأبيض المنكشف للضوء، وقبْل أن يشرق عليه ضوء الشمس، دخل
13
البيت الذي فيه الثقبان وأغلق الباب وأسبل على الباب سترًا صفيقًا حتى لا يدخل
14
من الباب ولا من ثقوبه |I 44b|[ms Fatih 3212] شيء من الضوء، ثم يسد الثقب المائل حتى لا يبقى
15
في البيت ضوء إلا الضوء الذي يدخل من الثقب القائم فقط، ثم يقابل هذا
16
الثقب بجسم كثيف نقي البياض: فإنه يجد عليه ضوءًا ما بحسب قوة الضوء
17
الذي على الحائط الأبيض وعلى الجسم الأبيض الذي سد به الثقب، ويجد الضوء
18
الذي يظهر على الجسم الكثيف مستديرًا ومنخرطًا كمثل انخراط الضوء الذاتي
19
الذي يخرج من الأجسام المضيئة من ذواتها وينفذ في الثقوب الأسطوانية.
20
[70] وإذا جعل المعتبر بصره في موضع من هذا الضوء الذي يظهر على
21
الجسم الكثيف في داخل البيت، ونظر إلى الحائط الأبيض، فليس يرى إلا
22
الجسم الأبيض الذي سد به الثقب الذي في الحائط فقط. فإذا تبين للمعتبر هذا
23
الضوء فليتقدم بأن يرفع الجسم الأبيض الذي سد به الثقب، ويغلق باب البيت
24
الذي ينفذ إليه هذا الثقب: فإن الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف الذي
25
في داخل البيت النافذَ من الثقب القائم يبطل ولا يظهر منه شيء. فإن ظهر على
100
1
هذا الجسم شيء من الضوء |I 45a|[ms Fatih 3212] فهو بحسب ما يصح أن يصدر عن الضوء الذي
2
يصل إلى محيط داخل الثقب القائم.
3
[71] فإذا ظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت ذي الثقبين في
4
هذه الحال شيء من الضوء، فينبغي للمعتبر أن يصبغ محيط داخل الثقب القائم
5
الذي يعتبر به الضوء بصبغ أسود لئلا يصدر عن محيط داخل هذا الثقب إلى
6
داخل البيت الذي يليه ضوء ظاهر. وإذا صبغ محيط داخل الثقب القائم بصبغ
7
أسود لم يظهر على الجسم الكثيف المقابل للثقب القائم عند رفع الجسم الأبيض
8
المضيء الذي كان يسد الثقب المقابل له شيء من الضوء.
9
[72] فإذا بطل الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف المقابل للثقب
10
القائم عند رفع الجسم المضيء الذي كان يسد الثقب المقابل له، قينبغي للمعتبر
11
أن يتقدم برد ذلك الجسم الأبيض، ويسد به الثقب الذي في الحائط كما كان: فإِنه
12
يعود الضوء ويظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت كما كان يظهر في
13
الحالة الأولى.
14
[73] فتبين من هذا الاعتبار |I 45b|[ms Fatih 3212] أن الضوء الذي نفذ من الثقب القائم
15
وظهر على الجسم الكثيف إنما هو ضوء ورد إليه من الضوء العرضي الذي على
16
الجسم الأبيض المقابل له الذي سد به الثقب المقابل فقط.
17
[74] وفي وقت رفع هذا الجسم وفتح الثقب المقابل وبطلان الضوء الذي
18
كان يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت يكون بين هذا الجسم
19
الكثيف الذي في داخل البيت الذي بطل الضوء منه وبين بقية الحائط الأبيض
20
المنكشف للضوء من جميع نواحي الحائط، وبين كثير من الجدران المضيئة، وبين
21
جميع الجو المضيء، هواء متصل ومسافات كثيرة منحنية ومنعرجة ليس يقطعها
22
شيء من الأجسام الكثيفة. ولم يتغير إلا الموضع المقابل للثقب القائم على
23
سمت الاستقامة فقط. ومع ذلك فليس يظهر الضوء في داخل البيت ما دام
24
الثقب الذي في الحائط مفتوحًا وليس يقابل الثقب القائم على استقامة جسم كثيف
25
مضيء. وإذا رد الجسم الأبيض وسد به الثقب الخارج ظهر الضوء على الجسم
101
1
الذي |I 46a|[ms Fatih 3212] في داخل البيت.
2
[75] ثم إن تحرى المعتبر المسافة المستقيمة التي بين الثقب القائم وبين
3
الثقب الذي في الحائط، فيقطعها بجسم كثيف نقي البياض في أي المواضع شاء
4
من المسافة التي بينهما من خارج الثقب، وكان الضوء مشرقًا على هذا الجسم،
5
فإن الضوء يظهر على الجسم الذي في داخل البيت. وإن تحرى المعتبر المسافة
6
المستقيمة التي بين طرف الثقب القائم من داخل البيت وبين الجسم الذي يظهر
7
عليه الضوء، فقطعها بجسم كثيف في أي موضع شاء منها، فإن الضوء يبطل
8
من الجسم الأول ويظهر على الجسم الثاني.
9
[76] فمن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي في داخل
10
البيت عند كون الجسم المضيء بالضوء العرضي في الثقب الذي في الحائط
11
الأبيض، وبطلان الضوء من هذا الجسم الكثيف عند رفع الجسم المضيء الذي
12
في الثقب، يتبين أن الضوء الذي يظهر في داخل البيت على الجسم الكثيف
13
المقابل للثقب القائم عند كون الجسم المضيء في الثقب المقابل له |I 46b|[ms Fatih 3212] إنما هو ضوء
14
يرد إليه من الضوء العرضي الذي في ذلك الجسم المضيء الذي في الثقب، وأنه
15
ليس يرد إليه في تلك الحال ضوء إلا من ذلك الجسم فقط.
16
[77] ومن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي في داخل
17
البيت عند حصول الجسم المضيء في مقابلته على الاستقامة في وقت كونه في
18
الثقب الذي في الحائط وعند كونه في أي المواضع كان من المسافة المستقيمة التي بين
19
الثقبين من خارج البيت، وبطلان الضوء الذي على الجسم الكثيف الذي في
20
داخل البيت عند رفع الجسم المضيء المقابل له مع وجود الضوء على بقية الحائط
21
الأبيض وفي جميع الهواء المضيء بضوء النهار المتصل بالهواء الذي في الثقب وعلى
22
كثير من الجدران المضيئة التي بينها وبين الثقب القائم هواء متصل، يتبين أن
23
الضوء الذي يصدر عن الضوء العرضي ليس يصدر إلا على سمت مستقيم:
24
[78] لأن بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت الذي يظهر عليه
25
الضوء وبين بقية الحائط الأبيض المضيء بضوء النهار، وبين كثير من الجدران
102
1
المضيئة، وبين الهواء المضيء بضوء النهار، مسافاتٍ كثيرةً بلا نهاية منحنية |I 47a|[ms Fatih 3212]
2
ومنعرجة ومقوسة متصلة بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت وبين هذه
3
المواضع يصح أن تمتد في الهواء المتصل بينه وبين هذه المواضع، ولم يبطل عند
4
رفع الجسم الأبيض المقابل للثقب إلا الضوء الذي عند أطراف المسافات
5
المستقيمة فقط التي بين الجسم الذي في داخل البيت وبين الضوء.
6
[79] وأيضًا فإن المعتبر إذا تأمل الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف
7
الذي في داخل البيت عند حصول الجسم الأبيض المضيء مقابلًا له وجده
8
أضعف من الضوء العرضي الذي في الجسم الخارج المقابل له. ثم إذا باعد المعتبر
9
هذا الجسم الكثيف عن الثقب على سمت المقابلة فإنه يجد الضوء الذي يظهر عليه
10
إذا بعد عن الثقب قد ضعف. وكلما ازداد بعدًا عن الثقب ازداد الضوء الذي
11
يظهر عليه ضعفًا.
12
[80] وإذا اعتبر المعتبر جميع هذه المعاني، فليسد الثقب القائم ويفتح
13
الثقب المائل ويسوِّد |I 47b|[ms Fatih 3212] سطح داخل الثقب المائل ويقابله بالجسم الكثيف ويسد
14
الثقب الذي في الحائط الأبيض بالجسم الأبيض: فإنه يجد الضوء يظهر على
15
الجسم الكثيف الذي في داخل البيت.
16
[81] وكذلك إن قطع المسافة المستقيمة التي بين الثقب الذي في الحائط
17
وبين الثقب المائل بالجسم الأبيض في أي موضع شاء منها، وكان الضوء مع ذلك
18
مشرقًا على ذلك الجسم الأبيض، فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف الذي
19
في داخل البيت. ثم إذا رفع الجسم الأبيض المضيء المقابل للثقب المائل من
20
خارج فإن الضوء يبطل من الجسم الكثيف الذي في داخل البيت ولا يظهر عليه
21
شيء من الضوء. وإذا أعاد الجسم الأبيض إلى الثقب المقابل أو إلى المسافة
22
المستقيمة التي بينه وبين الثقب المائل عاد الضوء إلى الجسم الكثيف الذي في
23
داخل البيت كمثل الحال في الثقب القائم. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء
24
الذي يظهر على الجسم الكثيف |I 48a|[ms Fatih 3212] الذي في داخل البيت المقابل للثقب المائل ليس
25
يَرِد إلا على سمت الاستقامة وأنه ليس يرد إليه إلا من الجسم المقابل له فقط.
103
1
[82] فإن باعد المعتبر الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عن الثقب
2
المائل أيضًا عند اعتبار هذا الثقب وجد الضوء الذي يظهر عليه يضعف، وكلَّما
3
بعُد عن الثقب ازداد الضوء الذي عليه ضعفًا.
4
[83] ثم ينبغي للمعتبر أن يفتح الثقبين جميعًا ــ القائم والمائل ــ في وقت
5
واحد، ويقابل كل واحد منهما بجسم كثيف أبيض، ويسد الثقب الذي في
6
الحائط بالجسم الأبيض: فإنه يجد الضوء يظهر على الجسمين جميعًا المقابلين
7
للثقبين القائم والمائل في وقت واحد. وقد تبين أن كل واحد من هذين الموضعين
8
ليس يَرِد إليه ضوء عند كون الجسم المضيء في الثقب إلا من هذا الجسم بعينه
9
فقط، إذا كان الهواء الذي بينه وبين كل واحد من الثقبين القائم والمائل متصلًا لا
10
يقطعه شيء من الأجسام الكثيفة. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر
11
في |I 48b|[ms Fatih 3212] داخل البيت في الموضعين جميعًا في وقت واحد إنما هو ضوء يرد إلى الموضعين
12
جميعًا معًا من ذلك الجسم المضيء المقابل لهما الذي في الثقب.
13
[84] وكذلك إن ثقَب المعتبر في الخشبة الموضوعة عدة ثقوب كل واحد
14
منها مقابل للثقب الذي في الحائط الأبيض وعلى النسبة التي تقدم ذكرها، وفتح
15
جميع الثقوب، وقابل جميعها بجسم كثيف فسيح، وجد على ذلك الجسم أضواء
16
بعدد الثقوب في وقت واحد، ويكون كل واحد من تلك الأضواء مقابلًا لذلك
17
الجسم المضيء الذي في الثقب الخارج على سمت الاستقامة. فيتبين من هذا
18
الاعتبار أن الضوء يشرق من ذلك الجسم المضيء بضوء النهار في جميع الجهات
19
التي تقابله على سموت مستقيمة، وأن إشراق الضوء منه في جميع الجهات معًا
20
ودائمًا ما دام مضيئًا.
21
[85] وإذا تحرر للمعتبر هذا المعنى من ضوء النهار يراعي حينئذ
22
الموضع إلى أن يشرق ضوء الشمس على ذلك الحائط فيعتبره على الوجوه التي
23
تقدمت، فإنه يجد الحال في ضوء الشمس كمثل الحال في ضوء النهار، إلا أنه
24
يجد |I 49a|[ms Fatih 3212] الضوء الذي يرد من ضوء الشمس أقوى وأبين.
25
[86] وكذلك إذا اعتبر ضوء القمر وجده على هذه الصفة، وكذلك إذا
104
1
اعتبر ضوء النار وجده على هذه الصفة أيضًا. فإذا أراد أن يعتبر ضوء النار
2
فليعتمد نارًا قوية ويقابل بها الحائط الأبيض ليضيء على مثل ما تقدم، ويغلق
3
باب البيت الذي فيه الثقبان ولا يترك في البيت شيئًا من الضوء، ويعتبر ضوء النار
4
كمثل الاعتبار الذي تقدم: فإنه يجد الضوء يشرق من ضوء النار الذي يظهر
5
على الجسم المسدود به الثقب على مثل إشراق الأضواء ولا يخالفها إلا في القوة
6
والضعف فقط.
7
[87] فيتبين من جميع هذه الاعتبارات بيانًا واضحًا أن الأضواء العرضية
8
التي في الأجسام الكثيفة يشرق منها ضوء في جميع الجهات التي تقابلها، وأن
9
إشراق الضوء منها ليس يكون إلا على سموت مستقيمة، وأن الضوء الذي يصدر
10
عن الضوء العرضي يكون أضعف منه، وكلما بعد من الضوء الذي يصدر ازداد
11
ضعفًا.
12
[88] فلنسم هذه الأضواء، أعني الأضواء التي تصدر عن الأضواء |I 49b|[ms Fatih 3212]
13
العرضية الأضواءَ الثواني. فأقول إن هذه الأضواء الثواني ليس تصدر عن
14
الأضواء العرضية على طريق الانعكاس كما تنعكس عن الأجسام الصقيلة، بل
15
إنما تصدر عنها كما تصدر الأضواء الأُوَل الذاتية عن الأجسام المضيئة من ذواتها،
16
وما كان من هذه الأجسام صقيلًا أو كانت فيه أجزاء صقيلة، وأشرق عليها ضوء
17
ما، فإن ذلك الضوء ينعكس منها ومع ذلك يصدر عنها ضوء ثان كما يصدر عن
18
الأجسام المضيئة من ذواتها. فلنبين الأن هذه الحال أيضًا بالاستقراء والاعتبار،
19
وذلك كما نصف:
20
[89] يتحرَّى المعتبر بيتًا يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب مقتدر ليس
21
بكل الفسيح، ويكون الضوء مع ذلك ينتهي إلى أرض البيت، ويراعي دخول
22
ضوء الشمس إلى هذا البيت. فإذا دخل ضوء الشمس وظهر في أرض البيت
23
أغلق الباب ولم يترك للضوء سبيلًا إلى البيت إلا الضوء الذي يدخل من الثقب:
24
فإنه يجد البيت في هذه الحال مضيئًا بذلك الضوء ويجد الضوء في جميع نواحيه،
25
ويجد كلما كان من جدران البيت قريبًا من ذلك الضوء فإن الضوء الذي ظهر |I 50a|[ms Fatih 3212]
105
1
عليه يكون أقوى، وكلما كان من الجدار بعيدًا فإن الضوء الذي يظهر عليه يكون
2
أضعف. ثم يعتمد المعتبر مكوكًا أو جسمًا أجوف فيتلقى به ذلك الضوء ليصير
3
جميع الضوء في داخل ذلك الجسم. فعند هذه الحال يجد البيت مظلمًا والضوء
4
الذي كان يظهر على الجدار قد بطل، إلا ما لَعلَّه يقابل الضوءَ الذي في داخل
5
الجسم الأجوف من علو البيت. ثم إذا رفع ذلك الجسم عاد البيت مضيئًا وظهر
6
الضوء على جميع نواحي البيت. فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في
7
جميع نواحي البيت إنما هو ضوء ثان يشرق عليه من ضوء الشمس الذي يظهر في
8
أرض البيت.
9
[90] ثم يعتمد المعتبر صفيحة من الفضة ويصقلها حتى تصير كالمرآة.
10
وإنما الاعتبار بالفضة أبين من الاعتبار بالمرايا الحديد لأن المرايا الحديد
11
تكسف الأضواء بألوانها لأن ألوانها مظلمة فلا تكون الأضواء المشرقة عنها بينة
12
إلا المنعكس فقط |I 50b|[ms Fatih 3212] لقوته، وسنبين العلة في ذلك عند كلامنا في الانعكاس.
13
فيضع المعتبر الصفيحة الفضة في موضع ضوء الشمس، وليتحرَّ أن يكون على
14
مقدارالضوء أو أوسع منه، فإن زاد الضوء عليها ضيَّق الثقب ليصير جميع
15
الضوء على الصفيحة. فإذا صار الضوء على الصفيحة فإنه يجد الضوء ينعكس
16
عنها إلى موضع واحد مخصوص، لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا
17
متساوية، وسنبين هذا المعنى عند كلامنا في الانعكاس. ويجد هذا الضوء في
18
الجهة المقابلة للجهة التي فيها الشمس، ويظهر ضوء هذا الانعكاس على الجدار
19
المقابل للثقب أو على سقف البيت إن كان البيت واسعًا، ويجد هذا الضوء قويًا
20
قريب الشبه والقوة من ضوء الشمس وأقوى من جميع الضوء الذي في سائر
21
نواحي البيت، ويوجد هذا الضوء محصورًا متناهيًا. فإذا ظهر هذا الضوء،
22
فليتأمل المعتبر جميع نواحي البيت: فإنه يجده مضيئًا، ويجد الضوء الذي فيه
23
أقوى وأبين مما كان، من أجل بياض الصفيحة.
24
[91] وليس لذلك الضوء سبب إلا ضوء الشمس الذي هو في هذه الحال |I 51a|[ms Fatih 3212]
25
على الصفيحة، لأنه إذا تلقى هذا الضوء بالجسم الأجوف على الوجه الذي تقدم
106
1
خفي الضوء الذي في جميع نواحي البيت. وليس يجوز أن ينعكس الضوء عن
2
الصفيحة إلا إلى موضع واحد مخصوص فقط، وهو الموضع الذي يظهر فيه ضوء
3
الانعكاس في هذه الحال الذي هو متميز منفرز ومع ذلك أقوى من جميع الضوء
4
الذي في جميع نواحي البيت. فليس الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت هو
5
ضوء بالانعكاس.
6
[92] ثم إن اعتمد المعتبر جسمًا كثيفًا أبيض فقرّهب إلى الصفيحة وقابلها
7
به على التاريب من غير جهة الانعكاس وجد على الجسم الكثيف ضوءًا بينًا.
8
ثم إن بعُد هذا الجسم عن الصفيحة ضعف الضوء الذي عليه. وإذا قرّهب أيضًا
9
قوي الضوء الذي يظهر عليه. وإن أدار هذا الجسم حوالي الصفيحة من جميع
10
جهاتها |I 51b|[ms Fatih 3212] غير جهة الانعكاس، وقابل به الصفيحة، وجد الضوء يظهر عليه
11
في جميع الجهات، ومع ذلك يجد الضوء المنعكس على حاله.
12
[93] ثم إذا رفع الصفيحة وجد الضوء أيضًا في جميع نواحي البيت لا
13
يبطل منه إلا الضوء المنعكس فقط. وإن جعل في موضع الضوء جسمًا أبيض نقي
14
البياض غير صقيل وجد الضوء في جميع نواحي البيت قد قوي وزاد، ولا يجد في
15
البيت ضوءًا منعكسًا كما كان يجده عن الصفيحة الصقيلة. وإن رفع ذلك الجسم
16
وجعل مكانه جسمًا أسود أو مظلمًا فإنه يجد الضوء في جميع نواحي البيت قد
17
انكسف وضعف.
18
[94] فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت
19
هو ضوء ثان يصدر عن الضوء العرضي الذي حصل في أرض البيت من ضوء
20
الشمس، وأن إشراقه على جميع نواحي البيت ليس هو بالانعكاس.
21
[95] وكذلك إن اعتبر ضوء القمر على هذه الصفة وجده ينعكس، ومع
22
ذلك يشرق في جميع الجهات كما يشرق الضوء |I 52a|[ms Fatih 3212] عن ضوء الشمس الذاتي.
23
[96] وكذلك ضوء النار الذي يشرق على الأرض وعلى الجدار وعلى
24
الأجسام الكثيفة إذا اعتُبر وُجد الضوء يشرق منه في جميع الجهات التي تقابله،
25
ومع ذلك ينعكس عن الاجسام الصقيلة كما ينعكس جميع الأضواء.
107
1
[97] قيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق عن الأضواء العرضية على
2
سموت مستقيمة في جميع الجهات المقابلة لها كما تشرق الأضواء الذاتية، وأن هذا
3
الإشراق ليس هو بالانعكاس، وأن ما كان من هذه الأضواء على الأجسام
4
الصقيلة فإن الضوء يشرق منها في جميع الجهات كما يشرق عن غيرها ومع ذلك
5
ينعكس عنها على الجهة التي تخص الانعكاس، وأن الضوء الذي ينعكس عن
6
الأجسام الصقيلة يكون أقوى من الضوء الذي يشرق عنها في جميع الجهات.
7
[98] وأيضًا فإنه يلزم في الأضواء العرضية التي تظهر في الأجسام الكثيفة
8
أن يكون كل جزء منها وإن صَغُر فإن الضوء يشرق منه |I 52b|[ms Fatih 3212] في جميع الجهات،
9
وإن تعذر اعتبار الأجزاء الصغار على انفرادها وخفيت أضواؤها عن الحس. لأن
10
كل واحد من هذه الأضواء هو طبيعة واحدة ولا فرق بين الأجزاء الكبار منها وبين
11
الأجزاء الصغار في الكيفية وإنما الفرق بينهما في الكمية، فالذي يعرض عن
12
الأجزاء الكبار من جهة كيفيتها يلزم في كيفية صغار الأجزاء ما دامت حافظة
13
لصورة نوعها. فإن لم يظهر ضوء الأجزاء الصغار للحس منفردة أو لم يُقدَر
14
على تمييزه منفردًا فلقصور الحس عن إدراك ما تناهي في الضعف والصغر. وأريد
15
بأجزاء الضوء العرضي الأضواء التي في أجزاء الجسم المضيء بالضوء العرضي أيَّ
16
ضوء كان.
17
[99] وأيضًا فإنا نقول إن الأضواء المنعكسة ليس تمتد من موضع
18
الانعكاس إلا على خطوط مستقيمة.
19
[100] واعتبار هذا المعنى يسهل، وذلك بأن يعتمد المعتبر في وقت
20
ظهور الضوء المنعكس على موضع من المواضع جسمًا كثيفًا فيقطع به المسافة
21
المستقيمة التي بين السطح الصقيل الذي عنه انعكس الضوء وبين الموضع |I 53a|[ms Fatih 3212]
22
الذي يظهر فيه الضوء المنعكس: فإنه يجد الضوء المنعكس يظهر على الجسم
23
الكثيف الذي قطع به تلك المسافة ويبطل من الموضع الأول. وإذا حرك الجسم
24
الكثيف في طول المسافة المستقيمة الممتدة بين السطح الصقيل وبين موضع الضوء
25
المنعكس وجد الضوء المنعكس أبدًا على الجسم الذي تحرك في تلك المسافة. وإذا
108
1
أخرج هذا الجسم من المسافة المستقيمة ظهر الضوء في الموضع الأول. وإذا قطع
2
بعض المسافة المستقيمة بجسم صغير بطل جزء من الضوء المنعكس وظهر على
3
ذلك الجسم الصغير ضوء منعكس.
4
[101] وإذا كان موضع الضوء المنعكس قريبًا من السطح الصقيل،
5
وداخل المعتبر في المسافة المستقيمة التي بينهما ميلًا دقيقًا معترضًا، ظهر في الضوء
6
المنعكس ظل ذلك |I 53b|[ms Fatih 3212] الميل، وظهر على الميل ضوء منعكس. وإن حرك الميل في
7
المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل أبدًا في مكانه ووجد الضوء
8
المنعكس أبدًا على الميل. وإذا أخرج الميل من تلك المسافة عاد الضوء إلى
9
موضع الظل. وقد يمكن أن يحرِّر المسافة المستقيمة التي بين الميل وبين الظل
10
بمسطرة تمتد فيما بينهما ويحرك الميل في طولهما. وإن جعل المعتبر الميل في جهة غير
11
تلك الجهة من محيط الضوء المنعكس، وداخله في الضوء المنعكس، وجد حاله
12
أبدًا على صفة واحدة، أعني أنه يجد له ظلًا في الضوء المنعكس. وإذا حركه في
13
المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل في موضعه.
14
[102] وبين السطح الصقيل وبين موضع الضوء المنعكس مسافات
15
كثيرة منحنية ومنعرجة ومقوسة لا يقطعها شي ء من الأجسام الكثيفة. فلو كان
16
الضوء ينعكس على غير الخطوط المستقيمة لكان الضوء المنعكس يظهر في موضعه
17
مع |I 54a|[ms Fatih 3212] قطع المسافة المستقيمة التي بينه وبين السطح الصقيل بالجسم الكثيف.
18
وإذا كان ليس يظهر الضوء في موضع الانعكاس إذا قطعت المسافة المستقيمة التي
19
بينه وبين السطح الصقيل الذي انعكس عنه الضوء بالجسم الكثيف مع اتصال
20
المسافات الباقية، ويظهر على الجسم الكثيف، وإذا أخرج الجسم الكثيف من
21
تلك المسافة ظهر الضوء المنعكس في موضعه، يتبين من هذه الحال أن الضوء
22
ليس ينعكس عن الجسم الصقيل إلا على الخطوط المستقيمة. وإذا اعتبر المعتبر
23
الأضواء المنعكسة عن الأجسام الصقيلة المختلفة الأشكال والهيئات وجد الضوء
24
ليس ينعكس عن شي ء منها إلا على الخطوط المستقيمة.
25
[103] فيتبين من هذا الاعتبار بيانًا واضحًا أن الأضواء المنعكسة عن
109
1
الأجسام الصقيلة ليس تنعكس إلا على خطوط مستقيمة. ويتبين من انعكاس
2
الضوء على الجسم الصقيل إلى موضع خصوص أن الضوء ليس ينعكس إلا على
3
خطوط |I 54b|[ms Fatih 3212] مستقيمة مخصوصة، لا على جميع الخطوط المستقيمة التي يصح أن
4
تُمدَّ من موضع الانعكاس في جميع الجهات.
5
[104] ونقول أيضًا إن الأضواء التي تنفذ في الأجسام المشفة المخالفة
6
الشفيف لشفيف الهواء كالزجاج والماء والأحجار المشفة وما يجري مجراها إذا
7
امتدت بعد نفوذها في هذه الأجسام فليس تمتد إلا على خطوط مستقيمة أيضًا.
8
[105] وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى أيضًا بسهولة، وذلك يكون بأن
9
يعتمد المعتبر جامًا من الزجاج الصافي المشف المستوي السطح أو حجرًا من
10
الأحجار المشفة، ويقابل به الشمس في موضع يظهر فيه ضوء الشمس على
11
الأرض أو على الجدار: فإنه يجد له ظلًا على الأرض أو الجدار، ويجد ضوء
12
الشمس مع ذلك ينفذ في الجسم المشف، ويظهر في ظل ذلك الجسم المشف
13
ضوء ما دون ضوء الشمس الصريح. ثم إذا قطع المعتبر المسافة التي بين هذا
14
الظل وبين الجسم المشف بجسم كثيف بطل الضوء النافذ الذي كان يظهر في
15
الظل، |I 55a|[ms Fatih 3212] وظهر على الجسم الكثيف. وإذا حرك المعتبر ذلك الجسم الكثيف في
16
طول المسافة المستقيمة التي بين موضع الضوء النافذ وبين الجسم المشف وجد
17
الضوء النافذ أبدًا على الجسم الكثيف. وإذا أخرج الجسم الكثيف من تلك
18
المسافة المستقيمة ظهر الضوء النافذ في الظل. وإن قرّب الجسم المشف من موضع
19
الظل وداخل في المسافة المستقيمة التي بين هذا الضوء النافذ وبين الجسم المشف
20
جسمًا كثيفًا دقيقًا، كالميل وما جرى مجراه، ظهر ظل ذلك الجسم الدقيق في
21
الضوء النافذ. وإذا حرك الجسم الدقيق في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله
22
وجد الظل أبدًا في موضعه. وإن أخرج ذلك الجسم الدقيق من المسافة المستقيمة
23
التي بينه وبين ظله ظهر الضوء في موضع ظله. وإن جعل ذلك الجسم في موضع
24
من المسافة المستقيمة التي بين الضوء النافذ وبين الجسم المشف غير الموضع
25
الأول، واعتبره على |I 55b|[ms Fatih 3212] مثل ما اعتبر في الأول وجد الحال مثل الحالة الأولى.
110
1
[106] وفيما بين موضع الضوء النافذ في الجسم المشف، الظاهر في ظله
2
في حال اعتباره، وبين الجسم المشف الذي نفذ فيه الضوء مسافات كثيرة مختلفة
3
منحنية ومقوسة ومنعرجة ليس يقطعها شي ء من الأجسام الكثيفة. فلو كان
4
الضوء النافذ في الجسم المشف يمتد بعد مفارقته للجسم المشف على مسافة
5
غير المسافة المستقيمة لقد كان الضوء النافذ يظهر في الظل مع قطع المسافة
6
المستقيمة بالجسم الكثيف. فإذا كان الضوء يبطل عند قطع المسافة المستقيمة
7
بالجسم الكثيف، وإذا أُخرج الجسم الكثيف من هذه المسافة رجع الضوء إلى
8
موضعه، دلّ ذلك على أن الضوء النافذ في الجسم المشف ليس يمتد بعد خروجه
9
من الجسم المشف إلا على خطوط مستقيمة. ويتبين من |I 56a|[ms Fatih 3212] امتداد الضوء النافذ
10
إلى موضع خصوص، لا إلى جميع المواضع، أن الضوء النافذ في الجسم المشف
11
إنما يمتد بعد نفوذه على خطوط مستقيمة مخصوصة، لا على جميع الخطوط المستقيمة
12
التي يصح أن تمتد من موضع النفوذ في جميع الجهات.
13
[107] وامتداد الضوء في نفس الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف
14
الهواء ليس يكون أيضًا إلا على خطوط مستقيمة، إلا أن الخطوط المستقيمة التي
15
عليها يمتد الضوء في الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الهواء ليس تكون
16
على استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء في الهواء إلى الجسم المشف ولا على
17
استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء بعد خروجه من الجسم المشف، إلا إذا
18
كانت هذه الخطوط أعمدة على سطح الجسم المشف: لأن الضوء إذا وصل إلى
19
الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الجسم الذي هو فيه، ولم يكن قائمًا
20
على سطح الجسم المشف الذي وصل إليه، انعطف ولم ينفذ على استقامة. |I 56b|[ms Fatih 3212]
21
وكذلك إذا خرج من الجسم المشف الذي وصل إليه، ولم يكن قائمًا على سطحه
22
الثاني، انعطف أيضًا انعطافًا ثانيًا ولم ينفذ على استقامته. وسنبين هذا لمعنى من
23
بعد عند كلامنا في الانعطاف بيانًا مستقصًى.
24
[108] وأيضًا فإنه إذا اعتبر الضوء الذي في الموضع من الجسم المشف
25
الذي منه يخرج الضوء النافذ فيه وجد هذا الضوء يشرق منه أيضًا ضوءٌ ثان كما
111
1
يشرق الضوء الثاني من جميع الأجسام المضيئة بالضوء العرضي.
2
[109] وهذا المعنى يمكن أن يعُتبر بالضوء الذي يدخل من الثقب إلى
3
داخل البيت إذا أغلق باب البيت ولم يبق في البيت ضوء سوى الضوء الذي
4
يدخل من الثقب، وجعل الثقب أضيق من الجسم المشف، وقوبل بالجسم
5
المشف الثقب عند دخول ضوء الشمس من الثقب |I 57a|[ms Fatih 3212] وتحرّى أن يحصل جميع
6
الضوء على الجسم المشف: فإنه يجد الضوء ينفذ في الجسم المشف ويظهر في
7
موضع مخصوص من البيت. ثم إن قُرّب إلى الجسم المشف من ورائه ومن غير
8
المسافة المستقيمة التي يمتد منها الضوء النافذ جسم أبيض كثيف فإنه يظهر عليه
9
ضوء ما. وإذا بوعد ذلك الجسم الأبيض عن الجسم المشف ضعف ذلك الضوء
10
كمثل حال الأضواء الثواني. وإن أدير الجسم الأبيض حول الجسم المشف من
11
جميع جهاته، ولم يدخل في المسافة التي يمتد فيها الضوء النافذ، وجد عليه هذا
12
الضوء الثاني مع امتداد الضوء النافذ إلى الموضع الذي يخصه.
13
[110] فقد تبين من جميع ما شرحناه وبيناه بالاستقراء والاعتبار أن
14
إشراق جميع الأضواء إنما هو على سموت خطوط مستقيمة فقط، وأن كل نقطة من
15
كل جسم مضيء ــ ذاتيًا كان الضوء الذي فيه أو عرضيًا ــ فإن الضوء الذي فيها
16
يشرق منه ضوء على كل خط مستقيم يصح أن يتوهم ممتدًا منها في الجسم المشف
17
المتصل بها. فيلزم من ذلك أن يكون |I 57b|[ms Fatih 3212] الضوء يشرق من كل نقطة من كل جسم
18
مضي ء في الجسم المشف المتصل بها إشراقًا كُرِيًّا، أعني على كل خط مستقيم
19
يصح أن يمتد من تلك النقطة في الجسم المشف. ويلزم أن يكون الجسم المشف ـ
20
هواءً كان أو غيره ــ إذا أضاء بضوء ما ــ أيّ ضوء كان ــ فإن الضوء الذي فيه هو
21
ضوء يشرق عليه من كل نقطة من الضوء الذي منه أضاء ذلك الجسم المشف على
22
كل سمت مستقيم يمتد من تلك النقطة في ذلك الجسم. فعلى هذه الصفة يكون
23
إشراق جميع الأضواء من جميع الأجسام المضيئة.
24
[111] وقد تبين أيضًا أن الأضواء الثواني أضعف من الأضواء التي عنها
25
تصدر، وكلما بعدت هذه الأضواء عن مبادئها ازدادت ضعفاُ.
112
1
[112] وقد تبين أن الأضواء المنعكسة تمتد على خطوط مستقيمة
2
مخصوصة، لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من موضع الانعكاس، وأن
3
الأضواء النافذة في الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء إنما تمتد بعد
4
خروجها من الأجسام المشفة التي تنفذ فيها على |I 58a|[ms Fatih 3212] خطوط مستقيمة| مخصوصة
5
أيضًا، لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من موضع النفوذ.
6
[113] وأيضًا فإنا نجد كثيرًا من الألوان التي في الأجسام الكثيفة المضيئة
7
بضوء عرضي تصحب الأضواء التي تشرق من تلك الأجسام، وتوجد صورة
8
اللون أبدًا مع صورة الضوء. وكذلك الأجسام المضيئة من ذواتها توجد أضواؤها
9
شبيهة بصورها التي تجري مجرى الألوان. فإن ضوء الشمس صورته التي تجري
10
مجرى اللون شبيهة بصورة الشمس. وكذلك ضوء النار شبيه الصورة بصورة
11
النار.
12
[114] فأما صور الألوان التي تصحب الأضواء العرضية فإنها تظهر
13
ظهورًا بينًا إذا كانت الألوان أنفسها قوية، وكانت الأضواء المشرقة عليها قوية،
14
وكان مقابلًا لها أجسام مسفرة الألوان، وكانت تلك الأجسام معتدلة الأضواء.
15
وذلك أن الأجسام المشرقة الألوان، كالأرجوانية والفرفيرية والصعوية والريحانية
16
وما جرى مجراها، إذا أشرق عليها ضوء الشمس وكان بالقرب منها |I 58b|[ms Fatih 3212] جدار
17
أبيض أو جسم نقي البياض، وكان الضوء الذي على هذا الجدار معتدلًا، وهو
18
أن يكون في ظل، فإن تلك الألوان المشرقة تظهر صورها على الجدار والأجسامِ
19
البيض القريبة منها مع الضوء الثاني الذي يصدر عن ضوء الشمس المشرق
20
عليها.
21
[115] وكذلك أيضًا إذا أشرق ضوء الشمس على روضة خضراء
22
متقاربة النبات، وكان بفنائها جدار نقي البياض، وكان قريبًا منها، وكان
23
مستظلًا عن الشمس، فإن خضرة الزرع تظهر على ذلك الجدار.
24
[116] وكذلك الشجر إذا أشرق عليها ضوء الشمس، وكان مقابلًا لها
25
وبالقرب منها جدار أبيض مستظل، أو كانت أرضها مسفرة اللون، فإن خضرة
113
1
الشجر تظهر على ذلك الجدار أو على الأرض. وإن اجتاز مجتاز بفناء الرياض
2
أو بفناء الشجر التي قد أشرق عليها ضوء الشمس، وكان المجتاز في الظل،
3
وكان ثوبه نقي البياض، فإن خضرة الرياض أو الشجر تظهر على ثوبه.
4
[117] وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى في كل وقت على الصفة |I 59a|[ms Fatih 3212] التي
5
نذكرها:
6
[118] يعتمد المعتبر بيتًا يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب فسيح قدره
7
ليس بأقل من عظم الذراع في مثله، ويكون الضوء ينتهي إلى أرض البيت،
8
ويكون البيت ضيقًا متقارب الجدران، وتكون جدرانه نقية البياض. ويراعي
9
دخول الضوء من الثقب: فإذا دخل ضوء الشمس من الثقب وظهر على أرض
10
البيت أغلق الباب وأسبل عليه سترًا صفيقًا حتى لا يدخل البيت ضوء إلا من
11
الثقب. ثم يجعل في موضع الضوء جسما أرجوانيًا، وليمثل به موضع الضوء
12
حتى لا يَفضُل من الضوء شيء. وليكن سطح الجسم الأرجواني مستويًا ليشتمل
13
الضوء جميع سطحه وتكون صورة الضوء عليه متشابهة: فإنه يجد صورة اللون الأرجواني
14
على جدران البيت من جميع جهاته مع الضوء الثاني الذي يصدرعن ضوء الشمس.
15
[119] فإن كان البيت فسيحًا ولم يظهر اللون على جدرانه ظهورًا بينًا
16
لبعدها عن موضع الضوء فليقرّب المعتبر إلى موضع الضوء ثوبًا أبيض، ولا
17
يولجه في نفس الضوء |I 59b|[ms Fatih 3212] بل يقرّبه منه ويقابله به: فإنه يجد صورة اللون
18
الأرجواني على الثوب الأبيض مع الضوء، إلا أنه يجد هذه الصورة أضعف من
19
اللون نفسه، ويجدها ممتزجة بالضوء. وإذا باعد الثوب عن موضع الضوء ازداد
20
هذا اللون الذي يظهر على الثوب ضعفًا، كما يزداد الضوء المازج له ضعفًا. وإذا
21
أدار الثوب من جميع جهات موضع الضوء الذي فيه الجسم الأرجواني وجد صورة
22
اللون عليه في جميع الجهات. وإن جعل حوالي الضوء عدة أجسام نقية البياض
23
من جميع جهاته، وقابل بكل واحد منها الضوء، وجد صورة اللون على جميع
24
تلك الأجسام وممازجة للضوء.
25
[120] ثم يرفع الجسم الأرجواني ويجعل مكانه جسمًا فرفيريًا ويعتبر
114
1
لونه على الوجه الذي تقدم: فإنه يجد لونه أيضًا يشرق في جميع الجهات. ثم يرفع
2
الجسم الفرفيري ويجعل مكانه جسمًا ريحانيًا ويعتبر لونه: فإنه يجده كذلك. وإن
3
جعل في موضع الضوء جسمًا بأي لون |I 60a|[ms Fatih 3212] كان، إذا كان من الألوان المشرقة،
4
فإنه يجد لونه يشرق مع الضوء الذي عليه في جميع الجهات. ثم إن جعل في
5
موضع الضوء جسمًا أبيض نقي البياض فإنه يجد جميع نواحي البيت قد ازداد
6
ضوءًا كما ذكرنا من قبل وذلك من أجل بياض الجسم الذي في الضوء. ثم إن
7
رفع الجسم الأبيض وجعل مكانه جسما أسود فإنه يجد البيت قد أظلم وطفيء
8
الضوء الذي كان فيه من أجل سواد الجسم الذي في الضوء.
9
[121] فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون يشرق عن الجسم المتلون
10
المضيء ويمتد في جميع الجهات كما يشرق الضوء الذي في ذلك الجسم، ويكونان
11
أبدًا معًا، وتكون صورة اللون ممازجة لصورة الضوء، وأن صورة اللون التي
12
تمتد مع صورة الضوء تكون أضعف من اللون نفسه، وكلما بعدت عن الجسم
13
المتلون ازدادت ضعفًا، كمثل 〈 ما〉 في الضوء.
14
[122] فأقول إن هذه الصور التي تظهر على الأجسام المقابلة للجسم
15
المتلون المضيء ليس يدركها البصر |I 60b|[ms Fatih 3212] بالانعكاس وإنما يدركها البصر كما يدرك
16
الألوان في سطوح الأجسام المتلونة، وأن هذه الصور هي في المواضع التي يدركها
17
البصر فيها: وذلك أن هذه الصور إذا ظهرت للبصر على الجسم المقابل للجسم
18
المتلون، وكان سطح الجسم الذي تظهر عليه الصورة سطحًا مستويًا، ثم انتقل
19
البصر عن موضعه إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح، فإنه يدرك الصورة
20
من جميع الجهات في ذلك السطح وعلى هيئتها. وإذا كان الجسم المتلون ساكنًا،
21
والجسم المقابل له الذي تظهر عليه الصورة ساكنًا، وكان السطح الذي تظهر
22
عليه الصورة مستويًا، فإن انعكاس صورة الجسم المتلون عن ذلك السطح
23
المستوي إنما يكون إلى جهة واحدة مخصوصة فقط، لا إلى جميع الجهات المقابلة
24
لذلك السطح ــ كان الانعكاس بصورة تمتد من الجسم المتلون إلى ذلك السطح
25
وتنعكس عنه أو كان شعاع يخرج من البصر إلى ذلك السطح |I 61a|[ms Fatih 3212] وينعكس عنه
115
1
إلى الجسم المتلون، لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية وإلى جهة
2
مخصوصة. وسنبين ذلك عند كلامنا في الانعكاس.
3
[123] فإذا كان البصر يدرك هذه الصور من جميع الجهات المقابلة
4
للسطح الذي فيه اللون مع سكون هذا السطح وسكون الجسم المتلون فليس
5
إدراك البصر لصورة اللون في السطح الذي تظهر فيه صورة اللون بالانعكاس،
6
وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة.
7
[124] وأيضًا فإنه إن أخذ المعتبر إناءً من الزجاج الرقيق المشف
8
الأبيض النقي، وجعل فيه شرابًا أحمر صافي اللون، وقابل به ضوء الشمس في
9
البيت الذي وصفناه، فإن اعتبار هذه الألوان في المواضع القليلة الضوء يكون
10
أبين. وإن كان الثقب الذي يدخل منه الضوء إلى البيت ضيقًا في اعتبار الأجسام
11
المشفة أو ضُيِّق كان أجود، |I 61b|[ms Fatih 3212] بعد أن لا يكون في غاية الضيق، ثم يجعل في
12
ظل الإناء ثوبًا أبيض، فإنه يجد لون الشراب على ذلك الثوب مع الضوء النافذ
13
في شفيف الزجاج وشفيف ذلك الشراب ومازجًا له، ويجد اللون الذي يظهر على
14
الثوب أرق من لون الشراب وأصفى منه. وإذا بعد الثوب عن الإناء ازداد
15
اللون الذي يظهر عليه رقة وضعفًا.
16
[125] وكذلك إن جُعل في الإِناء بدل الشراب ماء متلون بلون أزرق أو
17
أخضر أو غيرذلك من الألوان المشرقة الصافية التي لا تُبطل شفيف الماء بالكلية
18
ويمكن أن ينفذ فيها الضوء، ثم اعتبر على الصفة التي قدمناها، وجد لون ذلك
19
الماء ممتدًا مع الضوء النافذ في شفيفه وممازجًا له.
20
[126] وكذلك إن قرّب هذا الإِناء الذي فيه الشراب أو الماء الملون إلى
21
ضوء النار في الليل، وقُرِّب إليه من ورائه ثوب أبيض، فإن لون الشراب يظهر
22
على الثوب مع ضوء النار النافذ فيه. وينبغي أن يتحرى المعتبر عند اعتبار ذلك
23
أن لا يشرق على الثوب ضوء قوي من جهة أخرى، بل يكون في ظل رقيق
24
الضوء.
25
[127] فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون الذي في الأجسام المشفة أيضًا يمتد |I 62a|[ms Fatih 3212]
116
1
مع الأضواء النافذة فيه في الهواء المتصل به.
2
[128] فجميع الأجسام المتلونة الكثيفة والمشفة إذا كان لونها قويًا
3
واعتبُرت على الوجه الذي بيناه فإن ألوانها توجد أبدًا ممتدة مع الأضواء التي تصدر
4
عنها وممازجة لها. وإذا كان ذلك يوجد أبدًا عند الاعتبار ومطَّرِدًا في جميع الألوان
5
فهو خاصة طبيعية تخص الألوان. وإذا كان ذلك طبيعيًا للألوان فهو يلزم في جميع
6
الألوان قويِّها وضعيفِها. وإذا كانت الألوان تصحب الأضواء وتمتد بامتدادها
7
فهي تصحب جميع الأضواء قويَّها وضعيفَها قليلَها وكثيرَها. وإن لم يظهر
8
ضعيفها للبصر ولم يتميز للبصر فلقصور قوة الحس عن إدراك المعاني اللطيفة.
9
[129] وقد يُحتمل أن يكون الهواء والأجسام المشفة تقبل صور الألوان
10
كما تقبل صور الأضواء حضر الضوء معها أم لم يحضر، وتكون الألوان تشرق من
11
جميع الأجسام المتلونة وتمتد في الهواء وفي الأجسام المشفة في جميع الجهات كما
12
تشرق الأضواء، وتكون خاصتها |I 62b|[ms Fatih 3212] كخاصة الأضواء، ويكون امتدادها في
13
الهواء وفي الأجسام المشفة وانبساطها فيها دائمًا حضر الضوء معها أو لم يحضر،
14
ويكون ليس يظهر منها للبصر إلا ما كان مصاحبًا للضوء لأن البصر ليس يدرك
15
شيئًا إلا إذا كان مضيئًا.
16
[130] ويُحتمل أن تكون الألوان ليس يصدر عنها هذه الصور ولا
17
تمتد في الهواء ولا يقبلها الهواء إلا بعد إشراق الضوء عليها.
18
[131] إلا أن الذي ليس يتداخله الشك ولا يقع فيه ريب هو أن صورة
19
اللون وصورة الضوء يصدران معًا عن الأجسام المتلونة المضيئة ويمتدان في
20
الهواء وفي الأجسام المشفة المتصلة بتلك الأجسام المتلونة والمقابلة لها، ويقبلها
21
الهواء والأجسام المشفة وينفذان فيها على جميع السموت المستقيمة التي تمتد من
22
تلك الأجسام المتلونة في ذلك الهواء وفي تلك الأجسام المشفة.
23
[132] وقد اعتقد قوم أن اللون لا حقيقة له وأنه شي ء يعرض بين البصر
24
والضوء كما تعرض التقازيح وليس اللون صورة في الجسم المتلون. وليس الأمر
25
على ما يعتقد أصحاب هذا |I 63a|[ms Fatih 3212] الرأي. وذلك أن التقازيح إنما تكون
117
1
بالانعكاس، والانعكاس ليس يكون إلا من وضع مخصوص وليس يكون من
2
جميع الأوضاع، والتقازيح التي تظهر في أرياش بعض الحيوانات إنما هي
3
انعكاس الأضواء عن سطوح أرياش تلك الحيوانات، ولذلك تختلف صورها
4
بحسب اختلاف الأضواء، وهذه الحيوانات إذا ظهر التقازيح في أرياشها ثم
5
تغيرت أوضاعها من البصر أو تغير وضع البصر منها اختلفت صور التقازيح التي
6
تظهر فيها عند البصر، واختلفت المواضع من أرياشها التي تظهر فيها ألوان
7
التقازيح. وإذا أنعم المعتبر النظر واستقصى التأمل للتقازيح التي تظهر في
8
أرياش الحيوانات، وتلطف في تأملها، وجد كل لون من هذه التقازيح يتغير
9
موضعه من الجسم الذي يظهر عليه عند تغير وضع ذلك الجسم من البصر، أعني
10
الجزء من الريش الذي يظهر فيه اللون من التقازيح، وربما تغيرت كيفية اللون
11
أيضا عند تغير الموضع. ومع ذلك فإن هذه الحيوانات إذا حصلت في |I 63b|[ms Fatih 3212] المواضع
12
المغدرة والضعيفة الضوء لم يظهر فيها تلك التقازيح وظهرت ألوانها الأصلية.
13
[133] وليس كذلك الألوان التي في الأجسام المتلونة، لأن الجسم
14
المتلون يدركه البصر من جميع الأوضاع في الوقت الواحد على صورة واحدة. وإن
15
اختلف الضوء الذي يظهر على الجسم المتلون باختلاف أوضاع البصر منه من
16
أجل انعكاس الأضواء فإنما يختلف لون ذلك الجسم عند البصر في القوة والضعف
17
فقط، فأما مائية اللون فليس تختلف عند البصر باختلاف الوضع. فليس
18
إدراك البصرللألوان التي يدركها في الأجسام الكثيفة المتلونة بالانعكاس، فليس
19
هذه الألوان كالتقازيح.
20
[134] ومما يُظهر ظهورًا بينًا أن الألوان لها حقيقة وهي صورة في الجسم
21
المتلون وليست شيئًا يعرض بين البصر والضوء ما يَظهر في وجه الإنسان من حمرة
22
الخجل وصفرة الوجل. فإن الإنسان قد يكون ساكن اللون وليس في وجهه حمرة
23
مفرطة، فإذا عرض له الخجل |I 64a|[ms Fatih 3212] ظهرت في وجهه حمرة لم تكن قبل ذلك،
24
حتى يُستدَلَّ من حمرة وجهه على خجله. فالناظر الذي يراه في الحالتين قد أدرك في
25
وجهه في الحالة الثانية حمرة لم تكن في وجهه في الحالة الأولى، والضوء الذي
118
1
على ذلك الوجه قبل الخجل وبعده ضوء واحد، ووضع البصر في الحالتين من
2
ذلك الوجه وضع واحد، وبُعده منه بعد واحد، ووضع الوجه أيضًا من الجهة
3
التي منها يرِد الضوء إلى الوجه ومن المضيء الذي منه يرد الضوء والمواضعِ المضيئة
4
التي منها يرد الضوء إلى ذلك الوجه وضع واحد لم يتغير، وليس للحمرة التي
5
تظهر في الوجه عند الخجل علّةٌ غير الخجل، وليس الخجل أمرًا من خارج ولا
6
يتعلق بالضوء ولابالبصر الناظر إلى ذلك الوجه، فالحمرة التي تظهر في وجه
7
الإنسان هي صورة في جسمه لا شيء يعرض بين البصر الناظر إليه وبين
8
الضوء.
9
[135] وكذلك الرجل قد يكون ساكن اللون قبل الوجَل، فإذا بلغه أمر
10
يفزعه ووجل منه وجلًا شديدًا ظهرت |I 64b|[ms Fatih 3212] في لونه صفرة بينة لم تكن قبل الوجل.
11
[136] فاحمرار الخجل واصفرار الوجل مع تساوي أحوال البصر والمبصر
12
قبل الخجل وبعده وقبل الوجل وبعده في الوضع والبعد والضوء دليل ظاهر على
13
أن اللون صورة في الجسم المتلون وليس هو شيئًا يعرض بين البصر والضوء.
14
فليس اللون على ما اعتقد مَنْ رأى أن اللون لا حقيقة له، وليس هو إلا صورة
15
في الجسم المتلون. وقد يُحتمل أن تختلف الأراء ويقع الالتباس في مائية صورة
16
اللون التي في الجسم المتلون، فأما أنِّيتَّها وأنها صورة في الجسم لا صورة
17
تعرض من خارج فليس يقع فيه لبس.
18
[137] وكذلك قد يُحتمل أن يكون البصر ليس يدرك حقيقة اللون على
19
ما هي عليه من أجل أنه ليس يدرك اللون إلا مع الضوء ومن أجل اختلاف إدراكه
20
للّون بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق على الجسم المتلون، فأما أن اللون له
21
في نفسه حقيقة فليس يبطل من أجل اختلاف إدراك البصر له.
22
[138] وإذ قد تبين ذلك فإنا نقول إن الصورة التي |I 65a|[ms Fatih 3212] تظهر على الجسم
23
المقابل للجسم المتلون ليس هي شيئًا يعرض بين البصر والضوء ولا بين البصر
24
واللون وإنما هي صورة اللون الذي في الجسم المتلون ممتدة من الجسم المتلون إلى
25
ذلك الجسم المقابل له، وليس امتدادها إلى ذلك الجسم وإلى الجهات المقابلة
119
1
للجسم المتلون بتوسط البصر ولا من أجل حضور البصر، ولا حصولها على ذلك
2
الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وذلك أنه قد تبين أن هذه
3
الصور ليس توجد إلا مع الضوء الذي يصدر من الجسم المتلون وممازجة ل، وأن
4
هذه الصورة توجد في جميع الجهات التي يشرق عليها ضوء ذلك الجسم، والضوء
5
ليس يشرق من الجسم المضيء من أجل البصر ولا بتوسط البصر ولا من أجل
6
حضور البصر، بل إنما يشرق إشراقًا طبيعيًا. وإذا كان الضوء ليس يمتد إلى
7
جميع الجهات المقابلة له من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر، وكانت صورة
8
اللون الذي في الجسم المتلون |I 65b|[ms Fatih 3212] توجد أبدًا ممازجة للضوء الذي يشرق من ذلك
9
الجسم وتوجد في جميع الجهات التي يمتد إليها ذلك الضوء، فليس امتداد صورة
10
اللون إلى جميع الجهات المقابلة للجسم المتلون من أجل حضور البصر ولا بتوسط
11
البصر.
12
[139] وأيضًا فإنه قد تبين أن البصر ليس يدرك هذه الصور على الجسم
13
المقابل للجسم المتلون بالانعكاس. وقد تبين أن اللون الذي في الجسم المتلون
14
هو صورة في الجسم المتلون لا شيء يعرض من أجل البصر.
15
[140] وإذا كان اللون صورة في الجسم المتلون، وليس لون الجسم
16
المتلون من أجل البصر ولا بتوسط البصر، وكانت صورة هذا اللون تمتد إلى
17
الجهات المقابلة للجسم المتلون لا من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر،
18
وكان البصر يدرك هذه الصورة على الجسم المقابل للجسم المتلون لابالانعكاس
19
بل كما يدرك الألوان في الأجسام المتلونة، فصورة اللون إذن التي يدركها البصر
20
على الجسم المقابل للجسم المتلون هي صورة في سطح الجسم المقابل للجسم
21
المتلون لا شيء يعرض بين البصر والضوء ولا |I 66a|[ms Fatih 3212] بين البصر واللون، وليس
22
حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر.
23
[141] وإذا كان جميع ذلك كذلك فإن كل جسم متلون مضيء بأي
24
ضوء كان فإن صورة الضوء واللون اللذين فيه تكون أبدًا ممتدةً في جميع الجهات
25
المقابلة لذلك الجسم في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بذلك الجسم والمقابلة له
120
1
ومشرقةً على جميع الأجسام المقابلة لذلك الجسم حضر البصر أم لم يحضر.
2
[142] وأيضًا فإنه قد تبين أن صورة الضوء تمتد من كل نقطة من سطح
3
الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة. وإذا كان
4
الضوء يمتد من كل نقطة من سطح الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن
5
يمتد من تلك النقطة، وكانت الألوان تصحب أبدًا الأضواء، وكان اللون والضوء
6
يصدران معًا وينفذان في الهواء وفي الأجسام المشفة على جميع السموت المستقيمة
7
التي تمتد من تلك الأجسام، فصورة اللون أيضًا تمتد من كل نقطة من سطح
8
الجسم المتلون المضيء |I 66b|[ms Fatih 3212] على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة.
9
[143] فكل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن كل نقطة من
10
سطحه يمتد منها صورة الضوء وصورة اللون اللذين فيها على كل خط مستقيم
11
يصح أن يمتد من تلك النقطة في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بتلك النقطة
12
والمقابلة لها، وتشرق على كل جسم مقابل لتلك النقطة، وتكون أبدًا ممتدة في
13
جميع الجهات، وتشرق على جميع الأجسام المقابلة لها ما دامت مضيئة والأجسامُ
14
المتصلة بها مشفة ومتصلة الشفيف ــ حضر البصر أم لم يحضر.
15
[144] فأما لِمَ ليس تظهر هذه الصورة على جميع الأجسام المقابلة
16
للأجسام المتلونة وتظهر على الأجسام البيض والمسفرة الألوان، ولِمَ ليس يظهر
17
على الجسم الأبيض لون كل جسم متلون مقابل له ويظهر عليه اللون المشرق
18
القوي، ولِمَ ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الضوء الذي في
19
الجسم المتلون ضعيفًا ويظهر إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون قويًا، ولِمَ
20
ليس يظهر هذا اللون على |I 67a|[ms Fatih 3212] الجسم الأبيض إذا كان الجسم الأبيض في ضوء
21
الشمس وفي ضوء قوي ويظهر عليه إذا كان الجسم الأبيض في الظل وفي الأضواء
22
الضعيفة، فإن جميع ذلك لِعِلَّة تخص البصر، لا أنَّ صور الألوان ليس تشرق على
23
جميع الأجسام المقابلة لها. ونحن نشرح هذا المعنى من بعدُ ونبينه بيانًا مستقصًى
24
ونبين علله ونوضحها عند كلامنا في كيفية الإبصار. فهذا الذي بيناه من خواص
25
الأضواء وما يصحب الأضواء ويقترن بها من صور الألوان كافٍ فيما نشرع فيه
121
1
من البحث عن كيفية الإِبصار
2
الفصل الرابع
3
فيما يعرض بين البصر والضوء
4
[1] نجد البصر إذا نظر إلى الأضواء القوية التي في غاية القوة تألَّم بها
5
واستَضرّ. فإن الناظر إذا نظر إلى جرم الشمس لم يستطع النظر إليها فإن لمحها
6
تألم بصره بضوئها واستضر به. وكذلك إذا نظر إلى مرآة صقيلة قد أشرق
7
عليها ضوء الشمس، وكان بصره في الموضع الذي إليه ينعكس الضوء عن تلك
8
المرآة، فإنه يتأذى بالضوء المنعكس الذي يصل إلى بصره عن المرآة |I 67b|[ms Fatih 3212] ولا
9
يستطيع أن يفتح بصره ويباشر ذلك الضوء.
10
[2] ونجد أيضًا الناظر إذا نظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه
11
ضوء الشمس، وأطال النظر إليه، ثم صرف بصره عنه إلى موضع مغدر ضعيف
12
الضوء، فإنه لا يكاد يدرك ما في ذلك الموضع من المبصرات إدراكًا صحيحًا ويجد
13
كأن بينه وبينها سترًا. ثم ينجلي ذلك عن تدريج ويعود البصر إلى حاله.
14
وكذلك إذا نظر الناظر إلى نار قوية وحدّق إليها، وأطال النظر زمانًا، ثم صرف
15
بصره إلى موضع مغدر ضعيف الضوء، فإنه يجد أيضًا في بصره مثل ذلك.
16
[3] وأيضًا فإنا نجد الناظر إذا نظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه
17
ضوء النهار، وكان الضوء الذي عليه قويًا وإن لم يكن ضوءَ الشمس، وأطال
18
النظر إليه زمانًا، ثم صرف بصره إلى موضع مظلم، فإنه يجد صورة ذلك الضوء
19
في ذلك الموضع المظلم، ويجد مع ذلك شكله. ثم إن أطبق بصره وتأمل ساعة
20
فإنه يجد في بصره صورة ذلك الضوء وشكله. ثم ينجلي ذلك ويعود البصر إلى
21
حاله. وكذلك يكون حال البصر |I 68a|[ms Fatih 3212] إذا نظر إلى جسم قد أشرق عليه ضوء
22
الشمس وأطال النظر إليه.
23
[4] وكذلك إن نظر الناظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه ضوء
24
النار، وكان ضوء النار قويًا، وأطال النظر إليه، ثم انصرف إلى موضع مظلم،
122
1
فإنه يجد أيضًا في بصره مثل ذلك. وكذلك إذا كان الناظر في بيت وكان في البيت
2
ثقب واسع منكشف للسماء، ونظر إلى السماء من ذلك الثقب في ضوء النهار،
3
وأطال النظر، ثم عطف ببصره إلى موضع مظلم، فإنه يجد صورة الضوء الذي
4
كان يدركه من الثقب مع شكل الثقب في الموضع. وإن أطبق بصره وجد أيضًا
5
فيه تلك الصورة.
6
[5] فتدل جميع هذه الأحوال على أن الضوء يؤثر في البصر أثرًا ما.
7
[6] وأيضًا فإنا نجد الناظر إذا نظر إلى روضة خضراء متكاثفة وقد أشرق
8
عليها ضوء الشمس، وأطال النظر إليها، ثم صرف بصره إلى موضع مظلم،
9
فإنه يجد في الموضع المظلم صورة ذلك الضوء ومتلونًا بخضرة الزرع. ثم إن نظر
10
في هذه الحال إلى مبصرات بيض، وكانت تلك المبصرات |I 68b|[ms Fatih 3212] في الظل وفي موضع
11
ضعيف الضوء، فإنه يجد ألوانها ملتبسة بلون الخضرة. فإن أطبق بصره أيضًا
12
في هذه الحال وتأمل فإنه يجد في بصره صورة الضوء وصورة الخضرة ثم ينحلّ
13
ذلك ويزول. وكذلك إذا نظر إلى جسم متلون بلون أرجواني أو لازوردي أو
14
لون من الألوان المشرقة القوية وقد أشرق عليه ضوء الشمس وأطال النظر إليه ثم
15
عطف ببصره إلى مبصرات بيض في موضع ضعيف الضوء وجد ألونها ملتبسة
16
بذلك اللون.
17
[7] فتبين من هذا الاعتبار أن الألوان المضيئة تؤثر أيضًا في البصر.
18
[8] وأيضًا فإنا نرى الكواكب في الليل ولسنا نرى الكواكب في ضوء
19
النهار، وليس الفرق بين الوقتين إلا أن الهواء المتوسط بين أبصارنا وبين السماء
20
مضيء بالنهار وهو بالليل مظلم، فما دام الهواء مظلمًا فنحن نرى الكواكب،
21
فإذا أضاء الهواء المتوسط بين أبصارنا وبين الكواكب بضوء النهار خفيت عنا
22
الكواكب.
23
[9] وكذلك إذا كان الناظر في الليل في موضع مضيء بضوء النار،
24
وكان ضوء النار منبسطًا على الأرض، وكان في الموضع مبصرات لطيفة أو
25
مبصرات |I 69a|[ms Fatih 3212] فيها معان لطيفة، وكانت في ظل من الأظلال، ولم يكن الضوء
123
1
الذي عليها قويًا، ولم تكن النار متوسطة بين البصر وبين تلك المبصرات، وكان
2
الناظر يدرك تلك المبصرات ويدرك المعاني اللطيفة التي فيها، ثم تحرك الناظر
3
من موضعه حتى تصير النار متوسطة بين بصره وبين تلك المبصرات، فإن تلك
4
المبصرات تخفى عنه إن كانت لطيفة، أو تخفى المعاني اللطيفة التي تكون فيها ولا
5
يكاد يدركها ما دامت النار متوسطة بين بصره وبينها. وإن ستر النار عن بصره
6
أدرك في الحال تلك المبصرات اللطيفة التي كانت تخفى عنه. وإن رفع الساتر
7
الذي بين النار وبين بصره خفيت تلك المبصرات عنه.
8
[10] فتدل هذه الأحوال على أن الأضواء القوية إذا أشرقت على البصر
9
أو على الهواء المتوسط بين البصر والمبصر فإنها تعوق البصر عن إدراك بعض
10
المبصرات التي أضواؤها ضعيفة.
11
[11] وأيضًا فإنه إذا نظر الناظر إلى جسم صقيل، وكان في الجسم
12
نقوش دقيقة، ولم تكن النقوش مخالفة اللون لِلَون الجسم بل كانت النقوش من
13
لون ذلك |I 69b|[ms Fatih 3212] الجسم، وكان الناظر في مكان معتدل الضوء، وكان ذلك المكان
14
مقابلًا للسماء أو لبعض الجدران المضيئة بضوء قوي، ثم قابل بذلك الجسم
15
السماء أو الجدارالمضيء، فإنه ينعكس منه ضوء ما إلى البصر ويجد الضوء الذي
16
يظهر في سطح الجسم وفي الموضع الذي ينعكس منه الضوء قد قوي وأشرق. وفي
17
هذه الحال إذا تأمل الناظر إلى الجسم الصقيل لم يظهر له فيه شيء من النقوش
18
التي في موضع الضوء القوي المشرق من ذلك الجسم. ثم إن ميّل الناظر الجسم
19
عن ذلك الموضع حتى يصير الانعكاس إلى موضع غير الموضع الذي فيه بصره،
20
ويكون مع ذلك على الجسم ضوء معتدل، فإن الناظر حينئذ يدرك النقوش التي
21
فيه التي كانت تخفى عنه عند انعكاس الضوء عن الجسم إلى بصره
22
[12] وكذلك الخط الدقيق الذي في الورق الصقيل إذا انعكس الضوء
23
عن الورق إلى البصر لم يتحقق البصر ذلك الخط ولم يفهمه ما دام الضوء منعكسًا
24
عنه إلى البصر. فإذا ميّل سطح الورق حتى يتغير وضعه، فلا ينعكس الضوء
25
عنه إلى البصر، أدرك البصر |I 70a|[ms Fatih 3212] ذلك الخط وفهِمَه.
124
1
[13] وأيضًا فإن النار الضعيفة إذا كانت في ضوء ضعيف ظهرت وأدركها
2
البصر، وإذا كانت في ضوء الشمس ظهر الجسم الذي فيه النار ولم تظهر النار.
3
وإن كان في تلك النار دخان ظهر الدخان ولم تظهر النار.
4
[14] وأيضًا فإنه إن حصل في ضوء الشمس جسم كثيف متلون بلون
5
مشرق قوي، وقُرّب من ذلك الجسم جسم أبيض نقي البياض، وكان هذا
6
الجسم في الظل وفي ضوء ضعيف، ظهر عليه لون ذلك الجسم كما وصفنا من
7
قبل. ثم إن قرب الجسم الأبيض حتى يصير في ضوء الشمس أو يقوى الضوء
8
الذي عليه، خفي ذلك اللون الذي عليه. وإن رُدّ إلى الظل وإلى الضوء
9
الضعيف ظهر اللون عليه. وعند كونه في الضوء القوي أيضًا وخفاء اللون
10
الذي عليه: إن ظُلِّل الجسم بجسم كثيف وهو في مكانه حتى يضعف الضوء
11
الذي عليه ظهر اللون عليه، وإن رفع الجسم المظِلّ حتى يقوى الضوء على
12
الجسم الأبيض خفي اللون الذي عليه.
13
[15] وكذلك إذا قرّبنا |I 70b|[ms Fatih 3212] جسمًا مشفًا متلونًا لون بشرق إلى نار قوية،
14
وقرّبنا إلى ظل ذلك الجسم ثوبًا أبيض، ظهر لون ذلك الجسم المشف على ذلك
15
الثوب كما وصفنا من قبل. ثم إن قرّبنا إلى ذلك الثوب نارًا غير تلك النار حتى
16
يشرق ضوؤها على ذلك الثوب خفي ذلك اللون الذي كان يظهر على الثوب
17
فلم يُرَ إلا بياض الثوب فقط. وإذا غيّبنا تلك النار الثانية ظهر اللون على
18
الثوب.
19
[16] وأيضًا فإن بعض الحيوانات البحرية قد يكون لها أصداف وأغشية
20
إذا حصلت في موضع مظلم لا ضوء فيه ظهرت تلك الأصداف كأنها نار، وإذا
21
نظر إليها ناظر في ضوء النهار أو في ضوء النار أدرك تلك الأصداف ولم ير فيها
22
شيئًا من النار. وكذلك الحيوان المسمى اليراع إذا طار في الليل ظهر كأنه نار
23
تخطف، وإذا نظر إليه ناظر في ضوء النهار أو في ضوء النار أدرك الحيوان ولم
24
ير فيه نارًا.
25
[17] فتدل هذه الأحوال كلها التي شرحناها على أن الأضواء القوية التي
125
1
تكون في المبصرات |I 71a|[ms Fatih 3212] قد تُخفي بعض المعاني التي في بعض المبصرات، وأن
2
الأضواء الضعيفة التي تكون في المبصرات قد تُظهر بعض المعاني التي في بعض
3
المبصرات.
4
[18] وأيضًا فإن المبصرات التي فيها نقوش دقيقة أو وشوم أو معان لطيفة
5
قد يخفى كثير من المعاني التي فيها إذا كانت في الأضواء الضعيفة وفي المواضع
6
المغدرة، وإذا أُبرزت إلى المواضع المضيئة وقوي الضوء الذي عليها أو جُعلت
7
في ضوء الشمس ظهرت المعاني التي تكون فيها التي كانت تخفى في المواضع
8
المغدرة وفي الأضواء الضعيفة. وكذلك الخط الدقيق قد يعجز البصر عن إدراكه في
9
المواضع المغدرة وفي الأضواء الضعيفة، وإذا أبرز إلى الأضواء القوية أدركه
10
البصر.
11
[19] فتدل هذه الحال على أن الأضواء القوية قد تُظهر كثيرًا من المعاني
12
التي في المبصرات، وأن الأضواء الضيعفة قد تُخفي كثيرًا من المعاني التي في
13
المبصرات.
14
[20] وأيضًا فإنا نجد الأجسام الكثيفة المتلونة بألوان مشرقة،
15
كالأرجوانية واللازوردية والخمرية والفرفيرية، |I 71b|[ms Fatih 3212] إذا كانت في مواضع
16
مغدرة وفي أضواء ضعيفة ظهرت ألوانها كدرة، وإذا كانت في ضوء قوي ظهرت
17
ألوانها مشرقة صافية، وكلما ازداد الضوء الذي عليها قوة ازدادت ألوانها إشراقًا
18
وصفاءً. وإذا كان واحد من هذه الأجسام في مكان مظلم، وليس فيه إلا ضوء
19
يسير جدًا، فإن ذلك الجسم يظهر مظلمًا ولا يتيقن البصر لونه ويظن به أنه
20
أسود. فإذا أخرج إلى المواضع المضيئة وقوي الضوء الذي عليه ظهر لونه وتميز
21
للبصر.
22
[21] ونجد أيضًا الأجسام البيض الكثيفة إذا أشرق عليها ضوء قوي
23
ازدادت بياضًا وإشراقًا عند الحس، ونجد الأجسام الكدرة الألوان إذا أشرقت
24
عليها الأضواء القوية صفت ألوانها وأسفرت.
25
[22] وأيضًا فإنا نجد الأجسام المشفة المتلونة بألوان قوية، كالأشربة
126
1
القوية الحمرة التي في الأواني المشفة، إذا كانت في مواضع مغدرة وفي أضواء
2
ضعيفة فإنها تظهر سودًا مظلمة وكأنها غير مشفة وإن استُشِفت، وإذا كانت في
3
الأضواء القوية أو أشرق عليها ضوء الشمس صفت ألوانها وأشرقت وظهر
4
شفيفها.
5
[23] وكذلك |I 72a|[ms Fatih 3212] الجواهر المشفة المتلونة المشبعة الألوان إذا كانت في
6
المواضع المغدرة ظهرت ألوانها مظلمة كدرة، وإذا أشرق عليها ضوء قوي أو
7
قوبل بها الضوء حتى ينفذ الضوء فيها صفت ألوانها وأشرقت وظهر شفيفها.
8
[24] وأيضًا فإن الأجسام المشفة المتلونة إذا قوبل بها الضوء وقوبلت من
9
الجهة المضادة لجهة الضوء بجسم أبيض، كما ذكرنا من قبل، فإنه إن كان الضوء
10
قوياُ ظهرت صورة ذلك اللون في ظله على الجسم الأبيض المقابل له، وإن كان
11
الضوء الذي يشرق عليه ضعيفًا ظهر على الجسم الأبيض المقابل له ظل فقط ولم
12
يظهر اللون.
13
[25] وأيضًا فإنا نجد أرياش الطواويس والثوب المسمى أبا قلمون
14
تختلف ألوانها عند البصر في الأوقات المختلفة من النهار بحسب اختلاف الأضواء
15
التي تشرق عليها.
16
[26] فتدل هذه الأحوال التي تظهر في الألوان على أن الأجسام المتلونة
17
إنما يدرك البصر ألوانها بحسب الأضواء المشرقة عليها.
18
[27] فإذا كانت الأضواء القوية التي في المبصرات قد تُخفي بعض المعاني
19
التي في بعض المبصرات |I 72b|[ms Fatih 3212] وقد تُظهر بعض المعاني التي في بعض المبصرات،
20
وكانت الأضواء الضعيفة التي تكون في المبصرات قد تُظهر بعض المعاني التي في
21
بعض المبصرات وقد تخُفي بعض المعاني التي في بعض المبصرات، وكانت
22
الأجسام المتلونة قد تتغير ألوانها بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق عليها،
23
وكانت الأضواء القوية المشرقة على البصر قد تعوق البصر عن إدراك بعض
24
المبصرات، وكان البصر مع جميع ذلك ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان
25
مضيئًا، فإن الصورة إذن التي يدركها البصر من المبصر إنما تكون بحسب الضوء
127
1
الذي في المبصر وبحسب الأضواء التي تشرق على البصر في حال إدراكه لذلك
2
المبصر وعلى الهواء المتوسط بين البصر والمبصر.
3
[28] فأما لِمَ الأضواء القوية تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات فإنا
4
نشرح علّة ذلك عند كلامنا في كيفية الإبصار.
5
الفصل الخامس
6
في هيئة البصر
7
[1] البصر مركب من طبقات وأغشية وأجسام مختلفة، ومبدؤه |I 73a|[ms Fatih 3212]
8
ومنشؤه من مقدَّم الدماغ.
9
[2] ينشق من مقدَّم الدماع عصبتان جوفاوان متشابهتان يبتدئان من
10
موضعين عن جنبتي مقدم الدماغ ويقال إن كل واحدة منهما طبقتان وأنهما
11
ينشآن من غشاءَي الدماغ فينتهيان إلى الوسط من ظاهر مقدم الدماغ، ثمِ
12
يلتقيان فيصيران عصبة واحدة جوفاء، ثم تنقسم هذه العصبة فتصير أيضًا
13
عصبتين جوفاوين متساويتين، ثم تمتد هاتان العصبتان حتى تنتهيا إلى حدْبتي
14
العظمين المقعَّرين المحيطين بجملتي العينين.
15
[3] وفي وسطي تقعيري هذين العظمين ثقبان متساويان نافذان
16
وضعهما من العصبة المشتركة وضع متشابه. فتدخل العصبتان في هذين الثقبين
17
وتخرجان إلى تقعيري العظمين، فإذا وصلا إلى تقعيري العظمين انتشرا واتسعا
18
وصار طرف كل واحد منهما كالقمع. وكل واحدة من العينين مركبة على هذا
19
الطرف من العصبة الذي هو كالقمع وملتحم به. ووضع كل واحدة من العينين
20
من العصبة المشتركة وضع متشابه.
21
[4] وجملة كل واحدة |I 73b|[ms Fatih 3212] من العينين مركبة من عدة طبقات.
22
[5] فأولها شحمة بيضاء تملأ مقعر العظم وهي معظم العين وتسمى
23
الملتحمة.
24
[6] وفي داخل هذه الشحمة كرة مستديرة جوفاء سوداء في الأكثر وزرقاء
128
1
وشهلاء في بعض الأبصار. وجسم هذه الكرة رقيق، ومع ذلك صفيق ليس
2
بالسخيف، وظاهرها ملتصق بالملتحمة، وداخلها أجوف وفي باطن داخلها
3
شبيه بالخمل، والملتحمة مشتملة على هذه الكرة ما سوى مقدَّمَها فإن الملتحمة
4
ليس تغطي مقدم هذه الكرة بل تستدير على مقدمها. وتسمى هذه الطبقة العنبية
5
لأنها تشبه العنبة.
6
[7] وفي وسط مقدم العنبية ثقب مستدير نافذ إلى تجويفها، وهو مقابل
7
لطرف تجويف العصبة التي العين مركبة عليها.
8
[8] ويغطي هذا الثقبَ وجميعَ مقدم العنبية الذي تستدير حوله الملتحمة
9
من خارج طبقة متينة بيضاء تسمى القرنية لأنها تشبَّه بالقرن الأبيض أيضًا في
10
المشف.
11
[9] وفي صدر مقعر العنبية كرة صغيرة بيضاء رطبة متماسكة الرطوبة ومع
12
ذلك ترِفة، |I 74a|[ms Fatih 3212] وفيها شفيف ليس في الغاية بل فيها بعض الغلظ، ويشبه شفيفها
13
شفيف الجليد، تسمى الجليدية. وسميت بهذا الاسم من أجل شَبَه شفيفها
14
بشفيف الجليد. وهي مركبة على طرف تجويف العصبة. وفي مقدَّم هذه الكرة
15
تسطيح يسير يشبه تسطيح ظاهر العدسة، فسطح مقدمها قطعة من سطح كري
16
أعظم من السطح الكري المحيط ببقيتها. وهذا السطح مقابل للثقب الذي في
17
مقدم العنبية ووضعه منه وضع متشابه.
18
[10] وهذه الرطوبة تنقسم بجزءين مختلفي الشفيف، أحدهما يلي
19
مقدّمها والجزء الآخر يلي مؤخَّرها. والجزء المتأخر منها يشبه شفيفه شفيف
20
الزجاج المرضوض، فيسمى هذا الجزء الرطوبة الزجاجية. وشكل مجموع
21
الجزءين هو الشكل المستدير الذي ذكرناه. ويشتمل على مجموع الجزءين
22
غشاء رقيق في غاية الرقة والسخافة يسمى العنكبوتية لأنه يشبَّه بنسج العنكبوت.
23
[11] وفي صدر مقعر العنبية ثقب مستدير هو على طرف تجويف
24
العصبة، والجليدية مركبة في هذا الثقب. واستدارة هذا الثقب، وهو طرف
25
العصبة، |I 74b|[ms Fatih 3212] تحيط بوسط كرة الجليدية، وتلتحم العنبية بالجليدية من الدائرة
129
1
المحيطة بهذا الثقب. ويقال إن العنبية منشأها من الطبقة الداخلة من طبقتي
2
العصبة المجوفة وأن القرنية منشأها من الطبقة الخارجة من طبقتي هذه
3
العصبة.
4
[12] ويملأ تجويف العنبية رطوبة بيضاء رقيقة مائعة صافية مشفة تسمى
5
الرطوبة البيضية لأنها تشبَّه ببياض البيض في رقته وبياضه وشفيفه. وهي تملأ
6
تجويف العنبية وتماس مقدَّم الجليدية وتملأ الثقب الذي في مقدم العنبية وتماس
7
مقعَّر القرنية.
8
[13] وكرة الجليدية مركبة على تجويف العصبة، ويلي تجويفَ العصبة
9
الرطوبةُ الزجاجية، فتكون القرنية والرطوبة البيضية والرطوبة الجليدية
10
والزجاجية متوالية متماسة. وجميع هذه الطبقات مشفة، والثقب الذي في مقدَّم
11
العنبية مقابل لمقدم تجويف العصبة، فيكون بين سطح القرنية وبين مقدم تجويف
12
العصبة سموت مستقيمة تملأها أجسام مشفة متماسة.
13
[14] ويقال إن الروح الباصرة تنبعث من مقدم الدماغ وتملأ تجويف
14
العصبتين الأوليين المتصلتين بالدماغ، وتنتهي إلى العصبة المشتركة فتملأ
15
تجويف هذه العصبة، |I 75a|[ms Fatih 3212] وتمتد في العصبتين الثانيتين الجوفاوين فتملأهما،
16
وتنتهي إلى الجليدية فتغطيها القوة الباصرة.
17
[15] وبين محيط الجليدية الملتحم بالعنبية وبين الثقب الذي في مقعر
18
العظم الذي منه تخرج العصبة مسافة مقتدرة، والعصبة تمتد في هذه المسافة من
19
نهاية الثقب إلى محيط الجليدية على انخراط واتساع، وكلما بعدت عن الثقب
20
اتسعت إلى أن تنتهي إلى محيط كرة الجليدية وتلتحم بمحيطها.
21
[16] وجسم الملتحمة مشتمل على هذا الجزء المنخرط من العصبة وعلى
22
كرة العنبية، وكرة العنبية متقدمة عن وسط الملتحمة إلى ما يلي ظاهر البصر،
23
وجسم الملتحمة ملتحم بكرة العنبية وبالطرف المنخرط المتسع من العصبة وحافظ
24
لوضعها. فإذا تحركت العين تحركت بجملتها، فتنحني العصبة التي العين
25
مركبة عليها عند حركتها ويكون انحناؤها عند الثقب الذي في مقعر العظم، لأن
130
1
مقعر العظم يشتمل على جملة العين والعين تتحرك بجملتها في هذا التقعير.
2
[17] والمتلحمة ملتحمة بما في داخلها من العصبة ومن الطبقات الباقية
3
وحافظة لأوضاعها وغير مفارقة لها. |I 75b|[ms Fatih 3212] فانحناء العصبة عند حركة العين إنما
4
يكون من وراء جملة العين، فهو عند الثقب الذي في مقعر العظم. وكذلك
5
إذا كانت العين ساكنة، وكانت العصبة منحنية، فإنما يكون انحناؤها عند الثقب
6
الذي في مقعر العظم، لأن جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عند
7
بعض لاعند حركتها ولا عند سكونها. فانحناء العصبة التي العين مركبة عليها
8
ليس يكون إلا عند الثقب الذي في مقعر العظم تحركت العين أم سكنت.
9
[18] والسطح الظاهر من القرنية سطح كري، ومع ذلك متصل بالسطح
10
المحيط بالملتحمة وبجملة العين، وجملة العين أعظم من كرة العنبية التي هي
11
بعضها، فالسطح الظاهر من القرنية هو من سطح كري أعظم من كرة العنبية،
12
فنصف قطره أعظم من نصف قطر العنبية.
13
[19] والسطح الداخل من القرنية المنطبق على ثقب العنبية سطح مقعر
14
كري مواز للسطح الظاهر منها، لأن هذا الموضع متساوي السمك، فمركز هذا
15
السطح المقعر أيضًا هو مركز السطح المحدب الظاهر. وهذا السطح المقعر يقطع
16
سطح كرة العنبية على محيط الثقب، فمركزه أبعد في العمق |I 76a|[ms Fatih 3212] من مركز العنبية،
17
لأن ذلك يلزم في خواص الأكر.
18
[20] وأيضًا فلأن كرة العنبية ليست في وسط الملتحمة، وهي متقدمة إلى
19
ما يلي سطح ظاهر البصر، وسطح ظاهر البصر من كرة أعظم من كرة العنبية،
20
يكون مركز السطح الظاهر أبعد في العمق من مركز العنبية، فمركز سطح القرنية
21
أبعد في العمق من مركز العنبية.
22
[21] والخط المستقيم الذي يصل بين المركزين، أعني مركز سطح
23
القرنية ومركز العنبية، إذا خرج على استقامة انتهى إلى مركز الثقب الذي في مقدم
24
العنبية وإلى وسطي سطحي القرنية المتوازيين، لأن السطح المقعر من القرنية
25
والسطح المحدب من العنبية سطحان كريان يتقاطعان، وكل سطحين كريين
131
1
متقاطعين فإن الخط الذي يصل بين مركزيهما يمر بمركز دائرة التقاطع ويكون
2
عمودًا على سطحها، لأن الخط الذي يخرج من مركز الدائرة ويكون عمودًا على
3
سطحها يمر بمركزي الكرتين.
4
[22] والسطح المقعر من القرنية مماس لسطح الرطوبة البيضية التي في
5
داخل ثقب العنبية ومنطبق عليه، فسطح الرطوبة |I 76b|[ms Fatih 3212] البيضية أيضًا سطح كري
6
مركزه مركز السطح المنطبق عليه. فالسطح الظاهر من القرنية والسطح الداخل
7
منها وسطح الرطوبة البيضية الماس لمقعر القرنية سطوح كرية متوازية مركزها
8
نقطة واحدة مشتركة، وهي أبعد في العمق من مركز العنبية.
9
[23] والخط الذي يمر بمركز العنبية وبمركز القرنية وبمركز الثقب الذي في
10
مقدم العنبية، إذا امتد على استقامة، فإنه يمر بوسط تجويف العصبة التي العين
11
مركبة عليها، لأن الثقب الذي في مقدم العنبية مقابل للثقب الذي في صدر
12
العنبية الذي هو طرف تجويف العصبة.
13
[24] وسطح مقدم الجليدية أيضًا سطح كري، وهو يقطع كرة
14
العنبية، فمركزه أبعد في العمق من مركز العنبية. والخط المستقيم الذي يصل بين
15
مركزيهما يمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عمودًا عليها، ودائرة التقاطع بين سطح
16
مقدم الجليدية وبين سطح كرة العنبية هي إما الدائرة التي تحد نهاية الالتحام بين
17
الجليدية وبين العنبية وإما موازية لها ـ |I 77a|[ms Fatih 3212] لأن التسطيح الذي في مقدم الجليدية
18
مقابل للثقب الذي في مقدم العنبية ووضعه منه وضع متشابه، فنهاية هذا
19
السطح، وهي دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية، إما أن تكون هي دائرة
20
الالتحام نفسها أو موازية لها.
21
[25] فإن كانت هذه الدائرة، أعني دائرة التقاطع بين سطحي
22
الجليدية، هي دائرة الالتحام فهذه الدائرة هي دائرة التقاطع بين سطح مقدم
23
الجليدية وبين العنبية. وإن كانت دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية موازية
24
لدائرة الالتحام فإن سطح مقدم الجليدية إذا تُوهم منبسطًا على ما هو عليه من
25
كريته فإنه يقطع كرة العنبية على دائرة موازية لهذه الدائرة، أعني دائرة التقاطع
132
1
بين سطحي الجليدية، لتشابه وضع هذه الدائرة من محيط كرة العنبية. وهذه
2
الدائرة موازية لدائرة الالتحام. فتكون دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية
3
وبين مركز العنبية موازية لدائرة الالتحام. فدائرة التقاطع بين سطح مقدم
4
الجليدية وبين كرة العنبية إما هي دائرة الالتحام نفسها أو موازية لها. فإن كانت
5
هذه |I 77b|[ms Fatih 3212] الدائرة هي دائرة الالتحام نفسها فإن الخط المستقيم الذي يمر بمركز مقدم
6
الجليدية ويمر بمركز العنبية يمر بمركز هذه الدائرة فيكون عمودًا عليها، لأن هذه
7
الدائرة تكون دائرة التقاطع بين السطحين الكريين. وإن كانت هذه الدائرة
8
موازية لدائرة الالتحام، وهي موازية لدائرة التقاطع بين سطحي الجليدية، فهي
9
مع دائرة الالتحام في سطح واحد كري وهو سطح كرة العنبية، وهي موازية لها،
10
|I 77b10|وهي مع دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح مقدم
11
الجليدية، وهي موازية لها، فالخط المستقيم الذي يمر بمركز كرة العنبية وبمركز
12
سطح مقدم الجليدية ويمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عمودًا عليها هو يمر بمركز
13
دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية ويكون عمودًا عليها ــ لأن هذه الدائرة مع
14
دائرة التقاطع بين كرة العنبية وبين سطح مقدم الجليدية في سطح واحد كري وهو
15
سطح مقدم الجليدية، وهي موازية لها، وكل دائرتين متوازيتين في سطح كرة فإن
16
الخط الذي يمر بمركز إحديهما ويكون عمودًا عليها فهو يمر |I 78a|[ms Fatih 3212] بمركز الدائرة
17
الأخرى ويكون عمودًا عليها. وهذا الخط أيضًا يمر بمركز دائرة الالتحام ويكون
18
عمودًا عليها ــ لأن دائرة الالتحام مع دائرة التقاطع بين كرة العنبية وبين سطح
19
مقدم الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح كرة العنبية، وهي موازية لها،
20
|I 78a20|فالخط الذي يمر بمركز كرة العنبية وبمركز السطح المتقدم من الجليدية يمر بمركزدائرة
21
الالتحام على تصاريف الأحوال، ويكون عمودًا عليها، كانت دائرةُ الالتحام
22
نفسَ دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين كرة العنبية أو موازيةً لهذه
23
الدائرة.
24
[26] وأيضًا فإن سطح مقدم الجليدية وسطح بقية الجليدية سطحان
25
كريان متقاطعان، فمركز السطح المتقدم أبعد في العمق من مركز السطح
133
1
المتأخر. والخط المستقيم الذي يصل بين هذين المركزين يمر بمركز دائرة التقاطع
2
ويكون عمودًا عليها، والخط الذي يمر بمركز هذه الدائرة ويكون عمودًا عليها قد
3
تبين أنه يمر بمركز دائرة الالتحام |I 78b|[ms Fatih 3212] ويكون عمودًا عليها ــ لأن هذه الدائرة إما
4
هي دائرة الالتحام أو موازية لها، فالخط إذن الذي يمر بمركز العنبية وبمركز مقدم
5
الجليدية وبمركز دائرة الالتحام ويكون عمودًا على هذه الدائرة يمر بمركز بقية
6
الجليدية.
7
[27] وإذا كان هذا الخط يمر بمركز بقية الجليدية وبمركز دائرة الالتحام،
8
وهو قائم على سطح دائرة الالتحام على زوايا قائمة، فهو يمتد في وسط تجويف
9
العصبة التي العين مركبة عليها، لأن دائرة الالتحام هي طرف تجويف العصبة.
10
[28] وقد تبين أن الخط الذي يمر بمركز العنبية وبمركز القرنية وبمركز
11
الثقب الذي في مقدم العنبية يمتد في وسط تجويف العصبة، فهذا الخط إذن الذي
12
يمر بمركزي سطحي الجليدية وبمركز كرة العنبية هو الخط الذي يمر بمركز القرنية
13
وبمركز العنبية وبمركزي سطحي الجليدية وبمركز الثقب الذي في مقدم العنبية
14
وبمركز دائرة الالتحام، ويمر بأوساط جميع الطبقات المقابلة لثقب العنبية، وهو
15
عمود على سطوح جميع الطبقات |I 79a|[ms Fatih 3212] المقابلة لثقب العنبية وعمود على سطح ثقب
16
العنبية وعمود على سطح دائرة الالتحام، ويمتد في وسط تجويف العصبة التي
17
العين مركبة عليها.
18
[29] وإذ قد تبين أن مركز القرنية ومركز سطح مقدم الجليدية هما جميعًا
19
على هذا الخط، وهما جميعًا أبعد في العمق من مركز العنبية، فالأشبه أن يكون
20
مركز سطح مقدم الجليدية هو مركز القرنية لتكون مراكز جميع السطوح المقابلة
21
لثقب العنبية نقطة واحدة مشتركة، فتكون جميع الخطوط الخارجة من المركز
22
إلى سطح البصر أعمدة على جميع السطوح المقابلة للثقب. ومع ذلك فإنه يتبين
23
من بعد بالدليل عند كلامنا في كيفية 〈الإبصار〉 أن مركز سطح القرنية ومركز
24
السطح المتقدم من الجيلدية هو نقطة واحدة مشتركة. فسطوح طبقات البصر
25
المقابلة لثقب العنبية سطوح كرية مركزها نقطة واحدة مشتركة.
134
1
[30] وأيضًا فلأن هذا المركز هو مركز السطح الظاهر من البصر المتصل
2
بالسطح المشتمل على جملة العين، وجملة العين مستديرة، يكون هذا المركز |I 79b|[ms Fatih 3212]
3
هو مركز جملة العين، فهو في داخل جملة العين، فمركز سطوح طبقات البصر
4
المقابلة لثقب العنبية هو في داخل جملة العين.
5
[31] فإذا تحركت العين فليس تتغير النقطة من العين التي هي مركز
6
سطوح طبقات البصر، ولا يتغير وضعها من هذه السطوح بل تكون حافظة
7
لوضعها، لأن العين إذا حركت إنما تتحرك بجملتها، وأوضاع أجزاء جملتها
8
بعضها عند بعض ليس تتغير عند الحركة. وهذا المركز هو في داخلها، فوضعه لا
9
يتغير عند جملتها. وكذلك وضع طبقات البصر عند جملة العين ليس يتغير عند
10
حركة البصر. فوضع هذا المركز عند سطوح طبقات البصر ليس يتغير عند
11
حركة البصر ولا عند سكونه.
12
[32] وقد تبين أن انحناء العصبة عند حركة البصر وعند سكونه إنما
13
يكون عند الثقب الذي في مقعر العظم ــ لأنه إنما يكون من وراء جملة العين،
14
فانحناء العصبة إذن عند حركة البصر وعند سكونه ليس يكون إلا من وراء
15
مركز البصر.
16
[33] وأيضًا فإن جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عند بعض |I 80a|[ms Fatih 3212]
17
لا في حال حركتها ولا في حال سكونها، فأوضاع مراكز طبقات البصر عند جملة
18
العين ليس تتغير عند حركة البصر ولا عند سكونه. فالخط المستقيم الذي يمر
19
بالمراكز ليس يتغير وضعه عند جملة العين ولا عند أجزائها لا في حال حركة البصر
20
ولا في حال سكونه. وإذا كان وضع هذا الخط ليس يتغير عند جملة العين ولا عند
21
أجزائها فوضع هذا الخط إذن ليس يتغير عند سطح دائرة الالتحام ولا عند
22
محيطها، وهذه الدائرة هي طرف تجويف العصبة، فوضع سطحها من سطح
23
تجويف العصبة وضع متشابه، وميلُ الجزء المنخرط من العصبة على سطح هذه
24
الدائرة ميل متشابه، لأن وضع الجليدية من هذه العصبة وضع متشابه.
25
[34] وإذا كانت جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عند بعض
135
1
فسطح تجويف العصبة من لَدُن محيط دائرة الالتحام إلى موضع انحناء العصبة
2
الذي هو الجزء المنخرط من العصبة ليس يتغير |I 80b|[ms Fatih 3212] وضعه عند جملة العين ولا عند
3
دائرة الالتحام.
4
[35] وقد تبين أن وضع الخط الذي يمر بالمراكز ليس يتغير عند دائرة
5
الالتحام، و أنه يمتد في وسط تجويف العصبة. وإذا كان وضع هذا الخط ليس
6
يتغير عند دائرة الالتحام، وكان سطح تجويف العصبة الذي من لدن محيط دائرة
7
الالتحام إلى موضع الانحناء ليس يتغير وضعه عند سطح تجويف العصبة إلى أن
8
ينتهي إلى موضع الانحناء، فالخط الذي يمر بمراكز طبقات البصر يمر بمركز
9
دائرة الالتحام ويكون قائمًا عليها على زوايا قائمة، فيمتد في وسط تجويف
10
العصبة المنخرطة إلى أن ينتهي إلى موضع انحناء العصبة، ويكون وضعه أبدًا
11
من سطح تجويف العصبة الذي في داخل جملة العين ومن جميع أجزاء العين ومن
12
جميع سطوح طبقات البصر وضعًا واحدًا لا يتغير في حال حركة البصر ولا في حال
13
سكونه.
14
[36] فهذه هي أوضاع طبقات البصر وأوضاع مراكزها ووضع الخط
15
المستقيم الذي يمر بمراكزها.
16
[37] والعينان جميعًا متشابهتان في جميع أحوالهما |I 81a|[ms Fatih 3212] وطبقاتِهما وفي
17
أشكال طبقاتهما وفي وضع كل واحد من الطبقات عند جملة العين. وإذا كان
18
ذلك كذلك فوضع كل واحد من المراكز التي تقدم تفصيلها عند جملة العين وعند
19
أجزائها وضع المركز النظير لذلك المركز من العين الأخرى عند جملة العين
20
الأخرى وعند أجزائها. وإذا كانت أوضاع المراكز في كل واحدة من العينين
21
شبيهة بنظائرها في العين الأخرى كان وضع الخط الذي يمر بالمراكز في إحدى
22
العينين عند جملة العين وعند أجزائها وعند طبقاتها شبيهاُ بوضع 〈الخط〉 الذي يمر
23
بالمراكز التي في العين الأخرى عند جملة العين الأخرى وعند أجزائها وعند
24
طبقاتها. فوضع الخطين اللذين يمران بمراكز طبقات البصرين من البصرين معًا
25
وضع متشابه في جميع أحوالهما.
136
1
[38] وكل واحدة من الملتحمتين تلتحم بها من خارج عضلتان صغيرتان
2
إحديهما مما يلي موق العين والأخرى مما يلي مؤخرها. ويشتمل على كل واحدة من
3
العينين الأجفان والأهداب.
4
[39] فهذا الذي شرحناه هو صفة تركيب البصر وهيئته وهيئة طبقاته،
5
وجميع ما ذكرناه من طبقات العين وتركيبها قد بيّنه وشرحَه |I 81b|[ms Fatih 3212] أصحاب التشريح
6
في كتب التشريح.
7
وهذه صورة العينين
137
1
الفصل السادس |I 82a|[ms Fatih 3212]
2
في كيفية الإِبصار
3
[1] قد تبين فيما تقدم أن كل جسم مضيء بأي ضوء كان فإن الضوء
4
الذي فيه يصدر منه ضوء إلى كل جهة تقابله. فإذا قابل البصر مبصرًا من
5
المبصرات، وكان المبصر مضيئًا بأي ضوء كان، فإن الضوء الذي في المبصر يرِد
6
منه ضوء إلى سطح البصر. وقد تبين أيضًا أن من خاصة الضوء أن يؤثر في البصر
7
وأن من طبيعة البصر أن ينفعل بالضوء. فأخِلق بأن يكون إحساس البصر
8
بالضوء الذي في المبصر إنما هو من الضوء الذي يرد منه إلى البصر.
9
[2] وقد تبين أيضًا أن كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة
10
اللون الذي في ذلك الجسم تصحب أبدًا الضوء الذي يصدر عنه إلى كل جهة
11
تقابل ذلك الجسم، ويكون الضوء وصورة اللون أبدًا معًا. فالضوء الذي يرد
12
إلى البصر من الضوء الذي في الجسم المبصر يكون أبدًا معه صورةُ اللون الذي في
13
الجسم المبصر. وإذا كان الضوء واللون يردان معًا إلى سطح البصر، وكان البصر
14
يحس بالضوء الذي في المبصر من الضوء الذي يرد إليه من المبصر، |I 82b|[ms Fatih 3212] فأخلِق بأن
15
يكون إحساس البصر باللون الذي في المبصر أيضًا إنما هو من صورة اللون التي
16
ترد عليه مع الضوء.
17
[3] وأيضًا فإن صورة اللون تكون أبدًا ممتزجة بصورة الضوء وغير
18
متميزة عنها، فليس يحس البصر بالضوء إلا ملتبسًا باللون. فأَخِلق بأن يكون
19
إحساس البصر بلون المبصر والضوء الذي فيه إنما هو من الصورة الممتزجة من
20
الضوء واللون الذي يرد إليه من سطح المبصر.
21
[4] وأيضًا فإن طبقات البصر المسامتة لوسط مقدَّم البصر مشفة متماسة،
22
والأُولى منها وهي القرنية مماسة للهواء الذي فيه ترد الصورة، ومن خاصة الضوء
23
أن ينفذ في كل جسم مشف، وكذلك خاصة اللون 〈أن〉 تنفذ صورته التي
24
تصحب الضوء في الجسم المشف ولذلك تمتد في الهواء المشف كامتداد
138
1
الضوء، ومن طبيعة الأجسام المشفة أن تقبل صور الأضواء والألوان وتؤديها إلى
2
الجهات المقابلة لها، فالصورة التي ترد من المبصر إلى سطح البصر تنفذ في شفيف
3
طبقات البصر من الثقب الذي في مقدم العنبية، فهي تصل إلى الرطوبة الجليدية
4
وتنفذ أيضًا منها بحسب شفيفها. فأخلِق بأن تكون طبقات |I 83a|[ms Fatih 3212] البصر إنما كانت
5
مشفة لتنفذ فيها صور الأضواء والألوان التي ترد إليها.
6
[5] فلنحرّر الآن ما تألّف من جميع ذلك.
7
[6] فنقول: إن البصر يحس بالضوء واللون اللذين في سطح المبصر من
8
الصورة التي ترد إليه من الضوء واللون اللذين في سطح المبصر وتنفذ في شفيف
9
طبقات البصر. وهذا المعنى هو الذي استقرّ عليه رأي أصحاب الطبيعة في كيفية
10
الإِبصار.
11
[7] فنقول الآن إن كيفية الإبصار لا تصح أن تكون بهذه الصفة فقط،
12
لأن هذه الصفة تنتقض وتبطُل إن لم ينضاف إليها غيرها. وذلك أن كل جسم
13
متلون مضي ء فإن ضوءه ولونه تمتد صورتهما في الهواء المشف المتصل به إلى جميع
14
الجهات المقابلة له. وقد يقابل البصر في الوقت الواحد مبصرات كثيرة مختلفة
15
الألوان كل واحد منها بينه وبين البصر سموت مستقيمة في الهواء المتصل المتوسط
16
بينه وبينها. وإذا كان المبصر المقابل للبصر ترد صورة الضوء واللون اللذين فيه إلى
17
سطح البصر فكل واحد من المبصرات التي تقابل البصر في |I 83b|[ms Fatih 3212] وقت واحد ترد
18
صورة ضوئه ولونه في ذلك الوقت إلى سطح البصر. وإذا كانت الصورة تمتد
19
من المبصر إلى كل جهة تقابله، وكانت إنما تصل إلى البصر من أجل مقابلته، فإن
20
الصورة التي تصل من المبصر إلى البصر تصل إلى جميع سطح البصر. وإذا كان
21
ذلك كذلك فإن البصر إذا قابل مبصرًا من المبصرات، ووصلت صورة لونه
22
وضوئه إلى سطح البصر، وحضر في الوقت مبصرات أُخَر مختلفة الألوان مقابلة
23
للبصر، فإن كل واحد من تلك المبصرات قد وردت صورة ضوئه ولونه إلى
24
سطح البصر وتكون صورة كل واحد من جميع تلك المبصرات قد حصلت في جميع
25
سطح البصر. فتحصل في جميع سطح البصر في وقت واحد ألوان كثيرة مختلفة
139
1
وأضواء كثيرة مختلفة كل واحد منها قد ملأ سطح البصر، فتحصل في سطح
2
البصر صورة ممتزجة من ألوان مختلفة وأضواء مختلفة.
3
[8] فإن أحس البصر بتلك الصورة الممتزجة فهو يحس بلون مخالف
4
للون كل واحد من تلك المبصرات. وإن أحس بواحدة من تلك الصور ولم
5
يحس بالباقية أدرك واحدًا من المبصرات ولم يدرك |I 84a|[ms Fatih 3212] الباقية. وهو يدرك جميع
6
تلك المبصرات في وقت واحد ويدركها متميزة.
7
[9] وإن لم يحس بواحدة من تلك الصور فليس يحس بشيء من
8
المبصرات المقابلة. لكنه يحس بجميعها.
9
[10] وأيضًا فإن المبصر الواحد قد تكون فيه ألوان مختلفة وتخطيط وترتيب،
10
وكل جزء من أجزائه يصدر منه الضوء واللون اللذين فيه في جميع السموت
11
المستقيمة التي يصح أن تمتد في الهواء المتصل به. فإذا كانت أجزاء المبصر
12
الواحد مختلفة الألوان ورد إلى جميع سطح البصر من كل واحد منها صورة اللون
13
والضوء اللذين فيه، فتمتزج ألوان تلك الأجزاء في سطح البصر، فيدركها
14
البصر ممتزجة أولا يدرك منها شيئًا. فإن أدركها ممتزجة لم تتميز ألوان الأجزاء ولم
15
تترتب الأجزاء، وإن لم يدرك من تلك الصور شيئًا لم يدرك شيئا من الأجزاء،
16
وإذا لم يدرك شيئًا من الأجزاء لم يدرك المبصر. لكن البصر يدرك المبصر
17
المضيء المقابل له ويدرك أجزاءه المختلفة الألوان ويدركها متميزة مترتبة.
18
[11] وإذا كان ذلك كذلك |I 84b|[ms Fatih 3212] فكيفية الإبصار إما أن تكون بغير هذه
19
الصفة جملةً وإما أن تكون هذه الصفةُ هي بعض صفتها. فلننظر الآن هل يمكن
20
أن ينضاف إلى هذه الصفة شرط أو شروط تتميز بها ألوان المبصرات وتترتب
21
بها أجزاء كل واحد من المبصرات عند البصر وتكون موافقة للوجود.
22
[12] فنقول: إن البصر إذا قابل مبصرًا من المبصرات فإن كل نقطة من
23
سطح المبصر ترد منها صورة اللون والضوء اللذين فيها إلى جميع سطح البصر،
24
وكل نقطة من كل واحد من المبصرات المقابلة للبصر في تلك الحال أيضًا ترد منها
25
صورة اللون والضوء اللذين فيها إلى جميع سطح البصر. فإِن أحس البصر من
140
1
جميع سطحه بصورة اللون والضوء التي ترد من نقطة واحدة من النقط التي في
2
سطح المبصر فهو يحس من جميع سطحه بصورة كل نقطة من سطح ذلك المبصر
3
وصورة كل نقطة من سطوح جميع المبصرات المقابلة له في تلك الحال، فلا تترتب
4
له أجزاء المبصر الواحد ولا تتميز له المبصرات.
5
[13] وإن أحس البصر |I 85a|[ms Fatih 3212] بالصورة التي ترد من نقطة واحدة من سطح
6
المبصر إلى جميع سطح البصر من نقطة واحدة فقط من سطح البصر ولم يحسَّ
7
بصورة تلك النقطة من جميع سطحه ترتبت له أجزاء المبصر وتميزت له جميع
8
المبصرات المقابلة له. وذلك أنه إذا أدرك لون النقطة الواحدة من نقطة واحدة
9
فقط من سطحه أدرك لون الجزء الواحد من المبصر من جزء من سطحه وأدرك لون
10
الجزء الأخر من جزء آخر من سطحه غير ذلك الجزء وأدرك كل واحد من
11
المبصرات من موضع من سطحه غير الموضع الذي يدرك منه مبصرًا آخر، فتترتب
12
له المبصرات وتتميز وتترتب أجزاء كل واحد من المبصرات.
13
[14] فلننظر الآن هل هذا المعنى ممكن ويصح أن يوافق الوجود. فنقول
14
أولًا إن الإبصار إنما يكون بالجليدية كان الإبصار بصورة ترد من المبصر إلى
15
البصر أو بغير ذلك، وليس يكون الإبصار بواحدة من الطبقات المتقدمة لها وإنما
16
الطبقات المتقدمة آلات لها. وذلك |I 85b|[ms Fatih 3212] أنه إن لَحِق الرطوبةَ الجليدية آفة مع
17
سلامة بقية الطبقات بطل الإبصار، وإن لحق بقية الطبقات آفة مع بقاء الشفيف
18
الذي فيها أو بعضِه ومع سلامة الجليدية لم يبطل الإبصار. وأيضًا فإنه إن حصل
19
في ثقب العنبية سُدَّة وبطل شفيف الرطوبة التي فيها بطل الإبصار مع سلامة
20
القرنية، وإذا زالت السدة عاد الإبصار. وكذلك إن حصل في داخل الرطوبة
21
البيضية جزء غليظ غير مشف، وكان في وجه الرطوبة الجليدية ومتوسطًا بينها وبين
22
ثقب العنبية، بطل الإبصار، وإذا زال ذلك الغلظ أو انحطّ الجزء الغليظ عن
23
السمت المستقيم الذي بين الجليدية وبين ثقب العنبية أو مال عنه إلى بعض
24
الجهات عاد الإبصار ــ يشهد بجميع ذلك صناعة الطب.
25
[15] فبطلان الإحساس عند فساد الجليدية مع سلامة بقية الطبقات
141
1
المتقدمة لها دليل على أن الإحساس إنما يكون بهذه الرطوبة لا بالطبقات المتقدمة
2
لها، وبطلان الإحساس عند انقطاع الشفيف الذي بين الجليدية وبين سطح
3
البصر بالجسم |I 86a|[ms Fatih 3212] الكثيف يدل أيضًا على أن الإحساس إنما هو عند الجليدية لا
4
عند سطح البصر، ويدل أيضًا على أن شفيف هذه الطبقات إنما هو ليتصل
5
شفيف طبقات البصر بشفيف الهواء فتصير الأجسام التي بين الجليدية وبين البصر
6
مشفة متصلة الشفيف. وبطلان الإحساس عند انقطاع السمت المستقيم الذي
7
بين الجليدية وبين سطح البصر يدل على أن إحساس الجليدية ليس يكون إلا من
8
السموت المستقيمة التي بينها وبين سطح البصر.
9
[16] فنقول الآن إن كان إحساس البصر بلون المبصر والضوء الذي فيه
10
من الصورة التي ترد من المبصر إلى سطح البصر، والإحساس إنما يكون
11
بالجليدية لا بسطح البصر، فليس يحس البصر بهذه الصورة إلا بعد أن يتجاوز
12
سطح البصر ويصل إلى الجليدية. والصورة التي ترد من المبصر إلى سطح البصر
13
هي تنفذ في شفيف طبقات البصر ــ لأن من خاصة الشفيف أن تنفذ فيه صور
14
الأضواء والألوان وتمتد فيه على استقامة، وقد بينا ذلك في الهواء. وإذا اعتُبرت
15
جميع الأجسام المشفة وجد الضوء ليس يمتد فيها إلا على السموت المستقيمة،
16
ونحن نبين من بعدُ |I 86b|[ms Fatih 3212] عند كلامنا في الانعطاف كيف يعتبر ذلك وكيف تنتهي
17
هذه الحال. وإن كان إحساس البصر باللون والضوء اللذين في المبصر من
18
الصورة التي ترد إليه من المبصر فعند وصول هذه الصورة إلى الجليدية يقع
19
الإحساس. وقد تبين أنه ليس يصح أن يدرك البصر المبصر على ما هو عليه إلا إذا
20
أدرك صورة النقطة الواحدة من المبصر من نقطة واحدة فقط من سطحه.
21
فالجليدية إذن ليس يصح أن تدرك المبصر على ما هو عليه إلا إذا أدركت لون
22
النقطة الواحدة من المبصر وضوءها من الصورة التي تصل إليها من نقطة واحدة
23
فقط من سطح البصر. والصورة ترد من كل نقطة من سطح المبصر إلى جميع
24
سطح البصر وتنفذ من جميع سطح البصر إلى داخل تجويف البصر. فإن كان ما
25
يرد من النقطة الواحدة من المبصر إلى جميع سطح البصر وينفذ في طبقات البصر
142
1
وينتهي إلى الجليدية تدرك الجليدية منه ما ينفذ إليها من نقطة واحدة فقط من
2
سطح البصر، وتحس بلون تلك النقطة من المبصر وضوئها من الصورة التي
3
|I 87a|[ms Fatih 3212] تنفذ من تلك النقطة فقط من سطح البصر وتصل إلى نقطة واحدة فقط من
4
سطحها ولاتدرك تلك النقطة من المبصر 〈من〉 بقية الصورة التي تصل إلى
5
سطحها من بقية سطح البصر، تم الإبصار وترتبت أجزاء المبصرات وتميزت
6
المبصرات عند البصر.
7
[17] وليس يتم الإبصار إن كان من الصورة التي ترد إلى البصر إلا على
8
هذه الصفة. وليس يصح أن يكون ذلك كذلك إلا إذا كانت واحدة من النقط
9
التي في سطح البصر التي تنفذ فيها صورة النقطة الواحدة من سطح المبصر تتميز
10
عن بقية النقط التي في سطح البصر، وكان الخط الذي عليه ترد الصورة إلى
11
تلك النقطة من سطح البصر يتميز عن بقية الخطوط التي ترد عليها الصورة
12
بخاصةٍ من أجلها يصح أن تدرك الجليدية الصورة التي ترد على ذلك الخط ومن
13
النقطة من سطح البصر التي على ذلك الخط ولا تدركها من غيرها.
14
[18] وإذا استُقرئت الأضواء واعتُبرت كيفية نفوذها وامتدادها في
15
الأجسام المشفة وجد الضوء يمتد في الجسم المشف على سموت مستقيمة ما دام
16
الجسم المشف متشابه الشفيف، فإذا لقي جسمًا آخر مخالف الشفيف للجسم
17
الأول الذي |I 87b|[ms Fatih 3212] امتد فيه فليس ينفذ على استقامة السموت التي كان يمتد عليها إلا
18
إذا كانت تلك السموت قائمة على سطح الجسم الثاني المشف على زوايا قائمة.
19
وإذا كانت تلك السموت مائلة على سطح الجسم الثاني وغير قائمة عليه على زوايا
20
قائمة انعطف الضوء عند سطح الجسم الثاني ولم يمتد على استقامة. فإذا
21
انعطف امتد في الجسم الثاني على سموت الخطوط المستقيمة التي
22
ينعطف عليها، وتكون الخطوط التي ينعطف عليها الضوء في الجسم الثاني
23
أيضا مائلة على سطح الجسم الثاني ولا تكون أعمدة عليه. وإن كان بعض
24
الخطوط التي يرد عليها الضوء في الجسم الأول قائمًا على سطح الجسم الثاني
25
وبعضها مائلًا امتد ما كان من الضوء على الخطوط القائمة في الجسم الثاني على
143
1
استقامة، وما كان منه على الخطوط المائلة انعطف عند سطح الجسم الثاني على
2
خطوط مائلة وامتد فيه على استقامة تلك الخطوط المائلة التي انعطف عليها. وقد
3
ذكرنا هذا المعنى من قبل وضمِنّا تبيينه، ونحن نبينه من بعد في الموضع الذي يليق
4
به، وهو عند كلامنا في الانعطاف، ونرشد إلى الطريق الذي به تُعتبر هذه
5
الحال ويظهر هذا المعنى للحس |I 88a|[ms Fatih 3212] ويقع معه اليقين.
6
[19] وإذا كان ذلك كذلك فصورة الضوء واللون التي ترد من كل نقطة
7
من المبصر إلى سطح البصر إذا وصلت إلى سطح البصر فليس ينفذ منها شيء
8
في شفيف طبقات البصر على استقامة إلا ما كان على الخط المستقيم القائم على
9
سطح البصر على زوايا قائمة، وما كان على غيره من الخطوط فإنه ينعطف ولا ينفذ
10
على استقامة، لأن شفيف طبقات البصر ليس كشفيف الهواء المماس لسطح
11
البصر. والذي ينعطف من هذه الصور ينعطف أيضًا على خطوط مستقيمة مائلة
12
لا على الأعمدة التي تمتد من مواضع الانعطاف. وكل نقطة من سطح البصر
13
فليس يخرج إليها خط مستقيم يكون عمودًا على سطح البصر إلا خط واحد فقط،
14
ويخرج إليها خطوط بلا نهاية تكون مائلة على سطح البصر. والصورة التي ترد
15
على استقامة العمود تنفذ في طبقات البصر على استقامة العمود، وجميع الصور
16
التي ترد على الخطوط المائلة إلى تلك النقطة تنعطف عند تلك النقطة
17
|I 88b|[ms Fatih 3212] وتنفذ في طبقات البصر على خطوط مائلة أيضًا، ولاينفذ شيء منهاعلى استقامة
18
الخطوط التي وردت عليها ولا على استقامة العمود القائم على تلك النقطة.
19
[20] وكل نقطة من سطح البصر ترد إليها في الوقت الواحد صور جميع
20
النقط التي في سطوح جميع المبصرات المضيئة المقابلة لها في ذلك الوقت، لأن
21
بينها وبين كل نقطة مقابلة لها خطًا مستقيمًا، ولأن كل نقطة من النقط التي في
22
سطوح المبصرات المضيئة فإن صورتها تمتد على كل خط مستقيم يمتد من تلك
23
النقطة. ونقطة واحدة فقط من جميع النقط المقابلة للبصر التي وردت صورها إلى
24
تلك النقطة من سطح البصر في ذلك الوقت ترد على العمود الذي يقوم على تلك
25
النقطة من سطح البصر. وجميع النقط الباقية إنما ترد صورها إلى تلك النقطة من
144
1
سطح البصر على خطوط مائلة. فكل نقطة من سطح البصر ينفذ فيها في الوقت
2
الواحد صور جميع النقط التي في سطوح جميع المبصرات المقابلة لها في ذلك
3
الوقت. وصورة |I 89a|[ms Fatih 3212] نقطة واحدة فقط من جميعها تنفذ على استقامة في شفيف
4
طبقات البصر وهي النقطة التي عند طرف العمود الذي يخرج إلى تلك النقطة من
5
سطح البصر. وصور جميع النقط الباقية تنعطف عند تلك النقطة من سطح
6
البصر وتنفذ في شفيف طبقات البصر على خطوط مائلة على سطح البصر.
7
[21] وأيضًا فإن كل نقطة من سطح الجليدية يخرج منها خط واحد فقط
8
يكون عمودًا على سطح البصر، وتخرج منها خطوط بلا نهاية إلى سطح البصر
9
وتكون مائلة عليه. فالنقطة من سطح الجليدية التي يخرج منها عمود على سطح
10
البصر ويكون نافذًا في ثقب العنبية تخرج منها خطوط بلا نهاية تنفذ في ثقب
11
العنبية وتنتهي إلى سطح البصر وتكون كلها مائلة على سطح البصر ما سوى ذلك
12
العمود فقط.
13
[22] وجميع الخطوط التي تخرج من نقطة من سطح الجليدية وتنفذ في
14
ثقب العنبية وتنتهي إلى سطح البصر وتكون مائلة عليه إذا توهِّمت منعطفة على
15
الصفة التي يوجبها اختلاف الشفيف الذي بين شفيف جسم القرنية وبين شفيف
16
|I 89b|[ms Fatih 3212] الهواء فإن أطرافها تنتهي إلى مواضع مختلفة وإلى نقط مختلفة من النقط التي في
17
سطوح المبصرات التي تقابل البصر في وقت واحد، وليس يلقي واحد من هذه
18
الخطوط النقطة التي عند طرف العمود. والنقط التي عند أطراف جميع هذه
19
الخطوط من سطوح المبصرات تمتد صورها على استقامة هذه الخطوط وتنتهي إلى
20
سطح البصر وينعطف جميعها إلى النقطة الواحدة بعينها من سطح الجليدية، ما
21
سوى النقطة التي عند طرف العمود فإن صورتها تمتد على استقامة العمود وتنفذ
22
على استقامة إلى تلك النقطة من الجليدية. فإن كانت الجليدية تحس من النقطة
23
الواحدة منها بجميع الصور التي ترد إليها من جميع السموت فهي تحس من كل
24
نقطة منها بصورة ممتزجة من صور كثيرة وألوان ممتزجة من ألوان كثيرة من
25
المبصرات المقابلة للبصر في ذلك الوقت، فلا يتميز لها شيء من النقط التي في
145
1
سطوح المبصرات ولا تترتب لها النقط التي ترد صورها إلى تلك النقطة. وإن
2
كانت |I 90a|[ms Fatih 3212] الجليدية تحس من النقطة الواحدة منها بما يرد إليها من سمت واحد
3
فقط تميزت لها النقط التي في سطوح المبصرات وترتبت لها النقط التي في سطح
4
كل واحد من المبصرات.
5
[23] وليس واحدة من النقط التي تصل صورها إلى الجليدية على الخطوط
6
المنعطفة أوْلىَ من غيرها من الصور المنعطفة، ولا واحد من السموت المنعطفة
7
أوْلىَ من غيره. والصور المنعطفة إلى النقطة الواحدة من الجليدية في
8
الوقت الواحد كثيرة غير محصورة. والنقطة التي ترد صورتها على استقامة
9
العمود إلى النقطة الواحدة من الجليدية هي نقطة واحدة فقط، وليس يرد معها
10
على استقامة العمود صورة غيرها، لأن جميع الصور المنعطفة ليس تنعطف إلا
11
على خطوط مائلة. وأيضًا فإنه إذا كان مركز سطح البصر ومركز سطح الجليدية
12
واحدًا فإن العمود الذي يقوم على سطح البصر هو عمود على سطح الجليدية.
13
فالصورة التي ترد على العمود تتميز عن سائر الصور بحالتين: إحديهما |I 90b|[ms Fatih 3212] أنها
14
تمتد من سطح المبصر إلى النقطة من الجليدية على خط مستقيم، والباقية ترد على
15
خطوط منعطفة. والثانية أن هذا العمود القائم على سطح البصر هو عمود على
16
سطح الجليدية أيضًا. والخطوط الباقية التي ترد عليها الصور المنعطفة هي مائلة
17
على سطح الجليدية لأنها مائلة على سطح البصر.
18
[24] وتأثير الأضواء التي ترد على الأعمدة يكون أقوى من تأثير ما يرد
19
على الخطوط المائلة. فأخلِق بأن تكون الجليدية إنما تحس من كل نقطة منها
20
بالصورة التي ترد إليها على استقامة العمود فقط ولا تحس من تلك النقطة بما يرد
21
إلى تلك النقطة من السموت المنعطفة.
22
[25] وأيضًا فإنه إذا كان مركز سطح البصر ومركز سطح الجليدية نقطة
23
واحدة فإن جميع الأعمدة التي تقوم على سطح الجليدية وعلى سطح البصر يلتقي
24
جميعها عند المركز المشترك وتكون أقطارًا لسطوح طبقات البصر، ويكون كل
25
واحد من الأعمدة يلقى سطح القرنية على نقطة واحدة، ويلقى سطح الجليدية
146
1
على نقطة واحدة، ولا يخرج إلى تلك النقطة من القرنية عمود إلا عمود واحد
2
فقط، ولا يخرج |I 91a|[ms Fatih 3212] إلى تلك النقطة من الجليدية إلا ذلك العمود بعينه فقط.
3
فتكون الصورة التي تخرج من كل نقطة من سطح المبصر على العمود الذي يمتد
4
منها إلى سطح البصر يلقى سطح البصر على نقطة واحدة لا يلقاه عليها غيرها من
5
الصور التي ترد على الأعمدة، ويلقى سطح الجليدية أيضًا على نقطة واحدة لا
6
يلقاه 〈عليها〉 غيرها من الصور التي ترد على الأعمدة. وأيضًا فإنه قد تبين أن
7
كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن كل نقطة منه يخرج منها صورة
8
الضوء واللون على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة.
9
[26] وكل نقطة تقابل سطحًا من السطوح فإن بين تلك النقطة وبين كل
10
نقطة من ذلك السطح خطًا مستقيمًا متوهما، وبين تلك النقطة وبين جميع ذلك
11
السطح مخروط متوهم رأسه تلك النقطة وقاعدته ذلك السطح يشتمل على جميع
12
الخطوط المستقيمة المتوهمة التي بين تلك النقطة وبين جميع النقط التي في ذلك السطح.
13
[27] فإذا كانت صورة الضوء واللون تخرج من كل نقطة من سطح
14
الجسم المتلون المضيء على كل خط |I 91b|[ms Fatih 3212] مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة، فإن
15
كل نقطة مقابلة للجسم المضيء المتلون فإن صورة الضوء واللون اللذين في سطح
16
ذلك الجسم تمتد من كل نقطة من سطح ذلك الجسم إلى تلك النقطة المقابلة له على
17
الخط المستقيم الممتد بينها وبين تلك النقطة، ويكون المخروط الذي يتشكل بين
18
تلك النقطة وبين ذلك السطح يحيط بجميع الخطوط التي تمتد عليها الصور من
19
جميع ذلك السطح إلى تلك النقطة. فكل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن
20
صورة الضوء واللون اللذين فيه تمتد من سطحه إلى كل نقطة تقابل ذلك السطح
21
على سمت المخروط الذي يتشكل بين تلك النقطة وبين ذلك السطح، وتكون
22
الصورة مرتبة في ذلك المخروط بالخطوط التي تلتقي عند تلك النقطة التي هي
23
رأس المخروط كترتيب أجزاء اللون الذي في سطح ذلك الجسم.
24
[28] فإذا قابل البصر مبصرًا من المبصرات فإنه يتشكل بين النقطة التي
25
هي مركز البصر وبين سطح ذلك المبصر المقابل للبصر مخروط متوهم رأسه مركز
147
1
البصر وقاعدته سطح ذلك المبصر. |I 92a|[ms Fatih 3212] وإذا كان الهواء المتوسط بين ذلك المبصر
2
وبين البصر متصلًا، ولم يتوسط بين البصر 〈والمبصر〉 جسم كثيف، وكان ذلك
3
المبصر مضيئًا بأي ضوء كان، كانت صورة الضوء واللون اللذين في سطح ذلك
4
المبصر ممتدة إلى البصر على سمت ذلك المخروط، وكانت صورة كل نقطة من
5
سطح ذلك المبصر ممتدة على استقامة الخط الذي بين تلك النقطة وبين رأس
6
المخروط الذي هو مركز البصر.
7
[29] وإذا كان مركز البصر هو مركز سطح الجليدية كانت جميع هذه
8
الخطوط أعمدة على سطح ظاهر البصر وعلى سطح الجليدية وعلى جميع سطوح
9
طبقات البصر المتوازية، ويكون المخروط مشتملًا على جميع هذه الأعمدة
10
ومشتملًا على الجزء من الهواء الذي فيه تمتد الصورة من جميع سطح ذلك المبصر
11
المقابل للبصر على سموت الأعمدة، ويكون سطح الجليدية قاطعًا لهذا
12
المخروط. فتحصل صورة الضوء واللون اللذين في ذلك المبصر في الجزء من
13
سطح الجليدية الذي يحوزه المخروط، وتكون كل نقطة من هذا الجزء من
14
سطح الجليدية |I 92b|[ms Fatih 3212] قد وردت إليها صورة النقطة المقابلة لها من سطح المبصر على
15
استقامة العمود الذي يخرج من تلك النقطة من سطح المبصر على سطوح طبقات
16
البصر وعلى سطح الجليدية ونفذت في شفيف طبقات البصر على استقامة ذلك
17
العمود ولم تنفذ معها على استقامة ذلك العمود صورةٌ غيرها. وتكون هذه
18
الصورة التي تحصل في هذا الجزء من سطح الجليدية مرتبة فيه بالخطوط التي
19
وردت عليها إليه التي هي أعمدة عليه وتلتقي عند مركز البصر كترتيب أجزاء
20
سطح المبصر المقابل للبصر. وتكون كل نقطة من هذا الجزء من سطح الجليدية
21
مع جميع ذلك قد وردت إليها في تلك الحال صورٌ كثيرة من نقط كثيرة من النقط
22
التي في سطوح المبصرات المقابلة للبصر في ذلك الوقت. فتحصل في هذا الجزء
23
من سطح الجليدية الذي انفصل بالمخروط صور كثيرة من ألوان كثيرة مختلفة.
24
[30] فإن أحست الجليدية من الجزء الذي انفصل بالمخروط بالصورة
25
التي وردت إلى ذلك الجزء من سمت ذلك المخروط فقط ولم تحس من ذلك
148
1
الجزء |I 93a|[ms Fatih 3212] من سطحها بصورة غير الصورة التي وردت على ذلك السمت أحست
2
بصورة ذلك المبصر على ما هي عليه ومرتبةً كترتيبها، وأمكن أن تحس أيضًا في
3
تلك الحال بصور مبصرات أخَر غير ذلك المبصر من المخروطات التي تفصل من
4
سطحها أجزاءً أخر غير ذلك الجزء، وأمكن أن تحس بصورة كل واحد من تلك
5
المبصرات على ما هي عليه وأن تحس بأوضاع بعضها من بعض على ما هي عليه.
6
[31] وإن أحست الجليدية بالصور التي ترد إليها من السموت المنعطفة
7
أحست من ذلك الجزء بعينه الذي انفصل من سطحها بذلك المخروط بصورة
8
ممتزجة من صور أجزاء سطح ذلك المبصر ومن صور مبصرات كثيرة مختلفة وتكون
9
ممتزجة من ألوان كثيرة مختلفة، وأحست من كل جزء من سطحها غيرِ ذلك الجزء
10
بصورة ممتزجة من صور مبصرات كثيرة مختلفة، فلا تحس بالصورة التي وردت
11
على سمت ذلك المخروط على ما هي عليه ولا بشيء من الصور التي وردت على
12
الأعمدة على ما هي عليه ولا بشيء من الصور التي وردت من السموت المنعطفة
13
على ما |I 93b|[ms Fatih 3212] هي عليه، فلا تحس بصورة المبصر الواحد على ما هي عليه ولا تتميز لها
14
المبصرات التي تقابلها في وقت واحد بعضها من بعض.
15
[32] والبصر إنما يدرك المبصرات متميزة ويدرك أجزاء المبصر الواحد
16
مرتبة على ما هي عليه في سطح المبصر، ويدرك عدة من المبصرات معًا في وقت
17
واحد. فإن كان الإبصار من الصور التي ترد من المبصرات إلى البصر فليس تحس
18
الجليدية بشيء من صور المبصرات من السموت المنعطفة.
19
[33] وأيضا فإنه ليس شيء من الصور التي تصل إلى سطح الجليدية من
20
صورالمبصرات يترتب في سطح الجليدية على ما هي عليه، ولا شيء من صور
21
أجزاء المبصر الواحد، 〈إلا〉 التي تصل إليها على استقامة الأعمدة التي تقوم على
22
سطح البصر فقط. فأما الصور المنعطفة عند سطح البصر فإن أوضاعها تحصل في
23
سطح الجليدية منعكسة، وتحصل صورة النقطة الواحدة مع ذلك في قطعة من
24
سطح الجليدية، لا في نقطة واحدة. وذلك أن النقطة المتيامنة عن البصر إذا
25
امتدت صورتها إلى نقطة من سطح البصر، |I 94a|[ms Fatih 3212] وكان الخط الذي امتدت عليه
149
1
الصورة مائلًا على سطح البصر، فإن صورتها تنعطف إلى الجهة المتياسرة عن
2
العمود الذي يمتد من مركز البصر إلى تلك النقطة من سطحه. وتنتهي الصورة
3
التي تنعطف من طرف العمود على هذه الصفة إلى نقطة متياسرة عن النقطة من
4
سطح الجليدية التي يقطعه عليها ذلك العمود. وتكون صورة النقطة المتياسرة
5
عن البصر التي تمتد إلى تلك النقطة بعينها من سطح البصر، وتكون مائلة عليه،
6
تنعطف إلى نقطة متيامنة عن العمود وعن النقطة من سطح الجليدية التي على ذلك
7
العمود الذي يخرج من موضع الانعطاف ولا تبلغ إلى العمود ولا تتجاوزه،
8
لأن هذه هي خاصة الصور المنعطفة.
9
[34] وكذلك صورتا النقطتين اللتين في جهة واحدة عن البصر اللتان
10
تخرجان إلى نقطة واحدة من سطح البصر، وتكونان مائلتين عليه في جهة
11
واحدة، تحصلان في سطح الجليدية منعكستين، لأن الخطين اللذين عليهما تمتد
12
صورتا النقطتين |I 94b|[ms Fatih 3212] يتقاطعان عند النقطة من سطح البصر التي عليها تلتقي
13
الصورتان ويلقيان العمود الذي يخرج إلى تلك النقطة من سطح البصر على تلك
14
النقطة. فإذا كان هذا الخطان على سطح البصر في جهة واحدة جميعًا عن العمود
15
الذي يخرج من مركز البصر إلى تلك النقطة انعطفت صورتا النقطتين إلى الجهة
16
المقابلة لتلك الجهة. وأيضا فلأن الخطين اللذين تمتد عليهما الصورتان إلى النقطة
17
الواحدة من سطح البصر يتقاطعان على تلك النقطة فإنهما إذا امتدا على
18
استقامتهما بعد التقاطع فإن وضعهما ينعكس بالقياس إلى البصر وإلى العمود،
19
فيصير الخط الذي كان متيامنًا قبل وصوله إلى سطح البصر من ذينك الخطين
20
متياسرًا بعد تجاوزه لسطح البصر، والمتياسر منهما متيامنًا.
21
[35] وكذلك يكون وضع الخطين اللذين عليهما تنعطف الصورتان من
22
النقطة الواحدة من سطح البصر. فإن الصورتين اللتين تنعطفان من نقطة واحدة
23
تقربان جميعًا من العمود، وتمتد الصورة التي كانت على خط أبعد من العمود بعد
24
التقاطع على خط أبعد من العمود |I 95a|[ms Fatih 3212] أيضًا، ولكن ببعد أقل من بعد الخط الذي
25
كانت عليه. وتمتد الصورة التي كانت على خط أقرب إلى العمود بعد التقاطع على
150
1
خط أقرب إلى العمود أيضًا، ولكن أشد قربًا من الخط الذي كانت عليه ــ كذلك
2
جميع الصور التي تنعطف من نقطة واحدة.
3
[36] وإذا اعتُبر هذا المعنى اعتبارًا محرَّرًا وُجد على ما ذكرناه، ونحن
4
نرشد إلى الطريق الذي به يُعتبر هذا المعنى اعتبارًا محققًا عند كلامنا في الانعطاف،
5
وعند ذلك تنكشف جميع المعاني التي تتعلق بالانعطاف. ولسنا نستعمل هناك في
6
تبيين المعاني التي استعملناها في هذه المقالة شيئا ممابيناه بهذه المعاني في هذه المقالة.
7
[37] فالنقطتان المائلتان إلى جهة واحدة عن البصر إذا امتدت صورتاهما
8
إلى نقطة واحدة من سطح البصر فإنهما تنعطفان على خطين يكون وضعهما عند
9
البصر بالعكس من وضع الخطين الأولين اللذين عليهما امتدت الصورتان إلى
10
سطح البصر، فيكون وضع النقطتين من سطح الجليدية اللتين تنتهي إليهما
11
الصورتان بالعكس من وضع النقطتين اللتين منهما |I 95b|[ms Fatih 3212] وردت الصورتان.
12
فجميع الصور التي تنعطف من نقطة واحدة من سطح البصر تحصل في سطح
13
الجليدية منعكسة.
14
[38] وأيضًا فإن كل نقطة مقابلة للبصر فإن صورتها ترد إلى جميع سطح
15
البصر، فهي تنعطف من جميع سطح البصر. والصورة التي تنعطف من جميع
16
سطح البصر تنعطف إلى جزء له قدر من سطح الجليدية، لا إلى نقطة واحدة،
17
لأن الصور المنعطفة لو التقت بعد الانعطاف على نقطة واحدة لكانت تقطع
18
الأعمدة التي انعطفت عند أطرافها وتتجاوزها أو تخرج الصورة عن السطح
19
الذي انعطفت فيه. وليس شيء من الصور المنعطفة يلقى العمود الذي انعطفت
20
عند طرفه بعد الانعطاف ولا يتجاوزه ولا يخرج عن السطح الذي انعطفت
21
فيه. وجميع هذه المعاني تتبين عند الاعتبار. فليس تكون صورة
22
النقطة الواحدة من المبصر التي تحصل في سطح الجليدية بالانعطاف
23
في نقطة واحدة بل في جزء مقتدر من سطح الجليدية، ولا يكون وضع صور
24
النقط المختلفة من سطح المبصر |I 96a|[ms Fatih 3212] التي تحصل صورها في سطح الجليدية
25
بالانعطاف بعضها عند بعض كأوضاعها التي هي عليها في سطوح المبصرات بل
151
1
منعكسة. فليس شيء من صور المبصرات التي تصل إلى سطح الجليدية على
2
السموت المنعطفة يترتب في سطح الجليدية على ما هي عليه في سطوح
3
المبصرات. وقد تبين أن الصور التي ترد على الأعمدة تترتب في سطح الجليدية
4
على ما هي عليه، لأنها تمتد على استقامة من سطوح المبصرات إلى سطح
5
الجليدية. فليس شيء من صور المبصرات التي ترد إلى سطح الجليدية يترتب في
6
سطح الجليدية على ما هي عليه في سطوح المبصرات إلا الصور التي تمتد على
7
سموت الأعمدة فقط.
8
[39] فإن كان إحساس البصر بالمبصرات من الصور التي ترد إليه من
9
سطوح المبصرات فإن البصر ليس يدرك شيئا من صور المبصرات التي تصل إليه
10
إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند مركز البصر فقط، لأن
11
البصر ليس يدرك شيئًا من صور المبصرات إلا مرتبة على ما هي عليه في سطوح
12
المبصرات.
13
[40] وأيضًا فإنه إذا كان مركز سطح البصر ليس هو مركز سطح الجليدية
14
|I 96b|[ms Fatih 3212] فإن الخطوط المستقيمة التي تخرج من مركز سطح البصر وتمتد في ثقب العنبية
15
وتنتهي إلى المبصرات ليس تكون أعمدة على سطح الجليدية بل مائلة عليها، ولا
16
تكون أوضاعها على سطح الجليدية أوضاعًا متشابهة، إلا خط واحد منها فقط وهو
17
الذي يمر بالمركزين. والصور التي ترد من سطوح المبصرات إلى سطح الجليدية
18
ليس يصح أن تحس بها الجليدية إلا من سموت هذه الخطوط فقط، أعني التي هي
19
أعمدة على سطح البصر الذي هو سطح القرنية، لأن الصور التي ترد على هذه
20
الأعمدة فقط هي التي تترتب في سطح الجليدية كترتيبها في سطوح المبصرات.
21
[41] فإن كانت الجليدية تدرك المبصرات من الصور التي ترد إليها،
22
وكانت إنما تدرك الصور من سموت هذه الخطوط، وكانت هذه الخطوط ليست
23
أعمدة على سطحها، فهي تدرك الصور إذًا من سموتٍ أوضاعُها من سطحها
24
أوضاعٌ مختلفة ومائلة على سطحها. وإذا كانت تدرك الصور من سموت مختلفة
25
الأوضاع مائلة فهي تدرك جميع الصور المنعطفة، وتدركها من السموت المختلفة
152
1
الأوضاع |I 97a|[ms Fatih 3212] عند سطحها. ولو كانت تدرك الصور المنعطفة من السموت
2
المختلفة الأوضاع لم يتميز لها شي ء من المبصرات كما تبين فيما تقدم. وإذا كان
3
ليس يصح أن تدرك الصور المنعطفة من السموت المختلفة الأوضاع فليس
4
يصح أن تدرك صور المبصرات من سموت الخطوط التي هي أعمدة على سطح
5
البصر إلا إذا كانت هذه الخطوط أعمدة على سطحها وكانت أوضاعها من سطحها
6
متشابهة. وليس تكون هذه الخطوط أعمدة على سطحها إلا إذا كان مركز سطحها
7
ومركز سطح البصر نقطة واحدة مشتركة. وليس يدرك البصر شيئًا من صور
8
المبصرات إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند هذا المركز فقط.
9
[42] وليس يمتنع أن يكون المركزان واحدًا، لأنه قد تبين أن المركزين
10
جميعًا من وراء مركز العنبية وعلى الخط المستقيم الذي يمر بجميع المراكز. فإذا كان
11
ليس يمتنع أن يكون المركزان واحدًا، وأن تكون الخطوط المستقيمة التي تخرج من
12
المراكز أعمدة على السطحين جميعًا، أعني سطح الجليدية وسطح البصر،
13
|I 97b|[ms Fatih 3212] فليس يمتنع أن يكون إدراك البصر للمبصرات من الصور التي ترد إليه من صور
14
الألوان والأضواء التي في سطوح المبصرات إذا كان إدراكه لهذه الصور من سموت
15
الأعمدة فقط. وذلك بأن تكون طبيعة البصر قابلة لما يرد إليها من ضوء
16
المبصرات، وأن تكون طبيعة البصر مع ذلك متخصصة بأن لا تقبل ما يرد عليها
17
من الصور إلا من سموت مخصوصة، لا من جميع السموت، وهي سموت
18
الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند مركز البصر فقط، لتخصص هذه
19
الخطوط بكونها أقطارًا له وبكونها أعمدة على سطح الجسم الحاس، فيكون
20
الإحساس من الصور الواردة من المبصرات، وتكون هذه الخطوط كالآلة للبصر
21
بها تتميز له المبصرات وبها تترتب أجزاء كل واحد من المبصرات.
22
[43] ولتخصص البصر ببعض السموت دون غيرها نظائر في الأمور
23
الطبيعية. فإن الأضواء تشرق من الأجسام المضيئة وتمتد على السموت المستقيمة
24
فقط وليس تمتد على الخطوط المقوسة ولا المنحنية. والأجسام الثقال تتحرك إلى
25
السفل بالحركة |I 98a|[ms Fatih 3212] الطبيعية على خطوط مستقيمة وليس تتحرك على خطوط منحنية
153
1
ولا مقوسة ولا متعرجة، وليس تتحرك أيضًا على جميع الخطوط المستقيمة التي
2
بينها وبين سطح الأرض بل على خطوط مستقيمة مخصوصة وهي التي تكون
3
أعمدة على سطح الأرض وأقطارًا لها. والأجرام السماوية تتحرك على خطوط
4
مستديرة وليس تتحرك على خطوط مستقيمة ولا على خطوط مختلفة الترتيب. وإذا
5
تؤمِّلت الحركات الطبيعية وجد لكل واحد منها تخصص ببعض السموت دون
6
غيرها. فغير ممتنع أن يكون البصر متخصصًا في قبوله لتأثيرات الأضواء والألوان
7
بالسموت المستقيمة التي تلتقي عند مركزه فقط التي هي أعمدة على سطحه.
8
وإدراك البصر للمبصرات من سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند
9
مركز البصر هو الذي اجتمع عليه جميع أصحاب التعاليم ولم يقع بينهم فيه
10
اختلاف، وهذه الخطوط هي التي يسميها أصحاب التعاليم خطوط الشعاع.
11
[44] وإذا كان هذا المعنى ممكنًا وغير ممتنع، وكانت صور الأضواء
12
والألوان ترد إلى البصر وتنفذ في شفيف طبقات البصر لأن من خاصة هذه الصور
13
أن تنفذ في الأجسام المشفة ومن خاصة |I 98b|[ms Fatih 3212] الأجسام المشفة أن تقبل هذه الصور
14
وتؤديها إلى الجهات المقابلة لها، وكان الإبصار لا يتم من قبول هذه الصور إلا إذا
15
كان قبول البصر لها من سموت الأعمدة فقط، فالبصر إذن إنما يدرك الأضواء
16
والألوان التي في سطوح المبصرات من الصور التي ترد إليه من سطوح
17
المبصرات، وليس يدرك هذه الصور إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي
18
تلتقي أطرافها عند مركز البصر فقط.
19
[45] فلنحرر الآن ما استقر من جميع ما ذكرناه.
20
[46] فنقول: إن البصر يحس بالضوء واللون اللذين في سطح المبصر
21
من الصورة التي تمتد من الضوء واللون اللذين في سطح المبصر في الجسم المشف
22
المتوسط بين البصر والمبصر، وليس يدرك البصر شيئًا من صور المبصرات إلا من
23
سموت الخطوط المستقيمة التي تُتوهم ممتدة بين المبصر ومركز البصر فقط. وإذ قد
24
تحرر ذلك، وتبين مع هذه الحال أن هذا المعنى ممكن وغيرممتنع، فإنا نحرّر
25
الآن الدعوى.
154
1
[47] :فنقول: إن الإبصار لا يصح أن يكون إلا على هذه الصفة.
2
وذلك أن البصر إذا أحس بالمبصر بعد أن كان لا يحس به فقد حدث فيه شيء ما
3
بعد |I 99a|[ms Fatih 3212] أن لم يكن، وليس يحدث شيء بعد أن لم يكن إلا لِعلَّة. ونجد المبصر
4
إذا قابل البصر أحس به البصر، وإذا زال عن مقابلة البصر لم يحس به البصر،
5
وإذا عاد المبصر إلى مقابلة البصر عاد الإحساس. وكذلك نجد البصر إذا أحس
6
بالمبصر ثم أطبق أجفانه بطل ذلك الإحساس، وإذا فتح أجفانه والمبصر في
7
مقابلته عاد ذلك الإحساس. والعلة هي التي إذا بطلت بطل المعلول وإذا عادت
8
عاد المعلول. فالعلة إذن التي تُحدث ذلك الشيء في البصر هو المبصر، وتُحدثه
9
عند مقابلته للبصر، لأنه متى حضر المبصر وكان في مقابلة البصر وقع الإحساس
10
ومتى غاب المبصر وزال عن مقابلة البصر بطل الإِحساس، فالبصر إذن إنما يحس
11
بالمبصر من شيء ما يحدثه المبصر في البصر عند مقابلته للبصر.
12
[48] وأيضًا فإن البصر ليس يدرك المبصر إلا إذا كان الجسم المتوسط
13
بينهما مشفًا. وليس إدراك البصر للمبصر من وراء الهواء المتوسط بينهما من أجل
14
رطوبة الهواء وسخافته بل من أجل شفيفه، لأنه إذا توسط بين البصر والمبصر
15
حجر من الأحجار المشفة أيضًا |I 99b|[ms Fatih 3212] أو جسم من الأجسام المشفة، أيّ جسم
16
كان، أدرك البصر المبصر الذي وراءه ويكون إدراك البصر للمبصر بحسب
17
شفيف الجسم المتوسط، وكل ما كان الجسم المتوسط أشد شفيفًا كان إحساس
18
البصر بذلك المبصر أصحَّ وأبين. وكذلك إن توسط بين البصر والمبصر ماء صاف
19
مشف أدرك البصر المبصر الذي من وراء الماء. وإذا أدرك البصر مبصرًا من
20
المبصرات في ماء صاف مشف، ثم صُبع ذلك الماء بصِبغ من الأصباع القوية
21
حتى يبطل شفيفه ورطوبته باقية، فإن البصر حينئذ لا يدرك ذلك المبصر الذي
22
في الماء.
23
[49] فيتبين من هذه الأحوال أن الإبصار إنما يتم بشفيف الجسم المتوسط
24
لا برطوبته وسخافته. فالشيء الذي يفعله المبصر في البصر عند مقابلته له الذي
25
منه يقع الإحساس ليس يتم إلا بشفيف الجسم المتوسط بين البصر والمبصر وليس
155
1
يتم إذا توسط بين البصر والمبصر جسم كثيف. فالضوء واللون اللذان في المبصر
2
إذن ليس يدركهما البصر إلا من شيء ما |I 100a|[ms Fatih 3212] يُحدثه ذلك الضوء واللون في
3
البصر، وليس يَحدث ذلك الشيء من الضوء واللون في البصر إلا إذا كان الجسم
4
المتوسط بين البصر والمبصر مشفًا، وليس يَحدث إذا كان الجسم المتوسط كثيفًا.
5
[50] وليس يختص الشفيف بشيء مما يتعلق بالضوء واللون يخالف به
6
الكثافة إلا أن صورة الضوء واللون تنفذ في الشفيف ولا تنفذ في الكثافة، وأن
7
الجسم المشف يقبل صورة الضوء واللون ويؤديها إلى الجهات المقابلة لذلك الضوء
8
واللون. وليس للجسم الكثيف هذه الصفة. وإذا كان البصر ليس يحس
9
بالضوء واللون اللذين في المبصر إلا من حدوث شيء ما يحدثه الضوء واللون في
10
البصر، وكان ذلك الشيء ليس يحدث في البصر إلا إذا كان الجسم المتوسط بين
11
البصر والمبصر مشفًا، وليس يحدث إذا توسط بينهما جسم كثيف، وكان الجسم
12
المشف ليس يختص بشيء يتميز به عن الجسم الكثيف مما يتعلق بالضوء واللون
13
إلا قبوله لصور الأضواء والألوان وتأديته لها إلى الجهات المقابلة، وكان قد تبين أن
14
البصر إذا قابل المبصر فإن صورة الضوء |I 100b|[ms Fatih 3212] واللون اللذين في المبصر تتأدى إلى
15
البصر وتحصل في سطح العضو الحاس، فالبصر إذن إنما يحس بالضوء واللون
16
اللذين في المبصر من الصورة التي تمتد في الجسم المشف من المبصر إلى البصر،
17
والشيء الذي يحدثه المبصر في البصر عند مقابلته له وتوسط الجسم المشف بينهما
18
الذي منه يحس البصر بالضوء واللون اللذين في المبصر هو هذه الصورة.
19
[51] وقد يحتمل أن يقال إن الجسم المشف يقبل من البصر شيئًا ما
20
ويؤديه إلى المبصر وباتصال هذا الشي ء بين البصر والمبصر يقع الإحساس،
21
وهذا هو رأي أصحاب الشعاع.
22
[52] فلنفرض أن الأمر كذلك وأن الشعاع يخرج من البصر وينفذ في
23
شفيف الجسم المشف وينتهي إلى البصر وأن بهذا الشعاع يكون الإحساس.
24
وإذا كان ذلك كذلك، وكان الإحساس إنما يكون بهذا الشعاع، فالإحساس
25
الذي يكون بهذا الشعاع إما أن يتأدى إلى البصر وإما أن لا يتأدى إلى البصر. فإن
156
1
كان الإِحساس يكون بالشعاع ولا يتأدى إلى البصر فليس يحس البصر بشيء.
2
لكن البصر يحس |I 101a|[ms Fatih 3212] بالمبصر. وإذا كان البصر يحس بالمبصر، وليس يحس به إلا
3
بتوسط الشعاع بينهما، وكان قد تبين أن البصر ليس يحس بالمبصر إلا من شيء
4
يحدثه المبصر في البصر، فهذا الشعاع إذن الذي يحس بالمبصر يؤدي إلى البصر
5
شيئًا ما منه يحس البصر بالمبصر. وإذا كان الشعاع يؤدي إلى البصر شيئًا ما منه
6
يكون إحساس البصر بالمبصر فالبصر إذن إنما يحس بالضوء واللون اللذين في
7
المبصر من شيء يرد من الضوء واللون اللذين في المبصر إلى البصر، والشعاع هو
8
الذي يؤدي ذلك الشيء. فعلى تصاريف الأحوال ليس يكون الإبصار إلا من
9
ورود شيء ما من المبصر إلى البصر ــ خرج من البصر شعاع أم لم يخرج.
10
[53] وقد تبين أن الإبصار لا يتم إلا بشفيف الجسم المتوسط بين البصر
11
والمبصر وليس يتم إذا توسط بينهما جسم كثيف. وهو بيّن أن الجسم المشف ليس
12
يختص بشيء يخالف به الجسم الكثيف مما يتعلق بالضوء واللون إلا بقبوله صور
13
الأضواء والألوان وتأديته لها إلى الجهات المقابلة لها. وقد تبين أن هذه الصور تمتد
14
أبدًا |I 101b|[ms Fatih 3212] في الهواء وفي الأجسام المشفة ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وتؤديها
15
إلى جميع الجهات المقابلة لتلك الأضواء والألوان وتؤديها إلى
16
البصر إذا كان مقابلًا لها. وإذا كان الإبصار ليس يكون إلا من ورود شيء ما من
17
المبصر إلى البصر، وكان الإبصار ليس يتم إلا بشفيف الجسم المتوسط بين البصر
18
والمبصر، وليس يتم إذا توسط بينهما جسم كثيف، وكان الجسم المشف ليس
19
يختص بشيء يخالف به الجسم الكثيف مما يتعلق بالضوء واللون إلا بقبوله صور
20
الأضواء والألوان وتأديته 〈لها〉 إلى الجهات المقابلة، وكان قد تبين أن صورة
21
الضوء واللون اللذين في المبصر تصل إلى البصر إذا كان مقابلًا للمبصر، فالشيء
22
إذن الذي يرد من المبصر إلى البصر الذي منه يدرك البصر الضوء 〈واللون〉
23
اللذين في المبصر على تصاريف الأحوال ليس هو إلا هذه الصورة ــ خرج من
24
البصر شعاع أم لم يخرج.
25
[54] وقد تبين أن صور الأضواء والألوان تشرق أبدًا في الهواء وفي
157
1
الأجسام المشفة وتمتد فيها إلى الجهات |I 102a|[ms Fatih 3212] المقابلة لها ــ حضر البصر أم لم يحضر.
2
وإذا كان البصر ليس يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر إلا من هذه
3
الصورة، وكانت هذه الصورة تمتد أبدًا في الهواء وفي الأجسام المشفة إلى الجهات
4
المقابلة لها حضر البصر أم لم يحضر، فخروج الشعاع إذن عبث وفضل. فالبصر
5
إنما يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر من الصورة التي ترد إليه من الضوء
6
واللون اللذين في المبصر، التي تشرق أبدًا في الهواء وفي الأجسام المشفة، وتمتد
7
إلى الجهات المقابلة لها.
8
[55] وأيضًا فإنه قد تبين أن صورة كل نقطة من المبصر المقابل للبصر
9
تصل إلى البصر على سموت كثيرة مختلفة، وأنه ليس يصح أن يدرك البصر صورة
10
المبصر مرتبة على ما هي عليه في سطح المبصر ــ إذا كان إدراك البصر للمبصر من
11
الصورة التي ترد إليه من المبصر ــ إلا إذا كان قبول البصر للصور من سموت
12
الخطوط المستقيمة التي تكون أعمدة على سطح البصر وتكون مع ذلك أعمدة على
13
سطح العضو الحاس، |I 102b|[ms Fatih 3212] وأن الخطوط المستقيمة ليس تكون أعمدة على هذين
14
السطحين إلا إذا كان مركز هذين السطحين نقطة واحدة مشتركة فإن ذلك ممكن
15
غير ممتنع. وإذا كان قد تبين الآن أن الإبصار ليس يصح أن يكون إلا من الصور
16
التي ترد من المبصر إلى البصر، وكان لا يصح أن يدرك البصر المبصرات من
17
الصور التي ترد إليه من المبصرات إلا إذا كان قبوله لها من سموت الخطوط التي
18
تكون أعمدة على سطح البصر وأعمدة على سطح العضو الحاس، وكانت
19
الخطوط المستقيمة ليس يصح أن تكون أعمدة على هذين السطحين معًا إلا إذا
20
كان مركز هذين السطحين نقطة واحدة مشتركة، فليس يصح إذن أن يكون
21
مركز سطح الجليدية ومركز سطح البصر إلا نقطة واحدة مشتركة، وليس يصح
22
أن يدرك البصر شيئًا من صور المبصرات إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي
23
تلتقي أطرافها عند هذا المركز فقط. وهذا المعنى هو الذي كنا ضمِنّا من قبل عند
24
كلامنا في هيئة البصر تبيينَه في هذا الفصل، وقد بيّناه |I 103a|[ms Fatih 3212] الآن، أعني أن مركز
25
الجليدية ومركز سطح البصر هو نقطة واحدة مشتركة.
158
1
[56] وإذ قد تبين ذلك فقد بقي أن نكشف رأي أصحاب الشعاع ونبين
2
فساد الفاسد منه وصحة الصحيح، فنقول إنه إن كان الإبصار إنما هو بشيء
3
يخرج من البصر إلى المبصر فإن ذلك الشيء إما أن يكون جسمًا أو غير جسم،
4
فإن كان جسما فإنا إذا نظرنا إلى السماء ورأيناها ورأينا ما فيها من الكواكب
5
وميزناها وتأملناها فإنه في ذلك الوقت قد خرج من أبصارنا جسم ملأ ما بين
6
السماء والأرض ولم ينقص من البصر شيء، وهذا محال في غاية الاستحالة وفي
7
غاية الشناعة، فليس الإبصار بجسم يخرج من البصر. وإذا كان الشيء الذي
8
يخرج من البصر غير جسم فإن ذلك الشيء ليس يحس بالبصر، لأن الإِحساس
9
ليس هو إلا للأجسام ذات الحياة، فليس يخرج من البصر إلى المبصر شي ء يحس
10
بالمبصر.
11
[57] وهو بيّنٌ لأن الإبصار يكون بالبصر، فإذا كان الإبصار إنما هو
12
بالبصر، وكان البصر ليس يدرك المبصر |I 103b|[ms Fatih 3212] إلا بأن يخرج منه شي ء إلى المبصر،
13
وكان ذلك الشيء الذي يخرج من البصر ليس يحس بالبصر، فالشيء الذي
14
يخرج من البصر ليس يحس بالبصر، والشيء الذي يخرج من البصر إلى المبصر إنما
15
يؤدي إلى البصر شيئًا ما منه يدرك البصر المبصر. وليس هذا الذي يقال إنه يخرج
16
من البصر شيئًا محسوسًا وإنما هو مظنون. وليس يجوز أن يُظن شي ء من الأشياء
17
إلا إذا كان هناك علة تدعو إلى الظن به. والعلة التي دعت أصحاب الشعاع إلى
18
القول بالشعاع هي أنهم وجدوا البصر يدرك المبصر وبينه وبينه بعد، والمتعارف
19
من الإِحساس أنه لا يكون إلا بالملامسة، وكذلك ظنوا أن الإبصار ليس يكون
20
إلا بشيء يخرج من البصر إلى المبصر ليكون ذلك الشيء إما أن يحس بالمبصر في
21
موضعه وإما أن يأخذ من المبصر شيئًا ويؤديه إلى البصر فيحس به البصر عند
22
وصوله إليه.
23
[58] وإذا كان ليس يصح أن يخرج من البصر جسم يحس بالمبصر،
24
وليس يصح أن يحس بالمبصر شيء غير الجسم الحيّ، لم يبق إلا أن يظن 〈أن〉
25
ذلك الشيء الذي يخرج |I 104a|[ms Fatih 3212] من البصر إلى المبصر يقبل شيئًا ويؤديه إلى البصر.
159
1
وإذا كان قد تبين أن الهواء والأجسام المشفة تقبل صورة المبصر وتؤديها إلى
2
البصر وإلى كل جسم يقابل المبصر فذلك الشيء الذي يُظن أنه يؤدي إلى البصر
3
شيئًا من المبصر إنما هو الهواء والأجسام المشفة المتوسطة بين البصر والمبصر. وإذا
4
كان الهواء والأجسام المشفة تؤدي إلى البصر شيئًا من المبصر في كل وقت وعلى
5
تصاريف الأحوال ــ إذا كان البصر مقابلًا للمبصر ــ من غير حاجة إلى خروج
6
شيء من المبصر فقد بطلت العلة التي دعت أصحاب الشعاع إلى القول
7
بالشعاع. لأن هذا الذي دعاهم إلى القول بالشعاع هو اعتقادهم أن الإبصار لا
8
يتم إلا بشيء يمتد بين البصر والمبصر ليؤدي إلى البصر شيئًا من المبصر. وإذا كان
9
الهواء والأجسام المشفة المتوسطة بين البصر والمبصر تؤدي إلى البصر شيئًا من المبصر
10
من غير حاجة إلى شي ء يخرج من البصر، وهي مع ذلك ممتدة بين البصر
11
والمبصر، فقط سقطت الحاجة إلى إثبات |I 104b|[ms Fatih 3212] شي ء آخر يؤدي إلى البصر شيئًا،
12
ولم تبق علة تدعوهم إلى أن شيئًا مظنونًا يؤدي من المبصر شيئًا إلى البصر. وإذا لم
13
تبق علة تدعو أصحاب الشعاع |I 104b13|إلى القول بالشعاع فقد بطل القول بالشعاع.
14
[59] وأيضًا فإن جميع أصحاب التعاليم القائلين بالشعاع إنما يستعملون
15
في مقاييسهم وبراهينهم خطوطًا متوهمة فقط ويسمونها خطوط الشعاع. وهذه
16
الخطوط هي التي بيّنا أن البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا من سموتها
17
فقط. فرأي من رأى أن خطوط الشعاع هي خطوط متوهمة هو رأي صحيح،
18
وقد بيّنا أنه ليس يتم الإبصار إلا بها. ورأي من رأى أنه يخرج من البصر شيء
19
غير الخطوط المتوهمة هو رأي مستحيل، وقد بينا استحالته بأنه ليس يشهد به
20
وجود ولا تدعو إليه علة ولا تقوم عليه حجة.
21
[60] فقد تبين من جميع ما بيناه أن البصر إنما يحس بالضوء واللون
22
اللذين في سطح المبصر من صورة الضوء واللون اللذين في سطح المبصر التي تمتد
23
من المبصر إلى البصر في الجسم المشف المتوسط بين البصر والمبصر، |I 105a|[ms Fatih 3212] وأن
24
البصر ليس يدرك شيئًا من الصور التي ترد إليه إلا من سموت الخطوط المستقيمة
25
التي تتوهم ممتدة بين المبصر وبين مركز البصر فقط التي هي أعمدة على جميع
160
1
سطوح طبقات البصر، وذلك ما أردنا أن نبين.
2
[61] وهذا هو كيفية الإبصار بالجملة. لأن البصر ليس يدرك من المبصر
3
بمجرد الحس إلا الضوء واللون اللذين في المبصر فقط، فأما باقي المعاني التي
4
يدركها البصر من المبصر كالشكل والوضع والعظم والحركة وما أشبه ذلك فليس
5
يدركها البصر بمجرد الحس وإنما يدركها بقياس وأمارات، ونحن نبين هذا المعنى
6
من بعد بيانًا مستقصىَّ في المقالة الثانية عند كلامنا في تفصيل المعاني التي يدركها
7
البصر. وهذا المعنى الذي بيناه، أعني كيفية الإبصار، موافق لرأي المحصلين
8
من أصحاب العلم الطبيعي وموافق للمتّفَق عليه من رأي أصحاب التعاليم.
9
وقد تبين منه أن القبيلين محقان وأن المذهبين صحيحان ومتفقان غير متناقضين،
10
إلا أنه ليس يتم أحدهما إلا بالآخر ولا يصح أن يتم الإِحساس بأحدهما دون
11
الآخر، |I 105b|[ms Fatih 3212] ولا يصح أن يكون الإبصار إلا بمجموع المعنيين.
12
[62] والخطوط التي وصفناها هي التي يسميها أصحاب التعاليم خطوط
13
الشعاع، وهي خطوط متوهمة فقط من سموتها فقط يدرك البصر صور
14
المبصرات. فالإحساس إنما هو من الصورة وهو من تأثير الصورة في البصر ومن
15
انفعال البصر بتأثيرها. والبصر متهيّيء للانفعال بهذه الصور، ومتهييء
16
للانفعال على وضع محسوس وهو وضع سموت الأعمدة التي تقوم على سطحه
17
فليس يحس بصور المبصرات إلا من سموت الأعمدة فقط، وإنما طبيعة البصر
18
متخصصة بهذه الخاصة لأنه ليس تتميز المبصرات وتترتب أجزاء كل واحد من
19
صور المبصرات عند البصر إلا إذا كان إحساسه بها من هذه السموت فقط.
20
فخطوط الشعاع هي خطوط متوهمة تتشكل بها كيفية الوضع الذي عليه ينفعل
21
البصر بالصورة.
22
[63] وقد تبين أن البصر إذا قابل المبصر فإنه يتشكل بين المبصر وبين
23
مركز البصر مخروط رأسه مركز البصر وقاعدته سطح المبصر، فيكون بين كل نقطة
24
من سطح المبصر وبين مركز البصر خط مستقيم |I 106a|[ms Fatih 3212] متوهم هو عمود على سطوح
25
طبقات البصر، ويكون المخروط مشتملًا على جميع هذه الخطوط، ويكون سطح
161
1
الجليدية قاطعًا لهذا المخروط لأن مركز البصر الذي هو رأس المخروط من وراء
2
سطح الجليدية. وإذا كان الهواء الذي بين البصر وذلك المبصر متصلًا فإن
3
الصورة تكون ممتدة من ذلك المبصر على سمت هذا المخروط في الهواء الذي يحوزه
4
هذا المخروط وفي طبقات البصر المشفة إلى الجزء من سطح الجليدية الذي ينفصل
5
بهذا المخروط، ويكون المخروط مشتملًا على جميع السموت التي بين البصر
6
والمبصر التي منها يدرك البصر صورة ذلك المبصر، وتكون الصورة مرتبة في هذا
7
المخروط كترتيبها في سطح المبصر، ويكون الجزء من سطح الجليدية الذي
8
ينفصل بهذا المخروط يشتمل على جميع صورة المبصر الذي عند قاعدة هذا
9
المخروط، وتكون الصورة مرتبة في هذا الجزء من سطح الجليدية بالخطوط
10
المستقيمة الممتدة بين المبصر ومركز البصر التي من سموتها يدرك البصر تلك
11
الصور كترتيب أجزاء سطح المبصر، لأن هذه الخطوط تقطع هذا الجزء من سطح
12
الجليدية ويقطعه كل واحد منها على |I 106b|[ms Fatih 3212] نقطة واحدة فقط.
13
[64] وقد تبين أن الإحساس إنما يكون بالجليدية. فإحساس البصر
14
بالضوء واللون اللذين في سطح البصر إنما يكون من الجزء من الجليدية الذي
15
يقدِّره المخروط المتشكل بين ذلك المبصر وبين مركز البصر. وقد تقدم أن هذه
16
الرطوبة فيها بعض الشفيف وفيها بعض الغِلظ، ولذلك تشبه بالجليد. فلأن
17
فيها بعض الشفيف فهي تقبل الصور فتنفذ الصور فيها بما فيها من الشفيف،
18
ولأن فيها بعض الغلظ فهي تدافع الصور وتمنعها من النفوذ بما فيها من الغلظ،
19
وتثبت الصور في سطحها وفي جسمها للغلظ الذي فيها. كذلك كل جسم
20
مشف فيه بعض الغلظ إذا أشرق عليه الضوء نفذ الضوء فيه بحسب ما فيه من
21
الشفيف وتثبت الصور في سطحه بحسب ما فيه من الغلظ كما تثبت في سطوح
22
الأجسام الكثيفة، ويثبت الضوء أيضًا في جميع الجسم إذا نفذ فيه للغلظ الذي فيه
23
فيظهر الضوء في سطحه وفي جميع الجسم بحسب ثبوته فيه.
24
[65] وأيضًا فإن الجليدية متهيئة لقبول هذه الصور وللإِحساس بها.
25
فالصور |I 107a|[ms Fatih 3212] تنفذ فيها للقوة القابلة الحساسة أيضًا التى هى فيها التى هى متهيئة
162
1
للإِحساس بها، وهي متهيئة لقبول هذه الصور من سموت خطوط الشعاع،
2
فالصور تنفذ في جسمها على استقامة خطوط الشعاع.
3
[66] فإذا حصلت الصورة في سطح الجليدية فهي تفعل فيها والجليدية
4
تنفعل بها، لأن من خاصة الضوء أن يفعل في البصر ومن خاصة البصر أن ينفعل
5
بالضوء. وهذا الفعل الذي يفعله الضوء في الجليدية ينفذ في جسم الجليدية على
6
استقامة خطوط الشعاع فقط. وإذا نفذ الضوء في جسم الجليدية فاللون ينفذ معه
7
لأن اللون ممتزج بالضوء. والجليدية تقبل هذا الفعل وهذا النفوذ من صور
8
الأضواء والألون لأنها متهيئة للانفعال بهذه الصور. ومن هذا الفعل وهذا
9
الانفعال يكون إحساس الجليدية بتأثير صورالمبصرات، ومن الصورة التي تحصل
10
في سطحها وتنفذ في جميع جسمها يكون إحساسها بالمؤثر، ومن ترتب أجزاء
11
الصورة في سطحها وفي جميع جسمها يكون إحساسها بترتيب أجزاء المؤثر.
12
[67] وهذا التأثير الذي يؤثره الضوء في الجليدية |I 107b|[ms Fatih 3212] هو من جنس
13
الألم. إلا أن من الآلام ما ينزعج له العضو المتألم وتقلق له النفس ومن الآلام ما
14
يكون محتملًا فلا ينزعج له العضو المتألم ولا تقلق له النفس لسهولته. وما كان
15
على هذه الصفة من الألم فليس يظهر للحس ولا يحكم المتألم به أنه ألم لسهولته
16
عليه. والذي يدل على أن تأثير الأضواء في البصر هو من جنس الألم هو أن
17
الأضواء القوية تزعج البصر وتؤلمه. ويظهر للحس تألم البصر بالضوء القوي
18
كضوء الشمس إذا حدّق الناظر إلى نفس جرم الشمس، وكضوء الشمس
19
المنعكس عن الأجسام الصقيلة إلى البصر، فإن هذه الأضواء تؤلم البصر وتزعجه
20
إزعاجًا شديدًا ويظهر تألم البصر بها. وتأثيرات جميع الأضواء في البصر من
21
جنس واحد، وإنما تختلف بالأشد والأضعف. وإذا كانت كلها من جنس
22
واحد، وكان تأثير القوي من الأضواء من جنس الألم، فجميع تأثيرات الأضواء
23
في البصر من جنس الألم وإنما تختلف بالأشد والأضعف، ولسهولة تأثير الأضواء
24
الضعيفة والمعتدلة في البصر يخفى عن الحس أنها آلام، |I 108a|[ms Fatih 3212] فإحساس الجليدية
25
بتأثيرات الأضواء هو إحساس من جنس الإحساس بالآلام. والجليدية متهيئة
163
1
للانفعال بالأضواء والألوان والإحساس بها تَهيُّؤًا في الغاية، فلذلك تحس
2
بجميع الأضواء وجميع الألوان وتحس بالضعيف الخفي من الأضواء الذي يبعد في
3
التخيل أنه يؤلم البصر ويؤثر فيه تأثيرًا من جنس الألم للُطف حسها وشدة تهيئها.
4
[68] ثم إن هذا الإِحساس الذي يقع عند الجليدية يمتد
5
في العصبة الجوفاء، ويتأدى إلى مقدم الدماغ، وهناك يكون آخر
6
الإحساس. والحاس الأخير الذي هو القوة النفسانية الحساسة تكون في مقدم
7
الدماع، وهذه القوة هي تدرك المحسوسات، والبصر إنما هو آلة من آلات هذه
8
القوة، وغاية البصر أن يقبل صور المبصرات التي تحصل فيه ويؤديها إلى الحاس
9
الأخير، والحاس الأخير هو الذي يدرك تلك الصور ويدرك منها المعاني المبصرة
10
التي تكون في المبصرات. والصورة التي تحصل في سطح الجليدية تمتد في سطح
11
الجليدية، ثم في الجسم اللطيف الذي في تجويف |I 108b|[ms Fatih 3212] العصبة إلى أن تنتهي إلى
12
العصبة المشتركة، وعند حصول الصورة في العصبة المشتركة يتم الإِبصار، ومن
13
الصورة التي تحصل في العصبة المشتركة يدرك الحارس الأخير صورة المبصر.
14
[69] والناظر إنما يدرك المبصرات ببصرين. وإذا كان الإبصار من
15
الصورة التي تحصل في البصر، وكان الناظر يدرك المبصرات ببصرين، حصلت
16
صور المبصرات في كل واحد من البصرين، فيحصل للمبصر الواحد في البصرين
17
صورتان. ومع ذلك فإن الناظر يدرك المبصر الواحد في أكثر الأحوال واحدًا،
18
وإنما كان ذلك كذلك لأن الصورتين اللتين تحصلان في البصرين للمبصر الواحد
19
في حال إدراكه واحدًا إذا انتهتا إلى العصبة المشتركة التقت الصورتان وانطبقت
20
إحديهما على الأخرى وصار منهما صورة واحدة، ومن الصورة التي تتحد من
21
الصورتين يدرك الحاس الأخير صورة ذلك المبصر.
22
[70] والذي يدل على أن الصورتين اللتين تحصلان في البصرين للمبصر
23
الواحد في حال إدراكه واحدًا تجتمعان وتصيران صورة واحدة من قبل أن
24
يدركها الحاس الأخير، وأن الحاس الأخير إنما يدرك صورة المبصر في حال إدراكه
25
|I 109a|[ms Fatih 3212] واحدًا من بعد اجتماع الصورتين، هو أن الناظر إذا اعتمد بيده على إحدى
164
1
عينيه فغمزها من جهة من الجهات غمزًا رفيقًا بلطف وتأييد حتى يتغير وضعها
2
الذي هي عليه فتميل إلى أسفل وإلى فوق وإلى إحدى الجهات وتكون العين
3
الأخرى ساكنة على حالها، ونظر في تلك الحال إلى مبصر من المبصرات التي في
4
الجهة المقابلة للجهة التي فيها كان الغمز، ونظر بالبصرين، فإنه يرى المبصر
5
الواحد اثنين، أعني أنه إن اعتمد على إحدى عينيه من أعلاها وغمزها إلى أسفل
6
ونظر إلى الجهة السفلى فإنه يرى المبصر الواحد اثنين، وكذلك إن اعتمد على
7
〈إحدى〉 عينيه من أسفلها وغمزها إلى فوق فنظر إلى الجهة العليا فإنه يرى
8
الواحد اثنين. وإذا أزال يده عن عينه ورجعت العين إلى وضعها الطبيعي، ثم
9
نظر إلى ذلك المبصر، وقابله بالبصرين جميعًا، فإنه يرى ذلك المبصر واحدًا،
10
ويجد ذلك كذلك إذا كان ينظر بالعينين جميعًا. فإن غمز إحدى عينيه وستر العين
11
الأخرى لم ير المبصر الواحد إلا واحدًا.
12
[71] فلو كان الحاس يدرك المبصر الواحد من أجل أنه واحد لقد كان
13
|I 109b|[ms Fatih 3212] يدركه أبدًا واحدًا على اختلاف أحوال البصرين. ولو كان لا يرد إليه
14
شيء من المبصر لكان لا يدرك المبصر. ولو كان يرد إليه أبدًا
15
للمبصر الواحد صورتان لكان أبدًا يدرك المبصر الواحد اثنين. وإذا كان الحاس
16
الأخير إنما يدرك المبصرات من الصور التي ترد إليه، وكان يدرك المبصر الواحد
17
في بعض الأحوال اثنين وفي بعض الأحوال واحدًا، دلّ ذلك على أن الذي يرد
18
إليه في حال إدراكه المبصر الواحد اثنين هو صورتان، وأن الذي يرد إليه في حال
19
إدراكه ذلك المبصر واحدًا هو صورة واحدة. فإذا كان في كلى الحالين يحصل
20
للمبصر الواحد في البصرين صورتان، وكان الذي يتأدى إلى الحاس الأخير في
21
بعض الأحوال هو صورتان وفي بعض الأحوال هو صورة واحدة، وكانت
22
الصور التي تتأدى إلى الحاس الأخير إنما تتأدى إليه من البصر، فإن الذي
23
يتأدى إلى الحاس الأخير من الصورتين اللتين تحصلان في البصرين للمبصر
24
الواحد في حال إدراكه واحدًا هو صورة واحدة.
25
[72] وليس تتأدى الصور إلى الحاس الأخير من أحد البصرين دون
165
1
الآخر مع سلامة البصرين |I 110a|[ms Fatih 3212] وإدراكِ ذلك المبصر بكل واحد من البصرين.
2
وإذا كان الذي يتأدى إلى الحاس من كل واحد من الصورتين اللتين تحصلان في
3
البصرين للمبصر الواحد في حال إدراك ذلك المبصر واحدًا هو صورة واحدة،
4
وكانت الصور تتأدى من البصرين جميعًا إلى الحاس الأخير، فالصورتان إذن
5
اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد عند إدراكه واحدًا تمتدان من
6
البصرين وتلتقيان قبل إدراك الحاس الأخير لهما، ومن بعد التقائهما
7
واتحادهما يدرك الحاس الأخير الصور المتحدة منهما. فالصورتان اللتان
8
تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه اثنين تمتدان من البصرين ولا
9
تلتقيان وتنتهيان إلى الحاس الأخير وهما صورتان. فالصورتان اللتان تحصلان
10
في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدًا تلتقيان قبل وصولهما إلى
11
الحاس الأخير، ومن بعد التقائهما يدرك الحاس الأخير من الصورة المتحدة منهما
12
صورة ذلك المبصر.
13
[73] وأيضًا فإن في إدراك المبصر الواحد في بعض الأحوال واحدًا وفي
14
بعض الأحوال اثنين دليلًا على أن الإبصار |I 110b|[ms Fatih 3212] ليس هو بالبصر فقط. لأنه لو كان
15
الإبصار بالبصر فقط لكان البصران عند إدراك المبصر الواحد واحدًا قد أدركا من
16
الصورتين اللتين تحصلان فيهما للمبصر الواحد صورة واحدة ولكانا أبدًا
17
يدركان من الصورتين اللتين تحصلان فيهما للمبصر الواحد صورة واحدة.
18
[74] وإذا كان المبصر الواحد يدرك في بعض الأحوال واحدًا وفي بعض
19
الأحوال اثنين، وفي كلى الحالين له في البصرين صورتان، دلّ ذلك على أن هناك
20
حاسًّا آخر غير البصر تحصل عنده للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدًا صورة
21
واحدة مع حصول صورتي ذلك المبصر في البصرين وتحصل عنده للمبصر
22
الواحد عند إدراكه اثنين صورتان، فإن الإِحساس إنما يتم بذلك الحاس لا
23
بالبصر فقط. ففي إدراك المبصر الواحد في بعض الأحوال واحدًا وفي بعض
24
الأحوال اثنين دليل على أن الصور التي تحصل في البصر تتأدى إلى الحاس
25
الأخير، وأن بالحاس الأخير يكون تمام الإِحساس لا بالبصرفقط، وفيه دليل على
166
1
أن الصورتين اللتين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدًا تلتقيان قبل إدراك
2
الحاس الأخير لهما.
3
[75] |I 111a|[ms Fatih 3212]وأيضًا فإن الإِحساس إنما يمتد من الأعضاء إلى الحاس الأخير في
4
الأعصاب المتصلة بين الأعضاء وبين الدماغ. وإذا كان قد تبين أن الصور تمتد
5
من البصر إلى الحاس الأخير الذي في مقدم الدماغ فالصور إذن تمتد من البصر في
6
العصبة الممتدة بين البصر وبين الدماغ إلى أن تصل إلى الحاس الأخير. وإذا كان
7
قد تبين أن الصورتين اللتين تحصلان للمبصر الواحد في البصرين في حال إدراك
8
المبصر واحدًا تمتدان إلى الحاس الأخير وتلتقيان قبل إدراك الحاس الأخير لهما،
9
وكان امتداد الصور إلى الحاس الأخير إنما هو في الأعصاب، فإن هاتين
10
الصورتين إذن تمتدان من البصرين في العصبتين الممتدتين من البصر وتلتقيان
11
في الموضع الذي تلتقي فيه العصبتان. وقد تقدم في هيئة البصر أن العصبتين
12
اللتين تمتدان من الدماغ إلى البصرين تلتقيان عند مقدم الدماغ وتصيران عصبة
13
واحدة، ثم تفترقان وتنتهيان إلى البصرين. وإذا كانت الصورتان تمتدان من
14
البصرين في العصبتين وتلتقيان عند التقاء العصبتين فالصورتان إذن اللتان
15
تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في |I 111b|[ms Fatih 3212] حال إدراكه واحدًا تمتدان من
16
البصرين وتنتهيان إلى العصبة المشتركة وتلتقيان في هذه العصبة وتصيران
17
صورة واحدة. وإذا كان هاتان الصورتان تنتهيان إلى العصبة المشتركة فجميع
18
الصور التي تحصل في البصر من صور المبصرات تنتهي إلى العصبة المشتركة.
19
[76] وما يدل دليلًا واضحًا على أن صور المبصرات تمتد في تجويف
20
العصبة وتنتهي إلى الحاس الأخير ومن بعد امتدادها في تجويف العصبة يتم
21
الإبصار هو أن هذه العصبة إذا حصل فيها سُدة بطل الإبصار، وإذا زالت السدة
22
عاد الإبصار ــ تشهد بذلك صناعة الطب.
23
[77] فأما لِمَ تلتقي الصورتان في حال إدراك المبصر الواحد واحدًا وليس
24
تلتقيان في حال إدراكه اثنين فلأن المبصر الواحد إذا أُدرك بالبصرين، وكان وضع
25
البصرين وضعهما الطبيعي، كان وضع البصرين من المبصر الواحد وضعًا
167
1
متشابهًا، فتحصل صورة المبصر الواحد في موضعين متشابهي الوضع من
2
البصرين. وإذا مُيَّل وضع البصرين اختلف وضع البصرين من ذلك المبصر،
3
فتحصل صورتا ذلك المبصر |I 112a|[ms Fatih 3212] في موضعين من البصرين مختلفي الوضع من
4
البصرين. وقد تقدم في هيئة البصر أن العصبة المشتركة وضعها من البصرين
5
وضع متشابه. وإذا كان وضع العصبة المشتركة من البصرين وضعًا متشابهًا كان
6
وضع الموضعين المتشابهي الوضع من البصرين من موضع واحد بعينه من العصبة
7
المشتركة وضعًا متشابهًا. فإذا امتدت الصورتان من الموضعين المتشابهي الوضع
8
انتهتا إلى ذلك الموضع الواحد بعينه من العصبة المشتركة الذي وضعه من ذينك
9
الموضعين وضع متشابه، فتنطبق الصورتان إحديهما على الأخرى وتصيران
10
صورة واحدة.
11
[78] والموضعان المختلفا الوضع من البصرين ليس يكون وضعهما من
12
موضع واحد بعينه من العصبة المشتركة وضعًا متشابها. فإذا امتدت الصورتان
13
من الموضعين المختلفي الوضع وانتهتا إلى العصبة المشتركة فإنهما تنتهيان إلى
14
موضعين من هذه العصبة لا إلى موضع واحد، فتحصلان قي هذه العصبة
15
صورتين، وكذلك يدرَك المبصر الواحد الذي على هذه الصفة اثنين.
16
[79] |I 112b|[ms Fatih 3212] وإنما التقت العصبتان اللتان تنشؤان من مقدم الدماغ اللتان هما
17
مبدأ البصرين وفي الموضع الذي وضْعه من البصرين وضع متشابه، وصار
18
تجويفهما تجويفًا واحدًا، لتجتمع الصورتان اللتان تحصلان في البصرين للمبصر
19
الواحد عند هذه العصبة وتصيران صورة واحدة، فيدرك الحاس الأخير المبصر
20
الواحد واحدًا. فجميع الصور التي تحصل في البصرين من صور المبصرات تمتد
21
من البصرين في العصبتين الجوفاوين وتنتهي إلى تجويف العصبة المشتركة،
22
والصورتان اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدًا
23
تلتقيان في تجويف هذه العصبة وتحصلان صورة واحدة، ومن الصور التي تحصل
24
في هذه العصبة يدرك الحاس الأخير صور المبصرات.
25
[80] وقد يمكن أن يقال إن الصور التي تحصل في البصر ليس تنتهي إلى
168
1
العصبة المشتركة لكن الإِحساس الذي عند البصر يمتد من البصر إلى العصبة
2
المشتركة كما يمتد الإِحساس بالآلام والإِحساس بالملموسات، وعند وصول
3
الإٍحساس إلى العصبة المشتركة يدرك الحاس الأخير ذلك المحسوس، وأن
4
|I 113a|[ms Fatih 3212] الإحساس الذي يكون للمبصرالواحد في البصرين في حال إدراكه واحدًا
5
ينتهي إلى موضع واحد من العصبة المشتركة، فيصير الإِحساسان في موضع واحد
6
من العصبة المشتركة، فلذلك يحس الحاس الأخير بالمبصر الواحد واحدًا،
7
فيكون الذي يصل إلى العصبة المشتركة هو الإِحساس لا الصور.
8
[81]|I 113a8|فنقول إن الإحساس الذي يحصل في البصر ينتهي إلى العصبة
9
المشتركة لا محالة، ولكن الإحساس الذي يحصل في البصر ليس هو إحساسَ أَلَمٍ
10
فقط بل هو إحساسٌ بتأثيرٍ هو من جنس الألم وإحساسٌ بإضاءةٍ وإحساسٌ بلونٍ
11
وإحساسٌ بترتيب أجزاء المبصر. والإحساس باختلاف الألوان وبترتيب أجزاء
12
المبصر ليس هو من جنس الألم ــ وسنبين من بعد كيف يكون إحساس البصر
13
بكل واحد من هذه المعاني ــ والإِحساس بصورة المبصرعلى ما هي عليه ليس يكون
14
إلا من الإِحساس بجميع المعاني التي في الصورة. وإذا كان الإِحساس الذي
15
يقع عند البصر ينتهي إلى العصبة المشتركة، ومن الإِحساس الذي يحصل
16
|I 113b|[ms Fatih 3212] عند العصبة المشتركة تدرك القوة الحساسة صور المبصر فالإحساس إذن الذي
17
يحصل في العصبة المشتركة هو إحساس بالضوء واللون والترتيب. فالشيء الذي
18
يتأدى من البصر إلى العصبة المشتركة على تصاريف الأحوال الذي منه يدرك
19
الحاس الأخير صورة المبصر هو شيء يدرك منه الحاس الأخير الضوء الذي في
20
المبصر واللون الذي فيه وترتيب أجزائه. والشيء الذي يدرك منه الحاس الأخير
21
الضوء واللون والترتيب هو صورة ما. فصورة المبصر التي تحصل في البصر يتأدى
22
منها إلى العصبة المشتركة على تصاريف الأحوال صورة ما مترتبة، ومن الصورة
23
المترتبة التي تحصل في هذه العصبة يدرك الحاس الأخير صورة المبصر على ما هي
24
عليه. فالإحساس بالتأثير الذي يحصل في سطح الجليدية يصل إلى العصبة
25
المشتركة، وصورة الضوء واللون التي تحصل في سطح الجليدية تصل أيضًا إلى
169
1
العصبة المشتركة وتصل مرتبة كترتيبها في سطح الجليدية.
2
[82] فقد تبين من جميع ما ذكرناه أن الإبصار إنما يكون من الصور التي
3
ترِد من المبصرات إلى البصر، وأن هذه |I 114a|[ms Fatih 3212] الصور تحصل في سطح الرطوبة
4
الجليدية، وتنفذ في جسم الجليدية وتحس بها الجليدية عند نفوذها فيها، وأن
5
الجليدية إنما تحس بهذه الصورة من سموت خطوط الشعاع فقط، وأن الصورة
6
التي تحس بها الجليدية تمتد في الجسم الحاس الممتد في تجويف العصبة وتنتهي إلى
7
تجويف العصبة المشتركة، وأن جميع صور المبصرات التي يدركها البصر تنتهي إلى
8
العصبة المشتركة، وأن الإبصار إنما يتم بإدراك الحاس الأخير لصور المبصرات،
9
وأن الحاس الأخير إنما يدرك صور المبصرات من الصورة التي تحصل في العصبة
10
المشتركة، وأن الصورتين اللتين تحصلان في البصر للمبصر الواحد في موضعين
11
متشابهين من البصرين تلتقيان في العصبة المشتركة وتصيران صورة واحدة، ومن
12
الصورة الواحدة التي تحصل في هذه العصبة يدرك الحاس الأخير صورة المبصر.
13
وهذا هو مشروح كيفية الإبصار وترتيبه.
14
[83]|I 114a14|وقد بقي أن يقال إذا كانت صور الألوان والأضواء تمتد في الهواء
15
وفي الأجسام المشفة |I 114b|[ms Fatih 3212] وتصل إلى البصر، وكان الهواء والأجسام المشفة تقبل
16
جميع الألوان والأضواء، وكانت جميع الألوان التي تحضر في وقت واحد تمتد صور
17
جميعها في الوقت الواحد في هواء واحد وتصل إلى بصر واحد وينفذ أيضًا جميعها
18
في شفيف طبقات البصر، فيلزم من ذلك أن تمتزج هذه الألوان والأضواء في
19
الهواء وفي الأجسام المشفة وتصل إلى البصر ممتزجة وتؤثر في جسم البصر وهي
20
ممتزجة، فلا تتميز للبصر ألوان المبصرات ولا تتميز له المبصرات. وإذا كان ذلك
21
كذلك فليس إحساس البصر بالمبصرات من هذه الصور.
22
[84] فنقول إن الهواء والأجسام المشفة ليس تنصبغ بالألوان والأضواء
23
ولا تتغير بها تغيرًا ثابتًا، وإنما خاصة الأضواء والألوان أن تمتد صورها على
24
سموت مستقيمة. ومن خاصة الجسم المشف أن لا يمنع نفوذ صور الأضواء
25
والألوان في شفيفه، فهو إنما يقبل هذه الصور قبول تأدية لا قبول استحالة. وقد
170
1
تبين أن صور الأضواء والألوان ليس تمتد في الهواء والأجسام المشفة إلا على
2
سموت الخطوط المستقيمة فقط. وإذا كانت صور الأضواء والألوان |I 115a|[ms Fatih 3212] ليس تمتد
3
إلا على السموت المستقيمة فكل جسم من الأجسام المتلونة المضيئة التي تحضر معًا
4
في هواء واحد تمتد صورة الضوء واللون اللذين فيه على سموت الخطوط
5
المستقيمة التي تمتد منه في ذلك الهواء، وتكون السموت التي تمتد عليها الصور
6
المختلفة متقاطعة ومتوازية ومختلفة الوضع، كل سمت منها متميز بالجسم الذي
7
منه امتدت الصورة على ذلك السمت. وإذا كان الهواء والأجسام المشفة
8
ليس تنصبغ بالألوان ولا بالأضواء ولا تتأثر بها تأثرًا ثابتًا وإنما تنفذ الصور فيها فقط
9
فالصور التي تمتد من الأجسام المختلفة في هواء واحد تمتد كل صورة منها على
10
سموتها وتنفذ إلى الجهات المقابلة لها من غير أن تمتزج بغيرها.
11
[85] والذي يدل على أن الأضواء والألوان ليس تمتزج في الهواء ولا في
12
الأجسام المشفة هو أنه إذا كانت في موضع واحد عدةُ سُرُج في أمكنة متفرقة،
13
وكانت جميعها مقابلة لثقب واحد، وكان ذلك الثقب ينفذ إلى مكان مظلم،
14
وكان مقابل ذلك الثقب في المكان المظلم جدار أو قوبل الثقب بجسم كثيف،
15
فإن أضواء تلك |I 115b|[ms Fatih 3212] السرج تظهر على ذلك الجسم أو ذلك الجدار متفرقة وبعدد
16
تلك السرج وكل واحد منها مقابلًا لواحد من السرج على السمت المستقيم الذي
17
يمر بالثقب. وإذا سُتر واحد من السرج بطل من الأضواء التي في الموضع المظلم
18
الضوءُ الذي كان يقابل ذلك السراج فقط، وإن رُفع الساتر عن السراج عاد ذلك
19
الضوء إلى مكانه. وأيّ سراج من تلك السرج سُتر بطل من الموضع الضوء الذي
20
كان يقابل ذلك السراج الذي ستر فقط، وإذا رفع الساتر عاد الضوء إلى
21
موضعه.
22
[86]|I 115b22|وهذا المعنى يمكن أن يُعتبر في كل وقت وبسهولة. وذلك بأن
23
يعتمد المعتبر بيتًا من البيوت في ليل مظلم ويكون على البيت باب من مصراعين،
24
ويُحضر عدة من السرج ويجعلها مقابلة للباب ومتفرقة. ويدخل المعتبر إلى داخل
25
البيت ويرد الباب ويفرج بين المصراعين ويفتح منهما مقدارًا يسيرًا، ثم يتأمل
171
1
حائط البيت المقابل للباب: فإنه يجد عليه أضواءً متفرقة بعدد تلك السرج قد
2
دخلت من فرجة الباب كل واحد منها مقابل لسراج من تلك السرج. ثم إن
3
تقدم المعتبر بأن يستر واحدًا من تلك السرج بطل الضوء المقابل |I 116a|[ms Fatih 3212] لذلك
4
السراج، وإذا رفع الساتر عاد الضوء. وإن ستر المعتبر الفرجة التي انفرجت من
5
الباب وبقي منها ثقب صغير فقط، وكان الثقب مقابلًا للسرج، فإنه يجد على
6
حائط البيت أضواءً متفرقة أيضًا بعدد تلك السرج وكل واحد منها بحسب مقدار
7
الثقب.
8
[87] وجميع الأضواء التي تظهر في المكان المظلم إنما وصلت إليه من الثقب
9
فقط، فقد اجتمعت أضواء جميع تلك السرج في الثقب ثم افترقت بعد نفوذها من
10
الثقب. فلو كانت الأضواء تمتزج في الهواء لكانت أضواء السرج التي تجتمع في
11
الثقب تمتزج في الهواء الذي في الثقب وفي الهواء المتقدم للثقب قبل وصولها إلى
12
الثقب، وكانت إذا نفذت من الثقب تنفذ ممتزجة فلا تتميز بعد نفوذها. وليس
13
نجد الأمر كذلك، وإنما يوجد نفوذها متميزة، فكل واحد منها مقابل للسراج
14
الذي منه ورد ذلك الضوء. وإذا كان ذلك كذلك فالأضواء إذن ليس تمتزج في
15
الهواء، بل كل واحد منها يمتد على سموت مستقيمة، ويتميز بالسموت التي يمتد
16
عليها، وتكون السموت التي تمتد عليها الأضواء |I 116b|[ms Fatih 3212] المتفرقة متقاطعة ومتوازية
17
ومختلفة الوضع كل واحد من الأضواء تمتد صورته على جميع
18
السموت التي يصح أن تمتد منه في ذلك الهواء، ومع ذلك فلا تمتزج في
19
الهواء ولا ينصبغ الهواء بها وإنما تنفذ في شفيفه فقط والهواء مع ذلك حافظ
20
لصورته.
21
[88] وقد تبين أن صور الألوان تصحب أبدًا الأضواء ويوجدان أبدًا
22
معًا. فصور الألوأن أيضًا تمتد في الهواء على السموت المستقيمة التي تمتد عليها
23
الأضواء، والألوان المتفرقة تمتد صورها على سموت متقاطعة ومتوازية ومختلفة
24
الوضع كما تمتد صور الأضواء المتفرقة، وتكون مصاحبة للأضواء، ولا تمتزج
25
صور الألوان ولا ينصبغ الهواء بها بل تكون كل صورة من صور الألوان المختلفة
172
1
المتفرقة متميزة بسموتها.
2
[89] وكذلك حال جميع الأجسام المشفة تمتد صور الأضواء والألوان فيها
3
ولا تمتزج، ولا تنصبغ الأجسام المشفة بها، وكذلك طبقات البصر المشفة تنفذ
4
فيها صور جميع الألوان والأضواء التي تقابل البصر في وقت واحد، ولاتمتزج
5
الصور فيها ولا تنصبغ هي بها.
6
[90] فأما العضو الحاس الذي هو |I 117a|[ms Fatih 3212] الرطوبة الجليدية فليس قبوله
7
لصور الألوان والأضواء كقبول الهواء والأجسام المشفة الغير حساسة بل على
8
صفة مخالفة للصفة التي عليها تقبل الأجسام المشفة هذه الصور. وذلك أن هذا
9
العضو متهيّيء للإحساس بهذه الصور، فهو يقبلها بما هو حساس مع قبوله لها بما
10
هو مشف. وقد تبين أن انفعاله بهذه الصور هو من جنس الألم، وكيفية قبوله
11
لهذه الصور مخالفة لكيفية قبول الأجسام المشفة الغيرحساسة، إلا أن هذا العضو
12
مع قبوله لهذه الصور بما هو حساس ومع تأثيرها فيه وتألمه بها ليس ينصبغ بهذه
13
الصور انصباغًا ثابتًا ولا تبقى صور الألوان والأضواء فيه بعد انصرافه عن مقابلتها
14
وانصرافها عن مقابلته.
15
[91] وقد يمكن أن يعارَض هذا القول أيضًا، أعني أن البصر ليس
16
ينصبغ بالألوان والأضواء، فيقال: قد تقدم أن الأضواء القوية والألوان المشرقة
17
التي تشرق عليها أضواء قوية تؤثر في البصر وتبقى آثارها في البصر بعد انصرافه
18
عن مقابلتها، وتبقى صور الألوان في |I 117b|[ms Fatih 3212] البصر زمانًا محسوسًا. ونجد البصر
19
كلما يدركه من المبصرات في عقيب هذا التأثير ملتبسًا بالألوان التي أثرت فيه.
20
وهذا المعنى ظاهر لا يقع فيه لبس. وإذا كان ذلك كذلك فالبصر إذن ينصبغ
21
بالألوان والأضواء. ويلزم أيضًا من ذلك أن تكون الأجسام المشفة الرطبة تنصبغ
22
بالألوان والأضواء.
23
[92] فنقول إن هذا المعنى بعينه هو الذي يدل على أن البصر ليس ينصبغ
24
بالألوان والأضواء ولا تبقى آثار الأضواء والألوان فيه. وذلك أن هذه الآثار التي
25
ذكرناها إنما تكون بالإفراط ومن الأضواء المفرطة والألوان التي تشرق عليها أضواء
173
1
في غاية القوة. وهو ظاهر أن هذه الآثار ليس تبقى في البصر بعد انصرافه عن
2
مقابلة مؤثراتها إلا زمانًا يسيرًا ثم تزول. وهو ظاهر أيضًا أن الأضواء المعتدلة
3
والضعيفة وآثار الألوان التي أضواؤها معتدلة وضعيفة ليس تبقى في البصر بعد
4
انصرافه عن مقابلتها ولا يسيرًا من الزمان. فالعضو الحاس إذن الذي هو الجليدية
5
يتأثر بالأضواء والألوان بقدر ما يحس من |I 118a|[ms Fatih 3212] الأثر بالمؤثر. ثم يزول منه ذلك
6
الأثر بعد انصرافه عن مقابلة المؤثر. فتأثره بالألوان والأضواء هو انصباغ ما
7
ولكنه انصباغ غير ثابت.
8
[93] وأيضًا فإن البصر متهيّيء للتأثر بالأضواء والألوان والإِحساس
9
بها، فهو يتأثر بها، ومع ذلك ليس تبقى فيه الآثار. والهواء والأجسام المشفة
10
الخارجة عن البصر والطبقات المشفة المتقدمة للجليدية من طبقات البصر ليست
11
متهيئة للتأثر بالأضواء والألوان والإِحساس بها، وإنما هي متهيئة لتأدية الأضواء
12
والألوان فقط. فالهواء والأجسام المشفة تؤدي صور الأضواء والألوان ولا تنصبغ
13
بها ولا تتأثر، بل تكون أبدًا حافظة لصورتها، ومع ذلك تؤدي الصور التي
14
تشرق عليها، وكذلك جميع الأجسام المشفة وجميع طبقات البصر المشفة المتقدمة
15
للجليدية.
16
[94] فقد تبين مما ذكرناه أن البصر ليس ينصبغ بالألوان وصور الأضواء
17
انصباغًا ثابتًا ولا تبقي آثارها فيه بل تؤثر فيه آثارًا غير باقية، وأن الهواء والأجسام
18
المشفة والطبقات المتقدمة للجليدية من طبقات البصر ليس تنصبغ |I 118b|[ms Fatih 3212] بالألوان ولا
19
بصور الأضواء ولا تتأثر بها، وإنما تؤدي هذه الصور فقط. وقد تبين أن صور
20
الأضواء والألوان ليس تمتزج في الهواء والأجسام المشفة ولا تختلط بل تكون كل
21
صورة منها متميزة بسموتها. فصور جميع الأضواء والألوان التي تحضر في وقت
22
واحد تمتد في الهواء المتصل بها وفي جميع الأجسام المشفة المقابلة لها على جميع
23
السموت المستقيمة التي يصح أن تُتوهَّم ممتدة من تلك الأضواء والألوان في ذلك
24
الهواء وفي تلك الأجسام المشفة، وكل واحدة منها متميزة بالسموت التي تمتد
25
عليها وغير ممتزجة ولا مختلطة، وتكون هذه الصور أبدًا في الهواء وفي جميع ما
174
1
يتصل بها ويقابلها من الأجسام المشفة، ولكونها في جميع الهواء يدرك المبصرَ
2
الواحد في الوقت الواحد جماعةٌ من الأبصار من المواضع المختلفة من الهواء ــ كل
3
واحد من الأبصار يدركه من الجزء من الهواء الذي يحوزه المخروط المتشكل بين
4
ذلك المبصر وبين مركز ذلك البصر، ولكون هذه الصورة أبدًا في الهواء يدرك
5
البصر كلما فتح أجفانه كلما قابله في الوقت الواحد من المبصرات، |I 119a|[ms Fatih 3212] وكلما
6
اجتاز في موضع من المواضع أدرك كلما في ذلك الموضع من المبصرات المقابلة له.
7
[95] فأما لِمَ ليس تظهر صور جميع الألوان على جميع الأجسام المقابلة لها
8
ويظهر بعضها وليس يظهر البعض إلا إذا كان اللون قويًا، وكان الضوء الذي في
9
اللون قويًا، وكان الضوء الذي في الجسم الذي تظهر عليه صورة اللون ضعيفًا،
10
وكان لون ذلك الجسم مسفرًا، مع امتداد جميع هذه الصور في الهواء وإشراقِها
11
أبدًا على الجهات المقابلة لها، فإن ذلك لشيء يرجع إلى البصر لا أن هذه الصور
12
ليس تشرق على الأجسام المقابلة لها، بل كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان
13
فإن صورة ضوئه ولونه تشرقان أبدًا على جميع الأجسام المقابلة له التي ليست
14
أبعادها متفاوتة. أما الأضواء فأمرها ظاهر، لأنه إذا اعتُبر كل جسم مضيء بأي
15
ضوء كان بعد أن يكون الضوء الذي فيه ليس في غاية الضعف، واعتبر على
16
الوجوه التي قدمناها بأن يقابل به مكان مظلم، ويحصل في المكان المظلم جسم
17
أبيض، |I 119b|[ms Fatih 3212] ويكون المنفذ الذي بين المكان المظلم وبين الجسم المضي ء من ثقب
18
أو من موضع ضيق، فإن الضوء يظهر على ذلك الجسم. وأما الألوان فإنه ليس
19
يظهر منها إلا ما كان على صفة مخصوصة، وليس يظهر ما كان على خلاف
20
الصفة. وذلك أنه قد تبين بالاستقراء أن صور الألوان تكون أبدًا أضعف من
21
الألوان أنفسها، وكلما بعدت الصور عن مبدئها ازدادت ضعفًا. وكذلك
22
صور الأضواء تكون أضعف من الأضواء أنفسها، وكلما بعدت ازدادت
23
ضعفًا.
24
[96] وقد تبين أيضًا بالاستقراء أن الألوان القوية إذا كانت في مواضعَ
25
مظلمة، وكانت الأضواء التي عليها يسيرة جدًا، فإن تلك الألوان تظهر مظلمة
175
1
ولا تتميز للبصر. وإذا كانت في مواضع مضيئة وكانت الأضواء التي عليها قوية
2
ظهرت الألوان وتميزت للبصر. وكذلك الأجسام المشفة المتلونة إذا أشرق عليها
3
الضوء فإنه إذا كان الضوء قويًا ظهرت ألوانها من ورائها على الأجسام المقابلة لها،
4
وإذا كان ذلك الضوء ضعيفًا ظهر |I 120a|[ms Fatih 3212] من ورائها الظلال فقط، ولم تظهر
5
الألوان، ولم تتميز كما لم تتميز للبصر الألوان في المواضع المغدرة الضعيفة
6
الضوء.
7
[97] وقد تبين أيضًا بالاستقراء أن صور الألوان التي تظهر على الأجسام
8
المقابلة لها إذا أشرق عليها ضوء قوي خفيت عن البصر، وإنما تظهر إذا كان
9
الضوء الذي عليها ضعيفًا.
10
[98] وقد تبين أيضًا أن الأضواء القوية إذا وصلت إلى البصر عاقته
11
عن إدراك المبصرات الخفية التي تقابله في تلك الحال.
12
[99] وقد تبين أن البصر إنما يدرك اللون من الصورة التي ترد إليه من
13
ذلك اللون، وأن إدراكه يكون على سموت مخصوصة. فإذا نظر الناظر إلى
14
الجسم من الأجسام الكثيفة التي قد أشرق عليها صورة لون من الألوان فإنه إنما
15
يدرك تلك الصورة من صورة ثانية ترد إليه من تلك الصورة، وتكون هذه
16
الصورة الثانية أضعف من الصورة الأولى التي على ذلك الجسم. والصورة
17
الأولى أضعف من اللون نفسه. فالصورة الثانية التي ترد إلى البصر من الصورة
18
الأولى تكون أضعف |I 120b|[ms Fatih 3212] من اللون نفسه بكثير. وليس يدرك البصر الجسم
19
الكثيف الذي تظهر عليه الصورة إلا إذا كان فيه ضوء ما ــ إما الضوء الذي يرد مع
20
صورة اللون المشرقة عليه أو ذلك الضوء وغيره من الأضواء. فالصورة الثانية
21
التي ترد إلى البصر من صورة اللون الأولى ترد إليه مع صورة الضوء الذي في
22
ذلك الجسم الكثيف. وذلك الجسم الكثيف الذي عليه الصورة هو مع ذلك
23
مضيء يدرك البصر لونه أيضًا في تلك الحال. فصورة لونه أيضًا ترد إلى البصر مع
24
الصورة الثانية التي ترد إليه من صورة اللون الذي عليه. وصورة لون هذا
25
الجسم التي ترد إلى البصر في تلك الحال هي صورة أولى، والبصر إنما يدرك ما
176
1
يدركه من سمت مخصوص، والسمت المخصوص الذي بينه وبين الجسم
2
الكثيف الذي منه يدرك صورة لون ذلك الجسم الكثيف منه بعينه يدرك
3
الصورة الثانية التي ترد من صورة اللون المشرق على ذلك الجسم الكثيف ــ لأن
4
تلك الصورة هي في سطح ذلك الجسم، فالبصر يدركها من السموت |I 121a|[ms Fatih 3212] التي
5
بينه وبين ذلك السطح. وهو يدرك لون ذلك الجسم من السموت التي بينه وبين
6
ذلك السطح بعينها، وكذلك الضوء الذي في ذلك الجسم يدركه البصر من تلك
7
السموت بعينها. فالصور الثلثة التي ترد إلى البصر من ذلك الجسم يدركها البصر
8
من سمت واحد بعينه.
9
[100] وإذا كانت الصورالثلثة يدركها البصر من سمت واحد بعينه فهو
10
يدركها ممتزجة. والصورة الثانية التي ترد إلى البصر من صورة اللون التي على
11
الجسم المقابل له يدركها البصر ممتزجة بصورة لون ذلك الجسم وصورة
12
ضوئه. فهو يدرك من مجموع اللونين صورة غير صورة كل واحد منهما. فإن
13
كان الجسم الكثيف الذي عليه الصورة ذا لون قوي كانت صورته التي ترد إلى
14
البصر قوية، وهي صورة أولى، وهي صورة ممتزجة بالصورة الثانية التي ترد
15
إليه من صورة اللون المشرق على ذلك الجسم، وهذه الصورة ضعيفة، فليس
16
تظهر هذه الصورة للبصر لأنه إذا مازج لون ضعيفٌ للون قوي استظهر اللون
17
القوي على الضعيف وخفي اللون الضعيف عن الحس ــ كذلك توجد أبدًا
18
|I 121b|[ms Fatih 3212] الألوان والأصباغ إذا امتزج بعضها ببعض. فالأجسام المتلونة القوية الألوان
19
ليس تظهر صور الألوان المشرقة عليها لامتزاج هذه الصور بألوانها عند البصر
20
واستظهار ألوانها على ألوان الصور المشرقة عليها. وإن كان الجسم الذي عليه
21
الصورة أبيض أو مسفر اللون، وكان الضوء الذي عليه قويًا، فالصورة التي
22
تشرق عليه تخفى لقوة الضوء الذي عليها ــ كما تبين ذلك بالاستقراء ــ مع كونها
23
على ذلك الجسم. وإنما تخفى صورة اللون إذا كان الضوء الذي عليها قويًا، لأن
24
صورتها الثانية ترد إلى البصر مع صورة الضوء القوي ومع بياض الجسم الذي هي
25
عليه.
177
1
[101] وقد تبين أن الضوء القوي إذا وصل إلى البصر فإنه يعوق البصر عن
2
إدراك الصور الضعيفة. فإذا وصل إلى البصر ضوء قوي مع بياض الجسم الذي
3
هو عليه فإنه يعوقه عن إدراك الصورة الثانية الضعيفة التي ترد إليه معها. وإذا
4
كان الجسم الذي عليه صورة اللون أبيض، وكان الضوء الذي عليه ضعيفًا،
5
وكانت صورة اللون التي عليه أيضًا ضعيفة وكانت الصورة في غاية الضعف،
6
فإن صورة الضوء |I 122a|[ms Fatih 3212] الذي في ذلك الجسم وإن كانت ضعيفة مع بياض ذلك
7
الجسم ربما كانت مستظهرة على صورة اللون التي في غاية الضعف، فإذا وصلا
8
إلى البصر لم تتميز تلك الصورة للبصر. وإن كان الجسم الذي عليه الصورة
9
أبيض، وكان اللون الذي تشرق صورته عليه أسود أو مظلمًا، فإنما تكسف
10
تلك الصورةُ بياض ذلك الجسم فقط وتُنقص منه وتكون كالظل، ويدرك
11
البصر من ذلك الجسم بياضًا ليس في الغاية كما يدرك الجسم الأبيض في الظل،
12
فلا تتمز له الصورة.
13
[102] وجميع ذلك كذلك إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون قويًا
14
وكانت الصورة التي تشرق منه على الجسم المقابل له مسفرة. فأما إذا كان الضوء
15
الذي في الجسم المتلون ضعيفًا فإن الصورة التي تكون منه على الجسم المقابل له
16
تكون مظلمة، فتكون عند البصر كالألوان التي يدركها في المواضع المظلمة التي
17
الضوء فيها ضعيف جدًا، وكألوان الأجسام المشفة التي تشرق عليها أضواء
18
ضعيفة فتظهر أظلال تلك الأجسام من ورائها ولا تظهر |I 122b|[ms Fatih 3212] صور ألوان تلك
19
الأجسام في تلك الأظلال. فصور الألوان التي في الأجسام المتلونة إذا كانت
20
الأضواء التي عليها ضعيفة إذا أشرقت على الأجسام المقابلة إنما تكون أظلالًا فقط
21
بالإِضافة إلى إحساس البصر فلا تتميز ألوانها عند البصر. فإن كان الجسم المقابل
22
للون الذي بهذه الصفة في مكان مظلم فليس يظهر عليه شيء لظلمته وظلمةِ
23
الصورة التي ترد عليه. وإن كان الجسم المقابل لهذا اللون في مكان مضيء،
24
وكان عليه ضوء من غير تلك الصورة، وكان هذا الجسم متلونًا، فإن لونه
25
يستظهر على تلك الصورة، ويظهر للبصر لون هذا الجسم ولا تظهر الصورة،
178
1
بل تُنقص الصورة من لونه فقط لأنها كالظل ولا يتميز للبصر هذا النقصان.
2
وإن كان هذا الجسم الذي عليه الصورة أبيض، وكان مع ذلك مضيئًا بضوء غير
3
ضوء الصورة، فإن الصورة تكسف بياض هذا الجسم وضوءَه فقط لظلمتها،
4
كما تفعل الأظلال في الأجسام البيض، ولا تتميز الصورة للبصر.
5
[103] فإن كان الضوء الذي في الجسم المتلون قويًا، وكان الجسم
6
|I 123a|[ms Fatih 3212] الذي تشرق عليه الصورة أبيض، وكان الضوء الذي على هذا الجسم ضعيفًا،
7
وكانت صورة اللون المشرقة عليه قوية بالإضافة إلى الضوء الذي عليه مع
8
بياضه، وكانت الصورة من لون مشرق قوي، وكانت الصورة الثانية التي ترد
9
إلى البصر من هذه الصورة قوية ومستظهرة على صورة الجسم الذي هي عليه وعلى
10
الضوء الذي فيه، فإن البصر يدرك حينئذ هذه الصورة وتظهر له. والصور التي
11
بهذه الصفة فقط هي التي يدركها البصر على الأجسام المقابلة للألوان.
12
[104] فالبصر إذن إنما يدرك صورة اللون على الجسم المقابل للّون إذا
13
كانت الصورة الثانية التي ترد إليه من صورة اللون أقوى وأظهر من الصورة
14
الأولى التي ترد إليه معها من الضوء واللون اللذين في الجسم الذي عليه
15
الصورة. وهذه الصفة قليلة، فلذلك يقل ما يظهر من هذه الصور، ولا يظهر
16
منها إلا ما كان من الألوان القوية المشرقة، وإذا كانت الأضواء التي عليها قوية،
17
وما كان من هذه الصور على الأجسام النقية البياض والمسفرة الألوان، |I 123b|[ms Fatih 3212] وإذا
18
كانت الأضواء التي على هذه الأجسام ضعيفة بالإضافة إلى تلك الصور. ولا
19
يظهر ما كان بخلاف هذه الصفة. والأكثر من صور المبصرات بخلاف هذه
20
الصفة.
21
[105] وكذلك الأضواء الضعيفة التي ليس يظهر ضوؤها على
22
الأجسام المقابلة لها إنما ليس يظهر لأن الجسم المقابل للضوء الضعيف إذا كان
23
مضيئًا بضوء غير ذلك الضوء امتزج الضوءان فلم يتميز الضوء الضعيف
24
للبصر. وإذا كان الجسم المقابل للضوء الضعيف مظلمًا فليس تظهر صورة اللون
25
الضعيف عليه لأن صورة الضوء الضعيف تكون ضعيفة وأضعف من الضوء
179
1
نفسه، والصورة الثانية التي ترد إلى البصر من هذه الصورة التي منها يجب أن
2
يدرك البصر هذه الصورة على الجسم المقابل للضوء تكون أضعف من هذه
3
الصورة. فإذا كان الضوء ضعيفًا، وكان الجسم المقابل له مظلمًا، كانت
4
الصورة التي على الجسم المقابل له ضعيفة جدًا، وكانت الصورة الثانية التي ترد
5
منها إلى البصر في غاية الضعف. والبصر ليس يدرك الأضواء التي في غاية
6
الضعف، ولا في قوة الحس |I 124a|[ms Fatih 3212] أن يدرك ما كان في غاية اللطافة والضعف.
7
فلذلك ليس يدرك البصر صور الأضواء الضعيفة على الأجسام المقابلة لها،
8
ويدرك مع ذلك الأضواء الضعيفة أنفسها إذا لم تكن في غاية الضعف، لأنه
9
يدرك الأضواء أنفسها من الصورة الأولى التي ترد إليه منها، وهي أقوى من
10
الصورة الثانية التي ترد إليه من الصورة التي على الجسم المقابل له ومع ذلك غير
11
ممتزجة بغيرها.
12
[106] فصور جميع الألوان المضيئة وصور جميع الأضواء تشرق على
13
الأجسام المقابلة لها وتكون أبدًا مشرقة عليها، وليس يظهر أكثرها للبصر للعلل
14
التي ذكرناها، ويظهر بعضها للبصر إذا كان على الصفات التي وصفناها. فقد
15
تبينت العلة التي من أجلها ليس يدرك البصر صور جميع الألوان التي في الأجسام
16
المتلونة على جميع الأجسام المقابلة لها ويدرك بعضها، وهو مع ذلك يدرك جميع
17
الألوان التي في الأجسام المتلونة. وعلة ذلك هي أنه يدرك الألوان التي في
18
الأجسام المتلونة من الصورة الأولى التي ترد إليه |I 124b|[ms Fatih 3212] منها، وهي أقوى من
19
الصورة الثانية التي ترد إليه من صور ألوانها التي على الأجسام المقابلة لها،
20
ويدرك صور الألوان أيضًا منفردة غير ممتزجة بغيرها، ويدرك الصورة الثانية التي
21
ترد إليه من صور ألوانها ممتزجة بغيرها.
22
[107] وهذا المعنى هو الذي ضمِنّا في آخر الفصل الثالث تبيينه في هذا
23
الفصل. ويتبين من هذا المعنى أن الألوان التي يدركها البصر من المبصرات إنما
24
يدركها ممتزجة بصور الأضواء التي هي فيها وممتزجة بجميع الصور المشرقة عليها
25
من ألوان الأجسام المقابلة لها. وإن كان الجسم المشف المتوسط بينها وبين البصر
180
1
فيه بعض الغلظ فإن لونه أيضًا يمتزج بألوانها، وليس يدرك البصر لونًا من الألوان
2
مجردًا على انفراده من صورة تمازجه، إلا أن الصور التي تشرق على الأجسام
3
المقابلة للأجسام المتلونة تكون في الأكثر في غاية الضعف والرقة، والصورة الثانية
4
التي ترد من كل واحدة منها إلى البصر تكون في الأكثر في غاية الضعف.
5
فلذلك تكون ألوان الأجسام أنفسها في الأكثر مستظهرة على الصورة |I 125a|[ms Fatih 3212] التي
6
تشرق عليها ولا تتميز للبصر الصورة المشرقة عليها. وكذلك إن كان الجسم
7
المتوسط بين البصر والمبصر فيه غلظ يسير لم يتميز للبصر لونه من لون المبصر الذي
8
يرد معه، إذا كان لون المبصر الذي يرد معه أقوى من لونه ومستظهرًا على لونه.
9
[108] فأما لِمَ الأضواء القوية تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات
10
وتخُفي عن البصر بعض المعاني التي تكون في المبصرات فإن ذلك إنما هو لأن
11
الصور التي ترد إلى البصر على سمت واحد إنما يدركها البصر ممتزجة. فإذا كان
12
بعض الصور الممتزجة قويًا مسرف القوة وبعضها ضعيفًا استظهرت الصورة
13
القوية على الصورة الضعيفة فلم تتميز الصورة الضعيفة للبصر ولم يدركها
14
البصر. وإذا كانت الصور الممتزجة متقاربة في القوة أدرك البصر كل
15
واحدة منها ويكون إدراكه لكل واحدة من الصور الممتزجة بحسب ما يمازجها
16
من الصور الماةجز لها، لأن الصور الممتزجة |I 125b|[ms Fatih 3212] ليس يدرك البصر كل واحدة
17
منها منفردة وإنما يدركها ممتزجة.
18
[109] والكواكب ليس إنما يدركها البصر في ضوء النهار لأن ضوء
19
الشمس الذي يحصل في الهواء أقوى من ضوء الكواكب. فإذا نظر ناظر إلى
20
السماء في ضوء النهار كان الهواء الذي بينه وبين السماء مضيئًا بضوء الشمس
21
ومتصلًا بالبصر، وكانت الكواكب من وراء ذلك الضوء، فتكون صورة
22
الكوكب وصورة الضوء الذي في الهواء المتوسط بين البصر وذلك الكوكب يرِدان
23
إلى البصر على سمت واحد فيدركهما البصر ممتزجين. وصورة الضوء التي ترد من
24
الهواء المتوسط بين البصر وبين الكوكب بالنهار الذي هو من الأضواء الثواني أقوى
25
من صورة ضوء الكوكب بكثير. فتستظهر صورة ضوء الهواء على صورة ضوء
181
1
الكوكب، فلا تتميز للبصر صورة الكوكب، ولا يكون بين صورة الضوء
2
الذي يحصل في الجزء من البصر المسامت للكوكب وبين صورة الضوء الذي يحصل
3
في الأجزاء الباقية من البصر المحيطة بذلك |I 126a|[ms Fatih 3212] الجزء اختلاف يدركه الحس
4
لاستظهار صورة ضوء النهار على صورة ضوء الكوكب وغمور صورة ضوء
5
الكوكب عند إدراكها بصورة ضوء النهار، فلذلك لا يدرك البصر الكواكب
6
بالنهار.
7
[110] وكذلك الأضواء الضعيفة التي تكون في وسط الأضواء القوية،
8
كالنار الضعيفة التي تكون في ضوء الشمس، وكالحيوان المسمى اليراع إذا أدركه
9
البصر في ضوء النهار، وما جرى مجرى ذلك، فإن هذه المبصرات إذا كانت في
10
ضوء الشمس أو في ضوء النهار فإن ضوء الشمس أو ضوء النهار يكون مشرقًا
11
عليها وعلى الهواء المتوسط بينها وبين البصر، فصورها ترد إلى البصر ممتزجة
12
بصورة الضوء القوي المشرق عليها وصورة الضوء القوي المشرق على الهواء
13
المتوسط بينها وبين البصر، فيدرك البصر صورة ما هذه حاله من المبصرات ممتزجة
14
بصورة ضوء قوي، وصورُها ضعيفة، فتستظهر صورة الضوء القوي على
15
صورها الضعيفة، فلا تتميز |I 126b|[ms Fatih 3212] صورها للبصر ولا يدركها البصر.
16
[111] وقد تخفي الأضواء الضعيفة وصور المبصرات الضعيفة الضوء إذا
17
حصل في البصر ضوء قوي وإن لم يكن ورود الصورتين إلى البصر من سمت
18
واحد، وذلك إذا كان ورود الصورتين من سمتين متجاورين وحصلا في
19
البصرين في جزءين متجاورين. وهذا المعنى يظهر في الليل وفي ضوء النار.
20
وذلك أن البصر إذا أدرك ضوء النار، وكانت النار قريبة من البصر وكان
21
ضوؤها ضوءًا قويًا، وكان مقابلًا للبصر في تلك الحال مبصراتٌ فيها أضواء
22
ضعيفة عرَضية، وكانت تلك المبصرات أبعد عن البصر من النار، وكانت على
23
سموت مجاورة لسمت النار وقريبة من سمت النار، فإن البصر لا يدرك تلك
24
المبصرات إدراكًا صحيحًا، وإن كان فيها معان لطيفة أو أجزاء لطيفة لم يدركها
25
البصر في تلك الحال. فإن ستر الناظر النار عن بصره أو تباعد عن سمت النار
182
1
حتى يصير السمت الذي يدرك منه تلك المبصرات |I 127a|[ms Fatih 3212] بعيدًا عن السمت الذي
2
يدرك منه النار فإنه حينئذ يدرك تلك المبصرات إدراكًا أبين مما كان يدركها في الحالة
3
الأولى.
4
[112] والعلة في ذلك أن المبصرات التي فيها أضواء ضعيفة عرضية
5
تكون صورها مظلمة، فإذا أدركها البصر ولم يدرك معها في الحال ضوءًا قويًا
6
أحس بالضوء الضعيف الذي فيها لظلمة داخل البصر أو عدم الضوء القوي من
7
الجزء منه الذي تحصل فيه صورة الضوء الضعيف ومما يحيط به من أجزاء البصر
8
وللتباين الذي بين الظلمة والضوء المقترنين. وإذا أحس البصر بالضوء الذي
9
في الصورة تميزت له تلك الصورة وأدركها إدراكًا ما بحسب الضوء الذي فيها.
10
وإذا أدرك البصر الصورة المظلمة وأدرك معها في الحال ضوءًا قويًا، وأدرك ذلك
11
الضوء القوي في الجزء من المبصر الماس للجزء الذي أدرك فيه الصورة المظلمة،
12
لم يدرك البصر الضوء الضعيف الذي في الصورة المظلمة لحالتين: إحديهما أن
13
الضوء القوي إذا حصل في البصر أضاء جميع داخل البصر، |I 127b|[ms Fatih 3212] وإذا كان داخل
14
البصر مضيئًا لم يظهر فيه الضوء الضعيف الذي يدركه البصر مع ضعفه من أجل
15
ظلمة البصر وتباين الظلمة والضوء، وخاصةً إذا كان الضوء الضعيف ضعيف
16
النسبة جدًا إلى الضوء القوي الذي حصل في البصر. والحالة الثانية هي اقتران
17
الضوء الضعيف بالضوء القوي في جزءين متجاورين من البصر. والضوء
18
الضعيف بالقياس إلى الضوء القوي هو ظلمة ما، فإذا تجاور الصورة المظلمة
19
الضعيفة الضوء وصورة الضوء القوي في البصر فليس يدرك البصر الضوء الذي
20
في الصورة المظلمة للحالتين اللتين ذكرناهما. وإذا لم يدرك البصر الضوء الذي
21
في الصورة المظلمة فلم يدرك من الصورة المظلمة إلا ظلمة فقط، وإذا لم يدرك
22
البصر الضوء الذي في الصورة، ولم يدرك منها إلا ظلمة فقط، لم تتميز له
23
الصورة ولم يدرك الصورة إدراكًا صحيحًا.
24
[113] ولالتباس صور الأضواء الضعيفة من أجل مجاورتها للأضواء
25
القوية نظائر في الألوان. وذلك أن الصبغ الأدكن إذا وشم به جسم أبيض نقي
183
1
البياض |I 128a|[ms Fatih 3212] ونقّط عليه منه نقط صغار أونقش به نقوش دقاق ظهر ذلك الصبغ
2
أسود أو مظلمًا شديد الظلمة، ولم يظهر الإِسفار الذي فيه، ولم يدرك البصر
3
حقيقة لونه. وإذا وُشم بذلك الصبغ بعينه جسم أسود حالك السواد ظهر ذلك
4
الصبغ أبيض أو مسفر اللون، ولم يظهر الإظلام الذي فيه، ولم يدرك البصر
5
حقيقة لونه. وإذا كان ذلك الصبغ بين أجسام ليست في غاية البياض ولا في غاية
6
السواد ظهر لونه على ما هو عليه وأدرك البصر حقيقة لونه بحسب ما يصح أن
7
يدركه البصر.
8
[114] وكذلك الصبغ الأخضر الزرعي إذا نُقش به جسم كحلي ظهر
9
ذلك الصبغ صعويًا وصافي اللون، وإذا نقش به جسم صافي الصفرة ظهر
10
ذلك الصبغ مِسنِّيًا ومظلم اللون. وكذلك كل صبغ متوسط بين طرفين.
11
[115] فالمبصرات المتجاورة إذا كانت ألوانها أو أضواؤها متباينة تباينًا
12
مفرطًا في القوة والضعف فإن الضعيف منها تخفى حقيقته، فلا يدرك البصر
13
حقيقته |I 128b|[ms Fatih 3212] عند اقترانه بالقوي المباين. وذلك لأن كيفيات الأضواء والألوان إنما
14
يدركها البصر من قياس بعضها ببعض، فالأضواء القوية إنما تعوق البصر عن
15
إدراك المبصرات التي أضواها ضعيفة لامتزاج صور الأضواء الضعيفة
16
بصورها واستظهار صور الأضواء القوية على صور الأضواء الضعيفة عند
17
امتزاجاتها أو لمجاورة الأضواء الضعيفة لها، وإدراكِ البصر للصور المجاورة
18
المتجانسة من قياس بعضها إلى بعض، وقصورِ الحس عن إدراك ما كان ضعيف
19
النسبة جدًا إلى القوي المحسوس.
20
[116] فقد أتينا على تبيين جميع المعاني التي تتعلق بهذا الفصل.
21
الفصل السابع
22
في منافع آلات البصر
23
[1] إن طبقات البصر التي ذكرناها ووصفناها في شرح هيئة البصر هي
24
آلات للبصر بها يتم له الإِبصار. وهيئة هذه الطبقات وأوضاع بعضها من بعض
184
1
هو الذي به يتم وصول صور المبصرات إلى البصر.
2
[2] أما الطبقة الأولى التي هي ظاهر البصر، وهي التي تسمى القرنية،
3
|I 129a|[ms Fatih 3212] فهي طبقة مشفة ومع ذلك متينة وهي منطبقة على الثقب الذي في مقدم
4
العنبية. فأول منافعها أنها تغطي ثقب العنبية فتنضبط بذلك الرطوبة البيضية
5
التي في داخل العنبية فتنحصر ولا تتشتت. فأما شفيفها فإنها إنما كانت مشفة
6
لتنفذ فيها صور الأضواء والألوان إلى داخل البصر، لأن صور الأضواء
7
والألوان ليس تنفذ إلا في الأجسام المشفة، ولا تقبلها وتؤديها إلا الأجسام
8
المشفة. وأما متانتها فلئلا يسرعَ إليها الفساد لأنها منكشفة للهواء، فهي تحتمي
9
بمتانتها من المؤذيات اللطيفة كالقذى والغبار والدخان وكالطرفة وما يجري مجرى
10
ذلك. فهذه هي منافع هذه الطبقة.
11
[3] فأما الرطوبة البيضية فهي مشفة ومع ذلك رطبة مائعة. أما شفيفها
12
فلتنفذ فيها الصور وتصلَ إلى الرطوبة الجليدية التي بها يقع الإِحساس. وأما
13
رطوبتها فلترطّب أبدًا الرطوبة الجليدية وتحفظَ عليها صورتها، لأن هذه
14
|I 129b|[ms Fatih 3212] الرطوبة، أعني الجليدية، ترِفة في الغاية، والغشاء الذي عليها رقيق في الغاية،
15
واليسيرُ من اليبس يفسدها ويغير صورتها. وكانت الرطوبة البيضية رطبة مائعة
16
لترطّب أبدًا الجليدية وتحفظَ عليها رطوبتها.
17
[4] فأما الطبقة السوداء المحيطة بالرطوبة البيضية، وهي التي تسمى
18
العنبية، فهي سوداء وهي صفيقة وفيها بعض المتانة. وهي كرية وفي مقدمها
19
ثقب مستدير كما وصفنا ذلك في هيئة البصر. فأما سوادها فلتظلم به الرطوبة
20
البيضية والرطوبة الجليدية، فتظهر فيها لظلمتها صور الألوان الضعيفة الخفية،
21
فإن الأضواء الضعيفة جدًا إذا كانت في مواضع مظلمة ظهرت للبصر، وإذا
22
كانت في مواضع مضيئة لم تظهر للبصر. فسواد العنبية إنما هو ليظلم به داخلُ
23
البصر فتحس الجليدية بما يصل إلى تجويف البصر من صور الأضواء وإن كانت
24
ضعيفة يسيرة. وكانت هذه الطبقة صفيقة وفيها بعض المتانة لتضبط الرطوبة
25
البيضية وتحفظها فلا يرشح |I 130a|[ms Fatih 3212] منها شي ء إلى خارج ولا تتناقص، وليظلم
185
1
بصفاقتها داخلُها، لأنها لو كانت صفيقة اشتدت ظلمةُ داخلِها. وكونها كرية
2
لأن الكرة أعدل الأشكال المجسمة وأحماها مع ذلك من التغيير، فإن ذا الزوايا
3
يسرع التغير إلى زواياه، وليس يكون ذلك في الكرة. فأما الثقب الذي في
4
مقدمها فلتنفذ فيه الصور إلى داخل تجويف البصر. وكونه مستديرًا لاعتدال
5
الاستدارة، ولأن المستدير أوسع الأشكال التي إحاطتها متساوية.
6
[5] فأما الرطوبة الجليدية فقد جمعت صفات بها يتم الإحساس. وذلك
7
أنها رطبة ومع ذلك ترفة وفيها بعض الشفيف وفيها بعض الغلظ، وعليها غشاء
8
وغشاؤها في غاية الخفة. وشكل سطحها مركب من سطحين كريين مختلفين،
9
والمقدم منهما أعظم كرية من كرية الباقي. فأما كونها رطبة فليسهل انفعالها
10
بالأضواء لرطوبتها، فيسرع فيها |I 130b|[ms Fatih 3212] تأثير الصور التي ترد إليها. وكونها ترفة
11
فليلطف حسها فتحس باللطيف الضعيف من الصور، لأن الأجسام الترفة تكون
12
لطيفة الحس. وكان فيها شفيف لتقبل صور الأضواء والألوان وتنفذ الأضواء
13
والألوان فيها. وكان فيها غلظ ولم تكن في غاية الشفيف لتدافع صور الأضواء
14
والألوان التي ترد إليها وتمنعها من النفوذ فيها بما فيها من الغلظ. فيتم للصور
15
بمدافعتها وثبوت الضوء تأثيرُها فيها، وتظهر للقوة الحساسة صورة
16
الضوء واللون التي تثبت فيها. ولو كانت في غاية الشفيف لنفذت الصور فيها
17
ولم تثبت فيها. ولو لم تثبت الصورة في هذه الرطوبة لم تحس هذه الرطوبة في
18
سطحها ولا في جسمها بشيء من الصور، ولم تنفعل بالصور الانفعال الذي هو
19
من جنس الألم، ولم تظهر الصورة لها ولم تدركها.
20
[6] فأما الغشاء الذي على هذه الرطوبة فإنما هو ليضبطها فلا تتشتت
21
لرطوبتها، وليشكّلَها أيضًا هذا الغشاء ويحفظ عليها شكلها، لأن الرطوبات إن
22
لم يحصرها |I 131a|[ms Fatih 3212] حاصر تشتتت ولم تثبت مع ذلك على شكل واحد. وأيضًا فإن
23
الرطوبات ليس تتشكل بشكل كري إلا إذا حصرها حاصر كري. فاشتمال
24
الغشاء على هذه الرطوبة إنما هو ليضبطها وليشكلها بالشكل الكري. وكان هذا
25
الغشاء خفيفًا وفي غاية الخفة لئلا يستر عنها الصور التي ترد إليها. فأما كريتها
186
1
فلا عتدال شكل الكرة واحتمائه من التغير. وكون سطح مقدمها من كرة أعظم
2
فليكون موازيًا لسطح مقدم البصر ويكون مركزاهما نقطة واحدة.
3
[7] فأما العصبة الجوفاء التي جملة العين مركبة عليها فإنما كانت جوفاء
4
لتجري فيها الروح الباصرة من الدماع وتصل إلى الجليدية فتغطيها القوة
5
الحساسة على الاستمرار، ولينفذَ أيضًا الضوء في تجويفها وفي الجسم اللطيف
6
الجاري فيها إلى أن يصل إلى الحاس الأخير الذي في مقدم الدماغ.
7
[8] وكان مبدأ العصبتين الجوفاوين اللتين تتركب عليهما العينان من
8
جنبتي مقدم الدماغ ليكون وضع البصرين من مبدأيهما وضعًا |I 131b|[ms Fatih 3212] متشابهًا
9
معتدلًا. ولم يكن مبدؤهما من وسط مقدم الدماغ لأن هذا الموضع يختص
10
بحاسة الشم. فلهاتين العلّتين صار مبدأ العصبتين من جنبتي مقدم الدماغ.
11
[9] فأما لِمَ كان البصران اثنين ولم يكن البصر واحدًا فإن ذلك رأفة من
12
الصانع تعالى واستظهار من الطبيعة حتي متى حدث بأحدهما آفة بقي الآخر،
13
ولتحسين صورة الوجه أيضًا بهما.
14
[10] ثم إن العصبتين الجوفاوين تلتقيان عند وسط مقدم الدماغ
15
وتصيران عصبة واحدة جوفاء ويصير التجويفان واحدًا. وإنما صار ذلك كذلك
16
لما ذكرناه من قبل في كيفية الإبصار: وهو أن الشخص الواحد يبصر ببصرين،
17
فإذا نظر الناظر إلى مبصر واحد أحس بكل واحد من البصرين بصورة ذلك
18
المبصر، فتحصل في البصر صورتان لذلك المبصر، فلو تأدت الصورتان إلى
19
الحاس الأخير لكان يدرك المبصر الواحد اثنين، فالتقت العصبتان وصارت
20
واحدة وصار تجويفهما تجويفًا واحدًا لتنتهي الصورتان من البصرين إلى هذه
21
العصبة فتلتقي الصورتان في هذه العصبة |I 132a|[ms Fatih 3212] وتنطبق إحديهما على الأخرى
22
فتصيران صورة واحدة، فيدرك الحاس الأخير المبصر الواحد واحدًا. فلهذه
23
العلة التقت العصبتان وصارتا واحدة وصار التجويفان تجويفًا واحدًا.
24
[11] فأما سطوح طبقات البصر المشفة فهي سطوح كرية متوازية
25
مركزها نقطة واحدة. وإنما كانت كرية لتكون الأعمدة التي تقوم على سطوحها
187
1
تخرج من نقطة واحدة، وهي مركزها، ثم تتسع ويبعد ما بين أطرافها كلما
2
بعدت عن المركز، فيكون المخروط الذي يمتد من المركز إلى مبصر من
3
المبصرات، الذي فيه تخرج جميع الأعمدة من ذلك المبصر على سطح البصر،
4
يفصل من سطح البصر ومن سطح العضو الحاس جزءًا صغيرًا، وويكون ذلك
5
الجزء مع صغره يحيط بجميع الصورة التي ترد من ذلك المبصر إلى البصر. ولو
6
كانت سطوح طبقات البصر مسطحة لكانت صورة المبصر لا تصل إلى البصر على
7
الأعمدة إلا إذا كان البصر مساويًا للمبصر. وليس شكل من الأشكال فجميع
8
الأعمدة |I 132b|[ms Fatih 3212] التي تقوم على سطحه وتلتقي على نقطة واحدة وتَحدث من الأعمدة
9
التي تقوم عليه مخروطاتٌ تتسع أطرافها ويكون السطح الذي تقوم عليه متشابه
10
الترتيب غيرُ شكل الكرة.
11
[12] وكانت سطوح طبقات البصر كرية لتكون الأعمدة التي تخرج من
12
المبصر التي تأخذ من سطح العضو الحاس جزءًا يسيرا ــ مع عظم المبصر ــ ويحيط
13
ذلك الجزء مع صغره بجميع صورة المبصر مع عظمه، وليمكنَ بهذه الحال أن
14
يخرج من مركز البصر مخروطات كثيرة إلى مبصرات كثيرة في وقت واحد يفصل كل
15
واحد من تلك المخروطات جزءًا يسيرًا من سطح العضو الحاس يشتمل على
16
صورة المبصر. وكانت كلها على مركز واحد لِما قدمنا ذكره، وهو أن تكون
17
الأعمدة التي تخرج من المبصر إلى واحد منها أعمدة على جميعها، ولتنفذ الصور
18
في جميعها على سمت واحد بعينه.
19
[13] فأما لِمَ كان البصر لا يدرك شيئًا من المبصرات إلا من سموت هذه
20
الأعمدة فقط فلأن بهذه الأعمدة فقط تترتب |I 133a|[ms Fatih 3212] أجزاء المبصر في سطح العضو
21
الحاس وبها تتميز جميع المبصرات عند الحاس. وقد تبين من قبل أنه ليس يصح
22
أن تترتب صورة المبصر في سطح العضو الحاس إلا إذا كان قبوله للصور من هذه
23
السموت فقط، فلذلك صارت طبيعة البصر مختصة بهذه الخاصة ومطبوعة على أن
24
لا تقبل شيئًا من الصور إلا من أوضاع هذه الخطوط فقط. وتخصُّص البصر بهذه
25
الخاصة هو أحد المعاني التي تظهر منها حكمةُ الصانع جلّت عظمته ولطفُ صنيعه
188
1
ويظهر منه حسن تأتي الطبيعة وتلطفُها في تهيئة آلات البصر الهيئةَ التي بها يتم
2
الإحساس وبها تتميز له المبصرات.
3
[14] فأما الملتحمة فإنها مشتملة على جملة هذه الطبقات، وفيها بعض
4
الرطوبة وهي مع ذلك متماسكة فيها بعض المتانة. وإنما كانت مشتملة على هذه
5
الطبقات لتجمعها وتحفظها وتحرسها. وكان فيها بعض الرطوبة لتتوطأ للطبقات
6
التي في داخلها مواضعُها منها ولا يسرع أيضًا إلى تلك الطبقات اليبس
7
|I 133b|[ms Fatih 3212] بالمماسة والمجاورة. وكونها متماسكة فيها بعض المتانة لتحفظ على الطبقات التي في
8
داخلها أشكالها وأوضاعها فلا تتغير أشكالها ولا أوضاعها. وكانت بيضاء لتشرق
9
بها صورة الوجه وتحسُن هيئته.
10
[15] وكانت جملة العين مستديرة لأن الاستدارة أعدل الأشكال وأسهلها
11
مع ذلك حركةً، والعين محتاجة إلى الحركة وإلى سرعة الحركة. وكانت العين
12
متحركة ومحتاجة إلى الحركة وإلى سرعة الحركة لتقابل بالحركة كثيرًا من المبصرات
13
في وقت واحد ومن نُصبة واحدةٍ تكون لصاحبها 〈الذي〉 يحركها، ولتقابلَ
14
بالحركة جميع أجزاء المبصر بوسط الناظر، فيدركه بذلك إدراكًا بينًا ومع ذلك
15
متشابهًا، لأن الإحساس بوسط العضو الحاس أبين من الإحساس ببقيته ــ وسنبين
16
هذا المعنى من بعد في الموضع الأليق به. فأما سرعة حركة البصر وحاجته إلى
17
سرعة الحركة فلِيتأملَ بسرعة الحركة جميع أجزاء المبصر وجميعَ المبصرات التي
18
تقابله في أقل القليل من الزمان.
19
[16] فأما الأجفان |I 134a|[ms Fatih 3212] فإنها جعلت وقاية للعين تحرسها من الأذى وتُكِنُّها
20
عند النوم وتوقيها من المؤذيات ولتريح العين عند انطباقها عليها من آلام الأضواء
21
ومن مباشرة الهواء، لأن الأضواء تؤذيها وتقرعها، فلو استمر عليها قرع الأضواء
22
دائما ولم تسترح لفسدت. وقد يظهر ذلك عند إطالة النظر إلى الأضواء
23
المضيئة. ويتبين من ذلك أن استمرار مباشرة البصر للأضواء يضرّ بالبصر. وقد
24
يستضر البصر أيضًا بالهواء في بعض الأوقات إذا كان فيه غبار أو دخان أو برد
25
شديد، فجعلت الأجفان لتستر العين عن الأضواء عند حاجتها إلى ذلك ولتوقيها
189
1
من الهواء وتدفع عنها كثيرًا من المؤذيات، ثم إذا احتاجت إلى الراحة انطبقت
2
الأجفان عليها واستمر ذلك زمانًا إلى أن يزول كلالها وتتكامل راحتها وذلك
3
يكون عند النوم. وجعلت الأجفان متحركة لتنفتح في وقت الحاجة إلى الإبصار
4
وتنطبق عند الحاجة إلى الانطباق، وجعلت سريعة الحركة ليسرع الانطباق عند
5
قرب المؤذيات من العين.
6
[17] فأما الأهداب فإنما كانت لتذب عن البصر ما يمر به من |I 134b|[ms Fatih 3212] القذى
7
والمؤذيات الخفية، ولتكسر عن البصر أيضًا بعض الأضواء إذا استضر بشدة
8
الضوء، ولذلك يجمع الناظر عينه ويصرّها وينظر من ضيق إذا استضر بالضوء
9
الشديد.
10
[18] فهذه المعاني التي ذكرناها هي منافع آلات البصر، وهي لطائف
11
تتبين منها حكمة الصانع تعالى ورأفتُه وبديعُ صنعته وحسن تأتي الطبيعة ولطيف
12
آثارها.
13
الفصل الثامن
14
في علل المعاني التي
15
لا يتم الإبصار إلا بها وباجتماعها
16
[1] قد تبين فيما تقدم أن البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات التي تكون
17
معه في هواء واحد ويكون إدراكه لها لا بالانعكاس إلا إذا اجتمعت له عدة
18
معان: وهي أن يكون بينه وبينه بعد ما، ويكون مقابلًا للبصر أعني أن يكون
19
بين كل نقطة من سطحه الذي يدركه البصر وبين نقطة ما من سطح البصر خط
20
مستقيم متوهَّم، ويكون فيه ضوء ما إما من ذاته أو من غيره، ويكون حجمه
21
مقتدرًا بالإِضافة إلى قوة إحساس البصر، |I 135a|[ms Fatih 3212] ويكون الهواء الذي بينه وبين
22
سطح البصر مشفًا متصل الشفيف لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة، ويكون
23
المبصر كثيفًا أو فيه بعض الكثافة، أعني أن لا يكون فيه شفيف أو يكون مشفًا
24
ويكون شفيفه أغلظ من شفيف الهواء المتوسط بينه وبين البصر ــ وليس يكون
190
1
الكثيف إلا ذا لون أو ما يجري مجرى اللون، وكذلك المشف الذي فيه بعض
2
الغلظ. وليس يدرك البصر المبصر إلا إذا اجتمعت للمبصر هذه المعاني الستة.
3
وإن عَدِم المبصر واحدًا من هذه المعاني أو أكثر من واحد منها فليس يدركه
4
البصر.
5
[2] وليس حاجة البصر إلى كل واحدة من هذه المعاني إلا لعلة ما من
6
أجلها ليس يتم له الإبصار إلا بذلك المعنى.
7
[3] فأما لِمَ ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان بينه وبينه بعد ما وليس
8
يدركه إذا التصق به فإن ذلك لعلتين: إحديهما أن البصر ليس يدرك المبصر إلا إذا
9
كان في المبصر ضوء ما. وإذا كان المبصر ملتصقًا بالبصر، وليس هو مضيئًا من
10
ذاته، فليس يكون في سطحه الذي يلى البصر |I 135b|[ms Fatih 3212] ضوء لأن جسم المبصر يستر
11
عنه الأضواء. والأشياء المضيئة من ذواتها ليس يمكن أن تلتصق بالبصر، لأن
12
الأشياء المضيئة من ذواتها إنما هي الكواكب والنار، وليس واحد من هذين يمكن
13
أن يلتصق بالبصر. والعلة الثانية أن الإبصار إنما يكون من الجزء المقابل لثقب
14
العنبية من وسط سطح البصر فقط، وليس يكون من بقية سطح البصر
15
إحساس. وإذا التصق المبصر بالبصر فإنما ينطبق على هذا الجزء من البصر جزء
16
مساو له فقط من المبصر. فلو كان البصر يدرك المبصر عند التصاقه به لكان يدرك
17
منه الجزء المتلصق بالجزء المقابل للثقب فقط ولا يدرك بقية المبصر. فإن حُرّك
18
المبصر على سطحه أو تحرك هو حتى يماس جميع سطح المبصر بالجزء المتوسط منه
19
لكان يدرك من المبصر جزءًا بعد جزء، وكان إذا أدرك الجزء الثاني لم يدرك الجزء
20
الأول، وكان لا يدرك جميع المبصر معًا. وإذا لم يدرك جميع المبصر معًا لم
21
تتشكل فيه صورة المبصر ــ كما أنه لو كان مبصر من المبصرات من وراء جسم
22
كثيف، وكان في ذلك الجسم |I 136a|[ms Fatih 3212] الكثيف ثقب وكان المبصر ملتصقًا بالثقب،
23
وكان المبصر مع ذلك يزيد على مقدار الثقب، لكان البصر لا يدرك منه إلا الجزء
24
المطابق للثقب فقط، ثم إن تحرك المبصر على الثقب حتى يدرك البصر منه جزءًا
25
بعد جزء لما تشكلت له جملة صورته ولا تحقق شكله.
191
1
[4] فلو كان الإبصار يكون بالمماسة لكان البصر لا يدرك جملة المبصر ولا
2
يتحقق شكله وصورته إلا إذا كان البصر مساويًا للمبصر أو كان المبصر مساويًا
3
للجزء المتوسط من سطح البصر الذي منه يكون الإبصار، وكان مع ذلك لا يمكن
4
أن يدرك البصر مبصرات كثيرة في وقت واحد ويكون إدراكه لها معًا. وإذا كان
5
البصر على ما هو عليه، وكان بينه وبين المبصر بعد ما، فإنه يمكن أن يدرك جميع
6
المبصر معًا في الوقت الواحد من الجزء اليسير الذي في وسطه الذي منه يكون
7
الإحساس وإن عظم المبصر، ويمكن أن يدرك مبصرات كثيرة معًا في وقت
8
واحد. وإذا كان بالبعد من البصر أمكن أيضًا أن يشرق الضوء على سطحه
9
المواجه للبصر. |I 136b|[ms Fatih 3212] فلهاتين العلتين صار البصر لا يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا
10
كان بينه وبينه بعد ما.
11
[5] فأما لِمَ ليس يدرك البصر المبصر الذي هو معه في هواء واحد وفي
12
الجهة المقابلة له إلا إذا كان بين كل نقطة منه وبين نقطة ما من سطح الجزء الذي
13
منه يكون الإبصار من سطح البصر خط مستقيم فلأنه قد تبين أن الإبصار إنما
14
يكون من الصورة التي ترد من المبصر إلى البصر وأن الصور ليس تصدر عن
15
المبصرات إلا على خطوط مستقيمة. فلهذه العلة ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا
16
كانت بينه وبينه خطوط مستقيمة، ومتى قطع جميع الخطوط المستقيمة التي بينه
17
وبينه جسم كثيف خفي المبصر عن البصر، ومتى قطع الجسم الكثيف بعض
18
الخطوط المستقيمة التي بين المبصر وبين سطح البصر خفي من المبصر الجزء الذي
19
عند أطراف الخطوط التي انقطعت بالجسم الكثيف.
20
[6] فأما لِمَ ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان فيه ضوء ما فإن ذلك
21
لأحد أمرين: إما أن تكون صور الألوان التي في المبصرات ليس تمتد في الهواء إلا
22
إذا صار مع اللون ضوء ما وإذا لم يكن في المبصر ضوء لم تمتد صورة لونه في
23
|I 137a|[ms Fatih 3212] الهواء ولم يصل إلى البصر من لون المبصر شيء فيكون البصر ليس يدرك المبصر
24
الذي 〈ليس〉 فيه ضوء لأن صورة لونه ليس تصل إلى البصر، وإما أن تكون
25
صورة اللون تمتد في الهواء وإن لم يحضر الضوء، إلا أنها لا تؤثر في البصر تأثيرًا
192
1
محسوسًا، وإذا كانت مع الضوء أثّرا في البصر بمجموعهما. وهو ظاهر أن صورة
2
الضوء أقوى من صورة اللون وأن الضوء يقرع البصر ويؤثر فيه تأثيرًا بينًا.
3
وصورة اللون ضعيفة، فليس في قوتها أن تؤثر في البصر كتأثير الضوء. وصورة
4
اللون الذي في الجسم المضي ء تكون أبدًا ممتزجة بصورة الضوء، فإذا وصلت
5
صورة الضوء من المبصر إلى البصر فهي تؤثر فيه لقوتها ولتهيُّؤ البصر للانفعال
6
بها، فالبصر يحس بها من تأثيرها ولأنها ممتزجة بصورة اللون وغير متميزة منها،
7
فليس يحس البصر بصورة الضوء إلا ممتزجة، فهو يحس باللون من لون هذه
8
الصورة، فيكون البصر إنما يحس بلون المبصر من اللون الممازج لصورة الضوء
9
التي ترد إليه من
10
|I 137b|[ms Fatih 3212][صفحة بيضاء في عا]
11
|I 138a|[ms Fatih 3212] المبصر. ولذلك يدرك البصر لون المبصر بحسب الضوء الذي
12
يكون في المبصر، ولذلك تتغير ألوان كثير من المبصرات عند البصر بتغير
13
الأضواء التي تشرق عليها. فلأن صورة اللون ليس تؤثر في البصر إلا إذا كانت
14
ممتزجة بالضوء، وليس يكون من اللون صورةٌ إلا إذا كان فيه ضوء، صار البصر
15
لا يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان فيه ضوء ما.
16
[7] فأما لِمَ ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان حجمه مقتدرًا فلأنه قد
17
تبين أن صورة المبصر إنما تصل إلى البصر من المخروط الذي رأسه مركز البصر
18
وقاعدته سطح المبصر، وأن هذا المخروط يفصل من سطح العضو الحاس جزءًا
19
صغيرًا فيه تترتب صورة المبصر ومنه يحس الحاس بالمبصر. فإذا كان المبصر في
20
غاية الصغر كان المخروط الذي بينه وبين مركز البصر في غاية الدقة، فيكون
21
الجزء الذي يفصله من سطح الحاس في غاية الصغر، فيكون بمنزلة النقطة التي
22
لا قدر لها. والحاس إنما يحس بالصورة في سطحه إذا كان الجزء من سطحه الذي
23
تحصل فيه الصورة له قدر محسوس عند جملته. |I 138b|[ms Fatih 3212] وقوَى الحواس متناهية، فإذا
24
كان الجزء من العضو الحاس الذي تحصل فيه الصورة ليس له قدر محسوس عند
25
جملة العضو الحاس لم يحس الحاس بالأثر الذي يحصل في ذلك الجزء لصغره.
193
1
وإذا لم يحس بالأثر لم يدرك الصورة. فالمبصر الذي يصح أن يدركه البصر هو
2
الذي يكون المخروط الذي يتشكل بينه وبين مركز البصر يفصل من سطح
3
الجليدية جزءًا له قدر محسوس بالإضافة إلى جملة سطح الجليدية. وهذا الإحساس
4
يكون إلى الحد الذي تنتهي إليه قوة الحس، لا إلى ما لا نهاية. ويختلف أيضا هذا
5
الإحساس في الأبصار بحسب اختلاف قوى الأبصار، لأن بعض الأبصار يكون
6
أقوى من بعض. وإذا كان المخروط الذي يتشكل بين المبصر وبين مركز البصر
7
يفصل من سطح الجليدية جزءًا ليس له قدر محسوس بالإضافة إلى جملة سطح
8
الجليدية فليس يصح أن يدرك البصر ذلك المبصر. فلذلك ليس يدرك البصر
9
المبصر الذي هو في غاية الصغر ولا يدرك إلا ما كان حجمه مقتدرًا.
10
[8] فأما لم ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان الجسم المتوسط بينه وبين
11
البصر |I 139a|[ms Fatih 3212] مشفًا فلأن الإبصار إنما يكون من الصورة التي ترد من المبصر إلى
12
البصر، وليس تمتد الصورة إلا في الأجسام المشفة ولا تقبلها وتؤديها إلا الأجسام
13
المشفة، وليس يتم الإبصار إلا إذا كان المبصر مع البصر في هواء واحد ــ وكان
14
إدراكه له لا بالانعكاس ــ إلا إذا كان الهواء متصلًا بين البصر والمبصر ولم يقطع
15
السموت المستقيمة التي بينهما جسم كثيف، لأن الصورة ليس تمتد في الهواء
16
المشف المتشابه الشفيف إلا على خطوط مستقيمة. فلذلك صار البصر لا يدرك
17
المبصر الذي هو معه في هواء واحد وفي الجهة المقابلة للبصر إلا إذا كان الهواء الذي
18
بينهما مشفًا متشابه الشفيف متصلًا، ولم يقطع السموت المستقيمة التي بينه
19
وبين البصر جسم كثيف
20
[9] وأما لِمَ ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان كثيفًا أو كان فيه بعض
21
الكثافة فإن ذلك لعلَّتين: إحديهما أن الكثيف متلون واللون تكون منه
22
الصورة التي ترد إلى البصر التي منها يدرك البصر لون المبصر، والمشف الذي
23
|I 139b|[ms Fatih 3212] في غاية الشفيف ليس له لون، فليس تكون منه صورة تنتهي إلى البصر،
24
فلذلك لا يدركه البصر. والعلة الثانية أن البصر ليس يدرك المبصر إلا إذا كان
25
مضيئًا وورد من الضوء الذي فيه صورة ثانية إلى البصر مع صورة اللون.
194
1
والضوء الذي يشرق على جسم من الأجسام ليس تكون منه صورة ثانية إلا إذا
2
ثبت الضوء في ذلك الجسم ومانَعَه الجسم من النفوذ فيه كان منه صورة ثانية.
3
والجسم المشف إذا أشرق عليه الضوء وكان في غاية الشفيف فليس يثبت الضوء
4
فيه ولا في موضع منه وإنما يمتد في شفيفه فقط. فإذا كان الجسم المشف مقابلًا
5
للبصر، وأشرق عليه الضوء من الجهة التي فيها البصر، فهو يمتد فيه ولا يثبت في
6
سطحه ولا في شي ء منه، فلا يكون في السطح المواجه للبصر من ذلك الجسم
7
ضوء تكون منه صورة ترجع إلى البصر. وكذلك إن أشرق الضوء على الجسم
8
المشف الذي في غاية الشفيف من أي جهة أشرق عليه نفذ فيه، فلا يكون في
9
سطحه ولا في موضع منه ضوء ثابت تكون منه |I 140a|[ms Fatih 3212] صورة ثانية ترد إلى البصر.
10
وإن كان المضي ء الذي يشرق ضوؤه على الجسم المشف مقابلًا للبصر نفذ
11
ضوؤه في الجسم المشف وانتهى إلى البصر ولم يحمل معه شيئًا من لون الجسم
12
المشف، لأن الجسم المشف الذي في غاية الشفيف ليس له لون، فيدركُ البصر
13
من هذا الوضع الجسم المضي ء الذي أشرق ضوؤه على الجسم المشف من وراء
14
الجسم المشف، ولا يدرك الجسم المشف. فإذا كان الجسم المشف في غاية
15
الشفيف لم تثبت الصورة عليه ولم تكن منه صورة تمتد في الهواء وتصل إلى
16
البصر ــ لا صورة ضوء ولا صورة لون. فلذلك ليس يدرك البصر المبصر الذي
17
يكون في غاية الشفيف. وإن كان شفيف الجسم المشف شبيهًا بشفيف الهواء فإن
18
حاله تكون كحال الهواء فلا يدركه البصر كما ليس يدرك الهواء. فالأجسام المشفة
19
التي شفيفها ليس بأغلظ من شفيف الهواء ليس يدركها البصر لأنه ليس يرد منها
20
إلى البصر صورة تؤثر في البصر. وكذلك إن توسط بين البصر والمبصر المشف
21
جسم مشف غير الهواء وكان شفيف المبصر ليس بأغلظ من شفيف |I 140b|[ms Fatih 3212] الجسم
22
المتوسط.
23
[10] وإذا كان المبصر كثيفًا كان متلونًا، وإذا أشرق عليه ضوء ــ أي
24
ضوء كان ــ ثبت في سطحه، وكان من لونه ومن الضوء الذي يشرق عليه
25
صورة تمتد في الهواء وفي الأجسام المشفة، ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وتؤديها
195
1
إلى الجهات المقابلة لها، وإذا انتهت هذه الصورة إلى البصر أثّرت في البصر
2
وأحس البصر منها بالمبصر. وإذا كان المبصر مشفًا وشفيفه أغلظ من شفيف الهواء
3
فإنه يكون له لون ما بحسب غلظه، وإذا أشرق عليه الضوء ثبت الضوء في
4
سطحه ثبوتًا ما بحسب ما فيه من الغلظ مع نفوذه فيه بحسب شفيفه، وكان منه
5
صورة في الهواء بحسب لونه وبحسب الضوء الذي يثبت في سطحه. وإذا
6
وصلت تلك الصورة إلى البصر أثرت في البصر وأحس البصر بذلك المبصر.
7
فلهذه العلة صار البصر ليس يدرك شيئًا من المبصرات إلا إذا كان كثيفًا أو كان فيه
8
بعض الكثافة.
9
[11] |I 141a|[ms Fatih 3212] فقد تبينت العلل التي من أجلها ليس يدرك البصر شيئًا من
10
المبصرات إلا إذا اجتمعت فيه المعاني المذكورة. فهذه الفصول وما بيناه فيها هو
11
الذي قصدنا لتبيينه في هذه المقالة.
12
[12] تمت المقالة الأولى
13
من كتاب الحسن بن الحسن
14
في المناظر
15
وكتب أحمد بن محمد بن جعفر
16
يوم الأحد منتصف جمادى الأولى
17
سنة ست وسبعين وأربعمائة
18
وفيه انتهى النسخ
19
والحمد لله وحده
20
وصلواته على خير خلقه محمد النبي وآله وسلامُه.
197
1
المقالة الثانية
2
في
3
تفصيل المعاني التي يدركها البصر
4
وعللها وكيفية إدراكها
199
1
|II 1b|[ms Fatih 3213]
بسم الله الرحمن الرحيم
2
المقالة الثانية
3
من كتاب أبي عليّ الحسن بن الحسن بن الهيثم
4
في المناظر
5
فصو ل المقالة
6
وهي أربعة
7
الفصل الأول: صدر المقالة.
8
الفصل الثاني: في تمييز خطوط الشعاع.
9
الفصل الثالث: في كيفية إدراك كل واحد من المعاني الجزئية
10
التي تدرك بحاسة البصر.
11
الفصل الرابع: في تمييز إدراك البصر للمبصرات.
12
الفصل الأول
13
وهو صدر المقالة
14
[1] قد تبين في المقالة الأولى كيف يكون الإبصار بالجملة، وهو كيفية
15
إحساس البصر لصورة الضوء واللون اللذين في المبصر مرتَّبةً على ما هي عليه في
16
سطح المبصر. والبصر يدرك من المبصرات معاني كثيرة من المعاني التي تكون
17
في المبصرات غير الضوء واللون.
18
[2] وأيضًا فإنه قد تبين في المقالة الأولى أن الإبصار إنما يكون من سموت
19
خطوط الشعاع. |II 2a|[ms Fatih 3213] وخطوط الشعاع تختلف أحوالها، وتختلف أحوال الصور
20
التي تَرِد عليها إلى البصر.
21
[3] وأيضًا فإن إدراك البصر للمبصرات ليس يكون في جميع الأوقات
22
ولجميع المبصرات وعلى جميع الأحوال على صفة واحدة، بل تختلف كيفية
23
إحساس البصر بالمبصرات، وتختلف كيفية إحساس البصر بالمبصر الواحد من
200
1
البعد الواحد ومن الوضع الواحد بحسب قصد الناظر وتعمُّلِه لإِدراك المبصر
2
وتعمُّدِه لتمييزالمعاني التي فيه.
3
[4] ونحن نبين في هذه المقالة اختلاف أحوال خطوط الشعاع، ونميز
4
خواصها، ونفصِّل أيضًا جميع المعاني التي يدركها البصر، ونبين كيف يدرك
5
البصر كل واحدٍ منها، ونميز كيفية إدراك البصر للمبصرات، ونبين اختلاف
6
إدراك البصر لها.
7
الفصل الثاني
8
في تمييز خطوط الشعاع
9
[1] قد تبين في المقالة الأولى أن خطوط الشعاع التي من سموتها يدرك
10
البصر المبصرات هي الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند مركز البصر. وقد
11
تبين في هيئة البصر أن العضو الحاس الذي هو |II 2b|[ms Fatih 3213] الرطوبة الجليدية مركَّب على
12
طرف تجويف العصبة التي جملةُ العين مركبة عليها، وأن هذه العصبة إذا كانت
13
منحنية فإن انحناءها يكون من وراء مركز البصر ومن وراء جملة العين وعند
14
الثقب الذي في مقعر العظم.
15
[2] وقد تبين أيضًا أن الخط المستقيم الذي يمر بجميع مراكز طبقات
16
البصر يمتد في وسط تجويف العصبة وينتهي على استقامة إلى وسط موضع الانحناء
17
من تجويف العصبة التي العين مركبة عليها، ويمر بمركز الثقب الذي في مقدَّم
18
العنبية. وتبين أيضًا أن هذا الخط ليس يتغير وضعه عند جملة البصر ولا عند
19
سطوح طبقات البصر ولا عند أجزاء البصر. فالخط المستقيم الذي يمر بجميع
20
مراكز طبقات البصر يكون أبدًا ممتدًا على استقامة إلى موضع الانحناء من تجويف
21
العصبة التي العين مركبة عليها على تصاريف أحوال البصر في حال حركته وفي
22
حال سكونه. ولأن هذا الخط يمر بمركز البصر وبمركز الثقب الذي في مقدَّم العنبية
23
فهو يمتد في وسط المخروط الذي |II 3a|[ms Fatih 3213] رأسه مركز البصر ويحيط به محيط الثقب الذي
24
في مقدَّم العنبية الذي فيه ترِد الصور إلى البصر. فلنسم هذا الخط سهم
201
1
المخروط.
2
[3] وقد تبين أيضًا في المقالة الأولى أن المخروط الذي يتشكل بين المبصر
3
ومركز البصر يفصل من سطح الجليدية جزءًا يشتمل على جميع صورة المبصر
4
الذي عند قاعدة ذلك المخروط، وتكون الصورة مرتبةً في هذا الجزء من سطح
5
الجليدية بسموت خطوط الشعاع الممتدة بين المبصر ومركز البصر كترتيب أجزاء
6
سطح المبصر، وأن الجليدية إنما تحس بالمبصرمن الصورة التي تترتب في هذا الجزء
7
من سطحها. فإذا أدرك البصر مبصرًا من المبصرات وحصلت صورته في الجزء
8
من سطح الجليدية الذي يحوزه المخروط المتشكل بين البصر وذلك المبصر، فإن
9
كل نقطة من الصورة التي تحصل في هذا الجزء من سطح الجليدية هي على خط
10
الشعاع الممتد بين تلك النقطة وبين النقطة النظيرة لها من سطح المبصر الذي عليه
11
وردت الصورة إلى تلك |II 3b|[ms Fatih 3213] النقطة من سطح الجليدية على استقامة. فإذا كانت
12
صورة المبصر في وسط سطح الجليدية كان السهم الذي ذكرناه أحد الخطوط التي
13
وردت عليها صور النقط التي في سطح ذلك المبصر على استقامةٍ، وتكون النقطة
14
من سطح المبصر التي عند طرف هذا السهم هي التي وردت صورتها على هذا
15
السهم.
16
[4] وقد تبين في المقالة الأولى أن الصور التي يدركها البصر من المبصرات
17
تمتد في جسم الجليدية وفي تجويف العصبة التي العين مركبة عليها، وتنتهي إلى
18
العصبة المشتركة التي عند وسط مقدَّم الدماغ، وهناك يكون إدراك الحاس الأخير
19
لصور المبصرات، وأن الإبصار ليس يتم إلا بوصول الصورة إلى العصبة
20
المشتركة، وأن امتداد الصور من سطح الجليدية في جسم الجليدية يكون على
21
استقامة خطوط الشعاع فقط، لأن الجليدية ليس تقبل هذه الصور إلا من سموت
22
خطوط الشعاع فقط.
23
[5] والحاس الأخير إنما يدرك أوضاع أجزاء المبصر على ما هي عليه في
24
سطح المبصر. |II 4a|[ms Fatih 3213] وإذا كانت أوضاع أجزاء الصورة التي تحصل في سطح
25
الجليدية بعضها عند بعض كأوضاع أجزاء سطح المبصر بعضها عند بعض،
202
1
وكانت هذه الصورة تمتد في جسم الجليدية وفي تجويف العصبة إلى أن تصل إلى
2
العصبة المشتركة، وكان الإبصار ليس يتم إلا بوصول هذه الصورة إلى العصبة
3
المشتركة، وكان الحاس الأخير إنما يدرك صورة المبصر من هذه الصورة وعند
4
وصولها إلى العصبة المشتركة، وكان الحاس الأخير مع ذلك يدرك أوضاع أجزاء
5
المبصر على ما هي عليه، فليس يتم الإبصار إذن إلا بعد أن تصل الصورة التي
6
تحصل في وسط الجليدية إلى العصبة المشتركة وأوضاعُ أجزائها على ما هي عليه في
7
سطح الجليدية من غير أن يتغير شيء منها.
8
[6] وليس تصل الصورة من سطح الجليدية إلى العصبة المشتركة إلا
9
بامتدادها في تجويف العصبة التي الجليدية مركبة عليها. فإن لم تحصل الصورة
10
في تجويف هذه العصبة وهي على |II 4b|[ms Fatih 3213] هيئتها، وأوضاعُ أجزائها على ما هي عليه،
11
فليس يصح أن تمتد الصورة من سطح الجليدية إلى تجويف العصبة على استقامة
12
خطوط الشعاع وأوضاعُ أجزائها على ما هي عليه. وذلك أن هذه الخطوط تلتقي
13
عند مركز البصر، ثم إذا امتدت على استقامتها من بعد المركز فإن أوضاعها
14
تنعكس فيصير المتيامن منها متياسرًا والمتياسر متيامنًا والمتعالي متسافلًا والمتسافل
15
متعاليًا ــ كذلك جميع الخطوط المتقاطعة على نقطة واحدة. فإن امتدت الصورة من
16
سطح الجليدية على استقامة خطوط الشعاع فإنها تجتمع عند مركز البصر فتصير
17
الصورة نقطة واحدة. ومركز البصر في وسط جملة العين ومتقدم لموضع الانحناء
18
من تجويف العصبة. فإن امتدت الصورة من المركز وهي نقطة واحدة على خط
19
واحد فهي تصل إلى موضع الانحناء من تجويف العصبة وهي نقطة واحدة، فلا
20
يحصل في تجويف العصبة صورة. وإن امتدت على استقامة خطوط الشعاع
21
وتجاوزت المركز |II 5a|[ms Fatih 3213] فإنها تكون منعكسة بحسب انعكاس الخطوط المتقاطعة التي
22
امتدت عليها. فإن وصلت إلى تجويف العصبة من بعد تجاوز المركز فهي تصل
23
منعكسة. فليس يصح أن تصل الصورة من سطح الجليدية إلى تجويف
24
العصبة، وأوضاعُ أجزائها على ما هي عليه، إذا امتدت على استقامة خطوط
25
الشعاع. فليس يصح إذن أن تصل الصورة من سطح الجليدية إلى تجويف
203
1
العصبة وأوضاعُ أجزائها على ما هي عليه إلا على خطوط منعطفة مقاطِعة لخطوط
2
الشعاع.
3
[7] وإذا كان ليس يتم الإبصار إلا بوصول الصورة التي تحصل في
4
سطح الجليدية إلى العصبة المشتركة وأوضاعُ أجزائها على ما هي عليه، وكانت
5
هذه الصورة ليس يصح أن تصل إلى تجويف العصبة وأوضاعُ أجزائها على ما
6
هي عليه إلا منعطفةً، فليس يتم الإبصار إذن إلا من بعد أن تنعطف الصورة
7
التي تحصل في سطح الجليدية وتمتد على خطوط مقاطعة لخطوط الشعاع،
8
|II 5b|[ms Fatih 3213] ويكون انعطافها من قبل وصولها إلى المركز، لأنها إن انعطفت بعد تجاوزها المركز
9
كانت منعكسة.
10
[8] وقد تبين أن هذه الصور تنفذ في جسم الجليدية على استقامة خطوط
11
الشعاع. وإذا كانت تنفذ في جسم الجليدية على استقامة خطوط الشعاع، وكان
12
ليس يصح أن تصل إلى تجويف العصبة إلا بعد أن تنعطف على خطوط
13
مقاطعة لخطوط الشعاع، فالصورة إذن إنما تنعطف من بعد نفوذها في جسم
14
الجليدية. وليس يصح أن تنعطف الصورة في جسم الجليدية وجميعُ أحوال
15
الجليدية على ما هي عليه. وقد تقدم في هيئة البصر أن جسم الجليدية مختلف
16
الشفيف، وأن الجزء المتأخر منها، وهو الذي يسمى الزجاجية، مخالف الشفيف
17
للجسم المتقدم. وليس في جسم الجليدية جسمً مخالف الصورة لصورة الجسم
18
المتقدم منها غير جسم الزجاجية. ومن خاصة صور الأضواء والألوان أن تنعطف
19
إذا لقيت جسمًا مخالف الشفيف للجسم الأول الذي هي فيه. فالصور |II 6a|[ms Fatih 3213] إذن
20
إنما تنعطف عند وصولها إلى الرطوبة الزجاجية. وهذا الجسم إنما كان مخالف
21
الشفيف للجسم المتقدم من الجليدية لتنعطف الصور عند وصولها إليه.
22
[9] ويلزم أن يكون سطح هذا الجسم متقدمًا لمركز البصر لتنعطف
23
الصور عنده قبل أن تتجاوز المركز فتكون عند الانعطاف على هيئتها التي هي عليه
24
في سطح المبصر. ويلزم أن يكون هذا السطح متشابه الترتيب، لأنه إن لم يكن
25
متشابه الترتيب تشوهت الصورة بعد انعطافها عليه. والسطح المتشابه الترتيب
204
1
إما مسطح وإما كريٌ. وليس يصح أن يكون هذا السطح من كرة مركزها مركز
2
البصر، لأنه إن كان كريًّا مركزه مركز البصر كانت خطوط الشعاع أعمدة عليه
3
فتمتد الصورة على استقامتها عند وصولها إليه ولا تنعطف. وليس يصح أن
4
يكون من كرة صغيرة، لأنه إن كان من كرة صغيرة فإن الصورة إذا انعطفت
5
عنه وامتدت عنه مقدارًا يسيرًا تشوهت. فهذا |II 6b|[ms Fatih 3213] السطح إما سطح مستوٍ
6
وإما من كرة مقتدرة لا تؤثر كريَّتُه في ترتيب الصورة، وليس مركزه مركز
7
البصر.
8
[10] فسطح الرطوبة الزجاجية الذي هو الفصل المشترك بين هذا الجسم
9
والجسم المتقدم من الجليدية سطح متشابه الترتيب متقدم لمركز البصر. وجميع
10
الصور التي تحصل في سطح الجليدية تمتد في جسم الجليدية على استقامة خطوط
11
الشعاع إلى أن تصل إلى هذا السطح. فإذا وصلت إلى هذا السطح انعطفت
12
عنده على خطوط متشابهة الترتيب مقاطعةٍ لخطوط الشعاع. فخطوط الشعاع إنما
13
تترتب بها صور المبصرات عند الجليدية فقط. لأن عند هذا العضو يكون ابتداء
14
الحس. وقد تبين في المقالة الأولى أنه ما كان يمكن أن تترب صورة المبصر في
15
سطح البصر مع عِظَم المبصر وصِغَر العضو الحاس إلا بهذه الخطوط. فهذه
16
الخطوط إنما هي آلة للبصر بها يتم للبصر إدراك المبصرات على ما هي عليه، ثم
17
وصول الصور |II 7a|[ms Fatih 3213] إلى الحاس الأخير ليس يحتاج إلى امتداد الصورة على
18
استقامة هذه الخطوط. وقد تبين الآن أنه ليس يصح أن تمتد الصور إلى الحاس
19
الأخير على استقامة هذه الخطوط.
20
[11] وأيضًا فإنه ليس قبول العضو الحاس للصور كقبول الأجسام
21
المشفة لهذه الصور. لأن العضو الحاس يقبل هذه الصور ويحس بها، وتنفذ
22
الصور فيه لشفيفه وللقوة الحساسة التي هي فيه. فهو يقبل هذه الصور قبولَ
23
إحساسٍ، والأجسام المشفة إنما تقبل هذه الصور قبولَ تأديةٍ فقط ولا تحس بها.
24
وإذا كان قبول الجسم الحاس لهذه الصور ليس كقبول الأجسام المشفة الغير
25
حساسة، فليس امتداد الصور في الجسم الحاس بحسب السموت التي توجبها
205
1
الأجسام المشفة، وإنما تمتد بحسب امتداد أجزاء الجسم الحاس. والبصر إنما
2
تخصص بقبول الصور من سموت خطوط الشعاع فقط لأن خاصة الصور أن تمتد
3
في الأجسام المشفة على جميع السموت المستقيمة، |II 7b|[ms Fatih 3213] فهي ترد إلى البصر على
4
جميع السموت المستقيمة، فلو قبلها البصر من جميع السموت التي ترد عليها لما
5
ترتبت الصور عنده، فتخصَّص البصر بقبول الصور من سموت هذه الخطوط
6
فقط ليحس بالصور مرتبة على ما هي عليه في سطوح المبصرات. ثم إذا حصلت
7
الصور عند العضو الحاس مترتبة، وأدركها العضو الحاس وهي مترتبة، لم يبق
8
من بعد ذلك شيء لا يتم إلا بهذه السموت، وحصلت الصور في الجسم
9
الحاس ليس كحصولها في الأجسام المشفة، فخطوط الشعاع إنما هي آلة يتم بها
10
إحساس الجليدية فقط.
11
[12] وإذا كان قد تبين أن الصور ليس يصح أن تمتد من بعد الجليدية
12
على استقامة خطوط الشعاع، وإنما تنعطف من بعد الجليدية، وأن انعطافها إنما
13
هو عند وصولها إلى الرطوبة الزجاجية، وأن امتداد الصور في هذا الجسم إنما هو
14
على خطوط منعطفة لا على استقامة خطوط الشعاع، فليس لجسم الزجاجية إذن
15
تخصص بسموت خطوط الشعاع، فالجزء المتقدم فقط من الجليدية هو
16
المتخصص بقبول |II 8a|[ms Fatih 3213] الصور من سموت خطوط الشعاع. والجزء المتأخر الذي
17
هو الزجاجية والقوة القابلة التي في هذا الجسم إنما هي متخصصة، مع
18
الإِحساس بهذه الصورة، بحفظ ترتيبها فقط. وإذا كان ذلك كذلك فكيفية
19
قبول الزجاجية للصور ليس هو ككيفية قبول الجسم المتقدم من الجليدية، والقوة
20
القابلة التي في الزجاجية ليست القوة القابلة التي في الجزء المتقدم.
21
[13] وإذا كان كيفية قبول الزجاجية للضوء ليس هي كيفية قبول الجزء
22
المتقدم من الجليدية، وليس حاجة الزجاجية كحاجة الجزء المتقدم من الجليدية،
23
فانعطاف الصور عند سطح الزجاجية إنما هو لاختلاف كيفية القبول الحسي
24
أيضًا الذي بين هذين الجسمين. فالصور إذن تنعطف عند الزجاجية لحالتين،
25
إحديهما اختلاف شفيف الجسمين والأخرى اختلاف كيفية القبول الحسي الذي
206
1
في هذين الجسمين.
2
[14] وإنما اختلف الشفيف في هذين الجسمين لتتفق الخاصة التي
3
يوجبها |II 8b|[ms Fatih 3213] الشفيف والخاصة التي يوجبها اختلاف كيفية الإحساس، فتبقى
4
الصورة على هيئتها. ولو كان شفيف الجسمين شفيفًا متشابهًا لكانت الصورة تمتد
5
في جسم الزجاجية على استقامة خطوط الشعاع من أجل تشابه الشفيف، وكانت
6
تنعطف من أجل اختلاف كيفية الإحساس، وكانت الصورة من بعد الانعطاف
7
إما أن تتشوه لهذه الحال وإما أن تصير صورتين. وإذا كان اختلاف الشفيف
8
يوجب لها الانعطاف واختلاف كيفية الحس يوجب لها ذلك الانعطاف كانت
9
الصورة بعد الانعطاف صورة واحدة وعلى هيئتها. فلذلك اختلف شفيف جسم
10
الزجاجية وشفيف الجسم المتقدم من الجليدية. فالصور تصل إلى الزجاجية
11
وهي مرتبة كترتيبها في سطح المبصر فيقبلها هذا الجسم ويحس بها بما فيه من القوة
12
الحساسة، ثم تنعطف الصورة في هذا الجسم من أجل اختلاف الشفيف ومن
13
أجل اختلاف كيفية إحساس هذا الجسم بها، فتحصل الصورة |II 9a|[ms Fatih 3213] في هذا
14
الجسم على هيئتها التي كانت عليها، ثم يمتد هذا الإحساس وهذه الصور في
15
هذا الجسم وفي الجسم المتصل به إلى أن يصل الإحساس وتصل الصور إلى
16
الحاس الأخير والصور على هيئتها. فيكون امتداد الحس وامتداد الصورة في
17
جسم الزجاجية وفي الجسم الحاس الممتد في تجويف العصبة إلى الحاس الأخير
18
كامتداد إحساس اللمس وكامتداد إحساس الألم إلى الحاس الأخير.
19
[15] وإحساس اللمس وإحساس الألم إنما يمتد من الأعضاء في شظايا
20
العصب وفي الروح الممتدة في تلك الشظايا. وصور المبصرات إذا حصلت في
21
جسم الرطوبة الزجاجية وأحس بها هذا العضو امتد الحس من هذا العضو في
22
الجسم الحاس الممتد في تجويف العصبة المتصلة بين البصر وبين مقدَّم الدماغ،
23
وامتدت الصورة بامتداد الحس وتكون الصورة في حال امتدادها مترتبةً على هيئتها
24
من غير أن تتغير أوضاع أجزائها لأن الجسم الحاس مطبوع على حفظ ترتيب
25
|II 9b|[ms Fatih 3213] هذه الصور. وهذا الترتيب ينحفظ في الجسم الحاس لأن ترتيب أجزاء الجسم
207
1
الحاس القابلة لأجزاء الصور وترتيبَ القوة القابلة التي في أجزاء الجسم الحاس
2
هو في جسم الزجاجية وفي جميع الجسم اللطيف الممتد في تجويف العصبة ترتيب
3
متشابه. وإذا كان ذلك كذلك فكل نقطة من سطح الزجاجية إذا وصلت
4
الصورة إليها فإنها تجري في سمت متصل لا يتغير وضعه من تجويف العصبة الذي
5
يمتد فيه الجسم الحاس، ويكون جميع السموت التي يجري فيها جميع النقط
6
التي في الصورة متشابهة الترتيب بعضها عند بعض، وتكون هذه السموت
7
منحنية في حال انحناء العصبة، وتكون في حال انحنائها مرتبة كترتيبها قبل
8
انحنائها وبعد انحنائها من أجل كيفية الإحساس الذي في هذا الجسم، فتصل
9
الصورة إلى العصبة المشتركة وهي على هيئتها من غير أن يتغير شيء من ترتيبها.
10
وليس يصح أن يكون امتداد صور المبصرات إلى الحاس الأخير إلا على هذه
11
الصفة لأنه ليس يصح أن تصل الصورة إلى العصبة المشتركة وهي على هيئتها إلا
12
إذا |II 10a|[ms Fatih 3213] كان امتدادها على هذه الصفة.
13
[16] وإذا كانت الصور تمتد على هذا الترتيب فإن كل نقطة من سطح
14
الجليدية تمتد الصورة التي تحصل فيها أبدًا على سمت واحد بعينه إلى نقطة واحدة
15
بعينها من الموضع الذي تحصل فيه الصورة من العصبة المشتركة، لأن كل نقطة
16
من سطح الجليدية تنتهي الصورة التي تحصل فيها أبدًا إلى نقطة واحدة بعينها من
17
سطح الزجاجية. ويلزم من ذلك أن يكون كل نقطتين متشابهتي الوضع من
18
البصرين تمتد الصورتان منهما جميعًا إلى نقطة واحدة بعينها من العصبة المشتركة.
19
[17] وأيضًا فإنه يلزم أن يكون الجسم الحاس الذي في تجويف العصبة
20
فيه بعض الشفيف لتظهر فيه صور الأضواء والألوان. ويلزم أيضًا أن يكون
21
شفيفه شبيهًا بشفيف الرطوبة الزجاجية، لئلا تنعطف الصور عند وصولها إلى
22
السطح الأخير من الزجاجية الذي يلي تجويف العصبة. لأنه إذا كان شفيف
23
الجسمين متشابهًا لم تنعطف الصور، وليس يصح أن تنعطف الصور عند هذا
24
السطح لأن هذا السطح سطح كريّ |II 10b|[ms Fatih 3213] وهو من كرة صغيرة، فلو انعطفت
25
الصور من هذا السطح لم تبعد عنه إلا يسيرًا حتي تتشوه، فليس يصح أن
208
1
تنعطف الصور عند هذا السطح.
2
[18] وإذا كان شفيف الجسم الحاس الذي في تجويف العصبة مخالفًا
3
لشفيف الزجاجية لم يكن بُدٌّ من من [sic] أن يحُدِث هذا الاختلاف تشعيثًا للصورة.
4
وإن كانت الصورة تمتد بامتداد الحس فليس شفيف الجسم الحاس الذي في
5
تجويف العصبة مخالفًا لشفيف جسم الزجاجية. وليس شفيف هذا الجسم لتمتد
6
الصور فيه على السموت التي يوجبها الشفيف، وإنما شفيفه ليقبل صور الأضواء
7
والألوان وتظهرَ الصور فيه. لأن الجسم ليس يقبل الضوء واللون وتنفذ فيه
8
صور الأضواء والألوان إلا إذا كان مشفًا أو كان فيه بعض الشفيف. وليس يظهر
9
الضوء واللون في الجسم المشف إلا إذا كان فيه مع الشفيف بعض الغلظ. كذلك
10
جميع الأجسام التي تقبل الأضواء والألوان وتظهر الأضواء والألوان فيها،
11
ولذلك لم تكن الجليدية |II 11a|[ms Fatih 3213] في غاية الشفيف ولا في غاية الكثافة. فالجسم
12
الحاس الذي في تجويف العصبة مشف وفيه مع ذلك بعض الغلظ، والصورة تنفذ
13
في هذا الجسم بما فيه من الشفيف وتظهر الصور فيه للقوة الحساسة بما فيه من
14
الغلظ. والحاس الأخير إنما يدرك صور الأضواء والألوان من الصور التي تحصل
15
في هذا الجسم عند وصولها إلى العصبة المشتركة، وهو يدرك الضوء من الإضاءة
16
التي تحصل في هذا الجسم. فعلى هذه الصفة يكون وصول الصور إلى الحاس
17
الأخير ويكون إدراك الحاس الأخير لها.
18
[19] وإذ قد تبين أن الصور تنعطف عند سطح الزجاجية فإنا نقول إن
19
سهم مخروط الشعاع ليس يصح أن يكون مائلًا على هذا السطح، وليس يصح
20
أن يكون إلا عمودًا عليه. لأن السهم إذا كان مائلًا على هذا السطح فإن الصور
21
التي تحصل في سطح الجليدية |II 11b|[ms Fatih 3213] إذا وصلت إلى هذا السطح اختلف ترتيبها
22
وتغيرت هيئتها. وليس يصح أن تحصل الصور في سطح الزجاجية وهي على
23
هيئتها إلا إذا كان سهم المخروط قائمًا على هذا السطح على زوايا قائمة. وذلك
24
أنه إذا قابل البصر مبصرًا من المبصرات وحصل سهم الشعاع على سطح ذلك
25
المبصر حصلت صورة ذلك المبصر في سطح الجليدية مرتبة كترتيب أجزاء سطح
209
1
المبصر، وحصلت صورة النقطة التي عند طرف السهم من سطح المبصر في
2
النقطة التي على السهم من سطح الجليدية، وحصلت صور جميع النقط من
3
سطح المبصر التي أبعادها من النقطة التي عند طرف السهم متساوية في النقط
4
من الصورة التي في سطح الجليدية التي أبعادها من النقطة التي على السهم أبعاد
5
متساوية. لأن جميع النقط التي تحصل في سطح الجليدية هي على خطوط الشعاع
6
الممتدة من مركز البصر إلى سطح البصر. وسهم الشعاع عمود على سطح
7
الجليدية. فجميع السطوح المستوية التي تخرج من |II 12a|[ms Fatih 3213] السهم وتقطع سطح
8
الجليدية تكون قائمة على هذا السطح على زوايا قائمة.
9
[20] وقد تبين أن سطح الرطوبة الزجاجية إما مسطح وإما كري مركزه
10
غير مركز البصر. فإن كان سهم الشعاع مائلًا على هذا السطح وليس هو عمودًا
11
عليه فليس يخرج من السهم سطح مستو يكون قائمًا على هذا السطح على زوايا
12
قائمة إلا سطح واحد فقط، وجميع السطوح الباقية التي تخرج من السهم تكون
13
مائلة عليه، لأن ذلك هو خاصة الخطوط المائلة على السطوح المستويةٍ وعلى
14
السطوح الكرية. فلنتوهم السطح الذي يخرج من السهم ويكون قائمًا على
15
سطح الزجاجية على زوايا قائمة ممتدًا من السهم، فهو يقطع سطح الزجاجية
16
وسطح الجليدية ويحدث فيهما فصلين مشتركين. ولنتوهم على الفصل المشترك
17
الذي بين هذا السطح وبين سطح الجليدية نقطتين بعدهما من النقطة التي على
18
السهم من سطح الجليدية بعد مساو. ونتوهم |II 12b|[ms Fatih 3213] خطين خارجين من المركز
19
إلى هاتين النقطتين، فيكون هذان الخطان مع السهم في السطح المشترك القائم
20
على سطح الزجاجية على زوايا قائمة، لأن النقطتين اللتين على الفصل المشترك
21
من سطح الجليدية ونقطة المركز ثلثتها في هذا السطح، وتكون الزاويتان اللتان
22
تحدثان بين هذين الخطين وبين السهم متساويتين، ويكون هذان الخطان
23
يقطعان الفصل المشترك الذي يحصل في سطح الزجاجية على نقطتين، ويكون
24
السهم يقطع هذا الفصل أيضًا على نقطة متوسطة بين النقطتين اللتين على ذينك
25
الخطين. فإن كان سطح الرطوبة الزجاجية سطحًا مستويًا فإن الفصل المشترك
210
1
هو خط مستقيم. وإذا كان السهم مائلًا على سطح الرطوبة الزجاجية، وكان
2
السطح الذي أحدث الفصل المشترك قائمًا على هذا الخط، فتكون الزاويتان
3
اللتان عن جنبتيه مختلفتين، لأنه لو كان السهم قائمًا على هذا الفصل المشترك
4
|II 13a|[ms Fatih 3213] لكان قائمًا على السطح. فإذا كان السهم مائلًا على هذا الخط والزاويتان اللتان
5
عن جنبتيه مختلفتين، وكانت الزاويتان اللتان عند مركز الجليدية الذي هو طرف
6
السهم متساويتين، فإن قسمي الخط الذي هو الفصل المشترك مختلفان أحدهما
7
من الآخر، فتكون نقطتا طرفيهما مختلفتي البعد عن النقطة التي على السهم من
8
هذا الخط. وهاتان النقطتان هما اللتان تصل إليهما صورتا النقطتين من سطح
9
الجليدية المتساويتي البعد عن السهم، لأنهما عند طرفي خطي الشعاع المارَّين
10
بهاتين النقطتين. والنقطة التي على السهم من سطح الزجاجية هي التي تصل
11
إليها صورة النقطة التي على السهم من سطح الجليدية، لأن الصور تمتد من
12
سطح الجليدية إلى سطح الزجاجية على استقامة خطوط الشعاع. فإذا كان السهم
13
مائلًا على سطح الزجاجية، وكان سطح الزجاجية مسطحًا، فإن النقطتين من
14
الصورة التي تحصل في سطح الجليدية اللتين بعدهما من النقطة التي على السهم
15
|II 13b|[ms Fatih 3213] بعد متساواللتين هما في السطح القائم على سطح الزجاجية إذا وصلا إلى
16
سطح الزجاجية كان بعدهما من النقطة التي تصل على السهم بعدًا مختلفًا.
17
[21] وإذا كان السهم مائلًا على سطح الزجاجية، وكان سطح
18
الزجاجية مستويًا، فإن كل سطح يخرج من السهم ويقطع سطح الزجاجية فإن
19
الفصل المشترك الذي يحدث منه يحيط مع السهم بزاويتين مختلفتين، ما سوى
20
سطح واحد فقط، وهو الذي يقاطع السطح القائم على الزجاجية على زوايا
21
قائمة، فإن فصله المشترك يحيط مع السهم بزاويتين قائمتين. وجميع السطوح
22
الباقية يكون السهم مائلًا على فصولها المشتركة، لأن هذه هي خاصة الخطوط
23
المائلة. وإذا كانت الزاويتان اللتان تحدثان بين السهم والفصل المشترك
24
مختلفتين، وكانت الزاويتان اللتان يوترهما قسما الفصل المشترك، اللتان عند
25
مركز سطح الجليدية، متساويتين، فإن قسمي الفصل المشترك الذي يكون في
211
1
سطح الزجاجية يكونان |II 14a|[ms Fatih 3213] مختلفين، وتكون النقطتان اللتان هما طرفا هذا
2
الفصل المشترك مختلفتي البعد من النقطة التي على السهم، ويكون قسما الفصل
3
المشترك اللذان في سطح الجليدية متساويتين، وتكون النقطتان اللتان هما طرفا
4
هذا الفصل المشترك متساويتي البعد من النقطة التي على السهم من سطح
5
الجليدية. وإذا كان ذلك كذلك فإن الصورة التي تحصل في سطح الجليدية، إذا
6
وصلت إلى سطح الزجاجية، كان ترتيبها بخلاف ما هو عليه في سطح الجليدية،
7
وبخلاف ما هو عليه في سطح المبصر.
8
[22] وكذلك أيضًا يتبين إذا كان سطح الزجاجية كريًا وكان السهم مائلًا
9
عليه أن النقط التي في سطح الجليدية التي أبعادها من السهم متساوية إذا وصلت
10
إلى سطح الزجاجية كانت أبعادها من النقطة التي على السهم مختلفة، لأن السهم
11
إذا لم يكن عمودًا على سطح الزجاجية، وكان سطح الزجاجية كريًا، فليس يمر
12
هذا السهم بمركز الزجاجية، |II 14b|[ms Fatih 3213] وهو يمر بمركز سطح الجليدية، فالخطوط التي
13
تخرج من مركز الجليدية إلى النقط التي أبعادها من النقطة التي على السهم من
14
سطح الجليدية أبعاد متساوية تحيط مع السهم عند مركز الجليدية بزوايا متساوية.
15
وإذا كانت هذه الخطوط تحيط عند مركز الجليدية بزوايا متساوية، وكان مركز
16
الجليدية ليس هو مركز الزجاجية، فإن هذه الخطوط تفصل من سطح الزجاجية
17
قسيًا مختلفة، وليس شيء من الخطوط التي تحيط مع السهم بزوايا متساوية،
18
ويكون مع السهم في سطح واحد، يفصل من سطح الزجاجية قوسين
19
متساويتين إلا خطان فقط، وهما اللذان في السطح القاطع للسطح القائم على
20
سطح الزجاجية على زوايا قائمة. فإذا كان السهم مائلًا على سطح الزجاجية
21
فإن الصور التي تحصل في سطح الزجاجية تكون مختلفة الترتيب، كان هذا
22
السطح مسطحًا أو كان كريًا.
23
[23] وإذا كان السهم عمودًا على سطح الزجاجية كان عمودًا على جميع
24
الفصول المشتركة، وكان كل خطين يخرجان من مركز الجليدية، الذي هو نقطة
25
من السهم، يحيطان مع السهم بزاويتين متساويتين يفصلان من الفصل
212
1
المشترك |II 15a|[ms Fatih 3213] الذي في سطح الزجاجية قسمين متساويين، وكان بعد النقطتين
2
اللتين هما طرفا القسمين المتساويين من الفصل المشترك عن النقطة التي هي على
3
السهم من سطح الزجاجية متساويين، كان سطح الزجاجية مسطحًا أو كريًا.
4
فعلى تصاريف الأحوال ليس تصل الصورة إلى سطح الزجاجية وأوضاع أجزائها
5
على ما هي عليه في سطح المبصر إلا إذا كان السهم قائمًا على سطح الزجاجية على
6
زوايا قائمة. والحاس إنما يحس بالصورة على هيئتها التي هي عليها عند وصولها
7
إليه، والحاس إنما يدرك ترتيب أجزاء المبصر على ما هي عليه في سطح المبصر.
8
فليس يصح أن تحصل الصور في سطح الزجاجية وترتيب أجزائها على خلاف ما
9
| هي عليه، فليس يصح أن يكون سهم الشعاع مائلًا على سطح الزجاجية،
10
فسهم الشعاع إذن قائم على سطح الزجاجية على زوايا قائمة. وإذا كان هذا
11
السهم قائمًا على سطح الزجاجية على زوايا قائمة، فجميع خطوط الشعاع الباقية
12
تكون مائلة على هذا السطح، مستويًا كان هذا السطح أو كريًا، لأن جميعها
13
يقاطع السهم |II 15b|[ms Fatih 3213] على مركز الجليدية، وليس شيء من هذه الخطوط يمر بمركز
14
سطح الزجاجية إن كان كريًا إلا السهم فقط لأنه عمود عليه ولأن مركز سطح
15
الجليدية ليس هو مركز سطح الزجاجية. فإذا كان قد تبين أن الصور التي تحصل
16
في سطح الجليدية ليس تصل إلى تجويف العصبة إلا بعد أن تنعطف، وأن
17
انعطافها إنما هو عند سطح الزجاجية، وكان السطح قائمًا على هذا السطح على
18
زوايا قائمة، وكانت جميع الخطوط الباقية مائلة على هذا السطح، فإن الصور إذا
19
وصلت إلى سطح الزجاجية انعطفت جميع النقط التي فيها ما سوى النقطة التي
20
على السهم فإنها تمتد على استقامة السهم إلى أن تصل إلى موضع الانحناء من
21
تجويف العصبة. فليس شيء من الصور التي تحصل في سطح الجليدية يمتد إلى
22
تجويف العصبة على استقامة إلا النقطة التي على السهم فقط، وجميع النقط الباقية
23
إنما تصل إلى تجويف العصبة على خطوط منعطفة.
24
[24] فإذا أدرك البصر مبصرًا من المبصرات، وكان المبصر مقابلًا
25
لوسط البصر، وكان السهم في داخل مخروط الشعاع الذي يحيط بذلك المبصر،
213
1
فإن صورة ذلك المبصر |II 16a|[ms Fatih 3213] ترد من سطح المبصر إلى سطح الجليدية على استقامة
2
خطوط الشعاع وتحس بها الجليدية عند حصولها في سطحها، ثم تمتد الصورة
3
من هذا السطح على استقامة خطوط الشعاع إلى أن تصل إلى سطح الرطوبة
4
الزجاجية. فالنقطة التي تكون على السهم تمتد من هذا السطح على استقامة
5
السهم إلى أن تصل إلى موضع الانحناء من تجويف العصبة، وجميع النقط التي
6
على الخطوط الباقية تنعطف على خطوط مقاطعة لخطوط الشعاع ومتشابهة الترتيب
7
إلى أن تصل إلى موضع الانحناء من تجويف العصبة، فتحصل الصورة في هذا
8
الموضع مرتبة كترتيبها في سطح الجليدية وكترتيبها في سطح المبصر، وتكون
9
النقطة منها التي وردت على السهم قد امتدت على استقامة إلى هذا الموضع،
10
وتكون جميع النقط الباقية من الصور إنما وصلت إلى هذا الموضع على خطوط
11
منعطفة. وليس حال الصور المنعطفة كحال الصور الممتدة على استقامة، لأن
12
الانعطاف لا بد أن يغيرها تغيرًا ما. فيلزم من هذه الحال أن تكون النقطة من
13
الصورة التي تحصل في موضع الانحناء من تجويف العصبة |II 16b|[ms Fatih 3213] التي امتدت على
14
استقامة السهم أشد تحققًا من جميع النقط الباقية من الصور.
15
[25] وأيضًا فإن الانعطاف الذي يكون من النقط التي تحصل في سطح
16
الانعطاف ما كان منها قريبًا من السهم يكون انعطافه يسيرًا، وما كان منها بعيدًا
17
من السهم يكون أشد انعطافًا، لأن الانعطاف إنما يكون بحسب الزوايا التي
18
تحدث بين الخطوط التي ترد عليها الصور وبين الأعمدة التي تقوم على سطح
19
الانعطاف، والخطوط التي تحيط مع الأعمدة بزوايا أصغر يكون انعطافها على
20
زوايا أصغر، والخطوط التي تحيط مع الأعمدة بزوايا أعظم يكون انعطافها على
21
زوايا أعظم. وخطوط الشعاع ما كان منها قريبًا من السهم يكون ميله على سطح
22
الانعطاف أقل، فهو يحيط مع الأعمدة التي تقوم على سطح الانعطاف بزوايا
23
أصغر. وما كان منها بعيدًا عن السهم يكون ميله على سطح الانعطاف
24
|II 17a|[ms Fatih 3213] أكثر، فهو يحيط مع الأعمدة التي تقوم على سطح الانعطاف بزوايا أعظم.
25
فالنقط التي تكون قريبة من السهم يكون انعطافها أقل من انعطاف النقط البعيدة
214
1
من السهم، وكلما كان من النقط أشد تباعدًا من السهم كان أكثر انعطافًا.
2
والصور التي انعطافها أقل تكون أشد تحققًا وأقل تشعثًا من الصور التي انعطافها
3
أكثر. فالصور التي تحصل في موضع الانحناء من تجويف العصبة تكون النقطة
4
منها التي على السهم أبين من جميع النقط الباقية وأشد تحققًا، وما قرب منها يكون
5
أشد تحققًا مما بَعُدَ.
6
[26] وهذه الصور هي التي تمتد إلى العصبة المشتركة وهي التي منها
7
يدرك الحاس الأخير صورة المبصر. وإذا كانت هذه الصورة التي تحصل في
8
موضع الانحناء من تجويف العصبة مختلفة الأحوال، والنقطة منها التي وردت
9
على السهم أشد تحققًا من جميع النقط الباقية، |II 17b|[ms Fatih 3213] وما قرب من هذه النقط أشد
10
تحققًا مما بعد، فالصورة إذن التي تحصل في العصبة المشتركة التي منها تدرك القوة
11
الحساسة صورة المبصر تكون مختلفة الأحوال، والنقطة منها النظيرة للنقطة التي
12
عليها السهم من سطح المبصر تكون أشد تحققًا من جميع النقط الباقية من
13
الصورة، وما قرب من هذه النقط يكون أشد تحققًا مما بعد. فصور المبصرات
14
التي يدركها البصر ما كان منها عند السهم يكون أبين عند الحس وأشد تحققًا مما
15
كان عند أطراف الخطوط الباقية من خطوط الشعاع، وما كان عند أطراف الخطوط
16
القريبة من السهم يكون أبين مما كان عند أطراف الخطوط البعيدة من السهم.
17
[27] فإذا استقرئت أحوال المبصرات، وميزت كيفية إدراك البصر
18
للمبصرات التي يدركها البصر معًا، وكيفية إدراك البصر لأجزاء المبصر الواحد،
19
وجدت أحوالها موافقة للمعنى الذي حددناه ومطردة لا تختلف ولا تنتقض.
20
وذلك أن الناظر |II 18a|[ms Fatih 3213] إذا قابل في الوقت الواحد مبصرات كثيرة، وسكن بصره ولم
21
يحركه، فإن ما كان من تلك المبصرات مقابلًا لوسط بصره يجده أبين مما يكون عن
22
جوانب ذلك المتوسط، وما كان قريبًا من المتوسط يكون أبين مما يكون بعيدًا
23
عنه. وكذلك إذا نظر الناظر إلى مبصر فسيح الأقطار وقابل ببصره وسط ذلك
24
المبصر وسكن بصره، فإنه يدرك وسط ذلك المبصر أبين مما يدرك أطرافه
25
وحواشيه. ويتبين هذا المعنى بيانًا واضحًا إذا كانت أشخاص كثيرة أو مبصرات
215
1
كثيرة، وكانت تلك المبصرات متتالية، وكانت على مسافة معترضة للبصر،
2
وكان الناظر مقابلًا لشخص منها متوسط بين تلك الأشخاص الباقية ونظر الناظر
3
إلى الشخص المتوسط وسكن بصره، فإنه يدرك ذلك الشخص إدراكًا بينًا محققًا،
4
ويدرك مع ذلك أيضًا الأشخاص الباقية التي عن جنبتي ذلك الشخص ولكن
5
إدراكًا ليس في غاية البيان، ويحس بما قرب من المتوسط أبين مما يحس |II 18b|[ms Fatih 3213] بالبعيد
6
منه. وتظهر هذه الحال ظهورًا أبين إذا كانت المسافة التي عليها تلك الأشخاص
7
طويلة وكان بين المتطرف من تلك المبصرات وبين المتوسط منها مسافة مقتدرة،
8
فإن المبصرات التي يدركها الناظر على هذه الصفة يكون بين إدراكه المتوسط منها
9
وبين إدراكه المتطرف عند سكون البصر تفاوت ظاهر.
10
[28] ثم إن حرك الناظر بصره وقابل بوسطه مبصرًا آخر من تلك
11
المبصرات غير ذلك المبصر الذي كان مقابلًا له، فإنه يدرك هذا الثاني إدراكًا
12
بينًا، ويصير إدراكه للأول إدراكًا ضعيفًا. وإن قابل ببصره الشخص المتطرف
13
من تلك الأشخاص وحقق التحديد إليه أدركه إدراكًا أبين مما كان يدركه في الحالة
14
الأولى، ويكون تبينه له بحسب ما يقتضيه بعده منه، ويدرك مع ذلك الشخص
15
المتوسط في هذه الحال إدراكًا ضعيفًا مع قربه منه، ويكون بين إدراكه للمبصر
16
المتوسط في حال مقابلته للمتطرف وبين إدراكه لذلك المتوسط |II 19a|[ms Fatih 3213] في حال مقابلته
17
له تفاوت ظاهر محسوس.
18
[29] وكذلك إذا نظر الناظر إلى جسم فسيح الأقطار، وكان بين أطرافه
19
وبين وسطه أبعاد مقتدرة، وقابل بوسط بصره وسط ذلك المبصر، وسكَّن بصره
20
وتفقد إدراكه لذلك المبصر، فإنه يجد إدراكه لوسط ذلك المبصر أبين من إدراكه
21
لأطرافه، ويجد بين الإدراكين تفاوتًا ظاهرًا، ويجد ما قرب من الوسط من أجزائه
22
أبين مما بعد عن الوسط. وإن حرك بصره وقابل جزءًا غير ذلك الجزء من المبصر
23
صار إدراكه للجزء الثاني أبين من إدراكه لذلك الجزء في الحالة الأولى، وصار
24
إدراكه للجزء الأول أضعف من إدراكه له في الحالة الأولى.
25
[30] فيتبين من هذا الاعتبار أن الإبصار بوسط البصر وبالسهم الذي
216
1
حددناه أبين وأشد تحققًا من الإبصار بحواشي البصر وبالخطوط المحيطة
2
بالسهم، وأن الإبصار بما قرب من الوسط وبما قرب من السهم أبين من الإبصار
3
بما بعد عن الوسط وعن السهم. فقد تبين بالاستقراء والاستدلال أن الإبصار
4
|II 19b|[ms Fatih 3213] يكون بسهم مخروط الشعاع أبين من الإبصار بجميع خطوط الشعاع الباقية
5
وأن الإِبصار بما قرب من السهم أبين من الإبصار ما بعد عنه.
6
الفصل الثالث
7
في كيفية إدراك كل واحد من المعاني
8
الجزئية التي تد رك بحاسة البصر
9
[1] إن حاسة البصر ليس يدرك شيئًا من المعاني المبصرة إلا في الجسم.
10
والأجسام تجمع معاني كثيرة وتعرض فيها معان كثيرة. وحاسة البصر يدرك من
11
الأجسام كثيرًا من المعاني التي تكون فيها وكثيرًا من المعاني التي تعرض فيها.
12
واللون هو أحد المعاني التي تكون في الأجسام، والضوء أحد المعاني التي تكون
13
في الأجسام وأحد المعاني التي تعرض في الأجسام. وحاسة البصر يدرك هذين
14
المعنيين من الأجسام، ويدرك من الأجسام معاني أخَر غير هذين المعنيين،
15
كالشكل والوضع والعظم والحركة وغير ذلك من المعاني التي يأتي تفصيلها من
16
بعد. ويدرك أيضًا تشابه الألوان واختلافها |II 20a|[ms Fatih 3213] وتشابه الأضواء واختلافها.
17
ويدرك أيضا تشابه الأشكال والأوضاع والحركات وتشابه جميع المعاني الجزئية.
18
ويدرك أيضا تشابه الأشخاص واختلافها وتشابه الألوان واختلافها.
19
[2] إلا أنه ليس إدراك حاسة البصر لجميع المعاني على صفة واحدة ولا
20
إدراكها لكل واحد من المعاني بمجرد الحس. وذلك أن حاسة البصر إذا أدركت
21
شخصين من الأشخاص في وقت واحد وكان الشخصان متشابهين في الصورة
22
فإنها تدرك الشخصين وتدرك أنهما متشابهان. وتشابه صورتي الشخص ليس هو
23
الصورتين أنفسهما ولا واحدة منهما.
24
[3] وإذا كانت حاسة البصر تدرك الشخصين من الصورتين اللتين
217
1
تحصلان في البصر للشخصين فهي تدرك تشابه الشخصين من تشابه الصورتين
2
اللتين تحصلان في البصر للشخصين. وتشابه الصورتين اللتين تحصلان في البصر
3
ليس هو الصورتين أنفسهما اللتين في البصر ولا واحدة منهما. وليس يحصل في
4
البصر صورة ثالثة للشخصين |II 20b|[ms Fatih 3213] يدرك الحس منها التشابه. وليس يحصل في
5
البصر للشخصين غير الصورتين فقط. فليس إدراك حاسة البصر للتشابه من
6
صورة ثالثة تحصل في البصر تخص التشابه.
7
[4] وأيضًا فإن تشابه الصورتين هو اتفاقهما في معنى من المعاني وحصول
8
ذلك المعنى في كل واحد من الصورتين. فليس يدرك تشابه الصورتين إلا من
9
قياس إحديهما بالأخرى وإدراك المعنى الذي به يتشابهان في كل واحدة منهما.
10
وإذا كانت حاسة البصرتدرك التشابه، ولم يكن في البصر صورة ثالثة يدرك منها
11
التشابه، وكان التشابه ليس يدرك إلا من قياس إحدى الصورتين بالأخرى،
12
فحاسة البصر إذن إنما تدرك تشابه الصورتين من قياس إحدى الصورتين اللتين
13
تحصلان في البصر إحديهما بالأخرى.
14
[5] وكذلك أيضًا يدرك حاسة البصر اختلاف الصورتين المختلفتين من
15
قياس إحدى الصورتين بالأخرى.
16
[6] فتشابه الصور واختلافها إنما يدركه حاسة البصر من قياس الصور
17
التي تحصل في البصر بعضها ببعض.
18
[7] وإذا كان ذلك كذلك فإدراك حاسة البصر لتشابه الصور واختلافها
19
ليس هو مجرد الحس وإنما هو من قياس الصور |II 21a|[ms Fatih 3213] التي يدركها بمجرد الحس
20
بعضها ببعض.
21
[8] وأيضًا فإن البصر إذا أدرك لونين من جنس واحد وكان أحدهما أقوى
22
من الآخر كأخضر زنجاري وأخضر فستقي، فإن الحاس يدرك أنهما أخضران
23
ويدرك أن أحدهما أشد خضرة من الآخر ويفرق بين الخضرتين، فهو يدرك
24
تشابههما في الخضرة ويدرك اختلافهما في القوة والضعف. وكذلك يفرق بين
25
الحمرتين وبين الزرقتين وكل لونين من جنس واحد إذا كان أحدهما أقوى من
218
1
الآخر.
2
[9] والتفريق بين الخضرتين ليس هو نفس الإِحساس بالخضرة، لأن
3
الإحساس بالخضرة إنما هو من اخضرار البصر بالخضرة، والبصر بكلى الخضرتين
4
يخضرّ، ومن اخضراره بكلتي الخضرتين يدرك الحاس أنهما من جنس واحد.
5
فإدراكه أن إحدى الخضرتين أقوى من الآخر وإدراكه أنهما من جنس واحد هو
6
تمييز التلون الذي يحصل في البصر لا نفس الإحساس بالتلون.
7
[10] وكذلك إذا كان اللونان متشابهين في القوة وكانا من جنس واحد
8
فالحاس يدرك اللونين ويدرك أنهما من جنس واحد. والحاس يدرك اللونين
9
ويدرك أنهما من جنس واحد ويدرك أنهما متشابهان في القوة.
10
[11] |II 21b|[ms Fatih 3213] وكذلك حال الأضواء عند حاسة البصر. فإن حاسة البصر يدرك
11
الأضواء ويفرق بين الضوء القوي والضوء الضعيف ويدرك تشابه الأضواء في
12
القوة والضعف.
13
[12] فإِدرك حاسة البصر لتشابه الألوان واختلافها وإدراكها لتشابه
14
الأضواء واختلافها وإدراكها لتشابه تخطيط صور المبصرات وهيئاتها ولاختلافها
15
واختلاف هيئاتها إنما هو بتمييزها وقياس بعضها إلى بعض لا بمجرد الحس.
16
[13] وأيضًا فإن حاسة البصر ليس يدرك شفيف الأجسام المشفة إلا
17
بالتمييز والقياس. وذلك أن الأحجار المشفة التي شفيفها يسير ليس يدرك البصر
18
شفيفها إلا بعد أن يقابل بها الضوء وتُستشَفُ. فإذا أدرك الضوء من ورائها أدرك
19
أنها مشفة. وكذلك كل جسم مشف ليس يدرك البصر شفيفه إلا بعد أن يدرك ما
20
وراءه من الأجسام، أو يدركَ الضوء من ورائه، ويدركَ التمييزُ مع ذلك أن
21
الذي يظهر من ورائه هو غير الجسم المشف. وليس يدرك الشفيف إن لم يدرك ما
22
وراء الجسم المشف أو يدرك نفوذ الضوء فيه ويدرك التمييزُ |II 22a|[ms Fatih 3213] مع ذلك أن الذي
23
يظهر من وراء ذلك الجسم هو غير ذلك الجسم.
24
[14] وإدراك أن ما وراء الجسم المشف هو غير ذلك الجسم ليس هو
25
إدراكًا بمجرد الحس وإنما هو إدراك بالاستدلال، فالشفيف ليس يدرَك إلا
219
1
بالاستدلال. وإذا كان ليس يدرك الشفيف إلا بالاستدلال فليس إدراك الشفيف
2
إلا بالتمييز والقياس.
3
[15] وأيضًا فإن الكتابة ليس تدرك إلا من تمييز صور الحروف وتأليفها
4
وقياسها بأمثالها التي قد عرفها الكاتب من قبل ذلك وألِفها. وكذلك كثير من
5
المعاني المبصرة إذا تؤملت كيفية إدراكها وُجدت ليس تدرك بمجرد الإِحساس
6
وليس تدرك إلا بالتمييز والقياس.
7
[16] وإذا كان ذلك كذلك فليس جميع ما يدرك بحاسة البصر يدرك
8
بمجرد الحس، بل كثير من المعاني المبصرة تدرك بالتمييز والقياس مع الإِحساس
9
بصورة المبصر، لا بمجرد الحس فقط.
10
[17] وليس للبصر قوة التمييز ولكن القوة المميزة هي التي تميز هذه
11
المعاني. إلا أن تمييز القوة المميزة للمعاني المبصرة ليس |II 22b|[ms Fatih 3213] يكون إلا بتوسط
12
حاسة البصر.
13
[18] وأيضًا فإن البصر يعرف المبصرات ويدرك كثيرًا من المبصرات
14
وكثيرًا من المعاني المبصرة بالمعرفة، فيعرف الإنسانَ أنه إنسان، ويعرف الفرسَ
15
أنه فرس، ويعرف زيدًا بعينه أنه زيد إذا كان قد شاهده من قبل وكان ذاكرًا
16
لمشاهدته، ويعرف الحيوانات المألوفة، ويعرف النبات والثمار والأحجار
17
والجمادات التي قد شاهدها من قبل وشاهد أمثالها، ويعرف الآلات وما يكثر
18
استعماله وتكثر مشاهدته، ويعرف جميع المعاني المألوفة التي تكون في المبصرات
19
التي تكثر مشاهدته لها.
20
[19] وليس يدرك البصر مائية شيء من المبصرات إلا بالمعرفة. والمعرفة
21
ليس هي إدراكًا بمجرد الإحساس، وذلك أن البصر ليس يعرف كل ما شاهده من
22
قبل. وإذا أدرك البصر شخصًا من الأشخاص وغاب عنه مدة ثم شاهده من بَعد
23
ولم يكن ذاكرًا لمشاهدته الأوّلة فليس يعرفه وإنما يعرف ما يعرفه إذا كان ذاكرًا
24
لمشاهدته من قبل. فلو كانت المعرفة هي إدراكًا بمجرد الإَحساس |II 23a|[ms Fatih 3213] لكان البصر
25
إذا رأى شخصًا قد شاهده من قبل عرفه عند المشاهدة الثانية على تصاريف
220
1
الأحوال. ولكن البصر ليس يعرف الشخص الذي قد شاهده من قبل إلا إذا كان
2
ذاكرًا لمشاهدته الأوّلة ولصورته التي أدركها في الحالة الأولى أو في المرات التي
3
تكررت عليه تلك الصورة من قبل. وليس تكون المعرفة إلا بالذكر. وإذا كانت
4
المعرفة ليس تكون إلا بالذرك فالمعرفة إذن ليس هي إدراكًا بمجرد الإِحساس.
5
[20] والإدراك بالمعرفة هو إدراك بضرب من ضروب القياس. وذلك
6
أن المعرفة هو إدراك تشابه الصورتين، أعني الصورة التي يدركها البصر من
7
المبصرات في حال المعرفة والصورة التي أدركها من ذلك المبصر أو من أمثاله في
8
الحالة الأولى أو في المرات التي تقدمت إن كان أدرك ذلك المبصر أو أمثاله مرات
9
كثيرة. ولذلك ليس تكون المعرفة إلا بالتذكر لأنه إن لم تكن الصورة الأوّلة
10
حاضرة للذكر لم يدرك تشابه الصورتين ولم يعرف البصر المبصر.
11
[21] والمعرفة قد |II 23b|[ms Fatih 3213] تكون بالشخص وقد تكون بالنوع. فالمعرفة
12
بالشخص تكون من تشبيه صورة الشخص المبصر التي أدركها البصر في حال
13
معرفة الشخص بصورته التي أدركها من قبل. والمعرفة بالنوع تكون من تشبيه
14
صورة المبصر بصورة أمثاله من أشخاص نوعه التي أدركها البصر من قبل.
15
[22] وإدراك التشابه هو إدراك بقياس، لأنه إنما هو من قياس إحدى
16
الصورتين بالأخرى. فالمعرفة إذن إنما تكون بضرب من ضروب القياس. إلا أن
17
هذا القياس يتميز عن جميع المقاييس. وذلك أن المعرفة ليس تكون باستقراء جميع
18
المعاني التي في الصورة، بل إنما تكون المعرفة بالأمارات. فإذا أدرك البصرمعنى
19
من المعاني التي في الصورة، وكان ذاكرًا للصورة الأوّلة، فقد عرف الصورة.
20
وليس كذلك جميع ما يدرَك بالقياس، فإن كثيرًا مما يدرك بالقياس ليس يدرك إلا
21
بعد استقراء جميع المعاني التي في الشخص الذي يدرَك بالقياس أو أكثرِها.
22
[23] وكذلك كثير من المعاني المبصرة التي تدرك بالقياس ليس تدرك
23
إلا بعد استقراء جميع المعاني التي فيها. وذلك أن الإنسان الكاتب إذا لحظ
24
|II 24a|[ms Fatih 3213] صورة ابجد مكتوبة في ورقة فإنه في حال ملاحظته لها قد أدرك أنه ابجد لمعرفته
25
بالصورة. فمن إدراكه لتقدم الألف وتأخر الدال قد أدرك أنه ابجد، أو من
221
1
إدراكه لتشكل جملة الصورة قد أدرك أنها ابجد. وكذلك إذا رأى اسم الله تعالى
2
مكتوبًا فإنه في حال ملاحظته قد أدرك أنه اسم الله تعالى بالمعرفة. وكذلك جميع
3
الكلمات المشهورة التي يكثر تكررها على البصر إذا شاهدها الكاتب أدرك ما هي
4
الكلمة في الحال بالمعرفة من غير حاجة إلى استقراء حروفها حرفًا حرفًا. وليس
5
كذلك إذا لحظ الكاتب كلمة غريبة مكتوبة وكانت كلمة لم ترد عليه قبل ذلك
6
الوقت ولم يقرأ مثلها من قبل. وليس يدرك الكاتب الكلمة الغريبة التي لم ترد
7
عليه من قبل إلا بعد أن يستقرىء[*]يستقرىء corrupt for يستقرئ حروفها حرفًا حرفًا ويميز معانيها ومن بعد
8
ذلك يدرك معنى الكلمة. وكذلك كل معنى يدرك بحاسة البصر إذا لم يكن قد
9
ورد على البصر من قبل. فكل صورة لم تكن وردت على البصر من قبل ولم يرد
10
عليه مثلها إذا أدركها البصر ليس يدرك البصر ما هي تلك الصورة |II 24b|[ms Fatih 3213] أو 〈ما〉 هو
11
ذلك المعنى، وليس يدرك أيضا حقيقة تلك الصورة ولا حقيقة ذلك المعنى،
12
إلا بعد أن يستقريء جميع المعاني التي في تلك الصورة أو في ذلك المعنى أو
13
كثيرًا منها ويميز معانيها.
14
[24] والصورة التي قد أدركها البصر من قبل أو أدرك أمثالها يدرك البصر
15
ما هي تلك الصورة في حال إدراكه الصورة من إدراكه بعض المعاني التي في
16
الصورة إذا كان ذاكرًا لإدراكه لتلك الصورة أو أمثالها من قبل. فالذي يدرَك
17
بالمعرفة يدرك بالأمارة، وليس كلُّما يدرك بالقياس يدرك بالأمارات. والإِدراك
18
بالمعرفة يتميز عن جميع ما يدرك بالقياس إذا لم يكن إدراكًا بالمعرفة، وهو يتميز
19
بالسرعة لأنه إدراك بالأمارات. وأكثر المعاني المبصرة ليس تدرك إلا بالمعرفة،
20
وليس تدرك مائية شيء من المبصرات ولا مائية شيء من المحسوسات بجميع
21
الحواس إلا بالمعرفة.
22
[25] والمعرفة ليس هي مجرد الإِحساس. فحاسة البصر يدرك صور
23
المبصرات من الصور التي ترد إلى البصر من ألوان المبصرات وأضوائها.
24
|II 25a|[ms Fatih 3213] وإدراكها للأضواء بما هي أضواء وللألوان بما هي ألوان يكون بمجرد الإِحساس.
25
ثم ما كان في الصور من المعاني قد أدركها البصر من قبل أو أدرك أمثالها، وهو
222
1
ذاكر لما أدركه منها ومن أمثالها، فإنما يدركها في الحال بالمعرفة ومن الأمارات التي
2
تكون في الصورة. ثم القوة المميزة تميز هذه الصورة فيدرك منها جميع المعاني التي
3
تكون فيها من الترتيب والتخطيط والتشابه والاختلاف وجميع المعاني التي تكون
4
في الصورة التي ليس يتم إدراكها بمجرد الحس ولا بالمعرفة. فالمعاني التي تدرك
5
بحاسة البصر منها ما يدرك بمجرد الحس ومنها ما يدرك بالمعرفة ومنها ما يدرك
6
بتمييز وقياس يزيد على مقاييس المعرفة.
7
[26] وأيضًا فإن أكثر المعاني المبصرة التي تدرك بالتمييز والقياس يدرك
8
أكثرها في زمان في غاية الصغر، ولا يظهر في أكثر الأحوال أن إدراكها بتمييز
9
وقياس لسرعة القياس الذي به تدرك هذه المعاني وسرعةِ إدراكها بالقياس.
10
وذلك أن شكل الجسم وعظم الجسم وشفيف الجسم المشف وما جرى |II 25b|[ms Fatih 3213] هذا
11
المجرى من المعاني التي في المبصرات تدرك في أكثر أحوالها إدراكًا في غاية السرعة
12
ولا تدرك في الحال إذ إدراكها بقياس وتمييز إذا كان إدراكها في غاية السرعة.
13
وسرعة إدراك هذه المعاني بالقياس إنما هو لظهورمقدَّماتها ولكثرة اعتياد القوة
14
المميزة لتمييز هذه المعاني. فهي في حال ورود الصورة عليها قد أدركت جميع
15
المعاني التي فيها. وإذا أدركت القوة المميزة جميع المعاني التي في الصورة فهي
16
تتميز لها في حال إدراكها. وإذا تميزت لها جميع المعاني التي في الصورة فقد
17
أدركت نتائج تلك المعاني في حال تمييزها.
18
[27] وكذلك جميع المقاييس التي مقدَّماتها الكلية ظاهرة ومستقرة في
19
النفس ليس تحتاج القوة المميزة في إدراك نتائجها إلى زمان مقتدر، بل في حال
20
فهمها للمقدمة قد فَهِمت النتيجة. مثال ذلك لو طرق سمع سامع صحيح
21
التمييز قول قائل هذا الشخص كاتب لكان ذلك السامع يدرك في الحال مع نفس
22
فهمه لهذا اللفظ أن ذلك الشخص الذي سمع بصفته هو إنسان، وإن لم ير ذلك
23
الشخصَ، ومن غير توقف |II 26a|[ms Fatih 3213] ولا زمان مقتدر. وليس إدراكه لأن الشخص
24
الكاتب إنسان إلا بالمقدمة الكلية وهي أن كل كاتب إنسان. فمن استقرار هذه
25
المقدمة في النفس وظهورها عند القوة المميزة صار السامع متى سمع بالمقدمة
223
1
الجزئية التي هي هذا الشخص كاتب فهم في الحال أن ذلك الشخص إنسان.
2
وكذلك إن قال قائل ما أمضى هذا السيف فإن السامع المميز إذا سمع هذا اللفظ
3
فهم في الحال أن ذلك السيف المشار إليه حديد. وليس إدراكه بأن ذلك السيف
4
حديد إلا بالمقدمة الكلية التي هي كل سيف ماض فهو حديد.
5
[28] وكذلك جميع المقاييس التي مقدماتها ظاهرة ومستقرة في النفس
6
وحاضرة للذكر تدرك القوة المميزة نتائجها في حال استماعها للمقدمة الجزئية وفي
7
زمان في غاية الصغر، ولا يكون بين الآن الذي يقع فيه فهم المقدمة الجزئية وبين
8
الآن الذي تدرك فيه القوة المميزة النتيجة زمان ظاهر المقدار. والعلة في ذلك أن
9
القوة المميزة ليس تقيس بترتيب وتأليف وبتكرير المقدمات |II 26b|[ms Fatih 3213] كما يكون في ترتيب
10
القياس باللفظ. وذلك أن القياس المنتج ليس يكون قياسًا في اللفظ إلا بترتيب
11
المقدمات، ومثاله هذا الشخص كاتب وكل كاتب إنسان فهذا الشخص إنسان.
12
فبهذا الترتيب صار اللفظ قياسًا وأنتجت النتيجة. ولو لم يرتَّب اللفظ هذا
13
الترتيب لما أنتجت النتيجة. وليس كذلك قياس القوة المميزة، لأن القوة
14
المميزة تدرك النتيجة من غير حاجة الى اللفظ ومن غير حاجة الى تكرير المقدمة
15
وترتيبها ومن غير حاجة إلى تكرير اللفظ وترتيبه.
16
[29] وترتيب لفظ القياس إنما هو صفة كيفية إدراك التمييز للنتيجة،
17
وإدراك التمييز للنتيجة ليس يحتاج إلى نعت الكيفية وإلى ترتيب كيفية الإِدراك.
18
فالقوة المميزة إذا أدركت المقدمة الجزئية، وكانت ذاكرة للمقدمة الكلية، فإنها في
19
حال فهمها للمقدمة الجزئية قد فهمت النتيجة، لا في زمان له قدر يعتد به، بل
20
في أقل القليل من الزمان، إذا كانت المقدمة الكلية |II 27a|[ms Fatih 3213] ظاهرة عند القوة المميزة.
21
[30] فالمعاني المبصرة التي تدرك بالقياس يكون إدراك أكثرها إدراكًا في
22
غاية السرعة. ولا يظهر في أكثر الأحوال أن إدراكها بالقياس والتمييز لسرعة
23
إدراكها، وسرعة إدراكها إنما هو لظهور مقدماتها وكثرة اعتياد القوة المميزة
24
لتمييزها. وأيضًا فإن المعاني المبصرة التي تدرك بالقياس والتمييز إذا تكرر
25
إدراكها بالقياس وفهمت القوة المميزة معانيها، صار إدراك القوة المميزة لها، إذا
224
1
وردت عليها من بعد استقرار فهمها، بالمعرفة من غير حاجة إلى أن تستقريء[*]تستقريء corrupt for تستقرئ
2
جميع المعاني التي فيها، بل تدركها بالأمارات، وتصير تلك النتيجة من جملة
3
المعاني التي تدرَك بالمعرفة لا باستئناف التمييز والقياس واستقراء جميع المعاني
4
التي فيها. ومثال ذلك الكلمة الغريبة المكتوبة إذا وردت على الكاتب ولم تكن
5
وردت عليه قبل ذلك ولا ورد عليه مثلها. فليس يدركها إلا بعد أن يستقريء
6
حروفها حرفًا حرفًا. ثم إذا أدركها وفهمها وغابت عنه ثم أدركها ثانية وهوذاكر
7
|II 27b|[ms Fatih 3213] لها، فإنه يدركها في الثاني أسرع مما أدركها في الأول. ثم إذا تكرر إدراكه
8
لتلك الكلمة مرات كثيرة استقرت صورة تلك الكلمة في نفسه وصار إدراكه لها
9
من بعد ذلك بالمعرفة، وفي حال ملاحظته ها قد أدركها من غير حاجة إلى استئناف
10
تمييزها واستقراء جميع حروفها حرفًا حرفًا، بل يدركها في حال ملاحظته لها كما
11
يدرك صورة ابجد وكما يدرك الكلمات التي يعرفها.
12
[31] وكذلك جميع المعاني المبصرة التي تدرك بالقياس إذا تكرر إدراك
13
البصر لها صار إدراكه لها بالمعرفة من غير استئناف القياس الذي به أدرك
14
صحتها، وكذلك جميع المعاني التي تدرك بالقياس إذا كانت مقدماتها ظاهرة
15
ونتائجها صادقة. فإنه إذا فهمت النفس النتيجة بالقياس واستقرت صحتها في
16
الوهم ثم تكرر ذلك المعنى على النفس مرات كثيرة صارت النتيجة بمنزلة
17
المقدمة الظاهرة فتصير متى وردت القضية على النفس حكم التمييز بالنتيجة من
18
غير حاجة إلى استئناف قياس.
19
[32] وكثير من المعاني التي ليس إدراك |II 28a|[ms Fatih 3213] التمييز لصحتها إلا بالقياس
20
يُظنَ بها أنها علوم أُوَل وأنها تدرك بفطرة العقل وليس إدراكها بقياس. ومثال
21
ذلك أن الكل أعظم من الجزء يسمى علمًا أوّلَ ويظن به أنه يُحكَم بصحته بفطرة
22
العقل وليس إدراك صحته بقياس لسرعة قبول الفهم له ولأن التمييز لا يشك فيه
23
في وقت من الأوقات. والكل أعظم من الجزء ليس يدرك إلا بقياس ولا طريق
24
إلى إدراك صحته إلا بالقياس لأن التمييز لا طريق له إلى إدراك أن الكل أعظم من
25
الجزء إلا بعد فهمه لمعنى الكل وفهمه لمعنى الجزء وفهمه لمعنى أعظم. لأنه إن لم
225
1
يفهم التمييز معاني أجزاء اللفظ لم يفهم معنى جملة اللفظ. ومعنى الكل إنما هو
2
الجملة ومعنى الجزء إنما هو البعض والأعظم إنما هو مضاف إلى غيره ومعنى
3
الأعظم هو الذي يساوي الغير الذي هو مضاف إليه ببعضه ويزيد عليه بالباقي.
4
ومن انطباق معنى الأعظم في الزيادة على معنى الكل في الزيادة ظهر أن الكل
5
أعظم من الجزء. فمِن فهم القوة المميزة لمعنى الكل ولمعنى الجزء ولمعنى
6
الأعظم، |II 28b|[ms Fatih 3213] ومن إدراكها لاتفاق معنى الكل ومعنى الأعظم في الزيادة،
7
أدركت أن الكل أعظم من الجزء. وإذا كان إدراكها لأن الكل أعظم من الجزء
8
إنما هو بهذه الطريقة فإدراكها له إنما هو بقياس لا بفطرة العقل. والذي هو في
9
فطرة العقل إنما هو إدراكه لاتفاق معنى الكل ومعنى الأعظم في الزيادة فقط.
10
وهذا المعنى هو المقدمة الكلية التي أنتجت النتيجة وفي حال ملاحظة العقل لهذا
11
المعنى قد فهم النتيجة، فالكل أعظم من الجزء هو نتيجة قياسٍ هذا المعنى مقدمته
12
الكلية.
13
[33] وترتيب هذا القياس في اللفظ هو أن الكل يزيد على الجزء، وكلُّما
14
يزيد على غيره فهو أعظم منه، فالكل أعظم من الجزء. فالقياس يترتب في اللفظ
15
على هذه الصفة. وإدراك القوة المميزة لهذا المعنى بالقياس إنما هو من إدراكها لأن
16
معنى الكل ومعنى أعظم متفقان في الزيادة، وسرعة إدراكها للنتيجة إنما هو لأن
17
المقدمة الكلية ظاهرة. فإدراك القوة المميزة لأن الكل أعظم من الجزء هو بقياس
18
|II 29a|[ms Fatih 3213] ولكن مقدمته الكلية ظاهرة عندها فهي تدرك نتيجتها في حال ورود المقدمة
19
الجزئية وفي حال فهمها لها، والمقدمة الجزئية هو معنى الكل في زيادته على
20
الجزء. ولاستقرار صدق نتيجة هذا القياس في النفس وصحتها في الفهم
21
وحضورها للذكر صارت متى وردت القضية قَبِلها العقل من غير استئناف قياس
22
بل من معرفته بها فقط.
23
[34] وكلُّما كان من هذا الجنس من العلوم فإنه يسمى علمًا أوّلَ ويُظَن
24
به أنه يدرَك بمجرد العقل وليس يحُتاج في إدراك صحته إلى قياس. والعلة في ذلك
25
أنه يدرك بالبديهة في حال وروده على العقل، وهو إنما يدرك بالبديهة بالمعرفة
226
1
لاستقرار صحته في النفس ولذكر النفس له ولصحته ولمعرفة النفس بالقضية عند
2
ورودها. فقبول العقل لما هذه صفته من العلوم بالبديهة إنما هو بالمعرفة،
3
وإدراك صحته إنما هو لاستقرار صحته في النفس، وصحته إنما استقرت في
4
النفس بالقياس وبتمييز مقدماته وفهم معانيها.
5
[35] فالمقاييس التي |II 29b|[ms Fatih 3213] مقدماتها الكلية ظاهرة ومستقرة في النفس
6
تدرك القوة المميزة نتائجها في حال فهمها للمقدمة الجزئية وفي زمان غير محسوس.
7
ثم إذا تكرر القياس الذي بهذه الصفة واستقرت صحة النتيجة في النفس،
8
صارت النتيجة بمنزلة المقدمة الظاهرة، وصارت المقدمة الجزئية بمنزلة المقدمة
9
الكلية في الظهور، وصارت القوة المميزة متى وردت عليها المقدمة الجزئية أدركت
10
النتيجة بالمعرفة من غير استئناف للقياس الأول الذي به أدركت تلك النتيجة ومن
11
غير تمييز لكيفية الإِدراك. وعلى هذه الصفة يكون إدراك القوة المميزة لأكثر المعاني
12
المدركة بالقياس من المعاني المبصرة في حال إدراكها للصورة وفي زمان غير
13
محسوس. ثم إذا تكرر ذلك المعنى على البصر واستمر إدراكه له، واستقر فهم
14
القوة المميزة لتلك النتيجة، صارت النتيجة بمنزلة المقدمة الظاهرة وصار إدراك
15
القوة المميزة لذلك |II 30a|[ms Fatih 3213] المعنى بالمعرفة وفي حال ورود ذلك المعنى وبالأمارات،
16
من غير استئناف للقياس الأول الذي يستقريء فيه جميع المعاني التي في
17
الصورة.
18
[36] وأيضا فإن المعاني المبصرة التي تدرك بالقياس والمعاني التي تدرك
19
بالمعرفة ليس تظهر في أكثر الأحوال كيفيات إدراكها في حال إدراكها، لأن
20
إدراكها في غاية السرعة ولأن إدراك كيفية الإدراك إنما يكون بقياس ثان غير
21
القياس الذي به وقع الإِبصار. والقوة المميزة ليس تستعمل هذا القياس الثاني في
22
الوقت الذي تدرك فيه معنى من المعاني المبصرة، ولا تميز كيف أدركت ذلك
23
المعنى، ولا تقدر على هذه الحال لسرعة إدراكها للمعاني المدركة بالمعرفة ولسرعة
24
إدراكها للمعاني المدركة بالقياس الذي مقدماته ظاهرة ومستقرة في النفس.
25
وكذلك جميع المعاني المدركة بالمعرفة وجميع المعاني المدركة بالقياس الذي مقدماته
227
1
ظاهرة ومستقرة في النفس وإدراكها في غاية السرعة ليس يظهر |II 30b|[ms Fatih 3213] في حال
2
إدراكها كيفية إدراكها، لأن كيفية الإدراك ليس يدرك إلا بقياس ثان وليس
3
تستعمل القوة المميزة هذا القياس الثاني في حال إدراك المعاني التي إدراكها في
4
غاية السرعة وبالمعرفة. ولهذه العلة صار كثير من القضايا الصادقة التي تدرك
5
بالمعرفة، وأصلُ استقرار صحتها بالقياس، لايُحَس بكيفية إدراك صحتها في حال
6
ورودها، لأن القوة المميزة إذا وردت عليها هذه المعاني فهي تحكم بصحتها
7
بمعرفتها ولاستقرار صحتها عندها، وفي حال معرفتها ليس تبحث عن كيف كان
8
استقرار صحتها في الأول، ولا تبحث عن كيفية إدراكها لصحتها في حال
9
ورودها ومعرفتها، ولا متى استقرت صحتها عندها.
10
[37] وأيضًا فإن القياس الثاني الذي به تدرِك القوة المميزة كيفية إدراكها
11
لا تدركه ليس هو قياسًا في غاية السرعة بل يحتاج إلى فضل تأمل. لأن الإِدراكات
12
تختلف فمنها ما يكون بفطرة العقل، ومنها ما يكون بالمعرفة، ومنها ما يكون
13
بفضل تمييز وتأمل. |II 31a|[ms Fatih 3213] فإدراك كيفية الإدراك، وأي هذه الإِدراكات هو، ليس
14
يكون إلا بقياس، وبقياس بفضل تأمل وتمييز، لا قياسًا في غاية السرعة. فالقوة
15
المميزة إذا أدركت معنًى من المعاني بالمعرفة أو بقياس في غاية السرعة فليس تدرك
16
كيفية ذلك الإدراك في حال الإِدراك. ولهذه العلة ليس يظهر في أكثر الأحوال
17
كيفية إدراك المعاني المبصرة التي تدرك بالقياس في حال إدراكها.
18
[38] وأيضًا فإن الإنسان مطبوع على التمييز والقياس، فهو يميز
19
ويقيس الشيء بالشيء دائمًا بالطبع بغير تكلف ولا فكر. والإِنسان إنما يحس بأنه
20
يقيس إذا تكلف القياس واستعمل الفكر وتمحّل المقدمات. فأما إذا لم يستعمل
21
الفكر ولم يتمحل المقدمات ولم يتكلف القياس فليس يحس بأنه يقيس.
22
فالمقاييس المألوفة التي مقدماتها ظاهرة وليس تحتاج إلى تكلف قياس هي في طبيعة
23
الإنسان، فليس يحس الإِنسان في حال ما يدركه من نتائجها أن إدراك تلك
24
المعاني بقياس. والذي يدل دليلًا |II 31b|[ms Fatih 3213] ظاهرًا على أن الإنسان مطبوع على القياس
25
وأنه يقيس ولا يحس في الحال أنه يقيس، ويدرك كثيرًا من الأشياء بالقياس ولا
228
1
يحس في الحال أن إدراكه لها بالقياس، هو ما يظهر في الأطفال في أول نشوهم:
2
فإن الطفل في أول نشوه وعند أول تنبهه قد يدرك أشياء كثيرة مما يدركها الكامل
3
التمييز ويفعل كثيرًا من الأفعال بالتمييز ومن قياس الأشياء بعضها ببعض. فمن
4
ذلك أن الطفل الذي ليس في غاية الطفولية ولا كامل التمييز إذا عُرض عليه
5
شيئان من جنس واحد، كتحفتين أو ثوبين أو شيئين من الأشياء التي ترغب
6
فيها الأطفال، وخُيِّر بين ذينك الشيئين، وكان أحد ذينك الشيئين حسن الصورة
7
وكان الآخر قبيح الصورة، فإنه يختار الحسَن وينفي القبيح إذا كان منتبهًا ولم يكن
8
في غاية الطفولية. وإذا خير أيضًا بين شيئين من جنس واحد، وكانا جميعًا
9
حسنين، وكان أحدهما أحسن من الآخر، فربما اختار الأحسن، وإذا كان
10
الأخر حسنًا، إذا كان منتبهًا. وليس اختيار الطفل للشيء |II 32a|[ms Fatih 3213] الحَسن على
11
القبيح إلا بقياس أحدهما بالآخر. وإدراكه حُسن الحَسَن وقبح القبيح وإيثاره
12
الحسن على القبيح، وكذلك إذا اختار الأحسن على ما هو دونه في الحُسْن،
13
فليس يختاره إلا بعد أن يقيس أحدهما بالآخر ويدرك صورة كل واحد منهما
14
ويدرك زيادة حُسن الأحسن على ما هو دونه في الحُسْن ويؤْثر الزائد الحُسْن.
15
وليس إيثاره الأحسن إلا بالمقدمةالكلية، وهي أن الأحسن أخْيَرُ والأخيْرَ أولى أن
16
يخُتار. فهو يستعمل هذه المقدمة ولا يحس أنه قد استعملها.
17
[39] فإذا تؤملت أفعال الأطفال وجد فيها كثير من المعاني التي لا تتم
18
إلا بتمييز وقياس مّا. وإذا كان ذلك كذلك فالطفل إذن يقيس ويميز. ولا
19
خلاف ولا شبهة في أن الطفل لا يعرف معنى القياس ولا يعلم ما هو القياس،
20
ولا يحس في حال ما يقيس أنه يقيس، ولو أُفهم أيضًا معنى القياس لم يفهمه.
21
فإذا كان الطفل يقيس وهو لا يعلم ما القياس فالنفس الإنسانية إذن مطبوعة على
22
القياس، |II 32b|[ms Fatih 3213] وهي تقيس أبدًا وتدرك جميع ما يدرك بالقياس من المعاني
23
المحسوسة ومن المعاني الظاهرة في أكثر الأحوال بغير تكَلُّف ولا تعَمُّل، ولا يحس
24
الإِنسان في الحال عند إدراك ما هذه صفته أن إدراكه إنما هو بقياس. إلا أن
25
المعاني التي تدرك بالقياس على هذه الصفة إنما هي المعاني الظاهرة التي مقدماتها
229
1
في غاية الظهور وتدرك باليسير من القياس وفي أقل القليل من الزمان. فأما
2
المعاني التي مقدماتها ليست بكل الظاهرة ومقاييسها تحتاج إلى فضل تكلف، فإن
3
الإنسان إذا أدركها ربما أحس في الحال أن إدراكها إنما هو بالقياس إذا كان صحيح
4
التمييز وكان يعرف معنى القياس.
5
[40] فقد تبين من جميع ما شرحناه أن المعاني التي تدرك بحاسة البصر
6
منها ما يدرك بمجرد الإِحساس ومنها ما يدرك بالمعرفة ومنها ما يدرك بتمييز وقياس
7
يزيد على المعرفة، وأن الذي يدرك بتمييز وقياس يزيد على المعرفة إذا تكرر
8
إدراك البصر له واستقر فهمه في النفس صار إدراكه من بعد ذلك بالمعرفة،
9
|II 33a|[ms Fatih 3213] وأن كيفية إدراك المعاني الجزئية المدركة بحاسة البصر ليس تظهرفي أكثر الأحوال
10
لسرعة ماتدرك بالمعرفة ولسرعة القياس الذي تدرك به المعاني المبصرة في أكثر
11
الأحوال، ولأن القوة المميزة مطبوعة على هذه المقاييس وليس استعمالها لها بالفكر
12
والتكلف بل بالطبع والعادة.
13
[41] وأيضًا فإن الإنسان منذ طفوليته ومنذ مبدأ منشئه وعلى مرور
14
الزمان يدرك المبصرات ويتكرر عليه إدراك المبصرات، فليس شيء من المعاني
15
الجزئية التي تدرك بحاسة البصر إلا وقد تكرر إدراك البصر لها. فقد صارت
16
جميع المعاني الجزئية التي تدرك بالقياس مفهومة عند القوة المميزة ومستقرة في
17
النفس، فقد صارت القوة المميزة تدرك جميع المعاني الجزئية التي تتكرر في
18
المبصرات بالمعرفة وبالعادة وليس تحتاج إلى استئناف قياس في إدراك شيء من
19
المعاني الجزئية التي تتكرر في المبصرات.
20
[42] وأيضًا فإن المعاني |II 33b|[ms Fatih 3213] التي تتكرر في المبصرات وتدرك بالتمييز
21
والقياس تستقر معانيها في النفس من حيث لا يحس الإنسان باستقرارها ولا يكون
22
لاستقرارها ابتداء محسوس، لأن الإِنسان منذ طفوليته يدرك المبصرات ومنذ
23
طفوليته فيه بعض التمييز، وخاصة التمييز الذي به تدرك المعاني المحسوسة،
24
فهو يدرك المعاني المحسوسة بالتمييز والقياس، ويكتسب معرفة المعاني
25
المحسوسة، وتتكرر عليه المعاني المحسوسة على استمرار الزمان فتستقر معانيها
230
1
في نفسه من حيث لا يحس باستقرارها، فيصير المعنى الجزئي الذي أدركه بالتمييز
2
والقياس ثم استقر في نفسه بكثرة تكرره في المبصرات إذا ورد عليه أدر كه في حال
3
وروده بالمعرفة، ومع ذلك لا يحس بكيفية إدراكه، ولا يحس أيضًا بكيفية معرفته
4
ولا كيف استقرت معرفة ذلك المعنى في نفسه. فجميع المعاني الجزئية التي تدرك
5
بقياس وتمييز وتتكرر في المبصرات قد أدركها الإنسان على مر الزمان |II 34a|[ms Fatih 3213] وحصلت
6
معانيها مستقرة في النفس وصار لكل معنى من المعاني الجزئية صورة كلية مستقرة
7
في النفس، فهو يدرك هذه المعاني من المبصرات بالمعرفة وبالعادة ومن غير
8
استئناف للتمييز والقياس الذي به أدرك حقيقة ذلك المعنى، ومن غير إدراك
9
لكيفية إدراكه في حال إدراكه، ومن غير إدراك لكيفية معرفته في حال معرفته،
10
وليس يبقى شيء يحتاج إلى استئناف قياس وتمييز يزيد على المعرفة إلا المعاني
11
الجزئية التي في الأشخاص الجزئية، كشكل في مبصر معين أو وضع مبصر معين
12
أو عظم مبصر معين، أو قياس لون في مبصر معين بلون في مبصر معين، أو قياس
13
صورة معينة إلى صورة معينة، وما جرى مجرى ذلك في الأشخاص الجزئية.
14
وعلى هذه الصفات يكون إدراك جميع المعاني الجزئية التي تكون في المبصرات.
15
[43] وإذ قد تبين جميع ذلك فإنا نشرع الآن في تبيين كيفيات إدراك كل
16
واحد من المعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر وكيفيات المقاييس التي بها
17
تكتسب القوة |II 34b|[ms Fatih 3213] المميزة المعاني المدركة بحاسة البصر.
18
[44] والمعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر كثيرة، إلا أنها تنقسم
19
بالجملة إلى اثنين وعشرين قسمًا، وهي: الضوء واللون والبعد والوضع
20
والتجسم والشكل والعظم والتفرق والاتصال والعدد والحركة والسكون
21
والخشونة والملاسة والشفيف والكثافة والظل والظلمة والحسن والقبح والتشابه
22
والاختلاف في جميع المعاني الجزئية على انفرادها وفي جميع الصور المركبة من
23
المعاني الجزئية. فهذه هي جميع المعاني التي تدرك بحاسة البصر، وإن كان في
24
المعاني المبصرة شيء غير هذه المعاني فهو يدخل تحت بعض هذه، كالترتيب
25
الذي يدخل تحت الوضع، وكالكتابة والنقوش التي تدخل تحت الشكل
231
1
والترتيب، وكالاستقامة والانحناء والتحديب والتقعير التي هي من التشكل فهي
2
تدخل تحت الشكل، وكالكثرة والقلة اللتين تدخلان تحت العدد، وكالتساوي
3
والتفاضل اللذين يدخلان تحت التشابه |II 35a|[ms Fatih 3213] والاختلاف، وكالضحك والبشر
4
والطلاقة والعبوس والتقطيب اللواتي تدرك بحاسة البصر من تشكل صورة الوجه
5
فهي تدخل من تحت الشكل، وكالبكاء فإنه يدرك من تحت تشكل الوجه مع
6
حركة الدموع فهو يدخل تحت الشكل والحركة، وكالرطوبة واليبس اللذين
7
يدخلان تحت الحركة والسكون، لأن الرطوبة تدرك بحاسة البصر ولكن ليس
8
تدرك الرطوبة بحاسة البصر إلا من سيلان الجسم الرطب وحركة بعضه قبل
9
بعض، واليبس يدرك بالبصر ولكن ليس يدرك اليبس بالبصر إلا من تماسك
10
الجسم اليابس وعدم حركة السيلان فيه، وكذلك كل معنى من المعاني الجزئية
11
التي تدرك بحاسة البصر إذا مُيِّزت كيفية إدراك البصر لها ظهر أنه يدخل تحت
12
بعض الأقسام التي ذكرناها والمعاني التي فصّلناها.
13
[45] وجميع المعاني المبصرة إنما تدرك من الصور التي تحصل في البصر من
14
صور ألوان المبصرات |II 35b|[ms Fatih 3213] وأضوائها. وقد تبين أن صورة الضوء واللون اللذين
15
في سطح المبصر تحصل في سطح الرطوبة الجليدية وتحصل مرتبة في هذا السطح
16
كترتيبها في سطح المبصر، وأن الصور تمتد من هذا السطح وتنفذ في جسم
17
الجليدية وتنفذ في الجسم الحاس الذي في تجويف العصبة المشتركة، وتكون في
18
حال امتدادها مرتبة كترتيبها في سطح الجليدية، وتصل إلى تجويف العصبة
19
المشتركة وهي على هيئتها وترتيبها الذي هي عليه في سطح الجليدية والذي هي
20
عليه في سطح المبصر، وأن الحاس الأخير إنما يدرك صورة المبصرات من الصور
21
التي تحصل في تجويف العصبة المشتركة. وقد تبين أن الإحساس ليس يتم إلا
22
بإدراك الحاس الأخير لصور المبصرات. وإذا كان جميع ذلك كذلك فالتمييز
23
والقياس الذي يكون من القوة المميزة للمعاني التي تكون في صور المبصرات،
24
ومعرفة الصور ومعرفة الأمارات التي في الصور، وجميع ما يدرك بالتمييز
25
والقياس والمعرفة، إنما تكون من تمييز القوة المميزة للصور التي تحصل في تجويف
232
1
العصبة المشتركة عند |II 36a|[ms Fatih 3213] إدراك الحاس الأخير لها ومن معرفة الأمارات التي في
2
هذه الصور والتي تدرك بهذه الصفة.
3
[46] وأيضًا فإن الجسم الحاس الممتد من سطح العضو الحاس إلى
4
تجويف العصبة المشتركة، الذي هو الروح الباصرة، جميعه حساس، فالقوة
5
الحساسة هي في جميع هذا الجسم. فإذا امتدت الصورة من سطح العضو الحاس
6
إلى تجويف العصبة المشتركة، فإن كل جزء من الجسم الحاس يحُس بالصورة.
7
فإذا حصلت الصورة في تجويف العصبة المشتركة أدركها الحاس الأخير، وعند
8
ذلك يقع التمييز والقياس. فالقوة الحساسة تحس بصورة المبصر من جميع الجسم
9
الحاس الممتد من سطح العضو الحاس إلى تجويف العصبة المشتركة، والقوة
10
المميزة تميز المعاني التي في الصورة عند إدراك الحاس الأخير للصورة. فعلى هذه
11
الصفة يكون إدراك القوة الحساسة والحاسِّ الأخير والقوة المميزة لصور
12
المبصرات. ويتبين من هذه الحال أن القوة الحساسة تحس بالموضع من العضو
13
الحاس الذي |II 36b|[ms Fatih 3213] تحصل فيه الصورة لأنها تحس بالصورة من الموضع الذي تحصل
14
فيه الصورة.
15
[47] وأيضًا فإنه قد تبين في الفصل الذي قبل هذا الفصل أن كل نقطة
16
من سطح الجليدية تمتد الصورة منها على سمت واحد بعينه متصل على ما فيه
17
من الانعطاف والانحناء إلى أن يصل إلى نقطة بعينها من الموضع الذي تحصل
18
فيه الصورة من تجويف العصبة المشتركة. وإذا كانت كل نقطة من سطح
19
الجليدية تمتد الصورة منها إلى نقطة بعينها من تجويف العصبة المشتركة، فالصورة
20
التي تحصل في جزء من سطح الجليدية تمتد من ذلك الجزء إلى جزء بعينه من
21
تجويف العصبة المشتركة، والمبصرات المختلفة التي يدركها البصر معًا في وقت
22
واحد تمتد صورة كل واحد منها إلى موضع بعينه من تجويف العصبة المشتركة،
23
وتحصل صور جميع تلك المبصرات في تجويف العصبة المشتركة معًا، ويكون
24
ترتيب صورها في تجويف العصبة المشتركة بعضها عند بعض كترتيب المبصرات
25
أنفسها التي يدركها البصر معًا بعضها عند بعض. فإذا قابل البصر مبصرًا |II 37a|[ms Fatih 3213] من
233
1
المبصرات فإن صور الضوء واللون اللذين في ذلك المبصر تحصل في سطح
2
البصر، وتحصل في سطح الجليدية، وتمتد على السموت المخصوصة التي قدمنا
3
تحديدها وهي على هيئتها وترتيبها، إلى أن تصل إلى تجويف العصبة المشتركة.
4
وتدركها القوة الحساسة عند حصولها في جسم الجليدية وعند حصولها في جميع
5
الجسم الحاس. ثم عند وصولها في تجويف العصبة المشتركة يدركها الحاس الأخير
6
وتميز القوة المميزة جميع المعاني التي تكون فيها. وصورة المبصر المتلون التي
7
تحصل في تجويف العصبة هي صورة لون المبصر والضوء الذي في المبصر مرتبة
8
كترتيب سطح المبصر. وصورة اللون وصورة الضوء إنما تصل إلى تجويف
9
العصبة لأن الجسم الحاس الممتد في تجويف العصبة يتلون بصورة اللون ويضيء
10
بصورة الضوء. وتنتهي الصورة إلى تجويف العصبة المشتركة فيحصل الجزء من
11
الجسم الحاس الذي في تجويف العصبة المشتركة |II 37b|[ms Fatih 3213] الذي انتهت إليه صورة المبصر
12
متلونًا بلون ذلك المبصر مضيئًا بالضوء الذي في ذلك المبصر. وإن كان المبصر
13
ذالون واحد كان ذلك الجزء من الجسم الحاس ذا لون واحد، وإن كانت أجزاء
14
المبصر مختلفة الألوان كانت أجزاء ذلك الجزء من الجسم الحاس الذي في تجويف
15
العصبة المشتركة مختلفة الألوان. والحاس الأخير يدرك لون المبصر المتلون من
16
التلون الذي يجده في ذلك الجزء، ويدرك الضوء الذي في المبصر من الإِضاءة التي
17
يجدها في ذلك الجزء. والقوة المميزة تدرك أكثر المعاني الجزئية التي في المبصر من
18
تمييزها للمعاني التي في تلك الصورة التي هي ترتيب أجزاء الصورة وتشكل محيط
19
الصورة وتشكل أجزائها واختلاف الألوان والأوضاع والترتيبات التي في أجزاء
20
تلك الصورة وتشابهها واختلافها وما جرى مجرى هذه المعاني من المعاني التي
21
تكون في المبصرات.
22
[48] وأيضًا فإن الضوء الذي يرد من المبصر المتلون إلى البصر ليس يرد
23
|II 38a|[ms Fatih 3213] منفردًا من اللون، وصورة اللون التي ترد من المبصر المتلون إلى البصر ليس
24
ترد منفردة من الضوء. وليس ترد صورة الضوء وصورة اللون اللذين في المبصر
25
المتلون إلاممتزجتين، وليس يدركهما الحاس الأخير إلا ممتزجتين. ومع ذلك فإن
234
1
الحاس يدرك أن المبصر مضيء وأن الضوء الذي يظهر في المبصر هو غير اللون
2
وأنهما معنيان. وهذا الإدراك هو تمييز، والتمييز هو للقوة المميزة لا للقوة
3
الحساسة، إلا أن هذا المعنى مع إدراك القوة المميزة له قد استقر في النفس وليس
4
يحتاج إلى استئناف تمييز وقياس عند ورود كل صورة، بل كل صورة ممتزجة من
5
الضوء واللون فهو مستقر في النفس أن الضوء الذي فيها هو غير اللون الذي
6
فيها. وإدراك القوة المميزة لأن الضوء العرضي الذي في المبصر المتلون غير اللون
7
الذي فيه هومن أن المبصر الواحد بعينه قد تختلف عليه الأضواء ويزيد الضوء
8
|II 38b|[ms Fatih 3213] الذي فيه وينقص ولونه مع ذلك لون واحد، وإن كان يختلف إشراق اللون
9
باختلاف الأضواء عليه فجنس اللون ليس يختلف. وأيضًا فإن الضوء العرضي
10
الذي يحصل في المبصر ربما وصل إليه من منفذ أو من باب وإذا سُدَّ ذلك المنفذ أو
11
أغلق ذلك الباب أظلم ذلك المبصر ولم يبق فيه شيء من الضوء. فمن إدراك
12
القوة المميزة لاختلاف الأضواء على المبصرات ومن إدراكها لإِضاءة المبصر في
13
الأوقات وعدم الضوء منه في بعض الأوقات أدركت أن الألوان التي في المبصرات
14
غير الأضواء التي تعرض فيها. ثم من تكرر هذا المعنى من المبصرات استقر في
15
النفس استقرارًا كليًا أن الألوان التي في المبصرات المتلونة غير الأضواء التي فيها.
16
فالصورة التي يدركها الحاس من المبصر المتلون هي صورة ممتزجة من صورة
17
الضوء وصورة اللون اللذين في المبصر، فهو ضوء متلون، والقوة المميزة تدرك
18
أن اللون الذي فيها هو غير |II 39a|[ms Fatih 3213] الضوء الذي فيها، وهذا الإدراك هو إدراك
19
بالمعرفة في حال ورود الصورة على الحاس لأنه قد استقر في النفس أن كل صورة
20
ممتزجة من الضوء واللون فإن الضوء الذي فيها هو غير اللون الذي فيها.
21
[49] وأول ما تدركه القوة المميزة من الصورة المتلونة من المعاني التي
22
تخص الصورة هو مائية 〈اللون〉. ومائية اللون إنما تدركها القوة المميزة بالمعرفة
23
إذا كان اللون الذي في المبصر من الألوان المألوفة. فإدراك القوة المميزة لمائية
24
اللون بالمعرفة إنما هو من قياسها صورة اللون بالصور التي أدركتها من قبل من
25
صور أمثال ذلك اللون ومن ذكرها لتلك الصور. وذلك أن البصر إذا أدرك
235
1
اللون الأحمر وأدرك أنه أحمر فإنه إنما يدرك أنه أحمر لأنه يعرفه، ومعرفته به إنما
2
هي من تشبيهه صورته بما قد أدركه من قبل من أمثاله. ولو لم يكن البصر أدرك
3
اللون الأحمر قبل إدراكه اللون الأحمر الأخير لَما علم عند إدراك اللون الأحمر
4
الأخير أنه أحمر. فإذا كان اللون |II 39b|[ms Fatih 3213] من الألوان المألوفة فإِن البصر يدرك مائيته
5
بالمعرفة، وإذا كان اللون من الألوان الغريبة ولم يكن البصر أدرك مثله من قبل
6
فليس يدرك البصر مائيته. وإذا لم يدرك مائيته ولم يعرفه، فإِنه يشبهه بأقرب
7
الألوان التي يعرفها شبهًا به. فأصل إدراك اللون يكون بمجرد الحس، ثم إذا
8
تكرر اللون على البصر صار إدراك البصر له أيَ لون هو بالمعرفة.
9
[50] ومائية الضوء أيضًا إنما يدركها البصر بالمعرفة. فإن البصر يعرف
10
ضوء الشمس ويفرق بينه وبين ضوء القمر وبين ضوء النار. وكذلك يعرف
11
ضوء القمر ويعرف ضوء النار. فإدراك البصر لمائية كل واحد من هذه الأضواء
12
إنما هو بالمعرفة.
13
[51] وكيفية الضوء في القوة والضعف يدركها البصر بالتمييز والقياس
14
ومن قياس صورة الضوء الذي يدركه في الحال بما تقدم من إدراكه له من صور
15
الأضواء.
16
[52] فالذي يدركه البصر بمجرد الحس هو الضوء بما هو ضوء واللون بما
17
هو لون. ثم جميع ما |II 40a|[ms Fatih 3213] يدرك بحاسة البصر من بعد الضوء واللون ليس يدرك
18
بمجرد الحس بل إنما يدرك بالتمييز والقياس والمعرفة مع الحس، لأن جميع ما
19
يدرك بالتمييز والقياس من المعاني المبصرة إنما يدرك من تمييز المعاني التي في
20
الصورة المحسوسة. وكذلك ما يدرك بالمعرفة ليس يدرك إلا من إدراك الأمارات
21
التي في الصورة المحسوسة. فالمعاني التي تدرك بالتمييز والقياس والمعرفة من
22
المعاني المبصرة إنما تدرك مع الإحساس بالصورة. والضوء الذي في الجسم
23
المضيء من ذاته يدركه البصر على ما هو عليه وعلى انفراده من نفس الإِحساس،
24
والضوء واللون اللذان في الجسم المتلون المضيء بضوء عرضي يدركهما البصر معًا
25
وممتزجتين ويدركهما بمجرد الإحساس. فالضوء الذاتي يدركه الحاس من إضاءة
236
1
الجسم الحاس، واللون يدركه الحاس من تغير صورة الجسم الحاس وتلونه مع
2
إدراكه لإِضاءة الجسم الحاس بالضوء العرضي |II 40b|[ms Fatih 3213] الممازج لذلك اللون. فالحاس
3
يدرك من الجسم الحاس عند حصول صورة اللون فيه ضوءًا متلونًا، ويدركه عند
4
حصول صورة الضوء الذاتي فيه ضوءًا مجردًا. وهذان المعنيان فقط هما اللذان
5
يدركهما البصر بمجرد الإِحساس.
6
[53] وأيضًا فإنا نقول إن إدراك اللون بما هو لون يكون قبل إدراك
7
مائية اللون، أعني أن البصر يدرك اللون ويحس أنه لون ويعلم الناظر إليه أنه
8
لون قبل أن يحس أيّ لون هو. وذلك أنه في حال حصول الصورة في البصر قد
9
تلوّن البصر، فإذا تلون البصر أحس أنه متلون، وإذا أحس بأنه متلون فقد
10
أحس باللون. ثم من تمييز اللون وقياسه بالألوان التي قد عرفها البصر يدرك
11
مائية اللون، فيكون إدراك اللون بما هو لون قبل إدراك مائية اللون، ويكون
12
إدراك مائية اللون بالمعرفة. والذي يدل على أن البصر يدرك اللون بما هو لون
13
قبل أن يدرك أيّ لون هو هو المبصرات التي ألوانها قوية |II 41a|[ms Fatih 3213] كالكحلي والخمري
14
والمسَني وما أشبه ذلك إذا كانت في موضع مغدر ولم يكن الموضع شديد الغدرة.
15
فإن البصر إذا أدرك اللون من هذه الألوان في الموضع المغدر فإنما يدركه لونًا مظلمًا
16
فقط ويحس أنه لون ولا يتميز له أيّ لون هو في أول إدراكه. فإذا كان الموضع
17
ليس بشديد الغدرة فإن البصر إذا تأمل ذلك اللون فَضْلَ تأمل أدرك أيّ لون
18
هو. وإن قوي الضوء في ذلك الموضع تميز للبصر أي لونٍ هو ذلك اللون. فيتبين
19
من هذا الاعتبار أن البصر يدرك اللون بما هو لون قبل أن يدرك أيّ لون هو.
20
[54] والذي يدركه البصر من اللون في أول حصوله في البصر هو
21
التلون. والتلون هو ظلمة مّا، أو كالظل إذا كان اللون رقيقًا. فإن كان المبصر
22
ذا ألوان مختلفة فإن أول ما يدرك البصر من صورته هو ظلمة أجزاؤها مختلفة
23
الكيفية في القوة والضعف، وكالأظلال المختلفة في القوة والضعف. فأول ما
24
|II 41b|[ms Fatih 3213] يدركه البصر من صورة اللون هو تغير العضو الحاس وتلونه الذي هو ظلمة أو ما
25
يجري مجرى الظلمة. ثم يميز الحاس ذلك التلون، فإذا كان المبصر مضيئًا تميز
237
1
للبصر ذلك اللون وأدرك مائيته وتحقق أيّ لون هو، إذا كان من الألوان التي قد
2
أدرك أمثالها. وإذا كان من الألوان التي قد أدرك أمثالها دائما فإنه يدرك مائيته في
3
أقل القليل من الزمان وفي الآن الثاني الذي ليس بينه وبين الآن الأول الذي أدرك
4
فيه اللون بما هو لون زمان محسوس. وإن كان من الألوان المشتبهة التي لم يدرك
5
البصر أمثاها من قبل إلا يسيرًا، أو كان في موضع مغدر ضعيف الضوء، فليس
6
يدرك البصر مائيته إلا في زمان محسوس. وإن كان المبصر مظلمًا وليس فيه إلا
7
ضوء يسير، كالذي يدرك في الليل وفي الغلس وفي المواضع المغدرة الشديدة
8
الغدرة، فإن الحاس إذا ميز اللون الذي يدركه في هذه المواضع لم يتميز له ولم
9
يحصل له منه إلا ظلمة فقط. فيتبين من إدراك |II 42a|[ms Fatih 3213] الألوان في المواضع المغدرة أن
10
إدراك اللون بما هو لون يكون قبل إدراك مائيته، ويخفى أن إدراك مائية اللون
11
يكون بعد التمييز ومن بعد إدراك اللون بما هو لون من إدراك الألوان المشرقة
12
المألوفة في المواضع المضيئة.
13
[55] ومما يدل أيضًا على أن البصر يدرك اللون بما هو لون قبل أن يدرك
14
أيّ لون هو هو الألوان الغريبة. فإن البصر إذا أدرك لونًا غريبًا لم ير مثله من
15
قبل، فإنه يدرك أنه لون ومع ذلك لا يعلم أيّ لون هو، وإذا تأمله فضل تأمل
16
شبهه بأقرب الألوان التي يعرفها شبَهًا به.
17
[56] فمن الاعتبار بأمثال المبصرات التي وصفناها يتبين بيانًا واضحًا أن
18
إدراك البصر للّون بما هو لون يكون قبل إدراك مائية اللون. ويتبين أيضًا من هذه
19
الاعتبارات أن إدراك مائية اللون إنما يكون بالتمييز وتشبيه اللون بما قد عرفه
20
البصر من الألوان. وإذا كان ذلك كذلك فمائية اللون ليس تدرك إلا بالتمييز
21
والقياس |II 42b|[ms Fatih 3213] والمعرفة. وكذلك الضوء ليس تدرك مائيته وليس تدرك كيفيته في
22
القوة والضعف إلا بالتمييز والقياس والمعرفة. فالذي يدركه البصر بمجرد الحس
23
إنما هو اللون بما هو لون والضوء بما هو ضوء فقط، وما سوى ذلك ليس يدرك
24
بمجرد الحس، وليس يدرك ما سوى هذين المعنيين إلا بالتمييز والقياس
25
والمعرفة. والضوء واللون المضيء هو أول ما يدركه البصر من الصورة، ثم ما
238
1
سوى ذلك يدرك من بعد إدراك اللون المضيء أو الضوء المجرد.
2
[57] وأيضًا فإنا نقول إن إدراك مائية اللون ليس تكون إلا في زمان.
3
وذلك أن إدراك مائية اللون ليس تكون إلا بالتمييز والتشبيه، والتمييز ليس
4
يكون إلا في زمان، فإدراك مائية اللون ليس يكون إلا في زمان. والذي يدل
5
دليلًا ظاهرًا يشهد به الحس على أن إدراك مائية اللون ليس يكون إلا في زمان ما
6
يظهر في الدُّوَامة عند حركتها. فإن الدوامة إذا كان فيها أصباغ مختلفة، وكانت
7
تلك الأصباغ خطوطًا ممتدة من وسط سطحها الظاهر وما يلي عنقها |II 43a|[ms Fatih 3213] إلى نهاية
8
محيطها، ثم أديرت الدوامة بحركة شديدة فإنها تتحرك على الاستدارة حركة في
9
غاية السرعة. وفي حال حركتها إذا تأملها الناظر فإنه يدرك لونًا واحدًا مخالفًا
10
لجميع الألوان التي فيها كأنه مركب من جميع ألوان تلك الخطوط، ولا يدرك
11
تخطيطها ولا اختلاف ألوانها، ويدرك مع ذلك كأنها ساكنة إذا كانت حركتها
12
شديدة السرعة. وإذا كانت الدوامة تتحرك حركة سريعة فإن كل نقطة منها ليس
13
تثبت في موضع واحد زمانًا محسوسًا وهي تقطع في أقل القليل من الزمان جميع
14
الدائرة التي تدور عليها، فتحصل صورة النقطة في البصر على محيط دائرة في
15
البصر في أقل القليل من الزمان. فالبصر إنما يدرك لون تلك النقطة في أقل
16
القليل من الزمان من جميع محيط الدائرة التي تحصل في البصر، فيدرك لون تلك
17
النقطة في أقل القليل من الزمان مستديرًا. وكذلك جميع النقط التي في سطح
18
الدوامة يدرك البصر لون كل واحد منها على جميع محيط الدائرة التي تتحرك عليها
19
تلك النقطة في أقل القليل |II 43b|[ms Fatih 3213] من الزمان. وجميع النقط التي أبعادها من المركز
20
متساوية تتحرك عند استدارة الدوامة على محيط دائرة واحدة. فيعرض من ذلك
21
أن يظهر لون كل نقطة من النقط التي أبعادها من المركز متساوية على محيط دائرة
22
واحدة بعينها في أقل القليل من الزمان الذي هو زمان الدورة وهو زمانٌ واحد
23
بعينه، فتظهر ألوان جميع تلك النقط في جميع محيط تلك الدائرة ممتزجة ولا تتميز
24
للبصر، وكذلك يدرك لون سطح الدوامة لونًا واحدًا ممتزجًا من جميع الألوان التي
25
في سطحها.
239
1
[58] فلو كان البصر يدرك مائية اللون في آن واحد في كل آن من الآنات
2
التي في الزمان الذي تتحرك فيه الدوامة لأدرك مائيات جميع الألوان التي في
3
الدوامة متميزة في حال حركتها. لأنه إذا كان لا يحتاج في إدراك مائيتها إلى زمان
4
فإنه يدرك مائياتها وهي متحركة في جزء من زمان الدورة كما يدرك مائياتها وهي
5
ساكنة، لأن مائيات جميع ألوان المبصرات المألوفة |II 44a|[ms Fatih 3213] في حال سكونها وفي حال
6
حركتها هي واحدة لا تتغير. ففي كل آن من الآنات التي يتحرك فيها المبصر
7
يكون لونه واحدًا لا يتغير، وتكون مائيات ألوان المبصرات في الآن الواحد وفي
8
الزمان الممتد واحدة لا تتغير، إذا لم يكن الزمان متفاوت الطول. فإذا كان
9
البصر ليس يدرك مائيات الألوان التي تكون في سطح الدوامة إذا كانت الدوامة
10
متحركة حركة سريعة، وهو يدركها إذا كانت الدوامة ساكنة وإذا كانت متحركة
11
حركة بطيئة، فالبصر إذن ليس يدرك مائية اللون إلا إذا كان اللون ثابتًا في موضع
12
واحد زمانًا محسوسًا، أو كان متحركًا في زمان محسوس مسافةً لا يؤثر مقدارُها في
13
وضع ذلك اللون من البصر تأثيرًا متفاوتًا.
14
[59] فيتبين من هذه الحال أن إدراك مائية اللون ليس يكون إلا في
15
زمان، ويتبين من هذه الحال أن إدراك مائيات جميع المبصرات ليس يكون إلا في
16
زمان، لأنه إذا كان اللون الذي يدرك بمجرد الحس ليس يدرِك البصر مائيته إلا في
17
زمان فما سوى ذلك من صور المبصرات ومن المعاني المبصرة التي تدرك بالتمييز
18
والقياس |II 44b|[ms Fatih 3213] أشد حاجة إلى الزمان، فإدراك مائيات المبصرات والإِدراك بالمعرفة
19
والإِدراك بالتمييز والقياس ليس يكون إلا في زمان، إلا أنه قد يكون ذلك في أكثر
20
الأحوال في زمان يسير المقدار وفي زمان لا يظهر للمناظر ظهورًا بينًا.
21
[60] وأيضًا فإنا نقول إن اللون بما هو لون والضوء بما هو ضوء ليس
22
يدركه البصر إلا في زمان، أعني أن الآن الذي عنده يقع إدراك اللون بما هو لون
23
أو إدراك الضوء بما هو ضوء هو غير الآن الذي هو أول آنٍ ماسّ فيه سطح البصر
24
الهواء الحامل للصورة. وذلك أن اللون بما هو لون والضوء بما هو ضوء ليس
25
يدركهما الحاس إلا بعد حصول الصورة في الجسم الحاس، وليس يدركهما
240
1
الحاس الأخير إلا بعد وصول الصورة إلى تجويف العصبة المشتركة. ووصول
2
الصورة إلى العصبة المشتركة إنما هو كوصول الضوء من المنافذ والثقوب التي
3
يدخل منها الضوء إلى الأجسام المقابلة لتلك المنافذ وتلك الثقوب إذا كان الثقب
4
مستترًا ثم رفع الساتر. ووصول الضوء من الثقب إلى |II 45a|[ms Fatih 3213] الجسم المقابل
5
للثقب ليس يكون إلا في زمان وإن كان خفيًا عن الحس. لأن وصول الضوء من
6
الثقب إلى الجسم المقابل للثقب ليس يخلوا من أحد أمرين: إما أن يكون الضوء
7
يحصل في الجزء من الهواء الذي يلي الثقب قبل أن يحصل في الجزء الذي يليه ثم في
8
الجزء الذي يليه ثم في الجزء الذي يلي ذلك الجزء من الهواء إلى أن يصل إلى الجسم
9
المقابل للثقب، وإما أن يكون الضوء يحصل في جميع الهواء المتوسط بين الثقب
10
وبين الجسم المقابل للثقب وعلى الجسم نفسه المقابل للثقب دفعة واحدة،
11
ويكون جميع الهواء يقبل الضوء دفعة لا جزءًا منه بعد جزء. فإن كان الهواء يقبل
12
الضوء جزءًا بعد جزء فالضوء إنما يصل إلى الجسم المقابل للثقب بحركة،
13
والحركة ليس تكون إلا في زمان. وإن كان الهواء يقبل الضوء دفعة واحدة، فإن
14
حصول الضوء في الهواء بعد أن لم يكن فيه ضوء ليس يكون أيضًا إلا في زمان
15
وإن خفي عن الحس. وذلك أن الثقب الذي يدخل منه الضوء إذا كان مستترًا،
16
ثم رفع الساتر الذي في وجهه، فإن الآن الذي يزول فيه الساتر |II 45b|[ms Fatih 3213] عن أول جزء
17
من الثقب ويصير فيه الهواء الذي في الثقب منكشفًا لجزء من الضوء هو غير الآن
18
الذي يحصل عنده الضوء في الهواء المماس لذلك الجزء من داخل الثقب وفي الهواء
19
المتصل بذلك الهواء من داخل الثقب على تصاريف الأحوال. لأنه ليس يحصل
20
الضوء في شي ء من الهواء الذي في داخل الثقب المستتر عن الضوء إلا بعد أن
21
ينكشف شي ء من الثقب للضوء، وليس ينكشف شي ء من الثقب في أقل من آن
22
واحد، والآن ليس ينقسم، فليس يحصل شي ء من الضوء في داخل الثقب في
23
الآن الذي انكشف فيه ما انكشف من الثقب، لأن الذي ينكشف من الثقب في
24
الآن الواحد ليس ينكشف جزءًا بعد جزء، وليس يكون الذي ينكشف من
25
الثقب في الآن الواحد جزءًا له قدر، وإنما ينكشف منه في الآن الواحد نقطة لا
241
1
مساحة لها أو خط لا عرض له، لأن ما له عرض وطول ليس ينكشف عنه الساتر
2
إلا جزءًا بعد جزء. وليس يكون انكشاف ما له عرض من الثقب إلا بحركة،
3
|II 46a|[ms Fatih 3213] والحركة ليس تكون إلا في زمان، فالذي ينكشف من الثقب في الآن الواحد
4
الذي لا ينقسم هو شيء لا عرض له، فليس ينكشف ذلك الشيء جزءًا بعد
5
جزء.
6
[61] وإذا كان ذلك كذلك فإن الذي ينكشف من الثقب في الآن الذي
7
لا ينقسم هو نقطة لا مساحة لها. والخط الذي لا عرض له ليس هو جزءًا من
8
الهواء، لأن أصغر الصغير من أجزاء الهواء ليس يكون إلا جسمًا. فالنقطة التي
9
لا مساحة لها أو الخط الذي لا عرض له الذي هو أول شيء ينكشف من الثقب
10
الذي ينكشف في الآن الذي لا ينقسم إنما هو نهاية جزء من أجزاء الهواء الذي
11
في داخل الثقب لا جزء من الهواء. والنقطة التي لا مساحة لها لا تقبل الضوء،
12
وكذلك الخط الذي لا عرض له، وليس يقبل الضوء إلا الأجسام. فإذا كانت
13
النقطة التي لا مساحة لها والخط الذي لا عرض له لا يقبلان الضوء، فليس
14
يحصل شيء من الضوء في الهواء الذي في داخل الثقب في الآن الذي ينكشف فيه
15
أول شيء ينكشف من الثقب. فالآن إذن الذي هو أول آن تحصل عنده الصورة
16
في الهواء |II 46b|[ms Fatih 3213] الذي في داخل الثقب أو في جزء منه غير الآن الذي انكشف فيه أول
17
شيء انكشف من الثقب. وكل آنين فبينهما زمان، فليس يصير الضوء من الهواء
18
الذي في خارج الثقب إلى الهواء الذي في داخل الثقب إلا في زمان، إلا أن هذا
19
الزمان خفيّ عن الحس جدًا لسرعة قبول الهواء لصور الأضواء.
20
[62] وكذلك إذا قابل البصر المبصر بعد أن لم يكن مقابلًا له، وماسٌ
21
الهواءَ الحاملُ لصورة المبصر سطح البصر بعد أن لم يكن شيء من ذلك الهواء
22
مماسًّا له، فإن الصورة ليس تصير من الهواء الحامل للصورة إلى داخل تجويف
23
العصبة المشتركة إلا في زمان، إلا أن هذا الزمان ليس للحس طريق إلى إدراكه
24
ولا اعتباره لصغره وغلظ الحس وقصور قوته عن إدراك ما هو في غاية الصغر.
25
فهذا الزمان بالقياس إلى الحس بمنزلة الآن بالقياس إلى التمييز.
242
1
[63] وأيضًا فإن العضو الحاس ليس يحس بالصور التي ترد إليه من
2
المبصرات إلا بعد أن ينفعل بالصور، فليس يحس باللون |II 47a|[ms Fatih 3213] بما هو لون وبالضوء
3
ما هو ضوء إلا بعد أن ينفعل بصورة اللون وبصورة الضوء. وانفعال العضو
4
الحاس بصورة اللون وبصورة الضوء هو تغير مّا، وليس يكون التغير إلا في
5
زمان، فليس يدرك البصر اللون بما هو لون ولا الضوء بما هو ضوء إلا في زمان،
6
وفي الزمان الذي تمتد فيه الصورة من سطح العضو الحاس إلى تجويف العصبة
7
المشتركة وفيما يليه يكون إدراك القوة الحساسة التي في جميع الجسم الحاس للّون بما
8
هو لون وللضوء بما هو ضوء، لأن القوة الباصرة إنما هي في هذه المسافة وهي في
9
جميع هذه المسافة. وعند حصول الصورة في تجويف العصبة المشتركة يكون
10
إدراك الحاس الأخير للّون بما هو لون وللضوء بما هو ضوء. فإدراك الحاس الأخير
11
للون بما هو لون وللضوء بما هو ضوء يكون في الزمان الذي يلي الزمان الذي فيه
12
تصل الصورة من سطح العضو الحاس إلى تجويف العصبة المشتركة.
13
[64] وأيضًا فإن الآن الذي هو أول آن تحصل عنده الصورة في سطح
14
البصر هو غير الآن الذي |II 47b|[ms Fatih 3213] هو أول آن يماس فيه الهواء الحامل للصورة أول
15
نقطة يماسّها من سطح البصر، إذا قابل البصر المبصر بعد أن لم يكن مقابلًا له أو
16
بعد فتح البصر أجفانه وهو مقابل للبصر بعد أن كانت أجفانه مطبقة. لأن البصر
17
إذا قابل المبصر بعد أن لم يكن مقابلًا له، أو فتح أجفانه بعد أن كانت مطبقة،
18
فإن أول ما يماس سطح البصر من الهواء الحامل لصورة ذلك المبصر هو نقطة
19
واحدة أو خط لا عرض له، ثم جزءًا بعد جزء إلى أن يصير الهواء الحامل للصورة
20
مماسًّا للجزء من سطح البصر الذي تحصل فيه الصورة. وفي حالة مماسة النقطة
21
التي لا قدر لها أو الخط الذي لا عرض له من سطح البصر للنقطة التي لا قدر لها أو
22
الخط الذي لا عرض له من سطح الهواء الحامل للصورة ليس يحصل شيء من
23
صورة الضوء واللون في سطح البصر. لأن أقل القليل من السطح الذي يحصل
24
فيه ضوء أو صورة لون ليس يكون إلا سطحًا. فالآن الذي يماسّ فيه نقطة من
25
سطح البصرأولَ نقطة يماسّها من الهواء الحامل للصورة |II 48a|[ms Fatih 3213] ليس يحصل فيه شيء
243
1
من الصورة في سطح البصر. والآن إذن الذي هو أول آن تحصل عنده الصورة في
2
سطح البصر هو غير الآن الذي هو أول آنٍ ماسّ عنده الهواء الحامل للصورة سطح
3
البصر إذا قابل البصر المبصر بعد أن لم يكن مقابلًا له أو فتح أجفانه بعد أن كانت
4
أجفانه مطبقة.
5
[65] وإذا كان ذلك كذلك فليس تحصل صورة اللون ولا الضوء في
6
شيء من العضو الحاس ولا في سطح البصر إلا في زمان، وليس يدرك الحاس
7
شيئًا من اللون ولا الضوء ما لم تحصل صورة اللون والضوء في شيء من العضو
8
الحاس، فليس يدرك الحاس اللون بما هو لون ولا الضوء بما هو ضوء إلا في
9
زمان، أعني أن الآن الذي يقع عنده الإحساس باللون بما هو لون وبالضوء بما
10
هو ضوء هو غير الآن الذي هو أول آن ماسّ عنده الهواء الحامل للصورة سطح
11
البصر.
12
[66] فقد تبين من جميع ما ذكرناه كيف يدرك البصر الضوء بما هو ضوء،
13
وكيف يدرك اللون بما هو لون، وكيف يدرك مائية اللون، |II 48b|[ms Fatih 3213] وكيف يدرك مائية
14
الضوء، وكيف يدرك كيفية الضوء.
15
〈 إدراك البُعد〉
16
[67] فأما البعد، وهو بعد المبصر عن البصر، فإن البصر ليس يدركه
17
بمجرد الإحساس. وليس إدراك بعد المبصر هو إدراك موضع المبصر، ولا
18
إدراكُ المبصر في موضعه من إدراك بعده فقط، ولا إدراك موضع المبصر من إدراك
19
بعده فقط. وذلك أن موضع المبصر يتقوم من ثلثة معان: من البعد ومن الجهة
20
ومن كمية البعد.
21
[68] 〈 وكمية البعد〉 غير معنى البعد بما هو بعد. لأن معنى البعد
22
بين الجسمين هو عدم التماس، وعدم التماس هو حصول مسافة مّا بين الجسمين
23
المتباعد أحدهما عن الآخر. وكمية البعد هو كمية تلك المسافة. فمعنى البعد بما
24
هو بعد هو من قبيل الوضع، فهو غير كمية البعد. فإدراك معنى البعد الذي هو
25
عدم التماس هو غير إدراك كمية المسافة التي هي مقدار البعد، وكيفية إدراك كل
244
1
واحد من هذين المعنيين هو غير كيفية إدراك المعنى الآخر.
2
[69] وإدراك كمية البعد هو من إدراك |II 49a|[ms Fatih 3213] العظم، وإدراك بعد المبصر
3
وإدراك جهته هما جميعًا من إدراك الوضع، وكيفية إدراك كل واحد منهما هو غير
4
كيفية إدراك الآخر. لأن عدم التماس هو غير الجهة، فليس إدراك موضع المبصر
5
هو إدراك بعد المبصر.
6
[70] وإدراك المبصر في موضعه يتقوم من إدراك خمسة معان: من إدراك
7
الضوء الذي فيه، وإدراك لونه، وإدراك بعده، وإدراك جهته، وإدراك كمية
8
بعده. وليس يدرَك كل واحد من هذه المعاني منفردًا، ولا تدرك هذه المعاني
9
واحدًا بعد واحد، بل يدرك جميعها معًا، لأنها تدرك بالمعرفة لا باستئناف التمييز
10
والقياس. فليس ينفرد البعد بإدراك يكون في حال الإِحساس.
11
[71] ومن إدراك المبصر في موضعه اعتقد أصحاب الشعاع أن الإبصار
12
يكون بشعاع يخرج من البصر وينتهي إلى المبصر، وأن الإبصار يكون بأطراف
13
الشعاع. واحتج هؤلاء على أصحاب العلم الطبيعي بأن قالوا: إذا كان الإبصار
14
بصورة ترد من المبصر إلى البصر، وكانت الصورة تحصل في داخل البصر، فلمَ
15
يدرك المبصر |II 49b|[ms Fatih 3213] في موضعه الذي هو خارج البصر وصورته قد حصلت في داخل
16
البصر؟ وذهب على هؤلاء أن الإبصار ليس يتم بمجرد الإحساس فقط، وأن
17
الإبصار ليس يتم إلا بالتمييز وبتقدم المعرفة، وأنه لولا التمييز وتقدم المعرفة لم
18
يتم للبصر شيء من الإبصار ولا أُدركت مائية المبصر في حال إبصاره. لأن ما هو
19
المبصر ليس يدرك بمجرد الحس، وليس يدرك ما هو المبصر إلا بالمعرفة أو
20
باستئناف التمييز والقياس في حال الإبصار. فلو كان الإبصار إنما هو بمجرد
21
الإِحساس فقط، وكان جميع ما يدرك من المعاني التي في المبصرات ليس يدرك إلا
22
بمجرد الإحساس، لما كان يدرك المبصر في موضعه إلا بعد أن يصل إليه شي ء
23
يلامسه ويحس به. فأما إذا كان الإبصار ليس يتم بمجرد الإحساس، وليس جميع
24
المعاني التي تدرك من المبصرات تدرك بمجرد الإِحساس، وليس يتم الإبصار إلا
25
بالتمييز والقياس والمعرفة، وكان كثير من المعاني المبصرة |II 50a|[ms Fatih 3213] ليس يدرك إلا
245
1
بالتمييز، فليس يحتاج في إدراك المبصر في موضعه إلى حاس يمتد إليه ويلامسه.
2
[72] فلنرجع الآن إلى نعت كيفية إدراك البعد، فنقول: إن بعد المبصر
3
إنما يدرك منفردًا بالتمييز. ومع ذلك فإن هذا المعنى من المعاني التي قد استقرت
4
في النفس على مر الزمان من حيث لم تحس باستقراره لاستمرار هذا المعنى وتكرره
5
على القوة المميزة. فليس تحتاج في إدراكه إلى استئناف تمييز وقياس عند إدراك كل
6
مبصر. ولا تبحث القوة المميزة أيضًا عند إدراك كل مبصر كيف استقر معنى البعد
7
عندها، لأنها ليس تميز كيفية الإدراك عند إدراك كل مبصر. ولا تبحث القوة
8
المميزة أيضًا عند إدراك كل مبصر كيف استقر معنى البعد عندها، لأنها ليس تميز
9
كيفية الإدراك عند إدراك كل مبصر. فهي إنما تدرك البعد مع غيره من المعاني
10
التي في المبصر، وتدرك ذلك في حال إدراك المبصر بتقدم المعرفة.
11
[73] فأما كيف إدراك القوة المميزة للبعد بالتمييز، فإن البصر إذا قابل
12
المبصر بعد أن لم |II 50b|[ms Fatih 3213] يكن مقابلًا له أدرك المبصر، وإذا أعرض البصر عن ذلك
13
المبصر والتفت عنه بطل ذلك الإدراك. وكذلك إذا فتح البصر أجفانه بعد أن
14
كانت مطبقة، وكان مقابلًا له مبصر من المبصرات، أدرك البصر ذلك المبصر،
15
وإذا أطبق أجفانه من بعد إدراك ذلك المبصر بطل ذلك الإِدراك. وفي فطرة
16
العقل أن ما يحدث في البصر عند وضع من الأوضاع ويبطل في حال الالتفات ليس
17
هو شيئًا ثابتًا في داخل البصر ولا محدِثُه في داخل البصر. وفي فطرة العقل أيضًا أن
18
ما يحدث عند فتح الأجفان ويبطل عند انطباق الأجفان ليس هو شيئًا ثابتًا في
19
داخل البصر ولا محدثه في داخل البصر. وإذا أدركت القوة المميزة أن المعنى الذي
20
يحدث في البصر الذي منه يدرك البصر المبصر ليس هو شيئًا ثابتًا في داخل البصر
21
ولا محدثه في داخل البصر، فقد أدركت أن ذلك الذي يحدث في البصر هو شيء
22
يرد من خارج ومحدثه خارج عن البصر. وإذا كان الإبصار يبطل عند انطباق
23
الأجفان وعند الإعراض، |II 51a|[ms Fatih 3213] ويحدث عند فتح الأجفان وعند المقابلة، فالقوة
24
المميزة تدرك أن الذي يُبصَر ليس هو ملتصقًا بالبصر. وإذا أدركت القوة المميزة
25
أن الذي يُبصَر ليس هو في داخل البصر ولا هو ملتصقًا بالبصر، فقد أدركت أن
246
1
بينه وبين البصر بعدًا. لأن في فطرة العقل أو في غاية الظهور للتمييز أن ما ليس
2
هو في الجسم ولا ملتصقًا به فإن بينه وبينه بعدًا. وهذا هو كيفية إدراك حقيقة بعد
3
المبصر بما هو بعد.
4
[74] وليس تحتاج القوة المميزة في إدراك البعد إلى التفصيل الذي
5
فصّلناه، وإنما فصّلناه للتبيين. والقوة المميزة تدرك نتيجة هذا التفصيل في حال
6
الإِبصار من غير حاجة إلى تفصيل. فمن إدراك البصر للمبصر عند مقابلته
7
وبطلان الإِدراك عند الإعراض عنه أو عند انطباق الأجفان قد أدركت القوة
8
المميزة في الحال أن المبصر خارج عن البصر وغير ملتصق بالبصر. وعلى هذه
9
الصفة أدركت القوة المميزة أن بين المبصر |II 51b|[ms Fatih 3213] وبين البصر بعدًا. ثم لاستمرار
10
هذا المعنى وتكرره استقر في النفس من حيث لم يحسَّ باستقراره ولا بكيفية
11
استقراره أن جميع المبصرات خارجة عن البصر وأن كل مبصر فبينه وبين البصر
12
بعد. فبعد المبصر عن البصر إنما أُدرك بالتمييز وباليسير من التمييز، وهو من
13
إدراك القوة المميزة أن الإبصار الذي يحدث في البصر هو لمعنى خارج عن البصر.
14
ثم استقر هذا المعنى في النفس، فصار كل مبصر يدركه البصر قد فهمت القوة
15
المميزة أنه خارج عن البصر وبينه وبين البصر بعد.
16
[75] ومع ذلك فليس يدرك البعد منفردًا كما ذكرنا من قبل، وليس
17
يدرك البعد إلا مع غيره. وعند كلامنا في كيفية إدراك الوضع يتبين كيف يدرك
18
البعد مع الوضع وكيف يدرك المبصر في موضعه.
19
[76] فأما كمية البعد فيختلف إدراك البصر لها، ومنها ما يدرك بحاسة
20
البصر ويتحقق مقداره، ومنها ما ليس يدرك بحاسة البصر حقيقة
21
|II 52a|[ms Fatih 3213] مقداره. فبعد المبصر عن البصر يدرك من كل مبصر ويتحقق من كل مبصر،
22
وكمية البعد ليس يتحققها البصر من كل مبصر. وذلك أن المبصرات منها ما
23
يكون بينه وبين البصر أجسام مرتبة متصلة، وهنها ما ليس بينه وبين البصر
24
أجسام مرتبة متصلة، ولا يسامت بعده أجسامًا مرتبة متصلة. فالتي أبعادها
25
تسامت أجسامًا مرتبة متصلة فإنه إذا أدرك البصر الأجسام المرتبة التي تسامت
247
1
أبعادَها فهو يدرك مقادير تلك الأجسام، وإذا أدرك مقادير تلك الأجسام فهو
2
يدرك مقادير المسافات التي بين أطرافها. والمسافة التي بين طرفي الجسم المرئي
3
المسامت للبعد الذي بين البصر والمبصر، اللذين أحدهما يلي المبصر والآخر يلي
4
الإنسان الناظر، هي بعد المبصر عن البصر، لأنها تسامت المسافة بين البصر
5
والمبصر. فإذا أدرك البصر مقدار هذه المسافة فقد أدرك مقدار بعد المبصر.
6
فالبصر يدرك كمية أبعاد المبصرات |II 52b|[ms Fatih 3213] التي أبعادها تسامت أجسامًا مرتبة متصلة
7
من إدراكه لمقادير الأجسام المرتبة المسامتة لأبعادها.
8
[77] وهذه المبصرات منها ما أبعادها معتدلة ومنها ما أبعادها خارجة عن
9
الاعتدال. فالتي أبعادها معتدلة فالبصر يدرك مقادير أبعادها إدراكًا صحيحًا
10
متيقنًا. وذلك أن المبصرات التي أبعادها معتدلة وبينها وبين البصر أجسام
11
مرتبة متصلة فإن البصر يدركها إدراكًا صحيحًا متيقنًا. وإذا كان يدرك هذه
12
المبصرات إدراكًا متيقنًا فهو يدرك الأجسام المرتبة المتوسطة بينه وبينها إدراكًا
13
متيقنا. فإذا أدرك هذه الأجسام إدراكًا متيقنًا فهو يدرك المسافات التي بين
14
أطرافها إدراكًا متيقنًا. وإذا كان يدرك المسافات إدراكًا متيقنًا فهو يدرك مقادير
15
أبعاد المبصرات المسامتة لهذه المسافات إدراكًا متيقنًا. فالمبصرات التي أبعادها
16
تسامت أجسامًا |II 53a|[ms Fatih 3213] مرتبة متصلة وأبعادها عن البصر أبعاد معتدلة فالبصر يدرك
17
مقادير أبعادها إدراكًا صحيحًا متيقنًا. وأريد بالمتيقن غاية ما يدركه الحس.
18
[78] فأما المبصرات التي أبعادها خارجة عن الاعتدال، وأبعادها
19
تسامت أجسامًا مرتبة متصلة، والبصر مع ذلك يدرك تلك الأجسام، فإن إدراك
20
البصر لمقادير أبعادها ليس هو إدراكًا صحيحًا متيقنًا. وذلك أن المبصرات التي
21
أبعادها خارجة عن الاعتدال ليس يدركها البصر إدراكًا محققًا. فإذا كان بين
22
البصر وبين هذه المبصرات أجسام مرتبة متصلة فليس يدرك البصر جميع هذه
23
الأجسام إدراكًا محققًا، فليس يدرك المسافات التي بين أطرافها إدراكًا محققًا،
24
فليس يدرك الأبعاد التي بينه وبين المبصرات التي عند أطراف هذه الأجسام
25
إدراكًا |II 53b|[ms Fatih 3213] محققًا. فالمبصرات التي أبعادها خارجة عن الاعتدال، وبينها وبين
248
1
البصر أجسام مرتبة متصلة، فليس يدرك البصر كميات أبعادها إدراكًا محققًا.
2
[79] فأما المبصرات التي ليس تسامت أبعادها أجسامًا مرتبة متصلة
3
فليس يدرك البصر كمية أبعادها. ولذلك إذا أدرك البصر السحاب في السهول
4
وفي المواضع التي لا جبال فيها ظن أنه متفاوت البعد قياسًا على الأجرام
5
السماوية. وإذا كان السحاب فيما بين الجبال وكان متصلًا فإنه ربما استترت
6
رؤوس الجبال بالسحاب. وإذا كان السحاب منقطعًا ربما ظهرت رؤوس
7
الجبال من فوق السحاب، وربما أدرك البصر القطع من السحاب ملتصقة ببطن
8
الجبل، وربما كان ذلك في الجبال التي ليست بالشاهقة. فيظهر من هذا الاعتبار
9
أن أبعاد السحاب ليست بالمتفاوتة وأن كثيرًا منها أقرب إلى الأرض من رؤوس
10
الجبال وأن ما يُظن من تفاوت بعدها غلط لا |II 54a|[ms Fatih 3213] حقيقة له. ويتبين من ذلك أن
11
البصر ليس يدرك مقدار بعد السحاب إذا أدركه في السهول وأن مقدار بعد
12
السحاب يدركه البصر إذا كان فيما بين الجبال وظهرت رؤوس الجبال في أعلاه
13
وأدركت المواضع من الجبال التي يماسها السحاب.
14
[80] وقد يوجد هذا المعنى في كثير من المبصرات التي على وجه الأرض
15
أيضًا، أعني أن الأبعاد التي ليس تسامت أجسامًا مرتبة متصلة ليس يدرك البصر
16
مقاديرها. فمما يظهر به ظهورًا بينًا أن البصر ليس يدرك كمية بعد المبصر إلا إذا
17
كان بعده مسامتًا لأجسام مرتبة متصلة، وكان البصر يدرك تلك الأجسام
18
ويتحقق مقاديرها، هو أن يعتمد المعتبر بيتًا أو موضعًا لم يدخله من قبل وقت
19
الاعتبار، ويكون في بعض حيطان ذلك البيت أو الموضع ثقب ضيق، ويكون
20
من وراء ذلك الثقب فضاء لم يشاهده المعتبر قبل ذلك الوقت، ويكون في ذلك
21
|II 54b|[ms Fatih 3213] الفضاء جداران قائمان، ويكون أحد الجدارين أقرب إلى الثقب من الجدار
22
الآخر، ويكون بين الجدارين بعد له قدر، ويكون الجدار الأقرب يستر بعض
23
الجدار الأبعد، ويكون البعض من الجدار الأبعد ظاهرًا، ويكون الثقب مرتفعًا
24
عن الأرض وبحيث إذا نظر فيه الناظر لم ير وجه الأرض التي من وراء الحائط
25
الذي فيه الثقب، فإن المعتبر إذا حصل في هذا الموضع ونظر في الثقب فإنه يرى
249
1
الجدارين معًا ولا يدرك البعد الذي بينهما. وإن كان بعد الجدار الأول عن
2
الثقب بعدًا كبيرًا متفاوتًا فإنه يدرك الجدارين كأنهما متماسان وربما ظن أنهما واحد
3
متصل إذا كان لوناهما واحدًا. وإن كان الجدار الأول على بعد معتدل من الثقب
4
وأحس أن الجدارين اثنان فإنه يظن أنهما متقاربان أو متماسان ولا يتحقق البعد
5
الذي بينهما. ومع ذلك فإنه يدرك الجدار الأول إذا كان بعده معتدلًا كأنه قريب
6
من الثقب ولا يتحقق بعده أيضًا. |II 55a|[ms Fatih 3213] وليس يتحقق البعد الذي بين الجسمين
7
اللذين بهذه الصفة بحاسة البصر، ولا يقدر البصر على تحقيقه إذا لم يكن شاهد
8
ذلك الموضع ولا شاهد ذينك الجدارين من قبل ذلك الوقت ولا تقدم علمه
9
بالبعد الذي بينهما. وربما أدرك البصر الجسمين اللذين بهذه الصفة كأنهما
10
متماسان وإن كان قد تقدم علمه بالبعد الذي بينهما.
11
[81] وإذا كان البصر ليس يدرك البعد الذي بين الجسمين اللذين بهذه
12
الصفة، فليس يدرك كمية بعد الجسم الأخير، وهو مع ذلك يدرك صورته.
13
وإذا كان ليس يدرك كمية بعد هذا الجسم مع إدراكه لهذا الجسم إذا لم يدرك
14
الأجسام المسامتة لبعده، فليس يدرك البصر كمية بعد المبصر على التحقيق من
15
إدراكه لصورة المبصر، وليس يدرك البصر كمية بعد المبصر إلا بالاستدلال.
16
وليس يستدل بحاسة البصر |II 55b|[ms Fatih 3213] على مقدار من المقادير إلا بقياس ذلك المقدار إلى
17
مقدار قد أدركه البصر من قبل أو مقدار يدركه معه في الحال. وليس شي ء يقدِّر
18
به البصر بعد المبصر ويقيسه به ويدرك مع ذلك مقداره على التحقيق بالقياس إلى
19
ذلك الشيء إلا الأجسام المرتبة المسامتة لبعد المبصر. فأما إن قدّر البعد بغيرهذه
20
الأجسام فهو حدس لا تقدير محقق. فليس تدرَك كمية بعد المبصر بحاسة البصر
21
إلا إذا كان بعده مسامتًا لأجسام مرتبة متصلة وكان البصر يدرك تلك الأجسام
22
ويدرك مقاديرها.
23
[82] وللاعتبار الذي ذكرناه نظائر كثيرة من المبصرات. وذلك أن الناظر
24
إذا رأى شخصين قائمين على وجه الأرض أو عمودين أو نخلتين، وكان بينهما
25
بعد له قدر، وكان أحدهما يستر بعض الآخر في رأي العين، ولم يدرك الأرض
250
1
التي بينهما في حال إدراكهما لاستتارها بالشخص الأول، ولم يكنا لبصر رأي ذينك
2
العمودين أو الشخصين |II 56a|[ms Fatih 3213] قبل ذلك الوقت، وكان بعد الشخص الأخير ليس
3
من الأبعاد المتفاوتة، فإنه إذا نظر إليهما معًا يظن بهما أنهما متماسان وبينهما بعد
4
يسير ولا يحس بمقدار البعد الذي بينهما. ثم إذا انحرف عن موضعه حتى يرى
5
الأرض المتصلة التي بينهما أدرك بعد الشخص الأخير وأدرك البعد الذي بين
6
الشخصين وأحس بغلط البصر في الإدراك الأول. فلو كان الناظر إلى هذين
7
الشخصين يدرك مقدار بعد كل واحد منهما عن البصر من غير إحساسه بالأرض
8
المتصلة التي بينهما، لقد كان يدرك مقدار بعد أحدهما عن الآخر في حال
9
إدراكهما معاُ وأحدهما يستر الآخر ومن قبل أن يدرك الأرض المتصلة بينهما.
10
[83] وكذلك إن كان الناظر ينظر إلى ثقب، وكان من وراء الثقب
11
فضاء، وكان في ذلك الفضاء حبل ممدود معترض أو عود معترض، وكان بين
12
الحبل والعود وبين الثقب بعد مقتدر، وكان بين الناظر وبين الثقب بعد مقتدر،
13
وكان الناظر لا يرى الأرض المتصلة |II 56b|[ms Fatih 3213] المسامِتة للبعد الذي بين الحبل أو العود
14
وبين الثقب، فإن الناظر يظن بذلك الحبل المعترض أو العود المعترض أنه مماس
15
للثقب أو قريب جدًا منه، ولا يدرك كمية البعد الذي بين الحبل المعترض أو
16
العود وبين الثقب ما لم يدرك الجسم المتصل المسامت لبعده ولم يتقدم علمُه
17
[84] فمن الاعتبار بهذه المعاني يتبين أن البصر ليس يدرك مقادير أبعاد
18
المبصرات عنه إلا إذا كانت أبعادها مسامتة لأجسام مرتبة متصلة، وكان البصر
19
يدرك تلك الأجسام ويدرك مقاديرها.
20
[85] فأما أبعاد المبصرات المتفرقة بعضها من بعض فإن البصر يدركها
21
من إدراك التفرق الذي بين المبصرات. فأما كمية أبعاد المبصرات بعضها من
22
بعض فإن أحوالها عند البصر كأحوال أبعاد المبصرات عن البصر. وذلك أن
23
المبصرين المتفرقين إن كان بينهما أجسام مرتبة متصلة، وكان البصر يدرك تلك
24
الأجسام ويدرك مقاديرها، فهو يدرك كمية البعد الذي بين ذينك
251
1
|II 57a|[ms Fatih 3213] المبصرين. وإن لم يكن بين المبصرين أجسام مرتبة متصلة فليس يدرك البصر
2
كمية البعد الذي بين ذينك المبصرين على التحقيق. وكذلك إن كان بين
3
المبصرين أجسام مرتبة متصلة، وكانت على بعد متفاوت، ولم يتحقق البصر
4
مقادير تلك الأجسام، فليس يتحقق مقدار البعد الذي بين ذينك المبصرين.
5
[86] فأبعاد المبصرات من البصر إنما تدرك بالتمييز من إدراك القوة
6
المميزة لأن الإبصار الذي يحدث في البصر إنما يحدث لمعنى خارج ومن حصول
7
هذا المعنى في النفس واستقراره على مر الزمان من حيث لم يُحَسَّ باستقراره.
8
وكميات أبعاد المبصرات ليس شيء منها يدرك بحاسة البصر إدراكًا محققًا إلا
9
أبعاد المبصرات التي أبعادها مسامتة لأجسام متصلة وأبعادها مع ذلك معتدلة
10
والبصر مع ذلك يدرك الأجسام المرتبة المسامتة لأبعادها ويتحقق مقادير تلك
11
الأجسام. وما سوى ذلك من المبصرات فليس يتحقق البصر مقادير أبعادها.
12
|II 57b|[ms Fatih 3213] والتي ليس يتحقق البصر مقادير أبعادها منها ما تكون أبعادها مسامتة لأجسام
13
مرتبة متصلة والبصر مع ذلك يدرك تلك الأجسام، وهي التي تكون أبعاد
14
أطرافها متفاوتة. ومنها ما أبعادها مسامتة لأجسام مرتبة متصلة والبصر ليس
15
يدرك تلك الأجسام كانت أبعادها متفاوتة أو كانت معتدلة. ومنها ما ليس
16
يسامت أبعادها أجسامًا مرتبة متصلة، وهي المبصرات المرتفعة عن الأرض المتفاوتة
17
البعد والتي ليس بالقرب منها جبل ولا جدار يسامت بعدها. وجميع المبصرات
18
تنقسم إلى هذه الأقسام.
19
[87] والمبصرات التي ليس يتحقق البصر مقادير أبعادها إذا أدركها البصر
20
فإن القوة المميزة تحدِس في حال إدراكها على مقادير أبعادها حدسًا، وتقيس
21
أبعادها بأبعاد أمثالها من المبصرات التي أدركها البصر من قبل وتحقق مقادير
22
أبعادها، وتعتمد في القياس على صورة المبصر فتقيس صورة المبصر بصور
23
المبصرات الشبيهة به التي أدركها البصر من قبل وتحققت القوة المميزة مقادير
24
أبعادها، فتقيس بعد المبصر |II 58a|[ms Fatih 3213] الذي ليس تتحقق مقدار بعده بأبعاد
25
المبصرات الشبيهة به التي أدركها البصر من قبل وتحققت القوة المميزة مقادير
252
1
أبعادها. وإذا لم تتحقق القوة المميزة تخطيط صورة المبصر قاست مقدار جملة
2
صورته بمقادير صور المبصرات المساوية لتلك الصور في المقدار التي قد تحققت
3
مقادير أبعادها فتشبه بعد المبصر الذي ليس تتحقق مقدار بعده بأبعاد المبصرات
4
المساوية لذلك المبصر في المقدار التي قد تحققت أبعادها.
5
[88] وهذا هو غاية ما تقدر عليه القوة المميزة في التوصل إلى إدراك
6
مقادير أبعاد المبصرات. فربما اتفق لها بهذا القياس أن تصيب في إدراك بعد ما
7
هذه صفته من المبصرات، وربما وقع عليها الغلط. والذي تصيب فيه أيضًا ليس
8
تتحقق أنها مصيبة فيه. وهذا الحدس يكون في غاية السرعة لكثرة اعتياد القوة
9
المميزة لإدراك أبعاد المبصرات بالحدس والتيقن.
10
[89] وقد تحدس القوة المميزة على مقدار بعد المبصر |II 58b|[ms Fatih 3213] وإن كان بعده
11
مسامتًا لأجسام مرتبة وكان من الأبعاد المعتدلة وكان يمكن البصر أن يتحقق مقادير
12
تلك الأجسام، وذلك لاعتياد القوة المميزة للحدس على أبعاد المبصرات ولسرعة
13
حدسها. وإذا كان بعد المبصر من الأبعاد المعتدلة فليس يكون بين الحدس على
14
بعده وبين حقيقة بعده تفاوت مسرف.
15
[90] فكل مبصر من المبصرات إذا أدركه البصر فإنه في حال إدراكه قد
16
أدركت القوة المميزة بعده وأدركت مقدار بعده على مقدارٍ مّا في حال إدراكه إما
17
بالتيقن وإما بالحدس، ويحصل لبعده في الحال مقدار متخيل في النفس. فما كان
18
بعده مسامتًا لأجسام مرتبة متصلة وكان بعده مع ذلك معتدلًا وكان البصر يدرك
19
تلك الأجسام المرتبة المسامته لبعده ولحظ البصر مع ذلك تلك الأجسام وكان قد
20
تقدم علم القوة المميزة بها وتحقق مقدارها، فالمقدار |II 59a|[ms Fatih 3213] الذي يدرك بحاسة
21
البصر لبعد ذلك المبصر وحصلت صورته متخيلة في النفس هو مقدار محقق
22
متيقن.
23
[91] وما لم يكن بعده مسامتًا لأجسام مرتبة متصلة، أو كان بعده
24
مسامتًا لأجسام مرتبة متصلة وكان البصر يدرك تلك الأجسام وكان البعد مع ذلك
25
متفاوتًا ولم يتحقق البصر مقادير تلك الأجسام، أو كان البعد مسامتًا لأجسام
253
1
مرتبة متصلة ولم يكن البصر يدرك تلك الأجسام ولا يتحقق مقاديرها، أو كان
2
البصر يمكن أن يدرك تلك الأجسام ولكن لم يلحظها في الحال ولم يعتبر
3
مقدارها ــ كانت أبعاد تلك المبصرات متفاوتة أو كانت معتدلة ــ فالمقدار الذي
4
يدرك بحاسة البصر لبعد المبصر الذي يأخذ هذه الصفات ويحصل متخيلًا في
5
النفس هو مقدار غير محقق ولا متيقن.
6
[92] والأبعاد التي بين المبصرات المتفرقة إنما تدرك من إدراك التفرق
7
الذي بين المبصرات. وإدراك كميات |II 59b|[ms Fatih 3213] الأبعاد التي بين المبصرات المتفرقة
8
كمثل إدراك كميات أبعاد المبصرات عن البصر: منها ما يدرك إدراكا متيقنًا ومنها ما
9
يدرك بالحدس. وإذا أدرك البصر: مبصرين متفرقين فهو يدرك البعد الذي بينهما
10
ويتخيل مقدار البعد الذي بينهما على مقدار مّا. فالمبصران اللذان فيما بينهما
11
أجسام مرتبة متصلة، والبصر يدرك تلك الأجسام ويتحقق مقاديرها، فالمقدار
12
الذي تخيله البصر للبعد الذي بين ذينك المبصرين هو مقدار متحقق متيقن.
13
والمبصران اللذان ليس بينهما أجسام مرتبة متصلة، أو بينهما أجسام مرتبة متصلة
14
وليس يتحقق البصر مقادير تلك الأجسام، أو ليس يدرك البصر تلك الأجسام،
15
فالمقدار الذي يتخيله البصر للبعد الذي بين ذينك المبصرين هو مقدار غيرمحقق ولا
16
متيقن. فعلى هذه الصفات يكون إدراك أبعاد المبصرات بحاسة البصر.
17
[93] وأيضًا فإن المبصرات |II 60a|[ms Fatih 3213] المألوفة التي على الأبعاد المألوفة التي
18
يدركها البصر دائماُ وعلى الاستمرار ويدرك أبعادها، فإنه يدرك الأجسام المسامتة
19
لأبعادها ويتيقن مقادير أبعادها لكثرة تكررها على البصر، ولكثرة تكرر أبعادها
20
على البصر قد صار البصر يدرك مقادير أبعادها بالمعرفة. وذلك أن البصر إذا
21
أدرك مبصرًا من المبصرات المألوفة وكان على بعد من الأبعاد المألوفة عرفه وعرف
22
بعده وحدس على كمية بعده. وإذا حدس على كمية بعد ما هذه صفته من
23
المبصرات فليس يكون بين حدسه وبين حقيقة كمية ذلك البعد تفاوت مسرف.
24
فالمبصرات المألوفة التي على الأبعاد المألوفة يدرك البصر كميات أبعادها بالمعرفة من
25
حدسه على كميات أبعادها. وإذا حدس على كميات أبعادها فليس يكون بين
254
1
الحدس عليها وبين حقيقتها كثير تفاوت. وأكثر أبعاد المبصرات يدرك على هذه
2
الصفة.
3
〈إدراك الوضع〉
4
[94] فأما الوضع الذي يدركه البصر |II 60b|[ms Fatih 3213] من المبصرات فهو ينقسم إلى
5
ثلثة أنواع. أحدها وضع جملة المبصر عند البصر، أو وضع الجزء من أجزاء
6
المبصر عند البصر، وهذا النوع هو المقابلة، والنوع الثاني هو وضع سطح
7
المبصر المقابل للبصر عند البصر، وأوضاع سطوح المبصر المقابلة للبصر عند
8
البصر إذا كان المبصر كثير السطوح وكان الذي يظهر منه عدة سطوح، وأوضاع
9
نهايات سطوح المبصرات عند البصر، وأوضاع الخطوط والمسافات التي بين كل
10
نقطتين أو كل مبصرين يدركهما البصر معًا وتتخيل المسافة التي بينهما عند
11
البصر. والنوع الثالث هو أوضاع أجزاء المبصر بعضها عند بعض، وأوضاع
12
أجزاء سطح المبصر بعضها عند بعض، وأوضاع نهايات سطح المبصر بعضها
13
عند بعض، وأوضاع أجزاء نهايات سطح المبصر بعضها عند بعض. وهذا
14
النوع هو الترتيب، وكذلك أوضاع المبصرات المتفرقة بعضها عند بعض هي من
15
جملة هذا النوع. فجميع الأوضاع التي يدركها البصر من المبصرات تنقسم إلى
16
هذه الأنواع الثلثة.
17
[95] ووضع |II 61a|[ms Fatih 3213] كل موضوع عند غيره إنما يتقوم من بُعد ذلك الموضوع
18
عن ذلك الغير ومن نُصبة ذلك الموضوع بالقياس إلى ذلك الغير. فمقابلة المبصر
19
للبصر تتقوم من بعد المبصر عن البصر ومن الجهة التي فيها المبصر بالإضافة إلى
20
البصر. فأما إدراك بعد المبصر فقد تبين أنه معنى قد استقر في النفس. فأما جهة
21
المبصر فإن الحاس يدركها من وضع البصر في حال الإبصار. وذلك أن البصر إنما
22
يدرك المبصر في مقابلته وعند محاذاة البصر للجهة التي فيها المبصر. والجهات
23
يدركها الحس ويدركها التمييز، ويفرق الحس والتمييز بين الجهات وإن لم
24
يكن فيها شي ء من المبصرات. ويفرق التمييز بين الجهة المحاذية للبصر والقريبة
25
منها، وتدرك القوة المميزة جميع الجهات بالتخيل والتمييز. فإذا كان البصر محاذيًا
255
1
لجهة من الجهات وأدرك مبصرًا من المبصرات، ثم أعرض عن تلك الجهة وحاذى
2
جهة غيرها، بطل إبصار ذلك المبصر. وإذا عاد إلى محاذاة تلك الجهة عاد إبصار
3
ذلك المبصر.
4
[96] وإذا كان البصر يدرك |II 61b|[ms Fatih 3213] المبصر عند محاذاته للجهة التي فيها
5
المبصر، وكانت القوة المميزة تدرك الجهة المحاذية للبصر في حال إدراك ذلك
6
المبصر، وكان البصر إذا عدل عن محاذاة تلك الجهة بطل إبصار ذلك المبصر،
7
فالقوة المميزة تدرك أن المبصر إنما هو في الجهة المحاذية للبصر في حال إبصار ذلك
8
المبصر. فمن محاذاة البصر للجهة التي فيها المبصر في حال الإبصار قد تعَيّن
9
للحاس وللقوة المميزة الجهة التي فيها المبصر.
10
[97] وأيضًا فإنه قد تبين أن البصر متخصص بقبول الصور من سموت
11
خطوط الشعاع، وأنه ينفعل بالصور من سموت هذه الخطوط فقط. وقد تبين
12
أيضًا أن الصور تمتد في جسم البصر على استقامة خطوط الشعاع. فإذا حصلت
13
صورة المبصر في البصر فإن الحاس يحس بالصورة ويحس بالجزء من البصر الذي
14
فيه حصلت الصورة، ويحس بالسمت الذي فيه تمتد الصورة في جسم العضو
15
الحاس، ومنه إدراك تلك الصورة، الذي هو سمت خطوط الشعاع الممتدة بين
16
البصر وبين ذلك المبصر. وإذا أدرك البصر موضع الصورة من البصر وأدرك
17
السمت الذي فيه امتدت |II 62a|[ms Fatih 3213] الصورة، أدركت القوة المميزة الجهة التي فيها يمتد
18
ذلك السمت. والجهة التي فيها يمتد ذلك السمت هي الجهة التي فيها المبصر.
19
فمن إدراك الحاس للجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة المبصر، ومن
20
إدراكه للسمت الذي فيه تمتد الصورة ومنه ينفعل البصر بالصورة، قد أدركت
21
القوة المميزة السمت الذي فيه امتدت صورة المبصر على التحرير. وعلى هذه
22
الصفة تتميز المبصرات بجهاتها، لأن المبصرات المتفرقة إنما تتميز للبصر من تمييزه
23
للمواضع المتفرقة من سطح العضو الحاس الذي تحصل فيه صور المبصرات
24
المتفرقة.
25
[98] ولإدراك جهة المبصر على هذه الصفة نظير في المسموعات. فإن
256
1
الحاس يدرك الصوت بحاسة السمع، ويدرك الجهة التي منها يرد الصوت،
2
ويفرق بين الصوت الذي يرد من ميمنته وبين الصوت الذي يرد من ميسرته،
3
ويفرق بين الصوت الذي يرد من أمامه وبين الصوت الذي يرد من ورائه.
4
ويفرق بين جهات الأصوات تفريقًا ألطف من هذا التفريق، ويفرق بين
5
الجهات المتقاربة التي ترد منها الأصوات، |II 62b|[ms Fatih 3213] فيفرّق بين الصوت الذي يرد من
6
الجهة المواجهة له وبين الصوت الذي يرد من الجهة المائلة عن سمت المواجهة.
7
وليس يتميز للحاس الجهات التي منها ترد الأصوات بالقياس إلى السمع إلا
8
بالسموت التي عليها ترد الأصوات إلى السمع، لأن الجهات بالقياس إلى السمع
9
ليس تتميز إلا بهذه السموت. فحاسة السمع يدرك الأصوات ويدرك
10
السموت التي منها ترد الأصوات. ومن إدراك السموت التي عليها ترد الأصوات
11
إلى السمع وعلى استقامتها يقرع الصوت السمع تدرك القوة المميزة الجهة التي
12
منها ورد الصوت. فكما أن جهات الأصوات تدرك بحاسة السمع وتدركها القوة
13
المميزة بتوسط السمع، كذلك جهات المبصرات تدركها القوة المميزة بحاسة
14
البصر.
15
[99] والذي يظهر به ظهورًا بينًا أن الحاس يدرك السمت الذي عليه
16
ينفعل البصر بصورة المبصر هو ما يدرك بالانعكاس في المرايا. فإن المبصر الذي
17
يدركه البصر بالانعكاس في المرآة إنما يدركه البصر في مقابلته. وليس هو
18
مقابلًا |II 63a|[ms Fatih 3213] له، وإنما صورته تصل إلى البصرعلى سموت الخطوط المستقيمة التي هي
19
خطوط الشعاع الممتدة من البصر في جهة المقابلة. فإذا أحس البصر بالصورة من
20
سموت خطوط الشعاع ظن بالمبصر أنه عند أطراف تلك الخطوط، وأن الصورة
21
إنما وردت على سموت تلك الخطوط لأنها عند أطراف تلك الخطوط. لأنه ليس
22
يدرك شيئًا من المبصرات المألوفة التي يدركها دائمًا إلا عند أطراف الخطوط
23
المتوهَّمة بين البصر والمبصر التي هي خطوط الشعاع. فمن إدراك البصر للمبصر
24
بالانعكاس في مقابلته وعلى استقامة السموت التي عليها تصل الصور المنعكسة
25
إلى البصر، يظهر أن الحاس يحس بالسمت الذي منه ترد الصورة ومنه ينفعل
257
1
البصر بالصورة. وإذا أحس الحاس بالسمت الذي منه ينفعل بالصورة،
2
أدركت القوة المميزة الجهة التي يمتد فيها ذلك السمت، وأدركت جهة المبصر.
3
فجهة المبصر يدركها الحاس إدراكا مجملاُ من إدراكه لوضع البصر |II 63b|[ms Fatih 3213] في حال
4
الإبصار، وتدركها القوة المميزة إدراكًا مجملًا من إدراكها لوضع البصر في حال
5
الإبصار، وتدركها إدراكًا محققًا على التحرير من إدراكها للسمت الذي منه
6
ينفعل البصر بصورة المبصر. وبُعد المبصر هو معنى قد استقر في النفس. ففي
7
حال حصول صورة المبصر في البصر قد أدركت القوة المميزة جهة المبصر مع
8
استقرار معنى البعد عندها. واجتماع البعد والجهة هو المقابلة. فإذا أدركت القوة
9
المميزة جهة المبصر وبعده معًا فقد أدركت مقابلته. فإدراك المقابلة يكون من
10
إدراك جهة المبصر وإدراك بعد المبصر معًا. وإدراك الجهة يكون على الصفة التي
11
ذكرناها. فإذا حصلت صورة المبصر في البصر أحس الحاس بالموضع من العضو
12
الحاس الذي فيه حصلت الصورة، وأدركت القوة المميزة جهة المبصر من السمت
13
الذي منه تمتد الصورة. ومعنى البعد مستقر عندها. فهي تدرك الجهة وتدرك
14
البعد معًا في حال إدراك الحاس للصورة. ففي حال |II 64a|[ms Fatih 3213] إدراك الحاس للصورة
15
قد أدركت القوة المميزة المقابلة. فعلى هذه الصفة يكون إدراك المقابلة.
16
[100] وقد تبين كيف يدرك البصر صورة المبصر بمجرد الإحساس.
17
ففي حال حصول صورة المبصر في البصر قد أدرك الحاس لون المبصر وضوءه
18
والموضع من البصر الذي تلون وأضاء بتلك الصورة، وأدركت القوة المميزة جهته
19
وبعده في حال إدراك الحاس لضوئه ولونه. فيصير إدراك الضوء واللون والجهة
20
والبعد معًا، أعني في أقل القليل من الزمان. والجهة والبعد هما
21
المقابلة، والضوء واللون هما صورة المبصر، وإدراك الصورة مع إدراك المقابلة هو
22
الذي يتقوم منه إدراك المبصر في مقابلة البصر. فإدراك المبصر في مقابلة البصر إنما
23
هو من أجل أن الضوء والمقابلة يدركان معًا. ثم لاستمرار هذا المعنى وكثرة
24
تكرره صارت الصورة أمارة للحاس وللقوة المميزة. ففي حال حصول
25
الصورة في البصر قد أدركها الحاس وأدركت |II 64b|[ms Fatih 3213] القوة المميزة المقابلة وتقوّم منهما
258
1
إدراك المبصر في موضعه. فعلى هذه الصفة يكون إدراك المبصر في موضعه،
2
وكذلك كل جزء من أجزاء المبصر.
3
[101] فإن كان بعد المبصر من الأبعاد المعتدلة المتيقنة المقدار كان موضع
4
المبصر الذي فيه يدركه البصر هو موضعه الحقيقي. وإن لم يكن بعد المبصر من
5
الأبعاد المتيقنة المقدار فإدراك المبصر في مقابلة البصر يكون متيقنًا على جميع
6
الأحوال، لأن المقابلة تتقوم من الجهة ومن البعد بما هو بعد. وموضع المبصر
7
الذي يدركه البصر فيه يكون مظنونًا غير متيقن لأن الموضع المتيقن إنما يدرك من
8
تيقن مقدار البعد.
9
[102] فأما أوضاع سطوح المبصرات عند البصر فإنها تنقسم قسمين:
10
هما المواجَهة والميل. والسطح المواجه للبصر هو الذي إذا أدركه البصر في حال
11
المواجهة كان سهم الشعاع يلقي نقطة منه ويكون السهم مع ذلك قائمًا على
12
السطح قيامًا معتدلًا. والسطح المائل هو الذي إذا أدركه |II 65a|[ms Fatih 3213] البصر في حال ميله
13
ولقي سهمُ الشعاع نقطةً منه كان مائلًا على السطح لا قائمًا عليه قيامًا معتدلًا ــ على
14
اختلاف ضروب الميل.
15
[103] فأما نهايات سطوح المبصرات والخطوط التي تكون في المبصرات
16
والمسافات التي بين المبصرات وبين أجزاء المبصرات فإنها تنقسم قسمين:
17
فأحدهما الخطوط والمسافات المقاطعة لخطوط الشعاع، والآخر الخطوط والمسافات
18
الموازية لخطوط الشعاع المسامتة لها. والخطوط والمسافات المقاطعة لخطوط الشعاع
19
تنقسم أوضاعها إلى الميل والمواجهة على مثل ما تنقسم إليه أوضاع السطوح.
20
والخط المواجه هو الذي ينتهي سهم الشعاع إلى نقطة منه ويكون قائمًا عليه على
21
زوايا قائمة. والخط المائل هو الذي إذا انتهى سهم الشعاع إلى نقطة منه كان مائلًا
22
عليه لا قائمًا.
23
[104] والبصر يدرك ميل السطوح والخطوط ومواجهتها من إدراكه
24
لاختلاف أبعاد أطراف السطوح والخطوط وتشابهها. فإذا أدرك البصر سطح
25
المبصر، |II 65b|[ms Fatih 3213] وأدرك أبعاد أطرافه، وأحس بتساوي أبعاد أطراف السطح عنه،
259
1
أو بتساوي أبعاد موضعين متقابلين متساويي البعد عن الموضع الذي يحدق إليه
2
من السطح، أدرك السطح مواجهًا، وحكمت القوة المميزة بمواجهته. وإذا
3
أدرك البصر سطح المبصر، وأدرك اختلاف أبعاد أطرافه، ولم يجد في السطح
4
موضعين متساويي البعد عن الموضع الذي يحدق إليه من السطح يكون بعداهما
5
عنه متساويين، أدرك السطح مائلًا بالإضافة إليه، وحكمت القوة المميزة بميله.
6
[105] وكذلك أوضاع الخطوط والمسافات المواجهة والمائلة يدرك البصر
7
مواجهة الخط والمسافة إذا أحس ببعدي طرفي الخط أو المسافة عنه متساويين أو
8
بعدي نقطتين من الخط أو المسافة بعداهما عن النقطة التي يحدق إليها من الخط أو
9
المسافة متساويين. ويدرك ميل الخط والمسافة إذا أحس ببعدي طرفي الخط أو
10
المسافة عنه أو بعدي نقطتين |II 66a|[ms Fatih 3213] متساويتي البعد عن النقطة التي يحدق إليها من
11
الخط أو المسافة مختلفين. وهذا التساوي والاختلاف يدركه الحاس في أكثر
12
الأحوال بالحدس والأمارات. فعلى هذه الصفة يكون إدراك البصر للميل
13
والمواجهة.
14
[106] وإذا كان السطح أو الخط مواجهًا للبصر بجملته، فإن كل جزء
15
منه على انفراده ليس يكون مواجهًا، وليس يكون جزء منه مواجهًا للبصر على
16
انفراده إلا الجزء الذي عليه السهم في حال المواجهة. فإذا تحرك سهم الشعاع على
17
السطح المواجه أو على الخط المواجه فإن كل جزء يمر به السهم يكون مائلًا عليه ما
18
خلا الجزء الأول الذي فيه النقطة التي كان السهم قائمًا عليها. فيكون كل جزء
19
من أجزاء السطح المواجه والخط المواجه إذا أُخذ منفردًا كان مائلًا ما خلا الجزء
20
الأول الذي قدمنا ذكره. وإذا أخذت جملة السطح وجملة الخط كانت الجملة
21
مواجهة. وإذا كانت النقطة التي عندها يكون السهم قائمًا على السطح أو الخط في
22
وسط السطح أو الخط كان السطح أو الخط في غاية المواجهة للبصر. وإن كانت
23
النقطة |II 66b|[ms Fatih 3213] في غير الوسط كان السطح أو الخط مواجهًا ولكن ليس في غاية
24
المواجهة. وكلما كانت النقطة التي إذا لقيها السهم كان قائمًا على السطح أو الخط
25
أقرب إلى وسط السطح أو الخط كان السطح أو الخط أشد مواجهة.
260
1
[107] فأما الخطوط والمسافات الموازية لخطوط الشعاع فإن البصر يدرك
2
أوضاعها من إدراكه للممقابَلة. فإِذا أدرك البصر أطراف الخطوط والمسافات
3
〈التي〉 تلي المبصرات المقابلة له وأطرافَها القريبة 〈التي〉 تلي البصر
4
نفسه أوما قرب من البصر، فقد أدرك وضعها وأدرك امتدادها في سمت المقابلة.
5
[108] فعلى هذه الصفات يكون إدراك البصر لأوضاع السطوح
6
والخطوط والمسافات بالقياس إليه.
7
[109] والسطوح والخطوط والمسافات المقاطعة لخطوط الشعاع منها ما
8
هو مفرط الميل على خطوط الشعاع التي تخرج إليها، ومنها ما هو غير مفرط الميل
9
لكن مائل على خطوط الشعاع ميلًا يسيرًا، ومنها ما هو قائم على بعض |II 67a|[ms Fatih 3213] خطوط
10
الشعاع على زوايا قائمة، وهي السطوح والخطوط والمسافات المواجهة للبصر.
11
والسطوح والخطوط والمسافات المفرطة الميل على خطوط الشعاع يكون الطرف
12
الأبعد من كل واحد منها يلي جهة التباعد عن البصر التي تلي أطراف خطوط
13
الشعاع ويكون الطرف الأقرب يلي جهة التقارب من البصر. والبصر إذا أدرك
14
خطًا من الخطوط أو مسافة من المسافات فإنه يدرك الجهتين اللتين تليان طرفي ذلك
15
الخط أو تلك المسافة، وكذلك إذا أدرك البصر سطحًا من السطوح فإنه من
16
إدراكه لامتداد ذلك السطح في الطول والعرض يدرك الجهات التي تلي أطراف
17
ذلك السطح. فإذا أدرك البصر السطح المائل على خطوط الشعاع، وكان ذلك
18
السطح مفرط الميل، فإنه في حال إدراكه للسطح يدرك الجهة التي تلي طرفه الأبعد
19
ويدرك أنها تلي أطراف خطوط الشعاع، |II 67b|[ms Fatih 3213] ويدرك الجهة التي تلي طرفه
20
الأدنى، ويدرك أنها تلي ما يقرب من البصر، وكذلك إذا أدرك الخط أو المسافة
21
المفرطتي الميل. وإذا أحس البصر بأن أحد طرفي السطح أو الخط أو المسافة تلي
22
جهة التباعد عن البصر، وأن الطرف الآخر يلي جهة التقارب من البصر، فقد
23
أحس ببعد أحد طرفي ذلك السطح أو الخط أو المسافة وقرب الآخر. وإذا أحس
24
ببعد أحد طرفي السطح أو الخط أو المسافة وقرب الآخر فقد أحس بميل وضع ذلك
25
السطح أو الخط أو المسافة. فالسطوح والخطوط والمسافات المائلة على خطوط
261
1
الشعاع المفرطة الميل يدرك البصر ميلها من إدراكه لجهتي طرفيها.
2
[110] فأما السطوح والخطوط والمسافات اليسيرة الميل والمواجهة للبصر
3
فليس يدرك البصر ميلها ومواجهتها إدراكًا محققًا إلا إذا كانت أبعادها معتدلة،
4
وكانت أبعادها مسامتة لأجسام مرتبة، وكان البصر يدرك تلك الأجسام ويدرك
5
مقاديرها، |II 68a|[ms Fatih 3213] ويدرك من مقادير تلك الأجسام مقادير أبعاد أطراف تلك
6
السطوح والخطوط والمسافات، ويدرك تساوي بعدي طرفي السطح أو الخط أو
7
المسافة أواختلافها. لأن السطوح والخطوط والمسافات المواجهة والمائلة ميلًا يسيرًا
8
ليس شيء من الجهات التي تلي أطرافها يلي البصر، وإنما أطرافها المتقابلة تلي
9
الجهات المتيامنة والجهات المتياسرة أو المتعالية أو المتسافلة أو الجهات التي فيما بين
10
ذلك. فإن لم يدرك البصر مقادير أبعاد ما هذه حاله من السطوح والخطوط
11
والمسافات عن البصر فليس يدرك اختلاف أبعاد أطرافها المتقابلة أو تساويها.
12
وإذا لم يدرك اختلاف أبعاد أطرافها أوتساويها فليس يدرك ميلها ولا مواجهتها.
13
فإذا كانت السطوح والخطوط والمسافات على أبعاد متفاوتة، وكان ميلها يسيرًا فإن
14
البصر ليس يدرك ميلها ولا يفرق بين المائل منها ميلًا يسيرًا وبين المواجه. لأن
15
السطوح والخطوط والمسافات التي أبعادها متفاوتة |II 68b|[ms Fatih 3213] ليس يتحقق البصر كميات
16
أبعادها وإنما يحدس على كميات أبعادها حدسًا. وإذا كانت أبعادها متفاوتة
17
وكانت مع ذلك مائلة ميلًا يسيرًا كان الاختلاف الذي بين أبعاد أطرافها المتقابلة
18
ليس له قدر بالإضافة إلى كميات أبعادها. وإذ لم يتحقق البصر مقادير أبعاد
19
أطرافها لم يدرك الاختلاف الذي بين أبعاد أطرافها. وإذا لم يدرك الاختلاف
20
الذي بين أبعاد أطراف السطح والخط والمسافة ظنّ بتلك الأبعاد أنها متساوية ولم
21
يدرك ميل ذلك السطح أو الخط أو المسافة. وإذا لم يدرك ميل السطح
22
أو الخط أو المسافة ظنّه مواجِهًا. فالسطح والخطوط والمسافات التي أبعادها متفاوتة
23
ليس يدرك البصر ميل المائل منها إذا كان ميله يسيرًا. فهو يدرك جميع السطوح
24
والخطوط والمسافات المتفاوتة البعد اليسيرة الميل كأنها مواجهة له، ولا يتحقق
25
وضعها ولا يفرق بين المائل منها والمواجه من البعد المتفاوت، بل يدرك المائلَ
262
1
والمواجِهَ على صفة |II 69a|[ms Fatih 3213] واحدة، كان إدراكه للواحد منها منفردًا أو كان إدراكه
2
للمائل والمواجه معًا، لأنه يدرك أبعاد أطرافها المتقابلة متساوية إذا لم يحس
3
باختلافها.
4
[111] وكذلك السطوح والخطوط والمسافات التي أبعادها معتدلة إذا لم
5
تسامت أبعادها أجسامًا مرتبة، أو لم يدرك البصر الأجسام المسامتة لأبعادها ولم
6
يتحقق كميات أبعادها، فليس يتحقق أوضاعها ولا يفرق بين المائل منها
7
والمواجه، وإنما يحدس على أوضاعها حدسًا، وربما ظنّ بما هذه صفته من
8
السطوح والخطوط أنها مواجهة وإن كانت مائلة. وإذا كانت السطوح والخطوط
9
والمسافات على أبعاد معتدلة وكانت أبعادها مسامتة لأجسام مرتبة وكان البصر
10
يدرك تلك الأجسام ويدرك مقاديرها، فإن البصر يدرك مقادير أبعاد أطراف تلك
11
السطوح والخطوط والمسافات، ويدرك تساوي ما يتساوى من أبعاد أطرافها
12
المتقابلة واختلاف ما |II 69b|[ms Fatih 3213] يختلف منها. وإذا أدرك تساوي أبعاد أطراف السطح أو
13
الخط أو المسافة أو اختلافها أدرك مواجهة ذلك السطح أو الخط أو المسافة أو ميله
14
إدراكًا محققًا.
15
[112] والسطوح والخطوط والمسافات المفرطة الميل أيضًا ليس يدرك
16
البصر ميلها إلا إذا كانت على أبعاد معتدلة بالقياس إلى أعظامها، لأن البصر ليس
17
يدرك الجهات التي تلي أطراف السطح أو الخط أو المسافة إلا إذا أدرك كيفية امتداد
18
ذلك السطح أو الخط أو المسافة. وليس يدرك البصر كيفية امتداد السطح
19
والخط والمسافة إلا إذا كان على بعد معتدل بالقياس إلى مقدار ذلك السطح أو الخط
20
أو المسافة. والسطوح والخطوط والمسافات المقاطعة لخطوط الشعاع ما كان منها
21
مفرط الميل فالبصر يدرك ميله من إدراكه لجهات أطرافه. وما كان منها يسير
22
الميل، ومواجهًا للبصر، فإن البصر يدرك ميله ومواجهته من إدراكه لمقادير أبعاد
23
أطرافها المتقابلة. وليس يتحقق البصر أوضاع السطوح والخطوط |II 70a|[ms Fatih 3213] والمسافات
24
المفرطة الميل إلا إذا تحقق كيفية امتدادها. وليس يتحقق أوضاع السطوح والخطوط
25
والمسافات اليسيرة الميل والمواجهة إلا إذا تحقق مقادير أبعاد أطرافها وأدرك
263
1
اختلاف أبعاد أطرافها المتقابلة أو تساويها. إلا أن البصر قلَّ ما يحرِّر أوضاع
2
المبصرات. وأكثر ما يدركه البصر من أوضاع المبصرات إنما يدركه بالحدس من
3
حدسه على مقادير أبعاد أطرافها ومن إدراكه لتساوي أبعاد أطرافها واختلافها
4
بالحدس. فمعوَّل البصر في إدراك أوضاع المبصرات إنما هو على الحدس. فإذا
5
أراد الناظر أن يتحقق وضع سطح من سطوح المبصرات، أو وضع خط من
6
الخطوط التي في المبصرات، أو وضع مسافة من المسافات التي في سطوح
7
المبصرات، فإنه يتأمل صورة ذلك المبصر ويتأمل كيفية امتداد ذلك السطح أو
8
الخط أو المسافة. فإن كانت صورة ذلك المبصر الذي فيه ذلك السطح أو الخط أو
9
المسافة بيّنه محققة، وكان ميل ذلك السطح أو الخط أو المسافة |II 70b|[ms Fatih 3213] ميلًا مفرطًا،
10
أدرك البصر حقيقة ميله من إدراكه لكيفية امتداده وإدراكه لجهتي طرفيه
11
المتقابلين. وإن كانت صورة ذلك المبصر بيّنة، ولم يكن مفرط الميل، وكان
12
بعده مسامتًا لأجسام مرتبة، فإنه يلاحظ الأجسام المسامته لأبعاد أطرافه ويعتبر
13
مقدارها، فيدرك ميل ذلك السطح أو الخط أو المسافة ومقدار ميله، أو مواجَهتَه
14
إن كان مواجهًا، من إدراكه لمقادير أبعاد أطرافه.
15
[113] وإن كانت صورة المبصر مشتبهة، أو كانت بيّنة ولم يكن الميل
16
مفرطًا، ولم يكن البعد مسامتًا لأجسام مرتبة، فليس يدرك البصر حقيقة وضع
17
السطح أو الخط أو المسافة التي بهذه الصفة. ومع ذلك فإن البصر إذا أدرك
18
الصورة مشتبهة، ولم يجدها بيّنة، ولم يجد أبعادها تسامت أجسامًا مرتبة، فإنه
19
يحس في الحال أن وضع ذلك السطح أو الخط أو المسافة غير متيقن إن كان يعتبر
20
وضع السطح أو الخط أو المسافة.
21
[114] |II 71a|[ms Fatih 3213]فعلى هذه الصفات يدرك البصر أوضاع سطوح المبصرات
22
وأوضاع الخطوط والمسافات التي في سطوح المبصرات التي جميعها مقاطعة لخطوط
23
الشعاع.
24
[115] فأما المسافات التي بين المبصرات المتفرقة فإنّ ما كان منها على
25
أبعاد متفاوتة، أعني إذا كان بعد كل واحد من المبصرين اللذين عند طرفي
264
1
المسافة بعدًا متفاوتًا، فإن البصر يدرك المسافات التي بهذه الصفة كأنها
2
مواجهة وإن كانت مائلة، لأنه لا يدرك الاختلاف الذي بين أبعاد أطرافها.
3
وإن كان أحد المبصرين اللذين عند طرفي المسافة أقرب من الآخر وكان البصر
4
يحس بقرب القريب منها. فإنه يدرك المسافة التي بينهما مائلة بحسب ما يدركه
5
من قرب القريب من المبصرين اللذين عند طرفيها وبعد البعيد منهما. وإن
6
كان أحد المبصرين أقرب، ولم يدك البصر قربه، فليس يحس بميل المسافة التي
7
بينهما. |II 71b|[ms Fatih 3213] فجميع السطوح والخطوط والمسافات المقاطعة لخطوط الشعاع التي
8
يتحقق البصر أوضاعها منه هي التي تكون أبعادها معتدلة، ويكون البصر مع
9
ذلك يتحقق تساوي أبعاد أطرافها واختلافها. وما لم يتحقق البصر تساوي أبعاد
10
أطرافها واختلافها فليس يتحقق وضعَها منه.
11
[116] وأكثر ما يدركه البصر من أوضاع المبصرات إنما يدركه
12
بالحدس. فما كان منها على أبعاد معتدلة فليس يكون بين وضعه الذي يدركه
13
البصر بالحدس وبين وضعه الحقيقي تفاوت مسرف. وما كان منها على أبعاد
14
متفاوتة ولم يدرك البصر بين أبعاد أطرافها اختلافًا فإنه يدركها مواجهة له وإن
15
كانت مائلة، ولا يفرق بين المائل من المبصرات التي أبعادها متفاوتة وبين المواجه
16
منها لأن البصر إذا لم يدرك اختلاف بعدي طرفي المبصر أدرك بعدي طرفيه
17
متساويين، وإذا أدرك بعدي الطرفين متساويين حكم بالمواجهة.
18
[117] فعلى هذه الصفات يكون إدراك أوضاع السطوح والخطوط
19
والمسافات بحاسة البصر.
20
[118] فأما أوضاع أجزاء |II 72a|[ms Fatih 3213] المبصر بعضها عند بعض، وأوضاع
21
نهايات سطح المبصر أو سطوحه بعضها عند بعض، وأوضاع المبصرات المتفرقة
22
بعضها عند بعض، التي جميعها تدخل تحت الترتيب، فإن البصر يدركها من
23
إدراك المواضع من البصرالتي تحصل فيها صور الأجزاء ومن إدراك القوة المميزة
24
لترتيب أجزاء الصورة التي تحصل في البصر لجملة المبصر. وذلك أن صور
25
المبصرات تحصل في سطح العضو الحاس، وكل جزء من سطح المبصر تحصل
265
1
صورته في جزء من الجزء من سطح العضو الحاس الذي تحصل فيه صورة الكل.
2
وإذا كان سطح المبصر مختلف الألوان، أو كانت بين أجزائه فصول تتفرق بها
3
الأجزاء بعضها من بعض، فإن الصورة التي تحصل في البصر تكون مختلفة
4
الألوان أو تكون أجزاؤها مفصلة كتفصيل أجزاء سطح المبصر. والحاس يحس
5
بالصورة ويحس بكل جزء من أجزاء الصورة من إحساسه بألوان تلك الأجزاء
6
والأضواء التي فيها، ويحس بمواضع صور الأجزاء من البصر من إحساسه بألوان
7
الأجزاء |II 72b|[ms Fatih 3213] وأضوائها. والقوة المميزة تدرك ترتيب تلك المواضع من جملة الصورة
8
ومن إدراكها لاختلاف ألوان أجزاء الصورة ومن إدراكها لفصول الأجزاء،
9
فتدرك المتيامن منها والمتياسر والمرتفع والمنخفض من قياس بعضها ببعض،
10
وتدرك المتماس والمتفرق.
11
[119] فأما أوضاع أجزاء المبصر بعضها من بعض في التقدم والتأخر فإنما
12
يدركها البصر من إدراك كميات أبعاد الأجزاء عنده، وإدراك اختلاف أبعاد
13
الأجزاء بالزيادة والنقصان. فما كان من المبصرات على أبعاد معتدلة، وكان
14
البصر يدرك مقادير أبعادها، ويدرك مقادير أبعاد أجزائها، ويدرك الاختلاف
15
الذي بين أبعاد الأجزاء عنه وتساويها، فهو يدرك أوضاع أجزاء ذلك المبصر
16
بعضها عند بعض في التقدم والتأخر، أعني في الشخوص والغؤ ور. وما لم
17
يتحقق البصر مقادير أبعادها ومقادير أبعاد أجزائها فليس يدرك البصر ترتيب
18
أجزائها في التقدم والتأخر في حال إبصارها. فما كان مما هذه حاله من المبصرات
19
المألوفة التي يعرفها البصر ويعرف ترتيب صورها، |II 73a|[ms Fatih 3213] فهو يدرك ترتيب أجزائها
20
في التقدم والتأخر وهيئة سطوحها بالمعرفة لا بمجرد الإبصار في الحال التي ليس
21
يتحقق منها مقادير أبعادها. وما كان من المبصرات الغريبة التي ليس يعرفها
22
البصر فهو يدرك سطوحها كأنها مسطحة ليس فيها تقدم ولا تأخر إذا لم يتحقق
23
مقادير أبعاد أجزائها، وإن كانت أجزاؤها مختلفة الترتيب في التقدم والتأخر.
24
وهذا المعنى يظهر إذا نظر البصر إلى جسم فيه تحديب أو تقعير وكان على بعد
25
متفاوت. فإن البصر لا يدرك التحديب والتقعير الذي يكون فيه وإنما يدركه
266
1
البصر كأنه مسطح لا اختلاف فيه.
2
[120] فأوضاع أجزاء سطح المبصر بعضها عند بعض في اختلاف
3
الجهات وفي التفرق والاتصال إنما يدركها البصر ويدرك ترتيبها من إدراكه لأجزاء
4
الصورة التي تحصل في البصر لجملة المبصر وإدراكِه لاختلاف الألوان والفصول
5
التي تتميز بها الأجزاء، ومن إدراك القوة المميزة لترتيب أجزاء الصورة.
6
وأوضاع أجزاء المبصر |II 73b|[ms Fatih 3213] وأوضاع أجزاء سطح المبصر بعضها عند بعض في
7
التقدم والتأخر بالقياس إلى البصر إنما يدركها البصر من إدراكه لكميات أبعاد
8
الأجزاء وإدراكِه لاختلاف كميات أبعادها وتساوي أبعادها. فما يتحقق البصر
9
مقادير أبعاد أجزائه فهو يدرك ترتيب أجزائه في التقدم والتأخر، وما ليس يتحقق
10
مقادير أبعاد أجزائه فليس يدرك ترتيب أجزائه في التقدم والتأخر. فحاسة
11
البصر في الحال التي ليس يتحقق فيها مقادير أبعاد أجزاء المبصر، إذا كان من
12
المبصرات المألوفة التي يعرفها البصر، فهو يدرك ترتيب أجزائه بالمعرفة، وما كان
13
من المبصرات الغريبة فليس يدرك ترتيب أجزائه في التقدم والتأخر إذا لم يدرك
14
مقادير أبعاد أجزائه. فأما أجزاء المبصر المتميزة التي بينها تفرق فإن البصر يدرك
15
ترتيبها من إدراكه المواضع من البصر التي تحصل فيها صور تلك الأجزاء ومن
16
إدراك القوة المميزة للتفرق الذي بين تلك المواضع من البصر. وكذلك المبصرات
17
المختلفة المتفرقة يدرك البصر ترتيبها من إدراكه للتفرق الذي بين المواضع من
18
البصر التي تحصل فيها صور تلك المبصرات. فأما |II 74a|[ms Fatih 3213] نهايات سطح المبصر أو
19
سطوحه فإن البصر يدركها ويدرك ترتيبها من إدراكه للجزء من سطحه الذي
20
يحصل فيه لون ذلك السطح وضوؤه ومن إدراك القوة المميزة لنهايات ذلك الجزء
21
ومن إدراكها لترتيب محيط ذلك الجزء. فعلى هذه الصفات يدرك البصر أوضاع
22
أجزاء المبصرات وأوضاع أجزاء سطوح المبصرات بعضها عند بعض، وأوضاع
23
نهايات السطوح وأوضاع الأجزاء المتميزة من المبصرات بعضها عند بعض
24
وأوضاع المبصرات المتفرقة بعضها عند بعض.
267
1
〈إدراك التجسّم〉
2
[121] فأما التجسم، وهو امتداد الجسم في الأبعاد الثلثة، فإن البصر
3
يدركه من بعض الأجسام وليس يدركه من بعض الأجسام. إلا أن الإِنسان المميِّز
4
قد تقرر عنده بالعلم والاعتبار أنه ليس يدرك بحاسة البصر إلا الأجسام، فهو
5
إذا رأى المبصر علم أنه جسم وحكم ببديهة الإبصار أن المبصر جسم وإن لم يدرك
6
امتداده في الأبعاد الثلثة. فأما امتداد الجسم في الأبعاد الثلثة فإن البصر
7
يدرك من جميع الأجسام امتدادها |II 74b|[ms Fatih 3213] في الطول والعرض من إدراكه لسطوح
8
الأجسام المقابلة له. فإذا أدرك سطح الجسم فقد أدرك امتداد السطح في الطول
9
والعرض، أعني طول السطح وعرضه. وإذا أدرك امتداد السطح في الطول
10
والعرض مع استقرار العلم بأن المبصر جسم فقد أدرك امتداد ذلك الجسم في
11
الطول والعرض، أعني بعدين من أبعاده، ولم يبق إلا البعد الثالث.
12
والأجسام منها ما يحيط به سطوح مسطحة متقاطعة منعطف بعضها إلى بعض،
13
ومنها ما يحيط به سطوح محدبة أو مقعرة، ومنها ما يحيط به سطوح مختلفة الهيئات
14
متقاطعة منعطف بعضها إلى بعض، ومنها ما يحيط به سطح واحد مستدير.
15
فالجسم الذي يحيط به سطوح متقاطعة وأحد سطوحه مسطح، إذا أدركه البصر،
16
وكان سطحه المسطح مقابلًا للبصر ومواجهًا له وكانت سطوحه الباقية المقاطعة
17
للسطح المواجه قائمة على السطح المواجه أو مائلة عليه إلى جهة التضايق من
18
وراء السطح المواجه ولم يظهر للبصر من هذا الجسم إلا السطح المواجه فقط،
19
فليس يحس البصر من هذا الجسم |II 75a|[ms Fatih 3213] وأمثاله إلا امتدادها في الطول والعرض
20
فقط، فليس يحس البصر بتجسم الأجسام التي بهذه الصفة. والجسم الذي يحيط
21
به سطوح متقاطعة، إذا أدركه البصر، وكان سطحه المقابل للبصر مائلًا عن
22
مواجهة البصر على أي هيئة كان ذلك السطح، وكان موضع التقاطع من هذا
23
السطح وسطح آخر من سطوح ذلك الجسم يلي البصر، وكان البصر يدرك
24
تقاطع السطحين من الجسم الذي بهذه الصفة، ويدرك السطحين معًا،
268
1
فلِتَقاطع السطحين يدرك انعطاف سطح الجسم إلى حيث العمق. وإذا أدرك
2
انعطاف سطح الجسم فهو يدرك امتداد الجسم في ذلك العمق. وهو يدرك من
3
السطح المائل امتداد الجسم في الطول والعرض. وإذا أدرك امتداد الجسم في
4
الطول والعرض والعمق فقد أدرك تجسم الجسم. فالأجسام التي بهذه الصفة
5
ووضعها من البصر هذا الوضع فإن البصر يدرك تجسمها.
6
[122] وكذلك إذا كان أحد سطوح الجسم مواجهًا للبصر، على أي
7
هيئة كان ذلك السطح، وكانت السطوح المقاطعة لذلك السطح أو أحدها مائلًا
8
على السطح المواجه |II 75b|[ms Fatih 3213] إلى جهة الاتساع من وراء السطح المواجه، فإن البصر
9
يدرك من هذا الجسم السطح المواجه ويدرك السطح المائل أيضًا أو السطوحَ المائلة
10
المقاطعة للسطح المواجه، ويدرك تقاطع هذه السطوح. وإذا أدرك التقاطع،
11
وأدرك السطح المواجه، وأدرك السطح المائل أو السطوح المائلة، فهو يدرك
12
انعطاف سطح الجسم في جهة العمق. وإذا أدرك انعطاف سطح الجسم في
13
جهة العمق مع إدراكه لامتداد الجسم في الطول والعرض من السطح المواجه فقد
14
أدرك تجسم الجسم. فالأجسام التي بهذه الصفة أيضًا فإن البصر يدرك
15
تجسمها. وبالجملة فإن كل جسم يدرك البصر منه سطحين متقاطعين فإنه
16
يدرك تجسمه.
17
[123] فأما الجسم الذي فيه سطح محدب إذا كان سطحه المحدب يلي
18
البصر، كان الذي يحيط به سطحًا واحدًا أو كان الذي يحيط به سطوحًا كثيرة،
19
مختلفة كانت |II 76a|[ms Fatih 3213] سطوحه أو متشابهة، فإنه إذا أدركه البصر، وكان سطحه
20
المحدب يلي البصر، وكان البصر يدرك تحديب سطحه، فإنه يدرك تجسمه من
21
إدراكه لتحديب سطحه. وذلك أن السطح المحدب إذا كان مقابلًا للبصر فإن
22
أبعاد أجزائه من البصر تكون مختلفة ويكون وسطه أقرب إلى البصر من حواشيه.
23
وإذا كان البصر يدرك تحديبه فهو يدرك أن وسطه أقرب إليه من أطرافه. فإذا
24
أحس بأن وسطه أقرب من أطرافه وأن أطرافه أبعد فقد أحس بأن السطح
25
منعطف في جهة التباعد. وإذا أحس بانعطاف السطح في جهة التباعد فقد أحس
269
1
بامتداد الجسم في العمق بالإضافة إلى سطحه المواجه. وهو يدرك امتداد ذلك
2
الجسم في الطول والعرض من إدراكه لامتداد السطح المحدب في الطول
3
والعرض. وكذلك إذا كان سطح آخر من سطوح الجسم غير السطح المواجه
4
للبصر محدبًا وأدرك البصر تحديبه، فأنه يدرك امتداده في الأبعاد الثلثة. فالأجسام
5
التي سطوحها محدبة |II 76b|[ms Fatih 3213] أو فيها سطح محدب إذا أدرك البصر تحديب سطوحها فإنه
6
يدرك تجسيمها.
7
[124] فأما الجسم الذي فيه سطح مقعر إذا أدركه البصر وأدرك سطحه
8
المقعر، وأحس البصر مع ذلك بسطح آخر من سطوحه، وأحس بمقاطعته
9
للسطح المقعر، فهو يحس بانعطاف سطح ذلك الجسم. وإذا أحس بانعطاف
10
سطحه فقد أحس بتجسمه. فإن كان سطحه المقعر يلي البصر ولم يظهر للبصر
11
شيء من سطوحه الباقية، فليس يدرك البصر تجسم ذلك الجسم، وليس يدرك
12
البصر من الجسم الذي بهذه الصفة إلا امتداده في بعدين فقط من إدراكه لامتداد
13
السطح المقعر في الطول والعرض. فليس يحس البصر بتجسم ما هذه صفته من
14
الأجسام إلا بتقدم العلم فقط، لا من إحساسه بامتداده في الأبعاد الثلثة.
15
والسطح المقعر يمتد في العمق أيضًا لقرب أطرافه من البصر وبعد وسطه مع
16
امتداده في الطول والعرض. إلا أنه إذا كان التقعير يلي البصر فامتداد السطح
17
المقعر |II 77a|[ms Fatih 3213] في العمق إنما يدرَك منه امتداد الفضاء ــ الذي هو التقعير ــ في العمق، لا
18
امتداد الجسم المبصر الذي ذلك السطح المقعر سطحه.
19
[125] فإدراك البصر لتجسم الأجسام إنما هو من إدراكه لانعطافات
20
سطوح الأجسام. وانعطافات سطوح الأجسام التي بها يستدل البصر على تجسم
21
الأجسام إنما يدركها البصر من الأجسام التي أبعادها معتدلة التي يتحقق البصر
22
مقادير أبعادها. فأما الأجسام المتفاوتة الأبعاد والأجسام التي ليس يتحقق البصر
23
مقادير أبعادها، فليس يدرك البصر انعطاف سطوحها. وإذا لم يدرك انعطاف
24
سطوحها فليس يدرَك تجسُّمُها بحاسة البصر، لأن المبصرات المتفاوتة الأبعاد
25
والتي لا يتحقق البصر مقادير أبعادها، ليس يدرك البصر أوضاع أجزاء سطوحها
270
1
بعضها من بعض وليس يدركها إلا مسطحة. وإذا لم يدرك البصر أوضاع أجزاء
2
سطوحها بعضها عند بعض فليس يدرك انعطاف سطوحها. وإذا لم يدرك
3
|II 77b|[ms Fatih 3213] انعطاف سطوحها، ولم يدركها إلا مسطحة، فليس يدرك تجسمها. فليس
4
يدرك البصر تجسم الأجسام المتفاوتة الأبعاد، ولا الأجسام التي لا يتحقق أبعادها
5
ولا يدرك انعطافات سطوحها.
6
[126] فالبصر يدرك تجسم الأجسام من إدراكه لانعطاف سطوح
7
الأجسام. وانعطافات سطوح الأجسام إنما يدركها البصر من المبصرات المعتدلة
8
الأبعاد التي يدرك أوضاع أجزاء سطوحها بعضها عند بعض. وما سوى ذلك من
9
المبصرات فليس يدرك تجسمها بحاسة البصر، وإنما يدرك تجسمها بتقدم العلم
10
فقط.
11
〈إدراك الشكل〉
12
[127] فأما الشكل، وهو شكل المبصر، فإنه ينقسم إلى نوعين:
13
أحدهما هو شكل محيط المبصر أو محيط جزء من أجزاء سطح المبصر، والنوع الثاني
14
هو شكل تجسم المبصر أو شكل تجسم جزء من أجزاء المبصر، وهذا النوع هو هيئة
15
سطح المبصر الذي يدرك البصر تجسمه أو هيئة الجزء من سطح المبصر الذي يدرك
16
تجسمه. وجميع ما يدركه |II 78a|[ms Fatih 3213] البصر من أشكال المبصرات ينقسم إلى هذين
17
النوعين.
18
[128] فأما شكل محيط المبصر فإن الحاس يدركه من إدراكه لمحيط
19
الصورة التي تحصل في تجويف العصبة المشتركة ومن إدراكه لمحيط الجزء من سطح
20
العضو الحاس الذي تحصل فيه صورة المبصر، لأن كل واحد من هذين
21
الموضعين يتشكل فيه محيط سطح المبصر، فأيّ الموضعين اعتبره الحاس أدرك منه
22
شكل محيط المبصر. وكذلك شكل محيط كل جزء من أجزاء سطح المبصر يدركه
23
الحاس من إحساسه بترتيب أجزاء نهايات الجزء من أجزاء الصورة. وإذا أراد
24
الحاس أن يتحقق شكل محيط سطح المبصر أو شكل محيط جزء من أجزاء سطح
25
المبصر فإنه يحرك سهم الشعاع على محيط المبصر فتتحرر بالحركة أوضاعُ أجزاء
271
1
نهايات صورة السطح أو الجزء من السطح التي في سطح العضو الحاس والتي في
2
تجويف العصبة المشتركة، فيدرك من تحقيق أوضاع |II 78b|[ms Fatih 3213] نهايات الصورة شكل
3
محيط السطح. فعلى هذه الصفة يكون إدراك شكل محيط سطح المبصر وشكل
4
محيط كل جزء من أجزاء سطح البصر بحاسة البصر.
5
[129] فأما هيئة سطح المبصر فإنما يدركها البصر من إدراكه لأوضاع
6
أجزاء سطح المبصر ومن تشابه أوضاع أجزاء السطح واختلافها، ويتحقق
7
هيئة السطح من إدراكه لاختلاف أبعاد أجزاء سطح المبصر وتساويها واختلاف
8
ارتفاعات أجزاء سطحه أو تساويها. وذلك أن تحديب السطح إنما يدركه البصر
9
من إدراكه لقرب الأجزاء المتوسطة من السطح وبعد أجزاء محيط السطح أو من
10
اختلاف ارتفاعات أجزائه إذا كان السطح الأعلى من الجسم محدبًا. وكذلك
11
تحديب نهاية السطح ليس يدركه البصر إلا من إدراكه لقرب وسطه وبعد طرفيه
12
إذا كان تحديبه يلي البصر، أو من اختلاف ارتفاعات أجزائه إذا كان تحديبه إلى
13
العلو أو إلى السفل، أومن اختلاف تيامن أجزائه وتياسرها إذا كان تحديبه متيامنًا
14
أو متياسرًا.
15
[130] فأما تقعير السطح، |II 79a|[ms Fatih 3213] إذا كان التقعير يلي البصر، فإن البصر
16
يدركه من إدراكه لبعد الأجزاء المتوسطة منه وقرب أجزاء محيطه، وكذلك تقعير
17
نهاية السطح إذا كان تقعيره يلي البصر. وليس يدرك البصر تقعير السطح إذا كان
18
التقعير يلي العلو أو السفل أو الجنبتين إلا إذا كان السطح المقعر منقطعًا وظهر
19
تقويس نهايته التي تلي البصر.
20
[131] فأما استواء السطح فإنما يدركه البصر من إدراكه لتساوي أبعاد
21
أجزائه المتقاربة وتشابه ترتيبها، وكذلك استقامة نهاية السطح إذا كانت النهاية
22
تلي البصر. فأما استقامة نهاية السطح وتقويسه وانحناؤه إذا كان السطح مقابلًا
23
للبصر وكانت النهايات محيطة به، فإن البصر يدركه من ترتيب أجزائه بعضها
24
عند بعض.
25
[132] فتحديب سطح المبصر الذي يلي البصر وتقعيره واستواؤه إنما
272
1
يدركه البصر من إدراكه لاختلاف أبعاد أجزاء السطح أو ارتفاعاتها أو عروضها
2
وتساويها ومن مقادير تفاضل أبعاد الأجزاء أو ارتفاعاتهًا أو عروضها بعضها
3
|II 79b|[ms Fatih 3213] على بعض. وكذلك كل جزء من أجزاء سطح المبصر إنما يدرك البصر تحديبه
4
وتقعيره واستواءه من إدراكه لتفاضل أبعاد أجزاء ذلك الجزء أو تفاضل ارتفاعاتها
5
أو عروضها وتساويها. ولهذه العلة ليس يدرك البصر التحديب والتقعير إلا من
6
المبصرات التي أبعادها معتدلة والتي يتحقق مقادير أبعادها ومقادير تفاضل
7
أبعادها أو مقادير تفاضل ارتفاعاتها أو عروضها. والبصر يستدل على قرب بعض
8
أجزاء السطح وبعد بعضها بما يجاور السطح من الأجسام وما يسامت أبعاد
9
الأجزاء من الأجسام وما يقرب منها من الأجسام التي يتحقق البصر قربها
10
وبعدها. وإذا كان بعض أجزاء السطح شاخصة وبعضها غائرة، فإن البصر
11
يستدل على شخوص الشاخص منها وغؤور الغائر منها بانعطافات سطوح
12
الأجزاء وتقاطعها وانحنائها في مواضع الغؤور وبأوضاع سطوح الأجزاء بعضها
13
عند بعض. هذا إذا لم يكن البصر أدرك ذلك السطح من قبل ولم يدرك شيئًا من
14
جنسه. |II 80a|[ms Fatih 3213] فأما إذا كان من المبصرات المألوفة فإن البصريدرك هيئته وهيئة سطحه
15
بتقدم المعرفة. فأما المبصر الذي يحيط به سطوح متقاطعة ومختلفة الوضع فإن
16
البصر يدرك هيئته من إدراكه لتقاطع سطوحه ومن إدراكه لوضع كل واحد من
17
سطوحه ومن إدراكه لهيئة كل واحد من سطوحه.
18
[133] فهيئات أشكال المبصرات التي يدرك البصر تجسمها يكون إدراك
19
البصر لها من إدراكه لهيئات سطوحها ومن إدراكه لأوضاع سطوحها بعضها عند
20
بعض. فالمبصرات التي أجزاؤها مختلفة الوضع يدرك البصر هيئة سطوحها من
21
إدراكه لتحديب المحدب من أجزاء سطوحها وتقعير المقعر واستواء المستوي منها
22
وشخوص ما هو شاخص من أجزاء السطح وغؤور ما هو غائر منها. فعلى
23
هذه الصفات يكون إدراك البصر لهيئات سطوح المبصرات وأشكالها. وإذا أراد
24
الحاس أن يتحقق هيئة سطح المبصر أو هيئة الجزء من أجزاء سطح المبصر فإنه
25
يحرك البصر في مقابلته ويِمُرّ سهم الشعاع على جميع أجزائه حتى يحس بأبعاد
273
1
أجزائه ووضع كل واحد منها عند البصر وأوضاع الأجزاء |II 80b|[ms Fatih 3213] بعضها عند
2
بعض. فإذا أدرك الحاس أبعاد أجزاء سطح المبصر، وأدرك أوضاع أجزاء سطح
3
المبصر، وأدرك الشاخص من الأجزاء والغائر والمتطامن، فقد أدرك هيئة سطح
4
ذلك المبصر وتحقق شكله. فإن كان ما أدركه من مقادير أبعاد أجزاء سطح
5
المبصرات إدراكًا محققًا كان ما أدركه من هيئة شكل المبصر إدراكًا محققًا، وإن كان
6
ما أدركه من مقادير أبعاد أجزاء سطح المبصر إدراكًا غير محقق 〈كان ما أدركه من
7
هيئة شكل المبصر إدراكًا غير محقق〉. وكثيرًا ما يغلط البصر فيما يدركه من هيئات
8
سطوح المبصرات وهيئات أشكال المبصرات ولا يحس بغلطه. وذلك أن
9
التحديب اليسير والتقعير والغضون والجحوظ الذي يكون تفاضل أبعاد أجزائه
10
عن البصر تفاضلًا يسيرًا فربما لم يدرك البصر تفاضلها وإن كانت أبعادها معتدلة
11
إذا لم تكن قريبة جدًا من البصر.
12
[134] فالمبصرات التي يدرك البصر هيئتها وهيئات سطوحها هي التي
13
يدرك البصر مقادير أجزاء سطوحها ويدرك تفاضل أبعاد أجزائها وتساوي أبعاد
14
أجزائها. |II 81a|[ms Fatih 3213] والتي يتحقق هيئاتها وهيئات سطوحها هي التي يتحقق مقادير أبعاد
15
أجزاء سطوحها ويتحقق مقادير تفاضل أبعاد أجزائها. وكذلك أشكال محيطات
16
سطوح المبصرات، وأشكال محيطات أجزاء سطوح المبصرات إنما يتحقق البصر
17
أشكالها إذا كانت على أبعاد معتدلة ويحقق ترتيب نهاياتها وأوضاع أجزاء نهاياتها
18
بعضها عند بعض ويحقق زواياها. وما ليس يتحقق أوضاع نهاياتها ويتحقق
19
زواياها، إن كان فيها زوايا، فليس يتحقق أشكالها. فجميع أشكال المبصرات
20
يدركها البصر على الصفات التي بيناها.
21
〈إدراك العِظَم〉
22
[135] فأما إدراك العظم، وهو مقدار المبصر، فإن كيفية إدراكه من
23
المعاني الملتبسة. وقد اختلف أصحاب التعاليم في كيفية إدراك العظم: فرأى
24
جمهور أصحاب التعاليم أن مقدار عظم المبصر إنما يدركه البصر من مقدار الزاوية
25
التي تحدث |II 81b|[ms Fatih 3213] عند مركز البصر التي يحيط بها سطح مخروط الشعاع المحيط قاعدته
274
1
بالمبصر، وأن البصر يقيس مقادير المبصرات بمقادير الزوايا التي تحدثها
2
الشعاعات التي تحيط بالمبصرات عند مركز البصر، ولا يعوّلون في إدراك العظم
3
إلا على الزوايا فقط ولا يعتدّون بشيء غيرها في إدراك العظم. وبعضهم يرى أن
4
إدراك العظم ليس يتم من القياس بالزوايا فقط، بل ليس يتم إدراك العظم إلا
5
باعتبار البصر لبعد المبصر واعتباره لوضعه مع القياس بالزوايا.
6
[136] والصحيح أنه ليس يصح أن يكون إدراك البصر لمقادير المبصرات
7
من القياس بالزوايا التي توترها المبصرات عند مركز البصر فقط. وذلك أن
8
المبصر الواحد ليس يختلف مقداره عند البصر إذا اختلفت أبعاده اختلافًا ليس
9
بالمتفاوت. فإن المبصر إذا كان قريبًا من البصر وأدرك البصر مقداره ثم تباعد عن
10
البصر مقدارًا |II 82a|[ms Fatih 3213] ليس بالمتفاوت فليس يصغر مقداره عند البصر وليس يدرك
11
البصر مقداره إلا على مثل ما كان يدركه من البعد الأول إذا كان البعد الثاني من
12
الأبعاد المعتدلة. وجميع المبصرات المألوفة ليس يختلف مقدار الواحد منها عند
13
البصر إذا اختلفت أبعاده وكانت أبعاده مع اختلافها من الأبعاد المعتدلة.
14
[137] وكذلك الأشخاص المتساوية المختلفة الأبعاد إذا كان بعد أبعادها
15
من الأبعاد المعتدلة فليس يدركها البصر لا متساوية. والزوايا التي يوترها المبصر
16
الواحد من الأبعاد المختلفة المعتدلة تكون مختلفة اختلافًا له قدر. فإن المبصر إذا
17
كان بعده من البصر بعد ذراع ثم تباعد عن البصر حتى يصير بعده بقدر ذراعين
18
فإن الزوايتين اللتين تحدثان عند البصر من ذلك المبصر يكون بينهما تفاضل له
19
قدر. |II 82b|[ms Fatih 3213] وليس يدرك البصر المبصر من بعد ذراعين أصغر مما يدركه من بعد ذراع
20
واحد. وكذلك إن تباعد المبصرعن البصر ثلث أذرع وأربع أذرع فليس يرى أصغر مما
21
كان يرى من البعد الأول. وإذا تباعد المبصر عن البصر أضعاف بعده الأول
22
اختلفت الزوايا التي يحدثها عند البصر اختلافًا متفاوتًا. وكذلك المبصرات
23
المتساوية التي أبعادها على هذه الصفة تكون الزوايا التي توترها عند مركز
24
البصر مختلفة اختلافًا متفاوتًا، ومع ذلك فليس ترى مقاديرها مختلفة ولا
25
ترى إلا متساوية.
275
1
[138] وأيضًا فإنه إن رُسِم في سطح جسم من الأجسام شكل مربع
2
متساوي الأضلاع قائم الزوايا ورفع ذلك الجسم حتى يصير سطحه الذي فيه
3
المربع قريبًا من موازاة البصر وبحيث يدرك البصرمع ذلك الشكلَ المربع الذي في
4
سطحه، فإن البصر يدرك |II 83a|[ms Fatih 3213] الشكل المربع متساوي الأضلاع، ومع ذلك
5
فإن الزوايا التي توترها أضلاع المربع عند مركز البصر إذا كان مركز البصر قريبًا
6
من السطح الذي فيه المربع تكون مختلفة اختلافًا متفاوتًا، ومع هذه الحال فليس
7
يدرك البصر أضلاع المربع مختلفة.
8
[139] وكذلك الدائرة إذا أخرج فيها أقطار مختلفة الوضع، ثم رفع
9
السطح الذي فيه الدائرة حتى يصير قريبًا من موازاة البصر، فإن الزوايا التي
10
توترها أقطار الدائرة عند مركز البصر إذا كانت الأقطار مختلفة الوضع تكون
11
مختلفة اختلافًا كثيرًا بحسب اختلاف وضع الأقطار. ومع ذلك فليس يدرك
12
البصر أقطار الدائرة وإن كانت مختلفة الأوضاع إلا متساوية إذا كان بعدها من
13
البصر من الأبعاد المعتدلة.
14
[140] فلو كان إدراك البصر لمقادير المبصرات إنما هو من قياسها بالزوايا
15
فقط التي تحدثها المبصرات |II 83b|[ms Fatih 3213] عند مركز البصر لَما كان يدرك أضلاع المربع
16
المتساوي الأضلاع متساوية، ولا أقطار الدائرة متساوية، ولَما كان يدرك
17
الدائرة مستديرة، ولَما كان يدرك المبصر الواحد من الأبعاد المختلفة قط على
18
مقدار واحد إن كانت أبعاده المختلفة من الأبعاد المعتدلة، ولَما كان يدرك
19
المبصرات المتساوية المختلفة الأبعاد التي أبعادها معتدلة قط متساوية. فمن
20
الاعتبار بهذه المعاني يتبين بيانًا واضحًا أن إدراك مقادير المبصرات ليس هو من
21
القياس بالزوايا فقط.
22
[141] وإذ قد تبين ذلك فإنا نحرر الآن كيفية إدراك العظم فنقول: إنه
23
قد تبين أن المعوَّل في إدراك أكثر المعاني المحسوسة إنما هو على القياس والتمييز،
24
وأنه لولا القياس والتمييز لم يدرَك أكثر المعاني المحسوسة ولم تحرَّر المعاني
25
المحسوسة عند الحس. والعظم هو أحد |II 84a|[ms Fatih 3213] المعاني التي تدرك بالقياس
276
1
والتمييز. والأصل الذي تعتمد عليه القوة المميزة في تمييز مقدار عظم المبصر إنما
2
هو مقادر الجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة المبصر. والجزء الذي تحصل فيه
3
صورة المبصر ينحصر ويتقدر بالزاوية التي عند مركز البصر التي يحيط بها مخروط
4
الشعاع الذي يحيط بالمبصر ويحيط بالجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة
5
المبصر. فالجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة المبصر والزاوية التي يحيط بها
6
مخروط الشعاع المحيط بذلك الجزء هما الأصل الذي لا يستغني التمييز والحس في
7
إدراك عظم المبصر عن الاعتبار بهما وبمقدار كل واحد منهما.
8
[142] إلا أنه ليس يقتنع التمييز في إدراك العظم باعتبار الزاوية فقط أو
9
اعتبار الجزء من البصر الذي يوتر الزاوية. وذلك أن المبصر الواحد إذا أدركه
10
|II 84b|[ms Fatih 3213] البصر وهو قريب منه فإن الحاس يدرك الموضع من البصر الذي حصلت فيه
11
صورة ذلك المبصر ويدرك مقدار ذلك الموضع. ثم إذا تباعد ذلك المبصر في
12
الحال عن البصر أدركه البصر أيضًا وأدرك الحاس الموضع من البصر الذي تحصل
13
فيه صورته في الحال الثانية وأدرك مقدار الموضع. فإذا تباعد المبصر عن البصر فإن
14
الموضع الذي تحصل فيه صورته من البصر يكون أصغر من الموضع الأول، لأن
15
موضع الصورة من البصر يكون بحسب مقدارالزاوية التي يوترها ذلك المبصر
16
عند مركز البصر، لأن مخروط الشعاع يحيط بالجميع وكلما تباعد المبصر ضاق
17
المخروط المحيط به وضاقت زاوية المخروط وصغر الموضع من البصر الذي تحصل
18
فيه الصورة. فإذا كان الحاس يدرك الموضع الذي تحصل فيه صورة المبصر
19
ويدرك مقدار الموضع فهو يدرك تصاغر الموضع عند تباعد المبصر عن البصر.
20
[143] وهذا المعنى كثيرًا 〈ما〉 يتكرر على البصر دائمًا، |II 85a|[ms Fatih 3213] أعني تباعد
21
المبصر وقربه. فإن المبصرات تبعد دائمًا عن البصر ويبعد البصر عنها دائمًا
22
وتقرب من البصر ويقرب البصر منها دائمًا، والبصر يدركها مع تباعدها
23
ويدرك تصاغر مواضع صورها عند البصر من تباعدها ويدرك تعاظم
24
مواضع صورها من البصر عند تقاربها. فمن تكرر هذا المعنى على البصر قد تقرر
25
في النفس وعند القوة المميزة أن المبصر كلما تباعد عن البصر صغر موضع صورته
277
1
من البصر وصغرت الزاوية التي يوترها المبصر عند مركز البصر. وإذا تقرر في
2
التمييز أن المبصر كلما تباعد عن البصر صغر موضع صورته من البصر وصغرت
3
الزاوية التي يوترها المبصر عند مركز البصر، فقد استقر في التمييز أن الموضع
4
الذي تحصل فيه صورة المبصر والزاوية التي يوترها المبصر عند مركز البصر إنما
5
يكونان بحسب بعد المبصر عن البصر. وإذا كان قد استقر في النفس أن الزاوية
6
والموضع |II 85b|[ms Fatih 3213] من البصر الذي تحصل فيه صورة المبصر إنما يكونان بحسب بعد
7
المبصر، فالقوة المميزة عند تمييزها لمقدار المبصر ليس تعتبر بالزاوية فقط وإنما تعتبر
8
بالزاوية والبعد معًا، لأنه قد استقر عندها أن الزاوية إنما تكون بحسب البعد.
9
فمقدار المبصرات إنما يدرك بالتمييز والقياس. والقياس الذي به يدرك مقدار
10
المبصر هو قياس قاعدة مخروط الشعاع التي هي سطح المبصر بزاوية المخروط
11
وبمقدار طول المخروط الذي هو بعد المبصر عن البصر، واعتبار القوة المميزة إنما
12
هو بالجزء من سطح العضو الحاس الذي تحصل فيه صورة المبصر مع الاعتبار
13
ببعد المبصر عن سطح البصر. إلا أن مقدار الجزء الذي تحصل فيه الصورة إنما
14
يكون أبدًا بحسب مقدار الزاوية التي يوترها ذلك الجزء عند مركز البصر،
15
وبعد المبصر عن سطح البصر ليس بينه وبين بعده عن مركز البصر في أكثر
16
الأحوال تفاوت يؤثر في البعد.
17
[144] وأيضًا فإنه قد تبين |II 86a|[ms Fatih 3213] أن الحاس يدرك السموت التي بين مركز
18
البصر وبين المبصر التي هي سموت خطوط الشعاع ويدرك ترتيب السموت
19
وترتيب المبصرات وترتيب أجزاء المبصر. وإذا كان الحاس يدرك السموت التي
20
تمتد إلى المبصرات فالقوة المميزة تدرك أن هذه السموت كلما تباعدت عن البصر
21
اتسعت المسافات التي بين أطرافها. وهذا المعنى قد تكرر أيضًا على القوة المميزة
22
واستقرت صورته في النفس. وإذا استقر في النفس أن خطوط الشعاع كلما
23
امتدت وبعدت عن البصر اتسعت المسافات التي بين أطرافها فقد استقر في
24
النفس أن خطوط الشعاع كلما بعدت عن البصر كان المبصر الذي عند أطرافها
25
الذي تحيط به تلك الخطوط أعظم. فإذا أدرك البصر مبصرًا من المبصرات وأدرك
278
1
نهاياته فإنه يدرك السموت التي منها يدرك نهايات ذلك المبصر. والسموت التي
2
منها يدرك نهايات المبصر هي الخطوط التي تحيط بالزاوية التي عند مركز البصر التي
3
يوترها |II 86b|[ms Fatih 3213] ذلك المبصر، وهي الخطوط التي تحيط بالموضع من البصر الذي فيه
4
تحصل صورة المبصر. فإذا أدرك البصر هذه السموت تخيلت القوة المميزة أمتداد
5
هذه الخطوط من مركز البصر إلى نهايات المبصر. وإنما كانت مع ذلك قد أدركت
6
مقدار بعد المبصر فهي تتخيل مقدار أطوال هذه الخطوط وتتخيل مقدار المسافة
7
التي بين أطراف هذه الخطوط. والمسافات التي بين أطراف هذه الخطوط هي
8
أقطار المبصر. وإذا تخيلت القوة المميزة مقدار الزاوية وامتدادَ خطوط الشعاع التي
9
تحيط بالزاوية ومقاديرَ أطوال هذه الخطوط، وتخيلت مقادير المسافات التي بين
10
أطراف هذه الخطوط التي هي أقطار المبصر، فقد أدركت مقدار المبصر على ما هو
11
عليه.
12
[145] وكل مبصر يدركه البصر ويدرك نهايته فإن الحاس والقوة المميزة
13
يدركان السموت التي تمتد بين مركز البصر وبين نهاياته، ويدركان مقدار الجزء
14
من البصر الذي تحصل فيه |II 87a|[ms Fatih 3213] صورة ذلك المبصر الذي تحيط به تلك السموت
15
ويوتر الزاوية التي تحيط بها تلك السموت. وإذا أدركت القوة المميزة سموت
16
خطوط الشعاع وأدركت مقدار الجزء من سطح العضو الحاس الذي تحيط به تلك
17
الخطوط فقد أدركت وضع بعضها من بعض وأدركت تفاوتها أو تباعدها وأدركت
18
كيفية امتدادها، ولم يبق شيء يتم به إدراك عظم المبصر الذي عند أطراف تلك
19
الخطوط إلا مقدار بعد المبصر.
20
[146] وقد تبين في كيفية إدراك البعد أن كل مبصر يدركه البصر فإنه
21
يدرك بعده بمقدار مّا إما متيقنًا أو مظنونًا. فكل مبصر يدركه البصر فإنه في حال
22
إدراكه له قد تخيلت القوة المميزة مقدار بعده إما بالتيقن وإما بالحدس. وإذا
23
أدركت القوة المميزة أوضاع خطوط الشعاع التي تحيط بنهايات المبصر ومقدار
24
الجزء الذي بينها من سطح العضو الحاس الذي هو مقدار الزاوية، |II 87b|[ms Fatih 3213] وكانت
25
مع ذلك تتخيل مقدار بعد المبصر، فإنها في حال إدراك البصر للمبصر قد تخيلت
279
1
مقدار الزاوية ومقدار البعد معًا. فإذا تخيلت مقدار الزاوية ومقدار البعد معًا فإنها
2
تدرك مقدار المبصر بحسب مقدار الزاوية وبحسب مقدار البعد معًا. وكل مبصر
3
يدركه البصر فإن القوة المميزة تتخيل مقدار بعده وتتخيل السموت التي تحيط
4
بنهاياته، فيحصل لها بهذا التخيل هيئة المخروط الذي يحيط بالمبصر ومقدارُ
5
قاعدته التي هي المبصر، فيحصل لها من هذا التخيل مقدار المبصر.
6
[147] والذي يدل دليلًا ظاهرًا على أن إدراك عظم المبصر يكون بقياس
7
العظم إلى بعد المبصر هو أن البصر إذا أدرك مبصرين مختلفي البعد أحدهما أقرب
8
إلى البصر من الآخر، وكانا جميعًا يوتران زاوية واحدة بعينها عند مركز البصر،
9
أعني أن تكون الشعاعات |II 88a|[ms Fatih 3213] التي تمر بأطراف الأول منها تنتهي إلى أطراف
10
الثاني، وكان الأول لا يستر جميع الثاني من جميع جهاته، بل كان بعض الثاني
11
يظهر من وراء الأول، وكان البصر يدرك بُعد كل واحد منهما إدراكًا متيقنًا، فإن
12
المبصر الأبعد يدركه البصر أبدًا أعظم من المبصر الأقرب. وكلما كان المبصر
13
الأبعد أكثر بعدًا وكان البصر يتيقن مقدار بعده، فإنه يدرك مقداره أكثر عظمًا.
14
ومثال ذلك أن الإنسان إذا نظر إلى جدار فسيح الأقطار وكان بعده من البصر
15
بعدًا معتدلًا وكان البصر يتيقن بعد ذلك الجدار ويتيقن مقداره ويتيقن مقدار
16
عرضه، ثم رفع يده وقابل بها أحد بصريه حتى تصير متوسطة بين بصره وبين
17
ذلك الجدار وغمَّض البصر الآخر ونظر في هذه الحال إلى ذلك الجدار، فإنه يجد
18
يده قد سترت قطعة عظيمة القدر من ذلك الجدار ويدرك مقدار |II 88b|[ms Fatih 3213] يده في تلك
19
الحال ويدرك أن المقدار الذي استتر بيده من الجدار أعظم بكثير من مقدار
20
يده. وخطوط الشعاع التي تنتهي إلى محيط يده وإلى محيط المستتر من الجدار في
21
تلك الحال هي خطوط واحدة بأعيانها، والزاوية التي تحيط بها تلك الخطوط هي
22
زاوية واحدة بعينها، والعرض الذي بين تلك الخطوط هو واحد بعينه. والبصر
23
يدرك سموت خطوط الشعاع ويدرك الزاوية التي تحيط بها خطوط الشعاع. فهو
24
يدرك في تلك الحال أن الزاوية التي توترها يده والجدار المستتر بيده هي زاوية
25
واحدة بعينها، وهو يدرك في تلك الحال أن الجدار المستتر بيده هو أعظم كثيرًا من
280
1
يده. وإذا كان ذلك كذلك فإن القوة المميزة في تلك الحال تدرك أن المبصرين
2
المختلفي البعد اللذين يوتران زاوية واحدة يكون الأبعد منهما أعظم قدرًا.
3
[148] ثم إذا ميّل الناظر بصره في تلك الحال، |II 89a|[ms Fatih 3213] ونظر إلى جدار آخر
4
هو أبعد من ذلك الجدار وقابل بصره بيده، فإنه يجد مقدار المستتر من الجدار
5
الثاني أعظم من مقدار ما استتر من الجدار الأول. وإذا نظر في تلك الحال إلى
6
السماء فإنه يجد يده قد سترت نصف ما يظهر من السماء أو قطعة عظيمة منها.
7
ولا يشك الناظر في أن يده ليس لها قدر محسوس بالقياس إلى ما استترمن السماء.
8
فيتبين من هذا الاعتبار أن البصر إنما يدرك مقدار عظم المبصر 〈 من قياس عظم
9
المبصر)(〉 بمقدار بعده مع القياس بالزاوية، لا من القياس بالزاوية فقط. ولو
10
كان إدراك مقدار العظم بحسب الزاوية فقط لكان المبصران المختلفا البعد اللذان
11
يوتران زاوية واحدة بعينها عند مركز البصر يُريان متساويين. وليس يدرك
12
البصر المبصرين اللذين بهذه الصفة قط متساويين إذا كان يدرك بعديهما ويتيقن
13
مقداري بعدهما. فمقدار عظم المبصر إنما يدرك بالتمييز من تخيل القوة المميزة
14
للمخروط الذي يحيط |II 89b|[ms Fatih 3213] بالمبصر ومن تخيلها لمقدار زاوية المخروط مع تخيلها
15
لمقدار طول المخروط ومن قياس قاعدة المخروط بمقدار زاويته ومقدار طوله معًا.
16
وهذا هو كيفية إدراك العظم.
17
[149] والبصر لكثرة اعتياده لتمييز أبعاد المبصرات فهو في حال إحساسه
18
بالصورة وببعد المبصر قد تخيل مقدار موضع الصورة ومقدار البعد، وأدرك من
19
مجموع المعنيين عظم المبصر. إلا أن مقادير أبعاد المبصرات هي من جملة الأعظام
20
التي يدركها البصر. وقد تقدم أن مقادير أبعاد المبصرات منها ما يدرك بالتيقن
21
ومنها ما يدرك بالحدس. والتي تدرك بالحدس إنما تدرك من تشبيه بعد المبصر
22
بأبعاد أمثاله من المبصرات المتيقنة البعد، والأبعاد المتيقنة المقادير هي التي
23
تسامت أجسامًا مرتبة متصلة. ومن إدراك البصر للأجسام المرتبة المتصلة التي
24
تسامتها ومن تيقنه لمقادير تلك الأجسام يكون تيقن |II 90a|[ms Fatih 3213] مقادير أبعاد المبصرات
25
التي عند أطرافها. فقد بقي أن نبين كيف يدرك البصر مقادير أبعاد المبصرات
281
1
التي تسامت أجسامًا مرتبة متصلة وكيف يتبين مقادير الأجسام المرتبة المتصلة التي
2
تسامت أبعاد المبصرات.
3
[150] والأجسام المرتبة المتصلة التي تسامت أبعاد المبصرات هي في
4
الاكثر أجزاء الأرض التي تلي القدمين. والمبصرات المألوفة التي يدركها البصر
5
دائمًا وعلى الاستمرار هي المبصرات التي على وجه الأرض التي جسم الأرض
6
متوسط بينها وبين جسم الإنسان الناظر إليها. ومقادير الأجزاء من الأرض
7
المتوسطة بين الناظر وبين المبصرات التي على وجه الأرض التي تسامت أبعاد هذه
8
المبصرات عن البصر يدركها البصر دائما ويقدرها ويدرك مقاديرها. وإدراك
9
البصر لمقادير الأجزاء من الأرض المتوسطة بين الناظر وبين المبصرات التي على
10
وجه الأرض إنما هو من تقديره بعضها ببعض ومن تقدير ما بعد عنه من أجزاء
11
الأرض بما قرب إليه منها وما تيقن مقداره منها. |II 90b|[ms Fatih 3213] ثم من استمرار إدراكه
12
لأجزاء الأرض واستمرار تقديره لها وكثرة تكرر هذا المعنى على البصر صار يدرك
13
مقادير أجزاء الأرض التي تلي القدمين بالمعرفة وبتشبهها بما أدركه من أمثالها.
14
فالبصر إذا لحظ الجزء من الأرض المتوسطة بينه وبين مبصر من المبصرات فقد
15
عرف مقداره لكثرة تكرر إدراكه لأمثال ذلك الجزء من الأرض وتوسط أمثال ذلك
16
الجزء بينه وبين المبصرات. وهذا المعنى هو من المعاني التي يكتسبها الحاس منذ
17
أول النشوء ومنذ الطفولية وعلى مر الزمان، فتحصل مقادير أبعاد المألوف من
18
المبصرات متشكلة في التخيل ومستقرة في النفس من حيث لا يحس الإنسان بكيفية
19
استقرارها.
20
[151] فأما كيف ابتداء إدراك الحاس لمقادير أجزاء الأرض المتوسطة
21
بينه وبين المبصرات فإن أول ما يتحقق مقداره منها هو ما يلي القدمين. فإن ما
22
يلي القدمين من الأرض يدرك البصر مقداره، وتدرك القوة المميزة |II 91a|[ms Fatih 3213] مقداره
23
وتتحقق مقداره وسعته بمساحة جسم الإنسان له. فإن ما يلي القدمين من الأرض
24
فالإنسان يقدره دائما من غير قصد بقدميه حين يخطو عليه وبذراعه وباعه حين
25
يمد يده إليه. فكل ما قرب من الإنسان من جسم الأرض فهو يتقدر دائمًا
282
1
بجسم الإنسان من غير قصد. والبصر يدرك هذا التقدير ويحس به، والقوة
2
المميزة تدرك هذا التقدير وتفهمه وتتيقن منه مقادير أجزاء الأرض المتصلة بجسم
3
الإنسان والقريبة منه. فمقادير أجزاء الأرض القريبة من الإنسان وما حوله منها
4
فقد حصلت مفهومة عند الحاس وعند القوة المميزة، وقد حصلت صورتها
5
متخيَّلة عند القوة المميزة ومستقرة في النفس. والبصر يدرك هذه الأجزاء من
6
الأرض دائمًا، والحاس يحس بالسموت التي تمتد من البصر إلى أطراف هذه
7
الأجزاء عند إدراك البصر لها وعند تفقد البصر لجسم الأرض والأبعاد المتوسطة
8
بينه وبين المبصرات |II 91b|[ms Fatih 3213] من جسم الأرض، ويدرك الأجزاء من سطح العضو
9
الحاس التي تحصل فيها صورة هذه الأجزاء من الأرض، ويدرك مقادير الأجزاء
10
من البصر ومقادير الزوايا التي توترها هذه الأجزاء من البصر. فالزوايا التي
11
توترها الأجزاء من الأرض القريبة من الإنسان قد حصلت مقاديرها مفهومة
12
عند الحاس على مرّ الزمان وحصلت صورتها متخيلة في النفس. ومقادير أطوال
13
خطوط الشعاع التي تمتد من مركز البصر إلى أطراف الأجزاء من الأرض القريبة
14
من الإنسان يدركها الحاس وتدركها القوة المميزة وتتيقن مقاديرها، لأن
15
أطوال هذه السموت هي تتقدر أبدًا بجسم الإنسان بغير قصد. فإن كان
16
الإنسان قائمًا ونظر إلى الأرض وإلى ما يلي قدميه من الأرض فإن أطوال خطوط
17
الشعاع تتقدر بقامته، وتفهم القوة المميزة فهمًا يقينيًا أن البعد الذي بين البصر
18
وبين الجزء من الأرض الذي يلي القدمين هو مقدار قامة الإِنسان.
19
[152] وكذلك إن كان جالسًا ونظر إلى ما يلي جلسته من الأرض، فإن
20
القوة |II 92a|[ms Fatih 3213] المميزة تدرك أن بعد الجزء من الأرض الذي يلي موضع جلوسه عن
21
البصر هو مقدار ارتفاع جلسته. فأبعاد المواضع من الأرض المتصلة بجسم
22
الإِنسان مفهومة المقادير عند القوة المميزة وصورها مستقرة في النفس. فإذا لحظ
23
البصر الجزء من الأرض الذي يلي القدمين فقد أدرك الحاس السموت التي تنتهي
24
إلى أطراف ذلك الجزء وتخيلت القوة المميزة مقادير أطوال السموت التي تنتهي
25
إلى أطرافها ومقادير الزوايا التي تحيط بها تلك السموت. وإذا تخيلت القوة المميزة
283
1
مقادير أطوال السموت ومقادير الزوايا التي تحيط بها السموت أدركت مقدار
2
المسافة التي بين أطراف تلك السموت إدراكًا متيقنًا. فعلى هذه الصفة تتيقن
3
مقاديرُ الأجزاء من الأرض المحيطة بالإنسان بحاسة البصر.
4
[153] ثم ما يلي هذه الأجزاء من الأرض في جهة التباعد يدرك البصر
5
مقاديرها من قياس مقادير خطوط الشعاع التي تمتد إلى أطرافها |II 92b|[ms Fatih 3213] بمقادير خطوط
6
الشعاع التي تمتد إلى الأجزاء الأُوَل التي تلي الإِنسان، فتقيس القوة المميزة
7
الشعاع الثالث الذي ينتهي إلى الطرف الأبعد من الجزء الثاني بالشعاع الثاني
8
المشترك للجزء الأول وللجزء الثاني، فتحس بمقدار زيادة الشعاع الثالث على
9
الثاني. وإذا أحست بزيادة الشعاع الثالث على الثاني فقد أحست بمقدار الشعاع
10
الثالث. وهي تدرك مقدار الشعاع الثاني إدراكًا متيقنًا، فيصير الشعاعان
11
المحيطان بالجزء الثاني من الأرض، أعني بعدي السمتين، معلومي المقدار عند
12
القوة المميزة. ووضع أحدهما عند الآخر الذي منه تتقوم الزاوية معلوم لها من
13
إدراكها للجزء من البصر الذي يحيط به هذان الشعاعان. وإذا أدركت طولي
14
الشعاعين ووضعهما فقد أدركت المسافة التي بين طرفيهما إدراكًا متيقنًا. فعلى
15
هذه الصفة تدرك القوة المميزة أيضًا مقادير الأجزاء من الأرض التي تلي الأجزاء
16
المحيطة بالقدمين.
17
[154] |II 93a|[ms Fatih 3213] وأيضًا فإن الأجزاء التي تلي الأجزاء المحيطة بالقدمين هي تتقدر
18
أيضًا بجسم الإنسان. فإن الإنسان إذا مشى على الأرض يقدر ما يمشي عليه من
19
الأرض بقدميه وخطوه وأدركت القوة المميزة مقداره. وإذا مشى الإنسان على
20
الأرض فإنه إذا تجاوز الموضع الذي كان فيه والأجزاءَ المتصلة بقدميه من
21
الأرض، وصار إلى ما يلي تلك الأجزاء من سطح الأرض، فإن الأجزاء التي
22
تنتهي إليها التي كانت تالية لما يلي قدميه تصير هي التي تلي قدميه وتتقدر كمثل
23
ما تقدرت الأجزاء الأُوَل. فتتحقق مقادير الأجزاء التوالي من الأرض على هذه
24
الصفة، ويصير البصر يدرك التالي على مثل ما كان يدرك الأول. فإذا أدرك
25
البصر الجزء الثاني في الحال الثانية وهو يلي القدمين فهو يدرك مقداره إدراكًا متيقنًا
284
1
لا لبس فيه، وقد كان أدركه في الحالة الأولى تاليًا، فيتحقق له بالإدراك الثاني
2
الإدراك الأول. فإن لم يكن تحقق مقداره بالقياس الأول تحقق بالقياس الثاني،
3
|II 93b|[ms Fatih 3213] وتحرر له القياس الأول، فيصير من بعد ذلك إذا أدرك جزءًا تاليًا من أجزاء
4
الأرض لم يغلط في قياس مقداره. وهذا التقدير وهذا التمييز يدركه الحاس
5
ويقدره دائمًا من غير قصد، بل من نظر البصر دائما إلى أجزاء الأرض وإلى
6
المواضع التي يخطو عليها الإنسان يدرك الحاس والتمييز هذا المعنى بطريق
7
العرَض من غير قصد، ثم من استمرار هذا المعنى وكثرة تكرره وتكرر إدراك
8
البصر لمقادير أجزاء الأرض قد تحررت مقادير الأجزاء التي تلي القدمين من
9
الأرض ومقادير ما يليها ويتصل بها من الأجزاء من جسم الأرض. فعلى هذه
10
الصفة يكتسب الحاس والتمييز مقادير أجزاء الأرض المحيطة بالإنسان والقريبة
11
منه المتوسطة بين البصر وبين المبصرات. وهذا الاكتساب يكون في أول
12
النشوء، ثم تستقر مقادير أبعاد المبصرات المألوفة التي على وجه الأرض عند
13
الحاس وعند القوة المميزة، فيصير إدراك أبعاد هذه المبصرات المألوفة التي على
14
وجه الأرض بالمعرفة |II 94a|[ms Fatih 3213] ومن تشبيه أبعاد بعضها بأبعاد بعض وفي حال
15
ملاحظة الأجسام المتوسطة بينها وبين البصر ومن غير استئناف تمييز وقياس بل
16
بالمعرفة والتشبيه فقط.
17
[155] ولسنا نعني بإدراك الحاس والتمييز لمقادير أبعاد المبصرات التي
18
على وجه الأرض بالاكتساب أنه يدرك كَمْ ذراع هو كل بعد من الأبعاد، ولكنه
19
|يحصُل لكل بعد ولكل جزء من الأرض مقدار متخيل محصور، فيقيس مقادير
20
أبعاد المبصرات التي يدركها من بعد بتلك المقادير المحصورة التي حصلت عنده
21
ويشبهها به. وقد حصل للذراع أيضًا وللشبر ولكل واحد من المقادير التي يقاس
22
بها مقدار محصور عنده، فمتى أدرك الناظر بعدًا مّا أو مسافة مّا وأحب أن يعلم
23
كم ذراع هي، قاس الصورة التي حصلت في التخيل لذلك البعد أوتلك المسافة
24
بالصورة التي حصلت في التخيل للذراع، فيدرك بهذا القياس كمية البعد
25
بالقياس إلى الذراع أو ما يجري مجراه |II 94b|[ms Fatih 3213] على غاية ما يمكن من التقريب
285
1
بالتخيل. ولهذا يقول الإنسان كان بيني وبين فلان عشر خطوات أو خمس
2
خطوات أو كذا ذراعًا أو قيد رمح أو شوط فرس أو غلوة سهم، إذا قاس البعد
3
الذي بينه وبين ذلك الإِنسان بالخطوة أو بالذراع أو بالباع أو إحدى المقادير التي
4
لها صورة في نفسه.
5
[156] وأيضًا فإن من عادة الإنسان إذا أراد أن يتحقق معنى من المعاني
6
فإنه يكرر النظر إليه ويتأمله ويميز معانيه ويعتبرها فيدرك بالتأمل والتمييز وتكرير
7
النظر حقيقة ذلك المعنى. فالناظر إذا أدرك مبصرًا من المبصرات التي على وجه
8
الأرض وأراد أن يتحقق بعده فإنه يتأمل الجزء المتصل من الأرض بينه وبينه
9
ويحرك البصر في طول الجزء الذي بينه وبينه. وإذا تحرك البصر في طول الجزء من
10
الأرض الذي بين المبصر وبين الناظر إليه تحرك سهم الشعاع على ذلك الجزء
11
فمسحه مساحةً وأدركه جزءًا جزءًا وأحس |II 95a|[ms Fatih 3213] بأجزائه الصغار إذا كان بعد آخر
12
المسافة من الأبعاد المعتدلة. وإذا أدرك البصر أجزاء الأرض وأدرك أجزاءها
13
الصغار أدركت القوة المميزة مقدار جميع المسافة. وذلك أن بحركة سهم الشعاع
14
على المسافة يتحرر للقوة المميزة مقدارُ الجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة تلك
15
المسافة ومقدارُ الزاوية المتوهمة التي توترها تلك المسافة ومقدارُ طول الشعاع
16
الذي يمتد إلى آخر المسافة بتيقُّنه امتدادَه على مسامتة جزء جزء من المسافة. فإذا
17
تحرر هذان المعنيان للقوة المميزة فقد تحرر مقدار الجزء المبصر من الأرض.
18
وكذلك الأجسام المرتفعة على الأرض الممتدة في جهة التباعد كالجدران والأبنية
19
والجبال يدرك البصر مقادير أطوالها الممتدة على وجه الأرض على مثال ما يدرك
20
مقادير أجزاء الأرض، ويدرك أبعاد المبصرات |II 95b|[ms Fatih 3213] المسامتة لها من إدراكه لمقادير
21
أطوالها. فعلى هذه الصفة يتحقق البصر مقادير أبعاد المبصرات إذا كانت أبعادها
22
من الأبعاد المعتدلة وكانت مِسامتة لأجسام مرتبة متصلة.
23
[157] والمبصرات التي على وجه الأرض منها ما أبعادها معتدلة ومقادير
24
الأجزاء من الأرض المتوسطة بينها وبين البصر مقادير معتدلة، ومنها ما أبعادها
25
متفاوتة وخارجة عن حد الاعتدال، ومقادير الأرض المتوسطة بينها وبين البصر
286
1
متفاوتة العظم. ومقادير أجزاء الأرض يدركها البصر على الوجه الذي بيناه.
2
فما كان منها قريبًا ومعتدل المقدار فالبصر يدرك مقاديرها ويتحقق مقاديرها على
3
الوجه الذي بيناه، وما كان منها متفاوتًا في التباعد فليس يتحقق البصر مقداره ولا
4
يقدر على تحققه. وذلك أن البصر إذا اعتبر المسافات وتأملها فإنما يدرك مقاديرها
5
ما دام يحس بزيادة طول الشعاع وما دام يحس بالزوايا التي توترها الأجزاء
6
الصغار من أجزاء المسافة عند حركة السهم على المسافة، وهو يتحقق مقدار
7
المسافة |II 96a|[ms Fatih 3213] ما دام يحس بالزيادة اليسيرة في طول الشعاع وبالزيادة اليسيرة في
8
الزاوية التي توترها المسافة. وإذا تفاوت البعد لم يحس بالزيادة اليسيرة في
9
طول الشعاع ولم يحس بحركة الشعاع على الجزء الصغير من المسافة الذي بعده
10
متفاوت ولم يحس بالزاوية التي يوترها الجزء الصغير من البعد المتفاوت، فلا
11
يتحقق طول الشعاع الذي ينتهي إلى طرف المسافة ولايتحقق مقدارالزاوية التي
12
توترها تلك المسافة. وإذا لم يتحقق طول الشعاع الذي ينتهي إلى طرف
13
المسافة ولم يتحقق مقدار الزاوية التي توترها| المسافة لم يتحقق مقدار المسافة.
14
[158] وأيضًا فإنه إذا تفاوت البعد فإن الأجزاء الصغار من المسافة التي
15
في آخر المسافة ليس يدركها البصر ولا تتميز للبصر لأن المقدار الصغير إذا كان على
16
بعد متفاوت خفي عن البصر. فإذا تحرك سهم الشعاع على المسافة البعيدة
17
المتفاوتة، فهو إذا انتهى إلى البعد المتفاوت فإنه يقطع الجزء الصغيرمن المسافة ولا
18
يحس الحاس بحركته، |II 96b|[ms Fatih 3213] لأن الجزء الصغير ليس يفعل عند مركز البصر من
19
البعد المتفاوت زاوية محسوسة، فيصير سهم الشعاع إذا تحرك على المسافة البعيدة
20
وأحس البصر بأنه قد قطع جزءًا من المسافة فإن مقدار ذلك الجزء الذي قطعه
21
ليس هو المقدار الذي أدركه الحس بل هو أعظم مما أدركه الحس، وكلما زاد بعد
22
المسافة كانت الأجزاء التي تخفى عند آخر المسافة وتخفى حركة الشعاع عليها
23
أعظم. فالأبعاد المتفاوتة التي على وجه الأرض ليس يتحقق البصر مقاديرها لأنه
24
ليس يتحقق مقدار طول الشعاع الذي ينتهي إلى آخرها ولا مقدار الزاوية التي
25
توترها تلك المسافة.
287
1
[159] وأيضًا فإن الحاس يحس بتيقن مقدار المسافة والتباس حقيقة
2
مقدار المسافة. وذلك أن المبصرات ما كان منها قريبًا من البصر وعلى أبعاد
3
معتدلة فإنها تكون أصدق رؤية، أعني أن صورها تكون أبين ويدركها البصر
4
إدراكًا أبين وتكون ألوانها بينة وأضواؤها ظاهرة وأوضاع سطوحها عند البصر
5
وأوضاع |II 97a|[ms Fatih 3213] أجزائها وصورة أجزائها وأجزاء سطوحها تكون بينة للبصر، وإذا
6
كان فيها تخطيط أو غضون أو وشوم أو أجزاء صغار متميزة ظهرت للبصر ظهورًا
7
بينًا وأدركها البصر إدراكًا محققًا. وليس كذلك المبصرات المتفاوتة الأبعاد، فإن
8
المبصر إذا كان على بعد متفاوت فليس يتحقق البصر صورته على ماهي عليه ولا
9
يكون بينًا للبصر، فلونه يكون مشتبهًا وضوؤه وهيئة سطوحه ولا يظهر فيه شيء
10
من المعاني اللطيفة ولا من الأجزاء الصغار. وهذا المعنى ظاهر للحس، فالبصر
11
في حال ملاحظة المبصر يحس بتحقق صورته واشتباهها. فإذا أدرك البصر مسافة
12
من المسافات التي على وجه الأرض فإنه في حال ملاحظته لآخرها ومن ملاحظته
13
لبعض المبصرات التي في آخرها قد أحس أنها من المسافات المعتدلة المقدار أو
14
المسافات المتفاوتة المقدار من تحققه لصورة آخرها أو لصورة مبصر من المبصرات
15
التي عند آخرها أومن التباس |II 97b|[ms Fatih 3213] الصورة واشتباهها. فإن تحقق صورة آخرها أو
16
صورة المبصر الذي عند آخرها ووجد الصورة بينة وتأمل مع ذلك المسافة وميز
17
مقدارها على الوجه الذي تقدم فهو يتحقق مقدار تلك المسافة. وإذا تحقق مقدار
18
المسافة التي بهذه الصفة فالقوة المميزة تدرك أن مقدار تلك المسافة متيقن من
19
إدراكها لظهور صورة آخرها أو صورة المبصر الذي عند آخرها. وإن لم يتحقق
20
صورة آخرها أو صورة مبصر من المبصرات التي عند آخرها فليس يتحقق مقدار
21
تلك المسافة، ومع ذلك فالقوة المميزة عند تأمل تلك المسافة تدرك أن تلك
22
المسافة غير متيقنة المقدار من التباس صورة آخرها وصورة المبصر الذي عند
23
آخرها.
24
[160] فمقادير أبعاد المبصرات تتميز للبصر عند تأملها وتتحقق كيفية
25
إدراكه لمقاديرها عند تأملها. |II 98a|[ms Fatih 3213] والناظر إذا أراد أن يتحقق مقدار المبصر
288
1
ويتحقق مقدار بعد المبصر فإنه يتأمل البعد ويميزه وإذا تأمل البعد وميزه تميز له
2
البعد المتيقن من البعد الملتبس على الوجه الذي تبين. فأبعاد المبصرات ليس منها
3
شيء يتيقن مقداره إلا الأبعاد التي تسامت أجسامًا مرتبة متصلة وتكون مع ذلك
4
من الأبعاد المعتدلة. والتي بهذه الصفة من الأبعاد فالبصر يدرك مقاديرها على
5
الوجه الذي بيناه وحددناه ويتيقن مقاديرها ويحس بتبينه لمقاديرها. وما سوى
6
ذلك من أبعاد المبصرات فليس منها شيء يتحقق مقداره بحاسة البصر، وإنما
7
يحدس الحاس عليه حدسًا ويشبِّهه تشبيهًا فيشبّه بعد المبصر ببعد أمثاله من
8
المبصرات المألوفة التي قد تيقن مقادير أبعادها. وإذا أحس البصر بالتباس صورة
9
المبصر من أجل بعده كان شاكًا في مقدار بعده مع حدسه على مقداره. فالبعد
10
|II 98b|[ms Fatih 3213] المعتدل الذي يتحقق البصرمقداره هو البعد الذي ليس يخفى عند آخره جزء له
11
نسبة محسوسة بالقياس إلى جميع البعد. والبعد المعتدل بالقياس إلى المبصر الذي
12
منه يدرك البصر حقيقة مقدار المبصر هو البعد المعتدل الذي ليس يخفى عند آخره
13
جزء من المبصر له نسبة محسوسة بالقياس إلى مقدار المبصر إذا تفقد البصر ذلك
14
الجزء منفردًا. فكل مسافة يكون كل جزء من آخرها لطوله نسبة محسوسة إلى
15
مقدار طول المسافة يدركه البصر، ولا يخفى عن البصرمن أجزاء المسافة التي عند
16
آخرها إلا ما ليس له نسبة محسوسة إلى طول تلك المسافة، فإن تلك المسافة من
17
الأبعاد المعتدلة. والبعد الخارج عن حد الاعتدال في العظم هو الذي يخفى عند
18
آخره مقدار له نسبة محسوسة إلى جملة ذلك البعد ولا يدركه البصر. والبعد
19
الخارج عن الاعتدال بالقياس إلى المبصرهو البعد الذي قد يخفى منه |II 99a|[ms Fatih 3213] مقدار من
20
ذلك المبصر له نسبة محسوسة إلى جملة ذلك المبصر، أو معنى من المعاني التي في
21
المبصر يؤثرخفاؤه في مائية ذلك المبصر.
22
[161] وأيضًا فإن الحاس قد يدرك مقدار بعد المبصر من مقدار الزاوية
23
التي يوترها المبصر. وذلك أن المبصرات المألوفة التي على الأبعاد المألوفة إذا
24
أدركها البصر فإن البصر يعرفها في حال إدراكها. وإذا عرفها عرف مقادير
25
أعظامها لأن مقادير أعظامها قد كان يحققها بتكرر إدراكه لكل واحد من
289
1
المبصرات المألوفة وحصلت مقادير أعظامها مستقرة في التخيل. والبصر في حال
2
إدراكه للمبصر المألوف يدرك الجزء من البصرالذي تحصل فيه صورة ذلك المبصر
3
ويدرك الزاوية التي يوترها ذلك الجزء. وإذا أدرك الحاس مقدار عظم المبصر
4
بالمعرفة وأدرك الزاوية التي يوترها ذلك المبصر في تلك الحال فهو يدرك مقدار
5
〈بعد〉 ذلك المبصر في تلك الحال لأن الزاوية التي يوترها |II 99b|[ms Fatih 3213] ذلك المبصر إنما تكون
6
بحسب مقدار البعد. فكما أن الحاس يستدل على مقدار العظم بالبعد مع تلك
7
الزاوية كذلك يستدل على مقدار البعد بمقدار العظم المعروف عنده مع تلك
8
الزاوية، لأن العظم ليس يوتر تلك الزاوية إلا من ذلك البعد بعينه أو بعد
9
مساو له لا من جميع الأبعاد. وإذا كان الحاس قد أدرك مقدار بعد ذلك المبصر
10
المألوف على الاستمرار ومرات كثيرة في الأوقات التي يوتر ذلك المبصر عند مركز
11
البصر مثل تلك الزاوية، وكان قد استدل مرات كثيرة على مقدار عظم ذلك
12
المبصر بمقدار بعد ذلك المبصر مع مقدار الزاوية المساوية لتلك الزاوية، فقد
13
فهمت القوة المميزة مقدار البعد الذي أدركت منه عظم ذلك المبصر بالقياس إلى
14
تلك الزاوية. وإذا كانت القوة المميزة قد فهمت مقدار بعد ذلك المبصر بالقياس
15
إلى تلك الزاوية، وأدركت من هذا البعد عظم ذلك المبصر بالقياس إلى تلك
16
الزاوية |II 100a|[ms Fatih 3213] بعينها، فإن القوة المميزة إذا عرفت ذلك المبصر وعرفت مقدار عظمه
17
الذي قد أدركته من قبل وأدركت في الحال مقدار الزاوية التي يوترها ذلك
18
المبصر في تلك الحال، عرفت مقدار البعد الذي يحسبه يوتر ذلك العظم تلك
19
الزاوية. فالحاس قد يدرك مقادير أبعاد المبصرات المألوفة من قياس الزاوية التي
20
يوترها المبصر إلى عظم ذلك المبصر. ثم إذا تكرر إدراك الحاس لبعد المبصر
21
المألوف على هذا الوجه صار الحاس يدرك بعد المبصر المألوف بالمعرفة، ويصير
22
مقدار الزاوية التي يوترها المبصر المألوف في حال إدراك البصر له مع معرفة ذلك
23
المبصر أمارة تدل على مقدار بعد ذلك المبصر. وأكثر أبعاد المبصرات المألوفة تدرك
24
على هذا الوجه. وهذا الإدراك ليس هو إدراكًا في غاية التحرير، إلا أنه ليس
25
بينه وبين البعد المحرر تفاوت مسرف. ومن هذا الإِدراك |II 100b|[ms Fatih 3213] أخذ أصحاب
290
1
التعاليم أن عظم المبصر يدرك بالزاوية، وهذا الإدراك هو في المبصرات المألوفة
2
فقط وبالحدس لا بالتيقن.
3
[162] وقد يشبِّه البصر أيضًا أعظام المبصرات الغير مألوفة بأعظام
4
المبصرات المألوفة ويستدل على مقادير أبعادها على هذا الوجه. فالمبصرات المألوفة
5
التي على الأبعاد المألوفة إذا أدركها البصر وعرفها واستدل على مقادير أبعادها بهذه
6
الطريقة فهو يصيب في الأكثر في مقادير أبعادها، أو لا يكون بين ما يدركه من
7
مقادير أبعادها وبين حقائق أبعادها تفاوت مسرف. والمبصرات الغريبة والتي
8
ليس يكثر إدراك البصر لها والمبصرات الملتبِسة الصور والتي يغلط البصر في
9
معرفتها والتي لا يتحقق مائياتها فإن ما يدركه من مقادير أبعادها على هذه
10
الصفة يكون في أكثر الأحوال غالطًا فيه. ومع ذلك فربما اتفقت له الإِصابة فيما
11
يدركه من مقاديرها بهذا |II 101a|[ms Fatih 3213] الوجه. فعلى هذه الصفات التي شرحناها تدرَك
12
مقادير أبعاد المبصرات بحاسة البصر.
13
[163] وإذ قد تبين كيفية إدراك البصر لمقادير أبعاد المبصرات وتميزت
14
أبعاد المبصرات فإنا نميز أعظام المبصرات التي يدركها البصر ونميز إدراك البصر
15
لها. فنقول: إن الأعظام التي يدركها البصر في حال مقابلة البصر للمبصرات
16
هي مقادير سطوح المبصرات ومقادير أجزاء سطوح المبصرات ومقادير نهايات
17
المبصرات ومقادير المسافات التي بين نهايات أجزاء سطوح المبصرات ومقادير
18
المسافات التي بين المبصرات المتفرقة. وهذه هي جميع أنواع المقادير التي يدركها
19
البصر في حال مقابلة المبصر. فأما مقدار جسم المبصر فليس يدركه البصر في حال
20
مقابلته لأن البصر ليس يدرك جميع سطح الجسم في حال مقابلته وإنما يدرك ما
21
يقابله من سطح الجسم أو سطوحه، وإن صغر الجسم. |II 101b|[ms Fatih 3213] وإن أدرك البصر
22
تجسم الجسم فليس يدرك مقدار جسمه وإنما يدرك هيئة تجسمه فقط. فإن تحرك
23
الجسم أوتحرك البصر حول الجسم حتي يدرك البصر جميع سطح الجسم بالحس أو
24
بالاستدلال فإنما يدرك التمييز حينئذٍ مقدار تجسمه بقياسٍ ثانٍ غير القياس الذي
25
يستعمل في حال الإبصار. وكذلك مقدار كل جزء من أجزاء الجسم إن أدرك
291
1
التمييز مقدار تجسمه فإنما يدركه بقياسٍ ثانٍ غير القياس الذي هو في حال
2
الإِبصار. فالذي يدركه البصر من المقادير في حال مقابلتها إنما هومقادير السطوح
3
والخطوط التي حددناها فقط.
4
[164] وقد تبين أن إدراك العظم إنما هو من قياس قاعدة مخروط الشعاع
5
الذي يحيط بالعظم بزاوية المخروط الذي عند مركز البصر وبطول المخروط الذي
6
هو بعد العظم المبصر. وقد تبين أن أبعاد المبصرات منها ما هو متيقن ومنها ما هو
7
مظنون غيرمتيقن. فالمبصرات التي |II 102a|[ms Fatih 3213] أبعادها متيقنة فالبصر يدرك أعظامها من
8
قياس أعظامها بالزوايا التي توترها تلك الأعظام عند مركز البصر وبأبعادها
9
المتيقنة. فإدراك مقادير أعظام ما هذه صفته من المبصرات يكون إدراكًا متيقنًا.
10
والمبصرات التي أبعادها مظنونة وغير متيقنة يدرك البصر مقادير أعظامها من قياس
11
أعظامها بالزوايا التي توترها تلك الأعظام عند مركز البصر وبأبعادها المظنونة
12
غير المتيقنة. فإدراك مقادير أعظام ما هذه صفته من المبصرات يكون إدراكًا غير
13
متيقن. فإذا أراد الحاس أن يتحقق مقدار عظم مبصر من المبصرات فإنه يحرك
14
البصر على أقطاره فيتحرك سهم الشعاع على جميع أجزاء المبصر. فإن كان بعد
15
المبصر من الأبعاد المتفاوتة فإنه في حال تأمله يظهر للحس التباس صورته ويتبين
16
الحاس أن مقداره غيرمتيقن. وإن كان بعد المبصر من الأبعاد |II 102b|[ms Fatih 3213] المعتدلة فإنه في
17
حال تأمله يظهر للحس صحة رؤيته. فإذا تحرك سهم الشعاع على ما هذه صفته
18
من المبصرات فإنه يمسحه مساحةً فيدرك أجزاءه جزءًا جزءًا ويتحقق مقادير
19
أجزائه، فيتحقق بالحركة مقدار الجزء من سطح العضو الحاس الذي تحصل فيه
20
صورة ذلك المبصر ومقدار زاوية المخروط المحيط به التي يوترها ذلك الجزء.
21
وإذا أراد أن يتحقق بعده حرك البصر على الجسم المسامت لبعده فيتحقق بالحركة
22
مقدار الجسم المسامت لبعده الذي هو مساو في الحس لأطوال خطوط الشعاع
23
التي هي مقدار بعده. وإذا تحقق الحاس مقدار بعد المبصر وتدار الزاوية التي
24
يحيط بها المخروط الذي يحيط بالمبصر تحقق مقدار ذلك المبصر.
25
[165] وحركة السهم على أجزاء المبصر ليس تكون 〈بأن〉 ينحني
292
1
السهم عن موضع المركز ويتحرك على انفراده على أجزاء المبصر، لأنه قد تبين
2
أن هذا الخط يكون أبدًا ممتدًا على استقامته إلى موضع انحناء العصبة التي العين
3
مركبة عليها ولا يتغير وضعه من البصر. |II 103a|[ms Fatih 3213] وإنما جملة العين تتحرك في مقابلة
4
المبصر ويقابل وسطُ موضع الإحساس من البصر كل جزء من أجزاء المبصر. وإذا
5
تحرك البصر بجملته في مقابلة المبصر وقابل وسط البصر كل جزء من أجزاء
6
المبصر، فإن السهم في هذه الحال يمر بكل جزء من أجزاء المبصر وتمتد صورة كل
7
جزء من أجزاء المبصر إلى البصر عند حصول السهم عليه على استقامة السهم،
8
ويكون السهم مع ذلك لازمًا لوضعه وغير متنقل عن موضعه من جملة العين
9
ويكون انحناؤه في هذه الحال عند حركة جملة البصر من موضع العصبة التي عند
10
مقعر العظم فقط.
11
[166] واذا انعمل البصر لتأمل المبصر وابتدأ بالتأمل من طرف المبصر
12
صار طرف السهم على الجزء المتطرف من المبصر فيصير في هذه الحال جمهور
13
صورة المبصر في جزء من سطح البصر مائل عن السهم إلى جهة واحدة، ما
14
سوى الجزء الذي عليه السهم فإن صورته تكون في وسط البصر وفي موضع
15
السهم من البصر، |II 103b|[ms Fatih 3213] وتكون بقية الصورة مائلة إلى جهة واحدة عن السهم.
16
ثم إذا تحرك البصر من بعد هذه الحال على قطر من أقطار المبصر، انتقل السهم إلى
17
الجزء الذي يلي ذلك الجزء من ذلك القطر، وصارت صورة الجزء الأول مائلة إلى
18
الجهة الأخرى المقابلة للجهة التي تحرك إليها السهم. ثم لا تزال الصورة تميل
19
كلما تحرك السهم على ذلك القطر إلى أن ينتهي السهم إلى آخر ذلك القطر من
20
المبصر وإلى الجزء المتطرف من المبصر المقابل للجزء الأول، فتصير صورة جملة
21
المبصر في هذه الحال مائلة إلى الجهة المقابلة للجهة التي كانت مائلة إليها في
22
الأول، ما سوى الجزء الأخير المتطرف فإنه يكون على السهم وفي وسط البصر.
23
والسهم في جميع هذه الحركة لازم لوضعه من البصر، وهذه الحركة تكون في غاية
24
السرعة وتكون في الأكثر غير محسوسة لسرعتها، وليس ينطبق السهم في حركته
25
على نهايات الزاوية التي يوترها المبصر عند مركز البصر |II 104a|[ms Fatih 3213] ولا يقطع عرض
293
1
الزاوية التي يوترها قطر من أقطار المبصر، لأن ذلك ليس يكون إلا إذا كان
2
السهم على انفراده متحركًا وجملة العين ساكنة، وليس ذلك ممكنًا، بل جملة
3
العين هي التي تتحرك عند التأمل والسهم يتحرك بحركتها، وإنما يدرك الحاس
4
مقدار الزاوية التي يوترها المبصر عند مركز البصر من إدراكه لمقدار الجزء من
5
سطح البصر الذي تتشكل فيه صورة المبصروتخيُّلِه للزاوية التي يوترها ذلك
6
الجزء عند مركز البصر.
7
[167] وحاسة البصر مطبوعة على إدراك مقادير أجزاء البصر التي
8
تتشكل فيها الصورة ومطبوعة على تخيل الزوايا التي توترها هذه الأجزاء.
9
وحركة البصر عند تأمل البصر إنما يتحقق بها الحاس صورة المبصر ومقدار عظم
10
المبصر، لأنه بهذه الحركة يدرك كل جزء من أجزاء المبصر بوسطه وبموضع السهم
11
من البصر، وبهذه الحركة تتحرك صورة المبصر على سطح البصر فيتغير الجزء من
12
سطح البصر |II 104b|[ms Fatih 3213] الذي تحصل فيه الصورة، وتصير صورة المبصر عند الحركة في
13
جزء بعد جزء من سطح البصر. وكلما أدرك الحاس الجزء من المبصر الذي عند
14
طرف السهم فهو يدرك مع ذلك جملة المبصر ويدرك جملة الجزء من سطح البصر
15
الذي تحصل فيه صورة جملة المبصر، ويدرك مقدار ذلك الجزء ويدرك مقدار
16
الزاوية التي يوترها ذلك الجزء عند مركز البصر. فيتكرر على الحاس بحركة
17
التأمل إدراك مقدار الزاوية التي يوترها ذلك المبصر فيتحقق بهذا التكرر مقدار
18
الزاوية ويتحقق صورة المبصر وصورة بعده، وتفهم القوة المميزة مقدار
19
الزاوية ومقدار البعد، فيدرك من مجموعها مقدار عظم المبصر على التحقيق.
20
فعلى هذه الصفة يكون تأمل البصر للمبصرات ويكون تحقق الحاس لمقادير أعظام
21
المبصرات بالتأمل.
22
[168] وأيضًا فإنه إذا أدرك البصر مقادير أطوال خطوط الشعاع التي بين
23
البصر وبين نهايات المبصر أو بين 〈نهايات〉 أجزاء سطح المبصر، فهو يحس
24
بتساويها واختلافها. |II 105a|[ms Fatih 3213] فإن كان سطح المبصر الذي يدركه البصر أو المسافة التي
25
يدركها البصر مائلة أحس بميلها من إحساسه باختلاف مقادير أبعاد أطرافها.
294
1
وإن كان السطح أو المسافة مواجهة أحس بمواجهتها من إحساسه بتساوي أبعاد
2
أطرافها. وإذا أحس بميل المسافة أو مواجهتها فليس يلتبس على القوة المميزة
3
مقدار عظمها، لأن التمييز يدرك من اختلاف بعدي طرفي المسافة المائلة ميل
4
المخروط المحيط بها، وإذا أحس التمييز بميل المخروط أحس بفضل عظم قاعدته
5
من أجل ميله. وإنما يلتبس مقدار عظم المائل بعظم المواجه إذا كان القياس
6
بالزاوية فقط. فأما إذا كان القياس بالزاوية وبأطوال خطوط الشعاع التي بين
7
البصر وبين أطراف المبصر فليس يلتبس مقدار العظم.
8
[169] فمقادير أعظام الخطوط والسطوح والمسافات المائلة يدركها البصر
9
من إدراكه لمقادير أبعاد أطرافها وإدراكه لاختلافها. إلا أن |II 105b|[ms Fatih 3213] أبعد الأبعاد
10
المعتدلة بالقياس إلى المبصر إذا كان المبصر مائلًا أصغر من أبعد الأبعاد المعتدلة
11
بالقياس إلى ذلك المبصر بعينه إذا كان مواجهًا. لأن البعد المعتدل بالقياس إلى
12
المبصر هو الذي ليس يخفى منه جزء من المبصر له نسبة محسوسة إلى جملة المبصر.
13
وإذا كان المبصر مائلًا فإن الزاوية التي يحيط بها الشعاعان الخارجان من البصر إلى
14
جزء من أجزاء المبصر المائل قد تكون أصغر من الزاوية التي يحيط بها الشعاعان
15
الخارجان من البصر إلى ذلك الجزء بعينه وإلى ذلك البعد بعينه إذا كان المبصر
16
مواجهًا للبصر. فالجزء الذي له نسبة محسوسة إلى جملة المبصر إذا كان المبصرمائلًا
17
قد يخفى من بعد أصغر من البعد الذي يخفى منه ذلك الجزء بعينه إذا كان ذلك
18
المبصر مواجهًا. وإذا كان ذلك كذلك فالبعد المعتدل الذي ليس يخفى منه جزء له
19
نسبة محسوسة إلى جملة المبصر، إذا كان ذلل المبصرمواجهًا، قد يخفى منه جزء
20
له نسبة محسوسة إلى |II 106a|[ms Fatih 3213] جملة المبصر إذا كان ذلك المبصر مائلا. فأبعد الأبعاد
21
المعتدلة بالقياس إلى المبصر المائل أصغر من أبعد الأبعاد المعتدلة بالقياس إلى ذلك
22
المبصر بعينه إذا كان ذلك المبصر مواجهًا. والمبصر المائل بجملته يخفى من بعد
23
أصغر من البعد الذي يخفى منه ذلك المبصر إذا كان مواجهًا، ويتصاغر مقداره
24
من بعد أصغر من البعد الذي يتصاغر منه مقداره إذا كان مواجهًا.
25
[170] فأعظام المبصرات التي يتحقق البصر مقاديرها هي التي أبعادها
295
1
معتدلة وأبعادها تسامت أجسامًا مرتبة متصلة، والبصر يدركها من قياسها بزوايا
2
مخروطات الشعاع المحيطة بها وبأطوال خطوط الشعاع التي هي أبعاد أطرافها.
3
والأبعاد المعتدلة بالقياس إلى مبصر من المبصرات تكون بحسب وضع ذلك
4
المبصر في الميل والمواجهة. والزوايا إنما تتحقق وتتحرر بحركة البصر على أقطار
5
سطح المبصر وعلى المسافة التي يريد معرفة عظمها. والبعد يتحقق ويتحرر
6
بحركة البصر |II 106b|[ms Fatih 3213] على الجسم المسامت لأبعاد أطراف ذلك السطح أو تلك
7
المسافة. وبالجملة فإن المبصر الذي بعده معتدل وبعده مع ذلك يسامت جسمًا
8
مرتبًا متصلًا فإن صورته مع صورة بعده يحصلان متشكلين في التخيل معًا في حال
9
ملاحظة المبصر إذا أدرك البصر الجسم المسامت لبعد المبصر في حال إدراكه
10
للمبصر. وإذا حصلت صورة المبصر مع صورة بعده المتيقن متشكلين في التخيل
11
معًا أدركت القوة المميزة عظم المبصر بحسب مقدار صورة بعده المتيقن المقترنة
12
بصورته. والمبصرات التي بهذه الصفة فقط هي التي تدرك مقاديرها بحاسة البصر
13
إدراكًا محققًا. والمبصرات المألوفة التي على الأبعاد المألوفة قد يدرك البصر أعظامها
14
بالمعرفة، ويدرك مقادير أبعادها من قياس أعظامها التي يدركها البصر بالمعرفة
15
بالزوايا التي توترها هذه المبصرات عند مركز البصر في حال إدراك هذه
16
المبصرات. فعلى هذه الصفات التي |II 107a|[ms Fatih 3213] بيناها تدرك أعظام المبصرات بحاسة
17
البصر.
18
[171] فأما لِمَ يدرك المبصر من البعد البعيد المتفاوت أصغر من مقداره
19
الحقيقي، ولم يدرك مقدار المبصر من البعد القريب المتفاوت القرب أعظم من
20
مقداره الحقيقي، فإن هذين المعنيين هما من أغلاط البصر ونحن نبينهما ونذكر
21
عللهما عند كلامنا في أغلاط البصر،
22
〈إدراك التفرق〉
23
[172] فأما التفرق الذي بين المبصرات فإن البصر يدركه من تفرق
24
صورتي الجسمين المبصرين المفترقين اللتين تحصلان في البصر. إلا أن كل
25
جسمين مفترقين فإن التفرق الذي بينهما إما أن يظهر منه ضوء أو جسم متلون
296
1
مضيء أو يكون موضع التفرق مظلمًا لا يظهر ما وراءه. وإذا أدرك البصر
2
جسمين متفرقين وحصلت صورتاهما في البصر فإن صورة الضوء الذي يظهر من
3
التفرق أوصورة لون الجسم المتلون الذي يظهر من التفريق أوصورة الظلمة التي
4
تكون في |II 107b|[ms Fatih 3213] موضع التفريق تحصل في الجزء من البصر الذي فيما بين صورتي
5
الجسمين المتفرقين اللتين تحصلان في البصر. والضوء واللون أو الظلمة قد يحتمل
6
أن تكون في جسم متوسط بين الجسمين متصل بكل واحد من الجسمين. فإن لم
7
يحس البصر أن الضوء أو اللون أو الظلمة التي في موضع التفرق ليس هو في جسم
8
متصل بالجسمين اللذين عن جنبتيه فليس يحس بتفريق الجسمين. وأيضًا فإن
9
سطح كل واحد من الجسمين المتفرقين منعطف إلى جهة التباعد في موضع
10
التفرق، فربما كان انعطاف سطحي الجسمين أو سطح أحد الجسمين ظاهرًا
11
للبصر وربما لم يظهر للبصر. وإذا ظهر انعطاف سطحي الجسمين أو سطح أحد
12
الجسمين للبصر أحس البصر من ذلك بتفرق الجسمين. فالبصر يدرك تفرق
13
الأجسام من إدراكه لأحد المعاني التي ذكرناها: إما من إدراكه الضوء من موضع
14
التفرق مع إحساسه بأن ذلك الضوء من وراء سطحي الجسمين المتفرقين، أومن
15
إدراكه جسمًا متلونًا |II 108a|[ms Fatih 3213] في موضع التفرق مع إحساسه بأن ذلك الجسم غير كل
16
واحد من الجسمين المتفرقين، أو من إدراكه ظلمة موضع التفريق مع إدراك القوة
17
المميزة أن ذلك هو ظلمة وليس هو جسمًا متصلًا بالجسمين، أو من إدراكه
18
لانعطاف كل واحد من سطحي الجسمين في موضع التفرق أو انعطاف سطح أحد
19
الجسمين. فجميع ما يدركه البصر من تفرق الأجسام إنما يدركه بالاستدلال من
20
أحد هذه المعاني أو من أكثر من واحد منها.
21
[173] والتفرق قد يكون بين جسمين منفصلين، وقد يكون بين
22
جسمين غير منفصلين وهو أن يكون الجسمان متصلين ببعض أجزائهما منفصلين
23
ببعضهما، كالأنامل وأعضاء الحيوان وكثير من الجدران وكأغصان الشجر. وعلى
24
كلى الحالين فالبصر إنما يدرك التفرق على الوجوه التي بيناها كان الجسمان المتفرقان
25
منفصلين بالكلية أو كانا متصلين ببعض أجزائهما مفترقين ببعضهما. وقد يدرَك
297
1
تفرق الأجسام بالمعرفة وبتقدم العلم، ولكن ليس ذلك الإدراك |II 108b|[ms Fatih 3213] بإحساس
2
البصر.
3
[174] وتفرق الأجسام منه ما هو فسيح وفيه سعة ومنه ما هو ضيق
4
ويسير. فالتفرق الفسيح ليس يخفى عن البصر في أكثر الأحوال ولا يشتبه على
5
البصر لظهور الجسم المسامت للتفرق وإحساسِ البصر به وبأنه غير كل واحد من
6
الجسمين المتفرقين، أو إدراكِ الضوء والفضاء المضي ء المسامت للتفرق. فأما
7
التفرق اليسير والغضون الضيقة فإنما يدركها البصر من البعد الذي ليس يخفى منه
8
الجسم المساوي مقداره لمقدار سعة التفرق. فأما إذا كان التفرق بين الجسمين
9
ضيقًا خفيًا، وكان بعد الجسمين عن البصر بعدًا قد تخفى من مثله الأجسام التي
10
مقاديرها كمقدار سعة التفرق، فليس يدرك البصر تفرقها وإن كان بعد الجسمين
11
عن البصر من الأبعاد المعتدلة وكان البصر يدرك الجسمين إدراكًا صحيحًا. لأن
12
البعد المعتدل إنما هو البعد الذي ليس يخفى منه مقدار محسوس النسبة إلى مقدار
13
جملة البعد، والإدراك الصحيح هو الذي ليس بينه وبين حقيقة المبصر تفاوت
14
|II 109a|[ms Fatih 3213] محسوس النسبة إلى جملة البصر. والتفرق قد تكون سعته بمقدار ليس له نسبة
15
محسوسة إلى بعد المبصر ولا له قدر محسوس عند كل واحد من الجسمين
16
المتفرقين، لأن التفرق ربما كان بمقدار مّا تستره شعرة أو قريبًا من ذلك، وليس
17
تخرجه هذه الحال من أن يكون تفرقًا، فالأبعاد التي منها يدرك البصر التفرق
18
تكون بحسب مقدار سعة التفرق. فالتفرق بين المبصرات يدركه البصر على
19
الصفات التي بيناها.
20
〈إدراك الاتصال〉
21
[175] فأما الاتصال فإن البصر يدركه من عدم التفرق. فإذا لم
22
يحس البصر في الجسم بشيء من التفرق أدركه متصلًا. وإن كان في الجسم تفرق
23
خفي ولم يدركه البصر، فإن البصر يدرك ذلك الجسم متصلًا، وإن كان فيه
24
تفرق. فالاتصال إنما يدركه البصر من عدم التفرق.
25
[176] والبصر يدرك التماس أيضًا، ويفرق بين التماس والاتصال، من
298
1
إدراكه لاجتماع نهايتي الجسمين مع العلم بأن كل واحد من الجسمين منفصل عن
2
الآخر. وليس يحكم البصر بالتماس إلا بعد العلم |II 109b|[ms Fatih 3213] بأن كل واحد من الجسمين
3
المتماسين غير الآخر منفصل عن الآخر، فإن الفصل الذي بين المتماسين قد يوجد
4
مثله في الأجسام المتصلة. فإن لم يحس الحاس أن كل واحد من الجسمين
5
المتماسين غير الآخر ومنفصل عنه لم يحس بالتماس وحكم بالاتصال.
6
〈إدراك العدد〉
7
[177] فأما العدد فإن البصر يدركه بالاستدلال من المعدودات. وذلك
8
أن البصر قد يدرك عدة من المبصرات المتفرقة معًا في وقت واحد. وإذا أدرك
9
البصر المبصرات المتفرقة وأدرك تفرقها فقد أدرك أن كل واحد منها غير الآخر.
10
وإذا أدرك أن كل واحد منها غير الآخر فقد أدرك الكثرة. وإذا أدرك الكثرة فالقوة
11
المميزة تدرك من الكثرة العدد. فالعدد يدرك بحاسة البصر من إدراك البصر لعدة
12
من المبصرات المتفرقة إذا أدركها البصر معًا وأدرك تفرقها وأدرك أن كل واحد منها
13
غير الآخر. فعلى هذه الصفة يدرك العدد بحاسة البصر.
14
〈 إدراك الحركة〉
15
[178] فأما الحركة فإن البصر يدركها بالاستدلال من قياس المتحرك إلى
16
غيره من المبصرات. |II 110a|[ms Fatih 3213] وذلك أن البصر إذا أدرك المبصر المتحرك وأدرك معه غيره
17
من المبصرات فإنه يدرك وضعه من تلك المبصرات ومسامتته لتلك المبصرات.
18
وإذا كان المبصر متحركًا وكانت تلك المبصرات غير متحركة بحركة ذلك المبصر
19
المتحرك فإن وضع ذلك المبصر المتحرك يختلف عند تلك المبصرات في حال
20
تحركه. وإذا كان البصر يدركه ويدرك تلك المبصرات معه ويدرك وضعه من
21
تلك المبصرات أدرك حركته. فالحركة يدركها البصر من إدراكه لاختلاف وضع
22
المبصر المتحرك بالقياس إلى غيره.
23
[179] والحركة يدركها البصر على أحد ثلثة أوجه: إما من قياس المبصر
24
المتحرك إلى عدة من المبصرات، أو من قياس المبصر المتحرك إلى مبصر واحد
25
بعينه، أومن قياس المبصر المتحرك إلى البصر نفسه. أما قياس المبصر المتحرك إلى
299
1
عدة من المبصرات، فإن البصر إذا أدرك المبصر المتحرك وأدركه مسامتًا لمبصر من
2
المبصرات، ثم أدركه مسامتًا لمبصر آخر غير ذلك |II 110b|[ms Fatih 3213] المبصر مع ثبوت البصر في
3
موضعه، فإنه يحس بحركة ذلك المبصر. وأما قياس المبصر المتحرك إلى مبصر
4
واحد بعينه، فإن البصر إذا أدرك المبصر المتحرك وأدرك وضعه من مبصر آخر،
5
ثم أدرك وضعه قد تغير عند ذلك المبصر الآخر بعينه، إما بأن يبعد عنه أكثر من
6
بعده الأول، وإما بأن يقرب منه، وإما بأن يكون في جهة من الجهات بالقياس
7
إلى ذلك المبصر فيصير في جهة غيرها بالقياس إليه بعينه مع ثبوت البصر في
8
موضعه، وإما بتغير وضع جزء من أجزاء المبصر المتحرك بالقياس إلى ذلك المبصر
9
أو تغير وضع أجزائه بالقياس إلى ذلك المبصر ــ وعلى هذه الصفة الأخيرة يدرك
10
البصر حركة المبصر المتحرك على الاستدارة إذا قاسه إلى مبصر آخر، فإذا أدرك
11
البصر وضع المبصر المتحرك أو وضع أجزائه أو وضع جزء من أجزائه قد تغير
12
بالقياس إلى مبصر آخر فقد أدرك حركة المبصر |II 111a|[ms Fatih 3213] المتحرك.
13
[180] وأما قياس المبصر المتحرك إلى البصر نفسه، فإن البصر إذا أدرك
14
المبصر المتحرك فإنه يدرك جهته ويدرك بعده. وإذا كان البصر ساكنًا والمبصر
15
متحركًا فإن وضع المبصر المتحرك يتغير بالقياس إلى البصر. فإن كانت حركة
16
المبصر على مسافة معترضة فإن جهته تتغير ويحس البصر بتغير جهته. وإذا أحس
17
البصر بتغير جهته مع سكون البصر أحس بحركته. وإن كانت حركة المبصر
18
على السمت الممتد بينه وبين البصر، وكانت حركته في جهة التباعد أو في جهة
19
التقارب، فإنه يبعد عن البصر أو يقرب منه. وإذا أحس البصر ببعده عنه أو
20
قربه منه مع ثبوت البصر في موضعه، فهو يحس بحركته. وإن كانت حركة
21
المبصر على الاستدارة فإن الجزء منه الذي يلي البصر يتغير ويتبدل. وإذا تغير ما
22
يلي البصر من أجزاء المبصر وأحس البصر بتغيرها مع ثبوت البصر في موضعه
23
أحس بحركة المبصر. فعلى هذه الصفات يدرك |II 111b|[ms Fatih 3213] البصر الحركة إذا كان ثابتًا في
24
موضعه.
25
[181] وقد يدرك البصر الحركة بكل واحد من هذه الوجوه وإن كان
300
1
البصر متحركًا. وذلك يكون إذا أحس البصر باختلاف وضع المبصر المتحرك مع
2
إحساسه بأن ذلك الاختلاف ليس هو من أجل حركة البصر. وفَرْقٌ في الحال بين
3
اختلاف الوضع الذي يعرض لذلك المبصر من أجل حركة المبصر نفسه وبين
4
اختلاف الوضع الذي يعرض له من أجل حركة البصر. فإذا أحس البصر
5
باختلاف وضع المبصر المتحرك، وأحس بأن اختلاف وضعه ليس هو من أجل
6
حركة البصر، أحس بحركة المبصر. وقد تتحرك صورة المبصر المتحرك في البصر
7
من أجل حركته، ولكن ليس يدرك البصر حركة المبصر من تحرك صورته في البصر
8
فقط. وليس يدرك البصر الحركة إلا بقياس المبصر المتحرك إلى غيره على الوجوه
9
التي بيناها. وذلك أن المبصر الساكن قد تحركت صورته |II 112a|[ms Fatih 3213] في البصر مع
10
سكونه، ولا يدركه البصر من أجل ذلك متحركًا. لأن البصر إذا تحرك في مقابلة
11
المبصرات عند تأمل المبصرات فإن صورة كل واحد من المبصرات المقابلة للبصر
12
تتحرك في سطح البصر عند حركته ما كان منها ساكنًا وما كان منها متحركًا والبصر
13
قد ألِف حركة صور المبصرات في سطحه مع سكون المبصرات، فليس يحكم
14
بحركة المبصر من أجل حركة صورته إلا إذا حصل في البصر صورة مبصر آخر
15
وأدرك البصر اختلاف وضع صورة المبصر المتحرك بالقياس إلى صورة المبصر
16
الآخر أو من تبدل الصور في الموضع الواحد من البصر الذي يكون من حركة
17
الاستدارة. فليس يدرك البصر الحركة إلا على الوجوه التي فصّلناها.
18
[182] والبصر يدرك حركة المبصر ويدرك كيفية حركته. أما إدراكه
19
للحركة فعلى الصفات التي ذكرناها. وأما إدراكه لكيفية الحركة فمن إدراكه
20
|II 112b|[ms Fatih 3213] للمسافة التي يتحرك عليها المبصر إذا كان المبصر ينتقل بجملته. ويتحقق
21
البصر كيفية الحركة إذا تحقق شكل المسافة التي يتحرك عليها المبصر المتحرك.
22
وإذا كان المبصر يتحرك على نفسه حركة مستديرة فإن البصر يدرك أن حركته
23
مستديرة من إدراكه لتبدل أجزائه التي تلي البصر، وتبدل أجزائه التي تلي مبصرًا
24
من المبصرات، أومن مسامتة جزء من أجزائه لمبصرات مختلفة واحدًا بعد واحد،
25
أو لأجزاء مبصر واحد جزءًا بعد جزء مع ثبوت جملة البصر في موضعه.
301
1
[183] وإن كانت حركة المبصر مركبة من الاستدارة مع الانتقال من
2
موضعه على مسافة من المسافات، فإن البصر يدرك أن تلك الحركة مركبة من
3
إدراكه لتبدل أجزاء المبصر المتحرك بتلك الحركة بالقياس إلى البصر أو إلى مبصر
4
آخر مع إدراكه لانتقال جملة المبصر من موضعه وتبدل مكانه. فعلى هذه الصفات
5
يدرك البصر كيفيات حركات |II 113a|[ms Fatih 3213] المبصرات.
6
[184] وليس يدرك البصر الحركة إلا في زمان، وذلك أن الحركة ليس
7
تكون إلا في زمان وكل جزء من الحركة ليس يكون إلا في زمان. والبصر ليس
8
يدرك حركة المبصر إلا من إدراك المبصر في موضعين مختلفين أو على وضعين
9
مختلفين. ولا يختلف وضع المبصر إلا في زمان، وليس يكون المبصر في
10
موضعين مختلفين ولا على وضعين مختلفين إلا في وقتين مختلفين. وإذا أدرك البصر
11
المبصر في موضعين مختلفين أو على وضعين مختلفين فإن إدراكه له في الموضعين أو
12
على الوضعين إنما يكون في وقتين مختلفين، وكل وقتين مختلفين فبينهما زمان،
13
فليس يدرك البصر الحركة إلا في زمان.
14
[185] فنقول إن الزمان الذي يدرك فيه البصر الحركة ليس يكون إلا
15
محسوسًا. وذلك أن البصر إنما يدرك الحركة من إدراك المبصر في موضعين مختلفين
16
موضع بعد موضع، أو على وضعين مختلفين وضع بعد وضع. فإذا أدرك البصر
17
المبصر المتحرك في الموضع الثاني ولم يدركه |II 113b|[ms Fatih 3213] في تلك الحال في الموضع الأول
18
الذي أدركه فيه من قبل فقد أحس الحاس أن الوقت الذي أدركه فيه في الموضع
19
الثاني غير الوقت الذي أدركه فيه في الموضع الأول. وإذا أحس بأن الوقت
20
الذي أدركه فيه في الموضع الثاني هو غير الوقت الذي أدركه فيه في الموضع الأول
21
فقد أحس باختلاف الوقتين. وكذلك إذا أدرك الحركة من اختلاف وضع
22
المتحرك. لأنه إذا أدرك المتحرك على الوضع الثاني ولم يدركه في تلك
23
الحال على الوضع الأول الذي أدركه عليه من قبل فقد أحس باختلاف الوقتين.
24
وإذا أحس الحاس باختلاف الوقتين فقد أحس بالزمان الذي بينهما. وإذا كان
25
ذلك كذلك فالزمان الذي يدرك فيه البصر الحركة ليس يكون إلا محسوسًا.
302
1
[186] وإذ قد تبينت جميع هذه المعاني مشروحة فإنا نقتص ما تبين من
2
جميعها فنقول: إن البصر يدرك الحركة من إدراكه للمبصر المتحرك على وضعين
3
مختلفين في وقتين مختلفين يكون الزمان الذي بينهما محسوسًا، وهذه هي كيفية
4
إدراك البصر للحركة.
5
[187] والبصر |II 114a|[ms Fatih 3213] يدرك اختلاف الحركات في السرعة والبطء ويدرك
6
تساوي الحركات من إدراكه للمسافات التي تتحرك عليها المبصرات المتحركة.
7
فإذا أدرك البصر مبصرين متحركين، وأدرك المسافتين اللتين يتحرك عليهما
8
المبصران، وأحس بأن إحدى المسافتين اللتين قطعهما المبصران المتحركان في زمان
9
واحد أعظم من الأخرى، أحس بسرعة حركة المبصر الذي قطع المسافة
10
العظمى. وإذا كانت المسافتان اللتان يتحرك عليهما المبصران وقطعاهما في
11
زمان واحد وفي زمانين متساويين 〈متساويتين〉 وأحس البصر بتساويهما فإنه
12
يحس بتساوي حركتي المتحركين. وكذلك إن أحس بتساوي المسافتين مع
13
اختلاف زماني الحركتين، فإنه يحس بسرعة حركة المتحرك الذي قطع المسافة في
14
زمان أصغر. وكذلك إن قطع المتحركان في زمانين متساويين مسافتين
15
متساويتين، وأحس البصر بتساوي الزمانين وتساوي المسافتين، أحس بتساوي
16
الحركتين. فقد تبين كيف يدرك البصر الحركات وكيف |II 114b|[ms Fatih 3213] يميز الحركات وكيف
17
يدرك كيفياتها وكيف يدرك تساويها واختلافها.
18
〈إدراك السكون〉
19
[188] فأما السكون فإن البصر يدركه من إدراك المبصر في زمان
20
محسوس في موضع واحد وعلى وضع واحد. فإذا أدرك البصر المبصر في موضع
21
واحد على وضع واحد في وقتين مختلفين بينهما زمان محسوس، أدرك المبصر في
22
ذلك القدر من الزمان ساكنًا. والبصر يدرك وضع المبصر الساكن بالقياس إلى
23
غيره من المبصرات وبالقياس إلى البصر نفسه. فعلى هذه الصفة يكون إدراك
24
البصر لسكون المبصرات.
303
1
〈إدراك الخشونة〉
2
[189] فأما الخشونة فإن البصر يدركها في الأكثر من صورة الضوء الذي
3
يظهر في سطح الجسم الخشن. وذلك أن الخشونة هي اختلاف وضع أجزاء
4
سطح الجسم، وهو أن يكون بعض أجزاء السطح شاخصة وبعضها غائرة.
5
وإذا كانت أجزاء سطح الجسم مختلفة الوضع، فإن الضوء إذا أشرق على سطح
6
ذلك الجسم كان للأجزاء الشاخصة أظلال |II 115a|[ms Fatih 3213] على الأجزاء الغائرة في أكثر
7
الأحوال. وإذا وصل الضوء إلى الأجزاء الغائرة فإنه يكون معه أظلال عن بعض
8
الأضواء. والأجزاء الشاخصة ظاهرة للضوء، فليس تستتر عن الضوء الذي
9
يحصل في ذلك السطح. وإذا حصل في الأجزاء الغائرة أظلال، وليس على
10
الأجزاء الشاخصة أظلال، اختلفت صورة الضوء في سطح ذلك الجسم.
11
والسطح الأملس أجزاؤه متشابهة الوضع، فإذا أشرق عليه الضوء كانت صورة
12
الضوء في جميع السطح متشابهة. فصورة الضوء في سطح الجسم الخشن مخالفة
13
لصورة الضوء في السطح الأملس. والبصر يعرف صورة الضوء الذي في
14
السطوح الخشنة وصورة الضوء الذي في السطوح الملس بكثرة مشاهدته للسطوح
15
الخشنة والسطوح الملس. فإذا أحس البصر بالضوء الذي في سطح الجسم على
16
الصفة التي قد ألفها في السطوح الخشنة حكم بخشونة سطح ذلك الجسم. وإذا
17
|II 115b|[ms Fatih 3213] أحس بالضوء الذي في سطح الجسم على الصفة التي قد ألِفَها من السطوح
18
الملس حكم بملاسة سطح ذلك الجسم. فالخشونة يدركها البصر في الأكثر من
19
صورة الضوء الذي يدركه في سطح الجسم الخشن.
20
[190] وإذا كانت الخشونة مسرفة كانت الأجزاء الشاخصة مقتدرة
21
المقادير. وإذا كان سطح الجسم بهذه الصفة فإن البصر يدرك الأجزاء
22
الشاخصة، ويدرك شخوصها، ويدرك اختلاف أوضاع أجزاء سطح الجسم من